رواية في هواها متيم الفصل الخامس 5 قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم.
٥– ” ليبقى سرًا “
أرتعشت يداها وسقط ما تحمله بين كفيها ، فشل الحرج حركتها ، بعدما سمعت ما تفوهت به علية ، فصدرها ظل يصعد ويهبط بخوف ، من أن ينتبه أبناءها على مغزى حديث تلك العجوز ، فهى رأت بوضوح ، تقطيبة حاجبي إبنتها ، وأنفراج شفتيها ، كأنها على وشك سؤال ، ماذا يحدث وهى لا تعلم ؟
فإبتسمت إلهام بتوتر قائلة :
–:” قصدك ايه يا حاجة علية بكلامك ده”
زفرت علية بخفوت وتنهيدة ، فقالت وهى تحدق بباسم :
–:” قصدى أنتى فهماه يا إلهام احنا مش هنضحك على بعض”
أراد فاروق فض النقاش بينهما فهتف قائلاً:
–:” فى ايه بس يا حاجة علية صلى على النبى واستهدى بالله”
ألتوى ثغرها بإبتسامة هازئة وهى تقول :
–:” وأنت تعرف ربنا أوى يا أستاذ فاروق”
طحن فاروق أسنانه من خلف شفتيه المطبقتين ، فحدث ذاته سراً :
–:” ولية قرشانة صحيح ، أنا عارف أنتى قاعدة ومتبتة فى الدنيا ليه وعزرائيل تايه عنك فين “
نظرت ليان وباسم لبعضهما البعض وهما لا يفهمان شيئاً مما يجرى حولهما ، فدائماً جدتهما تصر على عدم اخذهما شئ من أمهما أو زوجها ، فسابقاً فشلت ليان فى معرفة سبب ذلك ، فهى لا تعلم ماهية مهنة زوج والدتها ، فما تعرفه وحدثتها به والدتها ، كونه يمتلك مطعماً فقط ولا تعرف أكثر من ذلك
فأخذت يد جدتها بين راحتيها وتساءلت :
:” أنتى قصدك إيه يا تيتة”
سحبت علية يدها وربتت على وجنتها بلطافة :
–:” مفيش حاجة يا حبيبتى يلا على أوضتك أنتى وأخوكى”
تركت إلهام مكانها ، وجلست بجانب علية وإبتسمت لها بتملق :
–:” انا ملحقتش اشوفهم يا حاجة علية ممكن بس نبات هنا النهاردة أشبع من ولادى أنا عارفة أنك قلبك طيب”
وافقت علية على مضض ، أن تظل تلك المرأة وزوجها فى منزلها ، فهى لا تتخيل كيف استبدلت إلهام إبنها الراحل بهذا الرجل؟ فإبنها كان يشهد له الجميع بالخلق الحسن
فأجابتها علية بضيق :
– :” تنوروا يا إلهام متعودتش أقفل بيتى فى وش حد”
–:” تسلمى يا حاجة علية ربنا يباركلك”
قالتها إلهام بإمتنان مزيف ، فهى فشلت فى جذب ابنتها إليها أو إبنها ، فهما يتعاملان معها ببرود تام ، ولما لا وهى من تركتهما وهما صغار ، مفضلة بذلك رجلاً آخر عليهما
حل المساء سريعاً ، فذهبت إلهام وزوجها إلى غرفة الضيوف ، فجلس فاروق على الفراش ، ينفث دخان سيجارته بشرود
لاحظته زوجته فأقتربت منه تسأله عما أصابه :
–:” مالك يا فاروق فى إيه وشك متغير ليه كده”
نفث الدخان ببطئ قائلاً:
–:” مفيش حاجة يا حبيبتى أنا كويس”
جلست بجانبه على الفراش وقالت :
–:” طب سرحان ليه كده”
رفع شفته العليا مدمدماً بشئ من الضيق والسخط :
–:” الصراحة الولية القرشانة اللى اسمها علية دى تنرفز شوفتى كانت بتكلمنا إزاى كان نفسى أقبض فى زمارة رقبتها “
وضعت إلهام يدها على فمه ، تهتف بصوت منخفض :
–” بس وطى صوتك حد يسمعك يا فاروق مش ناقصين كلام ومشاكل”
أزاح فاروق يدها من على فمه وقال :
_:” هى ليه مش عايزة بنتك تيجى عندنا هو إحنا هناكلها دا إحنا هنشيلها على كفوف الراحة”
تمددت إلهام على الفراش وهى تقول:
–:” خلاص سيبها براحتها هى حرة”
إستدار بنصف جسده لها قائلاً بإصرار :
–:” حرة إيه أنتى لازم تصرى على إن بنتك تيجى عندنا لما تروح الكلية ولا عايزة تسيبيها فى القاهرة لوحدها والله أعلم إيه اللى ممكن يحصلها ولا حد يضحك عليها”
رمقته إلهام قائلة بغرابة :
–:” وأنت مهتم أوى بالموضوع ده ليه يا فاروق”
أستلقى فاروق على الفراش ، واضعاً يديه أسفل رأسه ، بعدما دعس سيجارته وأطفأها ، فقال بشئ من الدهاء :
–” بنتك وخايف عليها يا حبيبتى بلاش يعنى ثم كده كده لو جدتها ماتت هتيجى تعيش معانا هى وأخوها”
مدت إلهام يدها وأطفأت الإضاءة الجانبية للفراش وهى تقول :
–:” اديك قولتها لما تموت ، يبقى منتكلمش فى الموضوع ده تانى”
رد فاروق قائلاً بعبوس :
–:” ربنا ياخدها النهاردة قبل بكرة ونسمع خبرها قريب”
بذلك الوقت ، كانت علية تقف أمام باب الغرفة ، فهى سمعت حديثهما منذ البداية ، أثناء ذهابها الى المطبخ ، فعندما استمعت لاسم ليان وقفت مكانها ، فبسماعها حديث هذا الرجل المدعو فاروق ، زاد خوفها على حفيديها أكثر ، فماذا تفعل حتى يظل أحفادها بأمان بعيدا عن ذلك الرجل وشروره ؟
________________
تجلس مقابل له على طاولة الطعام ، تتناول طعامها الصحى بهدوء غير عابئة به أو بتلك الصغيرة ، التى تشعر أنها يتيمة الأم ، وأمها ما زالت على قيد الحياة
فغمر بيده وجنة صغيرته قائلاً بحب :
–:” مش بتاكلى ليه يا كنزى يا حبيبتى”
مطت الصغيرة شفتيها قائلة بفتور :
–:”مش عايزة يا بابى أكل مش جعانة”
جذبها من يدها قائلاً بحنان :
–:” طب تعالى وانا هأكلك يا حبيبتى”
ذهبت الصغيرة اليه ، فاجلسها على ساقه ، فرفع الملعقة لفمها ، فأبتلعت الطعام وهى تبتسم له
فلم تستسغ شهيرة ذلك ، فهتف بأكمل بصرامة :
–:” كده مينفعش يا أكمل سيب البنت تعتمد على نفسها”
حدجها أكمل بنظرة نارية قائلاً بحنق :
–:” البنت مش بتاكل يا هانم وأنتى مش مهتمة بيها أو بصحتها”
تبسمت شهيرة بسخرية وقالت :
–:” وأنت اللى مهتم أوى يا أكمل”
ربت أكمل على جسد الصغيرة بحنو بالغ قائلاً :
–:”بحاول يا شهيرة وأنتى عارفة أنا مشغول إزاى بس بالرغم من كده أنتى ما بتحاوليش تاخدى بالك من بنتك هو إحنا عندنا غيرها”
نظرت إليه ببرود ، فقلبت عينيها بملل من حديثه الذى لا يكف عنه ، فعادت تتناول الحساء بتروى ، رأى ذلك لعن تحت انفاسه عقله الذى أوصله إلى تلك الحالة
رفعت الصغيرة وجهها لأبيها وهى تقول :
–” بابى عايزة أروح الملاهى”
أماء أكمل لها برأسه باسماً فقال :
–:” حاضر يا روح بابى خلصى أكل ونروح”
فرحت الصغيرة بموافقة أبيها ولكن ماتت فرحتها عندما سمعت كلام والدتها وهى تقول:
–:” مفيش خروج دلوقتى أنتى لازم تنامى بدرى”
سكن الحزن بعين الصغيرة ، فعندما رأها والدها هكذا ثارت أعصابه ، فيكفى ما يحدث منها إلى هذا الحد
فصاح بوجه زوجته بإنفعال :
–:” لاء هنخرج يا شهيرة كنزى روحى للدادة وخليها تلبسك علشان نخرج ”
ركضت الصغيرة مسرعة لتنفيذ ما طلبه منها والدها ، وحتى لا تسمع اعتراض والدتها
فنظرت له شهيرة تصيح بانفعال مماثل :
–:” أنت إزاى تكسر كلمتى للبنت”
ترك أكمل المائدة وهو يقول ببرود :
–:” حد قالك إن أنا دلدول لحضرتك وإن لازم أقولك حاضر ونعم لاء يا ماما فوقى أنا راجل أوى دا أنا تربية حوارى “
صدرت منها أهة سخرية وهى تقول :
–:” أيوة كده حن لاصلك ما لولا بابى كان زمانك لسه فى الحارة اللى جيت منها وكان زمانك قاعد على القهاوى وإحتمال تكون بتشحت”
لم يدرى ما يفعل إلا وهو صافعها على وجنتها ، فقبض على شعرها بيده ، وراح يهز رأسها بعنف ، بسبب غيظه من حديث تلك المتعجرفة التى لا تتوانى عن إهانته ، متناسية أنه زوجها ، ويجب عليها إطاعته وإحترامه
صرخت شهيرة بألم ، وهى تحاول تخليص شعرها من يده ، فهتفت به بوعيد :
– :” سيب شعرى يا همجى والله لأكون قايلة لبابى كل حاجة وهخليه يشوف شغله معاك”
دنى بوجهه منها وفح من بين أسنانه قائلاً بغيظ عظيم :
–:” أنتى مفكرانى هخاف منك أنتى ولا أبوكى لاء فوقى لولا إن أنا دلوقتى وعدت كنزى إن أخرج معاها كان زمانى موريكى دلوقتى تربية الحوارى شكلها ايه يا بنت عامر الرفاعى”
قال ذلك وقام بدفع رأسها ، حتى كادت أن تترنح من دفعه لها ، وتسقط من على مقعدها ، كل هذا وهى بحالة من الذهول ، فأكمل لم يفعل ذلك يوماً ، ولكن ربما وصل الآن إلى أقصى درجات الغضب
ذهب أكمل الى غرفته قام بتبديل ثيابه ، و خرج من الغرفة ، فنظر اليها وجدها تجلس على إحدى الارائك تنظر إليه بعينان تطلق نيران ، ولكنه لم يعيرها إهتمام ، فابتسم لصغيرته و أمسك كفها الصغير متجه صوب سيارته ، أستقلا السيارة ، ولكنه لاحظ وجوم طفلته
فقرص وجنتها بلطف قائلاً :
–:” مالك يا حبيبتى أنتى زعلانة ليه”
أطرقت الصغيرة برأسها وهى تغمغم بصوت حزين :
–:” علشان سمعتك أنت ومامى بتتخانقوا يا بابى هى ماما مش بتحبنى ليه”
أخذته الشفقة على حزنها وسؤالها المتكرر له ، فحاول التخفيف من حالتها ، فهتف لها بحب :
–:” حبيبتى متقوليش كده هى بتحبك أوى ثم النهاردة عايزيين نتفسح فسحة حلوة ماشى”
تبسمت الصغيرة قائلة بحماس :
– :” ماشى يا بابى”
ابتسم لطفلته ، فأحياناً كثيرة يسأل نفسه ،هل هو السبب فى حزن تلك الصغيرة بسبب إصراره على إنجابها أم ماذا ؟ ولكنه عاد واستغفر ربه على تفكيره ، فالله هو من أراد أن يرزقه بتلك الصغيرة الجميلة
________________
علم رفيق بظهور نتيجة الثانوية العامة ، فجلس بجوار شقيقته لمعرفة مخططاتها المستقبلية، وأى كلية تريد الدراسة بها ، فوجدها تسرع بإخباره بأنها تريد الدراسة بكلية التجارة ، فتعجب شقيقها مالك ووالدتها من الأمر ، فهى حصلت على مجموع يمكنها من الدراسة بأفضل الكليات ولكنها أصرت على قرارها
فتعجب رفيق من إصرارها وقال :
–:” اشمعنا اصرارك على كلية تجارة يعنى يا رهف”
تبسمت له رهف وهى تقول بإعجاب :
–:” علشانك أنت يا أبيه يا عسل أنت و علشان أنت كمان اللى تدرسلى فى الكلية ويبقالى وسطة بقى وامشي نافشة ريشى كده فى الكلية ما الدكتور يبقى أخويا”
لوى مالك شفتيه قائلاً :
–:” نافشة ريشك يبقى أبيه رفيق هيقصلك ريشك ده ما أنتى عارفة اللى فيها دا مش بعيد لو اتكلمتى يطردك من المحاضرة ويبقى شكلك وحش أوى يا رهف”
زوت رهف حاجبيها قائلة بتساؤل :
–:” بجد الكلام ده يا أبيه”
ردت منى عوضاً عنه وهى تقول :
–:” بس يا مالك متخوفهاش دا أخوها وميعملش كده فيها”
تبسم رفيق لوالدته قائلاً :
–:” لاء أعملها يا أمى لو هى استهترت علشان أنا أخوها أنا هبقى أخوها فى البيت فى الكلية دكتورها وبس”
فقال مالك متفكهاً :
–:” يا خسارة ريشك اللى نفشتيه على الفاضى يا رهف”
مد رفيق يده يحاوط كتفىّ شقيقته بمحبة ، فقربها منه فهو رأى علامات الإمتعاض على وجهها ، فطبع قبلة على رأسها وقال :
–:” حبيبة قلبى هتبقى شطورة وتقعد ساكتة فى المحاضرات وتسمع الكلام بس لحظة كده أنا أساساً مش بدرس لسنة اولى”
سألته والدته بدهشة :
–:” مش بدرس لأولى ليه مالهم هيعضوك يا رفيق”
سمع رفيق صوت ضحكة شقيقه مالك ، فخاطبه محذراً:
–:” بس يا ابنى أنت أكتم دلوقتى أنا برفض أدرس لأولى وكلهم فى الكلية عارفين كده بيبقوا لسه عايشين فى جو الثانوية وأنا مليش دماغ لكده”
مطت رهف شفتيها قائلة :
–:” ايه البخت ده بس برضه هدخل تجارة”
مسد رفيق على ذراعها قائلاً :
–:” اللى يريحك يا حبيبتى ده مستقبلك وأنتى أدرى بيه “
أرتشفت منى من قدح القهوة خاصتها وهى تقول :
:” على فكرة إحنا معزومين على فرح يوم الخميس يا رفيق فرح ابن واحد من الجيران اللى جمبنا عزمونا على الفرح”
تبسم مالك قائلاً بمكر :
–:” أنتى متأكده إن إحنا معزومين ياماما مش حاجة تانية”
رمقته والدته بنظرة نارية ، فرفعت سبابتها بوجه قائلة :
– :” هش يا واد أنت وأسكت شوية تعرف ولا متعرفش
وضع مالك يده على فمه ، دليلاً على أنه سيلتزم الصمت ، ولكن رفيق قال بشئ من الضيق :
–:” يبقى أكيد يا أمى عيزانى أجى معاكى علشان تشوفيلى عروسة من الفرح مش كده”
قالت رهف ممازحة والدتها :
–” دى موضة ستيناتى أوى دى يا ماما”
زفرت منى من أنفها ، من تضيق الخناق عليها من أبناءها ، فهتفت بهم بشئ من الصرامة :
–:” فى ايه مالكم دا كله علشان قولت معزومين على فرح”
مسح رفيق وجهه براحتيه مغمغماً بصوت سمعته والدته :
–:” نفسى يا أمى تبطلى تفكير فى الموضوع ده أنا مش عايز أتجوز يا أمى مش عايز أتجوز”
حطت منى بيدها على رأسها وهى تقول :
–:” طب متفسرش فى وشى علشان كلامك ده بيتعبنى وبيرفع ضغطى لما أشوف أول فرحتى مش عايز يفرحنى بيه ولا يتجوز ولا أشوف ولاده قبل ما أموت”
ترك مالك مكانه وجلس على حافة مقعد والدته قائلاً بمزاح :
– :” شوفت أهى ماما دخلت فى دور أمينة رزق أهى يلا يا حاجة فاضل فقرة يعنى أشوف أخواتك اتجوزوا وأنت قاعد لوحدك كده من غير زوجة وعيال”
سمعوا ما قاله مالك ، فلم يمنعوا أنفسهم من الضحك على مزاحه ، ولكن اثناء ابتسامته اخذته الذكريات ، الى تلك الذكرى الأليمة فى حياته ، والتى لا يعلم بشأنها سوى صديقه أكمل فقط ، فجميعهم لا يعلمون حتى الآن ، سبب عدم رغبته فى الزواج ، فجراح الماضى مازالت تنزف بداخل قلبه منذ سنوات مضت ، فأدمت روحه أيضاً وصار قلبه يعلن حداداً على مشاعر الحب ، فقلبه مقبرة مدفون بداخلها أحاسيس ماتت فى مهدها
نظرت رهف إلى تلك الرواية التى بين يديها ، والتى تقرأها بحماس شديد ، فعقد رفيق حاحبيه متأففاً من عادة شقيقته فى قراءة تلك الروايات ، التي يرى أنها مضيعة للوقت ، فقام بسحب الكتاب من بين يديها ، فشهقت رهف بصوت مسموع
فحذرها قائلاً بحزم :
– :” بطلى بقى قراية الروايات الغريبة دى”
حاولت رهف أخذ الكتاب منه ، فلم تفلح محاولتها ، فخاطبته برجاء :
–:” ليه كده يا أبيه دا البطل انضرب بالرصاص هات بقى أشوف مات ولا إيه مش كفاية مش بنخرج إلا قليل أوى وأنا فى اجازة أهو محدش فيكم فكر ياخدنى يفسحنى أخوات إيه دول مش عارفة”
وضع رفيق الكتاب على الطاولة ، قائلاً بوعد :
–:” أنتى عارفة إن أنا عندى شغل كتير وهخلصه ونسافر يومين فى أى حتة”
صاحت رهف بسعادة وهى تهتف :
–:” يعيش أبيه رفيق يحيا العدل”
–:” اه منك أنتى يا سوسة يالى واكلة عقله”
قالتها منى بضحكة خافتة ، وهى تعاود شرب قهوتها
فقال رفيق بحب :
–:” دى مش بس أختى دى بنتى وتربية ايدى”
أقترب مالك منه رغبة منه فى أن يمازحه فقال :
–:” تسلم ايدك يا كبير ايدك ابوسها”
رفع رفيق حاجبه الأيسر قائلاً :
–:” اتلم ياض أنت قولتلك ، ما أنت كمان تربية ايدى”
نظرت منى لولدها البكر ، تشعر بالسعادة كونه إبنها ، وحامل لواء الأسرة ، فقالت بحنان وحب جارف :
– :” ربنا يباركلنا فيك يا حبيبى وميحرمناش منك أبداً يارب”
ترك رفيق مكانه وأقترب من والدته ، فأنحنى يقبل يدها قائلاً :
–:” ولا منك يا أمى تصبحوا على خير بقى يلا يا استاذ على اوضتك تنام وتصحى بدرى مفهوم”
رفع مالك يده بجانب رأسه كأنه يؤدى التحية العسكرية فقال :
–:” حاضر يا أبيه مش هتشربنا اللبن كمان قبل ما أنام”
قال مالك ذلك ، وفر هارباً من امام شقيقه ، قبل أن يقترب منه ، فهو أحياناً بمزاحه يجعل شقيقه يريد ضربه ، ولكن رفيق طوال سنوات رعايته لأشقاءه ، لم يقدم على ضرب أحد منهما ، فهما لا ينظران إليه على أنه شقيقهما فقط ، بل هو أبيهما أيضاً
_______________
بعد الانتهاء من التنسيق وملأ الرغبات بالكليات المتاحة ، ظهرت نتيجة التنسيق ، فعلمت بها ليان ، وتغيرت ملامح وجهها غضباً وامتعاضاً ، فهى لا تريد الدراسة بتلك الكلية ولكن هذا هو قدرها
فأقترب منها باسم قائلاً بتساؤل :
–:” ها نتيجة التنسيق ايه جاتلك كلية إيه”
كسا الحزن وجهها وهى تقول :
–:” جالى كلية تجارة القاهرة”
شعرت علية بالسعادة فقالت :
–:” ألف مبروك يا حبيبتى ربنا يوفقك”
هتفت ليان بضيق وضجر :
–:” بس أنا الصراحة مش حابة الكلية دى ولا بحب دراسة الأرقام والرياضيات”
–:” هتعملى ايه هتحولى لكلية تاتية يعنى ولا ايه”
سألها باسم رغبة منه فى معرفة قرارها النهائى بهذا الأمر
فلم يكن من ليان سوى أطلقت نهدة بخفوت وهى تقول :
–:” مش عارفة والله أعمل ايه”
اقترحت جدتها قائلة :
–:” صلى صلاة استخارة يا حبيبتى وربنا هيدلك على الحل الصح”
أماءت ليان برأسها موافقة على ما أبدته جدتها من نصيحة :
–:” ماشى يا تيتة بس فى سؤال أنا عايزة اسألك عليه انتى ليه مش بتخلينا ناخد حاجة ماما جيباها لينا أو راضية تخلينى اروح عندهم”
اجابتها علية بهدوء :
–:” وأنتى عايزة تروحى تقعدى عندهم”
هزت ليان رأسها نفياً وهى تقول :
–:” لاء طبعا بس عايزة أعرف ايه السبب”
قالت علية وهى تترك مجلسها :
–:” مفيش حاجة متشغليش بالك بس أنتى لو روحتى جامعة القاهرة هتعملى ايه”
ردت ليان قائلة :
–:” هقعد فى المدينة الجامعية يا تيتة ، لان لو روحت من هنا للكلية كل يوم هيبقى الموضوع صعب أوى”
نظر باسم لهاتفه وهو يقول :
–:” وفى القاهرة عمو محسن هناك هو وماجد ممكن ياخدوا بالهم منك”
عندما إستمعت لحديث شقيقها ، اصطبغ وجهها بذلك اللون القانى ، عندما تذكرت أن ماجد هو الأخر يدرس بجامعة القاهرة
فأدت صلاة الاستخارة ، ووجدت نفسها ذاهبة لتقديم أوراقها بتلك الكلية ، فهذه هى إرادة الله ، أن تكمل دراستها بها ، على الرغم من عدم حبها لتلك الدراسة
فبعد الانتهاء من تقديم أوراقها ، عادت الى المنزل ،فولجت البيت ولا تعلم أن هناك زائرين لهم ،
أحدث صوتها جلبة عالية خاصة وهى تدندن أحد الاغانى الطفولية بصوتها الخلاب :
–” ألف ارنب يجرى يلعب يأكل جزرا حتى يشبع”
ولكن جحظت عيناها عندما وجدت من ينظرون لها بابتسامة على أفعالها ، فضحك محسن قائلاً :
– ” صوتك حلو يا ليان”
توهج وجهها من شعورها بالخجل ، فخرج صوتها ضعيفاً وهى تقول:
–:” عمو محسن أزيك أنا أسفة على الدوشة اللى عملتها دى”
تبسم محسن وهو يدعوها للجلوس :
–:” ولا يهمك أنتى عاملة ايه أقعدى أحكيلى عملتى ايه فى الكلية النهاردة”
جلست ليان على إستحياء وقالت :
–:” الحمد لله النهاردة قدمت ورقى فى كلية التجارة”
فرك ماجد يديه ببعضهما البعض قائلاً :
–:” ربنا يوفقك ياليان”
أبتلعت ليان لعابها قبل أن تقول:
–:” شكرا يا ماجد هى طنط صابرة مجتش معاكم ليه”
ساد التوتر على محيا محسن ، فحاول الإبتسام وهو يقول :
–” اصلها تعبانة شوية مقدرتش تيجى معانا”
نظرت له ليان قائلة بإهتمام :
–:” الف سلامة عليها هى تيتة وباسم فين”
رد ماجد قائلاً :
–:” جدتك يا ستى مصرة تعملنا شاى واحنا طلبنا منها ترتاح هى مش راضية”
تبسمت ليان وقالت:
–:” هى تيتة كده عن اذنكم اشوفها”
خرجت من الغرفة ، بخطوات مرتجفة ، فهى وضعت نفسها بموقف محرج للغاية ، فأنبت ذاتها وهى تقول:
–:” داخلة أغنى ألف أرنب يقول عليا ايه دلوقتى هبلة شكلى بقى وحش أوى”
سمعت جدتها غمغمتها ، ولم تفهم منها شيئاً ، فأقتربت منها وتساءلت بغرابة :
–:” أنتى بتكلمى نفسك يا ليان ولا ايه”
أنتفضت ليان بعد سماع صوت جدتها :
–:” ها لاء يا تيتة مفيش حاجة عنك أنتى الشاى”
قامت بحمل أكواب الشاى ، وجدتها تتبعها ، فدلفتا الى الغرفة ووضعت الصينية ، فولج باسم أيضاً قائلاً :
–:” منور يا عم محسن وأنت يا دكتور”
صافح محسن يد باسم الممدودة قائلاً بحنين :
–:” تسلم يا إبنى سبحان الله كأنى شايف أبوك يا باسم صحيح اللى خلف مامتش ، أنا سمعت يا حاجة علية أنك ناوية تبيعى الجنينة الشرقية”
أماءت علية برأسها مراراً وهى تقول بأسى :
–:” ايوة بس لسه لدلوقتى مفيش مشترى مناسب للأرض”
رد محسن قائلاً :
–:” ربنا يسهل الارض دى كانت غالية اوى على سامى الله يرحمه”
تدور الاحاديث من حولها ، غير واعية هى لشئ سوى ذلك الشاب الجالس بالمقعد المقابل لها ، فعلى الرغم من انها لم ترفع عينيها عن موضع قدميها ، ولكن لا تعلم لما تشعر بكل هذا التوتر ؟ كأنه جاء لخطبتها ، أنبت نفسها على أفكارها السخيفة ، فهو لم ينهى دراسته الجامعية بعد ، ولكنها تتحين تلك اللحظة بصبر كاد أن ينفذ
سمعت صوت رنين هاتفها دليلاً على وصول بعض الرسائل لها على أحد مواقع التواصل الإجتماعى، فأخذته من جيبها ، لترى ما الأمر ، فالصوت تردد عدة مرات كأن وصل لها العديد من الرسائل
فتحت الهاتف تتصفح الرسائل ، جحظت عينيها وهى ترى تلك الصور المخلة ، وليس هذا فحسب فوجه الفتاة بالصور وجهها هى ، هبت واقفة من مكانها ، فأثارت غرابتهم ، خاصة وهى تقف متصنمة بوقفتها ، ويداها معلقة بالهواء ، مما أدى لسقوط الهاتف منها ، فلم ينتهى الأمر لهذا الحد ، بل سقطت مغشياً عليها فى الحال
فصرخت علية وهى تدب صدرها بخوف وصاحت قائلة :
– لياااان
________________
يتبع……!!!!!!!!
اترك رد