روايات رومانسيه

رواية في هواها متيم الفصل الخامس و العشرين و الاخير

قال هرم بن حيان: ما أقبل عبدٌ بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم.

الأخير والخاتمة – ” سحر عينيكِ”

صرخ رفيق بوجهها ، فانتفضت ماهيتاب من حدة صوته الهادر بها ، فشعرت بإرتجافة قوية تغزو أطرافها ، وعلى الرغم من خوفها الشديد من هيئته ، إلا أن قدميها لم تسعفها بحملها لتهرب من أمامه ، فرفعت يدها على وجنتها تتحسس مكان تلك الصفعة التى ناولها إياها

فنظرت إليه قائلة فى دهشة :
– أنتى بتضربنى يا رفيق ده كله علشان قولتلك بحبك هو غلط إن أنا أحبك

ماذا يفعل معها ؟

ذلك هو السؤال الذى تبادر لذهنه ، بعد رؤية جنونها ، فحتماً هى أصيبت بالجنون ، حتى تتخلى عن كل معالم الأخلاق والقيم ، وتخبر شقيق خطيبها بأنها تفضله هو عن شقيقه

– أنتى شكلك فعلاً أتجننتى يا ماهيتاب فوقى يا بنتى فوقى دا مينفعش مينفعش ومستحيل يحصل
قالها رفيق بصراخ ، لعلها تعى تلك الحمقاء حقيقة كونه من المحال أن تظل تفكر بتلك السخافات بعقلها

فخرج مالك عن صمته أخيراً وقال بصوت معبأ بالدهشة والصدمة والخيبة :
– يعنى كل كلام الحب بتاعك ده يا ماهى بتضحكى عليا علشان تبقى قريبة من رفيق ، ولو كنا اتجوزنا كان هيبقى عندك إستعداد تخونينى

شق الحرج والشفقة قلب رفيق من قول مالك ، فهو من المحال أن يقدم على التسبب له بإيذاء أو أن يكسر أواصر علاقة الأخوة والمحبة بينهما ، فهو إبنه قبل أن يكون شقيقه

– برا يا ماهيتاب قولتلك ومش عايز أشوف وشك تانى وعلاقتك بأخويا أنتهت لحد كده خلاص برااااا
صرخ بها رفيق بوجهها ثانية ، فهو يريد إختفاءها من أمامه ، فيكفى نظرات الألم ، التى يراها بعين شقيقه

فلم تنتظر ماهيتاب أن يقولها ثانية ، فأخذت حقيبتها التى سقطت منها أثناء صفع رفيق لها ، فركضت خارج الغرفة تهرول مسرعة ، قبل ان تتلقى صفعة اخرى منه ربما هذه المرة سيجعلها تبصق أسنانها

نظر رفيق إلى شقيقه ، فهو يعلم ما يشعر به الآن ، وجد نفسه يقترب منه و يضمه اليه بحنان أبوى ، فهو لم يكن يريد أن يكون المتسبب بكسر قلبه ، بسبب جنون و هوس تلك الفتاة به

فربت على ظهره قائلاً بحنان :
–:” مالك حبيبى متزعلش من اللى حصل ده كله جايز ده خير وأحسن ليك “

أبتعد مالك عنه ونظر إليه ودمعة حارة فرت من إحدى عينيه وهو يقول :
–:” طلعت ده كله بتضحك عليا ووخدانى سكة علشان توصلك ازاى كنت مغفل ومأخدتش بالى ده كله ازاى ازاى”

صرخ مالك بكلمته الأخيرة ، فأسرع رفيق بالقبض على مرفقيه ، لعله يهدأ قليلاً ، فهتف به قائلاً:
– :” خلاص يا مالك متفكرش فى اللى حصل كتير ، ربنا هيعوضك باللى احسن منها إن شاء الله وكويس أنك عرفت دلوقتى قبل ما تتورط بجوازك منها “

ربما شقيقه محق بما قاله ، فالله قد أرسله بذلك الوقت ليسمع بأذنيه حديث تلك الفتاة ، ليعلم أنها لن تكون له يوماً ، فعلى الرغم من تلك النيران التى تغير بصدره ، إلا أنه لايلوم شقيقه الأكبر على ماحدث ، فهو مثله ليس مذنباً بتلك القصة ، فربما هذا أفضل من أن تندلع الكراهية بينهما فيما بعد ، إذا كان تزوج من ماهيتاب وهى تفكر بشقيقه ، وتتسبب بتحطيم كل الروابط بينهما

عندما وجد رفيق أن صمته قد طال ، ولكن بدأت معالم الغضب والألم تنحسر عن وجه تدريجياً ، عاد وضمه إليه ثانية ، وتلك المرة شدد مالك من إحتضان شقيقه ، فتلك رسالة أبلغ من الحديث ، بأن رفيق سيظل شقيقه وراعيه وأبيه ، الذى لن يسمح لأى أحد بتعكير صفو تلك المحبة بينهما
_________________
تلك الليلة التى تسبق الزفاف ، أقيم حفل الحناء بمنزل رفيق ، فتجمعت الفتيات وجاءت سارة هى الأخرى ، فبالغد سيكون زفافهما سوياً ، فإجتمعت الفتيات بالداخل ، بينما تجمع الرجال بالخارج ، ينظر رفيق من وقت لأخر لشقيقه مالك ، فتارة يراه صامتاً وتارة أخرى يجده يتحدث ويضحك ، ولكنه يعلم أنه لن يتجاوز الأمر بسهولة ، ولكن هو بحاجة لمزيد من الوقت

فأنتبه رفيق على نداء أكمل له وهو يقول:
– إيه يا عمنا روحت فين كده

تبسم رفيق إبتسامة هادئة قائلاً :
– معاكم أهو بس قولى أنت دلوقتى بقيت كويس ولا ناوى تفضحنا بكرة

فهم أكمل مغزى حديث رفيق ، فوكزه بكتفه وقال :
– أتلم ياض أنت أينعم الحادثة فشفشتنى بس الحمد لله على كل حال

ربت رفيق على ساق أكمل قائلاً:
– الحمد لله يا صاحبى أنك بخير متعرفش أنا كان ممكن يجرالى أيه لو بعد الشر كان جرالك حاجة ، دا أنت صاحبى الوحيد وأخويا وأنت اللى عارفنى أكتر من أى حد

تبسم له أكمل ، فالعلاقة بينهما لم تقتصر على الصداقة فقط ، بل كانت علاقة أخوة أكثر منها صداقة ، فهو لا ينكر سعادته برؤية تلك السعادة على وجه رفيق من أنه أخيراً نال منه العشق

بالداخل … كان صوتها هى أكثر جهورية وصخباً ، فهى لن تجد حدثاً كهذا كل يوم ، فهى تتنقل بين الجالسات بمرح ، بل أنها لم تكف عن التصفيق والغناء والرقص

فسحبتها ليان من يدها وهى تقول :
– رهف كفاية عليكى كده أنتى هتفرهدى مننا كده

ضحكت رهف وقالت :
– ياستى هو كل يوم أبيه رفيق القمر ده هيتجوز سبونى أخد فرصتى

قالت رهف شق جملتها الأخير بتفكه ، فما لبثت أن عادت للرقص ثانية ، تطلق الزغاريد بصوت صادح

فشعرت ليان بجلوس والدة زوجها بجانبها ، فمدت يدها وأخذتها بين كفيه ، فبسطتها ووضعت بها خاتم ذهبى ، فنظرت لها ليان بنظرات متسائلة :
– خاتم ايه ده يا ماما منى

إبتسمت منى بحنين وهى تقول:
– الخاتم ده كان أول خاتم رفيق أشترهولى من فلوسه اللى كسبها من عرقه وشقاه ، فالخاتم ده غالى عليا أوى فحبيت أهديكى بيه زى ما ههديكى براجل لو فضلت تدورى على حد فى شهامته ورجولته مش هتلاقى ، وأنا مش بقول كده علشان أنا أمه وبحبه لاء والله ، رفيق فعلاً ونعم الرجال ، فخلى بالك منه يا ليان ، هو بيحبك وده باين عليه أوى ، أنا عمرى ما شوفت إبنى متعلق بواحدة كده ، وعلشان كده أديتك أغلى ذكرى عندى ، فحافظى على إبنى زى ما هتحافظى على الخاتم

أغلقت ليان كفها على الخاتم ، وأحتضنت والدة زوجها بحب وهى تهمس بأذنها بوعد :
– هم الاتنين فى عينيا يا ماما منى

قبلتها منى على وجنتها ، فهذا هو اليوم الذى أنتظرته طويلاً ، وكانت تلح على إبنها من أجل أن يجعلها تشعر بشعور الفرح برؤية وحضور زفافه ، فلم تمنع نفسها هى الأخرى من إبداء سعادتها أمام الحاضرين وشاركتها والدة سارة فرحة بزفاف إبنتها هى الأخرى

فمدت رهف يدها لسارة وهى تقول بتفكه:
– يلا تعالى أرقصى معايا عرايس ايه اللى قاعدة ساكتة دى يا أخواتى

تبسمت سارة على قولها ونهضت من مكانها وهى تقول:
– خلاص يا ستى ولا تزعلى نفسك هرقص معاكى أهو يلا يا ليان وأنتى يا نسرين

تحولت الصالة لساحة رقص ، فتعالت الضحكات والتصفيق ، بل أن رهف أطلق صافرات الإعجاب بصوت مسموع ، فظل الإحتفال على أشده ، حتى الساعات الأولى من اليوم التالى

فبعد أن أنفض الجمع وخلد الجميع للنوم ، لم يواتيها النوم ، فولجت شرفة الغرفة ، ورفعت يديها تنظر لتلك الرسومات على يديها وهى تبتسم

– جميلة أوى الحنة على إيدك
قالها رفيق وهو يقترب منها ، فشهقت ليان بخفوت فمن أين جاء ؟ فوالدته أصرت عليه بالمبيت بمكان أخر اليوم

ولكنها تذكرت أن الشرفة متصلة بغرفة أخرى ، والتى يبدو أن رفيق كان يقيم بها ، فقبل أن تلوذ بالفرار منه

كان محاصراً إياها بإحدى الزوايا مانعاً فرارها ، كغزالة صغيرة وقعت بالأسر بين يدى صياد ماهر ، علم كيف يجعلها تستكين لأوامره وتطيعه بدون أن تبدى رفضاً أو إعتراضاً

فأستندت بكفيها على الجدار خلفها ، كأنها تحاول النفاذ خلاله ، فقالت بتوتر :
– ررفيق أنت جيت هنا ليه دلوقتى مش المفروض تكون نايم يلا روح نام

قبض على إحدى خصيلاتها ومررها بين أصابعه وهو يقول :
– مجاليش نوم قبل ما أشوفك وأنتى منمتيش ليه أنتى كمان

– من كتر الفرحة والتفكير مش عارفة أنام
قالتها ليان ببساطة ، فجعلت الإبتسامة تسكن محياه ، فظل يقترب منها ، حتى شعرت بدنو عناقه لها ، ففرت من أمامه بسرعة ، وأغلقت باب الشرفة ، تاركة إياه بالخارج

فأستندت على الباب الزجاجى للشرفة وهى تقول :
– يلا يا رفيق روح نام

ولكن طرق رفيق الباب الزجاجى ، فألتفتت تنظر إليه عبر الزجاج ، وهى تحرك رأسها بالرفض ، من أنها لن تسمح بمروره للداخل ، بل لم تكتفى بذلك ، بل سحبت الستائر لتحجب الرؤية بينهما ، فعليه الانتظار حتى حلول الغد
_______________
ولجت رهف غرفة شقيقها مالك ، فهم علموا بشأن فسخ خطبته من ماهيتاب ، فوالدته ظلت تدعو له بصلاح الحال ، وأن يعثر على فتاة أفضل منها ، ولكن رهف مازالت تشعر بمدى حزن شقيقها ، فلا أحد يعلم سبب فسخ الخطبة سوى هو ورفيق

صاحت رهف بإعجاب من رؤية وسامة شقيقها بحلته السوداء وهى تقول:
– ايه يا لوكا الجمال ده كله قمر يا ناس

تبسم مالك على اللفظ التحببى ، الذى تطلقه عليه شقيقته ، فقرص وجنتها برفق وهو يقول:
– مش قولتلك بطلى كلمة يا لوكا دى محسسانى أن انا أبقى أبن أختك وبتدلعيه

ضحكت رهف وقبلت وجنة شقيقها قائلة :
– يا خراشى على القمر هو أنا أطول يبقى عندى إبن أخت عسلاية كده

علم مالك بأن ما تفعله رهف ماهو إلا رغبة منها فى الترويح عنه ، فعاود النظر بالمرآة ليتأكد من حسن مظهره ، فاليوم زفاف شقيقه الأكبر ، ويجب أن يبدو بأبهى طلة

فرفعت رهف يدها وربتت على كتفه وهى تقول بجدية :
– متزعلش يا مالك من اللى حصل ربنا يعوضك بأحسن منها أنا مش عارفة أنت إزاى مش واخد بالك من حب نسرين ليك دى أى حد عنده نظر هيعرف أنها ميتة فى هواك

لا تعلم كيف أنسابت الكلمات من بين شفتيها ، فرعونتها أحياناً تجعلها تتفوه بما لايصح ، كما فعلت من قبل وأخبرت رفيق بشأن حب ليان لماجد

فوضعت يدها على فمها ، كأنها أدركت ذلة لسانها فجأة ، فتيبس جسد مالك ، بعد سماع ما قالته رهف ، فقبل أن يستدير إليها للسؤال عن صحة قولها ، كانت تفر هاربة من الغرفة

ففغر فاه وهو يقول فى دهشة :
– نسرين

رمش مالك بعيناه عدة مرات ، كأنه يحاول أن يعى ما سمعه من شقيقته ، فهل ما قالته صدقاً ، أم انها تمزح معه كعادتها ، فهو لم يفكر مطلقاً بشأن نسرين ، فهو كان يرى أفعالها معه ، على أنها تقديراً واحتراماً منها لرب عملها ، ولكن أن يكون كل هذا بدافع الحب من جانبها ، فهذا لم يفكر به مطلقاً من قبل
________________
فى إحدى القاعات الفخمة ، الخاصة بحفلات الزفاف ، ولجت فتاتان بكامل أناقتهما ، فمن يراهما يجزم أنهما حوريتان وليسوا بشريتان ، فاليوم يوم زفاف رفيق و صديقه أكمل فهما أصروا على اقامة حفل زفاف واحد ، ليتشاركا فرحتهما سوياً

تأبطت كل منهما ذراع زوجها ، ووجوههما تكاد تنفجر منها الدماء ، من فرط خجلهما ، فتعالت الزغاريد بالقاعة ، فكل الوجوه مبتسمة وسعيدة ، والأجواء مفعمة بالحب والعشق

رفع رفيق الوشاح الأبيض من على وجهها ، فهو لم يصدق بعد أنها هى الآن عروسه ، تلك الفتاة التى ارهقت قلبه كثيراً ، ولكن وصل بالنهاية إلى أن تصبح ملكه وسيشهد الجميع على ذلك

فهمس لها قائلاً بحب :
–:” مبروك يا حوريتى”

أطرقت برأسها أرضاً وهى تقول بخجل :
–:” الله يبارك فيك يا حبيبى”

أطلق رفيق نهدة حارة وهو يقول:
–:” انا مش مصدق نفسى لدلوقتى انك بقيتى ليا يا ليان حاسس أن أنا لسه بحلم”

عضت على شفتها السفلى لتوقف أرتجافها ، فما لبثت أن قالت بصوت مبحوح :
–:” لاء صدق يا رفيق إحنا دلوقتى مع بعض أهو “

رد رفيق قائلاً بعشق :
–:” أنتى قلب رفيق يا ليان”

سمع اسمه منها ، مثلما كان يحلم دائماً ، فهمسها باسمه لم يزيد قلبه إلا تعلقا بها ، ذلك القلب الذى كان منذ سنوات يحيى بسبات عميق ، ويرفض أى انثى أن تقترب منه لتوقظ الحب بقلبه ، حتى جاءت تلك الصغيرة ، تذيب بحرارة عشقها ذلك الجليد الذى كان يحاوط قلبه إحاطة السوار بالمعصم

إبتسم أكمل وهو يرى ابنته تقفز فرحاً من مكان لآخر ، تأتى إليهما ثم تذهب للعب مع الاطفال ، يبتسم لها ويبتسم لتلك الجميلة بجواره ، تلك الفتاة التى جعلته يشعر بتلك المشاعر الجميلة والصاخبة ، تجعله عازماً على أن يحيا حياة جميلة معها ، فيكفى سنوات عمره التى هُدرت وهو يعيش حياة أشبه بالموت

تعجبت سارة من تحديقه المستمر بها ، فتبسمت له قائلة:
–:” أنت بتبصلى كده ليه”

بادلها أكمل الابتسام وهو يقول:
–:” معجب فيها حاجة دى يعنى”

حمحمت سارة كأنها تدعى الجدية فقالت بمزاح :
– :” أمممم طب أسكت أحسن أقول لجوزى عليكى”

– :” قولى وربنا كده هتقولى لجوزك”
قالها أكمل ليجاريها بمزاحها ، فحركت سارة رأسها وهى تقول :
–:” اه طبعاً هقوله أن فى راجل حليوة كده بيعاكسنى وبيقولى انا معجب وقولتله أن أنا هقول لجوزى وقالى إيه يعنى وراح مشوح بإيده كده كأنه مش هامه حاجة “

رد أكمل قائلاً :
–:” أنا بحبك يا سارة “

إجتاح أعترافه لها حواسها ، فخرجت الكلمات من فمها بإنسيابية وهى تقول:
–:” وانا كمان بحبك اوى”

يقف مالك بجوار شقيقته رهف ، التى لمحت مجئ نسرين فابتسمت لها وهى تقبلها على وجنتيها وتقول :
– :” نسرين نورتى الفرح عقبال عندك إن شاء الله”

ردت نسرين قائلة بإبتسامة :
–:” تسلمى يا رهف وعقبالك انتى كمان وعقبال عندك يا مستر مالك إن شاء الله”

–:” تسلمى يا نسرين وهنا أنا أسمى مالك مفيش رسميات النهاردة “
قالها مالك بهدوء ، فابتسمت نسرين بخجل وهى تنظر أرضاً ، تشعر بأن حرارة قوية تلتهم وجهها بدون رحمة ، ولكنه لا يعلم لما ظل إعتراف شقيقته رهف يرن بأذنيه بعد رؤيتها ؟ ولماذا الآن عيناه تأبى النظر إلى أى شئ اخر سوى تلك الملامح الهادئة والجميلة ؟ فهل من الممكن أن تكون هى بدايته الجديدة ، ولكن ربما هو بحاجة لبعض الوقت للتخلص من مشاعره القديمة ، ولكنه يحث ذاته ، على الإسراع بأن يبرأ سريعاً مما به ، حتى لا يأتى الوقت ويراها هى الأخرى محالة المنال

ليلة خرافية عاشها المحبين بأجواء ساحرة و تمنيات بحياة زوجية سعيدة ، فبالفندق المقام به حفل الزفاف ، كان كل منهما يأخذ عروسه لتلك الغرفة المخصصة لهم اليوم لقضاء ليلتهم

رفعت سارة ثوبها قليلاً حتى لا تتعثر به وولجت الغرفة يتبعها أكمل ، فهى تشعر بالخجل والحياء ، ولكن تبسم لها أكمل إبتسامة تشجيعية ، لتترك خوفها جانباً ، فبعد أن استعد كل منهما لتأدية الصلاة ، وقف أكمل يأمها بالصلاة ، يدعو كل منهما بأن تكون زيجة مباركة ، فقبل أن تفكر بالهرب منه كان هو الأسرع بإلتقاط يدها

فهتف بها قائلاً:
– راحة تجرى على فين كده أنتى دلوقتى

ضمت سارة شفتيها وزاغت عينيها بكل مكان عدا وجهه ، فلم يمهلها فرصة للرد أو التفكير ، بل حان وقت الشعور بكيفية الوصال بين قلبان إجتمعا سوياً برباط الزواج والعشق

على الجانب الآخر…
بعد أن دلف رفيق إلى غرفته ، يحملها بين ذراعيه وهى تتعلق بعنقه ، تشعر بالخجل الشديد ، وقام بانزالها أرضاً ، حاولت أن تهرب بنظراتها منه ، إلا أنه رفع يده يثبت وجهها أمام وجهه ، فمرر ابهامه على وجنتها بنعومة جعلتها تغمض عينيها من موجة المشاعر العاتية التى عصفت بكيانها

فإستمعت لصوته وهو يقول:
–:” يلا غيرى هدومك علشان نصلى”

فردت قائلة بصوت خافت :
–:” حاضر”

ذهبت لتبديل ثوب زفافها ، بثوب فضفاض ، وبعد أن انتهت وقفت خلفه يأمها بالصلاة ، فبعد تأديه صلاتهما بخشوع جلس ووضع يده على رأسها يدعو الله ان يجعلها زيجة مباركة وبعد الانتهاء ، وجدته يسحبها معه الى ذلك العالم ، الذى تخطو به أولى خطواتها بحياتها الزوجية ، خطت به بمشاعر عدة خوف وحب وعشق وجهل ، يتملكها بين ذراعيه ، كأنها بعالم وردى أصبحت لا ترى فيه سوى وجه ذلك الرجل الذى أصبح دنياها

فأنبعثت حروفها بأذنيه كنغمة طربية وهى تقول:
– بحبك بحبك أوى يا رفيق

لو تعلم كم كان قلبه يتحرق لسماع تلك الكلمة منها ، ولكنه أخيراً ظفر بها وظفر بحورية سلبته عقله

فرد قائلاً بصوت أجش :
– وأنا بعشقك يا قلب رفيق يا حورية رفيق

رفعت عيناها إليه وتبسمت له قائلة :
– مكنتش أعرف أن أنا هحبك أوى كده أو أنك مفيش أطيب من قلبك وحبك وخوفك على اللى منك ، كنت فى الأول شيفاك واحد مغرور ومتكبر ومعندوش قلب وبيحب يجرح اللى حواليه ، فمن أول ما شوفتك وأنا حسيت بالنفور منك وزاد أكتر لما طردتنى من المحاضرة وأحرجتنى قدام كل الطلبة ، لاء وتطلع كمان المشترى لأكتر مكان بحبه وعزيز عليا ، واتغصبت أن أوافق على جوازنا من غير إرادتى ، فالوقت ده كنت عايزة حاجة واحدة بس أن أنت تختفى من الدنيا كلها

بس لما شوفت حنيتك وخوفك عليا ، والصراحة كنت كل ما تقرب منى يتبخر كرهى ليك ، ولما أنت قولتلى أنك بتحبنى ، كنت بقولك أن بكرهك علشان أدارى إحساسى بالانجذاب ناحيتك ، بس مقدرتش أقاوم كتير ولقيت نفسى غرقانة فى بحر حبك

تركها تتحدث على سجيتها ، بل أنه لم يحاول قطع حديثها ، فهو يريد أن يستمع لها للنهاية ، فبعد أن كفت عن الحديث ، كان عناقه لها أبلغ رد على حديثها ، فتغشى النعاس أعينهما بعد إمتلأ قلبيهما غراماً وهياماً

فباليوم التالى أقلعت الطائرة التى حملت على متنها العروسان ، متجهة لإحدى الدول الأوروبية ، التى لم تطأها قدميها من قبل ، فهى تسبح بخيالها فى تلك الأيام ، التى بإنتظارها على جزيرة الحب
______________
بعد مرور خمسة أشهر بعد ليلة الزفاف الحالمة ، كانت ليان تقف بشرفة غرفتهما ، تغمض عينيها لتتلذذ باستنشاق نسمات الهواء النقى ، التى تلفح وجهها بنعومة ، فلم تشعر بالذى دلف لتوه ، يطوقها بذراعيه كنسر يضم إليه يمامة صغيرة ، أرتسمت ابتسامة على ثغرها الوردى، وهو يمد يده يتحسس انتفاخ بطنها الطفيف من الحمل ، فهى الآن حامل بالشهر الخامس ، فثمرة عشقهما نبتت بأحشاءها منذ ليلة زفافهما

فهتفت به قائلة بصوت ناعم :
–:” حمد الله على السلامة يا حبيبي”

رد رفيق قائلاً بعشق:
–:” الله يسلمك يا قلب رفيق”

إستدارت إليه وهى تقول:
–:” يومك كان عامل ايه النهاردة فى الشغل “

قال وهو يمسد بيده على بطنها بحب :
–:” الحمد لله تمام أخبار حبيبة بابا ايه النهاردة”

نظرت ليان لموضع يده على بطنها وقالت باسمة :
–:” الحمد لله كويسة جبتلى معاك الفراولة”

أماء رفيق برأسه قائلاً :
–:” ايوة يا ستى انت شطبتى على الفراولة اللى موجودة في البلد كلها”

–:” بنتك هى اللى طفسة اعمله ايه يعنى”
قالتها ليان وهى تمسد على بطنها برفق

فتبسم رفيق وقال :
–:” بنتى برضه اللى طفسة ولا امها”

رفعت وجهها إليه ، وعبست ملامحها وهى تقول:
–:” قصدك ايه يعنى ها قصدك أن أنا مفجوعة مش كده وأن تخنت صح وأن باكل كتير”

رفع رفيق حاجباه الكثيفان قائلاً فى دهشة من حديثها :
–:” لااااا دا هرمونات الحمل النهاردة ضاربة فى العالى اوى يا حبيبتى اهدى كده هو انا قولت حاجة دا أنتى قمر”

لوت ليان ثغرها وهى تقول:
–:” اه بحسب”

همس لها قائلاً :
–:” بتحسبى إيه يا قلب رفيق”

يهمس لها مدغدغاً لمشاعرها ، يجعلها راغبة فى سماع المزيد من كلماته بهذا الهمس الجميل ، الذى يجعل قلبها يريد أن يفلت من بين ضلوعها من شدة دقاته

فنسيت ما كان من أمرها قائلة :
–:” أنا قلبك يا رفيق”

رد رفيق بعشق خالص قائلاً :
–:” أنتى مش قلبى بس أنتى عمرى وروحى وحبيبتى وإن شاء الله أم بنتى “

قالت ليان بهمس ناعم:
– ” أنا بحبك وبموت فيك يا حبيبى “

صوت أنثوى خلاب ، يهمهم له بعبارات كفيلة بجعله يخضع أكثر فأكثر لسلطان الحب والعشق ، فهو عاشق متملك لحورية صغيرة ، تجعله يعيش بجنة خاصة به ، يرفض تركها أن تنسل من بين طيات قلبه ، الذى عاد للحياة مرة اخرى نابضاً بعشقها ، فهو حصل على غنائم العشق ، التى تمثلت بإمتلاكه لها وبالسعادة التى غزت قلبه وحياته ، ولم ينتهى الأمر إلا هذا الحد ، بل أنها تحمل بأحشاءها ثمرة هذا العشق الحلال
___________
ظل مالك ينقر بالقلم على سطح مكتبه مراراً ، ففعلته تلك لم تزده إلا شعور بالتوتر والقلق ، ولكنه يريد أن يفعل شيئاً يخفف به من ذلك الشعور ، الذى إجتاح حواسه فجأة ، خاصة بعد علمه بأنها ربما قريباً تترك العمل من أجل زواجها ، فهو جن جنونه وطار صوابه بعد علمه بهذا الشأن ، فلم يكن يدرى كم يهفو قلبه إليها ، إلا بعد علمه أنها ربما ستفارقه للأبد

فهو بالأشهر الماضية ، كان يعمل على نسيان خيبته بحبه الأول ، ولم يعى أنه برأ من هذا الحب ، إلا بعد سماعه حديثها هى وصديقتها وكانت تخبرها بأن ربما قريباً ستترك العمل

فضغط على الزر الموضوع على مكتبه لإستدعاها ، فبثوانى معدودة كانت تقف أمامه قائلة بوجهها البشوش كعادتها :
– أفندم يا مستر مالك

ترك مالك مقعده فجأة وهو يقول:
– نسرين هو أنتى هتسيبى الشغل فعلاً علشان هتتجوزى

عقدت نسرين حاجبيها وقالت فى دهشة :
– هو حضرتك عرفت الموضوع ده منين

– مش مهم ده دلوقتى جاوبينى على اللى سألتك عليه
قالها مالك بصيحة عالية نسبياً ، فهو الآن بوضع لا يخوله إجابتها على ماسألته إياه ، بل هو من يريدها أن تجيب على سؤاله

فأطرقت نسرين برأسها أرضاً وهى تقول:
– أيوة يا مستر مالك بجد الكلام ده

ألقى مالك القلم من يده بغيظ ، فتعجبت أكثر مما يفعل ، فهى كانت سأمت إلحاح والديها بشأن زواجها ، وقررت الموافقة حتى يهدئان ، على الرغم من أنه قراراً ليس بالهين ، خاصة وأنها مازال قلبها متعلقاً بحبائله

فمسح مالك وجه وقال فجأة :
– نسرين أنا عايز اتجوزك

رفرفت نسرين بأهدابها عدة مرات ، كأنها تحاول أن تعى ما قاله ، فربما هو يمزح معها ، فعندما أرادت أن تقول شيئاً ، لم يسعفها لسانها بالنطق

فسمعته يكمل حديثه قائلاً:
– قولتى إيه يا نسرين موافقة أن إحنا نتجوز أنا مكنتش أعرف أن قلبى أتعلق بيكى كده إلا لما سمعت أنك هتتجوزى ، فمقدرتش أخبى حقيقة مشاعرى أكتر من كده

فغرت نسرين فاها ونظرت إليه ببلاهة ، فلم يمنع نفسه من الضحك على تعبير وجهها المصدوم ، فرفع يده يفرقع بأصابعه لعلها تفيق مما هى بهفلم يكن ردها على ما قاله سوى أن تحركت صوب الباب وهى تقول :
– أنت عارف عنوان بيتنا ، تعال وكلم بابا

فتحت الباب وأختفت من أمامه بلمح البصر ، بينما تنفس هو بإرتياح وعاد وجلس على مقعده خلف مكتبه ثانية ، فبالمساء سيخبر عائلته بذلك النبأ السعيد ، فهو يعلم أنهم سيشعرون بالسعادة من أجله وخاصة شقيقه الأكبر..رفيق
_______________
فما كادت تقترب الملعقة من فمها ، حتى داهما غثيان مفاجئ ، حاولت تجاوز الأمر ، ولكن كلما إشتمت رائحة الطعام زادت رغبتها بالتقئ ، فلم تمهل نفسها دقيقة بل ركضت للمرحاض وأغلقت الباب وأفرغت ما بمعدتها ، حتى شعرت بتقلصات زادت من شعورها بالألم والارهاق

نظر أكمل وكنزى لبعضهما البعض مما فعلته سارة ، فترك مكانه وذهب خلفها ، ترك على باب المرحاض وهو يقول بإلحاح
– سارة مالك فى إيه أنتى تعبانة ؟

فتحت سارة باب المرحاض وهى تجفف وجهها بالمنشفة القطنية بإحدى يديها ، ويدها الاخرى تضغط بها على بطنها

فردت فائلة بصوت واهن بعض الشئ :
– مش عارفة معدتى قلبت مرة واحدة وقرفت من ريحة الأكل

فتبسم أكمل وقضم شفته السفلى وسرعان ما قال :
– هو أنتى حامل يا سارة

صمتت سارة لبرهة ، ولكن سرعان ما أنفرجت أساريرها وهى تقول:
– تفتكر يا أكمل أن أكون فعلاً حامل

أمسكها أكمل من كتفيها وهو يقول باسماً:
– وليه لاء تعالى نروح للدكتورة ونشوف مش هنخسر حاجة

فبالمساء ، كان أكمل يصطحبها ويصطحب صغيرته للطبيبة النسائية ، فبعد حلول دورهما بالدخول ، ولجت سارة وهى تدعو من داخلها بأن تكون حقاً حامل وتنجب له طفل يزيد من روابط المحبة بينهما

فبعد فحص الطبيبة لها وعمل كل ما يلزم ، تبسمت لها قائلة :
– مبروك يا مدام سارة أنتى فعلاً حامل

إجتاحت السعادة حواسها بعد سماع ما قالته الطبيبة ، فنظرت لزوجها ، الذى لم يخفى سعادته هو الآخر ، فخرجوا من العيادة

ونظر أكمل لكنزى قائلاً :
– هيجيلك أخ نونو يا كنزى تلعبى معاه

قفزت الصغيرة وصفقت بحماس وقالت:
– بجد يا بابى هيبقى عندى أخ هااا

تبسمت سارة على أفعال الصغيرة ، التى مازالت تقفز فرحاً وتصفق بيدها ، وتردد ما أخبرها به أبيها ، فمسدت على بطنها بحنان وهى تدعو الله أن يأتى طفلها للعالم بخير سليماً معافى ، وحبذ لو كان يشبه والده
_____________
سمعت صوت إدارة مقبض الباب ، فعلمت أنه عاد من سفره ، الذى دام قرابة الثلاثة أيام ، فتركت فراشها ، ووضعت يدها بظهرها ، لعلها تخفف من شعورها بثقل حملها ، فهى الآن ببداية الشهر التاسع من حملها ، فسارت بخطواتها البطيئة خطوتين ووجدته أمامها ، إبتسمت بإتساع من رؤياه ، ولما لا وهو من جعلها تغرق بعشقه لأذنيها ، فلم ينسى أن يهديها تلك الابتسامة الخاصة بها ، والتى تجعلها تلتصق به ولا تريد إفلاته ، فأقتربت منه أكثر ولكن حالت بطنها الحاملة لصغيرتهما بينهما ، فهى حتى لا تستطيع وضع يديها حول عنفه ، ولا تفعل ذلك إلا بصعوبة

فزفرت بإحباط وهى تقول :
– رفيق

علم ما تفكر به ، فقبل جبينها ورفعها بين ذراعيه ، فأمتنت لفعلته التى مكنتها من توسد كتفه ووضع يديها حول عنقه ،فوضعها بمنتصف الفراش وجلس مقابل لها وهو يضع يديه على بطنها قائلاً :
– وحشتونى أوى أوى

عانقها بحرارة ، يبثها اشواقه إليها ، وهى تتلقى كل ما يجود به العشق بصدر رحب ، فلم تكن تعلم أنها ستشتاقه هكذا ببضعة أيام فقط ، فما حال لو تركها أشهر ، فربما ستصاب بالجنون

فوضعت رأسها على كتفه وهى تقول:
– خلصت شغلك على خير الحمد لله ؟

أماء رفيق برأسه قائلاً:
– أه الحمد لله كله تمام

ضحكت بخفوت ، فأثارت فضوله بفعلتها ، فنظر إليها وتساءل :
–بتضحكى على إيه يا ليان

وضعت شعرها خلف أذنها وهى تقول:
– أصل لما لقيتك غبت أقعدت أتخيل أن أنت هترجع من السفر متجوز عليا ، زى ما حصل وجيت علشان تشترى أرض بابا ورجعت وأنا مراتك ، كانت دماغى مش مبطلة خيالات مع أن أنت كنت بتكلمنى فى اليوم كذا مرة بس وسواسى كل عقلى

تبسم رفيق على قولها ، فأراد ممازحتها قليلاً ، فنظر إليها قائلاً بجدية مصطنعة :
– دى مش وساوس يا ليان دى حقيقة صحيح قلب المؤمن دليله ، أنا مكنتش عارف هقولهالك إزاى أو أعرفك أن أتأخرت علشان اتجوزت ، بس صدقينى دى جوازة كده ، بس أنتى الحب كله

أنتفضت ليان من بين ذراعيه فجأة ، مسببة بذلك ألماً لها ، ولكن لم تكن تعير هذا الألم إهتماماً ، قدر سماعها ما قاله رفيق

فأستندت على مرفقها وهى تقول بإستنكار :
– إييييه أتجوزت عليا يا رفيق دا أنا حتى لسه مخلفتش أول طفل لينا أه يا ابو عين زايغة

قبل أن يراها تترك الفراش بثورتها العارمة، جذبها من ذراعها وأعادها بين ساعديه من جديد ، فما الذى دهاه حتى يمزح معها هكذا وهو يعلم مدى شعورها المرهف خاصة بحملها

قبل رأسها عدة مرات وهو يقول بصوت عاشق :
– وهو أنا عينى تقدر تزوغ على حد تانى يا قلب رفيق أنا كنت بهزر معاكى ، ثم هو أنا قادر على كتر حبى ليكى علشان أروح اتجوز واحدة تانية

هدأت حركتها المتململة بعد سماع قوله ، فلو كان قد صدقها القول وتزوج من أخرى ، كانت ستحرص على أن تجعل أيامه جحيماً لا يطاق ، فهى باتت تغار عليه من ثيابه ، فكيف تسمح لأخرى ، بأن تحصل على ما تحصل عليه هى من عشق ودلال ، فلا أنثى لها الحق به سواها هى فقط دائماً وأبداً

باليوم التالى مساءاً

جلست ليان على الأريكة بالصالة ، ووضعت طبق الفشار أعلى بطنها المنتفخة ، وبدأت بمشاهدة التلفاز ، فكلما حاولت رهف مد يدها لتأخذ منه ، تصفعها ليان على يدها ، فتزمجر رهف بصوت منخفض ، لتعيد الكرة ثانية

فمدت يدها بداخل الطبق الزجاجى وأنتشلت ما أمكنها من الفشار وهى تقول:
– فى إيه يا شيخة قربتى تاكلينى ما انا هاكل فشار معاكى يعنى هاكل ايه الطفاسة بتاعتك دى

أخذت ليان الطبق ووضعته بجانبها بعيداً عن يد رهف وهى تقول:
– لاء محدش هياخد الفشار بتاعى أنا وبنتى

وجدها باسم فرصة سانحة وشقيقته تتشاجر ذلك الشجار اللطيف مع رهف ، فمد يده وأخذ الطبق وبدأ يأكل منه

فرآته ليان وشهقت بصوت مسموع :
– حتى أنت يا باسم بتسرق الفشار بتاعى

فحاولت ترك مكانها لتأخذه منه ، فتعثرت حركتها ، فضحكت رهف بصوت مسموع وهى تقول:
– عايزة عشرة يشدوكى أحسن خليكى كده زى السلحفة اللى نايمة على ضهرها هات يا باسم الطبق ناكله هى على ما تفكر تقوم هنكون الفجر

رأى باسم ملامح وجه شقيقته تنكمش وتمط شفتيها كأنها على وشك البكاء ، فناولها الطبق وهو يقول:
– خلاص يا حبيبتى خدى الطبق أهو ومتزعليش

أخذته منه ليان ونظرت إليهما وهى تقول بغيظ :
– اه يا جزم صبركم عليا بس أولد وهطلع اللى بتعملوه فيا ده على عينيكم

خرجت منى من المطبخ وهى تحمل أطباق الفشار التى أعدتها لرهف وباسم ، فناولت كل منهما طبقه وهى تقول:.
– خدوا الفشار أهو وسيبولها الطبق بتاعها ومحدش يضايقها

تبسمت ليان على قول والدة زوجها ، فأهدتها قبلة بالهواء وقالت :
–تسلميلى يا ماما منى عايزة اقوم أبوسك بس الظروف بقى

ضحكوا جميعهم على قولها ، فرأت منى ولديها عادوا من العمل ، فنهضت هى ورهف لإستقبالهما كالعادة ، فشدت ليان رهف من مرفقها وهى تقول :
– بت يا رهف عايزة لبان فراولة نفسى هفتنى عليه مش عارفة ليه جايز الوحم

ردت رهف قائلة:
– وحم إيه يا ليان دلوقتى دا انتى احتمال تولدى وأنتى قاعدة دلوقتى ، دا مش وحم دى طفاسة يا روحى

ضربتها ليان على ذراعها برفق وهى تقول:
– يلا أمشى مش عايزة منك حاجة

تبسمت رهف على أفعال ليان ، فهى صارت شرهة جدا بتناول الطعام والحلوى ، ولكنها أسرعت لحقيبتها التى تجعلها بمكان قريب منها دائماً وأخرجت لها ما كانت تريده ، فناولتها علكتها المفضلة ، فتبسمت لها ليان وأخذتها منها وبدأت مضغها بتلذذ
____________
بعد مرور أسبوع وبمنزل والد نسرين كانت الأجواء تعمها السعادة والزغاريد تصدح بالمنزل ، فاليوم هو يوم خطبة مالك ونسرين ، فبعد إخباره لعائلته بنيته بالزواج منها ، ذهب مع شقيقه ووالدته لطلب يدها ، وبعد موافقتها وموافقة والديها ، قررا عمل حفل الخطبة بمنزل أبيها

وضعت نسرين الخاتم الذهبى بيدها اليمنى وهى لا تصدق أنها أصبحت خطيبته الآن ، فلابد أنها تحلم ، ولكنها لا تريد أن تستيقظ إن كان هذا حلماً

فتبسم لها مالك وقال:
– مبروك يا نسرين

ردت نسرين بصوت مبحوح:
– الله يبارك فيك

أقترب منه شقيقه وأحتضنه مهنئاً له على خطبته وهو يقول بسعادة :
– ألف مبروك يا حبيبى وربنا يتمم بخير وعقبال الفرح إن شاء الله

ربت مالك على ظهر رفيق وهو يقول بحب :
– ربنا يباركلنا فيك يا أبيه يارب

أثناء جلوسها تصفق بيدها لطفلة صغيرة ترقص ، داهمتها ألام المخاض ، فبدأت تتململ بجلستها بشعور عدم الراحة ، فنظرت بوجه الحاضرين تبحث عن زوجها لتخبره بما تشعر به

ولكنها لم تستطيع كتمان صيحتها المتألمة فصرخت قائلة :
– أااااااه ألحقونى شكلى بولد اااااااه

ساد الهرج والمرج بالمنزل ، ولم تكف هى عن الصراخ ، فأخذها زوجها سريعاً للمشفى وتبعه الأخرون ، فبعد وصوله وذهابها للغرفة التى ستضع بها مولودها

لم تمر دقائق حتى سمعوا صوت بكاء الصغيرة ، فخرجت الممرضة تحملها وناولتها لوالدها ، الذى شعر برجفة السعادة تنتشر بجسده وهو يحملها بين ذراعيه ، فتاة صغيرة وضئيلة الحجم تغمض عينيها وتتثائب بفمها الصغير ، كأن أحدهما أزعجها من نومها

فتبسم بسعادة وهو يقول:
– حبيبة بابا نورتى دنيتى

قبلها رفيق بحرص وناولها لوالدته وخر ساجداً شكراً لله ، فاقتربت رهف من الصغيرة وهى تقول بحماس :
– قلب عمتو يا ناس يا صغننة أنتى يا جميلة

قبلها الجميع بحرص وأخذتها الممرضة ثانية لتذهب بها للغرفة ، التى ستنتقل لها ليان بعد خروجها

فنظر مالك لنسرين التى أصرت على الحضور هى ووالديها وقال:
– وش خطوبتنا حلو ليان ولدت وأبيه رفيق بقى عنده بنت عقبالها إحنا كمان إن شاء الله

– إن شاء الله
همست بها نسرين بأنفاس تكاد تتلاشى من شدة خجلها الممزوج بسعادتها من أن حلمها المستحيل أصبح بمتناول يدها

أقترب أكمل من رفيق يهنئه على ولادة صغيرته قائلاً :
– مليون مبروك يا حبيبى تتربى فى عزك إن شاء الله ويجعلها ذرية صالحة وتفرح بيها

رد رفيق قائلاً:
– الله يبارك فيك يا صاحبى وعقبال ما تقوم سارة بالسلامة إن شاء الله

ولج رفيق الغرفة التى تم نقل ليان بها ، فوجدها تنظر له بحنان وهى تداعب رأس الصغيرة ، فجلس على طرف الفراش قائلاً :
– حمد الله على السلامة يا حبيبتى

– الله يسلمك يا حبيبى شوفت بنتنا جميلة إزاى
قالتها ليان وهى تتفرس بوجه صغيرتها بحب وعطف أمومى

فداعب رفيق وجنتها وهو يقول بصوت متهدج:
– طالعة جميلة زى أمها اللى بتسحر أبوها بنظرة عينيها وبتخليه أسير حبها وعشقها

غامت عيناها بالحب وهى تقول:
– وأمها بتحبك وبتموت فيك كمان

أخذ يدها بين يديه وهو يضغط عليها بمحبة ، فهو اليوم كأنه ربح الجائزة الكبرى ، فصار لديه إبنة منها ، صغيرة ستنازعها على قلبه ، سيعشقها كعشقه لأمها ويدللها بحب

فبعد مرور بضعة أشهر
وضعت ليان الصغيرة التى لم تكمل شهرها السادس بعد على الفراش ، بعدما ألبستها ثوبها الأبيض الجميل ، فاليوم هو يوم زفاف عمها مالك ، فالحفل مقام بقاعة إحدى الفنادق الفخمة ، فرفيق عمل على إعداد حفل زفاف تاريخى من أجل شقيقه الأصغر ، وإبتاع لوالدته ولها ولرهف وللصغيرة أثواب من الحرير المخملى ، زادت من جمالهن ورقتهن

وقفت أمام منضدة الزينة تعمل على إنهاء إرتداء حجابها ، ورفعت سلسال ذهبى لتضعه حول عنقها ، فقبل أن تعمل على غلق القفل الخاص به ، وجدت زوجها يمد يده يغلقه هو ، فنظرت له بالمرأة ، فكم يبدو جذاباً ووسيماً وآسراً بتلك الحلة السوداء التى يرتديها ، فأمعنت النظر بتلك الندبة بوجهه ، والتى تجزم أنها كوسام للرجولة حصل عليه بوقت مبكر

لم يكن يدعها تذهب هكذا من بين يديه بسهولة ، فلم يكن بحاجة لمزيد من التودد لها ، فوجدها هى من تغدقه بما فاض بقلبها العاشق له ، فسمعا صوت الصغيرة وهى تصدر أصواتاً وتضحك ، كأنها سعيدة بحب أبويها

فتبسمت ليان وهى تنظر لها :
– شايف بنتك مبسوطة أوى كأنها بتتفرح على التليفزيون

إلتفت رفيق برأسه ينظر لصغيرته الموضوعة بمنتصف الفراش ، فتبسم قائلاً:
– حبيبة قلبى دى وأجمل حاجة أنها أخدت لون عينيكى يا ليان

فعاد ونظر إليها ثانية ، فعبث بربطة عنقه وهى تقول بدلال :
– هى عينيا عجباك أوى كده

–دى هى اللى خلتنى أقع فى حبك من أول نظرة عيون بتسحر وبدوب القلب فى ثوانى
قالها رفيق وهو يمعن النظر بعينيها ، كأنه يريد سبر أغوارها ويعلم سرها فى أنها تأسره سريعاً بمجرد النظر إليها ، ولكن كل مرة يفشل فى معرفة سر تلك القوة التى تملكها عيناها
ولكنه سعيد بإمتلاكها ، فهى حوريته الصغيرة و معشوقته وساحرته ، ومن عشق عنادها قبل هدوءها ، فلتسقه من خمر عينيها حتى تشعر قلبه بالثمالة ، فهو لن يتوب عنها أبداً ، فإن لامه أحد أنه بالعشق ذاب قلبه مغرماً ، فيقول لا عذرًا لى سوى أن عينيها كنهر من خمر لذة للعاشقين وأنى ” فى هواها متيم “

تمت بحمد الله
بقلم سماح نجيب ” سمسم “

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى