الفصل الثاني
بعد فوات الأوان
محمود
لم أستطيع النوم طول الليل لقد كانت الليلة الأطول في حياتي مرت فيها الدقائق كأنها ضربات سيف تطعن في كل جسمي حاولت مرارا وتكرار الأتصال بنور ولكن لا مجيب او الهاتف مغلق حاولت أن أرسل لها الكثير من الرسائل علي هاتفها او علي تطبيق الفيس بوك وكان الوضع لا مجيب وعندما أشرقت الشمس إستطاع النوم الإنتصار أخيرا فذهبت للنوم دون وعي مني ولم أستيقظ الا مع صوت أذان الظهر جلست لدقائق علي السرير أتذكر ما حدث في ليلة الأمس ادعو الله أن يكون مجرد كابوس ونظرت الي أصبعي فلم أجد خاتم الخطبة الخاص بنور لم أجده هنا تذكرت كل شئ لم يكن كابوس كان حقيقة وواقع لقد خسرت نور بالأمس .
قفزت مسرعا وعلي وجهي ترتسم علامات ذعر لإرتداء ملابسي لا لا لا لن اسمح لذلك ان يحدث … لن أختار مستقبلي سأذهب لمنزل نور وأعتذر لها لن استطيع الحياة بدونها لقد أخطأت الاختيار وفي دقائق كنت أقود سيارتي بجنون في إتجاه منزل نور محاولا طوال الطريق الإتصال بيها ولكن لا مجيب الهاتف مغلق ….
عندما وصلت لمنزل نور ظللت أضرب في الجرس والباب بجنون صارخا
نور إفتحي أنا أسف .. نور أنا بحبك .. سامحني مش عاوز مستقبل مش عاوز حياة مش عاوز غيرك نور نور افتحي …..
وهنا ظهر حارس العقار المجاور لفيلا نور ليتعرف علي سبب صراخي الأشبه بالبكاء
سلام عليكم يا أستاذ في حاجة
وبصوت محترق من االخوف …. أنا عاوز أنسه نور بنت استاذ منير
جاءني رد حارس العقار كسكين مغروس في أعماق القلب .
الست نور سافرت الفجر مع والدتها أخدوا كل حاجه ليهم في الفيلا وهيقفلوها زي ما كانت مقفولة سنين
بصدمة محاولا تجميع كلماتي ونبرة صوتي التي وكأنها إحترقت من نار الألم .. يعني ايه أخدوا كل حاجه ليهم يعني مش هيرجعوا تاني ؟؟؟
حارس العقار في نظرة تجمع بين الإستغراب والريبة
أه يا أستاذ مدام فريدة قالت إنهم خلاص هيهاجروا بلاد بره دا حتي الست بتاعتي كانت سهرانة معاهم للفجر تجهز في الشنط وتلم وتغطي في العفش علشان قرروا يسافروا فجأة.
لم انتبه لدموعي التي نزلت كالشلال أمام حارس العقار لأستفيق عليه يا سعادة البيه في حاجة ؟؟؟ مالك حضرتك بتعيط
نظرت اليه وكأني أرجوه أن يكون ما نطقه لتوه غير حقيقي او فاهم غلط ولكن للاسف ما قاله كان صحيحا تماما
نور قررت الهجرة تماما الي انجلترا مع والديها وكأنها تذبحني بنفس السكينة التي ذبحت قلبها بيها في لحظه تهور وعدم حسبان …
…………………………………………………………………
نور …… شتاء 2017
في جهة ما من الشاطئ علي إحدي الكافتيريات المطلة علي بحر الاسكندرية تجلس نور تكتب في مذاكرتها ويشرد عقلها قليلا في صدفة اليوم لتكتب أي صدفة هذه التي ترجع بالقلب أعوام سابقة وكأنه لم يتغير شئ في ملامحه لازالت هي تلك العيون الخضراء الممتلئة بنظرة الحب والحنان رغم مرور السنوات لايزال الحب كما كان في عيونه ولكن علي أي حب أتحدث عن حب تركه دون رحمة منه في إختيار أناني لمستقبل مجهول عن أي حب أتحدث عن حب ذبح في عروقي معاني الحياة وتركني أتألم وحدي عن أي حب أتحدث ؟؟؟ كيف لمن تركني في الماضي بلا رحمة أن أري اليوم في نظره عيونه هذه اللمعه لمعة الحب لم تتغير ؟؟؟
دائما ما يقولون أننا عندما ننجب طفلا نسميه علي إسم الاقرب الي قلوبنا ؟؟؟ علي مدار 6 اعوام كان التساؤل الدائم لي لماذا سميت طفلك بهذا الإٍسم هل من قبيل الصدفة ام لانه إسم الاقرب الي قلبك …. محمود .
تتوقف نور عن الكتابه لتتذكر اول لقاء بينهما في عامها الجامعي الرابع بكليه الهندسة.
*************************************
( محمود ونور )
فبراير 2005 – كلية هندسة
تقف نور مع صديقتها كعادتها دائما مبتسمة ومشرقة وعيونها لا تتوقف عن نشر البهجة في كل ما حولها وفي أثناء إنشغالها في الحديث مع صديقتها تنتبه له هذا الشاب الذي يكبرها بعام واحد دائما ما كانت تلاحظ أنه ينظر اليها ولكن لأول مره تنبه الي لمعة عيونه وإبتسامتها الصامتة لتلتقي عيونها في عيونه وتشعر بأن دفعة من الحياة أحتلت شريانها مرة واحدة .
دائما ما كانت تتساءل من هذا الشاب كل ما تعرفه عنه انه يكبرها بعام واحد ولكنه لم يحاول مرة أن يتحدث معاها او حتي يقترب منها وتمر الأيام ولا شئ يتغير يظل يتابعها في صمت وتظل تتسأءل في داخلها ماذا يريد وهي لا تشعر أنه هناك إحساس يتوالد إتجاهه مع مرور الوقت ودون سبب واضح … فكم من حياة تتوالد داخلنا كطفل تنشق روحه في رحم أمه دون أن تشعر !
مارس 2005
يقف محمود يراقب الفتاة التي طالما أحب النظر اليها دائما ما يوجد في داخله شئ يمنعه من الاقتراب منها دائما ما ينظر لها علي أنها فتاة رائعه الجمال لست فقط جمال الشكل ولكنه جمال الروح الذي أسرته منذ النظرة الأولي كان علي يقين أنها علي علاقة بأحد كم من المرات أراد ان يتحدث معاها ولكنه تراجع في اللحظة الاخيرة خوفا من ان تفضحه نظره عيونه لتكشف عن غرامه منذ المره الأولي التي رأها فيها منذ عامين .
منذ عامين وهو يتابعها في صمت يريد بشده أن يقترب منها ولكن في داخله خوف أن يفقد حق النظر اليها إذا ما رفضته أو أكتشف انها علي علاقة بشخص أخر لم يعرف لماذا هي ولماذا تهاجر الكلمات من علي لسانه عندما يكون امامها .
وكعادته يقف كل يوم ينظر له ويتابعها لاحظ عده مرات إنها تبادله نفس التظرات ولكن لأن حبه ومشاعره كانت أقوي من أن تصدق ما تراه عيناه فضل الصمت وهو لا يعرف كم يخسر بخوفه .
يقطع شروده مجيئها ونزولها من سيارتها يتنهد قلبه لقد جاءت نور اخيرا لقد تأخرت عن موعدها اليوم ولكن لماذا تجتمع صديقتها حولها ماذا يحدث إقترب قليلا حتي يستمع الي ما تقوله لها صديقتها ليتفجأ بمباركتهم لها علي خطوبتها بالأمس .
وقف محمود كمن نزل عليه صاعقة برد في عز حر الشمس لا يستطيع التحرك ولا التحدث وأظلمت الدنيا أمام عيونه لدقائق ليفيق علي نظرة نور ولكن هذه المرة كانت مختلفة عن كل مرة عن كل نظرة بادلته بيها نظرة لوم ووجع وألم ويصرخ في داخله ….
إزاي أنا عمري ما خدت بالي من نظره نور ازاي قولت عليها نظرةعادية نور كانت فاهمة
نور كانت حاسة
نور بتبصلي نظره لوم اني فضلت ساكت ومتكلمتش
نور بتمثل الفرحة
نور مش مبسوطة
نور بتبادلني مشاعري
بس هو كان أشجع مني وفاز بيها .
مر ذلك اليوم علي محمود وكأنه عمر باكمله شعر بألم في قلبه وكأن شخص يغرس سكينا ساخنا بداخل قلبه وفي نفس الوقت عليه التمثيل أمام الجميع أنه لم يتأٌثر لينهار في نهاية اليوم ويبكي وحيدا ليلا لأول مرة علي نور .
لم يدرك كم أحبها الا عندما وجد خاتم خطبتها علي غيره في يديها
لام نفسه كثيرا علي تأخره كره خوفه من جمال روحها الذي جعله يخاف االاقتراب منها , نور لم تكن مجرد فتاة معجب بها نور كانت سره الأكبر الذي لم يبح به الي أحد وعالمه الأصغر في نظره عيونها وضحكتها .
مرت الأيام عليه كثقل حمل علي قلبه يتسرب الي باقي جسده حاول تفادي أن ينظر الي عيونها الأيام التالية ولكن لأن القدر كان يعانده أو ربما يعاقبه على تأخره عندما كانت نور تمارس هوايتها في التصوير الفواتجرافي حيث كانت تلتقط صورة لسرب من العصافير لم تنتبه لحجر كبير كادت أن تصطدم به لتتفاجئ بمحمود يسحبها بشدة دون اي كلمه منه لتجد نفسها بين أحضانه .
لتتلاقي عيونهم عن قرب شديد لأول مره ليري في عيونها الزرقاء بلون صفاء المياه ما جعله يصرخ من الالم في أعماقه الداخلية
نظرة جعلته يشعر أن عيونها تنطق بما لا تبوح به روحها
دمعة مخفية
لوم وعتاب
أنا إنتظرت كثيرا ولم تأتي او حتي تحاول الإقتراب
لم فعلت في قلوبنا هذا الألم الغير محتمل ؟؟؟؟ وفي وسط كل هذا لأول مرة لمحها نظرة حب مكتومة له …..
ظلت عيونهما في حديث صامت وتذهب نور بعيدا عنه دون ولا كلمة لتتركه وسط المه
ما كان محمود يحمله لنور لم يكن مجرد حب كانت مشاعر عاشق روح ولكنه كان عاشق جبان خاف ان يواجه فكان مصيره الحرمان .
تمر الأيام علي محمود ونور وكل منهما في حياته كل منها يحاول تفادي ملاقاة أعينهم كثيرا ما كان خطيب نور يأتي الي الجامعه ليصطحب نور لتكون هذه اللحظة بالنسبة لمحمود نيران داخلية لا يطفأها محيط من الغيرة والألم .
شتاء نوفمبر 2017 …. محمود
ينظر محمود الي البحر وكأنما يريد أن يرتمي بين أحضانه ليصرخ من الوجع والشوق ولوعة الفراق صوت نور منادية علي طفلها محمود لا يفارق أذنه منذ أن سمعه قبل تلك اللحظة بساعات كم كان يشتاق اليها كم أرا د أن يأخدها بين أحضانه لكي يخبئها بداخل قلبه ليفعل ما لم يستطع فعله منذ ثماني سنوات يشرد ليعود بعقله لتذكر تلك ايام العمر السابق.
ابريل 2005 ( محمود ونور )
كان لازال قلب محمود متعلقا بنور لم ينساها لحظة من الزمن وعلي الرغم من مرور شهرين علي خطبتها كان يعيش جسدا و صورة شاحبة أما روحه وقلبه وعقله فكان لا يوجد مكان فيهم لحياة سوي نور .
ولأن القدر كان رحيما بقلبه وروحه أعطاه فرصة أخري بعد إنتهاء اجازة نصف العام التي كانت مدتها أسبوعين ظل منتظرا مجئ نور .
ليلفت إنتباهه أن ضحكتها الطفولية مرسومة علي وجهها وكأن حمل ثقيلا إنزاح من علي قلبها لينظر ليديها يجد انها لا ترتدي خاتم الخطبة .
كادت عيونه أن تطرب رقصا من السعادة ليصرخ فرحا في داخله .
نور تركت خطيبها … وكفرحة طفل صغير برؤيه الشمس بعد ظلام طويل كانت فرحته
مر اليوم كاملا علي محمود وهو يحاول التحدث مع نور وإستجماع حديثه ولكن خجله وخوفه من رد فعلها كما انه لاحظ انها لم تنظر اتجاهه نهائيا في هذا اليوم .
لم ينم محمود في هذه الليلة وكأن النوم خاصم عيونه رافضأ زيارته الا بعد ان يخرج مكنون أسراره بحب نور أمام عيونها .
نزل صباحا مبكرا جدا قبل موعد بداية الجامعة بساعتين منتظرا نور عند سور الجامعة وكأنها كانت تشعر به ففوجئ بيها تأتي مبكرة عن موعد الجامعة بساعة كاملة ليستوقفها لاول مره مناديا عليها
نور …. نور
نور بذهول وكسوف في نفس الوقت بنظرة ليس لها وصف او حكاية
ليسمع كلماتها إنت بتنادي عليا
وبنرة عاشق شرقت شمسه بعد غروب طويل أه يا نور ممكن اتكلم معاكي دقيقة :
نور ناظرة اليه نظرة طويلة وبحمرة وجنتيها لتظهر وكانها شمس تغرب في زرقه عيونها وبصوت ملائكي … إتفضل
وفي لحظة يخرج فيها العاشق مكنون روحه من سجنه ليشرق علي قلب من ملكت قلبه …. أنا عارف إني عمري ما كلمتك ولا كان في بنا حوار وعارف أن كلامي هيفجئك أعرفك بيا اسمي محمود أخر سنه في الكلية السنة دى
يصمت قليلا محاولا استجماع كل ذرة شجاعة علي لسانه
نور أنا … بحبك
بحبك من اول مرة شوفتك فيها من 3 سنين عارف اني إتاخرت كتير أوي أوي علشان أعترفلك وأحكيلك عن الي جوايا بس كل مرة كنت بفكر أقربلك فيها كنت بخاف تصدني بخاف تبعدني عنك بخاف حتي إنك تبعدي نفسك عن عيني وأتحرم إني أشوفك , خوفي غلبني سنين وسبتك تضيعي مني وتتخطبي وأنا ساكت وواقف بتفرج عليكي أنا معنديش استعداد أخسرك تاني يا نور انا بحبك .
بحب عنيكي ببراءتها ورقتها بحب هدوؤك وجنونك بحب حتي غضبك وزعلك انا بحب كل تفاصيلك اللي حفظتها أكتر ما من إسمى .
عارف أنه كلام غريب اني اقول لكي من أول مرة أتكلم معاكي فيها بس دي الحقيقة ودي مشاعري الي مبقتش قادر اخبيها ولا اخفيها اكتر من كدا .
تنظر له نور في ذهول وإحمرار وجنتيها يشبه احمرار الشمس في وقت الغروب وبدون أي كلام أو رد فعل تذهب لتركب سيارتها وتتركه في حالة صدمة من رد فعلها .
إنتظرها طويلا في هذا اليوم ولكنها لم تأتي أي محاضرة وكأنها جاءت فقط لتسمع اعترافه وتذهب بعيدا ولا يبقي امام عيونه الا قول شمس الدين التبريزي الذي كان مدمنا لقراءته
وجد قلبي شعاع الروح فانفتح قلبي وانشق ووجد قلبي اطلسا جديدا فصرت عدوا لهذه الخرق .
جلال الدين الرومي
#الكاتبة_نور_البشرى
#رواية_نور_الروح