روايات رومانسيه

رواية هواها متيم الفصل الثاني و العشرين

قال مطرف بن عبد الله -رضي الله عنه-: “صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية”.

2– ” صديق العمر “

كلما سنحت له قواه بإستعاده وعيه ، فهو ينادى صغيرته بصوت ملتاع ، فتعود وتأخذ الدموع مجراها بعينيه ، كلما تذكر رؤيتها وهى مسجاه بدماءها ، فهو ظن أنه خسرها للأبد ، ولكن تلك اليد التى ربتت على كتفه ، جعلته يفتح عيناه ببطئ ، فرآى وجه رفيق يطل عليه بإبتسامة وعيناه مغرورقتان بالدموع لرؤيته على تلك الحالة

فبكى أكمل قائلاً بألم وصوت خافت :
– كنزى يا رفيق كنزى راحت منى

مد رفيق يده ومسح عيناه وهو يقول:
– أهدى يا أكمل كنزى كويسة هى أتعورت بس إن شاء الله هتخف متقلقش

بفرحة عارمة حاول أكمل رفع رأسه بعد سماع قول رفيق ، فهتف بعدم تصديق:
– بجد يا رفيق كنزى كويسة هى عايشة طب شهيرة عاملة إيه هى كمان كويسة ؟

إبتلع رفيق لعابه قائلاً بأسف :
– للأسف شهيرة ماتت يا أكمل الله يرحمها مقدروش ينقذوها كانت حالتها أصعب منك أنت وبنتك ، ماتت النهاردة الصبح

أغمض أكمل عينيه وتحركت رأسه على الوسادة ، ودمعت عيناه بسماع خبر وفاة شهيرة ، فعلى الرغم مما كان يحدث بينهما إلا أنه لم يكن يريد لها نهاية ومصير كذلك المصير الذى لاقته

فرد قائلاً بحزن :
– الله يرحمها ويغفر لها ويسامحها

ربت رفيق على صدره بهدوء وهو يقول:
– أنا كلمت الدكتور وطمنى عليك أنت وكنزى بس هتفضلوا هنا فى المستشفى شوية علشان الكسور اللى فى جسمكم ماشى يا حبيبى ولو أحتاجت أى حاجة قولى وأنا عيونى ليك يا أكمل

– شكراً يارفيق تسلملى يارب
قالها أكمل وهو يشعر بثقل رأسه من أثر العقاقير الطبية ، فأسدل جفنيه وأنتظمت أنفاسه ، بينما خرج رفيق من الغرفة للعودة للمنزل ، فهو منذ علمه بما حدث لصديقه ، وهو جالساً هنا بالمشفى ، ورفض الرحيل قبل إفاقته والإطمئنان على أحواله ، فهو بإمكانه العودة لمنزله الآن ، لينال قسط من الراحة ويعود إليه ثانية
________________
منذ علمها بوقوع الحادث وهى لا تهدأ ، فوالدتها قد منعتها أن تذهب إلى المشفى لرؤياه ، وهى باتت تعلم أن والدتها لن تتراجع عن قرارها ، ولكن ماذا تفعل هى؟ فهى إن وافقت على الزواج من طارق ، ستكون بذلك ظالمة بحقه وهى تشعر بالحب نحو شخص آخر

فأقتربت منها والدتها وهى تقول بإنفعال :
–:” قولتى إيه يا سارة بخصوص موضوع جوازك من طارق موافقة ولا لاء”

هبت سارة من مكانها وهى تصرح برفضها القاطع قائلة :
– :” لاء مش موافقة ياماما مش موافقة ومش هوافق اتجوزه”

حاولت والدتها مقابلة ثورتها بلطف ، لعلها تتخلى عن تصلبها برأيها ، فهى لن توافق على أن تتزوج من رجل لديه زوجة أخرى ، فأقتربت منها تمسد على ذراعها وقالت بحنان :
– :” يابنتى حرام عليكى متميليش بختك يعنى ملقتيش الا الراجل المتجوز ده وكمان عنده بنت أنتى عايزة تجننينى معاكى”

طفرت الدموع من عينيها وهى تقول بغصة :
–:” مش بايدى يا ماما أعمل إيه يعنى حتى مش راضية تخلينى أروح أشوفه فى المستشفى أنا لما نسرين قالتلى فى التليفون على موضوع الحادثة أتصدمت وكل اللى عرفته أن هو وبنته ومراته فى المستشفى ومعرفش حاجة تانى”

أنتفخت أوداج والدتها مما سمعته منها ، فقبضت على ذراعها وهى تقول بغضب :
–:” انسيه يا سارة شليه من دماغك خالص وده اخر كلام عندى وأديكى قولتيها بلسانك مراته هى كمان فى المستشفى يعنى افتكرى أن هو مش حر “

تركتها بعد أن اسمعتها ما لا تريد سماعه ، فماذا تفعل؟ او كيف ستسير حياتها ، التى تشعر الآن بأنها أنقلبت رأساً على عقب منذ علمها بحب أكمل لها ، فأرادت الإطمئنان على أحواله ، بطريق غير مباشر ، فخرجت من الغرفة وأستندت على سور الجدار المحيط بالسطح ، فأخرجت هاتفها من جيبها تريد مهاتفة نسرين لعلها لديها أخبار جديدة

بعد لحظات جاءها صوت نسرين وهى تقول:
– أزيك يا سارة عاملة ايه دلوقتى

ردت سارة قائلة بهدوء :
– الحمد لله نحمد ربنا طمنينى أنتى ايه أخبار مستر أكمل

تنهدت نسرين بصوت مسموع وقالت :
–مراته ماتت فى المستشفى النهاردة وهو وبنته يعنى حالتهم مستقرة إلى حد ما

– مماتت
قالتها سارة بصدمة ، ووضعت يدها على فمها ، فبالرغم من عدم معرفتها بمن تكون زوجته إلا أنها شعرت بالشفقة عليها ، فبعد إنتهاء المكالمة بينها وبين نسرين ، جلست على الأريكة الموضوعة أمام الغرفة ، وهى تنظر للسماء بشرود من تلك القصة المعقدة ، التى عاشتها مؤخراً
____________
مكان اشبه بالخراب ، وغرفة تكاد جدرانها تتهدم ، من صوت صرخات هؤلاء الفتيات ، اللواتى يحاولن ايجاد مخرج للخروج من هذا المكان ، فالحارس الشخصى الذى يحرس الباب ، يكاد أن يصبح مختل ، بسبب صراخ الفتيات ، فهو بانتظار أوامر ذلك الرجل للتصرف بشأنهن

لمح سيارة سوداء ذات دفع رباعي تقف أمامه ، وترجل منها حارسان ، يتبعهما ذلك الرجل الذى يضع بين فمه سيجاره الغالى ينفثه ببرود

فأقترب منه قائلاً :
–:” ها ايه الاخبار “

رد الحارس قائلاً :
–:” كله تمام يا باشا المعلمة توحة بعتت 3 بنات على 4 اللى كانوا هنا يعنى كده فى سبع بنات فى الاوضة جوا بس الصراحة مش مبطلين صوات وصريخ لما وجعولى دماغى يا باشا”

دعس سيجاره بطرف حذاءه قائلاً :
–:” بعتتهم زى ما قولتلها”

أماء الحارس برأسه وهو يقول:
–:” ايوة يا باشا بس زى ما قولتلك عماليين يصوتوا لحد ما جابولى صداع من صوتهم وأخاف يا باشا حد يشم خبر بالموضوع ونروح كلنا فى داهية”

ربت على وجه الحارس قائلاً:
–:” هانت كلها 3 ايام وهنسفرهم مع الشحنة بس توحة تجيب البنت اللى فاضلة وقالت عليها”

أقترب الحارس من الباب يعمل على فتح القفل وهو يقول:
–:” تمام يا باشا هم كمان برا بعتوا يستعجلونا عايزين البنات”

خطا الرجل بخطواته للداخل وهو يقول:
–:” كله هيبقى فى الميعاد وهيتسلموا بس المرة دى التمن لازم يبقى عالى أووى دول بنات فابريكة فلازم يدفعوا اكتر”

ضحك الحارس ضحكة عالية ثم قال:
–:” انا بعتلهم صور البنات ومن ساعة ما شافوهم وهم هيتجننوا وعايزينهم النهاردة قبل بكرة وخصوصاً البنت اللى مستنين المعلمة توحة تجيبها “

ألتوى ثغره متبسماً وقال:
–:” المهم خلى بالك وفتح عينيك الاتنين ماشى ، وأنا هستعجل توحة فى أنها تجيب البنت اللى فاضلة ، مش عارف إيه اللى مأخرها كده “

رفع الحارس إصبعه يشير لعينيه قائلاً بطاعة :
– :” أوامرك يا باشا من عيونى الاتنين هى دى أول مرة أشتغل معاك يا صابر باشا دا أنت صابر منصور اللى الكل بيعمله ألف حساب دا كفاية بس هيبتك فى الحكومة يا باشا”

تعالت ضحكات صابر من حديث الحارس ، فماهو إلا أحد رجال السياسة ذو النفوذ والثراء ، والذى يوارى خلف منصبه أعمال الفسق والفجور خاصته ، فخرج من الغرفة بعد أن ألقى نظرة على وجوه الفتيات ، اللواتى كاد ان يبتلعهن بنظرته الدنيئة الثاقبة ، فما هو إلا تاجر أعراض ، يهوى بيع الفتيات الصغيرات ، محققا ربحا عالياً ، متناسياً عذاب الواحد الأحد
_____________
عاد رفيق من المشفى ، لينال قسط من الراحة ، فكم كانت صدمته قوية ، عندما علم بحادث صديقه أكمل ، فكأن شئ سقط على رأسه بتلك اللحظة التى علم بها بأمر الحادث
فأرتمى على الاريكة بألم ظاهر ، يغمض عينيه يحاول أن يجمع شتات نفسه ، عندما سمع صوت والدته فتح عينيه بتعب
فأقتربت منه والدته وهى تقول بإهتمام :
–:” أكمل عامل ايه النهاردة يا رفيق”

رد رفيق قائلاً بإرهاق :
–:” الحمد لله أحسن يا أمى والنهاردة فتح عينيه وكلمته”

قالت والدته بأسى على حاله :
–:” ربنا يشفيه ويعافيه يارب هو وبنته”

أخذ رفيق نفساً عميقاً وقال:
–:” اللهم آمين دا لو كنزى كان جرالها حاجة مش بعيد أكمل كان راح فيها يا أمى “

ربتت والدته على كتفه وهى تقول:
– :” ربك رؤوف رحيم الله يرحمها شهيرة كانت السبب فى ده كله بدماغها الناشفة ، ولما اتصلت عليا النهاردة الصبح وقولتلى أنها ماتت والله صعبت عليا “

نهض رفيق من مكانه قائلاً:
–:” الله يرحمها ميجوزش عليها دلوقتى إلا الرحمة دا حتى كمان عرفت أن أبوها لما سمع الخبر طب وقع من طوله وفى المستشفى هو كمان دلوقتى “

تخلل الحزن صوتها وهى تقول:
–:” لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الله يرحمها ويغفر لها ويشفيه ، روح يا حبيبى غير هدومك علشان تتعشى”

هز رفيق رأسه نافياً وهو يقول:
–:” مليش نفس يا أمى أنا عايز أرتاح وأنام شوية حاسس بارهاق جامد ، بقالى كام يوم من ساعة الحادثة مكنتش بنام من كتر الخوف على أكمل وبنته “

لمح دلوف شقيقته وزوجته وأخيها ، من حديقة المنزل فنظرت اليه ورأت على وجهه علامات الإرهاق ، فهى تعلم بشأن حادث صديقه ، ولا تعلم كيف تواسيه ؟ فهى لم تراه منذ بضعة أيام ، فهو بحالة لا تسمح له بتحمل مزيد من الأسئلة التى كانت تريد طرحها عليه ، فلتدعه ينال راحته أولاً
نظر إليها نظرات صامتة ، ولكنها قرأت بعيناه الكثير ، فربما هو بحاجة إليها الآن ، ولكنه لن يجرؤ على أن يقولها صريحة ، فصعد الدرج يريد الذهاب لغرفته ، فهو بحاجة إلى النوم ، لعل النوم ينسيه ولو مؤقتاً تلك الهموم التى تراكمت على قلبه

فأقتربت رهف منه وهى تسأله بإهتمام :
–:” ايه يا أبيه مش هتتعشى معانا قبل ما تنام”

إلتفت إليها رفيق قائلاً بإبتسامة واهنة :
–:” كلوا أنتوا يا حبيبتى أنا عايز أنام تصبحوا على خير”

لم يتفوه بكلمة أخرى ، فذهب قاصداً غرفته ، يريد أن يريح جسده ، الذى يشعر بأنه بات يأن ، من كثرة الألم والوجع

فنظرت رهف لوالدتها قائلة بأسى :
–:” ابيه رفيق مش عاجبني خالص يا ماما دا باين عليه التعب أوى”

جلست منى على الأريكة خلفها ، فمسحت بيدها على وجهها وهى تقول:
–:” متنسيش أن أكمل صاحبه من وهم صغيرين وكمان ملوش صاحب غيره “

تنهدت رهف وقالت:
–:” هو كمان صعبان عليا أوى ربنا يشفيه هو وكنزى يارب”

أرادت ليان الصعود للغرفة لرؤية زوجها ، ولكن فكرت بعمل بعض الشطائر لتأخذها له ، لعله يستمع إليها ويتناول طعامه فهتفت بهم قائلة :
–:” طب عن اذنكم أنا”

رفعت منى رأسها ونظرت إليها قائلة :
–:” راحة فين يا ليان مش هتتعشى أنتى كمان”

إزدردت ليان لعابها وهى تقول بخجل :
–:” هعمل سندوتشات واخدها لرفيق علشان ياكل طالما مش قادر يقعد ياكل معانا وهبقى أكل معاه”

إبتسمت لها والدة زوجها وقالت :
– :” ماشى يا حبيبتى روحى اعمليه سندوتشات”

اصطبغ وجهها باللون الأحمر ، لفهمها المغزى من تلك الابتسامة الجلية ، على وجه والدة زوجها ،ورأت أيضاً ابتسامة رهف وباسم ، كأنهم على علم ودراية بما يحدث

فهتفت بها رهف بدهاء :
–:” ماشى يا ستى ربنا يسهله”

أقتربت منها ليان وقرصت وجنتها وهى تقول بغيظ:
–:” بطلى لؤم يا رهف علشان عرفاكى”

تألمت رهف بصوت فكاهى قائلة :
–:” أى أى دا انا غلبانة وكيوتة أهو أنا عملت إيه بقى”

فأراد باسم ممازحتها هو الأخر فهتف بها قائلاً:
–:” ابقى اعمليلى ساندوتش معاكى يا ليان “

وضعت ليان يديها بخصرها وهى تنظر لشقيقها قائلة :
–:” أيوة أيوة أنت اتعاديت من رهف أم دم خفيف”

لوت رهف شفتيها وهى تقول :
–:” سيبك من أختك النكدية دى يا باسم تعال نلعب سوا كونكت فور”

نهض باسم من مكانه قائلاً:
–:” ماشى يلا بينا وهغلبك برضه كالعادة”

تصنعت رهف الثقة والغرور وهى تقول:
–:” ايه يا واد الثقة اللى أنت فيها دى جايبها منين أنا بتغلب أه بس بمزاجى وبكرامتى فاهم”

ابتسمت منى على تصرفات ابنتها ، فهى لا تتغير أبدا ، فهى دائما مرحة تحب المزاح ، ومما زاد فى مرحها وجود ليان وباسم ، الذى أصبح لرهف بمثابة شقيق ثالث لها بجانب رفيق ومالك

بعد أن أنتهت ليان من إعداد الشطائر وكوب من الحليب الدافئ وبعض من الفاكهة الطازجة ، التى يغرى شكلها على الأكل ترسل الى المعدة اشارات تزيد من الإحساس بالجوع، حملت الصينية وصعدت الدرج بحرص ، حتى وصلت للغرفة
كاد أن ينتهى من صلاته ، عندما دلفت الغرفة ووضعت الصينية على المنضدة الصغيرة ، فعندما نظر إليها ابتسمت له ابتسامة حنونة كطفلة صغيرة تنظر الى والدها الحبيب

فأشارت لمحتوى الصينية وهى تقول :
–:” انا جبتلك حاجة تاكلها مينفعش تنام من غير ما تاكل وتلاقيك الأيام اللى فاتت مكنتش بتاكل وتنام كويس”

نهض رفيق من مكانه وأقترب منها وألقى برأسه على كتفها وهو يقول بتعب :
–:” أنتى اللى جيباها بنفسك يا ليان متعرفيش أنا حاسس بالتعب والارهاق إزاى أنا اليومين اللى فاتوا كنت بموت بمعنى أصح”

رفعت ليان ذراعيها وطوقته بهما وهى ترد قائلة:
–:” بعد الشر عليك الحمد لله أنها عدت على خير تعال يلا علشان تاكل

مسح وجهه بكتفها مغمغماً :
– بس أنتى اللى هتأكلينى مش قادر أفتح عينى أساساً

– حاضر بس تعال
إبتعدت عنه وجذبت يده وجعلته يجلس على الأريكة ، وجلست بجانبه وبدأت بإطعامه كالطفل الصغير ، فكلما أبدى إكتفاءه ، تعود وتنهره بلطف من أنه يجب أن ينهى طعامه

فإبتسمت على وضعهما وهى تقول:
– تصدق حياتنا مع بعض كانت عاملة زى اللغز

قطب رفيق حاجبيه قائلاً:
–:” لغز ! لغز ايه ده”

ردت ليان قائلة بإبتسامة هادئة:
–:” غزالة صغيرة وقعت فى فخ نصبه ليها صياد ، شافها حلف أنه ما يسبها ، حبسها حاولت تهرب ، كل ما تهرب هو كان بيرجعها ، لحد ما زهق ، سابلها الباب مفتوح ، صدقت خلاص حريتها رجعتلها ، فضلت تجرى وتجرى ، بس وقفت فضلت تفكر ، ان حريتها اللى كانت بتجرى وراها ، دلوقتى مبقتش تهمها قد ما يهمها أن هى ترجع تانى للصياد ، لأنها عرفت أنه اكتر واحد كان خايف عليها ، بالرغم انه مكنش مبين ده بس هى عرفت من نظرة عنيه اللى دايما بتناديها”

إبتسم رفيق بخفوت وهو يقول:
–:” كلامك غريب أوى النهاردة يا ليان”

ناولته كوب الحليب وقالت :
:” فكر فيها بس كويس وأنت هتعرف الحل والحل فى ايدك أنت يا صياد”

فرت هاربة من أمامه ، فما كان ينقصها ، الا أن تبوح له بأنها باتت على أتم الاستعداد لتصبح له الزوجة التى يتمناها ،فهى تشعر بارتجاف قلبها بين أضلعها ، كالفراشات ترفرف بداخلها ، تجعلها تشعر انها تحلق فى سماء صافية كتلك الطائرة الورقية ، التى كانت تهوى دائما اللعب بها ، ولكن أصبحت زمام أمورها بيده هو وليست يدها ، فكم أصبحت تحب ذلك الشعور ، بأنه يوجد من يخشى إصابتها بمكروه و يخاف عليها ويحتويها ويتولى زمام أمورها ، فما اغربها لعبة العواطف ، لا تعرف شريعة ولا منهاجاً ، فمن كانت تمقته بالسابق ، اصبحت الآن اسيرة عيناه الباعثة على الدفء والحنان والعطف ، فكم كانت غبية عندما كانت تحاول اخفاءه من حياتها ، أو عندما كانت تريد نيل حريتها منه
_______________
باليوم التالى ، إصطحب رفيق والدته وزوجته للإطمئنان على أكمل وإبنته ، فأكمل أصر على الطبيب بأن يقيم هو وصغيرته بغرفة واحدة بالمشفى ، دلف رفيق يتبعه باقى أسرته ، فوالدته تكن لأكمل محبة كأبناءها خاصة أن والدته كانت صديقتها ، فولجت خلف رفيق وهى تبتسم ، فأقتربت من فراش أكمل وربتت على كتفه

فدمعت عيناها رغماً عنها وهى تقول :
– عامل إيه دلوقتى يا أكمل ألف سلامة عليك

رد أكمل قائلاً بإبتسامة:
– الحمد لله يا خالتى نحمد ربنا ، شوفتى اتفشفشت إزاى بقيت شبه المومياء المتحنطة من الجبس ده

ضحك الجميع على قوله ، فأقتربت ليان قائلة بخجل :
– ألف سلامة عليك يا أستاذ أكمل أجر وعافية إن شاء الله

أجابها أكمل وهو ينظر لرفيق بدهاء :
– تسلمى ، أنتى بقى ليان مرات رفيق ، اللى جت دوبت جبل الجليد اللى كان عايش معانا

أقترب منه رفيق ووكزه بكتفه وأدنى برأسه منه قائلاً بهمس :
– أتلم أحسن لك ، دا أنت مفيش حتة فيك سليمة هضربك فين

قال أكمل متفكهاً بهمس بأذن رفيق :
– هنيالك يا عم الحاج ، ربنا يسعدكم يارب ، أنا مش بحسد يا خال أن بقُر بس

أستقام رفيق بوقفته ، وجد ليان جالسة بجوار الصغيرة على فراشها تداعبها وتبتسم لها ولم تنسى إعطاءها تلك الدمية التى إبتاعتها لها وهم بطريقهم للمشفى ، فبعد إطمئنانهم على أحوال أكمل والصغيرة عادوا للمنزل ، ففضلت ليان الجلوس قليلاً بالحديقة ، فعاد إليها رفيق بعد تبديل ثيابه

فجلس بجوارها قائلاً:
– استنيتك تيجى بس أتأخرتى

إبتسمت ليان وردت قائلة وهى تنظر للنجوم :
– حبيت أقعد هنا شوية

حولت بصرها إليه وإستطردت قائلة :
– بس باين على أكمل صاحبك أنه غالى عليك أوى

تنهد رفيق ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– أكمل صديق عمرى الوحيد ، تصدقى إن إحنا كمان اتولدنا فى أسبوع واحد أنا اتولدت قبله بيومين ، وكبرنا سوا ودخلنا المدرسة سوا ، حتى لما دخلنا الجامعة دخلنا تجارة ، أنا وأكمل ما أفترقناش يوم واحد من وإحنا صغيرين ولحد النهاردة ، وغلاوته عندى زى مالك ورهف ، كانوا ساعات بيقولوا علينا التؤام لأن مكناش بنسيب بعض ، كل واحد فينا بيكمل التانى

أسندت ليان رأسها لكتفه بعفوية وهى تقول :
– أنت عارف أنا شيفاك إزاى دلوقتى يا رفيق ؟

رد رفيق قائلاً:
– إزاى يا قلب رفيق

تنفست بعمق وردت قائلة بصدق :
– زى الأب اللى دايما مشغول بأولاده ، ومش بيرتاح إلا لما يشوف كل واحد فيهم مرتاح ومبسوط وبخير ، شايل هم الكل أهلك وأنا وباسم وكمان صاحبك وبنته ، وشغلك وتدريسك فى الجامعة

رفعت وجهها له وإبتسمت مستأنفة حديثها :
– أنت مستحمل كل ده إزاى ، أنا لو منك كان زمانى جرالى حاجة من كتر الضغط ده كله

رفع يده ومسد على وجنتها وأسند رأسه لرأسها :
– أصل أخدت على كده من صغرى ، كان لازم أكون أب لأخواتى وسند لأمى ، مكنش ينفع أضعف فى أكتر وقت كانوا محتاجينى فيه ، بس مش هنكر أن كان بيجى عليا وقت وكنت بعيط بالليل من غير ما حد يشوفنى ، المسئولية مكنتش هينة ولا سهلة ، بس الحمد لله أن قدرت أوصل بيهم بر الأمان

أبتعدت عنه ليان قائلة :
– طب يلا نطلع ننام ، عندى محاضرات كتير بكرة وأحلى حاجة أنك راجع بكرة إن شاء الله تدينى المحاضرات ، الكلية ملهاش طعم من غير محاضراتك

ضحك رفيق ورد قائلاً:
– دا تلاقى الطلبة كانوا بيرقصوا من الفرحة أن كنت غايب

أدعت ليان الجدية وهى تقول :
– الصراحة أنت بتبقى فظيع فى المحاضرة بس هنسامحك لأنك وسيم

قطب رفيق حاجبيه قائلاً:
– يعنى إيه مش فاهم

تركت ليان مكانها وقالت :
– لا ولا حاجة يلا بينا علشان بجد حاسة أن هموت وأنام

أخذ يدها بين كفه ودلفا للمنزل حتى صعدا لغرفتهما ، فما أن أبدلت ثيابها ووصلت للفراش ، أنقطع التيار الكهربائي عن المنزل ، ففزعت ليان من الظلام الدامس الذى ملأ الغرفة وصاحت قائلة بصوت مرتجف :
– رفيق شغل الفلاش بتاع الموبايل ينور الأوضة ، الضلمة وحشة أوى

شعرت بالريبة من عدم رده عليها فتحركت من مكانها وهى تقول بخوف :
– رفيق أنت مش بترد ليه

أجابها رفيق وهو يتحسس الكومود بيديه ليعثر على هاتفه :
– بدور على التليفون يا ليان ثوانى

ولكن ما أن وجد الهاتف وأضاء المصباح الخاص ، وألتف خلفه حتى إصطدم بها واختل توازنهما سوياً ، فهتفت ليان بصوت مختنق من شعورها بثقله الجاثم على صدرها:
– رفيق أن هموت كده أنت واكل زلط

أسرع رفيق بالابتعاد عنها ، فجلست ليان مكانها وهى تزفر بقوة ، فجلس قبالتها وقرص وجنتها وهو يقول بغيظ:
– واكل زلط ! وأنا اللى قولت أن مش هسمع حاجة من لسانك الطويل ده

قهقهت ليان وقالت :
– مش قصدى والله هى طلعت منى كده ، متزعلش منى يا حبيبى

أقترب منها حتى كاد يعانقها ، ولكن قبل أن يحصل على مراده ، عاد التيار الكهربائي ، فأرتعدت ليان وأبتعدت عنه قليلاً ، فدمدم قائلاً بسخط :
– هو ده وقت النور ييجى فيه

تركت ليان مكانها واستقامت بوقفتها وهى تقول بإرتباك وتوتر :
– تصبح على خير يا رفيق

هرولت نحو الفراش وأندست بين طيات الأغطية الثقيلة ، بل أنها سحبت الغطاء حتى أخفت وجهها ، ومازالت تشعر بتلك الرجفة من خوفها من أن يقدم على معانقاتها أو مغازلتها ، وربما يجدها اليوم أقل تمنعاً ورفضًا ، فهى كلما تتخذ قرارها بإعلان موافقتها لبدء حياتهما الزوجية ، تعود وتشعر بالخوف والجبن ثانية ، فعلى الرغم من أنها باتت تحبه حقاً ، إلا أن تلك النزعة الأنثوية بداخلها مازالت تشعر بالخوف والخجل ، فلم تخرج من دائرة أفكارها ، إلا على سماع صوت تقلبه على الفراش كأنه لا يستساغ الشعور بملمس الفراش أسفله ، فسحبت الغطاء عن وجهها بحرص ، فرآته يترك الفراش وأخذ وسادة وغطاء وذهب للأريكة ، فقبل أن يستلقى عليها ، كانت هى تجذب ذراعه ، فظل ينظر إليها بتمعن ليعلم ماذا تريد منه ، وجدها تطوقه بذراعيها وتخبره بما تشعر به تجاهه ، ولكنها بحاجة لمزيد من الوقت للتغلب على مخاوفها
_______________
ألقى مالك الهاتف من يده بتأفف ، فهو يحاول مهاتفة ماهيتاب منذ ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة ، فهو لم يراها بالأونة الأخيرة ، نظراً لتلك الأعباء الملقاة على عاتقه من جانب شقيقه ، الذى ترك كل شئ خلفه وظل برفقة أكمل ، فهو ظن أنها أصابها الضيق منه ، لذلك لم ترد على مكالماته ورسائله ، بل أنه ذهب لمنزلها مرتين بالسابق ولم يجدها

– هجرب كده أخر محاولة هشوف هترد ولا لاء
قالها مالك وهو يأخذ هاتفه ثانية ، فبعد مرور لحظات عديدة ، جاءه صوتها على الطرف الأخر

فرد مالك قائلاً بلهفة :
–أيوة يا ماهى أنتى كنتى فين ده كله برن عليكى مبترديش وبعتلك رسايل برضه مردتيش ولما جتلك البيت ملقتكيش هو فى إيه

نفخت ماهيتاب وردت على حديثه بضيق :
– مفيش يا مالك كانت أعصابى تعبانة وسافرت يومين أريح أعصابى فيها حاجة دى يعنى

تعجب مالك من هجومها الضارى عليه بالحديث ، فرد قائلاً بإستياء :
– فى إيه يا ماهى ما براحة شوية أنا غلطان يعنى علشان بسأل عليكى هو مش أنتى خطيبتى برضه ولازم أطمن عليكى

أجابته ماهيتاب بعدم إكتراث قائلة:
– اه اه خطيبتك خير فى إيه بتطمن عليا أنا الحمد لله كويسة فى حاجة تانى يا مالك

غلى الدم بعروقه من أسلوبها الجاف بالرد عليه ، فكز على أسنانه قائلاً بغيظ:
– لا حاجة ولا محتاجة أنا غلطان أساساً أن رنيت عليكى مع السلامة

قبل إغلاق الهاتف ، وجد رفيق يلج غرفة مكتبه ، فنهض عن مقعده وترك الهاتف من يده قائلاً :
– أهلا يا أبيه نورت الشركة

– دا نورك أنت يا حبيبى أنا جيت أطمن على الشغل ماشى إزاى عارف أن الحمل تقيل عليك
قالها رفيق وهو يجلس على المقعد أمام المكتب ، فكل هذا إستمعت إليه ماهيتاب عبر الهاتف ، فمالك أنشغل بالحديث مع شقيقه وغفل عن إغلاقه

فجلس مالك بالمقعد المقابل له قائلاً :
– ولا يهمك يا أبيه المهم نطمن على أكمل يرجع بالسلامة إن شاء الله

مد رفيق يده وربت على ساق مالك قائلاً :
– إن شاء الله أكمل قرب يخرج بالسلامة ونبدأ نجهز لفرحك ونفرح بيك

لم يبتهج مالك بما سمعه من شقيقه ، فحدق به رفيق بإهتمام ، فهو من كان يلح دائماً بإتمام زواجه ، ولكنه لايرى الآن معالم السعادة على وجه ، فأراد معرفة ما أصابه
فنظر إليه بعمق وقال:
– فى إيه يا مالك شايفك مش مبسوط حصل حاجة

أحنى مالك رأسه قائلاً:
– مش عارف يا أبيه حاسس أن ماهيتاب متغيرة معايا ، حاسس زى ما يكون فى حاجز بينى وبينها ، حاولت أتجاوز ده بس الموضوع زاد أوى الفترة دى

– زاد إزاى يعنى مش فاهم
قالها رفيق بتساؤل

فرفع مالك رأسه وهو يقول:
– يعنى بقالها فترة قاطعة الكلام معايا أرن عليها متردش ولما كلمتها حسيت لهجتها متغيرة معايا زى ما تكون مش طايقة تتكلم معايا

– جايز بس بيتهيألك يا مالك أو تكون تعبانة ومش عايزة تقولك فأقعد معاها وشوف مالها فى ايه واتكلموا مع بعض بهدوء
حاول رفيق تصنع الهدوء ، فهو يعلم مدى حب شقيقه لخطيبته ، على الرغم من إعتراضه ببادئ الأمر من خطبتهما ، ولكنه صمت إكراماً لشقيقه ، فهو لا يريد أن يشعر مالك بالحزن ، فهو بإمكانه معرفة معادن الناس بسهولة ، وليس كشقيقه ، الذى دائماً ما تكون العاطفة هى الغالبة على تصرفه
فبعد أن إستمعت ماهيتاب للحوار بين رفيق ومالك ، أغلقت الهاتف ، وألقته بجانبها وهى تسترجع من ذاكرتها كل كلمة قالها رفيق ، فهى كأنما إستمعت لصوته هو فقط
________________
هبطت ليان الدرج بعد إنتهاءها من الإستعداد للذهاب إلى الكلية ، فرفيق إستعد هو الأخر ، وهبط للطابق السفلى فى إنتظار مجيئها ، فهى ورهف ستذهبان إلى الكلية بسيارته ، فطارت قدميها وهى تتقدم بخطواتها نحو مائدة الطعام ، فجلست على مقعدها وبدأت تتناول طعامها

فرأت رهف قادمة وهى تعبث بيدها داخل حقيبتها فإبتسمت قائلة :
– جهزتى السوبر ماركت بتاعك خلاص ، علشان اليوم لو طول

قالت رهف بتفكه :
– بطمن على كل حاجة أهو استنى باين كان فى ساندوتش بامية هنا راح فين

فغر رفيق فاه وهو يقول:
– بامية ! أنتى بتهزرى يا رهف

أرادت رهف إكمال مزحتها للأخر فقالت :
– مالها البامية يا أبيه مش أحسن ما أسيبها تحمض قولت أخدها أكلها أنا وليان فى محاضرتك

قهقه الجالسين جميعهم على قولها ، فدمعت عين والدتها من كثرة ضحكها ، فقالت بصوت متحشرج:
– الله يسامحك يا رهف هتموتينى يا سوسة

تلاعبت رهف بحاحبيها وهى تقول :
– سوسة سوسة بس بتحبونى برضه صح يا أبيه

– صح يا عيون أبيه
قالها رفيق وهو يمد يده يداعب وجنتها ، بل أنه جذب رأسها إليه وقبل جبينها بحنان كعادته ، فظلت ليان تنظر إليه ، فى إنتظار حصتها هى الأخرى من دلاله ، ولكن عيناه أبلغتها صراحة أن دلاله لها لايصح أن يراه أحد ، فكيف له بأن يعانقها أمام أحد ، فإن كان دلاله لشقيقته يقتصر على ضمها إليه بحب وحنان ، فمعها هى سيكون الأمر مختلف
حاولت أن تدارى إستياءها منه خلف تلك الابتسامة التى رسمتها على شفتيها ، فأخذت حقيبتها ونهضت من مكانها للخروج ، وقبل أن تصل لسيارته ، وجدت يد تجذبها من مرفقها

فشهقت بصوت مسموع ، ولكن تلك اليد التى وضعت على فمها ، منعت صوتها من أن يصل لأحد
_________________
يتبع……!!!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى