روايات شيقهرواية وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

كانت الأجواء ساخنة وحارة بداخل الغرفة، ولما لا فالصيف على المشارف، والجو في تلك الأثناء يميل للإرتفاع..
مما جعله لا يطيق النوم أكثر من ذلك.

نهض محسن عن الفراش ثم حك فروة رأسه وهو يتثاءب وقرر النزول للأسفل للبحث عما يسد جوعه، فمعدته بدأت تأن كأسد جائع..
وعندما ولج خارج حجرته استمع لصوت همهمات مبهمة منبعثة من جهة الحجرة التابعة لإيثار..
فضيق عينيه بترقب ثم أتجه ناحية الغرفة…
وقف على بعد عدة خطوات ليتمكن من سماع ما يقال..
وسريعاً ما تحول وجهه للإظلام، ونظراته للشراسة…
وبصورة مباغتة اقتحم الغرفة ليتفاجئ بها تتحدث بهاتفه…

شهقت إيثار بهلع حينما رأته أمامه بهيئته التي لا تنذر بخير على الإطلاق..
سقط الهاتف من يدها من هول المفاجأة..
بينما عقد هو ما ببن حاجبيه ثم كز على أسنانه بشراسة وهو ينطق
:
انتي بتعملي اي! وجيبتي تليفوني منين!
لم يختلف حال أمل عنها، ووضعت يدها على صدرها اللاهث وهي تدعو الله في نفسها ألا يتفاقم الأمر…
ابتلعت إيثار ريقها بصعوبة، وارتجفت نظراتها، وتندى
جبينها بقطرات العرق، وهمست بتلعثم خائف: آآ، انت

انطلق نحوها، وقبض على ساعدها بعنف ثم جذبها ليصرخ بها
بإهتياج:
انتي لسه ها تتهتهي، ده انتي ليلتك سوده النهاردة
تدخلت أمل على الفور بعد أن رأت فيه علامات الخطر، ووقفت حائلاً بينهما، وهتفت بصوت عالي لعلها تردعه:
يامحسن كانت بتطمن على اهلها فيها اي دي؟

لم ينظر محسن ناحيتها، بل ظلت أنظاره الشيطانية المرعبة معلقة على إيثار، ثم دفعها بعنف من كتفها للجانب لتسقط على الأرضية فتأوهت بصوت مرتفع في حين كان النصيب الأكبر من الإعتداء والعنف من حظ إيثار..
انتابته ثورة هائجة، وترك لنفسه العنان للبطش بها..
حيث جذبها من خصلات شعرها بقوة، ولفه على كفه ليحكم سيطرته عليها حتى شعرت وكأنه سيقتلعه من جذوره، فزاد من تأوهاتها..

وسدد لها صفعات متتالية على وجنيها بكفه الأخر..
توسلت له أن يكف..
لكنه لم يفعل، بل زادت شراسته وعنفه..
وكال لها من اللكمات القوية في أنحاء متفرقة من جسدها ولم يهتم بصراخها وصوت بكائها على أثر الألم…
انتفض والديها مذعورين على إثر صراخها العنيف، وصوت الضربات كالسياط عليهما…

كاد قلبيهما يخرج من ضلوعهم من هول الصاعقة التي تلقاها، ظل والدها يصرخ وينادي باسمها عسى أن يسمعه ذلك المتوحش ولكن لا حياة لمن تنادي..
ابنته تقتل على يد من أئتمنها عليها..
جاهدت إيثار لتتخلص من قبضته ولكنها شعرت بالعجز الكامل، ظلت تخدش قبضته القابضة على شعرها بشراسة حتى انفلتت..
تدخلت أمل لتمنعه من الاقتراب منها، فأتاحت لها الفرصة لتهرب من أمامه..

وخرجت تركض وهي تصرخ مستغيثة بمن ينجدها من بطشه العنيف..
دفع هو أمل بقوة مفرطة وقد بات من الصعب السيطرة على جموحه العنيف فتبعها ليلحق بها وهو يطلق أبشع الألفاظ وأكثرها قبحاً..
تعثرت في طريقها، فأمسك بها من ثيابها وجذبها بقوة ولكنها رفضت الرضوخ والاستسلام وظلت تتلوى بين قبضتيه، وتحاملت على نفسها ليفلتها حتى سقطت من أعلى الدرجات الخشبية التي تفصل الطابقين…

فزع محسن عندما رأها تسقط وجسدها يدور بلا توقف على طول الدرجات..
تسمر في مكانه يتابعها بذهول حتى توقف جسدها عن الدوران، أصيبت رأسها وسال منها الدماء..
دنا منها مسرعاً وانحنى بجسده ليتفحصها..
شعرت بيديه على جسدها المتآلم، فصرخت بهيسترية ليبتعد عنها..
لم تعد تطيق لمساته، لم تعد تتحمل وجودها بقربه، لقد انتهى كل شيء بالنسبة لها..
ودت الموت لترتاح من عذابها معه..

صرخت وصرخت وصرخت وهي تلوح بذراعيها في الهواء..
أغمضت عينيها بقوة لتبعد صورته المخيفة عن أنظارها..
آلماً مبرحاً يضرب أسفل بطنها..
ورطوبة لزجة تنساب من جسدها..
حدق محسن مصعوقاً في تلك الدماء الدافئة التي تتدفق من بين ساقيها..
تلونت ثيابها بالدماء وشعرت كأن روحها تخرج منها، واستسلمت بإرتياح لهذا الشعور..
أخيراً سيستكين جسدها بعد ذلك العذاب المتواصل..
جفل جسد محسن بقوة، فالدماء غطت إيثار من أماكن متفرقة..

نهض مسرعاً ليبحث عن أم فتحي ثم عاد بها مهرولاً لكي ترى ما أصابها…
وعندما وقعت عينيها على الحالة التي بها تلك المسكينة شهقت بخوف ثم انحنت عليها لتتفحص ما أصابها ولكنها ابتعدت سريعاً ثم نطقت بلهجة مذعورة:
دي لازمن تروح المستوصف على طول دي بتنزف!
تسمر في مكانه، وحدق بها بنظرات فارغة..
لم يعد بإمكانه التفكير..
وبات مرعوباً من تعرضه للمسائلة القانونية، فهتف بهلع:
ها! ط، طب أفرضي سألوا حصل اي؟

رمقته أم فتحي بنظرات مشمئزة، وهزت رأسها بإستنكار وهي تقول:
ماليش صالح اتصرف، المهم توديها قبل ما تقطع النفس وتروح منك!
بثت كلماتها الرعب بداخله أكثر..
فما كان منه إلا الإنسياق وراء حديثها والذهاب بها إلى إحدى المستشفيات الصغيرة الموجودة بالبلدة..
أصرت أمل على مرافقته رغم الآلام التي كانت تشعر بها على أثر سقوطها عقب دفعه لها من أجل تلك الفتاة المغلوبة على أمرها…

لم تكف عن توبيخه وإلقاء اللوم عليه لما ارتكبه بحقها..
حملته الذنب واللوم..
لكنه لم يحرك ساكناً..
بدى خائفاً على نفسه أكثر منها..
أشفقت على تلك المسكينة التي لم تفعل شيئا قط…
فقط قدرها قادها لهذا المعدوم الرأفة..
أغاظها جموده، فصرخت بإهتياج:
ليه كل القسوة دي، انا مش مصدقة نفسي ازاي مخدتش بالي من البنى ادم اللي عايشة معاه السنين دي كلها!
استدار ناحيتها، وكز على أسنانه قائلاً وهو يضرب حائط المشفى بقبضته:.

قولتلك مكنتش شايف قدامي، وانتي السبب في كل ده
احتجت أمل بقسوة وهي ترمقه بنظرات مشتعلة:
كمان هترمي اللوم عليا يامفتري، ده انت ربنا ه…
قطع حديثها صوت باب غرفة العمليات الذي انفتح فجأة ومرق منه الطبيب وهو ينزع الكمامة الطبية عن فمه..
بدى وجهه عابساً جامداً..
تحرك بثبات للخارج، فركض نحوه محسن وهتف بنبرة متلهفة
:
ها يادكتور! هي، اا كويسة؟
اقتربت أمل هي الأخرى من الطبيب، وتساءلت بخوف حقيقي:.

من فضلك طمنا هي حالتها اي دلوقتي؟
هز الطبيب رأسه بأسف، واجابهما بتجهم:
حالتها مش مسقرة بعد كمية النزيف اللي نزفته، وخصوصا أن الحمل كات في أوله وكان لازملها راحة تامة!
تهللت أسارير محسن، وتشكل على ثغره ابتسامة عريضة وهتف دون وعي:
هه، هي حامل
رمقه الطبيب بنظرات مريبة، وزادت علامات الوجوم على ملامحه، ثم نطق ساخراً متهكماً:
كانت حامل، الحمل نزل مع الأسف الحمل نزل!
اتسعت مقلتيه في صدمة أكبر..

واهتز قلبه فزعاً، وانفرجت شفتيه في تحسر آليم
وهتف بتلعثم: ك، كانت…!

(( هَا قَدْ عُدتُ إِلَيكِ، وَلَكِن خَالِية الْوِفَاض..
لَا أَملُك إِلَا تَعَاسَتِي، وَذِكرَى البِعَاد..
أَلَا تَرفَقِي بِي مَدِينَتِي، وَتُعِيدِي إليَّ حَبل الوِصَال؟ ))
إنهار محسن جالساً على أقرب مقعد غير مصدق ما سمعه تواً..
لقد كانت زوجته إيثار حاملاً..
هي حملت في أحشائها وريثه المرتقب، وهو بغبائه وعنفه المفرط قتله بلا وعيٍ..
ضرب رأسه بكفه عدة مرات ليصرخ من بين أسنانه:
ليه، ليه، كان فين مخي؟!

تابع الطبيب قائلا بجدية:
الموضوع فيه شبه جنائية، اﻹجهاض حصل نتيجة اعتداء، ده غير أثار الكدمات الواضحة على وشها، والتجمعات الدموعية عند آآ…
انتبه له محسن، وسيطر سريعاً على حالته الهائجة، وهتف مقاطعاً إياه بغلظة وعينيه تنطقان بالشرر الصريح:
ده كان قضاء وقدر، سامع يا دكتور، قضاء وقدر!

استشعر الطبيب من لهجته العدائية وجود تهديد بين كلماته المتوارية، فأطرق رأسه خوفاً منه، خاصة أن قرأ في عينيه نية مبيتة لإيذائه، لذا تنحنح بخشونة وهو يضع يده على فمه:
أكيد، ربنا يعوض عليك، وألف سلامة على المدام!
ثم تركه وتحرك مبتعداً عنه ليكمل عمله…

وقفت أمل إلى جوار باب غرفة العمليات منتظرة بتلهف خروج تلك المسكينة التي فقدت شيئاً ثميناً تتمناه مثيلاتها في لحظة جنون وطيش من زوجها دون أن تدري بوجوده أصلاً..
تحرك اثنين من الممرضين نحوها وهما يدفعان أمامهما ناقلة طبية ممدد عليها إيثار..
فأسرعت هي نحوهما، ونظرت إلى تلك الغائبة عن الوعي بإشفاق، وهتفت بحزن وهي تطالعها بنظراتها المشفقة:
إيثار! ان شاء الله هاتبقي كويسة و، آآآ…

قاطعها الممرض قائلا بنبرة رسمية:
حاسبي شوية يا ست
نظرت له بتوسل وهي تقول:
أنا عاوزة اطمن عليها
رد عليها بجمود نسبي:
هي هتتنقل على أوضة عادية، وإنتي تقدري تشوفيها هناك
ماشي
تركتهما ينصرفان بها، واستدارت بجسدها ناحية محسن الذي بدى في حالة غريبة، لم يظهر عليه الندم، ولكن تشكل على وجهه تعابير الوجوم الصريحة..

لم تتوقف عن رمقه بنظرات تحمل اللوم واﻹستهجان، فكل ما تعانيه تلك البائسة نتيجة بطشه القاسي، ورغم هذا لم تنبس ببنت شفة..

على الجانب اﻷخر، طرق عمرو بكفه بعصبية واضحة على سطح المكتب الخشبي القديم وهو يهدر منفعلاً:
يعني ايه مالوش عنوان؟
أجابه الموظف بهدوء مستفز وهو يغلق الملف القديم:
مش متسجل عندنا حاجة!
صاح بها عمرو بإنفعال أشد:
ازاي؟! مش انتو شئون عاملين وكل التفاصيل بتاعة الناس اللي شغالة هنا المفروض تكون عندكم!
رد عليه الموظف بصوت جاف:
ايوه، بس المعظم بيغير عناوينهم، ومش بيبلغنا، فده مش ذنبنا يا أخ عمرو!

وضع عمرو يديه على رأسه، وضغط عليها بقوة وهو يحدث نفسه بعصبية:
طب هاوصله ازاي؟
بدت عليه الحيرة واضحة، فحاول الموظف مساعدته، فبادر قائلاً:
شوف يا أستاذ عمرو، الأستاذ شعبان ممكن يدلك على عنوانه!
انتبه عمرو إلى ما قاله الأخير، خاصة أن كلماته أضاءت بارقة الأمل لديه..
قطب هو جبينه مهتماً، وسأله بتلهف:
مين اﻷستاذ شعبان ده؟
رد عليه الموظف بتفاخر:.

ده أقدم مننا كلنا، ويعرف دبة النملة هنا، فاحتمال كبير يكون عارف عنه أي حاجة تفيدك
تلاحقت أنفاس عمرو نوعاً ما بعد تلك الأخبار المبشرة، فربما يكون هذا الشخص هو طرف الخيط الذي سيوصله بمحسن..
سأله بنزق وهو يميل بجسده للأمام ليستند بكفيه على السطح الخشبي للمكتب:
طب هو فين؟
أجابه الموظف بهدوء:
في أجازة، وهيرجع على أول الاسبوع
سأله عمرو دون تردد وقد ضاقت نظراته:
طب مالوش موبايل ولا رقم أوصله.

هز الموظف رأسه نافياً وهو يجيبه:
مش هايرد عليك، بعيد عنك دماغه قفل من ناحية التكنولوجيا
نفخ عمرو بضيق، فهو يعلم تلك النوعية من الأشخاص ( أو ما يطلق عليهم أعداء التكنولوجيا ) الذين ينبذون كل ما له علاقة بوسائل الإتصال الحديثة..
ظل الموظف يتطلع إليه بنظرات مترقبة منتظراً ردة فعله القادمة، فتنهد عمرو بإرهاق وهو يقول على مضض:
ماشي، بس الله يكرمك أول ما يجي بلغني…!
بأمر الله.

انصرف بعدها عمرو وهو يتمتم بكلمات مبهمة يلعن فيها عدم تريثه، وربما سوء اختياره لذلك الشخص الغير مؤتمن على شقيقته..

لم تكف تحية عن الاتصال بإبنها لتعرف أخر المستجدات منه عن ابنتها الصغيرة إيثار..
ما آلمها أنها لم تقف إلى جوارها في أشد أوقاتها احتياجاً لها..
تورمت عيناها من كثرة البكاء حسرة عليها، ولم يتوقف لسانها عن التضرع للمولى لطمأنتها عليها، خاصة وأن صوت صراخها الأخير وما تبعه من تهديدات عنيفة جعلها غير قادرة على الوقوف على قدميها، فإنهارت تولول وتلطم بهلع جلي..

بينما لم يتوقف رحيم عن محاولة التصرف بطريقته من أجل الوصول إلى محسن، لكنه كان عاجزاً في هذا البلد الغريب عن اتخاذ اللازم، فغالبية معارفه مقيمون بالقاهرة، ولم يردْ أن يدخل أخيه مدحت في تلك المسألة حتى لا يثير الضجة أكثر، لذا كان اعتماده الكلي على ولده عمرو..

استعادت إيثار وعيها تدريجياً، وفتحت عيناها ببطء لتتأمل المكان من حولها..
ما أرهقها هو قوة الإضاءة التي تؤلم عينيها..
أصدرت أنيناً مكتوماً وهي تحاول تحريك جسدها على الفراش، فقد كانت هناك عدة وخزات حادة تؤلمها في أماكن متفرقة..
شعرت بيد ناعمة توضع على جبينها، فرفع عيناها نحوها لتجد أمل تطالعها بنظرات حنونة..
ابتسمت لها الأخيرة وهي تقول بخفوت:
حمدلله على سلامتك
همست لها إيثار بصوت واهن وهي تنظر إليها:.

هو، هو حصل ايه؟
ضغطت أمل على شفتيها بقوة، وأجابتها من بينهما بحزن:
انتي، انتي وقعتي، وآآ، والحمل بتاعك راح!
اتسعت عيناها بذهول، وهمست بصوت متقطع:
آآ، ح، حمل
ابتلعت أمل ريقها، وحاولت المحافظة على ابتسامتها المطمئنة وهي تتابع بحذر:
إنتي، كنتي حامل، بس ربنا مأردش إنه، آآ، يكمل
هزت رأسها مستنكرة، وبدأت العبرات تتجمع في مقلتيها، وصرخت بصوت ضعيف عاجز:
لأ، لأ..

اقتحم عقلها ومضات قاسية مما تعرضت له على يد محسن من ضربات عنيفة وإهانات لاذعة حتى لم تعد تشعر بشيء..
تحركت يدها عفوياً على بطنها لتتحسسه، فنظرت لها أمل بحزن واضح، ومدت يدها لتضم كفها في راحتها، وضغطت عليه بأصابعها وهي تقول بصوت شبه مختنق:
شششش، هاتتعوض يا حبيبتي، اهدي بس!
نهج صدر إيثار علواً، وتلاحقت أنفاسها وهي تصرخ في عدم تصديق:
لألألأ..!

وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية وهي تتذكر صفعات محسن العنيفة عليها، ضرباته القوية على جسدها الضعيف..
آلمها بشدة أنها لم تستطع أن تنعم ولو للحظات بإحساس كونها ستصير أماً، ففقدت ذلك الشعور على يده..
قاومت أمل انهمار عبراتها أسفاً عليها، وصاحت بتوجس من حالتها النفسية السيئة:
اهدي يا ايثار، إنتي ربنا بيحبك والله، ورحمك من حاجات آآ…
لم تكمل عبارتها الأخيرة حيث قاطعها صوت محسن المستفز:.

حمدلله على السلامة يا حلوة
اشتعلت عيناي إيثار غضباً عند رؤيتها إياه، وتحول وجهها لكتلة دموية حمراء رغم شحوبه..
فمجرد وجود شخص مثله معها في نفس المكان يثير حنقها وانفعالها، فهدرت بلا وعي وهي تكز على أسنانها:
آآ، إنت
ابتسم لها بسماجة وهو يقترب منها ليقول:
أنا مكونتش أعرف إنك حامل، بس هانعوض يا قمر، احنا لسه قدامنا آآ…

لم تتحمل إيثار طريقته المستفزة في الحديث وكأنه لم يرتكب جرماً شنيعاً في حقها، فصرخت بإنفعال رغم آلامها:
اطلع برا..!
دنا منها أكثر وهو يقول ببرود:
حقك تزعلي مني، بس أنا هاعوضك، ده إنتي الحتة اللي في الشمال
توقفت لثانية لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بشراسة رغم بحة صوتها:
انت، انت مش بني آدم، انت حيوان، حيوان!
قطب جبينه بإندهاش من وقاحتها الصادمة، وعاتبها ببرود:
الله! الله، الله! ليه الغلط بس يا حبيبتي!

رأت أمل احتدام الأجواء الغاضبة بينهما، فاتجهت نحو محسن، ووضعت يدها على ذراعه، ودفعته للخلف وهي تقول بتوجس:
امشي دلوقتي يا محسن
نظر لها بطرف عينه وهو يقول بغيظ:
انتي مش شايفة لسانها الطويل، وأنا بس ساكت عشان حالتها
رمقته أمل بنظرات نارية قبل أن تصرخ فيه بحنق:
انت معندكش دم ولا احساس، واحدة ضيعت حملها بغباءك، عاوزها أول ما تشوفك تاخد بالأحضان
أطرق رأسه حرجاً من كلماتها، وأخفض صوته ليقول بإمتعاض:.

مش كده، بس آآ…
قاطعته أمل قائلة بإصرار:
من غير بسبسة، اتوكل على الله، وبعد كده نتكلم
ثم دفعته من ظهره للأمام ليخرج من الغرفة..
لم تتوقف إيثار عن الصراخ المصحوب بالنحيب والأنين، ففاجعتها في نفسها أكبر من طاقتها على التحمل..
هي خسرت روحها، وقطعة منها، وقبلها حبيبها، وتجسد نصب عينيها ذكريات موجعة مع من حولها، فساءت حالتها النفسية أكثر، وزاد صراخها المرير…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى