روايات شيقهرواية وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل 32

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل 32 سردت إيثار لرفيقتها روان ظروف وملابسات عملها مع أخيها كمربية لإبنته، فتعجبت اﻷخيرة مما سمعته، وهتفت بحماس:
دي كانت أخر حاجة ممكن أتوقعها!
ردت عليها إيثار بهدوء رقيق:
ده حقيقي فعلاً
مدت روان يدها لتمسك بكف رفيقتها، وتنهدت بسعادة وهي تقول:
بس أنا فرحانة اوي إني هاشوفك هنا وكل يوم!
استغربت إيثار من عبارتها الأخيرة، وسألتها بجدية:
إنتي هاتعيشي هنا؟

تنهدت روان بإحباط، وتحول وجهها للعبوس وهي تجيبها بإمتعاض:
ايوه
لاحظت هي تبدل تعابير وجهها للوجوم والحزن، فأثار هذا فضولها لمعرفة سببه، وتساءلت بإهتمام:
طب ليه؟
أخذت روان نفساً عميقاً حبسته في صدرها للحظات قبل أن تخرجه دفعة واحدة، ثم أجابتها بنبرة حذرة:
بصي، أنا مش عارفة إن كان للموضوع علاقة بأخوكي ولا ﻷ
ارتفع حاجب إيثار للأعلى بإندهاش، وتساءلت بنزق:
عمرو! وإيه دخله بإنك تيجي تعيشي هنا؟

ضغطت روان على شفتيها لتقول بحذر:
هاحكيلك!
وبالفعل قصت عليها المواقف التي جمعتها بأخيها عمرو وكيف كان شهماً معها، وما حدث في اللقاء اﻷخير على الدرج واشتباك مالك معه..
صدمت إيثار مما سمعته، ونظرت لها بتعجب وهي تقول بعدم تصديق:
إنتي وعمرو! دي أخر حاجة ممكن أتخيلها!
ابتسمت لها روان بسخرية وهي ترد عليها:
وأنا والله، أنا كنت بأكرهه جدا!
مطت إيثار شفتيها للأمام في تعجب، ورددت بمكر:
مممم، كنتي! طب ودلوقتي؟

توردت وجنتي روان، وأسبلت عيناها خجلاً وهي تجيبها بإستحياء:
مش عارفة بقى!
شعرت إيثار بوجود مشاعر خفية، ولكنها مميزة، بين أخيها ورفيقتها، فابتسمت لها بسعادة متمنية لها الخير، وتشدقت قائلة:
عموما يا حبيبتي عمرو انسان كويس، مش عشانه أخويا، بس حقيقي هو اتغير كتير، ويمكن كان عاوز يعوضني عن اللي حصلي واللي عمله فيا!
انقبض قلب روان بقلق عقب الجملة الأخيرة، وتساءلت بإهتمام وقد تحول وجهها للتشنج قليلاً:.

هو عمل ايه؟
لم ترغب إيثار في إفساد ذلك الجو الودي بالحديث عن ذكرياتها التعيسة أو حتى تكوين صورة سلبية عن أخيها الذي رأته قد تغير بالفعل للأحسن وأدرك خطأه، لذلك أجابتها بإبتسامة باهتة:
يعني، مافيش داعي نفتح في القديم، بس أنا واثقة فيه
عضت روان على شفتها السفلى، وردت عليها بإستياء:
ماشي براحتك يا ريري!
أومأت إيثار برأسها في إمتنان لها..
بينما أكملت روان بنبرة حرجة:.

أنا عارفة يا ريري إني كنتي مقصرة معاكي ومش بسأل زي زمان بس إنتي كنتي شايفة الوضع عامل ازاي!
ردت عليها إيثار بهدوء:
ولا يهمك
أضافت روان مبررة:
وبعدين انتي اعدتي فترة مش بتيجي حتى عند مامتك فمكونتش بأعرف أشوفك
تذكرت إيثار تلك الفترة التي قضتها في دار المغتربات أثناء صراعها في المحاكم للحصول على حكم تطليقها من محسن، فهزت رأسها بإيماءة خفيفة، وأجابتها بإختصار:
ايوه
تابعت روان قائلة بإهتمام:.

يمكن بس الفترة اﻷخيرة كنت بألمحك وإنتي طالعة أو نازلة، بس أكيد طبعا إنتي كنتي مشغولة مع جوزك وبيتك!
لم تعلق عليها إيثار، وأغمضت عيناها لتخفي لمحة اﻵلم الحزينة بهما..
استغربت روان من صمتها المريب، فسألتها مجددا محاولة معرفة أي شيء يخصها:
قوليلي أخبارك ايه وأحوالك إزيها؟
تنهدت بعمق وهي تجيبها بنبرة حزينة:
الحمدلله!

أثار ردها المقتضب والغامض فضولها لتعرف عنها المزيد، فهي قليلة الحديث عن حياتها، لذا سألتها بإهتمام:
إيثار أنا حاسة انك اتغيرتي ومابقتيش زي زمان
ابتسمت بتصنع وهي تجيبها:
مافيش حد بيفضل على حاله
سألتها روان بفضول وهي محدقة بها:
طب وأخبار الجواز معاكي ايه وعندك عيال ولا آآ…
قاطعتها إيثار بتعجل وبصوت قاتم:
ﻷ!
ثم ابتلعت ريقها المرير لتكمل بصعوبة وهي تحاول السيطرة على عبراتها:
كان في، آآ، بس، آآ، مكملش!

أشفقت روان عليها، ومسحت على ذراعها وهي تردد بأسف:
يا حبيبتي، ربنا يعوض عليكي
ردت عليها إيثار بخفوت:
الحمدلله
ترددت روان في سؤالها عن طبيعة حياتها الزوجية، خاصة أنها لم تحكِ عنها أي شيء، فسألتها بتوتر:
طب وآآ، وجوزك، اقصد يعني آآ…
قاطعتها إيثار بجدية محاولة التهرب من الإجابة:
خلينا نشوف روفي هتاكل ولا ايه
تفهمت روان إمتناع رفيقتها عن الإجابة، وأوضحت لها:
بتهربي من الكلام، براحتك، بس أكيد هندردش تاني!

ردت عليها إيثار بإرهاق قليل:
ان شاء الله.

أخفت سارة وجهها الباكي بين راحتي يدها، وانتحبت بمرارة شديدة..
أشفق والدها مدحت على حالها وتابع بجدية:
احنا بنتواصل مع السفارة هناك وهنطلقك منه، المحامي قالي إن الموضوع هياخد وقت وعقبال ما محكمة الأسرة تعين خبير و، آآ
قاطعته إيمان قائلة بإمتعاض:
اهوو ذنب الغلبانة وبيخلص مننا!
نظر مدحت إلى كلتيهما بحيرة، وتساءل بنزق:
قصدكم على مين؟

رفعت سارة عينيها المتورمتين من البكاء لتنظر إليه بخزي، وأجابت على والدها بصوت متقطع:
آآ، إيثار..!
نظر لها مشدوهاً، فرددت إيمان بضيق:
بنت اخوك!
فغر فمه مشدوهاً، وسألهما بجدية:
إيثار!مالها؟!
التفتت إيمان نحو ابنتها، وصاحت بها بقوة:
قوليله
سردت سارة ﻷبيها افتراءتها الكاذبة عن إبنة عمها، فصدم اﻷخير في ابنته، واحتدت نظراته إليها، وصاح بها بغلظة وهو يعنفها:.

بقى انتي يا سارة تعملي كده، ﻷ وفي مين! في بنت أخويا اللي زي أختك!
ردت عليه بنبرة منكسرة وهي تتحاشى النظر إليه
أنا، انا اسفة!
اشتعلت نظراته غضباً، وأكمل هادراً بغيظ:
اسفة بالبساطة دي! ظلمتي البت واتبهدلت وشافت الويل من ابوها الله يرحمه، وأخوها وانتي تقولي اسفة، عملتي فيها كده ليه، انطقي!
ردت عليه بصعوبة من بين بكائها النادم:
كنت، غيرانة منها
ضرب كفاً على كف مستنكراً ردها المستفز، وصاح بصوت منفعل:.

غيرانة! لا حول ولا قوة إلا بالله! مخوفتيش من انتقام ربنا، من دعوة المظلوم!
أجهشت ببكاء أشد وهي تجيبه:
مجاش في بالي، كنت معمية
رد عليها بحنق وهو يشير بيده:
وأديكي شوفتي بنفسك جرالك ايه، يا ريت تصلحي االي عملتيه لعل ربنا يرفع عنك الغمة
حدقت فيه بعدم فهم، وسألته بصوتها المتشنج:
قصدك ايه يا بابا؟
أجابها أبيها بثبات وهو يرمقها بنظراته القوية:.

المسكينة اللي ظلمتيها دي ليها حق عندك، واتظلمت على حياة عين ابوها، لازم تقوليلها على غلطك
ارتجفت سارة مما طلبه منها، وردت عليه معترضة
مقدرش، مقدرش!
صاح بها مدحت بعصبية:
مافيش حاجة اسمها مقدرش، إنتي غلطتي، ولازم تتحمل نتيجة غلطك ده، يالا قدامي
استعطفته قائلة برجاء:
يا بابا
هتف فيها بصرامة:
مافيش بابا!
ثم استدار برأسه ناحية زوجته، وتابع بصوت قوي:
وانتي يا ايمان حطتي طرحتك وتعالي معها.

نظرت له بإستغراب، واعترضت قائلة:
بس أنا، آآ..
قاطعها بصرامة وهو يردد:
مافيش بس، إنتو الاتنين هتنزلوا تحت تعتذروا لبنت أخويا، ومافيش رجوع في قراري ده…!

انتهت راوية من إعداد طاولة الطعام، وتوجهت إلى المطبخ لتكمل عملها..
نظرت روان إلى أخيها بنظرات غريبة، فتعجب من تحديقها به، خاصة وأنها كانت تتحاشى التعامل معه، وها هي الآن تنظر له بجرأة، وكأن شيئاً لم يحدث، فسألها بجمود:
في ايه؟ بتبصيلي كده ليه؟!
ردت عليه بإبتسامة عابثة:
انت مقولتش ليه إن إيثار بتشتغل عندك
أغمض عيناه للحظة، وأجابها بهدوء:
مجتش مناسبة
ردت عليه مستنكرة وهي تعاتبه بنظراتها:.

ماجتش مناسبة! انت بتهزر يا مالك، في حد يخبي موضوع زي ده ومش يقول عنه!
نظر لها بنظرات خاوية، وهتف ببرود:
هيفرق معاكي في حاجة؟
ابتسمت له وهي تجيبه بمكر:
لأ، بس دي برضوه إيثار
حذرها مالك قائلاً بجدية وهو يتناول لقيمات من طعامه:
روان، خدي بالك الشغل حاجة، والمسائل الشخصية حاجة تانية، كمان هي عندها بيت وأسرة وأطفال وآآ…
قاطعته روان قائلة بمرح:
لأ هي مش مخلفة، أقصد هي قالتلي إنه محصلش نصيب، راح منها.

أثارت عبارتها الأخيرة إهتمامه، فسألها بفضول:
ايه؟ وانتي عرفتي ده ازاي؟
ردت عليه بهدوء:
يعني، دردشنا شوية!
سألها مهتماً وهو ينظر لها بجدية:
وقالتلك ايه تاني؟
ردت عليه وهي تهز كتفيها:
مافيش، هي مش بتتكلم كتير، بس شكلها كده مش مبسوطة في حياتها!

تنهد مالك بعمق، وحافظ على هدوء مشاعره المتأججة بداخله، فأي شيء يتعلق بمعذبته يدفعه إلى الجنون، ولكنه يجاهد للثبات أمام غيره، لا يريد لأحاسيسه أن تفضحه وتكشف أمره، ولهذ تعمد أن يقول بعدم اكتراث:
مالناش دعوة، هي حرة في اللي يخصها، ومافيش داعي إنك تدخلي في حياتها
ردت عليه روان معترضة:
هي صاحبتي!

خفق قلب إيثار بقوة، وأدمعت عيناها حسرة حينما سمعت ما قالته سارة في حضور العائلتين..
إنهارت جالسة على الأريكة، وهزت رأسها مستنكرة وهي تردد بصوت أقرب للنحيب:
ليه؟ عملتي فيا كده ليه؟
تعذر على سارة الرد عليها، فهي مذنبة في حقها، فأطرقت رأسها خجلاً منها..
اقترب عمرو منها، وصاح بها بصوت منفعل:
منك لله يا سارة، إنتي مش عارفة كلامك ده خلانا نعمل ايه فيها.

خشى مدحت على ابنته من تهور ابن أخيه، فوقف حائلاً بجسده بينهما، وهتف متوسلاً:
اهدى يا بني، هو الغلط راكبها من ساسها لراسها!
بينما أضافت سارة بصوت نادم:
أنا، أنا أسفة، وربنا خدلك حقك مني، سامحيني..!
نظرت لها إيثار بعتاب شديد، فهي بنواياها الخبيثة شاركت في معاناتها، وحرمتها من سعادتها البسيطة مع من اختاره قلبها، وجنت عليها مع شخص مقيت بغيض يسعى فقط لإشباع رغباته الحيوانية..

بكت في صمت، ونهضت عن الأريكة لتختلي بنفسها في غرفتها…
ضربت تحية فخذيها بكفيها، وتمتمت مستنكرة:
ليه يا ربي، بقى انتي يا سارة تعملي كده، وفي بنت عمك! لحمك ودمك، دي بنتي غلبانة وفي حالها، لا عمرها بصتلك ولا اتمنيتلك غير كل خير!
ثم أدارت وجهها في إتجاه أمها، وتابعت بلوم:
وإنتي يا ايمان تشجعيها على ده؟ حتى لو بتكرهيني تعملي في بنتي كده؟!
وضعت يدها على كتفها، وربتت عليها وهي تقول بأسف:.

حقك عليا، أنا محقوقالك إنتي وبنتك!
أكملت تحية بتحسر:
لله الأمر من قبل ومن بعد، والراجل الغلبان اللي مات وفاكر بنته آآ…
قاطعتها إيمان قائلة بندم:
متقوليش كده، بنتك نضيفة وطاهرة وست البنات كلهم، وربنا هيكرمها ويعوضها، سامحينا يا تحية، ربنا غفور رحيم وبيسامح!

استندت إيثار بظهرها على باب غرفتها بعد أن أوصدته عليها، وإنهارت جالسة على الأرضية…
أغمضت عيناها قهراً، ودفنت وجهها في راحتي يدها..
تكرر في مخيلتها الإعتداءات بالضرب والإهانة لإتهامات باطلة لم تتجرأ على فعلها بسبب أقاويل كاذبة..
لم تكن تتصور أن تأتي الطعنة من الأقرب إليها، من ابنة عمها..
تركت لنفسها العنان لتبكي بحرقة حسرة على ما مضى..
(( ليت الزمان يعود للوراء يوماً، فأمحو ذكرياته قبل أن تبدأ )).

لم تعرف كم مر عليها من الوقت وهي جالسة على تلك الحالة، ولكنها أفاقت من حالة الجمود المسيطرة عليها على صوت دقات خافتة..
فكفكفت بقايا عبراتها، ونهضت بتثاقل من مكانها..
فتحت باب غرفتها لتجد أخيها عمرو أمامها..
نظر لها بندم وبخزي، وبلا أي مقدمات مد ذراعه ليسحبها من كتفها لترتمي في أحضانه، ومسح على ظهرها برفق وهو يقول بصوت خافت:.

حقك عليا يا إيثار، مكانش لازم أصدق اللي اتقال من الأول، أنا غلطان أكتر منهم، سامحيني يا أختي، أنا أسف!
تأثرت هي بكلمات أخيها النادمة على ظلمه لها، وبكت على صدره، فشعرت بعبراتها الدافئة وكأنها جمرات تلهبه، فزاد من ضمه لها، واعتذر مجدداً بأسف أشد:
أنا عمري ما هأذيكي تاني، وربنا يقدرني وأعوضك عن اللي فات، إنتي اختي، وكل حاجة في دنيتي!
لم تجد ما تجبه، فإكتفت بهز رأسها، فقبلها من أعلى جبينها..

ابتسم لها وهو يقول:
مش عاوزة عسلية تاني؟
ضحكت لعبارته من بين بكائها، وردت عليه بصوت خافت:
ايوه، هاتلي
مسح عبراتها من على وجنتيها بكفيه، وهمس بعذوبة:
يا حبيبتي، إنتي بس أؤمري وأنا أجيب اللي تشاوري عليه على طول
ابتسمت له قائلة بصوت خفيض:
ربنا يخليك ليا
أمسك بطرف ذقنها بإصبعيها، وتابع بصوت رخيم:
ويباركلي فيكي يا قمر
ضغط عمرو على شفتيه بتوتر قبل أن يتساءل بإرتباك:
إيثار، ينفع أتكلم معاكي في حاجة كده.

نظرت له إيثار وهي تردد:
خير
رد عليها بتلعثم وهو يحاول البحث عن طريقة للتمهيد عن مسألة إرتباطه بروان:
أنا، هو، بصي هو الموضوع ليه علاقة بحاجة كانت تخصك زمان
شعرت بالقلق من جملته، وخشيت أن يكون للأمر صلة بزواجها السابق من محسن، فهتفت بخوف:
مش فاهمة كلامك، وضحلي يا عمرو!
رد عليها بجدية وهو يبتلع ريقه:
أنا هاقولك.

سرد لها عمرو بهدوء وحذر شديدين عما يشعر به تجاه روان شقيقة مالك، وأنه يود أن يرتبط بها، ولكنه يخشى إن أقدم على هذا أن يثير في نفسها الحنق لأنه حرمها مما كانت ترغب فيه..
ازدردت إيثار ريقها المرير، وتعمدت الحفاظ على جمود ملامحها أمامه، فلا داعي لأن يشعر بحزنها مما جرى، هي ترى الأمل والفرحة في عينيه، هو يستحق فرصة جديدة ليعيش حياته، وهي واثقة من وجود مشاعر نحوه من روان..

كذلك هو أبدى ندمه، وهي متأكدة أنه سيفعل المستحيل لإسعادها..
طال صمتها، وطال انتظاره، وترقب بخوف ردة فعلها..
نعم لقد خاف أن يسألها عن رأيها، فيسمع منها ما لا يسره، ولكنه تفاجيء بها تبتسم له وهي تقول:
ربنا يسعدك يا عمرو، إنت مش هتلاقي أحسن من روان تتجوزها
تسارعت أنفاسه، وخفق قلبه بقوة وهو يسألها بفرحة ظهرت على تعابيره:
بجد، انتي بتقولي ده من قلبك؟
ردت عليها بإبتسامتها الناعمة قائلة بهدوء:
أكيد طبعاً.

احتضنها مجدداً وهتف بحماس:
حبيبتي يا إيثار، ربنا يفرحك ويسعدك دايما
تابعت تحية من على بعد ما يدور بين الأخ وأخته، وأدمعت حدقتيها فرحاً لهما..
كانت تخاف من إنفعال ابنتها حينما يعرض اخيها عليها مسألة إرتباطه، لكنها صدمت من دعمها وتشجيعها له..
كم هي نقية القلب، وطاهرة الروح..
هي حقاً جوهرة ثمينة تستحق الأفضل..

توطدت صداقة روان مع إيثار وعادت مثل الأيام الخوالي تشاركان كل شيء خلال فترة عملها، واستشفت الأخيرة من رفيقتها بحرص ما تكنه لأخيها عمرو من مشاعر رقيقة كي تتأكد من صدق إحساسها نحوه حتى يتقدم لخطبتها بثقة حينما يحين الوقت لهذا..

أغلقت تحية هاتفها وهي تتنهد بإرتياح بعد ذلك الخبر السار الذي تلقته من إحدى قريباتها التي جاءت لتعزيتها في وفاة زوجها..

فالسيدة قد رأت إيثار في العزاء، وأعجبت بها رغم حالة الحزن التي كانت عليها، لكنها لفتت أنظارها، وقررت أن تتقصى عنها، فسألت عنها من أقارب أخرين، وعلمت بظروفها الخاصة، وتوسمت خيراً أن تكون هي العروس الأنسب لابن أخيها المطلق، فكلاهما تتناسب ظروفهما معاً، والاثنين ربما يكونا أكثر حرصاً على انجاح تلك الزيجة..
رقص قلبها طرباً بعد تلقيها لتلك البشارة السعيدة، وتعشمت في الله أن يعوض ابنتها خيراً…

عادت إيثار من عملها وهي تتنهد قائلة بتعب:
طابخة ايه يا ماما لأحسن عصافير بطني بتصوصو؟
ردت عليها والدتها بسعادة وهي تجذبها من ذراعها لتجلس إلى جوارها:
سيبك من الأكل دلوقتي، أنا عندي ليكي حاجة هتفرحك!
تساءلت إيثار بفضول:
ايه هي؟
أجابتها أمها بتلهف:
جايلك عريس يا حبيبتي
صعقت إيثار مما قالته والدتها، وهتفت مصدومة:
ايه!
تابعت والدتها قائلة بحماس:
ربنا جبر بخاطرك يا ضنايا وعوضك خير، وآآ…

قاطعتها إيثار بحدة وقد تشنجت قسمات وجهها:
وأنا مش عاوزة أتجوز تاني!
عاتبتها والدتها قائلة بحزن:
هو في واحدة تقول كده!
ردت عليها بصوت غاضب يحمل المرارة:
أنا يا ماما، جواز تاني مش هايحصل، كفاية أوي اللي شوفته في جوازتي الأولى!
حزنت والدتها لقرارها الصادم، واكتسى وجهها بتعابير واجمة، وأخفضت نبرتها وهي تقول:
بس يا بنتي مش هاتفضلي كده
تعصبت إيثار وهي تضيف بإصرار:
أنا مبسوطة وأنا لوحدي!

ثم اختنقت نبرتها وهي تتابع بمرارة:
عاوزاني أتجوز واحد يبهدلني ويضربني ويموت ابني قبل ما يشوف النور
ردت عليها والدتها بحزن:
صوابعك مش زي بعضها
توسلتها إيثار بجمود:
عشان خاطري يا ماما قفلي على السيرة دي
هتفت تحية بنبرة راجية:
يا ايثار اسمعيني للأخر وآآآ…
قاطعتها قائلة بعبوس:
عن اذنك يا ماما أنا داخلة أرتاح!

اعتصر قلبها حزناً على حال ابنتها البائس، وعاتبت نفسها لتسرعها في فتح ذلك الموضوع معها دون التمهيد مسبقاً..
تساءلت هي بتلهف وهي ترى ابنتها تتجه لغرفتها:
طب والأكل
أجابتها بإقتضاب شديد:
ماليش نفس!
ثم اتجهت نحو غرفتها، وصفقت الباب خلفها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة..
هي لا تريد تكرار تلك التجربة الفاشلة من جديد
لا تود خوض معارك ستخسر فيها ما تبقى من روحها..

ألا يكفيها ما ذاقته على يد محسن لتعاني على يد شخص غريب عنها..
حاولت أن تلتقط أنفاسها لتسيطر على غضبها قبل أن يتفاقم..
هي اتخذت قرارها، ولن تتراجع عنه..
لاح طيف مالك أمامها، فتنهدت بيأس وهي تقول لنفسها:
حتى ده مش هايحصل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى