روايات شيقهرواية وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن والثلاثون

لحظات مرت عليه وكأنها دهر وهو ينتظر بترقب شديد حضور مالك إلى الصالون..
استقبلته راوية ودعته للجلوس، وأحضرت له مشروب بارد..
ظل يتلفت حوله ليتأمل المكان بإنبهار واضح عليه..
أثاره الفضول ليعرف كيف استطاع مالك خلال تلك الفترة القصيرة أن يحقق كل تلك النجاحات في عمله ليتمكن من شراء فيلا كهذه، ويؤسس شركة مميزة بدأ اسمها في الظهور بقوة في الأوساط التجارية..

كانت إيثار قد أخبرته من قبل عن عملها معه كمربية لطفلته الصغيرة، لكنها لم تخبره عن أي تفاصيل تخص حياته الشخصية..
قطع تفكيره المتعمق صوت مالك الرخيم وهو يقول:
سوري على التأخير
نهض عمرو واقفاً من مكانه، ومد يده ليصافحه، لكنه تجاهله عمداً، ونظر له شزراً، ثم حل زرار سترته وجلس ببرود على الأريكة..
شعر عمرو بالحرج الشديد، وكور يده الممدودة إليه، ثم أبعدها بخزي..

أشار له مالك بعينيه ليجلس، فتمالك الأخير أعصابه كي لا يثور..
عليه أن يتعامل بهدوء معه حتى يحقق مبتغاه..
وضع مالك ساقاً فوق الأخرى، وانتصب في جلسته، وسأله بجمود وعينيه مسلطتين عليه:
خير!
تنحنح عمرو بصوت خفيض، ثم رسم ابتسامة واثقة على ثغره وهو يقول بحذر:
أنا، أنا كنت جاي النهاردة عشان آآ..
قاطعه مالك قائلاً بجدية آمرة:
خش في الموضوع على طول، أنا معنديش وقت أضيعه!

اكتسى وجه عمرو بحمرة واضحة، وبدت عروقه في البروز، ولكنه استنذف كل طاقاته في السيطرة على انفعالاته، ورد عليه بهدوء حذر:
أنا عاوز أخطب روان!
أنزل مالك ساقه، ونظر له بإستهزاء قبل أن يسأله ببرود:
وايه اللي يخليني أوافق عليك إنت بالذات!
ازدرد عمرو ريقه بصعوبة، وشعر بالإهانة الصريحة في عبارته الأخيرة، وتشدق قائلاً بثبات:
لأني، بأحبها
قهقه مالك عالياً ليستفزه أكثر، ثم أشار له بإصبعه وهو يرد بتهكم:.

إنت، بتحب! لأ حقيقي نكتة ظريفة
احتقن وجه عمرو بالدماء الغاضبة، وانفعل قائلاً:
أنا مش جاي أقول نكت هنا
تجهم وجه مالك فجأة، وقست تعابيره، واحتدت نظراته وهو يقول بصوت قاتم:
وأنا مش موافق على طلبك!
انقبض قلب عمرو بشدة، وشعر بأن روحه على وشك أن تنتزع منه، فتساءل بنزق محاولاً فهم سبب الرفض وإن كان يعرفه مسبقاً:
ممكن أعرف ليه؟
التوى ثغر مالك بتهكم شديد، وأجابه بجفاء:.

أكيد إنت شايف المستوى اللي اختي عايشة فيه الوقتي، إزاي عاوزني أرضى أجوزها واحد زيك فقير محلتوش حاجة!
ابتلع عمرو الإهانة، ودافع عن نفسه قائلاً بقوة:
الفلوس مش كل حاجة، وأنا قادر أعيشها في مستوى معقول يكفيها ويخليها مستورة!
ضحك مالك مستهزئاً به، ثم رد عليه بسخط ونظراتها الإحتقارية مسلطة عليه:
إنت اللي بتقول كده، طب ما هو زمان أنا كنت قصادك، والفلوس كانت عندك كل حاجة، ولا، ولا نسيت يا أستاذ عمرو..!

أظلم وجه عمرو بشدة، وتلونت عيناه بحمرة متعصبة، فقد كان مالك على حق، هو بالفعل أهانه بالماضي، وحقر من شأنه، بل إنه تعمد جرحه ليشعره بدونيته، واليوم يرد له الصاع صاعين فلماذا يتعجب، فهذا ما جنته يداه!
استرخى مالك في جلسته، وأكمل حديثه بسخرية مريرة:
حقيقي سبحان الله، الزمن فعلاً بيعيد نفسه! مين يصدق إن عمرو بيه بغروره وعنجهيته يقعد النهاردة قصادي يطلب ايد أختي، لأ ومستني مني أوافق عليه!

لم يستطع عمرو تحمل المزيد من التجريحات والإهانات، فهب واقفاً، وصاح محتجاً بعصبية وهو يشير بإصبعه في وجهه:
انا مش عاوز اهانة لو سمحت، أنا جاي اطلبها وآآآ…
انتفض مالك هو الأخر من مكانه، وصاح به بإنفعال مقاطعاً إياه وقد برزت عيناه بشراسة مخيفة:
ما انت أهنتني في بيتك، مستغرب ليه من طريقتي معاك في التعامل، ولا هو كان حلال ليك زمان وحرام عليا الوقتي!
هدر فيه عمرو متساءلاً بصوت غاضب:
انت بتردهالي يعني؟!

رد عليه مالك بقسوة وهو يرمقه بنظرات حادة:
احسبها زي ما انت عاوز، بس أخر حاجة ممكن اقولهالك، إن الزمن بيتغير، وزي ما جيت عليا وظلمتني، أنا كمان هاجي عليك وأوي كمان..
أمسك بطرفي سترته، ثم زررهما معاً، وتابع بقسوة أشد:
اتفضل من غير مطرود، وقتك خلص!
بدى وجه عمرو كأنه على وشك الإنفجار، وكز على أسنانه بقوة كادت أن تحطمها، ثم انصرف غاضباً من أمامه وهو يشعر بمدى الإهانة التي طالته اليوم منه…

تابعت روان من أعلى الدرج ما دار بينهما بقلب مفطور..
هزت رأسها مستنكرة، وكتمت شهقاتها بصعوبة، ثم ركضت مسرعة إلى غرفتها وهي تكاد تزعم أن روحها قد جرحت هي الأخرى معه و بضراوة…

لم تذهب إيثار لعملها بعد ما صار مع مالك ورفضها لعرضه بالزواج منها، وقررت إعطاء نفسها إجازة مرضية حتى تستعيد زمام السيطرة على نفسها من جديد، وتستعد لمواجهته بهدوء..
هي حمدت الله في نفسها أن روان متواجدة هناك حتى لا يزيد شعورها بالذنب تجاه الصغيرة ريفان ..
تجهم وجهها بشدة حينما أبلغها أخيها عمرو بما حدث أثناء مقابلته مع مالك، وتحولت نظراتها للشراسة..

لم تتوقع هي أن يهينه الأخير بكل تلك القسوة والبرود، وكأن قلبه قد تحول لحجر شديد الصلابة..
أطرق هو رأسه بذل واضح، وبدت نظرات عينيه منكسرة للغاية..
هو كان فيما مضى متحكماً في مصير غيره، بل على العكس كان أكثر شراسة وقسوة وظلماً..
ما آلمه حقاً هو إحساسه بالقهر وقلة الحيلة..
فالفارق الآن بينهما كبير..
لم يعد مالك كما كان متوسط الحال مثله، بل بات أثرى من عائلته المتواضعة بمراحل..

هو بالفعل خسر أول معاركه معه، ولكنه لن يستسلم سيحاول مجدداً، هي تستحق تكبد العناء من أجلها..
تساءلت إيثار مع نفسها بغرابة ممزوجة بالحنق وهي تنظر إلى أخيها بشرود..
ألم يكن مالك مثله عاشقاً؟
ألم يخفق قلبه لأجل الحب؟
ألم يقاتل من أجل الظفر بحبيبته؟
فلماذا يتعامل مع أخيها هكذا؟!
شعرت بالضيق لأجل عمرو الذي أدمعت عيناه وهو يحاول بصعوبة السيطرة على نفسه كي لا يبكي كمداً..
تملكها الغضب والحمية لأجل أخيها..

ربما كان متسرعاً في حكمه على مالك، وفي تحكمه بحياتها وسعيه لتزويجها بالأنسب من وجهة نظره، لكنها لم تكن لتتركه يعاني مثلها أو يكون في موقف يحسد عليه..
وضعت يدها على كتف أخيها، وهتفت بجدية وقد اشتدت تعابير وجهها:
متقلقش يا عمرو، احنا معاك إن شاء الله، ومش هانسيبك
نظر لها بحزن واضح، فزادت وخزات قلبها، وتابعت بإبتسامة مشجعة:
وماتنساش روان بتحبك وهتدعمك وهتحارب عشانك.

رد عليها بنبرة حزينة منكسرة وهو يهز رأسه:
يا ريت!
لمحت هي في عينيه تلك العبرات التي تتراقص فيهما، فأشاحت بوجهها بعيداً حرجاً منه، وعضت على شفتيها بقوة…
نهض عمرو قبل أن يذرف عبراته المختنقة أمام أخته فيشعر بإشفاقها عليه، واتجه إلى غرفته ليغلق الباب خلفه..
احتدت قسمات وجه إيثار، وصرت على أسنانها قائلة بتوعد:
مش هاسيبك يا مالك تقهر قلب أخويا، مش هاسيبك تظلمه ولا تظلم أختك بعنادك ده!

طرق بأصابعه بحركات ثابتة على السطح الزجاجي للطاولة الدائرية، وحدق في المتحدث أمامه بنظرات ثابتة، ثم استطرد حديثه قائلاً بهدوء:
تمام، أنا هاراجع البنود مع المحامي، وهنتكلم بعدها تاني
ابتسم له الرجل مجاملاً وهو يرد عليه:
اتفقنا يا مالك بيه، وأتمنى يكون في تعامل بينا
نهض مالك ليصافح الرجل قائلاً بإقتضاب:
إن شاء الله
بادله الرجل المصافحة وهو مازال محتفظاً بإبتسامته:
شكراً على وقتك!

في نفس التوقيت اقتحمت إيثار مكتب السكرتارية ووجهها محتقن للغاية، بل من ينظر بتمعن في ملامحها يدرك أنها على وشك الإنفجار غاضبة في أي ثانية..
استطاعت هي أن تحصل هاتفياً على عنوان الشركة من راوية، وقررت التوجه إلى مالك لمقابلته هناك..
لم ترد الذهاب إلى فيلته لتتشاجر معه أمام روان فتفسد الأمر وتصعب عليها الوضع..
اختارت أرضاً محايدة للقتال من أجل أخيها..

نظرت لها السكرتيرة بإستغراب، ونهضت عن مقعدها لتسألها بحدة:
حضرتك مايصحش تدخلي المكتب بالشكل ده
حدجتها إيثار بنظرات نارية قبل أن تصرخ فيها بإنفعال:
مالك بيه موجود!
ردت عليها السكرتيرة بهدوء:
أيوه، بس عنده اجتماع، ومش هاينفع حضرتك تقابليه بدون ميعاد سابق، سيبي اسمك وتليفونك واحنا ه، آآ…
قاطعتها إيثار بعصبية:
وأنا هاقبله دلوقتي
ثم تحركت بخطوات سريعة في اتجاه باب غرفة مكتبه..

هبت السكرتيرة من مكانها محاولة اللحاق بها وهي تهتف بتخوف:
ياآنسة استني، يا مدام، حضرتك مايصحش كده!
أمسكت إيثار بالمقبض وأدارته لينفتح الباب على مصرعيه والسكرتيرة من خلفها تحاول منعها من الدخول…
حدق مالك بصدمة واضحة تجاه من تقف على عتبة الباب..
لم يتوقع قدومها على الإطلاق إلى مقر عمله..
سعادة غامرة وخفية تسربت إلى جميع خلايا جسده..
وحماسة مفرطة سيطرت عليه لرؤيتها بخير أمامه..

هتفت السكرتيرة بحرج وهي تنظر إلى رب عملها بتوجس:
أنا أسفة يا فندم والله، هي اللي آآ…
أشار لها مالك بيده لكي تصمت وهو يقاطعها بهدوء:
خلاص، اتفضلي على شغلك..!
تنحنح الرجل المتواجد بالغرفة بصوت خافت، ثم أردف قائلاً بنبرة محرجة:
احم، هستأذن أنا، وعلى اتصال يا مالك بيه
رد عليه بنبرة جامدة:
إن شاء الله!
تنحت إيثار جانباً لتفسح المجال للرجل لكي يمر، وتسمرت في مكانها للحظات لتحدق في مالك بنظرات قوية وحادة..

التوى ثغره بإبتسامة متسلية وهو يراها في حالتها العصبية..
أغرته بشدة تلك الحمرة الظاهرة على وجنتيها، ناهيك عن تلك القوة الطائشة التي أتت بها إليه في شركته..
جلس مالك على مقعده ببرود مستفز، وأشاح بوجهه بعيداً عن إيثار التي كانت تشتعل غيظاً في مكانها، ثم أمسك بالملف الموضوع أمامه، وأردف قائلاً بجمود:
هاتفضلي واقفة عندك كتير، تعالي!

ضغطت على شفتيها بقوة، وكظمت غيظها مؤقتاً منه، ثم تحركت نحوه، ولكنها أمرها بهدوء بارد:
اقفلي الباب وراكي!
اتسعت حدقتيها بغضب جم، والتفتت لتغلق الباب بعصبية..
ثم تحركت في اتجاه مكتبه..
أشار لها بيده دون أن ينظر إليها لتجلس..
فنظرت له شزراً، وصاحت بإنفعال:
أنا مش جاية هنا عشان أقعد أو أضايف، أنا جاية أشوف معاك حل في اللي بتعمله مع أخويا
رفع بصره لينظر إليها بنظرات جادة وثابتة، ثم رد عليها ببرود:.

اقعدي الأول وبعدين نتكلم َ
ألقت بجسدها على المقعد بعصبية، وأكملت بصياح:
مش معنى إن أنا رفضتك إنك تحمل أخويا الذنب وترفضه!
توقفت لثانية لتلتقط أنفاسها قبل أن تهدر قائلة وهي تشير بيدها:
ايه إنت معندكش قلب، معندكش إحساس بأختك حتى!
نظر إلى يدها التي تلوح بها أمام وجهه بهدوء مهلك، وجاهد ليسيطر على بروده..
أغاظها عدم اكتراثه بها، فصرخت بعصبية:
إنت عارف كويس إنه مش بيهزر، وإنه عاوز يتجوز روان!

راقب إنفعالاتها بدون إبداء أن تأثير فزاد هذا من حنقها منه، وهدرت وهي تصرخ فيه:
ده انت المفروض أكتر واحد تكون حاسس باللي اتظلم، جاي دلوقتي تظلم أخويا وأختك!
قبض مالك فجأة على يدها التي تهدده بها، وضغط عليها بأصابعه بقوة، فإرتجف جسدها من تلك الحركة المباغتة، وتوترت نظراتها المحتدة..
مال مالك بجسده للأمام، ورمقها بنظرات ذات مغزى وهو يقول بهدوء:
بلاش الحركة دي!

ابتلعت ريقها بتوجس وهي تستشعر التهديد الخفي في نبرته الثابتة، وحاولت سحب يدها من بين أصابعه، لكنه لم يتركها، فهتفت بنبرة حادة لكنها مرتعدة:
سيب، سيب ايدي!
تلوت بها محاولة تحريرها لكنها رفض تركها، وابتسم بغرور واثق وهو يرسل لها رسالة ضمنية أنه متحكم بها، قادر عليها..
حدقت هي فيه بتخوف، وإنهار قدر كبير من غضبها بسبب تأثيره الطاغي عليها، وتابعت بقلق ظهر في نبرتها:
بأقولك سيب ايدي!

أرخى أصابعه عنها، وابتسم بتباهي وهو يقول لها:
إنتي شايفة إن أنا عملت كده عشان أنتقم منك؟
ردت عليه بحدة:
ايوه!
أرجع مالك ظهره للخلف، ونظر لها مطولاً قبل أن يردف قائلاً بغموض:
طب وليه مش عشان أنتقم من اللي عمله أخوكي فيا زمان، وأخليه يجرب شوية من اللي شوفته على ايده؟!
رفعت حاجبيها للأعلى، وانقبض قلبها بتخوف، وهتفت بنزق وهي تنهض من مكانها:
يعني إنت، ناوي آآ..

بدت الكلمات تخرج من شفتيها بصعوبة وهي تتخيل تكرار الماضي بما فيه من قسوة ومعاناة مع أخيها وروان..
شحب لون وجهها، وزاغت أنظارها وهي تستعيد شريط ما حدث..
رأي مالك في نظراتها وتعابيرها المصدومة ما جعله يتراجع سريعاً عن زعمه بالإنتقام من أخيها..
نهض عن مقعده، ودار حول مكتبه ليقف قبالتها، ثم أردف قائلاً بإبتسامة هادئة:
مع إن أخوكي يستاهل يدوق الغلب اللي أنا شوفته، بس آآ..

توقف عن إتمام جملته حينما رأى العبرات تترقرق في عيني إيثار..
قفز قلبه في قدميه هلعاً، ومد يديه ليمسك بكفيها وهو يقول بتوجس:
إيثار متخافيش! أنا مش زيه والله، أنا بس كنت عاوزه يتربى ويعرف إن الظلم وحش، صدقيني، أنا عمري ما كنت قاسي، أنا يمكن كنت بأدعي ده، بس والله أنا مش كده، أنا بأحبك! سمعاني بأحبك!
وكأنها كانت في عالم أخر غير منصتة لما يقوله ولا إعترافه المتكرر بحبها..

هزها بقوة لتنتبه لها، وتابع قائلاً بنبرة متيمة وهي معلق أنظاره بعينيها:
أنا بأحبك يا إيثار بأحبك!
أفاقت من شرودها المؤقت على صوت كلماته، ونظرت مباشرة في عينيه..
تلك الأعين التي طالما تأخذها في عالم أخر..
عالم تمنت أن تعشه، وأن تظل عالقة به للأبد..
ابتسم لها وجذبها من كفيه إليه، وهمس لها بحرارة ألهبت وجنتيها، وأعادت الدموية في وجهها:
لو كنت أعرف إن خناقتي مع عمرو هاتجيبك لحد عندي كنت عملت ده من زمان.

انتفضت إيثار بتوتر كبير من تأثير كلماته الخطير عليها..
وأدركت أنها محاصرة منه، فحاولت التملص من يديه المحكمتين حول معصميها، وهتفت بإرتباك ملحوظ استلذه بشدة:
آآ، ابعد عني، س، سيبني أمشي من هنا
هز رأسه نافياً بثقة، ورد عليها بنبرة أكيدة:
لأ يا إيثار مش هاسيبك، إنتي ليا، وهتتجوزيني!
تسارعت دقات قلبها من سحره اللا محدود عليها، وتلاحقت أنفاسها نوعاً ما، ونهج صدرها صعوداً وهبوطاً من فرط التوتر..

ابتسم لإحساسه بشعورها يتسرب إليه..
لم يستطع تمالك نفسه، وجذبها إلى صدره ليضمها..
قاومته، لكنها لم تصمد سوى لثوانٍ معدودة..
احتضنها بذراعيه، وهمس لها بتنهيدة عاشق:
بأحبك يا إيثار!
استندت بكفيها على صدره، وحاولت ضربه لكنها كانت حبيسة ذراعيه، وهتفت بكبرياء:
وأنا بأكرهك، بأكرهك!
ابتسم بغرور وهو يرد عليها:
مش مصدقك، كل حتة فيكي بتقول العكس، إنتي بتحبيني بس بتكابري، إنتي عاوزاني زي ما أنا عاوزك!

استشعر ارتجافة بدنها وهي في أحضانه، فأرخى قبضتيه قليلاً لينظر إلى وجهها..
هو حقاً يستمتع برؤية تأثير حبه عليها..
حدق فيها عينيها، وتابع بصوت هامس:
ثقي بس فيا، وإديني فرصة أكون جمبك
هزت رأسها رافضة وهي تجيبه بتلعثم:
لأ، ابعد عني!
أرخى ذراعه عن خصرها، ورفعه ليمسك بطرف ذقنها برقة، ثم قرب وجهها إليه، وهمس لها بأنفاس تشتاق لتذوق طعم الحب معها:
إيثار، أنا آآ…

شعرت بحرارة أشواقها على وجنتيها خاصة أن المسافات بينهما صارت قصيرة للغاية..
تسلطت أنظاره على شفتيها المرتعشتين، وتمنى لو استطاع أن يحظى بقبلة منهما..
وقبل أن يتحقق حلمه، قطعت تلك اللحظة المميزة حينما سمع صوت طرقات على الباب، فإنتفض فزعاً في مكانه، والتفت برأسه ناحية الباب، فاستغلت إيثار الفرصة لتتراجع مبتعدة عنه بعد أن سيطر عليها الحرج الشديد مما كاد أن يحدث..
لقد تملكها بالفعل، حطم كل حصونها..

وانهارت دفاعاتها المستميتة أمام سحره الطاغي..
صاح مالك بحدة وهو في مكانه:
مش عاوز أقابل حد الوقتي
أتاه صوت السكرتيرة من الخارج:
حاضر يا فندم، أنا كنت بذكر حضرتك بس بالإجتماع آآآ…
قاطعها قائلاً بعصبية:
الغي كل حاجة النهاردة!
اللي تؤمر بيه
قالتها السكرتيرة ممتثلة لأمره المفاجيء..

توترت إيثار وشعرت بحرج رهيب من مالك، وأسرعت بالركض نحو الباب لتفر من أمامه، لكنها تفاجئت به يمسكها من ذراعها، ويجذبها ناحيته بقوة لتسقط على صدره، ثم أحكم لف ذراعيه حولها وهو يقول بإصرار:
احنا لسه مخلصناش كلامنا!
تلوت بجسدها بشراسة محاولة الإفلات منه وهي تقول بعصبية قليلة:
سيبني أمشي، اوعى!
أرخى أحد ذراعيه عن خصرها، لكنه لم يفلت قبضته عن ذراعها، وتابع بنبرة جادة:
إيثار، اهدي، واسمعيني!

ظلت تجذب ذراعها بعنف محاولة تخليصه من قبضته وهي تقول بعناد:
ابعد عني، أنا مش عاوزة أسمع منك حاجة!
كان رفضها للبقاء هو أسلم السبل للنجاة بنفسها قبل أن تنكشف كلياً أمامه، ويدرك أنها باتت بلا أي مقاومة لتأثير حبه..
لكنه بالفعل يعرفها أكثر من نفسها، وأيقن أنها مستسلمة له تماماً، لكن ينقصها الشجاعة للإعتراف بهذا، إن لم تكن كرامتها تمنعها من الإقدام على تلك الخطوة..
نظر لها بثبات، وتابع بهدوء جاد:.

لو عاوزاني أوافق على خطوبة أخوكي من روان يبقى تسمعيني كويس…!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى