روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل التاسع

انا هنا.. حينما تلفظك الحياة من نعيمها الي جحيمها.. انا في قاع الجحيم… أنتظرك

توجها بخطواتهم ناحية باب المنزل الداخلي، غير مدركين لوجود احد القناصين اعلي البناية، يترصد لهم.. بالأخص لـ نزار، حيث وجه ضوء قناصته الاحمر علي جسده.. تحديدا مكان قلبه.. ومرت لحظات قبل ان تنطلق رصاصة قاطعة ذلك الصمت المخيف، وأصابت الهدف بأمتياز!
انتفضت نازلي بفزع تنظر حولها برعب، قبل ان تلتقفها يداي نزار يحتضنها بحنان بينما يهمس مطمنا اياها:-
_اشش اهدي.. اهدي متقلقيش انا معاكي
همست بأرتعاش:-
_في صوت ضرب نار
اشار لـ المبني الجاسي عليه القناص.. عذرا بل جثة القناص وهو يؤمي بنعم و:-
_محاولة قتل سخيفة بس عدت
واشـار لاحدهم من الجهة الاخري بتحية سلام وهو يغمز له، نظرت نازلي لحيث يشير لكنها لم تري احد، بحثت مطولًا لكنها لم تستطع ان تراه، ضيقت ما بين حاجبيها لكنها لم تهتم كثيرا لرؤيته، بل التفتت لنزار تقول بتسأل:-
_رشوان؟
اؤما بنعم ببساطة شديدة و:-
_مستقل بيا اوي، جايبلي عيل تقريبا لسة بيتعلم النشان جديد، حقيقي زعلت
طالعته بزهول وفم مفتوح بصدمة، اهو يمزح؟ ام انها يخيل لها ذلك!
نازلـي بدهشـة:-
_انت مش خايف!
صمت لدقيقة قبل ان يتنهد وينظر لها:-
_مخفتش من القناص بس خوفت انه وصل لفكرة القتل نفسها، طالاما فكر فيها يبقي هينفذها.. هينفذها، الظرة دي عدت المرة الجاية الله واعلم هيحصل اية..
صمت لـ لحظة قبل ان يتابع وهو يضم وجهها بين كفيه ويطالعها بشغف:-
_وحقيقي.. انا مش خايف عليا قد ما خايف عليكي، خايف يتهور ويبقي عايز يخلص عليكي معايا او.. اموت واسيبك ليه من تاني
توحشت نظراته فجأة وكأن تلك الكلمات لم تروقه و:-
_لا مش هسيبك.. حتي لو موت مش هسمحله يقرب لك
ادمعت عيناها وهي تشعر بأمان يملئ كيانها فقط بسببه حديثه، لقد بات يتسرب لها الامان بوجوده.. والهدوء والسكينة.. الراحة ربما.. و.. تتسرب بعض النبضات من قلبها له.. علاقات متعاكسة تعلن وبقوة انها تبادله.. تمنحه مقابل لما يعطيه لها، تمنحه ما هو احلي.. هو يعطي امان بلا قيد.. وهي تعطي حب بلا تفكير، لكنها لم تعلم بعد انه الحب!

_انا مش هقدر اكمل من غيرك يانزار..

ابتسم وهو يقترب منها يقبل جبينها بينما يهمس بخفوت شديد بكلمات تطمسها الحيرة بالكاد وصلت لها:-
_ولا انا بقيت بتخيل حياتك من غيرك
****
صاح فيه بغضب:-
_اهدي اية بعد اللي انت قولته دا يانزار، دي محاولة قتل يانزار.. رشوان مش ناوي يسكت، مفيش حاجة هتسكته غير البنت و…

قاطعه نزار من الطرف الاخر بصراخ عالي:-
_وانا مش هسيبهاله ياعمي، نازلي بقيت مراتي، فاهم؟ مراتي

تنهد راجي بتعب قبل ان يجلس علي مقعده:-
_عمتك بينار مش هتستحمل فقد حد تاني يانزار، سيبك مننا.. فكر فيها هي وبس، انت اكتر واحد شاهد علي العذاب اللي عانته بسبب رشوان والزفت اللي كان معاه، لو حصلك حاجة بسببه هتسوء حالتها اكتر.. انا ما صدقت انها بقيت طبيعية يانزار، ارجوك.. علشان خاطري خليني احافظ عليك

تنهد نزار وهو يستمع لنبرة الرجاء في صوت ابن عم والده، الذي يعتبره ك اب له، فهو من تولي تربيته بعد فقدانهم لوالدهم، بل هو من تولي كل شئون العائلة علي كتفيه، كم تحمل من أجلهم.. هل الان سيتخلي عنه؟ لن يمنحه ما يريد.. يعوضه قليلًا ويرد له الجميل؟! سيفعل..

لذا تنهد قبل ان يردف:-
_حاضر ياعمي.. حاضر، قولي عايزني اعمل اية وانا هنفذه فورًا

_تيجيلي المزرعة.. انت ومراتك

المزرعة! حيث تنبع الاسرار وتنكشف، وتظهر الحقائق وتنعرف، المزرعة.. حيث الحقيقة!
****
لمحها وهي تأتي ناحيته، بخطوات مترددة ويداها تفركهما سويا بتوتر، كادت تنفلت منه ابتسامة وهو يري حالتها تلك، التي تعاكس تماما الحالة التي رأها فيها في المرة الفائتة، حيث كانت.. شرسة.. قوية.. غاضبة، هي الان تبدو ك عصفور منكمش، كم يروقه مظهرها الان، وان كان في داخله يعترف انه يفضل الحالتين

وقفت امامه تماما.. تظاهر الانشغال عنها بأمساكه لـ الهاتف، لمحها بطرف عيناه تستجمع انفاسها قبل ان تنطق:-
_انا اسفة
وبالحقيقة.. في قرورة نفسه لم يكن يتوقع ان يكون هذا هو سبب مجيئها بتاتًا..
ولكن رغم اندهاشه اظهر لامبالاته وهو يردف:-
_اسفة علي اية؟ انتي عملتي حاجة غلط!
اجابته بصبر قارب علي النفاذ وهي تجلس بجواره:-
_اها.. اسفة لما اتعصبت عليك مكنش قصدي انا بس كنت متضايقة شوية
ولم تترك له فرصة لـ الحديث بل تابعت وهي ترسم ملامح الحزن بدقة علي ملامحها وتخنق صوتها لأصطناع البكاء:-
_كنت لسة بكلم ماما وبتقولي اني لازم ارجع علشان كتب كتابي و..
لم تكمل حديثها وبكت.. تنهد هو بأشفاق وتفهم، فهو يعاني من ما تعانيه ايضًا ليس بالضبط لكنهما يتشاركنا في شيئًا واحد.. والديهم يتحكمون في حياتهم!
ربـت علي كتفها وهو يقول:-
_يعني انتي بجد مش عايزة العريس دا؟ ما يمكن يطلع كويس
اؤمات بالنفي:-
_لا مش كويس. كبير وقرع وبكرش
مـط زياد شفتيه وهو لا يعرف ما الذي عليه فعله!
بينما قالت هي بعيون تلمع وهو تنهض:-
_مش هسافرها وهي متعرفش انا فين اصلا.. مش حددت هي معاد كتب الكتاب؟ تتجوزه هي بقي
ونظرت له غامزة بتحدي:-
_صح؟
قال بأيجاب:-
_صح
_ودلوقتي نتعرف.. انا سلمي عامر.. وانت؟
_زياد.. زياد رشوان الباذ
ابتسمت له بسمة مرحبة وهو تحاول جاهدة الا تظهر له ملامح الاشمئزاز الذيشعرت به بمجرد لمس يده ونطقه لأسم عائلته..
*****
توقفت سيارة نزار امام بوابة المزرعة الخارجية، اطلق بوق السيارة عدة مرات لينبأ عن وجوده، بالفعل لحظات وانفتح الباب.. دخل بالسيارة وبجواره نازلي التي تتطلع الي المكان برهبة وخجل، فما عرفته ان هنا تسكن عائلته.. الذين لا تعرف كيف سيعاملونها وكيف سيتقبلونها بعد.. فاقت من شرودها علي يده وهو تلمس يدها ويهتف ناديًا اياها:-
_نازلي؟
استفاقت من شرودها ناظرة له:-
_امم؟
اشار لها بتوقفهم امام باب المزرعة الداخلي:-
_وصلنا
نظرت للامام فوجدت سيد بالاربعين من العمر انيق المظهر يقف بشموخ ويتطلع لهم بملامح غير مقروءة، وسيدة جميلة تتطلع لنزار بحنان.. لكن بلحظة ما تقابلت عيونهم سويًا فأصاب جسدها قشعريرة غريبة بالاضافة الي تساءل قلق.. لما تتطلع لها بكل هذا الكرة؟
ام انه يخيل لها؟
لم تسأل كثيرا بل وضعت يدها بيد نزار بعد ان هبطا من السيارة وضممت جسدها به.. لتحتمي به
ابتسم وهو يربت علي ظهرها بحنان ويتوجه بها لعمته وزوجها
ابتعد عن نازلي خطوتين واخذ بين ذراعيه عمته يحتضنها بشوق وبادلته هي مشاعره بالاقوي، بل التمعت الدموع في عيونها للدلالة علي قمة شوقها وحبها له
رؤيتها لحنان تلك السيدة نحو نزار جعلها توقن مدي طيبتها بالاضافة لتسرب شعور حزين لها، كم تتمني ان تلقي بنفسها بين ذراعين ك تلك!
فاقت من تأملها لهم علي صوت راجي وهو يوجه لها الحديث بملامح لا تعبير فيها بالترحيب:-
_نورتينا يابنت رشوان
تلقائيًـا انقبضت ملامح وشهها وهي تسمع كنيتها من فمه، كادت تصحح له خطاءه لكنها صمتت وهي تؤمي بنعم دون كلام..
هتف نزار بجهل مصطنع وهو يدخل معهم البيت ويسحبها لتسير حواره:-
_اومال فين رحمة؟
قالت بينار وهي تضم شفتيها بضيق ينم عن اعتراضها:-
_في الغردقة.. بتستجم قال!

اغلقت نغم ستـار الشرفة ودخلت بينما يرتسم علي ملامحها الوجع، لم تكن لحتي اللحظة تصدق تلك الشاىعات حتي بعد ان أكدها عدي، لكن رؤيته الان وبين يديه تلك الفتاة أكـد لها صدق الشائعة.. تزوج نزار
ومن تعامله معها الحنون بلفتاته التلقائية التي يفعلها لزوجته ك ضمة حنون.. او امساكه ليدها بأحكام يدل علي انه يكن لها بعض المشاعر.. بل ربما الكثير منها
وليس كما توقعت زواج لأجل شئ ما
ولكن يبقي السؤال
لما تم الزواج بصورة سريعة!

تأففت بضيق وهي تهمس:-
_حتي الحب الدنيا مستكتراه عليا!

مرت عدة ايام.. زادت فيهم الصداقة بين سلمي وزياد، صداقة مغلفة ببعض المشاعر الغير مفهومة من ناحية زياد لسلمي، بينما سلمي تراقب تلك المشاعر ببسمة مكر وسعادة.. خطتها تسير علي اكمل وجه!

نازلي تحاول بطريقة ما عدم الاختلاط بـ بينـار وراجي الذين تري من ناحيتهم لها بعض الجمود والكرة والذي لا تعلم سببه..

نزار انشغل قليلًا باعماله، لكنه رغم هذا لا ينساها وهذا يزيدها تعلقًا فيه واعجابًا بصفاته الرجولية

كانت تجلس بملل في غرفتها تشاهد التلفاز بينما تأكل بعض الفاكهة، قطع عليها اللحظة طرق علي الباب ثم دخول نزار، اعتدلت في جلستها بسعادة وهي تراه امامها، اقترب منها وهو يقول ببسمة خفيفة:-
_مساء الخير..
ردت بفرحة:-
_مساء النور.. مش بعادتك ترجع بدري من الشغل؟
قال بحرج وهو يلاعب خصلات شعره بيده:-
_خلصت شغلي بدري و.. بقالي كتير مقعدتش معاك فـ..
صمت لفنية قبل ان يتابع بحرج اكثر:-
_حسيتي انك وحشتني قصدي وحشني الكلام معاكي
اؤمات بتفهم.. نهضت عن جلستها واقتربت منه، امسكت كلتا يديه بين يديها ووقفت علي اطراف اصابعها لتطوله، وضعت قبلتين علي كلتا وجنتيه وهي تردف برقة:-
_وانت كمان وحشتي اوي، قصدي وحشني الكلام معاك اوي، اية رأيك ناكل فشار ونتفرج علي الـ T.V سوا؟
اؤما بنعم ودون اعتراض.. فجلسا سويًا امام التلفاز، يسيطر عليهم حالة من الجمود والارتباك.. خاصًة علي نزار الذي كانت عيناه تنظر لكل مكان سواها
لا يعلم ما الذي يصيبه بقربها وبعدها!
ف ببعدها.. لا ياتي علي باله سواها، بات ينشغل فيها عن التفكير بأي شئ، يعمل وفجأة يجد نفسه شاردًا في تفاصيلها ويبتسم دون شعور
وبقربها.. تزداد دقات قلبه بطريقة غريبة، ويبتسم محياه دون رغبة منه
هناك شى غريب يحدث معه.. لكنه لا يعرف كيف يفسره!

وفي غمرة تلك الحيرة التي تتلبسه لم يشعر بيداه وهي تأخذ نازلي بين احضاته ويتابعا سويًا الفلم ك زوجان متحابين لأول مرة
و.. لم يلاحظ بينار التي رأتهم من فتحة الباب الذان تنساوا انه يغلقوه جيًـا
ترمقهم بنظرات لا تعبير فيها.. الا واحدًا.. الخوف من المستقبل.. وما يخفيه من مصائب.. مصائب أتيـة.. أتيـة لا محالة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى