الفصـل الثاني عشـر:
إنا ألامنا ما هي إلا سبايا خطايانا..
_طلعتوا اخوات..
قالتها زهراء لعدي الذي ادخلها بكرسيها المتحرك الي غرفتها بعدما عادا من زيارتهم لمزرعة الرشيد، تطلع لها لـ لحظات بعدم فهم قبل ان يتدارك الحدث ويقول بلامبالاة مصطنعة:-
_اها من زمان
غمغمت بضيق يتملكها:-
_لية مقولتليش؟
تابع بنفس اللامبالاة:-
_انتي مكنتيش مهتمة تعرفي
كادت تتحدث وتخربه بل انها كانت تهتم.. وتشتعل غضبًا لقربهم.. لا تنام لـ ليالي وهي تفكر ان بينهم شيئًا ما، لكنها امسكت حديثها علي اخر لحظة، لن تسمح لها قبل ان تسمح له ان تعترف بأن هناك شئ ما يكبر بداخلها له..
حب! اعجاب! لا تعلم.. لكن ما تعلمه انها بدأت تتأثر بطريقته الحنون معه وهذا ما يحزنها.. انها تحب من تراه سبب لموت اخيها وتدمير عائلتها..
لكن.. يقول انه لديه تبرير! لما لا تسمعه؟
ربما ترتاح!
رفعت عيناها له قائلة بنبرة جادة:-
_عدي.. انا عايزة اعرف اية اللي حصل يوم حادثة عصام
ارتبك واختفت الكلمات من علي شفتيه لـ لحظة، هل حان وقت انكشاف الحقيقة؟
حقيقة الاخ الطامع!
قالت بنبرة قوية وهي تلمح اضطرابه:-
_ياتقولي ياتطلقني..
اغمض عيناه بقلة حيلة و:-
_حاضر هحكيلك..
وبنفس الوقت في مزرعة الرشيد، كانت بينار مازالت تتحدث مع نازلي بعد مغادرة ضيوفهم، فقد رأت فيها ألفة واحبتها رغم كرهيتها الشديدة لعائلة الاخري..
قطع حديثهم قدوم راجي، التي تغيرت ملامحه وهو يري جلوس زوجته مع تلك الفتاة.. التي رغمًا عنه لا زال لا يستغيثها..
وما لا يستغيثه اكثر هو جلوس زوجته بالذات معها.. زوجته التي رأت الويل علي يـد والدها
قال بنبرة خرجت منه حادة رغمًا عنه:-
_بينـار.. تعالي لو سمحتي
بينار:-
_راجي! انت جيت؟ اسبقيني علي فوق وانا هقعد مع نازلي عشر دقايق كمان وهطلعلك
ثم تابعت بحماس:-
_دي طلعت لطيفة خالص وميتشبعش من قعدتها وظريفة جدًا وتتحب جدًا.. جدًا
ابتسمت نازلي بخجل وارتباك.. ممزوج بتوتر وهي تري نظرات راجي التي يرمقها بها بشـرر
قبل ان يقول الكلمة التي افزعتها:-
_بس انا مبحبهاش ومهحبهاش..
وقفت نازلي علي الفور بأرتباك وصدمة، وكذلك بينار التي شعرت بالخجل والاحراج من تلك الفتاة علي ما نطقه زوجها بحقها.. التمعت الدموع بعيون نازلي بينما اقتربت بينار من راجي قائلة بعتاب:-
_اية اللي بتقوله دا ياراجي!
_بقول الحقيقة يابينار بوصف مشاعري الحقيقة ناحيتها
التف ينظر لها وهو يقول بكراهية عظمي:-
_البنت دي بسبب ابوها احنا شوفنا مصايب وخراب، ابن اخوكي معرفش لية فتح الماضي تاني.. فكرت هقدر اتقبلها بس مش قادر.. كل ما بشوفها بشوف رشوان فيها وبكرهها اكتر.. مش قادر اطيقها في بيتي ولا احبها ولا…
جاء صوت قوي من الخلف:-
_وانا مش هلزمك تتقبل مراتي ياعمي ولا هجبرها تعيش في مكان مش مرحب بيها فيه
والتف الي نازلي الباكية متابعًا:-
_اطلعي جهزي هدومك احنا ماشيين
اؤمات نازلي بحسنًا وغادرت المجلس راكضة..
بينما اؤمات بينار بالنفي وهي تتجه له تمسك بيداه بين كفيها و:-
_لا يانزار.. انا ما صدقت جيت وهتعيش معايا، انت متعرفش بتوحشني كيف، راجي غلطان وانا هخليه يعتذر ليها ارجوك متمشيش..
_عمتو.. لو سمحتي..نازلي مراتي كرامتها من كرامتي، ودا مفروض البيت الوحيد اللي هي متتهنش فيه او تزعل فيه مش العكس، انا مش جايبها هنا علشان تتوجع
قال راجي بجمود:-
_حظها انها بنت رشوان يعني عمرها ما هتشوف حب هنا ولا في مكان تاني، رشوان دا…
صاح نزار بفقدان اعصاب:-
_مش بنته.. والله ما بنته افهموا بقي
سيطرت الصدمة علي راجي، بينما اردفت بينار بعدم فهم:-
_مش بنته ازاي يعني؟
اخذهم الي مكتبه وراح يقص عليهم الحقيقة التي عرفها منها، سيطر الغضب من الذات والنفس علي راجي وهو يتذكر اهانته لها منذ قليل، والصدمة علي بينار وهي تستمع لحقيقة رشوان التي كل مرة تزداد بشاعة..
التمعت الدموع في عيناها مرددة:-
_ياحبيبتي يابنتي، حتي احنا كمان جينا عليها، حتي دي كمان مرحمهاش
نظرت الي راجي بعتاب:-
_حرام عليك ياراجي
قال وهو يتهرب من نظراتها:-
_مكنتش اعرف ولا متخيل كدا.. بس..
والتف الي نزار سائلًا:-
_مين ابوها الحقيقي!
ضم شفتيه علامة الجهل…!
تركتهم بينار متوجه الي الاعلي حيث غرفة تلك المسكينة، دخلت بعد ان طرقت علي الباب طرقة واحدة، وجدتها تجلس علي طرف الفراش تحاول ان تخفي دموعها وهو ترتب ملابسها داخل حقيبة السفر..
اقتربت منها وجلست بجوارها، وضعت يدها علي كتفها فأنتفضت الاخر فزعًا قبل ان تستوعب الامر فأعتذرت بصوت منخفض قائلة بنبرة ضعيفة:-
_كنت بحسبها ايد تانية..
ألم بينار قلبها وهي تفهم ما تقصده تلك المسكينة، ظلت تربت علي ظهرها عدة مرات وهي تتلمس رعشة جسد نازلي بين يديها وتجمدها لحظات حتي استكانت رعشاتها واسترخي جسدها لـ ربتات يد الاخري الحنونة
_انتي كويسة؟
نظرت نازلي لها بدموع و:-
_لا.. عمري ما كنت كويسة، عمر حد ما سألني السؤال دا اصلا، محدش كان بيحبني ومحدش كان بيهتم بيا، اللي بيكرهني زي عمو راجي بسبب كرهه لاني من عيلة الباذ، واللي بيكرهني بس لاني غنية.. شخصية لامعة.. معايا فلوس وجمال، بس محدش شايفني من ورا الكاميرا، محدش بيحس بيا وانا وحيدة مش لاقية شخص واحد بس افضفض معاه..
مفيش حد بيعطيني الحنان ولا حتي الامان.. انا..
دخلت في موجة بكاء اكبر متابعة:-
_انا بكرة رشوان زيكم كلكم.. بكرهه يمكن اكتر منكم، انا حياتي بسببه بايظة مش عارفة اصلحها من اي ناحية، حتي نزار الوحيد اللي عاملني كويس وبدأت احس انه ممكن يعوضني.. عيلته.. انتوا.. مش حابيني ومش طايقيني اكتشفت ان رشوان مش الماضي والحاضر بس خاربه ليا.. حتي مستقبلي ضيعه.. ضيع فرصة اني الاقي حد يحبني، في كل مكان سايب علامة..
كانت تستمع بينار لما تقوله بحزن ووجه عليها، كم تتألم الفتاة ولم يفكر فيها احدًا.. الجميع اخذها بذنب رجل، لا علاقة لها به حتي!
دخلت نازلي في نوبة بكاء كبيرة حتي غفت دون شعور منها بين احضان بينار التي شددت من احتضانها لها وهي تبكي حزنا عليها..
_نامت؟
نظرت لـ القائل وجدته راجي الذي واضح من وقفته انه كان يقف منذ زمن، اؤمات بنعم.. اقترب وساعدها في جعل نازلي تنام براحة وثم وقفا سويًا ينظرون لها لفترة لا بأس بها بدون حديث..
حتي قاطعت بينار الصمت:-
_مش كنا متفقين نسكت؟
قال وهو يضم شفتيه بضيق منه:-
_كنت ساكت.. حتي بدأت اتكلم معاها واحاول اتعرف عليها، بس اول ما شوفتها جنبك مقدرتش اسكت، وانا شايف بنت الراجل اللي دمرلك حياتك هو وكبيره قدام عيوني بتتكلم معاكي بكل راحة كدا، حسيت اني لازم انفجر وانفجرت فيا
تنهدت قبل أن تقول:-
_كم واحد تاني رشوان خرب حياته؟
راجي:-
_انا وعدتك اني عمري ما هقرب منه يابينار، بس طالاما القدر هو اللي مصّـر يقربنا ببعض تاني يبقي مش هسكت
وتركها قبل ان يسمع منها ردًا..
زفرت بينار بضيق وهي تنظر لنازلي بشرود:-
_فيكي شبه مني.. روح مكسورة زيي.. عيون منطفية وحاجات كتيرة بتقول ان نصيبنا واحد بس انا مش هسمح انه يكون واحد.. نسيبك وقدرك لازم يتغير، حرام مأساة بينار تتكرر فيكي
ومالت تقبل جبينها قبل ان تغادر..
تاركة نازلي التي حتي وسط نومها سقطت دموعها دون شعور منها..
فقط ظنت أن الألم انتهي، لكن ابدًا ما ينتهي.. كلما اغلق جرح انفتح أخر.. أشـد عمقًا ووجعًا من السابق..
*****
وفي وكر رشوان الباذ، كان ينظر لـ الهاتف الذي يرن بتوتر حتي قرر اخيرًا ان يرد علي الاتصال
جاءه صوت الرجل الاخر:-
_انت خيبت ولا اية يارشوان ياباذ
_ياباشا.. نزار مسيبش ليا فرصة بس انا هرجعها اوعدك في خلال اسبوع هتكون هنا
_خلي بالك.. صبري بدأ ينفذ، نازلي دلوقتي مش في اي مكان.. دي مع بينار.. فاهم يعني اية نازلي مع بينار؟
اؤما رشوان بنعم عدة مرات وكأن الاخر يراه بينما تابع الرجل بنبرة باردة:-
_اسبوع لو بنتي مرجعتش موتك هيكون احسن من اي حاجة هعملها فيك..
واغلق في وجهه..
بينما صاح رشوان غاضبًا وهو يضرب سطح المكتب بيديه:-
_هقتلك يانزار.. هقتلك زي ما قتلت ابوك واخلص منك بس اصبر عليا.. دياب زفت يادياب
دخل دياب مسرعًا.. صاح فيه غاضبًا:-
_انا مش قولت نازلي تكون هنا خلال 24 ساعة؟
نطق دياب متوترًا:-
_متقلقش ياباشا.. انهاردة.. انهاردة هنجيبها….
ومازالت خلف الابواب أسرار واسرار..!!!!
اترك رد