تعودت اني ألقي الخير
فيزهر الشوك..
وألقيتك بالبغض
فمنحتني الحب!
كان يجلس بغرفة مكتبه، مسطح بجسده بأهمال علي اريكته بالمكتب، واضعا يداه علي وجهه يخفي ضوء النهار الذي دخل الي الغرفة عن عيناه، من يراه بتلك الحالة ييقن أنه نائم.. لكنه كان هائم!
هائم في ذكري مضت منذ وقت طويل، ربما عام!
وربما اكثر.. فأقل.. لا يهم الوقت.. في قصص الحب اخر ما ننتبه له هو الزمان والمكان، يهمنا الابطال.. تهمنا الحكاية وقلبها.. البطلة وسحرها وهذا ما علق بذاكرته منذ ذلك اليوم..
عودة بالماضي قليلًا لـ الخلف..
كان في أوج اوقات نجاحه الغير معهود، نجاحات وصفقات.. اسمه بدأ يلمع في فضاء السوق لمعانًا من ذهب، كان لا يترك فرصة حتي يسرقها من بين الايادي، فـ الفرص لا تأتي بسهولة.. بل تحارب لتنالها.. معروفة!
وجائته دعوة لحضور حفل بحلول ذكري مرور ثلاثة عشر عاما علي تأسيـس شركة ما.. كُبري، وافق علي العرض، ليأخذ قسطا من الرفاهية.. ليتعرف علي بعض شركاءه بالمهنة، وليحصل علي صفقة ما مع احدهم إن وجـد..!
وجاء يوم الحفل..
دخل الي القاعة فتعلقت بعض الانظار بل الكثير منها به، فهو نجم الحفل بل نجم الجرائد تلك الايام، اسمه الذي يزهر ويلمع بشدة في عالم المال، جعلت الانظار تتعلق به كما ان وسامته سببًا هامًا ايضًا علي الاقل لتلفت انظار النساء!
أبتسم بسمة جانبية بغرور وهو يلمح تلك النظرات، توقف عند طاولة ما وبدأت تتوافد عليه السلامات والاحاديث، ووسط انشغاله التف بعيناه بين المتواجدين، فوقعت عيناه عليها.. نازلي
تقف في ركن ما علي طاولة منفردة، بجوارها رشوان يضع يده حولها بتحكم كأنه يمنعها من التحرك.. او يعطي اشارة بعدم التقرب!
كانت جميلة.. فاتنة بفستانها الازرق الخلاب الذي عكس بياض بشرتها، بلع ريقه وهو يبعد عيناه عنها، وقد تيقن انه شرد بها لمدة لا بأس بها، وقعت عيناه علي مَن يجوارها، فتغنص جبينه علي الفور
هتف احدهم وقد انتبه لشرود نزار بـ نازلي:-
_نازلي الباذ، بنت رشوان الباذ.. خط احمر
غمز له متابعًا:-
_ممنوع الاقتراب منها.. هي منطقة محظورة، الباذ بيتهور لما يتعلق الامر بيها
نظر له ثم اعاد نظره لها.. تعالت صوت موسيقي في الارجاء فقال ببسمة جانبية وهو يتحرك نحوهم:-
_وانا بموت في المناطق المحظورة
غادر نزار، فتبسم الرجل وهو يشرب كأسه قائلا بصوت خافت.. مستمتع:-
_شكلنا هنتمتع انهاردة..
عنـد طاولة نازلي..
اقتربت نزار منهم، فأنتبهت هي لخطواته المتجهه لهم، ظنت انه يريد رشوان في حديث ما، التفتت بعيناها لتري رشوان، فرأت ان عيناه ظهر فيهم قلق بيّـن وهو ينظر لنزار القادم نحوه، نغصت جبينها بتعجب وهي تري قلقه هذا، وارتباكه الواضح وهو يهتف لنزار بعدما وصل لهم:-
_اهلا.. اهلا نزار باشا
ومـد يده ليسلم عليه، فسلم عليه الاخر وضغط عليها بقوة طفيفة وهو يبتسم له بسمة.. مخيفة!
أبعد رشوان يده عنه ووضعها بين خصلاته يتلاعب بها بأرتباك، بينما هتف نزار بلطافة مصطنعة وهو يمد يده لها:-
_تسمحلي ياباشا ارقص مع الهانم؟
توقعت الرفض، لكن إيماءته الخافتة ادهشتها
تطلعت لرشوان بزهول قبل ان تنتبه لصوت نزار وهو يحسها علي مٕد يدها له:-
_تسمحيلي يانازلي هانم؟!
اؤمات بنعم ومازال الزهول يتملكها، هي وكل من رأي تقدمها مع نزار الي حلبة الرقص، وصموت رشوان العجيب.. كيف وافق!
فاق من ذكرياته وهو يبتسم بخفوت، يكاد يقسم ان رائحته عطرها مازال عالق في انفه الي الان، بل صورتها الرقيقة بذلك اليوم مازالت موشومة في ثنايا ذاكرته، منذ ذلك اليوم ويحدث له شيئًا كلما جائت سيرتها، لا يعلمه.. ولا يدرك له وصفًا، لكن.. هناك بسمة تطفو علي شفتيه، وذكري صورتها بالحفل تلحو علي ذاكرته كلما ذُكر اسمها!
قطع حبل افكاره الباب الذي انفتح وطلت منه هي، زفر بضيق وهو يعتدل في جلسته و:-
_نفسي في مرة تخبطي علي الباب قبل ما تدخلي
حركت كتفيها علامة اللامبالاة وهي تجلس علي كرسي يجاور اريكته:-
_مبيجيش في بالي..
صمتت وانتظرها هو لتتحدث، لكنها كانت شاردة في شئ ما، هتف وهو يترك الاريكة ويتجه الي مقعد المكتب الفخم:-
_انتي جاية تسمعيني سكوتك ولا اية؟
نهضت لتتبعه وهي تردف:-
_لا.. انا..
وصمتت، رفع انظاره لها ليري سبب صمتها فـ رأي ملامح القلق تظهر عليها بشدة.. القلق والتوتر
_خايفة من اية؟
شبكت يداها معا.. تفركهم بتوتر مجيبة اياه:-
_من رشوان، هدوءه مش مريحني..
_امم.. معاكي حق، بس هيعمل اية! انتي خلاص مراتي، مش هيقدر يغير دا
جلست علي اول مقعد قابلها بأنهزام و:-
_رشوان مش بيهمه المسميات دي، مش بيحترم اي حد، بيعمل اللي عايزه وبس
غضن جبينه بعدم فهم لحديثها:-
_ممكن شرح؟
تنهدت مطولا ونظرت له:-
_انت بقيت جوزي، لازم تعرف انا لية كنت عايزة اقتله.. صح؟
اؤما بنعم و:-
_لو عايزة اوك.. لو مش عايزة فمش هضغط عليكي
اخذت نفسا طويلا.. واخرجته في هيئة زفرات متعبة، زفرات تخرج من خلالها بثور حريق كان يشتعل في روحها منذ سنين ولا تستطيع ان تسيطر عليه ولا ان تطفيه، حريق.. ودت لو افرغته في رشوان.. فحرقه ومات وارتاحت!
****
نظر الي اسم المتصل بأرتعاش واضح.. اخر ما كان يريده ان يصل له هذا الأتصـال بذلك الوقت، يكفيه اشتعاله الداخلي ليأتي الان هذا ويكمل عليه، زفر بضيق وهو يغلق الرنين، لكن المتصل كان ملحًا عليه، تنهد مطولا وهو يجيب:-
_ايوة ياباشا
وصله صراخ الاخر:-
_بنتي.. بنتي يارشوان متبتش ليلة تاني في بيت رشيد، بنتي ترجع انهاردة ياروحك هتكون التمن
هتف متضايقًا:-
_بحاول.. بحاول ياباشا
جاءه صوته العاصف:-
_مفيش حاجة اسمها تحاول.. في حاجة اسمها هعمل وهنفذ، سامع؟
_حاضر.. حاضر
وقبل ان يردف بشى اخر، اغلق الاخر في وجهه الهاتف، القي هاتفه بعيدا عنه وهو يردف بشـرر:-
_هترجعي يانازلي، مش علشان الباشا ابوكي، لا.. هترجعي علشان مكانك هنا.. هنا وبـس!
مختل هو.. واقع في الخطيئة.. ضاربًا بكل الثبوتات عرض الحائط..
مسك صورة لها، اخذ يمرر يده علي ملامحها بأفتنان مغمغما بصوت مثقل بعشق.. مجنون:-
_انتي ليا، مهما تهربي.. هترجعيلي، مش هسمحلك تبعدي. سامعة.. ردي عليا سامعة
قال اخر كلمة وهو يصرخ بجنون، فانفتح الباب وطلع منه احدي رجاله بقلق، ظنًا منه ان سيـده حدث له شيئًا، انتبه له رشوان فصـاح فيه:-
_نازلي لسة مرجعتش لية، مجبتوهاش ليا لية؟؟؟
****
بالمزرعة التي تجاور مزرعة عدي المنشاوي، مزرعة الرشيـد، كانت تجلس علي مقعدها الهزاز بغرفتها، تنظر الي السماء بنجومها المتلألأة ببسمة متأملة، ملامحها المجعدة تـدل علي كُبـر سنوات عمرها.. عذرًا.. تـدل علي كُبـر همها، وحزنها واوجاعها.. فسنواتها قليلة التي عاشتها بين اورقة الحياة، لكن.. ألامها هي الكثيرة..
هتفت بنبرة خافتة.. وهي تبتسم بخفوت:-
_الحب الحقيقي بيعيش ياحبيبي، بيعلمنا نسامح.. بينسينا امبارح
هتف صوتًا ما خلفها:-
_انا حبيبك دا؟
نظرت له وأبتسمت وهي تؤمي بنعم، بينما تتأملة بحب، كان عمره يقترب من نهاية الاربعون، لكن وسامته مازالت ظاهرة لـ العيان، جسده ممشوق.. فارع الطول، له هيبة تشعر بها ما أن تبصـره
اقترب منها، احتضنها من الخلف ومال لها حتي تجاورت وجوههم سويًا، ينظرا الي السماء معـًا:-
_شاردة في اية يابينار هانم؟!
مدت يدها تلمس خده بحب، ابعدت نظرها عن السماء وتطلعت له:-
_فيـك
قال بمرح وهو يقبل جبينها بحب:-
_هعمل نفسي مصدقك
بينار بصدق:-
_بس انا فعلا بفكر فيك، عقلي بيقولي قد اية انت انسان عظيم ياراجي، استحملت كتير اوي علشاني وعمرك ما اشتكيت
التف لها حتي صـار يقابل وجهها، جلس علي ركبتيه امامها واخذ يداها بين يديه، يقبلهم قبل متفرقة بينما يقول بمنتصف قبلاته تلك:-
_وهستحمل اكتر.. ولو رجع بيـا الزمن هعمل كل اللي عملته من تاني، انا بحبك.. مشفتش غيرك طول عمري ومش هشوف يابينار، حبي ليـكِ خلاني وهيخليني استحمل اي حاجة مقابل اني ابقي جنبك وبس
قالت بتـألم وهو تتأمل ملامحه:-
_ياريتني شوفتك من البداية، مكنش اللي حصل.. حصل، مكناش خسرنا اللي خسرناه ياراجي
_اللي حصل كان هيحصل بالطريقة دي او غيرها، كان قدر ومكتوب يابينار..
حاول ان يخرجها من افكارها تلك، فقال وهو ينهض عن جلسته:-
_المهم.. كلمتي بنتك تطمني عليها
اؤمات بنعم وهي تردف ضاحكة:-
_اها.. جنونها بيفكرني بـ نزار
اختفت ضحكاتها وتابعت بوجع:-
_قبل ما يتغير
هتف وقد تجمدت ملامحه عندما جاءت سيرة نزار:-
_بما انك جبتي سيرة نزار، فلازم تعرفي اخر مصيبة عملها الغالي
بينار وقد اصابها القلق:-
_عمل اية؟
_اتجوز.. بنت رشوان الباذ
وعندما جاءت سيرة ” رشوان الباذ ” توسعت عيناها زعرًا، وقد أتي علي عقلها ذكريات موجعة، مازالت تعاني لتنساها، ولم تستطع..
فالأوجاع.. كالوشوم.. اذا تعلقت بالذاكرة كما تتعلق الوشوم بالجسد.. لا تستطيع ان تمحوها ابدًا.. إلا بالنـار!
بنفس الوقت علي بُعد عدة امتار من مزرعة الرشيد، وقفت نغم امام عدي، تهتف بعصبية وهي تلقي عليه الجريدة التي وجدت ان الخبر قد انتشر فيها ايضًا بالخط العريض و:-
_اية دا ياعدي، ممكن تفهمني اية دا؟ نزار مين اللي اتجوز
اخذ الجريدة وقرأها وهتف مصطنعا البرود:-
_ما مكتوب اهو يابنتي.. نِـزار الرشيد!
نغم بدموع عصيبة:-
_ودا حصل امتي وكيف؟ ومين دي اللي اتجوزها.. وانا ياعدي.. وانا
تنهد بضيق وهو يري حالتها تلك، لم يعرف ماذا يفعل! فهو غير مجدي ابدا في حوار المواسـاة
حاول ان يخفف عنها فـ:-
_معلش يانغم، انتي عارفة نزار من البداية شايفك ازاي وانك مجرد صديقة عنده، وانه كان قافل باب الارتباط دا من حياته خالص، ومادام فتحه يبقي هي تستاهل..
اؤما بشرود وهي تتطلع الي نقطة ما بـ بلا ملامح:-
_معاك حق
_انتي مش هتتهوري صح؟
نظرت له وغادرت دون رد.. فتنهد ضيقًا
بينما ما لمحته زهراء وهي تهبط مع مرافقتها الدائمة، هو خروج نغم من غرفة عدي.. هتفت بضيق وهي تضغط علي اسنانها بعنف:-
_البنت دي مش ناوية تجيبها علي بـر بقي
****
تنهدت بوجع قبل ان تقول بأفصاح:-
_رشوان مش ابويا الحقيقي….
اترك رد