الفصـل الرابع عشـر:
من كل مخبئ سيخرج الله لك يـد عون.. فلا تقلق.
انتهي العراك وعاد كل رجلًا الي منزله، دخل نزار المنزل وجد عمته بانتظاره هو وراجي لتطمئن عليهم، طمنها عليهم ببسمة خفيفة بأنه لم يصيبه حتي خدش، تنهدت وتنفست الصعداء وهي تتلمس وجنته بحنان بينما سأل مندهش:-
_معقول نازلي مصحيتش بعد كل الدوشة دي؟
توسعت عيناه وهو ينتفض من جلسته:-
_معقـول..
وتوجه راكضًا لاعلي بسرعة وخلفه الجميع وقد دب فيهم القلق بسبب حالته، دخل لـ الغرفة فوجدها فارغة، جن جنونه وهو يتحرك فيها باحثًا عنها بتلهف
لحظات حتي ادرك عدم وجودها..
فصاح مناديًا بوجع:-
_نازلـــي..
ظل يكرر اسمها عدة مرات بتـوه ووجع، كل ما يشغل باله الان انه اضاعها من بين يداه، لقد فقدها.. لم يكن امانها كما وعدها وكرر علي مسامعها طوال الفترة السابقة، دمعت عيناه وكاد يبكي وهو يفكر كيف سيكون حالها الان؟
أخائفة؟
باكية؟
حزينة؟
أتلومه؟
بالطبع ستلومه.. رفع عيناه عن الارض التي كان ينظر لها بخزي، فتشكل امامه صورة لها وهي تبكي وتردد:-
_سبتني ليه يانزار.. موفيتش بوعدك لية يانزار
وما زاده هذا التخيل إلا وجعًا.. اقتربت بينار منه تربت علي كتفه بحنان وألم من حالته التي لم تراه فيها منذ زمن بعيد.. زمن فات وقالت بالفعل انه مات
نظر لها بدموع مرددًا:-
_مش هتسامحني
قالت محاولة التخفيف عنه:-
_مكنش قصدك.. مكنتش تعرف ان غدر رشوان هيوصل لـ الدرجة دي
اؤما بالنفي عدة مرات:-
_لا كنت عارف.. انا اكتر واحد كنت عارف
مسح دموع عيناه واستقام في وقفته، يهتف بأصرار:-
_بس وديني ما سايبه وهرجعها، وبعد ما هرجعها مش هرحمه، هعلمه ازاي يتجرا ويقرب من مراتي و..
نظر لها متابعًا بعيون تفوح منها شرارة الأنتقام الذي ظن انه استطاع السيطرة عليه:-
_هعاقبه علي بيعه وخيانته لأبويا.. مش هسكت تاني
حاولت تتحدث لكنه لم يترك لها فرصة وابعد عنه يداها التي كانت تمسك في كتفه بقلق
التفتت خلفها وهي تقول:-
_راجي وحياتي متخلهوش…
ولكن ابتلعت باقي كلماتها وهي تستوعب انها وحيدة في الغرفة..
فتح نزار باب القصر وخرج منه، ينظر امامه بشرود، فاق منه عندما وضع احدهم يده علي كتفه، التف له فوجده راجي الذي قال بجدية:-
_هتعمل اية؟
نظر له بعيون متشككة وقبل ان يتحدث تابع الاخر:-
_معاك.. لو عايز نجيب اجله انا معاك.. لسة متولدش اللي يخطف ست من بين الرشيد وينفد بعمله زي دي
ابتسم له.. بأمتنان.. أمتنان وفقط.
*****
علي أطراف المزرعة..
سيارة سوداء فخمة يقودها احدي رجال رشوان يجاوره الاخر، وبالخلف نازلي الغافية ودياب، الذي يتطلع امامه بجمود غريب، كلما جاءت عيناه لتقع علي نازلي يبعدها عنها كي لا يضعف، هو يعلم شر رشوان جيدًا وما هو قادر علي فعله، لذا سيحاول ان يسلم منه حتي لو.. حتي لو كانت تلك المسكينة هي الثمن.!
عذرًا نازلي لكن روح المرء اغلي من أن يبيعها لأجل أي مسلمات اخري.
ربت علي كتف الرجل هاتفًا:-
_اسرع شوية عايزين نطلع من القرية بسرعة
ومرت الدقائق..
وما كادوا ان يتخطوا حدود القرية وبوابتها المنفتحة دائمًا، حتي وجدوا سيارة تأتي من خلفهم تبوق لهم بأستمرار ليتوقفوا.. نظر لها دياب قبل ان يقول لـ الاخر بعصبية الذي كاد يتوقف لها:-
_انت هتعمل اية؟ كمل طريقك ياغبي
تابع الرجل سيره لكن السيارة كانت مصّـرة ان تلاحقهم،
هم يسرعوا وهي كذلك، حتي خرجا عن القرية وتوسـع الطريق امامهم، زادت سرعة السيارة التي بها نازلي وخلفها الاخري ظلا هكذا يتسابقون كثيرًا حتي بلحظة سهو عن الاخرين تعدت السيارة الاخيرة سيارة دياب ووقفت امامها مباشرةً..
مما جعل السائق يضغط فرامل وتتوقف السيارة مصدرة صوت مزعج.. عالي، بدأت علي اثره تستفيق نازلي قليلًا من غفوتها..
هبط دياب من السيارة ومعه رجل، بينما جعل الاخر ينتظر بعدما قال له:-
_خليك.. لو شاورتلك يبقي تاخدها وتروح لـ البية
_وانتوا ياباشا
دياب يتحذير:-
_لو بنولع متقربش مننا
انفتح باب السيارة الاخر وهبط السائق والذي ما كان سوي…..
*****
_زهراء.. زهراء
قالها عدي وهو يدخل الغرفة بقلق بعدما بحث عنها بالبدروم ولم يجدها، لمح طيفها في شرفة الغرفة توجه لها وهو يصيح بعنف:-
_انتي اية اللي موقفك هنا؟ مش قولتلك متتحركيش من البدروم، انتي مبتسمعيش الكلام لية، كل حاجة عند.. عند حتي حياتك مبتفكريش فيها انتي..
قاطعته بشرود:-
_انا شوفته..
ضيق ما بين حاجبيه بعدم فهم واستغراب من حالتها التائهة:-
_شوفتي مين؟
اجابته:-
_عصام.. شوفت اخويا عصام
ظهر عليه عدم التصديق فأومات بتأكيد:-
_والله شوفته..
عدي وهو يقترب ويجلس قبالتها يضع يداه حول اكتافها ليهدي حالة البكاء التي لحظات وستنتابها:-
_اشش اهدي.. اكيد تخيلتي يازهراء، عصام اتوفي من زمان.. اكيد تخيلتيه او ممكن يكون حد شبهه
اؤمات بالنفي:-
_والله هو.. صورة طبق الاصل منه.. زي ما يكون توأمه
وتوقفت عن الحديث وتوقفت عيناها عن البكاء وهي تنظر امامها بشرود مكررة:-
_توأمه!!
صمتت لـ لحظات قبل ان تكرر هامسة بصدمة شديدة:-
_تؤامه؟؟؟ عاصم!
لم يبدو علي عدي انه سمعها، حيث نظر حوله لـ لحظات قبل ان يعاود النظر لها:-
_اومال فين نغم؟
*****
وما كانت الهابطة سوي نغم، التي ملامحها كانت غير معتادة علي ما معروف عنها من رقة ودلال، بل كانت ملامح قوية.. جامدة.. بعيون غاضبة لدرجة ان دياب الذي لا يهاب شيئًا بلع ريقه بتوتر..
اقتربت منه وهي تشير لنازلي التي بدأت تفتح وتغلق في عيونها بتألم ووجع:-
_سلمهالي بهدوء ومن غير شوشرة وانا هخليكم تطلعوا من هنا بخير
اعاد رابطة جأشه وهو يجيبها:-
_وان مسلمتهاش!
نغم بنبرة مخيفة.. مرعبة:-
_هاخدها برضوا.. انا مهرجعش من غيرها بس وقتها مضمنش انك هتطلع من هنا بخير
دياب ساخرًا:-
_وريني هتعملي اية
واستـدار ليعود لسيارته وهو يشير لـ الرجل باتباعه، قبل ان يتفاجئ بقدم الاخري تركل ظهره بقوة، استدار لها متفاجئًا ففاجئته بضربة اخري في وجهه واخري في ركبته جعلته يثني علي الارض متألمًا، اقترب الرجل الاخر منها وكاد يكدمها بضربة.. لكن سبقته هي وهي تمسك مؤخرة راسه بيدها وتضربها برأسها بعنف ضربة جعلته يترنح بدوخان وتعب..
قبل ان يسقط ارضًا جوار دياب الذي بدأ يعود له وعيه وكاد ينهض لها، لكنها ضربته بقدمها في صدره بقوة مما جعله تلك المرة يسقط علي الارض مفترشًا ومتسطحًا عليها بألم
سمعت صوت تصفيق من خلفها.. وصوت رجل يردد بأندهاش:-
_واوو.. حقيقي واووو..
التفتت تنظر لصاحب الصوت بعدم اهتمام قبل ان تتسع عيناها بزهول وهي تردد:-
_يامن!
واقتربت حاضنة اياه بقوة و:-
_انت بتعمل اية هنا؟
ابعدها عنه قائلًا بنزق:-
_هي دي واحشني يااخويا ياحبيبي
نظرت له بخجل فهي لم تقصد.. كادت تتحدث لكنه قاطعها:-
_علي العموم جاي ادور علي اختي..
ونظر امامه حيث السيارة و:-
_وشكلي لقيتها في اسرع مما تخيلت
عادت تحتضنه وهي تظنه يقصدها هي بحديثه..
ثم ابتعدت عنه عندما تذكرت نازلي، اقتربت من السيارة وهو معها، فتحا باب السائق الذي كان يرتعش بخوف.. خوف منعه من الهرب حتي كما اوصاه دياب وانزله يامن بعنف من السيارة، ضربه علي رأسه بقوة.. جعلته يقع في الحال مغشيًا عليه، ثم فتح الباب الخلفي وانزل منه نازلي.. همس بحنان وهي يحتضنها:-
_من انهاردة اوعدك محدش هيتجرأ ويقربلك ياروح اخوكي…
وها هو وعد اخري ينطلق.. يُسمي بـ وعد يامن!
*****
وصلت سيارة يامن الذي اصّـر علي اقالة نازلي بنفسه الي مزرعة الرشيد، هبط منها وحمل نازلي التي كانت قد افيقت لكنها مازالت تعاني من صداع فتـاك، دخل بها القصر الذي كان مقلوبًا رأسًا علي عقب، وصوت نزار الغاضب يصدح في المكان
نادته نازلي عندما لمحته.. بصوت واهن:-
_نِـزار..
توقف عن ما كان يفعله.. توسعت عيناه زهولًا وهو يغمض عيناه ظنًا منه انه يتخيل.. لكن تكرار صوتها جعله يفتح عيناه ويدير رأسه بعنف اتجاهها.. وعندما ادرك انها بالفعل امامه اقترب منها.. حاملًا اياها من بين يداي يامن يتفصحها ويقبل كامل وجهها بجنون وهو يردد:-
_نازلي.. حبيبتي، ياروحي، انا اسف والله اسف.. انا مكنتش قد وعدي معاكي.. انا اسف
ابتسمت وهي تملس شعره بحنان:-
_انا كويسة.. محصليش حاجة وكويسة قدامك اهو
عاد يقبل جبينها بقوة مرددًا بحزن وغضب من نفسه:-
_مش هسامح نفسي ابدًا علي اللي حصلك دا..
*****
بينما رد دياب علي رنين رشوان المتكرر الذي اتصل يسألهم الي اين وصلوا برعب وقال له:-
_مسكونا وخدوها مننا ياباشا
اترك رد