روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل السابع

تستطيع ان تفعل حينما ترغب، لا حينما تُرغم!

مسك يـد من احدهم جعلتها تلتف صارخة بزعر وخوف ساحق، ألتفتت تنظر لــ ذا الذي يقبض علي رسغها بقبضة من حديد، وجدت ان صاحب اليـد هو نزار، تنهدت براحة لم تدوم طويلا وهي تري ملامحه الجامدة وعيناه المشتعلة بغضب بينما يهتف من بين اسنانه المصطوقة:-
_كنتي رايحة فين؟
اجابته بأرتباك جم:-
_كـ.. رشـوان.. رشوان كلمني اها و..
لم تستطع ان تتابع، فشراسة عيناه وملامحه تمنعها، وتزيد من خوفها، صمتت ولم تجد في حلقها ما يسعفها، رمقها هو بنظرة طويلة قبل ان يسحبها ويعود بها الي المنزل، قاطعا تلك المسافة القصيرة التي لحقت ان تسيرها..

ما ان دخلا الي المنزل حتي القاها بأهمال علي احد المقاعد، وصـك قبضتيه حول مسند المقعد يحكم قبضته عليها حيث لا مهرب لها منه.. هتف وهو يحاول بكامل قوته ان يتمالك اعصابه كي لا ينفجر بها:-
_قوليلي أنتي عقلك دا بيفكر ازاي! والغباء دا متوارث عندكم ولا مجهود خاص ولا اية حكايتك بالظبط؟ بتروحي لـ النار برجليكي..
بلعت ريقها قبل ان تطرق برأسها لـ أسفل وقد بدأت عيونها تتجمع فيها بعض الدموع، قالت بنبرة خفيضة بالكاد تُسمع:-
_قالي انه هيأذيك وانا خوفت عليك، انت ملكش ذنب
مسك رسغيها بكلتا يدها، راح يهزها بقوة صائحا فيها بأعصاب فائرة:-
_لا ليا ذنب، انتي بقيتي مراتي لو فاكرة؟ يعني موتي في سبيل حمايتك دا شئ وارد
ارتعشت بين يداه عندما جاءت سيرة موته، لا تعلم.. لكنها خافت! بات يخصها لدرجة انها باتت تخشي أذاه!
قالت بتلهف:-
_بعد الشـر عليك
قال بسخرية وهو يبتعد عنها:-
_الشـر كله قدامي اهو، دماغك دي مش هتسكت غير لما تطربقها فوق دماغنا طول ما هي غبية كدا
عادت تبكي:-
_يعني كنت عايزني اعمل اية؟
قال علي فوره:-
_تلجأيلي، زي ما عملتي في البداية من غير سبب، دلوقتي بعد ما بقي ليكي كل الصلاحيات في طلب اماني وحمايتي بقي عيب تلجأيلي!!
انهي كلماه بنبرة استنكار بيّنة، فنظرت أرضًا بحرج..

وعلي ناحية اخري.. في ذات الوقت، كان ما يثير غضب رشوان و اعصابه هو عدم وصول نازلي بعد.. لقد خالفت اوامره، يبدو انها لم تعد تخشاه، وهذا ما يثير جنونه ليس فقط اعصابه..

اطاح ببرواز ما به صورة له كانت غالية علي قلبه ارضًا وهو يهتف بتوعد:-
_ماشي يانازلي.. ماشي، ان ما ندمتك علي اللي بيحصل دا مبقاش انا رشوان

عَلي صوت أشعار علي هاتفه، يعلن عن وصول رسالة، فتحها فوجد ان مرسلها هو ” الباشا ” كما يلقبه، زفر بتوتر وهو يقرأها و
” وجود نازلي هناك خطر علينا قبل ما يكون عليها يارشوان، وانا مش هخليها هي تدفع تمن غلطنا، نازلي لازم ترجع يااما مش هرحمك يارشوان “

ارتعش رشوان وهو يفهم ما بين السطور، حقا وجود نازلي في بيت الرشيد خطر عليهم جميعًا، وهي ربما.. هي ان علم نزار والدها الحقيقي، وهو ابدًا.. لن يسمح ان يمسها سوءا.. يمسها هو بالسوء نعم.. يفعل، لكن غيره لا.. غيره ان فعل سيقيم علي رأسه الدنيا وما فيها
****
قبل ان يحل ذلك الظلام بكثير.. عودة الي الغردقة

توقف بها في منطقة نائية، بعيدا عن ذلك التجمهر الذي تكَون بسببها، أبعدت يده التي تمسك بها وهي تصيح بعنف:-
_انت ازاي تتجرأ وتسحبني وراك كدا يااستاذ انت، ولية اصلا تدخل في حوار ملكش فيه، وتدفعه فلوس مش من حقه و..
وضع يده علي فمها يمنعها من استرسـال حديثها:-
_اشـش.. اية راديو!! انا الغلطان فعلا اني اتدخلت
قالت بكبرياء وهي تنظر الي الناحية الاخري:-
_كويس انك عارف، وعلشان عرفت غلطك فأنا مش هدفع الفلوس اللي انت اعطيتها لـ السواق دي
قال ببساطة:-
_وانا مطلبتهاش اصلا
وضعت يدها في خصرها وهي تجيبه:-
_قصدك اية بمطلبتهاش دي! قصدك اني فقيرة ومقدرش ادفعها! لا.. فوق لنفسك واعرف بتكلم مين
اخرجت من حقيبتها الصغيرة محفظمة نقود وردية وفتحتها، واخرجت منها ورقة من فئة المئتين جنيهًا واعطتها له:-
_امسك.. مش سلمي عامر اللي تقبل صدقة من حد
وضربته علي كتفه فأنزاح خطوة للخلف، فقالت قبل ان تعبر من خلال المكان الذي كان يقف فيه:-
_واوعي من وشي كدا خليني اعدي

اخيرا استوعب مغادرتها وانه بقي وحيدا بالمكان، طالع المال بصدمة وهو يردد:-
_دي مش معقول تكون طبيعية!!!

وعودةً الي الوقت الحالي، كان يقف في شرفة الشالية، ينظر لـ السماء بشرود، يفكر فيها بدون ارادة منه وقد ارتسمت علي شفتاه بسمة صافية..

وعلي بُعد امتار ليست بقليلة منه، في شقة ما، كانت تقف هي في شرفتها تنظر له من خلال منظار.. تراقب تحركاته وهي تبتسم بسمة مختلفة عن مكنونة بسمته كليًا.. كانت بسمة مليئة بخبث.. ومكر انثي!

مسكت هاتفها وارسلت رسالة لأحدهم:-
_كله تحت السيطرة ياباشا، يومين وهينسني القاهرة واللي فيها وعقله مش هيتشغل غير فيا وبس
****
مع بزوخ اول شعاع لـ الضوء، كانت زهراء تتحرك بمقعدها المتحرك نحو باب المزرعة، ناوية الخروج منه، لكن الحارس الذي وقف امامها احالها من ذلك، اردفت بغضب وهي تطالعه بشرار:-
_افتح الباب
اجابها بنبرة جامدة:-
_ممنوع ياهانم، الباشا مانع خروجك من غير أذن
اشدت غضبها وازداد عندما اتـت سيرة عدي، فصاحت فيـه:-
_وانا بقولك ان مفتحتش الباب دا دلوقتي مش هيحصل كويس، وهخلي الباشا بتاعك دا يطردك
جاء صوت عدي من خلها بذلك الوقت:-
_امشي انت دلوقتي ياعبده
اؤما الرحل واختفي من مساحتهم، التفتت تنظر هي له بعنف و:-
_افتح الباب دا ياعدي، خليني امشي ونخلص بقي
قال ببرود وهو يضع يداه في جيوب بنطاله:-
_وانتي مفكرة انك لما تمشي من هنا هتخلصي مني؟
لم ترد.. فلم تجد رد بالاساس، ستكذب وتقول نعم وهي تعلم بالحقيقة، تعلم بأنه لن يدعها في شأنها ابدًا.. تنهدت بضيق وهي ترفع انظارها عن الارض التي كانت تنظر اليها، فتفاجئت بعيناه التي باتت امامها مباشرةً وتقابلها تلمع فيها الشراسة بينما يهتف فيها:-
_انتي ملكيش مفر مني يازهراء، هتعيشي وهتموتي وملكيش خلاص مني، افهمي الكلام دا واتعايشي معاه، لانه الحقيقة الوحيدة اللي ثابتة في حياتك
التمع الدمع في عيناها:-
_ليـة؟
ضيق ما بين حاجبيه:-
_لية اية؟
_لية متمسك بيا كدا!
قال بسخرية.. مريرة وهو يعتدل في وقفته:-
_يمكن علشان بحبك مثلا!
ضحكت ساخرة بوجع و:-
_بتحبني! بأمارة اللي حصل امبارح واعترافك بحبك لنغم اللي سمعته بودني
توتر عندما جاءت تلك السيرة، قال وهو يحاول الشرح لها:-
_انتي مسبتيش ليا فرصة اشرحلك، الحوار مش زي ما انتي فهماه، نغم تبقي..
اوقفت بأشارة من يدها:-
_مش عايزة اعرف هي مين، ميهمنيش..
قال بدهشة:-
_ميهمكيش!
اؤمات بنعم، وتابعت:-
_حتي لو اتجوزت هي او غيرها مش هتأثر، انا اللي يهمني كرامتي، وشكلي قدام الشغالين، يقولوا عليا اية وهما شايفينها داخلة وطالعة من اوضتك كل يوم
عدي بحزن أليـم:-
_دا كل اللي يهمك!
عادت تؤمي بنعم بتأكيد صريح، وقد التمع الجمود في عيناها، نظر لها مطولا بدون حديث.. يفكر ويفكر، ماذا يمكن ان يقوله الان ليوجعها كما تفعل به؟ يجعل قلبها يتألم كما يتألم قلبه، جاءت في باله فكرة و….
****
_الفطار
_مش جعانة

تنهد ضيقًا وهو يراها تجلس في غرفتها منذ الامس علي فراشها ويظهر علي ملامحها الترقب، كأنها تنتظر هجوم رشوان عليها في اي لحظة، لم يكن غبيًا كي لا يفهم حالتها، هي مهما حاولت ان تظهر القوة.. مازالت ضعيفة، مازالت لا تثق به، وهذا ما يضايقه ويؤلمه، لا تعجبه حالتها تلك.. توجعه.. ولا يعلم لهاذا سببًـا!

_نازلي
نظرت له بمعني ‘ نعم ‘ فقـال:-
_انتي مأكلتيش من امبارح لو واخدة بالك!
_انا متعودة علي كدا عادي
_وانا مش بحب كدا.. ممكن لو سمحتي تاكلي
نظرت له لـ لحظات بنظرات لا روح فيها، فتنهد وتقرب منها، جلس علي الفراش امامها، لمـس كتفها بيداه فأنتفضت فزعًا، أغمض عيناه يخفي خلفها براكين ثائرة من غضب يجتاحه كلما اقترب منها وارتعشت بتلك الطريقة، غضب يـود لو يفجره في رشوان وينفذ فيه عن ثورانه
نِـزار:-
_هتنزلي تاكلي، وبعدها هنتكلم سـوا في حوار مهم، أجلناه كتير وجه معاده
تطلعت له بأهتمام وعيون فضولية، نظر لها لـ لحظات أدرك انها لو استطـالت فسيخر امامها معترفًا بكل ما بجبعته، وهو لا يريد هذا قبل ان تتناول طعامها، فهي تبدو مَن الذين يحركهم فضولهم.. لذلك نهض فورًا وغادر الغرفة..

وبينما يهبط الدرج استمع لصوت الباب ينفتح وهي تتطل منه وتتابع خطواته.. فضحك بداخله عليها بثقة وكأنه أب يعلم تمام العلم ابنته ويحفظ تحركاتها علي ظهر قلب!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى