روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل العاشر

إنا لراغبون بالموت
وما هو بـ راغب بنا.

علي غير العادة، قررت ان تخرج نازلي من قوقعتها وتخرج من غرفتها، لتري العالم الذي تحي معهم، كانت قد قررت بألا تفعل ذلك.. وتتجاهلهم، لكن زيارة نزار لها بالأمس جعلتها تغير افكارها، فقد اعطي لها حضوره نوع من الراحة التي كانت تفتقدها لبعده عنه طوال الأسبوع الفاءت، أسبوع علمت بقرارة نفسها انه كان كالجحيم بدونه..

ابتسمت وهي تتذكر صباح اليوم، عندما استيقظت ووجدت انها قد غفت سهوًا علي الاريكة بين احضانه وهي تشاهد التلفاز واستيقظت علي نفس الوضعية، لذا كانت مستيقظة وهي تشعر باسترخاء رهيب وسعادة تغمر روحها غمرًا..

ولذا.. تقديرًا له قررت ان تعطي فرصة لاهله وتصاحبهم، هم لا يعلمون مَن هي ولا هي كذلك تعلم طبيعتهم، يجب ان تحاول التفاهم معهم.. ربما تُوجد بينهم علاقة لطف فيما بعد!

وها هي تخرج من غرفتها، تنظر يمينًا ويسارًا بدهشة في ذلك القصر الواسع.. لم تظن انه بهذا الكبر، فعندما جاءت اول مرة، اوصلها نزار غرفتها فورًا لأرهاقها ولم تركز في شئ، نظرت حولها برهبة وهي تتسأل اين تبحث وعن مَن!

تنهدت وهي تقرر السير بلا هوادة هكذا ربما تصطدم في احدهم
وها هي بالفعل تتنقل بين ارجاء القصر، ترمق اياه بأعجاب وزهول، فكان اثري.. مبهر..
وقفت امام صورة ما كبيرة لدرجة اخذت جدار كامل من الغرفة، بها افراد كثيرة كبارًا وصغارًا بدأت تتأملهم بعيون مركزة في محاولة منها لأن تتعرف علي احدهم، رأت رجلًا ما يقف في المنتصف يشبه نزار بصورة كبيرة لكنه اكبر سنًا
جاء صوت من خلفها:-
_حاتم
انفزعت وهي تنظر خلفها بتوتر فرأت المدعو راجي هو من يقف علي بُعد خطوة منها، ينظر الي ما تنظر له بعيون مركزة.. فاحصة.. شاردة بحنين
تابع دون ان ينظر لها حتي، او يرف له جفن:-
_اللي بتبصيله دا حاتم.. ابو نزار، واللي جنبه مراته وعلي ايدها بنته، والطفل اللي جنبي دا..
وشاور علي نفسه بينهم وقد كان اصغر سننًا وبجواره طفل جميل الوجه:-
_يبقي نزار.. جوزك، ودي بينار مراتي.. ودول حمايا وحماتي
نظرت للصورة بتأثر وحب، كانت صورة عائلية جميلة، فيها ضحكات وحب من القلب.. وظاهر في العين
خرج صوتها متسائلًا:-
_راحوا فين؟
رد بجمود:-
_اتقتلوا..
شهقت وهي تنظر له ثم لـ الصورة بعدم تصديق و..
رددت بزهول:-
_اتقتلوا؟!
قال وهو يغادرها:-
_مش كلهم.. واحد فيهم بس اتقتل فأتسبب بموتهم كلهم حزنًا عليه، واللي عايشين زي ما انتي شايفة قلبهم ميت..
وتركها دون تفسير اخر، بينما هي تطلعت الي الصورة بشرود وهي تفكر ان تلك العائلة لديها كثير من الاسرار والاوجاع، وهي التي ظنت انها لديها اقوي اوجاع واحزان الارض!

تري ما الذي تخفيه بداخلك يانزار؟
مما تتألم وعلاما تبكي سـرًا؟!
*****
أصـر عدي علي تجمعهم جميعًا علي طعام الغداء، ليتناوله ثلاثتهم سويًا، رغم اعتراض زهراء، لكن امام اصراره وجدت نفسها تذعن له، كانت منذ اخر حوار جمعهم لا تتحدث معه ولا تقابله، وهو لم يحاول ان يفعل مما ضايقها..

وزاد هذا الضيق قرب نغم منه المبالغ فيه، والغير مرحب به والغير معلوم سببه!

سـأل عدي.. نغم وهو يرتشف من عصيره:-
_اخبار العلاج مع زهراء اية يانغم؟ فيه تطورات؟!
رفعت زهراء عيناها التي كانت تنظر بها للارض له.. عندما جاء باسمها، لا تنكر سعادتها بداخلها لسؤاله عنها، سعادتها التي خمدت وهي تري جموده ذاك، كأنه يسأل من باب الواجب ليس الا!
اجابته نغم:-
_كويسة.. في تحسن كبير عن الاول طبعًا، اوعدك خلال شهر او اتنين بالكتير زهراء ترجع تمشي تاني
نظر لزهراء بينما يقول لها:-
_اليوم اللي هشوفها واقفة فيه علي رجلها تاني يانغم.. وعد لو طلبتي مني وقتها عنيا لأعطيهالك

ابتسمت نغم وهي تري حبه الواضح وضوح الشمس لتلك العمياء، بينما زهراء اخفضت نظراتها ارضًا بأرتباك وهي تشعر بمشاعر غريبة تجتاحها..
مشاعر لا يجب ان تقترفها نحو شخص ك هذا
تراه قاتل.. اخيها
وما هو بـ فاعل!

فاقت من افكارها علي صوت عدي الذي يوجه حديثه لنغم:-
_نزار جه.. عارفة؟
اؤمات بنعم وهي ترسم الجمود علي ملامح وجهها فتابع هو متنهدًا:-
_هروحله بالليل شوية.. تيجي معايا؟
اؤمات بالنفي وهي تغادر المجلس، فظل يراقبها بحزن عليها، بينما تسألت زهراء بفضول:-
_مين نزار دا؟
قال وهو يترك المجلس ايضًا:-
_حبيبها..

بينما ظلت هي تجلس مكانها بصدمة، والسعادة تغمرها.. حبيبها! نغم لديها حبيب!
اذن من المستحيل ان يكون هناك شيئًا يجمع بينها وبين زوجها..
يالسعادتها!
*****
_في المزرعة ياباشا..

قالها دياب لرشوان التي كانت حياته كالجحيم طوال الاسبوع الفاءت، هو وكل من يعاشروه، فبعد فشل الرصاصة في الانتهاء من هدفها.. ثم اختفاء نازلي، جن جنونه.. بات يري ان زمام الامور تنفلت منه..
نازلي تفر من بين يديه.. بات يري انه لربما.. لن تعد نازلي له!

وكلما جاءت هذة الفكرة لباله.. استعرت النيران في قلبه أكثر..

اشار لدياب محذرًا:-
_اخر فرصة ليكم.. نازلي المرة دي ان مرجعتش قولوا علي نفسكم يارحمان يارحيم

اؤما دياب مرتعشًا قبل ان يعلو صوت الهاتف ويكسر ذلك التهديد الذي يخرج من عين رشوان نحو دياب، وعندما لمح اسم المتصل اشرقت ملامحه فجأة حتي ان دياب فتح فمه زهولًا!
اشار له بالمغادرة قبل ان يجيب قائلا بوبيخ.. عكس السعادة التي ارتسمت علي محياه قبل لحظات:-
_اهلا بزياد باشا، لسة فاكر ان عندك اب! مفكرتش تسأل عليا تشوفني عايش.. ميت.. محتاجك ولا…
قاطعه زياد بنبرة متأففة:-
_اسف يابابا.. اسف، بكلمك نازلي مبتردش بقالها كتير، اية اللي حاصل؟
زفر بضيق وقد قرر ان يخبره بالحقيقة، ربما زياد يحاول ان يرجعها له عن طريق تأثيره بها.. فهو يعلم قوة العلاقة الاخوية التي تجمعهم سويًا!
تنهد قبل ان يقول:-
_الحقيقة نازلي هـ…
لم يكمل ووجد هناك صوت من الطرف الاخر ينادي علي زياد بصوت مرتفع.. صوت انثوي، وزياد يردد اسمها بسعادة:-
_سلمي..
لحظات وانشغل بها زياد حتي انه تناسى والده.. الذي ظل قليلا يستمع لهم قبل ان يغلق الهاتف ويلقيه علي الحائط بـ غل

الجميع يتهرب منه.. الجميع لديه احبه.. وينشغل بهم عنه.. الجميع لم يعد يطيقه
*****
أخيرًا.. بعد ذهاب وايـاب بين ارجوه القصر حتي كادت ان تحفظه، استكانت نازلي في حديقة القصر، التي كانت ك جنة صعب وصفها، بأشجارها الخضراء اليافعة، وورودها الملونة وروائح الليمون التي تملئ المكان الممزوجة بعطر الياسمين اليافح رائحته بقوة..
كان الجو ممتع في تلك العصرية، جلست تراقب الجو والسماء الصافية حولها، وهي تتناول كوب شاي بالنعناع بتمزج رهيب، تتمني بألا يمر الوقت ابدًا.. ان يتوقف هنا.. حيث تشعر بالراحة والامان… عدم الخوف.. والحب!
لكن.. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
للأسف.. اصعب الكلمات وصفًا واصدقها قولًا..
لحظات ك تلك لا تحتاج سواء… ولم تكمل تفكيرها ووجدته يهل عليها وعلي وجهه بسمته اللطيفة المتميز بها نحوها.. ولا يمنحها لسواها.
رددت اسمه بسعادة:-
_نِـزار؟
قال حجته المعتادة:-
_خلصت شغل بدري فـ جيت اقعد معاكي شوية
اوسعت له مكانًا علي المقعد الواسع الي حد ما الجالسة عليه، فـ سكن بجوارها
_بتعملي اية؟
رشفت رشفة من كوبها وهي تردد:-
_بشرب شاي
قال بتشجيع وهو يربت علي خصلات شعرها:-
_احلي واحسن واحدة تشرب شاي
ضحكت وهي تؤمي بشكر مرح عليه، ظلا يتحدثا في اشياء كثيرة قبل ان يتوقف عن الحديث فجأة وينظر لها بجدية و..
_نازلي هسألك سؤال ومش عايزك تزعلي.. ممكن؟
اؤمات بنعم
فتنهد قبل ان يقول:-
_رشوان نجح في مرة انه.. يعني يقرب منك و.. اا
ارتبك بكلماته فأبتسمت متفهمة لما يريد قوله قبل ان تؤمي بـ ‘ لا ‘ مطمنة اياه، فما كان منه سوا ان تنهد براحة كبري قبل ان يعاود السؤال مرة اخري:-
_بس في سؤال كمان بس المرة دي خاص بوالدتك
نظرت له بأستفهام فـ تابع مفكرًا:-
_ياتري مرات رشوان هي والدتك الحقيقة؟ ولا لا!

نظرت للأمام بشرود وقد عادت الذكريات لرأسها تدفق دفقًا، تتذكر المواقف التي جمعتها معها قبل وفاتها، لم تكن تملك حنية الام نحوها بصورة كاملة.. كانت تتعامل معها بأعتيادية.. حتي ربما مع زياد نفسه الا بـ قليل من التفرقة التي تكون بصالح زياد ايضًا.. قليل من الحب والحنان فقط..
لكن.. بأوقات النجاح.. التعب.. كانت تري فيها امًا حقيقية بالفعل، حتي انها كانت تتمني لو تتعب كل يوم لاجل تلك اللحظات اللطيفة التي تجمعهم حينها.. مع تشوش افكارها.. وتذكرها لموقف حنين جمعهم واخر قاسي..

رفعت عيناها التي التمعت بدموع الحيرة له و:-
_مش عارفة.. انا مكتوبة علي اسمها.. اكيد امي!
صمتت وعادت تهتف:-
_ما انا كمان مكتوبة علي اسم رشوان وهو مش ابويا!
بدأت تدخل في حالة عصبية وهسترية من التفكير قبل ان تجد بينار تجلس بجانبها تحتضنها لتهديها بينما تقول لنزار بغضب:-
_قولتلها اية يانزار زعلها كدا؟
نزار:-
_مقولتش حاجة والله.. دا انا..
لم تترك له فرصة بالحديث بل انشغت بتلك الباكية التي تفكر ان حتي تلك الحقيقة من الممكن أيضا ان تكون كذبة..
شددت بينار من ضمها لها وهي تمنحها كلمات الطمأنية لتصمت.. وعلي غير العادة.. تهدأ نازلي بالفعل وتستكين براحة غريبة ودفء عجيب بين احضان تلك المرأة الغريبة عنها.. بينار الرشيد….!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى