الفصـل العشـرون:
قالت:
_لقد نالت الحياة مني بما يكفي.. ألم تكتفي؟
دخلت زهراء غرفة والدتها بتلهف، تقدمت من فراشها فأصطدمت بها، متسطحة علي الفراش، فاتحة عيناها، شهقت بصدمة وهي تعود خطوة بكرسيها الي الخلف بعدم تصديق، رغم علمها بأن والدتها قد فاقت لكن رؤيتها علي الطبيعة شئ اخر، تقدمت منها بعنفوان تحتضنها بقوة.. تبكي وتشهق بعنف والاخري تحاول ان تهديها، ورغم ان عدي لم يعجبه رؤية انهيارها ذاك، لكنه توقف بعيدًا يتابع ما يحدث بصمت..
ابتعدت عن والدتها بعد فترة لا بـأس منها، قبلت يداها وهي تقول بدموع:-
_كنت حاسة اني هموت لوحدي.. مكنش ليا غيرك ياماما بعد موت عصام
كتم عدي وجعه بداخله، فها هي تخبره للمرة الالف انه لا يعني لها شيئًا، انه مهما فعل سيظل نكرة في حياتها وخارج حساباتها..
تابعت وهي تجفف دموعها:-
_كل حاجة كانت سودة في وشي، بس حسيت ان عمري هيضيع وانا بعيط علي اللي فات، بدأت افوق ياماما، لقيت اني لسة عندي فرصة اعيش.. عندي نغم بعتبرها اختي، وعدي.. عدي اللي كنت بقولك مبحبهوش ومش بطيقه دلوقتي بقيت بحب اشوفه ياماما! مش عارفة حصل ازاي بس انا لما حسيت انه ممكن يضيع مني لقيتني زعلانة ومقهورة.. وموجوعة اوي، انا اكتشفت اني مبكرههوش!
ابتسمت والدتها التي لم تكن تفهم وتعي كل شى، فهي ما زال عقلها غير نشط بعد، لكن من كلمات ابنتها المتوترة ادركت انها واقعة في الحب..
وعدي.. الذي كاد يخرج يبكي في زاوية وحيدًا.. عاد يستمع لها وهو يبتسم بأشـراق!
_انا زعلانة من عصام اوي ياماما، عصام كان هيبيعني! اخويا اللي مكنش ليا امان وضهر غيره كان هيبيعني علشان شوية فلوس، انا عايزة اسأله لية وازاي قدرت تعمل كدا؟ مش عارفة كيف هعيش باقي حياتي والسؤال دا شاغلني! انا…
فاقت من حالتها وتطلعت لوالدتها و:-
_انا اسفة، انا بتكلم كتير وانتي تعبانة اصلًا، بس انا كنت عايزة احكي!
اؤمات والدتها ببسمة غير مرئية ولحظات واغمضت عيناها بأرهاق غافية، ظلت زهراء جوارها تمسد علي يدها ووجهها بحنان وكأنها تحاول لحتي اللحظة التصديق ان والدتها بالفعل قد فاقت..
_مش كفاية بقي؟
تفاجئت بصوته، لقد نسته بالفعل! التفتت تنظر له بدهشة:-
_انت هنا من امتي؟!
اقترب منها و:-
_ممشيتش اصلا.. يـلا؟
قالت دامعـة:-
_مش عايزة اسيبها..
_وعد.. يومين بالكتير وهترجع تعيش معاكي علطول، بس انا دلوفتي لازم ارجع في حاجات مهمة ورايا..
اؤمات بتفهم وهي تبتعد عن والدتها بصعوبة..
*****
مـر يومان علي تلك الاحداث، لا جديد فيهم سـواء زيادة سـوء حالة زياد الذي لا يستطيع ان يصل الي سلمي ونزار المختفي عن الانظار وبينار الذي يتأكلها الشـك بدون دليـل..
الهدوء يسيطر علي الاجواء بشكل يثير الشـك!
صـاح رشوان بغضب وهو يلكم طاولة صغيرة امامه بقدمه بعنف:-
_انت بتقول اية ياحيوان؟ مخزن اية اللي ولع دا! هي ناقصة خراب.. اقفل.. اقفل اخباركم كلكم بقيت زي وشكم
اغلق في وجهه وصاح مناديًا:-
_دياب
حضر دياب فورًا فقال:-
_جهز الرجالة وقول لزياد اننا هنرجع لـ القاهرة حالًا، في مصايب بتحصل والتليفون معدش مكفي
هتف دياب بتردد:-
_بس زياد باشا مش..
قاطعه بحدة:-
_مفيش بس، سلمي دي مش موجودة.. واحدة ثراب اصلا مش هنعطل نفسنا علشانه اكتر من كدا.. لو رفض شيلوه بالعافية، يلا نص ساعة وهنتحرك
وتركه دون ان يسمع ردًا.. تنهد دياب بقلة حيلة وتوجه الي غرفة ذياد
بينما بعث رشوان رسالة لحسان محتواها:-
” نزار مش راحمني في السوق وانا ساكت علشان اوامرك ليا بس صبري بدأ ينفذ.. ومبلغ التعويض اللي بعته مش هيكفي المصايب اللي عملها.. “
بعث الرسالة واغلق هاتفه كاد يخرج من الشالية لكنه توقف عندما استمع لصراخ زياد الحاد:-
_انا مش هتحرك من هنا، انا لازم الاقي سلمي.. سلمي زمانها محتجاني دلوقتي هي..
اندفع لغرفته بجنون، توجه له واحكم قبضته حول ياقته وراح يهزه وهو يصرخ بعنف:-
_نفسي مرة اقول خلفت راجل اعرف اسند عليه ولا حتي يسند نفسه، راجل مش ورقة شجرة شوية ريح يجيبوا اجلها، سلمي مين دي اللي تعمل فيك كدا؟ مفيش حد بالاسم دا.. قلبنالك الغردقة عليها والبنت ملهاش اثر ودا ملهش غير تفسير واحد يا انت بتتخيلها يا بتتخيلها وانا مستبعدش حاجة زي دي عن واحد مريض وضعيف زيك.. مش راجل.. كلمة توديه وكلمة تجيبه دي نازلي اختك راجل عنك.. كنت بتسند عليها اكتر منك، اختك اللي مش داري بيها، مختفية ومش عارفين نوصلها.. وبدل ما ترجعها قاعد تعيطي هنا زي الولايا علي تخيلاتك يافاشل
ابتعد عنه وقال لدياب وهو يزفر بقوة بعد دفعة العضب التي فجرها بوجه الاخر:-
_هنتحرك حالًا..
وتركهم وغادر بينما همس زياد بتشـوش:-
_نازلـي!
*****
طرقت بينار علي باب غرفة مكتبه ودخلت وخلفها راجي، وجدوه يسند رأسه علي مقعد المكتب وينظر لـ سقف الغرفة بشرود، تنهدت بينار وهي تقترب منه تمسد علي كتفه هاتفة:-
_وبعدين؟
نطق بدون أن يتحرك له جفن:-
_مش عارف.. مكنتش اعرف اني ضعيف اوي كدا! لدرجة اني اعرف ان قاتل ابويا لسة عايش ومعرفش اوصله؟ اية فايدة النفوذ والفلوس اللي عشنا نكبر فيها لما مساعدتناش في وقت زي دا! انا قاعد هنا حاسس اني بتلوي علي نار وانا عارف ان نفسه لسة في الدنيا وبنته فوق في بيتي متهنية وفي قلبي ساكنة.. مش عارف اعمل اية
_ولا حاجة
قالها راجي بنبرة ساخرة قبل ان يتابع:-
_ولا هتعرف تعمل حاجة طول ما انت قاعدلي كدا، انت قومت الحرب عليك وانت مش حاسس، رشوان فكرك هيسكت عليك تاني؟!
صاح بغضب:-
_انا مش عايز رشوان.. رشوان ميهمنيش
قاطعه بصياح:-
_بس رشوان الوحيد اللي يقدر يوصلك بيه، باللي مدمرلك حياتك ومخليك مش قادر تبص لنفسك في المراية ولا قادر تبص لمراتك، مش دا نزار اللي ربيته.. مش دا الراجل اللي طلعت بيه من الدنيا زي ما كنت بقول.. اللي كنت مطمن علي مراتي وبنتي معاه من بعدي.. انت دلوقتي ضعيف
صـرخ بدموع مكتومة:-
_عايزني اعمل اية؟ انا مش عارف اعمل اية! اقتل! انا مش بتاع قتل.. معرفش اقتل.. معرفش اخد حقي بالدم، اعيش مع نازلي عادي؟ اطلقها؟ ولا قادر علي دا ولا قادر علي دا.. اسيب كل حاجة وكأني معرفتش.. برضوا مش قادر.. انا مش قادر اعمل حاجة
كانت بينار تستمع لهم بصمت، تريد ان تتحدث عن شكوكها ربما هذا يغير من الامر قليلًا في نظر نزار لكنها لا تريد ان تعطي امل دون دليل.. امل يكاد يجعلها تحلق في سماء السعادة رغم استحالته
قال راجـي:-
_انا مش هقولك تعمل اية.. اللي مات ابوك واللي فوق مراتك.. مفيش حاجة تخصني.. انت اكتر واحد عارف اية هيريحه
وتركه وغادر بعدما سحب بينار من يدها لتلحق به، كادت تعترض له اشار لها بصمت ان تتابعه فنفذت بطوع..
خرجا من المكتب فوجدا من تندفع لهم وهي تصيح:-
_بابا.. ماما
احتضنتها بينار وهي تقول بأشتياق:-
_رحمة حبيتي جيتي امتي؟
_دلوقتي حالًا
تركتها واحتضنت والدها.. ابتعدت عنه وهي تسأل:-
_فين ابية نزار؟
_في المكتب..
لم تترك لهم مجال لـ الحديث وتوجهت الي المكتب فورًا.. نطقت بينار زاهلة:-
_شوف البنت
ضحك معلقًا:-
_جديد عليكي جنون بنتك
اؤمات بالنفي وهي تهز رأسها بقلة حيلة..
فتحت رحمة الباب ودخلت، نظر لها لـ لحظة باعتيادية قبل ان يقف من مكانه هاتفًا:-
_رحمة
اقتربت تحتضنه وهي تردف:-
_كله تحت السيطرة يابوص، البواب لسة مكلمني بيقولي ان ابو زياد مش سايب مكان مبيدورش فيه عليا، وزياد دكتور داخله ودكتور طالع من عنده ورشوان هيتجنن
ابتسم لـ لحظات قبل ان تتجمد ملامحه وهو يقول:-
_مكنتش عايز ادخله في حاجة ملهوش ذنب فيها، بس للاسف هو اقوي نقطة ضعف لرشوان.. رشوان مبيضعفش غير بيه.. خليه ينشغل بيه شوية بقي وينسي نازلي
صاحت فجأة:-
_نازلي صح انا هموت واتعرف عليها
وتركته راكضة من المكتب متوجة الي نازلي تاركة الاخر ينظر لها بدهشة
*****
وضع عدي جسد السيدة كوثر علي الفراش وقبل جبينها بـ نُبـل قبل ان يبتعد عنها ويتجه الي زوجته هاتفًا بعدما قبل جبينها هي الاخري:-
_هي هتفضل نايمة شوية كمان بسبب الادوية بتاعتها، روحي ريحي انتي كمان لانك بقالك يومين مبتناميش كويس وانا رايح لنزار واحتمال اتاخر
اؤمات بحسنا.. تقدم لخجوتيه لكنها اوقفته منادية:-
_عدي..
التفت ينظر لها متفهمًا.. فقالت:-
_كنت قولت اني عايزة انفصل قبل كدا؟
اؤما بنعم وقد توترت دقات قلبه فقالت بخجل:-
_اعتبرني كنت بخترف..
اقترب منها، مال نحوها حتي وصل لمستواها و:-
_حتي لو مكنتيش بتخترفي.. مكنتش هسيبك، كنت هحاول بكل طريقة واي طريقة اني اخليكي جنبي وعلي ذمتي.. زهراء.. انا بحبك ببساطة!
نطقت بتلقائية:-
_وانا بحبك بنفس البساطة
ابتسم بعدم تصديق وهو يقترب منها اكثر.. كاد يتهور لكنه ابتعد فورًا و:-
_الدنيا ملغبطة الايام دي.. اظبطها بس وافضالك.. هفضالك خالص
وتركها تضحك عليه وغادر..
*****
_اية دا؟
_دي شهادة ميلاد زياد.. ودا تقرير بحالة ولادة الام اللي بيقول انها ولادتها الاولي.. يعني نازلي مش اخته
_عارف..
قالها وهو يبعد الاوراق عنه بلا مبالاة، فلا جديد فيها.. تابع عدي وهو يضع ورق اخر امامه:-
_دي حالة تانية.. دخلت مع رشوان برضوا في ظروف غامضة، مكنش ليها اي اثباتات شخصية، ولدت ورشوان خد المولود واختفي من المستشفي بعد ما دفع الحساب.. بعدها هي كمان اختفت من المستشفي.. المستشفي عملت بلاغ عن اختفائها.. بيقولوا انهم لقيوا بعدين ست بنفس مواصفاتها مرمية قدام مستشفي حكومة حالتها حالة..
صمت لـ لحظات قبل ان يردف:-
_الست دي.. تبقي عمتك.. بينار!!!!
اترك رد