الفصل الثالث…
بعد انتهاء أيام العيد..
صباحا بعد تجهيز نساء العائلة طعام الإفطار للجميع..
جلس الأطفال حول المائدة بينما صفية و أسماء و معهن السيدة روايح إحدى النساء العاملات في المنزل يقمن بوضع الأطباق فوق الطاولة ثم انصرفت للمطبخ و بقيت صفية تنادي زوجها و أشقائه، بينما صعدت أسماء للطابق العلوي لتخبر عنايات و فاطيما.
طرقت باب غرفة فاطيما عدة مرات فلم تجد ردا؛ لتدلف للداخل تبحث عنها لتجدها خالية! بحثت عنها في الشرفة لتجدها جالسة على الكرسي شاردة كأنها في عالم آخر. نادتها مرة أخرى لتلتفت إليها برأسها دون تعبير على وجهها مما أثار ريبة أسماء. سألتها متعجبة من جلوسها بملابس النوم في الشرفة: فاطيما حبيبتي ناديت عليكي و خبطت على الباب ملقتش رد قلقت عليكي، إنتي كويسة؟ فيكي حاجة؟ لتضع يدها على جبين فاطيما فتجد حرارتها مرتفعة جدا لتنزع يدها قزعة تقول: ياخبر حرارتك مرتفعة كده ليه؟ إنتي نمتي في البلاكونة امبارح بلبسك ده والا ايه؟ فاطيما مالك ساكتة ليه طمنيني؟ بينما فاطيما تنظر لها ببرود و اكتفت بجملة بسيطة: أنا كويسة مفيش حاجة، لتنهض للداخل و تطلب من أسماء مغادرة الغرفة بأسلوب وقح حتى تبدل ملابسها. خرجت أسماء وهي تشعر أن هناك شيء ما ربما فاطيما مريضة أو أنها غاضبة منها لأمر ما، فآثرت الصمت الآن حتى ينتهي الجميع من إفطارهم لتسالها وحدهم.
اجتمع الكل حول المائدة يتناولون الطعام، فبادر الحاج صفوان بسؤال شقيقته عن البدء في اختيار فتيات المشغل و إن كانت ستذهب للقاهرة لتعاين البوتيك الذي ستعرض فيه بضاعتها؟ فما كان منها إلا أن نظرت له نظرة خاوية من أية مشاعر و قالت بوقاحة : أنا هتصرف شيل إيدك من الموضوع دي حاجة تخصني.
لينظر الجميع لها بذهول من أسلوبها فتلك المرة الأولى التي ترد بوقاحة على أحد منهم خاصة شقيقها الأكبر فهو بمثابة والدهم! لتسألها عنايات تحت نظرات صفوان المستاءة خشية أن يكون هناك خطب ما: مالك يا بنتي في حاجة مزعلاكي؟ ليأتيها الرد الذي ألجمها كُليا: مفيش حاجة ولا حد يقدر يزعلني يا مرات أخويا.. و نهضت من مكانها لترحل إلى غرفتها دون كلمة أخرى بينما عنايات تكاد تبكي من شدة إحراجها و شعرت بألم شديد في قلبها؛ فتلك المرة الاولى التي تناديها
ب” مرات أخويا” و ليس ” ماما” كما اعتادت منها منذ الصغر.
توترت الاجواء بين الجميع لتربت أسماء على يد عنايات تحاول أن تخفف عنا وطأة كلمات فاطيما مردفة: متزعليش نفسك أبلة عنايات هي أكيد تعبانة شوية و منامتش كويس، أكيد متقصدش تزعلك أو تزعل الحاج صفوان دي روحها فيكم. لتربت عنايات مبتسمة و عينيها تغشاها الدموع قائلة بصوت ضعيف: مفيش حاجة حبيبتي يمكن زعلانة من حاجة و لازم نتحمل بعض. أنا هقوم أرتاح شوية.. عن إذنكم.
لتنهض بينما صفية تحاول أن تغير مجرى الحديث بينهم ولازال صفوان متجهم الوجه و حسان و فضل يتحدثان معه ليخرجاه من تلك الحالة. فاستأذن من الجميع يلحق عنايات ليطمئن عليها ويواسيها
تبادل الجميع النظرات بقلق لتقول أسماء: أنا خبطت عليها في الأوصة مسمعتنيش ولما دخلت لقيتها قاعدة في البلاكونة بلبس النوم بكلمها لفيتها ردت عليا بطريقة غريبة و لمست راسها لقيتها سخنة مع إن ملامحها و شكلها بيقول إنها مش مريضة! معقولة يكون حد زعلها بكلمة إمبارح؟ لتجيبها صفية: معتقدش لأنها كانت قايمة امبارح كويسة وبخير، يمكن اتحسدت أصل كان في ناس عنيها مش حلوة امبارح وكانوا مركزين معاها الله أكبر.
ليطلب منها فضل قائلا: معلش خلوا بالكم منها يمكن حاجة ضايقتها فعلا و مش عاوزة تقول أو مريضة و مخبية، تابعوها النهارده و لو حصل حاجة كلموني أو كلموا حسان بلاش نشغل الحاج صفوان عشان ميزعلش أكتر. يلا عن اذنكم هنقوم نشوف أشغالنا. و انطلق كل منهما لعمله.
مضى اليوم دون شيء يُذكر و فاطيما تتجنب الخروج من غرفتها متخذة الإرهاق ذريعة لتبقى منفردة بنفسها و تتناول طعامها في غرفتها.
******
قبل الفجر بقليل….
طرقات خافتة على باب الغرفة، نهضت لترى من الطارق فلم تجد أحدا. اتجهت للشرفة تنظر باتجاه الماء فرأته واقفا ينظر إليها مشيرا بيده أن تقابله؛ خرجت مسرعة من المنزل دون أن يشعر بها أحد لتركض باتجاه الماء و تخلع رداءها و قفزت بملابسها الداخلية و اختفت في الماء.
****************
عند العاشرة صباحا..
طرقت صفية باب غرفة فاطيما لتتحدث معها قليلا فلم تجد إجابة فخشيت أن يكون قد أصابها مكروه فدخلت الغرفة تبحث عنها لكن بلا فائدة، سمعت صوت تدفق المياه في الحمام فاتجهت للباب تطرقه و تنادي: فاطيما انتي كويسة؟ سامعاني؟ سمعت صوتا كأن شخصا يصارع الموت ففتحت الباب مسرعة خوفا من حدوث مكروه لها لتجدها غارقة في حوض الاستحمام و عينينها مفتوحة كأنها رأت مايرعبها.. لتركض خارج الغرفة تصرخ بأعلى صوتها: الحقوووني.. حد يلحقني يا ناس.. فاطيما غرقت في البانيو. الحقوووني يا عاالم.. لتسقط أرضا غير قادرة على الحركة من هول ما رأته ليجتمع كل من في المنزل حولها و دخل الأشقاء للحمام ليخرجوا مسرعين يتساءلون: هي فين فاطيما راحت فين؟ مفيش حاجة جوا! لتنظر لهم بضعف و هي تشهق من البكاء و تحاول أسماء و عنايات مساعدتها للوقوف لتشير بيديها لباب الحمام: أنا شوفتها بعيني في البانيو.. غرقانة وعنيها مبحلقة أوي و شكلها يخوف.. أنا متأكدة.. ليأتيهم صوت من خلفهم: خير يا جماعة مالكم واقفين هنا ليه؟؟