الفصل الثاني..
مساء في منزل عائلة الناجي..
تعالت ضحكات الجميع حتى أدمعت أعينهم على مزاح فاطيما و النكات التي تلقيها عليهم فهي أيضا ذات حس فكاهي، ليلتقطوا أنفاسهم بصعوبة ثم
تبدأ السيدة عنايات بالحديث معها قائلة: بنتنا الحلوة فاكهة العيلة هدية نجاحك انا حطيتهالك في أوضتك و إن شاءالله ذوقي يعجبك يا حبيبة قلبي. فتنهض فاطيما تقبلها و تحتضنها بشدة تشكرها فهي بمثابة والدتها و ليست زوجة شقيقها الأكبر.
أما أسماء و صفية فقالتا معاً: وأنا هديتي طقم دهب يارب يعجبك.. لتضحكا سوية لاتفاقهما في التفكير فأخرجت كل منهما علبة قطيفة حمراء بداخل كل منهما مشغولات ذهبية تخطف الأنظار لتعانقهما فاطيما تشكرهما على ذوقهما الرائع و تتمنى لهما دوام الصحة و العافية.
بينما حسان نهض ليمسك أذنها مداعبا ليقول: البنوتة الشقية مش ناوية تعقل بأة و تصبر لغاية ما تاخد هديتها مننا و الا إيه؟ لتعانقه مبتسمة بمشاغبة: و ماله يا باشا زيادة الخير خيرين.
ليضرب فضل كفا بكف ضاحكا على كلماتها مردفا: إنتي طلعتي مادية و الا ايه يا طماطم؟؟
لتضحك على كلماته قائلة: أنا وش ذلك برده؟؟ فيجيبها الحاج صفوان قائلا بابتسامة تزين وجهه: الشهادة لله يا فاطيما إنتي طول عمرك قنوعة مطلبتيش حاجة غير المعقول و دايما راضية. و هديتي ليكي بأة يا ست البنات المشغل الي وعدتك بيه و جهزته بكل لوازمه و كمان يا ستي اتفقت مع الأسطى حسنين إنه هيباة معاكي يوصل الشغل الي هيتعمل و يتوزع على المحلات كمان. مش فاضل غير البنات الي هتختاريهم عشان يشتغلوا معاكي.
أما فضل فقد أعطاها مفتاح سيارتها الجديدة التي وعدها بها عند انتهاء دراستها بتقدير مرتفع لتقفز مكانها عندما رأت المفتاح كأنها طفلة صغيرة حصلت للتو على دمية جميلة تضمها لمجموعتها من الدمى المحببة لقلبها.
لتنظر لحسان بنظرات مضحكة تحثه أن يكمل أمسية الهدايا ليبتسم لها قائلا: حبيبة أخوها الي مشرفانا دايما ،أنا باة اشتريت ليكي بوتيك في أحسن مكان في القاهرة و جهزته و منتظر بس إنتاج المشغل بإذن الله عشان يباة مكانك ملكك محدش يضايقك ولا يتأمر عليكي.
لتنظر لهم بعيون دامعة لاتصدق مدى عشق عائلتها و حبهم الكبير لها و اهتمامهم بمستقبلها لتقبلهم جميعا تدعو الله أن يحفظهم من أي مكروه.
بعد انقضاء أمسية العشاء و الأحاديث المختلفة فيما بينهم ذهب كل منهم لغرفته لينال قسطا من الراحة.
****************
بعد مرور أسبوع..
قام كل فرد من العائلة بما خطط له و اتفق عليه مع الآخرين من توزيع الملابس الجديدة و المواد الغذائية و الألعاب على الأسر البسيطة في القرية ليصبح الجميع متساويين في سعادتهم و فرحتهم بيوم العيد دون أن يشعر أحدهم بنقص أو خزي أمام الآخرين، و استعد الجزارين في الفناء الخلفي للمنزل لذبح الأضحيات و تقسيمها بالتساوي لتوزع على الجميع.
بينما النساء في المنزل يقمن بإعداد وليمة فاخرة و تساعدهن بعض نساء القرية من قبيل المحبة و التقدير، بعد الانتهاء من الطعام تم وضع ما لذ و طاب من الأطعمة المختلفة على مائدة كبيرة في فناء المنزل استعدادا لاستقبال المدعوين من رجالات القرية و المهندسين و المشرفين على بناء المصنع و بعض من المعارف و الأقارب.
بينما بالداخل اجتمعت النساء حول مائدة أخرى ليتناولن طعامهن وسط أجواء مرحة، لتتحدث هامسة إحدى النساء المدعوات و تدعى « فهيمة» لأخرى بجانبها و هي تضرب بيدها على صدرها مذهولة: إييه كل ده؟ كل ده أكل هم بيجيبوا الفلوس دي منين يا سعدية؟ لتخرسها سعدية قبل أن يصل حديثها لمسامع إحدى نساء العائلة: وطي صوتك يا فهيمة و قولي الله أكبر ربنا يزيد ويبارك. إنتي مش هتبطلي عادتك دي أبدا؟ تدخلي البيت من دول تقري و تبحلقي في حاجة الخلق من غير ما تسمي و لا تقولي الحمدلله حتى! عيب كده.
لتتشدق فهيمة وهي تلوي فمها بامتعاض ساخرة: باسم الله و الحمد لله. ارتحتي كده ياختي؟ عيني علينا و على حظنا الهباب بأة معقولة الست الي زي الأرض البور دي الي اسمها عنايات تباة عايشة في الأملة دي كلها و تباة ست الدار و كل المال و العز ده عندها و هي مفيش حيلتها عيل واحد؟ لا و كمان الحاج صفوان مرضيش يتجوز عليها زمان عشان الخلفة و قال لاء بحبها و مكتفي بيها و لو ربنا مش رايد لي الخلفة منها مش هتجوز غيرها و أولاد اخواته يبأوا ولاده!! بذمتك مش كنت أنا أولى منها بالعز ده كله و كان زماني ست الدار و مخلفة له بدل العيل عشرة؟
وقبل أن تجيبها سعدية حانقة تحدثت إليها السيدة عنايات بوجه بشوش ترحب بها قائلة: مبتاكليش ليه يا حاجة فهيمة؟ لو محتاجة حاجة حبيبتي البيت بيتك انتي مش غريبة الي تطلبيه يحضر حالا…
سبحان الله لم تكن عنايات تعلم بما يدور خلف ظهرها من حديث سيء يخرج من فم كريه و قلب أس كضمير صاحبته التي تحقد و تنظر لما في يد غيرها دون أن تحمد الله على نعمه لها.
أجابتها سعدية و هي تقرص فهيمة لترد بوجه بشوش و تغير تلك النظرة الحقودة اتجاه تلك المرأة الطيبة القلب التي ترحب بالجميع دون تمييز بين غني أو فقير: ربنا يباركلك يا ست عنايات و تسلم ايدكم الاكل زي الفل.. عقبال ما نساعدك كده نهار فرح الست فاطيما. لتؤمن عنايات على حديثها داعية الله أن يرزق فاطيما بالزوج الصالح.
بينما صفية و أسماء يتحدثن بصوت خافت عن نظرات فهمية و حقدها الدفين الذي مازال يملأ قلبها اتجاه عنايات رغم مرور كل تلك السنوات،
لتقول صفية: أعوذ بالله منها ست هي مش هتبطل الغل ده بأة؟ مش عارفة ليه كل الكره ده لابلة عنايات مع انها معملتش حاجة وحشة لحد أبدا؟
أجابتها أسماء موضحة السبب: مش قادرة تنسى إن الحاج صفوان ربنا يديله الصحة فضل أبلة عنايات عليها ومرضيش يتجوزها و هي كانت بنت عمته و شايفة نفسها أولى بيها و فضلت كده لغاية ما أهلها جوزوها واحد تاني بس الشهادة لله جوزها محترم و خلفت منه أربع صبيان زي الفل ربنا يباركلها فيهم بس تقولي إيه في العين الي ميملهاش الا التراب. ربنا يكفينا شر عنيها ويبعدها عن أبلة عنايات. لتؤمن صفية على دعائها.
********************
بعد انتهاء الوليمة و تقديم واجب الضيافة للجميع و انقضاء اليوم بسلام خلد الجميع للنوم، بينما في غرفة فاطيما قبيل الفجر بوقت قصير كانت مستيقظة تشعر بالأرق، وقفت في شرفة غرفتها قليلا تستنشق بعض الهواء ليظهر أمامها شيء غريب يطفو على سطح الماء يحاول أن يخرج لكن دون فائدة، أمعنت النظر فوجدته كأنه شخصا يقاوم الغرق لتخرج مسرعة تركض على الدرج لتصل إلى الشاطىء القريب منهم تبحث عن ذلك الشخص فلا تجد شيئا، سمعت صوت أنين خافت بالقرب منها لتتحرك باتجاهه بحذر و ما أن اقتربت منه لتفحصه حتى شعرت بشيء يسحبها باتجاه الماء لتصرخ بصوت عال شق سكون الليل حتى كادت تنقطع أحبالها الصوتية لتمر عدة ثوان حتى هدأ كل شيء و توقف جسدها عن المقاومة تماما
اترك رد