قصص

سهرة سعيدة

قابلتها صدفة في وقت متأخر، وقتها كنت بتمشّى بالعربية عشان أغيَّر جَو، وبالمرة أفوت أتعشى في أي مطعم.
وفي شارع هادي؛ لقيتها ماشية على الرصيف، معرفش إيه اللي جذبني لها، فقرَّبت منها بالعربية وفتحت الشباك وضربت كلاكس.
التَفَتِت ناحيتي، كانت جميلة جدًا، حبِّيت أتعرَّف عليها وبالمرَّة أعزمها على العَشا جايز توافق، قُلت لها إني مخنوق ورايح أتعشى في مطعم، ولو قبلت تتعشى معايا هيكون دافع إني أتجاوز الخنقة اللي أنا فيها، وقُلت لها كمان لو عايزة تسيبيني بعد العَشا مُش هعترض، وفضلت وراها لحد ما اقتنَعِت وركبت معايا.
وصلنا مطعم شيك وهادي، دخلنا وكانت ماشية جنبي، ولما الويتر شافنا داخلين من الباب، قرب مننا وقال:
-نورت يا فندم، تحِب تقعد على أي ترابيزة؟
رديت عليه وقُلت:
_أنا عاوز كابينة.
بص لي باستغراب وقال لي:
-تحت أمرك، اتفضل.
شاور لي ناحية كابينة في مكان هادي جدًا، أخدتها ودخلنا، قُلت كده اكتملت أركان السهرة السعيدة، مطعم هادي وبنت جميلة وكابينة لطيفة، قعدنا وقفلنا باب الكابينة، فتحنا المنيو عشان نختار هنتعشّى إيه، اتفاجأت إنها خجولة جدًا، حتى لما سألتها اختارت إيه حطّت المنيو على الترابيزة قدامها وقالت لي:
_اطلب لي زي ما هتطلب لنفسك.
بعدها مدَّت إيدها وهي مشبّكاها قدامها وابتسمت ابتسامة خجل، قُلت فرصة إني أعمل جو رومانسي، ولَّعت الشموع اللي على الترابيزة ومديت إيدي قفلت نور الكابينة، وساعتها بس حسيت إن قلبي هيقف.
شكلها في ضوء الشموع كان مرعب، ودانها كانت طويلة وعينيها لونها أحمر، وبشرتها زي ما تكون من دخان أبيض، لكنها كانت محتفظة بنفس ابتسامتها الخجولة، برغم إنها في اللحظة دي كانت ابتسامة مرعبة.
صرخت من المنظر اللي شُفته، غصب عني مديت إيدي فتحت نور الكابينة، عشان أشوف الكرسي اللي كانت قاعدة عليه فاضي، معرفش اتبخَّرت وراحت فين، لكن واضح إن صرختي كانت عالية، لأن الويتر فتح باب الكابينة ودخل وسألني:
-في مشكلة عند حضرتك يا فندم؟
بصيت حواليا وأنا مش فاهم اللي بيحصل، وقُلت وأنا بفكر هي اختفت فين:
-مفيش مشكلة ولا حاجة، مشوفتش الآنسة اللي كانت معايا؟
ساعتها بصّ لي بصة غريبة وقال لي:
-آنسة مين يا فندم؟ حضرتك كنت داخل المطعم لوحدك، ولا حضرتك منتظر حد على وصول عشان كده حجزت كابينة؟
بصّيت له وأنا متنَّح ومش لاقي حاجة أقولها، أنا مكنتش منتظر حد، دي كانت ماشية جنبي ودخلت معايا الكابينة، فضلت ساكت لحد ما سألني:
-حضرتك هتطلب دلوقت ولا لسه منتظر حد؟
فضلت ساكت ومبحلق في المنيو اللي قدام الكرسي اللي كانت قاعدة عليه، كان في مكانه برغم إنها كانت مسكاه في إيدها، ولما سابته حطته في مكان مختلف عن اللي هو فيه دلوقت، ساعتها بس أدركت إن مفيش حد مسِك المنيو فعلًا ولا مكانه اتغيَّر!
مكنتش مستوعب اللي حصل، لكن بما إني دخلت المطعم كان لازم أتعشى عشان أنقذ نفسي من الموقف المحرج اللي اتحطيت فيه، طلبت وجبة عشوائية من المنيو وأكلت على السريع وخرجت، بس بعد ما بقيت مُدرك تمامًا إن اللي جت معايا لحد هنا مكانتش إنسانة، وإن حقيقتها ظهرت لمّا النور انطفى، وأكيد اختفت بعد ما اكتشفت حقيقتها، واتأكدت من إدراكي ده وأنا بحاسب على الأكل، لأني ساعتها بصِّيت في الكابينة ولمحتها جوَّه، كانت قاعدة في مكانها على الكرسي وبتبتسم نفس ابتسامتها الخجولة لكن بشكلها المرعب، ساعتها بس؛ عرفت إنها هتكون سهرة سعيدة فعلًا لو ماكنتش قابلتها.
***
تمت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى