قصص

شقه سيدي بشر

كنت متجمّع مع عيلتي في البلكونة وقعدين قعدة لطيفة، بنضحك ونهزر بعد يوم سفر صعب وبعديه تنضيف للشقة اللي خدناها في سيدي بشر، ففي نص القعدة، كبس عليا النوم، وقتها كنت صغير عندي عشر سنين، فعشان والدتي ماتقلقش لو بصت عليا ومالقتنيش، روحت وقولتلها اني هخش انام، ساعتها ماركزتش معايا وشاورتلي بايديها واللي فيما معناة اني اخش، وسبب انها مش مركزة معايا، هو انها كانت مُندمِجَة مع مراة عمي لانهم بيتكلموا في كلام مهم بالنسبالهم، كل ده عادي لحد اللحظة دي، بس اللي مش عادي، واللي خلاني أجي النهاردة بعد 18 سنة أحكيلكوا القصة، هو الباب القديم اللي كان موجود في مطبخ الشقة، واللي من عنده ابتدت حكايتي اللي ماقدرتش أنساها لحد اللحظة دي.
**
بعد ما طلعت من البلكونة ودخلت الطُرقة، عيني بشكل لا ارادي لمحت الباب القديم اللي جوة المطبخ، بس مش عشان وجوده الغريب في المكان، ولا حتى حجمُّه الصغير وشكله الغريب بالزخارف اللي عليه، ده لأن الباب كان طالع من وراه دخانة شديدة لونها أحمر، بمجرد ما شميت ريحتها، حسيت بدوخة خفيفة خليتني أسند على الحيطة، بعدها شوفت ضل لراجل كبير لابس نضارة مدوّرة، ضل الراجل ده كان باصصلي ومركز معايا، مبتسم، وكأني واقف قصاد كيان مظلم، مش مجرد ضِل لشخص أنا ماعرفش دخل الشقة ازاي؟
بعد ثواني جريت، بس وأنا بجري، لمحت بطرف عيني المطبخ.. المطبخ اللي كان فاضي، ومافيهوش حاجة، لكني ماركزتش، ومافرقش معايا، أنا دخلت البلكونة وقعدت جنب عمي، سألني أنا بنهج ليه ماردتش عليه وخوفت.. خوفت لحسان يتّريق عليا هو والباقين، عشان كده ماتكلمتش، وكل اللي عملته ان اتكورت في زاوية من زوايا البلكونة الواسعة ونمت نوم عميق، صحيت منه على صوت طفل بيقولي:
-تلعب معايا؟
فتحت عيني وبصيت حواليا لقيتني نايم على السرير، فوّقت شوية وركزت لقيت ابن خالتي هو اللي كان بيكلمني، كان بيقولي اصحى والعب معايا، وقتها كنت مخضوض، فخدت نفَسي وقولتله بصوت نعسان:
-ايه يا زين، خضتني يا أخي، وأنا.. أنا ايه اللي جابني هنا، وازاي؟
-عمك شالك وجابك، وأنت كنت في سابع نومه.
ودي كان آخر مرة في السفرية اللي أنام فيها بالراحة دي.
**
تجربتي ابتدت من حوالي 18 سنة، وقتها كان عندي عشر سنين، يعني عيّل صغير في رابعة ابتدائي، وزي أي طفل من سنيّ، كنت بخاف من الضلمة، من صوت الهوا، وزيادة عليهم، من الكلاب، وكلها حاجات طبيعية من القصص والحواديت اللي كنت بسمعها من عمي، وابويا، وآخرهم أمي، ومن القصص المميزة اللي كانت بتتحكيلي وكتير منكوا يعرف عنها، هي قصة أبو رجل مسلوخة، طبعًا مش قادر أوصفلكوا حالة الرعب اللي كنت بحس بيها لما بس أفتكره او أحس إنه معايا وموجود حواليا، بس بعد اللي حصل، اكتشفت ان فيه حاجات اكبر من ابو رجل مسلوخة، والسبب في ده، هي شركة أبويا اللي شغال فيها سواق، الشركة دي بتطلع مصيف سنوي في اسكندرية ولمدة عشر أيام، هم بيحجزولك الشقة، وأنت تتعامل بعدها، يعني أكلك، شربك، تظبيط خروجاتك، كل حاجة، بس كل دي شكليات، لإن الأهم هي الشقة ومكانها وحظنا السنادي وقع مع شقة كبيرة في سيدي بشر، الشقة كانت 3 أوض وصالة ببلكونة قد شقة، ومش ببالغ لما بقول كدة لأن الشقة كانت فعلًا كبيرة بشكل أبويا ماتخيلهوش، فبدل ما كنت هقعد أنا وابن خالتي وأخويا الكبير وأختي وأمي في الشقة، أبويا كلّم عمي وقاله تعالى بمراتك وعيالك الاتنين، واللي كانوا ولد وبنت، سيف وياسمين.. طبعًا هتسألوا فين ابويا من ده كله، هقولكوا إن أبويا من كتر ما كان بيحب الشغل، ماكنش بيشوف غيره في حياتي، يعني انا فاكر ان فيه شهور كانت بتعدي وهو مابياخدش راحة، وراحته وقت ما ياخدها كان بيبقى عيان عيا وحش، مابيقدرش عليه، فكل اللي كان ابويا بيعمله في السفر، هو انه بيوصلنا ويرجع القاهرة، لحد آخر يومين، اليومين دول كان بيجيلنا فيهم عشان يقضيهم معانا بعدها يرجّعنا بالعربية، وبس كده، ده الملخص الممل في الحدوتة، لكنه مهم بعدين، امّا دلوقتي، خلينا نروح للحظة اللي وصلنا فيه قدام البيت، من أول نظرة، ومن حجم البيت، حسينا اننا قدام فيلا كبيرة، كمان عشان البيت كان من 3 أدوار، واحنا كنا سعيدين الحظ اللي خدنا الدور الأول واللي كان فيه شقة واحدة زي الدورين التانين، فمن المنظر، اتفتحت نفسنا وطلعنا واحنا مبسوطين، دخلنا الشقة ولقيناها متربه من كل حتة، وعلى الحيطان كانت محطوطة صور كلها متغطية بورق جرايد أصفر قديم.. قديم لدرجة إن أبويا لما بص على التاريخ اللي على الورق، لقى إن الجريدة مطبوعة من حوالي اربعين سنة، مدة كبيرة، لكنها مش غريبة على ديكور الشقة اللي كان غريب شويتين، والأغرب، إنه اصلًا مش مصري، وفهمنا ليه هو مش مصري، بس بعدين.
لما ابويا لقى الشقة واسعة اتصل بعمي، مافيش خمس ساعات وجم، وقتها كنا بنّضف في الشقة ومابقاش فاضل كتير، ومع ذلك، كملوا تنضيف معانا وبهدومهم، وبعد ما خلصنا من الليلة دي، عمي نده أبويا عشان يسأله على الباب اللي في المطبخ، الباب اللي لغاية اللحظة اللي هو اتكلم فيها عمي ماكناش فاهمين لازمته، خاصة انه لا بيتفتح، ولا له لازمة، الباب قصير ومايدخلش حد، كمان مرسوم عليه زغارف غريبة تحسها مش مصرية زي ديكور الشقة بالظبط، والاغرب، انه الوحيد في الشقة كلها اللي كان نضيف، ودي نقطة غريبة برضه، ازاي شقة في موسم الناس بتأجر فيه شقق، تبقى متربة بالشكل ده؟!.. سؤال ماعرفناش اجابته، لكننا فهمناها هي كمان بعدين.
**
دي كانت البداية، والتكملة، كانت لما صحيت من النوم على صوت مازن ابن خالتي، وزي ما انتوا عارفين وأنا قولتلكوا، هو كان عايز يلعب معايا، بس لما ركزت في وشه، لقيت عليه علامات حروق ماشوفتهاش قبل كده، فمن الخضة، سألته لو كان جراله حاجة وأنا نايم، وقتها كرر نفس الجملة تاني، بس المرادي وهو مبتسم ابتسامة مستحيل أنساه، بعدها نني عينه اختفى، ومع اختفائه، حسيت اني بتخنق، فمسكت رقبتي، حاولت انطق، اطلب المساعدة، لكني اغمى عليا، ولما فوقت المرادي، كان الكل نايم وابن خالتي هو واخويا الكبير كانوا نايمين جنبي، صحيت ابن خالتي وسألته ايه اللي جابني هنا قام رد عليا نفس الرد اللي كان في الحلم، نمت، وخدوني هنا واتا نايم، ماكدبتش خبر وقتولت بس، أنا مش هخرج من الأوضة ولا هتحرك في الشقة، غير ورجلي على رجل واحد تاني، وفعلًا، ماخرجتش من الاوضة غير لما صحيوا وطلبوا مننا نجهز نفسنا عشان نروح البحر، طبعًا الكل كان مبسوط وفرحان، بيتخانقوا على الحمام عشان يغيروا. إلا أنا، كنت بلبس بقلق، حاسس ان فيه حد مراقبني وشايفني، حاسس بصوت انفاس طفل جنبي بس أنا مش شايفه، كلها أوهام، أو أنا اللي اعتبرتها كده عشان أهدي نفسي.
بعد ما جهِزنا ونزلنا، لقينا عيلة كاملة محضرين شُنطتهم قدام البيت ومستنين عربية تيجي تاخدهم، ساعتها عمي استغرب، العيلة دي كانت ازاي موجودة واحنا ماحسناش بيها، يعني لا شوفنا حد طِلع، ولا نزل، ولا حتى سمعنا صوت رجلين على السلم، شيء غريب، لكنه مش مهم بالنسبة للي احنا رايحنله، بس مع ذلك، واحنا واقفين مستنين عربية تانية غير عربية عمي عشان تاخدنا للشط، كبير العيلة اللي كانت موجودة جه لعمي ووقف معاه، كان باين عليه انه خايف ومتوتر، عايز يقول حاجة بس مش عارف يجيبها ازاي، وبعد تفكير كتير منه ترقب من عمي له، الراجل اتكلم، ولحسن حظي أنا كنت قريب منهم، وقتها سمعت الراجل وهو بيسأل عمي وبيقوله:
-أنتوا كويسين؟.. مافيكوش أي حاجة؟.. ماسمعتوش ولا شوفتوا أي حاجة؟
عمي ضحك وقاله:
-طب قول سلام عليكم حتى يا راجل يا طيب.
-انا أسف، بس اللي جاي فيه مش محتاج مقدمات.
-والسلام مش مقدمة لحاجة، السلام بتاع ربنا.
الراجل بدأ يتعصب، لدرجة إنه ماستحملش نفسه وقاله:
-أنت هتسمعني ولا أسيبك تجرب؟
عمي حس إنه عايز يقول حاجة مهمة، عشان كده اتمالك نفسه وماتعصبش عليه، وبكل هدوء رد وقاله:
-أسمعك.
-البيت ده فيه حاجة مش مظبوطة، سعر ايجاره، ومساحته، تقول إن فيه حاجة.
عمي ضحك ضحكة مكتومة تعبير عن سخريته بعد رد عليه:
-ايوة يعني انت عايز تقول ايه برضه مش فاهم.
الراجل بص ورا عمي بعدها قال:
-بص وراك وانت تفهم.
عمي بص وراه لقى راجل مجذوب من مجاذيب الشارع، شعره طويل، ودقنه أطول، ده غير جسمه اللي كان متغطي بطبقه أو طبقتين من الوساخة:
-شحات.. انا شايف شحات.
رد عليه كبير العيلة وقاله:
-الراجل ده عارف حاجة احنا مش عارفينها، احنا تاني يوم لينا هنا، قالنا إننا مش هنطول وهنرجع بسرعة، وفي نفس اليوم بليل، سمعنا طفل صغير بيصرخ، مشيت ورا الصوت لقيته جاي من الحمام، روحت أشوف فيه ايه لقيت الصوت اختفى، بعدها بثواني حسيت بـ ايد لمست رقبتي…
تتبع
شقة سيدي بشر رد عليه كبير العيلة وقاله:
-الراجل ده عارف حاجة احنا مش عارفينها، احنا تاني يوم لينا هنا، قالنا إننا مش هنطول وهنرجع بسرعة، وفي نفس اليوم بليل، سمعنا طفل صغير بيصرخ، مشيت ورا الصوت لقيته جاي من الحمام، روحت أشوف فيه ايه لقيت الصوت اختفى، بعدها بثواني حسيت بـ ايد لمست رقبتي، بصيت جنبي شوفت واحدة ست بتقولي كلام غريب مافهمتوش لكني استوعبت مضمونة، الست كانت بتطلب مني النجدة، كانت عايزاني أنقذها، بس أنقذها من ايه، ماعرفش، وفي اللحظة دي، شوفت دخانة حمرا ملت الشقة، الدخانة دي كانت طالعة من الحمام، بعدها بثواني الحمام اتفتح لوحده وطلع منه نار شديدة، مافيش ثواني والنار هديت بعدها الدخانة اختفت، جيت أشوف ايه اللي حصل في الحمام، شوفت اللي مستحيل أنساه، شوفت هيكل عظمي لسِت وطفل صغير، طبعًا ماحدش فينا استحمل وقررنا نمشي، فأنا شايف انكم انتوا كمان لازم تمشوا من هنا، البيت ده سعروا مش منطقي على مساحته، لكن الأمور وضحت لما قعدنا فيه.
بمجرد ما عمي لاحظ الرعب على عيون أمي ومراته اللي سمعوا كل اللي اتقال، خد الموضوع بهزار وقال للراجل:
-يا راجل ماتقولش كده، هم بس يطلعولي وأنا هتصرفلك معاهم.
الراجل ماستحملش سخرية عمي أكتر من كده وقاله:
-واضح إنك مش مقدّر خطورة اللي بقولهولك، على العموم براحتك، بكرة تشوف وتعرف الحقيقة، وقتها هتقول يا ريتني.
رد عمي بكل برود:
-وأنا اتشرفت بحضرتك.
الراجل اتكسف وراح وقف مع عيلتي، أمّا عمي وبابتسامة حاول يرسمها على وشه قالنا:
-مين جاهز للبحر؟
كله رد وقال انا الا تلاتة، أمي، مراة عمي، وأنا.. أصل اللي شوفته امبارح يخوّف، الدخان الأحمر، الحلم، حاجات كدّبت نفسي فيها وقتها، لكن دلوقتي وبعد اللي سمعته، الموضوع اختلف، كمان على الرغم من صغر سني، إلا إني كنت فاهم كويس إن اللي بيحصل ده مش طبيعي، وإن المكان ده فيه حاجة، عشان كده قربت من عمي وهمستله باللي حصل امبارح، طبعا ماصدقنيش، قال عيّل صغير سمع كلمتين وقال يقول زيهم، مايعرفش ان اللي حصل حقيقي، وان اللي جاي أسوأ.. بكتير.
بعد ما روحنا البحر ورجعنا البيت، كنا واقعين من جوع، خاصة عمي اللي قال لمراته تعملنا أكلة حلوة، طبعًا أمي طلعّت من اللحمة اللي كنا جايبنها معانا وابتدت تعمل الاكل مع مراة عمي، بس بمجرد ما حطوا الحلّة على البوتجاز وجُم يولعوا النار.. النار عليت لدرجة انها وصلت للسقف وعملت علامة غريبة، واللي خلاني اقول كده، هو انها ممكن يكون ليها معنى، بس احنا اللي مش فاهمينه، لكن اللي اتفهم وقتها، هو ان اللي حصل ده اكيد مش صُدفة، يعني كلام كبير العيلة، والراجل المجذوب، حاجات اتربطت ببعض وخلت امي ومراة عمي يخافوا ويقولوا لعمي انهم مش مرتاحين، وقتها عمي قلب الموضوع هزار للمرة التانية وقالهم:
-هو احنا عشان حصل حاجة غريبة بعد ما الراجل ده اتكلم، يبقى الشقة دي فيها حاجة، بقولكم ايه، احنا قعدين.
ورأي أخويا الكبير كان من رأي عمي، قال انه كلام فاضي والمفروض مانصدقش فيه، ساعتها أمي ومراة عمي ماكنش قدامهم غير انهم يقعدوا، أمّا الباقي، فكان مش فارق معاهم حاجة، في الآخر هم أطفال، جايين يصيفوا، ومش مركزين في حاجة تانية، انما انا.. انا الموضوع كان مختلف معايا، بشوف حاجات، بحس بحاجات تانية، كأن الشقة عايزة توصلني لحاجة، خاصة الباب.
حصل اللي حصل، بعدها عمي دخل المطبخ وشغل البوتجاز تاني، في الأول كان بيولع بحذر، بس لما لقى النار هادية، ظبطلهم كل حاجة وقالهم:
-اهو.. البوتجاز تمام، والنار تمام، والحلل تمام، يبقى نخاف من ايه؟
سمعوا الكلمتين وسكتوا، اصلهم كانوا خايفين، بس ما باليد حيلة، قالوا يمشوا وراهم لحد الآخر، والآخر كان وحش، عشان في نفس اليوم بليل، واحنا قعدين في البلكونة، لمحت طفل جري في الصالة، ركزت، شوفت طفل واقف ورا عمود، وقتها حرك شفايفه لكني سمعته وهو بيهمس في ودني، صوته كان يشبه صوت ابن خالتي بس متغير شوية عشان كان بلغة غريبة، ركزت معاها، وكانت الصدمة، أنا فهمت اللغة دي وعرفته بيقول ايه، واللي كان:
-تلعب معايا؟
قومت مخضوض، وهم كمان اتخضوا، بس مش عشان الصوت، ولا الطفل، لإني لما سألتهم لو سمعوا اللي سمعته، عمي ضحك وقالي:
-اقعد ياض، انت هترسم علينا فيلم يا ولا يا صغير.
رديت عليه وانا خايف:
-يا عمو والله ابدا، انا.. انا سمعت صوت طفل، حتى هو هناك اه..
مالحقتش أكمّل الجُملّة الا وسِكتْ، لإني لما بصيت عليه بطرف عيني، لقيته اختفى، وقتها رجعت أبص لعمي ولسان حالي اني مش كداب، اني شوفته من ثواني بس هو اختفى، وطبعًا عمي ما صدّق الموقف اللي أنا فيه وقال:
-يالا أنا عارفك يالا، تموت أنت في القصص والافلام، شكلك هتطلع أديب كبير، بس اياك والرعب.
-يا عمو والله.
-ما خلاص بقى يا محمد، كفاية.
امي زعلت انه اتعصب عليا، كمان ماكنتش مرتاحة لكل اللي بيحصل، عشان كده اتصلت بـ أبويا وحكيتله، وقتها أبويا كان معاه شغل وزعقلها، قالها تقعد وهي ساكته، الشقة فُل ومافيهاش حاجة، شيء طبيعي لشخص ماشافش ولا حس، كمان اخويا واختي ماشافوش ولا سمعوا حاجة من الكلام اللي بيدور، فماكنش قدام امي غير انها تسكت وتخش الأوضة، دخلت وراها ونِمت جنبيها، والغريب، ان الليلة عدت بسلام، بس الصبح، ابتدت الرحلة الحقيقية مع الشقة، والبداية كانت لما صحينا من النوم على ريحة شياط شديدة، وقتها عمي كان أول واحد يصحى ويطلع برة، لقى الشقة بتولع وفيه دخانة حمرا شديدة، طبعا امي ومراة عمي صوتوا، من بعدهم صرخنا يمكن حد يلحقنا، لكن الوحيد اللي ركزت معاه واستغربته، كان عمي.. عمي كان باصص للنار وعينه بتلمع، واقف ومابيتحركش، ماكنش بيعمل اي ردة فعل للي بيحصل، والأغرب، إنه مبتسم، ابتسامة انا شوفتها على وش الطفل في الحلم، الطفل اللي طلع من وسط النار وهي ماسكة فيه، كان بيصرخ، بيطلب مننا نساعده، بس الدخانة الحمرا دوختنا، خلتنا كلنا نقع في نفس اللحظة، إلا عمي، سلم نفسه للطفل اللي خده وسط النار، ودي كانت آخر حاجة اشوفها قبل ما أصحى من النوم وانا على السرير، اقصد وكلنا على سرايرنا، كأن مافيش حاجة حصلت، كأنه حلم، بس ازاي، ازاي وانا طفل عندي عشر سنين احلم حلم بالتفاصيل دي، لا واكون فاكره السنين دي كلها، بس الموضوع مايتنسيش، خاصة اللي حصل بعدها.
أول ما صحينا، كلنا خرجنا برة الأوض واحنا بنتلفت حوالينا، بندور على الحريقة وبنستوعب اللي حصل، لكن عمي، كان عادي، بارد، مش مهتم باللي احنا فيه وبيتعامل كأن ماحصلش حاجة، ولما فكر يتكلم، كانت الصدمة، ده لما قالنا:
-مالكوا مش على بعضيكوا كده ليه؟.. فيه حاجة؟
رديت عليه وانا خايف:
-عمو كان فيه حريقة، عمو انت الطفل الصغير عمل معاك ايه؟.. انت.. انت دخلت وانا نِمت يا عمو، هو أذاك، عملك حاجة؟
بعدها أمي كملت على كلامي وقالت:
-أدام الواد شاف، يبقى اللي شوفته صح، الشقة اتحرقت، بس العيل الصغير ده انا ماشوفتوش.
بعديها كل واحد حكي عن الحريقة بس من الزاوية بتاعته، وده شيء طبيعي لأننا كنا متوترين، أصل مش منطقي الكل هيركز على نفس الحاجة، ومع ذلك، عمي أخد اللي تتقال لصالحه وقالنا:
-ماشوفتش أنا اللي بيتقال ده، هو انتوا اتجمعتوا في حلم ونسيتوني ولا ايه يا ولاد.
المرادي مراته اللي ردت عليه وقالتله:
-يا خالد مش وقت هزار، احنا كلنا شوفنا الشقة وهي بتولع، ولما أغمى علينا من الدخانة، صحينا ولقينا كل حاجة طبيعية.
رد عليها وهو بيبص على الصور اللي متعلقة على الحيطان صورة صورة، وعلى طريقة مشهد مسرحي عظيم، شال الجرايد من على اللوح، كل لوحة كان مرسومة عليها صورة لشخص، كان راجل، وست، وطفل صغير، المميز في الصور دي، ان كل المرسومين فيها مش مصريين، يعني صحاب الشقة هنا كانوا أجانب، وبكمالة المشهد المسرحي عمي قال:
-أنا مش هخرج من هنا، انتوا سامعني؟.. مش هخرج، العشر ايام بتوعنا وهناخدهم، واللي حصل زمان مايخصناش ولا يفرق معانا، انتوا سامعين؟
مراة عمي خافت منه، لكنه في الآخر جوزها، وقلقها عليه غلب أي شعور تاني جواها، عشان كده قربت منه وطبطبت عليه، وهو زي الطفل الصغير عيط، قالها انهم وروه كل حاجة، وروه الباب، بس هو مش فاكر وعايز يفتكر، هو مش هيمشي غير لما يفهم اللي حصل، ولأن الموضوع خرج عن السيطرة، أمي اتصلت بأبويا، قالتله اللي حصل، وان عمي اتحول، بيصرخ، بيعمل حركات لا ارادية.
طبعا ابويا ماصدقش غير لما سمع عمي بودانه، وقتها قالهم انه مسافة السكة وهيبقى عندهم، أمّا عمي فشغلناله قرأن عشان نهديه، لكن اللي في الشقة ماحبوش اللي بيحصل، ومرة واحدة الكهربا قطعت، عشان نحس بعدها بحاجات بتتحرك حوالينا، ولأننا خوفنا، خدنا بعضينا وقررنا ننزل من الشقة، لكن حتى دي رفضوها وقفلوا الباب بالمفتاح، بعدها شوفت الطفل الصغير ظهر قدامي، كان مبتسم، وبصوت يرعب قالي:
-مش هتلعب معايا بقى؟
جري عليا وخدني من ايدي، بعدها أمي صرخت، وعمي كان واقف مش بيتحرك، بعدها مرات عمي هزت فيه يمكن يفوق من اللي هو فيه، أمّا اخويا الكبير فماستناش وجري ورايا من بعد أمي اللي ماسابتنيش غير غصب عنها، لإن الطفل لما دخلني أوضة من الأوض، الباب اتقفل ورانا، ولأنيكنت خايف، ماتكلمتش، كل اللي عملته اني اتكومت على الأرض وعيطت، ماهو طفل زيي في موقف زي ده هيعمل ايه غير العياط، لكن الوضع ماستمرش كتير، الطفل همس في ودني وقالي:
-خلي عمو خالد يرجّع اللي خدوا وهنسيبوا.
ماردتش عليه، ولا حتى بصيتله، أنا فضلت متكوم على الأرض زي مانا، لحد ما ايد شالتني وخرّجتني برة البيت، الايد دي كانت ايد ابويا، ومعنى انه وصل، يبقى انا قعدت كتير جوة الأوضة وماحستش، بس مش مهم، المهم اننا رجعنا بيتنا وسيبنا الشقة، لكن الشقة ماسابتناش، خاصة إن عمي مابقاش مظبوط، بقى بيصحى في نص الليل يصرخ، بيروح شُغله ومابيرجعش غير متأخر، حتى فيه ايام كده بيختفي وماحدش بيعرف عنه حاجة لحد ما يرجع، ولأن الوضع استمر فترة كبيرة، أبويا خد عمي لشيخ، قاله اللي حصل هناك وبالتفصيل، ومن غير دخول في تفاصيل، الشيخ قاله رجّع اللي خدته من الشقة، في البداية عمي أنكر، قاله انه ماخدش حاجة، لكن الشيخ أصر إنه أخد حاجة مهمة من هناك، وبعد كلام كتير، عمي اعترف، قاله انه أخد كوينز دهب من هناك، الكوينز دي فيها نقوش من اللي موجوده على الباب، وبمجرد ما رجعها البيت، رجع طبيعي، وماحصلش حاجة تاني، ايه القصة؟.. وايه سبب اللي حصل، ماحدش يعرف الشقة دي فيها ايه بالظبط، والباب ده بيودي على ايه، حتى عمي مابيحكيش اي حاجة بخصوص اللي حصل من ساعتها، وبس كده، دي تجربتي، وبعد 18 سنة بحكيهالك، بس انا بحكيها عشان هرجع الشقة، انا عايز اعرف السر هناك ايه بالظبط.
تمت بحمد الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى