

أنا طول عمري شايف نفسي راجل منطقي، بفكر بعقلي، بحل مشاكلي بالعقل وبالمنطق
شغلي كفني اتصالات خلاني متعود أتعامل مع الأعطال والمشاكل والحسابات، مش الأشباح والأصوات والصرخات اللي ملهاش تفسير.
بس اللي حصلي من ست سنين، في قرية كنت اتمني انسي أسمها “وادي الطين”، غير كل حاجة من ساعتها وأنا مش بيغمضلي جفن، كل يوم الأصوات بترجع، كأنها بتفتكرني.
كل ده بدأ باتصال من شركة كنت بشتغل معاهم أعمال متقطعة. طلبوا مني أطلع أشوف برج إرسال اتقطع عنه الإشارة، المفروض البرج ده في منطقة جبلية، قريبة من قرية مهجورة اسمها وادي الطين، والمكان بعيد جداً عن أي طريق ممهد، تلات ساعات مشي على رجلي في طريق ترابي.
المبلغ كان محترم، وقلت مش هتعدي غير كام ساعة شغل
ووافقت.
الطريق كان صعب والجو كان مايل للعاصفة، المطر بينزل علي وشي والبرد داخل في العضم
وصلت القرية، والجو فيها مش طبيعي
بيوت مبنية بالطين الني، كتير منها مهدود، والباقي واقف بالعافية. مفيش عيال بتلعب، مفيش صوت كلاب، مفيش أي روح.
اللي شوفته بس، ست عجوزة واقفة قدام باب نصه مفتوح، بتبصلي بنظرة فيها حاجة غريبة، كأنها عارفة إني داخل على كارثة.
رحت أسألها لو في مكان أنام فيه، قالتلي من غير ما تبصلي
– في أوضة فاضية في البيت اللي ورا، بس اوعى تفضل بعد نص الليل الأصوات بتصحى هنا في الوقت ده.
ضحكت في سري، وقلت خرافات أهل الجبال.
دخلت البيت اللي قالولي عليه
بيت واسع، بس مهجور، ريحته مريبة، والنور بيطفي ويولع لوحده من اللمبة اللي متعلقة في السقف
كنت حاسس بضيق في التنفس، كأن الهواء تقيل ومليان تراب.
نمت بدري، وظبطت المنبه على ٥ الصبح عشان ألحق أول ضوء الشمس وامشي.
بس الساعة ٢:١٢ بالظبط، صحيت على صوت همهمة …..
قولت يمكن حلم
لكن لما فتحت عيني، سمعتهم بوضوح، همسات .. مش بالعربي، ولا أي لغة سمعتها قبل كده.
كانوا أصوات تخينة خشنة، كأنه صوت بيطلع من جوه الحيطان.
قومت من السرير، وخرجت حافي علي أطراف صوابعي، كنت منور كشاف الموبايل
وهنا شوفت أول كابوس..!!!
جسم نحيف جداً، قاعد على الأرض قدام حيطة متشققة، شكله راجل قاعد، بس ملوش وش
جلده لونه رمادي خشن، زي ما يكون ميت بقاله سنين، وكان بيعض على حاجة مش باينة، كأنه بيأكلها.
جسمي اتشل، إيدي بتترعش والموبايل بيتهز
وأول ما الفلاش جه عليه، اختفى كأنه دخان.
بس الأصوات بقت أعلى.
رجعت أوضتي وجريت وقفلت الباب ورايا، وحطيت كرسي وراه عشان محدش يعرف يفتحه
مكنتش جبان بس تقدر تقول إن دي كانت غريزة بقاء، الأصوات بقت صريخ عالي، خطوات بتجري فوق السقف، حاجة بتخربش الشباك والباب وضحكة عيل صغير جايه من كل إتجاه.
الساعة ٣:٠٧ دقايق بالظبط، جالي اتصال على الموبايل
كان رقم غريب.
رديت.
صوت طفل صغير كأنه بيعيط قالي
– شوفت اللي في البير..!!؟
قفلت التليفون بسرعة، وقعدت على الأرض، مسكت راسي بإيديا، سديت وداني وعيطت.
الصبح أول ما نور الشمس دخل من الشباك، طلعت أجري ولا لمست البرج ولا استنيت الفلوس.
بعدها بسنين، عرفت إن البيت اللي نمت فيه زمان، كان دار أيتام قديم في وقت الحرب، وإن أكتر من ١٢ طفل اختفوا فيه، وإن البير اللي ورا البيت اتقفل بالأسمنت من سنين، ومحدش عايز يتكلم عنه.
دلوقتي كل ما بنام والنور مطفي الأصوات بترجع كأنهم عايشين وبيستنجدوا بيا
دايمًا الأصوات بتبدأ، الساعة ٢:١٢.
—النهاية