عرافة النيل
كنت ماشي في الشارع مهموم بعد ما اتخانقت انا وأمي، خناقة غريبة والسبب تافه بس المشكلة كبرت بدون داعي، اتمشيت لحد ما لقيت نفسي واقف على الكورنيش.. ااااه النيل هو الوحيد اللي بيقدر يهديني في الأوقات اللي زي دي، قعدت على دكة قدام النيل وريحت ضهري لورا وانا بفكر في اللي حصل بيني انا وأمي، مش عارف انا ازاي رديت عليها بالطريقة الصعبة دي؟.. ولا برضه قادر افهم هي ليه قالتلي كده؟.. اول مرة تكلمني بالطريقة دي!.. سرحت في اللي حصل وماخدتش بالي من اللي حواليا، لحد ما فجأة فوقت على صوت واحدة بتقول…
– مهموم والدنيا وخداك لبعيد.. لا عارف ترجع ولا قادر تكمل.
بصيت ناحية الصوت لقيت واحدة عجوزة قاعدة جنبي على الدكة لابسة عباية سودة وقدامها بؤجة صغيرة حاطتها عند رجليها، بصيتلها باستغراب وسألتها…
– انتِ مين؟
– عابرة سبيل.
– وايه اللي قعدك جنبي؟
– شوفتك محتاج قولت اعطيك.
– محتاج ايه؟!.. انا مش محتاج حاجة، وبعدين ايه اللي ممكن تدهوني يعني؟!
– يا ولدي كلنا محتاجين، بس باختلاف، وانت محتاج، محتاج اللي يوقف جنبك ويدلك على الطريق.
– طريق ايه؟
– اللي يوصلك لمرادك، واياك تسمع كلامها.
– كلام مين؟
– سارة بنت صالحة.
اول ما نطقت الاسم قومت وقفت بسرعة وانا ببصلها بفزع وبقولها بارتباك…
ابتسمت ابتسامة خفيفة قبل ما تهز دماغها وتقول…
– مش مهم، المهم اياك تسمعها كلامها.. هي مش رايدة تكون زين.
– يعني ايه مش رايدة اكون زين!.. سارة خطيبتي وأكيد بتتمنالي الخير.. هي يمكن.. يمكن تفكيرها يكون محدود شوية ومش قادرة تستوعب طموحي بس.. بس انا متأكد انها…
قاطعتني وهي بتهز دماغها بالنفي…
– بتكدب وعارف انك بتكدب، انت كنت بتفكر في اللي انا بقوله ده بس حبك لها مانعك عن الحقيقة، وانا قعدت جنبك عشان اقولك ان عقلك بيقولك الحقيقة واياك تمشي ورا قلبك وتسمع كلامها.
– وانتِ عرفتي كل ده ازاي؟
– قولتلك مش مهم، اقعد خليني اقولك على اللي بيحصل من ورا ضهرك.
كنت متردد اقعد ولا امشي، بس الفضول اللي جوايا ناحيتها خلاني اقعد جنبها تاني، وساعتها سألتها باهتمام…
– ايه اللي بيحصل؟
مدت ايدها ومسكت البؤجة وهي بتقولي…
– تعالى نقعد هناك، الدنيا هنا عتمة.
راحت ناحية دكة تحت عمود منور وبعدين قعدت، بصيت عليها قبل ما اقعد جنبها، فتحت البؤجة، وطلعت منديل قماش كبير، فرشته بيني وبينها على الدكة وبعدين خرجت شوية حصى وقواقع وحاجات من بتوع الدجالين، اتنهدت تنهيدة عميقة وهي بصة في المنديل قبل ما تقول بصوت واطي…
– منديلك كله دم، غادر ولا مغدور؟.. مش باين، لكن الدم كتير.
– يعني ايه الكلام ده؟
– اصبر يا وليدي.. اصبر.
سكتت شوية وهي بتهز دماغها وكأنها بتسمع حد وبعدين قالت…
– مين أسرار؟
– ايه؟.. انتِ بتقولي ايه؟.. ايه اللي عندك يخص أسرار؟
– طايلها الدم.
زعقت فيها بصوت عالي وانا بقف وبشد المنديل بايدي…
– دم ايه اللي طايلها!.. انتِ شاكلك ولية خرفانة وانا غلطان اني قعدت اسمع التخريف ده.
سيبتها عشان امشي بس لقيتها بتقول بصوت عالي…
– أسرار عندها حكاية ماحكيتهاش ليك.. ولا هتحكيهالك، بس لو حبيت تعرف اني ممكن اقولك.
وقفت مكاني لثواني وبعدين لفيت وشي ناحيتها وقولتلها…
– مش عايز اعرف حاجة، انتِ ست خرفانة، دجالة ومشعوذة وفاكرة اني هقعد اسمع منك الهبل ده.
مشيت بعدها وانا متعصب، بس بعد كام متر لفيت وشي لكن مالقتهاش، الدكة كانت فاضية، رجعت تاني ناحية الدكة اللي كانت قاعدة عليها وفعلًا ماكنتش موجودة، بصيت حواليا يمين وشمال وبصيت على الطريق الناحية التانية بس برضه ماكنش لها أثر، عيني جت ساعتها على ورقة واقعة تحت الدكة وطيت خدتها وكان عبارة عن كارت لمحل موبايلات، كنت هرمي الكارت لكن ماعرفش ليه احتفظت به؟.. خدت بعضي بعدها ومشيت، ركبت العربية والمفروض اني كنت مروح، بس لقتني بلف في الشوارع بلا هدف، كلامها بيدور في بدماغي خصوصًا جملة “أسرار عندها حكاية ماحكيتهاش ليك” ياترى حكاية ايه اللي ممكن تكون عمتي مخبياها عني؟.. وسارة.. ازاي سارة ممكن تضرني؟.. دي أكتر إنسانة طيبة انا شوفتها، كنت هتجنن، عشان كده لفيت وش العربية وروحت ناحية بيت عمتي، الساعة وقتها كانت 11 بالليل تقريبًا، ركنت العربية تحت البيت وطلعت، رنيت الجرس وساعتها اللي فتحت الباب هنا بنتها واللي تقريبًا من سني، ابتسمت أول ما شافتني وقالت…
– يادي النور، فهمي ابن خالي جاي بنفسه يزورنا!
– ازيك يا هنا؟.. عاملة ايه؟
– انا كويسة الحمدلله انت عامل ايه؟
– الحمدلله تمام.. عمتي صاحية؟
– اه صاحية، تعالى ادخل.
دخلت من باب الشقة وبكده يعتبر بقيت في الصالة لإن الشقة كلها أوضتين وصالة، شقة صغيرة جدًا وياما اتحايلت على عمتي اني اجيبلها شقة كبيرة تقعد فيها خصوصًا إننا والحمدلله مرتاحين ماديًا بشكل كبير، لكن دايمًا كانت بترفض وتقولي إن الشقة دي عندها بالدنيا وماينفعش تسيبها عشان هي اللي بتفكرها بجوزها عم فكري الله يرحمه، المهم، دخلت جوة لقيتها قاعدة في مكانها المعتاد على الكنبة اللي في وش التلفزيون، بصت لي ووشها بيضحك، وقالت بصوت فرحان…
– اهلًا بالغالي.. تعالى.
قربت منها وسلمت عليها وبعدين قعدت جنبها، بصتلي شوية وساعتها وشها اتغير وسألتني بقلق…
– مالك يا فهمي؟
ردت هنا بتريقة…
– تلاقيه مضايق عشان جاي المنطقة الشعبية دي، ماهو خلاص اللي عِلى عِلى.
– بس يابت يا هنا، فهمي عمره ما كان كده.. روحي اعملي الشاي اجري.
– حاضر يا اما.
دخلت هنا المطبخ ولفت عمتي وشها وعادت سؤالها تاني…
– مالك يابني؟
سكِت ثواني قبل ما أرفع راسي واقولها…
– ايه السر اللي مخبياه عني يا عمتي؟
– سر ايه؟
– ماعرفش وعشان كده بسألك، مخبية عني ايه؟
بان عليها الإرتباك ورجعت بضهرها في الكنبة وهي بتقول…
– وانا.. وانا هخبي عنك ايه يعني يا فهمي؟!.. هو احنا في حاجة عندنا بتستخبى!
– عمتي.. لو بجد بتحبيني قوليلي مخبية عني ايه؟
– يابني وانا هخبي عنك ايه؟!.. وليه أصلًا؟!.
– يعني مافيش حاجة حصلت زمان انا ماعرفهاش؟
– حاجة.. حاجة.. حاجة زي ايه؟
– انا اللي بسألك.
– لا مافيش ولو في هيكون ايه يعني؟!.
– ماشي ياعمتي.. وانا هصدقك.. تصبحي على خير.
قومت وقفت عشان امشي بس قبل ما اتحرك بصيت في عينيها لقيتها بصت في الأرض، اتحركت من مكاني ووقتها شوفت هنا واقفة ماسكة الصينية وبتبص علينا باستغراب، خرجت من البيت وركبت عربيتي وقررت اروح، في الطريق لقيت سارة بتتصل “اممم ياترى وراكي ايه انتِ كمان؟” مسكت التليفون ورديت…
– الو.. ازيك يافهمي.
سكِت ثواني فسألتني…
– الو.. فهمي انت سامعني؟
– ايوة يا سارة.. عاملة ايه؟
– انا تمام الحمدلله، في ايه مالك؟
– لا مافيش.. خير؟
– خير!.. ايه خير دي إن شاء الله؟!.. هو انا صاحبتك وبتصل بك اسألك على حاجة؟
– سارة انا قرفان ومش طايق نفسي ممكن تسيبيني دلوقتي وانا هبقى اكلمك الصبح لما ابقى كويس.
– مالك يا حبيبي؟
– مافيش بس معلش سيبيني لوحدي دلوقتي.
– يافهمي بس قولي ما….
– يا سارة انتِ عارفة لما بكون مضايق مابحبش اتكلم مع حد.. اقفلي دلوقتي.. ممكن؟.
– طيب.. طيب، اهدا بس ولما تصحى كلمني.
– حاضر.
– خلي بالك من نفسك.
– حاااااضر.
– مع السلامة.
قفلت السكة من غير ما ارد عليها السلام، ماعرفش انا ليه اتكلمت معاها بالطريقة دي؟!.. واضح كده إن كلام الست دي بدأ يأثر عليا، وصلت البيت وأول ما دخلت روحت ناحية أوضت أمي، خبطت على الباب وأول ما سمحتلي بالدخول دخلت…
– ازيك يا أمي؟
ماردتش عليا، مشيت لحد السرير وقربت منها، مسكت ايدها وبوستها وانا بقولها…
– انتِ لسه زعلانة مني؟
– وهو اللي انت قولته يعني بسيط؟!
– طب حقك عليا ماتزعليش، وبعدين ما انتِ برضه يا أمي قولتيلي كلام صعب أوي.
– انا أقول اللي انا عايزاه، لكن توقف ترد عليا بالمنظر ده!
– طب خلاص ماتزعليش وادي ياستي راسك ابوسها.
بوست راسها وساعتها طبطبت عليا وقالتلي…
– خلاص مش زعلانة، وانت كمان ماتزعلش مني.
– انا ماقدرش ازعل منك ياست الكل.
– اتعشيت؟
– لا مش جعان انا محتاج انام عشان عندي شغل الصبح بدري.
– طيب يا حبيبي.
– تصبحي على خير يا أمي.
– وانت من أهل الخير.
قومت من جنبها بس قبل ما أوصل لباب الأوضة قالت…
– عارف انا كنت قاعدة مستنياك، وكنت عارفة انك هتيجي تصالحني قبل ما تنام.. طول عمرك حنين عليا.
ابتسمت وانا بقولها…
– عشان انتِ كمان طول عمرك حنينة عليا، والحنية ماتتقابلش غير بالحنية.. تصبحي على خير.
قفلت الباب بس وقفت قدامه دقيقة وانا سرحان في كلامها، انا عمري ماحسبت تصرفاتي معاها، دايمًا بتعامل معاها بتلقائية شديدة ولأنها كانت حنينة عليا فعلًا فكل اللي جوايا ناحيتها الحب والتقدير، مشيت ناحية أوضتي، دخلت وغيرت هدومي وبعدها رميت نفسي على السرير، كنت حاسس بتعب اليوم كله، غمضت عيني ونمت في دقايق.
******
قومت من على السرير وفتحت الباب وخرجت، كنت معدي من قدام أوضة أمي لما سمعت صوت جاي من جوة، قربت ودني من الباب وساعتها سمعت صوت بيقول…
– انا ماليش دعوة، ماعملتش حاجة.
فتحت الباب بسرعة وساعتها شوفت واحدة واقفة قدام السرير ورافعة ايدها بسكينة، وأمي نايمة قدامها وبتحاول تمنعها، صرخت بصوت عالي…
– أمي.
في اللحظة دي الست لفت وشها وكانت.. كانت عمتي، اتسمرت في مكاني، بصتلي بغضب قبل ما تلف وشها وتنزل بالسكينة.
******
– أمي لااااااا.
قومت من النوم مفزوع، وحاسس اني بنهج…
– أمي.. أمي.. أمي لا.
نطيت من على السرير وجريت على أوضتها، فتحت الباب بهدوء وساعتها سمعت صوت أنفاسها واتأكدت انها لسه عايشة وان اللي شوفتها كان كابوس فظيع، دخلت المطبخ عشان اشرب، فتحت النور وروحت ناحية التلاجة، خرجت ازازة ماية بس وانا بشرب لمحت على الرخامة.. سكينة عليها دم، شرقت والماية والإزازة وقعت على الأرض، ماهتمتش بها وقربت من السكينة وانا بمسكها وبتفحصها، السكينة فعلًا كانت غرقانة دم، حطيتها وجريت على أوضة أمي تاني، فتحت النور المرة دي وقربت منها، ماكنتش سامع صوت أنفاسها، قربت أكتر، خبطت على كتفها…
– أمي.. يا أمي.
ماكنتش بترد، شديتها ناحيتي وساعتها لقيت.. لقيتها ميتة وهدومها غرقانة دم…
– أمي لا.. ماتسبينيش، قومي يا أمي.. قومي.
انهارت في العياط بس في اللحظة دي سمعت صوت خطوات ورايا وحد بيقرب مني، لفيت وشي شوفت عمتي، صدرها مليان دم، قربت مني وهي مبتسمة وقالت بصوت غريب…
– كان لازم تموت.
قومت وقفت وانا بمسح دموعي وجريت عليها وانا بصرخ بأعلى صوتي…
خبطت فيها ووقعنا احنا الاتنين على الأرض، بعدها قعدت فوقيها وخنقتها بايدي وانا بصرخ…
– انا هقتلك زي ما قتلتيها.. انا هقتلك.
كنت بخنقها بكل قوتي، وانا بكرر كلامي…
– انا هقتلك زي ما قتلتيها.. انا هقتلك زي ما قتلتيها.
******
– فهمي.. فوق يابني.
قومت من النوم على الصوت ده، لقيت أمي قاعدة جنبي على طرف السرير وبتضربني على وشي عشان افوق، أول ما شوفتها اترميت في حضنها وعيطت، حضنتني وهي بتطبطب عليا وبتسألني…
– انت شوفت ايه؟
– كابوس.. كابوس مرعب يا أمي.
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. طب اهدا ياحبيبي، انا جنبك اهو مافيش حاجة.
فضلت في حضنها شوية وبعد ما هديت، بصيت لها وانا بسألها…
– أمي هو في حاجة بينك وبين عمتي انا ماعرفهاش؟
بصتلي باستغراب…
– حاجة ايه؟
– أي حاجة.. أي حاجة ممكن تكوني نسيتي تقوليهالي.
– لا مافيش حاجة.
– هو ده له علاقة بالكابوس اللي شوفته؟
– لا لا، الكابوس كان حاجة تانية تخصني انا.
– طب قوم فوق كده وانا هدخل المطبخ اخلي نعمة تجهز الفطار.
خرجت أمي من الأوضة وراحت المطبخ زي ما قالت، وبالمناسبة نعمة دي تبقى ست في التلاتينات بتيجي تقعد مع أمي كل يوم تنضف الشقة وتشوف طلباتها وبتمشي بعد العشا على وقت رجوعي من الشغل، قومت دخلت الحمام خدت دش وكان الفطار جهز، فطرت بسرعة ونزلت روحت الشركة، اليوم كان روتيني ومافيش أي حاجة غريبة، وبعد ما خلصت شوية حاجات، قعدت في المكتب وسرحت في كل اللي حصل إمبارح من أول ما شوفت العرافة أو الدجالة دي لحد ما صحيت على الكابوس المفزع الصبح، في حاجة غلط بتحصل، انا بدأت أصدق كلام الست دي وان عمتي فعلًا مخبية عليا حاجة، ولا يمكن كلامها هو اللي كان السبب في اللي شوفته؟.. تليفوني رن وكانت سارة هي اللي بتتصل، يااه انا نسيتها خالص…
– الو.. ازيك ياسارة؟
– لسه فاكر انك تعرف واحدة اسمها سارة!
– انا اسف يا حبيبتي بس كنت مضغوط شوية امبارح وصحيت النهاردة على حوار كده في الشغل فكنت نازل مستعجل.. حقك عليا.
– ماشي ولا يهمك، المهم انت عامل ايه دلوقتي؟
– الحمدلله.. ايه اخبارك؟
– تمام، انا في الشغل دلوقتي وشوية وهروح.. تحب نتقابل النهاردة؟
– لا معلش مش هينفع النهاردة عشان عندي شغل كتير.
– تمام زي ماتحب.. انا هقفل عشان اكمل شغلي.
– ماشي سلام.
قفلت معاها وانا مضايق من نفسي جدًا مش عارف ايه سر التغيير اللي بيحصلي لما بسمع صوتها، بحس اني واحد تاني، اكيد الست دي لعبت في دماغي بكلامها، انا لازم اقابلها واعرف هي عايزة ايه، بس هقابلها ازاي؟.. انا ماعرفلهاش عنوان، الكارت، الكارت بتاع امبارح ممكن يكون وقع منها، مديت ايدي في جيبي، اه انا نسيته في جيب البنطلون اللي كنت لابسه امبارح، مسكت التليفون واتصلت بأمي…
– ايوة يا أمي.
– خير يافهمي؟
– بقولك يا أمي، البنطلون اللي كنت لابسه امبارح هتلاقي فيه كارت ممكن تقوليلي اللي مكتوب فيه؟
– طب ثانية واحدة خليك معايا.
– ماشي.
كنت سامعها وهي بتتحرك ناحية أوضتي، حتى انها استغلت الوقت وسألتني…
– عامل ايه دلوقتي؟
– الحمدلله أحسن.
– طب الحمدلله ياحبيبي.. بقولك يا نعمة هاتي بنطلون فهمي اللي عندك ده.
– حاضر يا حاجة.
سألتها باستغراب…
– هي نعمة بتعمل ايه في أوضتي؟
– بتنضفها يابني.. هتكون بتعمل ايه يعني؟
– يا أمي انا مش قولتلك قبل كده مابحبش حد يدخل أوضتي في غيابي.
– يا اخويا يعني فيها الدهب.
– خدي ياحاجة.
– شكرًا يا نعمة.
سكتت شوية فسألتها…
– ها يا أمي ايه اللي مكتوب فيه؟
– استنى يا فهمي انا مش لاقية حاجة.
– يعني ايه؟.. دوري كويس يا أمي.
– بدور اهو.. بس مافيش حاجة.
– مافيش حاجة ازاي؟!.. انا حاطه بايدي امبارح في جيب البنطلون.
– ماعرفش بقى لما تيجي ابقى شوفه بنفسك.
– طيب يا أمي سلام.
قفلت معاها وانا هتجنن، راح فين الكارت ده؟.. حاولت افتكر أي حاجة من اللي كانت مكتوبة لكن مافيش فايدة، مش فاكر أي كلمة شوفتها امبارح على الكارت، انا كده فقدت الست دي للأبد، لا لسه في أمل، انا ممكن أروح نفس المكان بالليل يمكن تظهر تاني، صح، أكيد هتظهر، طالما قابلتني هناك يبقى ده المكان اللي بتشتغل فيه، تلاقيها بتاكل عيش على قفا الحبيبة اللي بيقعدوا على الكورنيش، قررت اخلص شغل واطلع على هناك وده اللي حصل، حتى إني نزلت بدري عن ميعادي ومن الساعة سبعة كنت قاعد على الكورنيش، شوية بلف ادور عليها وشوية ارجع اقعد على نفس الدكة تاني.. لكن لحد الساعة 10 ماظهرتش، يأست وركبت عربيتي ورجعت البيت، أول ما دخلت لقيت أمي قاعدة وباين عليها القلق، جريت عليا وهي بتسألني…
– حبيبي انت كويس؟
– اه يا أمي، انا كويس مالك مخضوضة ليه؟
– اصل اتصلت بك كتير وانت ماردتش.
– اتصلتي بيا!
طلعت تليفوني وبصيت فيه لقيتها فعلًا متصلة بيا كتير، وسارة كمان كانت متصلة كتير، قولتلها…
– اسف يا أمي التليفون كان معمول صامت.. معلش قلقتك.
– لا ولا يهمك المهم انك بخير ياحبيبي.. انا هدخل احضرلك العشا.
– لا لا.. انا مش جعان.. انا هدخل ارتاح شوية.
– ماشي يا حبيبي.
سيبتها ودخلت الأوضة، دورت على البنطلون اللي كنت لابسه امبارح ولما لقيته قلبت فيه لكن الكارت ماكنش موجود، دورت في الأوضة كلها بس برضه مالقتوش، غيرت هدومي ومسكت التليفون عشان اكلم سارة، رنيت عليها مرة واتنين وتلاتة بس مابتردش عليا، أكيد زعلت عشان سيبتها الوقت ده كله من غير ما اكلمها، بعد الرنة ماخلصت لقيت في سجل المكالمات مكالمة من هنا، اتصلت بها…
– ايوة يا هنا.. معلش ماشوفتش المكالمة بتاعتك غير دلوقتي.
– لا ولا يهمك يابن خالي.
– عاملة ايه؟
– الحمدلله.
قالت الجملة دي وسكتت، فسألتها بإحراج…
– خير كان في ايه؟
– انت امبارح قولت لعمتك ايه بالظبط؟
– يعني قولتلها ايه؟
– انت من ساعة ما مشيت وهي مش على بعضها.
– مش على بعضها ازاي؟
– قاعدة ساكتة من ساعتها والغريبة بقى انها عمالة تعيط كل شوية.
– تعيط!
– اه تعيط، ممكن تقولي قولتلها ايه؟
– انا ما قولتلهاش حاجة.
– يعني هي بتعيط كده من نفسها؟!
– ماعرفش بس انا والله ما قولتلها حاجة.
– ماشي يابن خالي سلام.
قفلت السكة وسابتني في حيرتي، لبست هدومي تاني ونزلت من البيت وانا مقرر اروح لعمتي، أول ما وصلت هنا فتحت الباب، بصت لي باستغراب وقالت…
– فهمي!
– عمتي مالها؟
– ماعرفش.. اهي قاعدة جوة.
دخلت الشقة وانا ببص علىها لكن مالقتهاش، سألت هنا اللي قالتلي انها في أوضتها، روحت ناحية الأوضة وخبطت مرتين وبعدين فتحت الباب ودخلت، عمتي كانت قاعدة على السرير وبتحاول تمسح دموعها قبل ما اشوفها، قربت منها وقعدت على طرف السرير قدامها وسألتها…
– مالك يا عمتي؟
كانت بتبصلي وهي ساكتة لكن الدموع بتنزل من عينيها غصب عنها، سألتها تاني وتالت، وهي كل اللي بتعمله بتبصلي وبتعيط، قربت منها أكتر ومسحت دموعها من على خدها، وانا بقولها…
– احكيلي مالك.. مش انتِ دايمًا بتقوليلي اني ابنك اللي ماخلفتيهوش.
حطت ايديها الاتنين على وشي وهي بتعيط وبعدها خدتني في حضنها، حضتني حضن طويل أوي، وهي منهارة في العياط، ماكنتش فاهم تصرفاتها، بعدت عن حضنها وبصيت في عينيها وانا بقولها…
– مخبية عني ايه ياعمتي؟
سكتت ساعتها ورفعت وشها ناحية الحيطة اللي قدامها، بصيت على الحيطة وكان عليها صورتين، صورة ابويا وصورة جوز عمتي، بصتلها تاني وانا بسألها…
– الموضوع له علاقة بابويا صح؟
– فهمي لو بتحبني بلاش تقلب في الماضي يابني.
– ماضي ايه؟
– الماضي اللي انت راجع تدور عليه بعد 28 سنة.
– وايه بقى اللي حصل وقتها؟
– ماقدرش.. ماقدرش اقولك أي حاجة.
– ليه؟
– كده واسمع مني لو عايز تعيش مرتاح ماتدورش على اللي فات.
– وفكرك بعد ما اتاكدت ان فيه حاجة مخبينها عليا انا كده هرتاح!.
– ايوة ايه بقى اللي حصل؟
رجعت بضهرها لورا واتكلمت بنبرة حادة المرة دي…
– قولتلك ماتدورش في اللي فات.. عشان انت بس اللي هتتعب.
– ماشي ياعمتي، بس انا هدور ولو انتِ ماقولتليش انا هعرف بطريقتي.
نزلت من عندها وانا متأكد إن كلام العرافة صح، عمتي مخبية عني سر كبير، بس العرافة قالت ان فيه دم، يعني لو كل كلامها صح ده معناه ان في مصيبة هتحصل، بس ياترى ايه هي؟.. انا اتغابيت كان لازم اقعد واسمع كلامها للاخر واعرف الدم ده لمين، وايه اللي هيحصل، بدل ما انا مش فاهم حاجة كده، لازم أوصل للعرافة دي بأي شكل.. لازم، لقتني رايح بالعربية ناحية الكورنيش، فضلت قاعد حوالي ساعتين بس ماشوفتهاش، قومت عشان اركب العربية وعيني جت وقتها على عربية حمص، قربت منها وقولت بصوت عالي…
– سلاموا عليكوا.
رد عليا صاحب عربية الحمص…
– وعليكم السلام يا استاذ.
– لو سمحت واحد حمص وكتر الشطة.
– عينيا.
صب الكوباية وناولهالي، خدتها منه وبعدين بصيت حواليا وانا بقوله…
– الجو جميل النهاردة.
– اه فعلًا.
– بس غريبة الكورنيش فاضي النهاردة مع ان لسه بدري!
ضحك وهو بيقولي…
– بدري ايه يا استاذ الساعة داخلة على واحدة ونص.
– اه صح عندك حق، انا يمكن عشان بسهر فحاسس انه لسه بدري.
– اه شكلك من بتوع الليل واخره زي حالاتي.
ابتسمت وانا بقوله…
– اااه عشان كده انت تقريبًا الوحيد اللي لسه واقف على الكورنيش.
– لا مش انا لوحدي، فيه الواد كباكة بعدي بكام دكة والواد دقة بعده، احنا التلاتة بنمشي مع بعض اخر الليل، بس الباقيين من قبل 12 بيسلموا.
– اه لاحظت ده فعلًا، صحيح كان في واحدة قابلتني هنا مرة ومن ساعتها ماشوفتهاش تاني.. كنت عايز اسالك عليها.
– واحدة مين؟.. بتبيع ايه دي؟
– لا دي مابتبيعش، دي واحدة عرافة كده من اللي بيوشوشوا الودع والحاجات دي.. ست كبيرة في السن.
– اااااه انت قصدك على أم صبري.. لا دي تعبانة اديلها يومين.
– اممم طب ماتعرفش عنوانها؟
– لا عارفه طبعًا، بس انت عايز منها ايه؟
– ها، لا بس شكلها غلبان وكنت عايز يعني اساعدها بحاجة.
– اه والله من ناحية غلبانة فهي غلبانة.. انا هدلك على عنوانها.. عارف عطفة صدقي؟
– لا دي فين؟
– بص ياسيدي.
وصفلي العنوان بالتفصيل وكمان ادالي رقمه عشان لو توهت واحتاجت مساعدته ولا حاجة اكلمه، شكرته بعدها ومشيت وانا بفكر، ياترى أروح دلوقتي ولا استنى للصبح؟.. قررت استنى للصبح، روحت البيت ولما دخلت مالقتش أمي في الصالة، روحت ناحية أوضتها بس وانا على باب الأوضة سمعت صوت عياط، خبطت على الباب ودخلت، لقيتها نايمة، بصيت عليها باستغراب وقربت من السرير وانا بنده عليها…
– أمي انتِ نمتي؟
ماردتش عليا، خرجت من الأوضة وقفلت الباب، بس وقفت شوية قدام الباب لكن ماسمعتش صوت، قولت يمكن كان بيتهيألي ولا حاجة، غيرت هدومي وقعدت على السرير افكر في كلامي مع عمتي، الماضي اللي بتتكلم عنه ده يخصني انا بس ياترى هو ايه؟.. بتقول ان اللي حصل كله كان عشان اعيش مرتاح، ونظرتها لصورة ابويا، كانت نظرة عتاب، مش هرتاح غير لما اعرف ايه اللي حصل ياعمتي، فردت ضهري وحاولت انام.
******
الباب اتفتح بصيت ناحيته شوفت واحدة شكلها غريب، شعرها نازل على وشها ومغطيه كله، بتقرب مني ببطء، قومت من على السرير وانا بقولها بخوف…
– انتِ مين وعايزة مني ايه؟
ماردتش عليا وفضلت تقرب مني، وفجأة رفعت ايدها بسكينة، ونزلت بها ناحيتي، نطيت على السرير الناحية التانية، بصيت برعب على السكينة اللي غرزت في المرتبة وبعدها بصيت للست اللي لفت راسها ناحيتي قبل ما تطلع على السرير وتيجي عليا، رجعت لورا ببطء، نزلت من على السرير ومشيت ناحيتي، ماكنتش قادر اقوم اجري، كل اللي عملته اني فضلت ارجع بضهري لحد ما خبطت في الحيطة وفي اللحظة دي رفعت السكينة من تاني ونزلت بها على صدري.
******
قومت من النوم لقتني واقع على الأرض، اتنهدت وانا بحسس على جسمي “اعوذ بالله من الشيطان الرجيم” قومت من الأرض بس ساعتها.. ساعتها لقيت الملاية عليها آثار رجلين، كانت على السرير كله بنفس الحركة اللي اتحركت بها الست في الحلم، كنت واقف مصدوم من المنظر لما دخلت أمي عشان تصحيني كالعادة، فوقت على صوتها لما قالت…
– فهمي.. انت واقف كده ليه؟
بصيتلها وبعدين بصيت للسرير تاني، قربت مني وبصت على السرير وساعتها سألتني بفزع…
– ايه ده؟
– ما.. ماعرفش.. انا صحيت لقيت المنظر ده!
سكتت وماتكلمتش، بصيتلها وقولتلها بعصبية…
– انتوا مخبين عني ايه؟
رفعت حواجبها وقالت…
– احنا!.. احنا مين؟.. وهنخبي عنك ايه؟
– انتِ وعمتي مخبين عني حاجة.
– واحنا هنخبي عنك يعني!
– يعني انتِ كمان هتعملي زي عمتي، ماشي طالما مش عايزين تقولولي انا هعرف بطريقتي.
سيبتها وخرجت من الأوضة، بعد ربع ساعة كنت لبست هدومي ونزلت وانا مقرر أروح لأم صبري، وصلت للعطفة، وسالت عليها ناس دلوني على بيتها، أول ما وصلتله خبطت على الباب، كانت شقة في الدور الأرضي، خبطت تاني، وبعد ثواني سمعت صوتها جاي من جوة…
– ثواني يااللي بتخبط هي الدنيا طارت.
استنيتها لحد ما فتحت واول ما شافتني بصتلي باستغراب وهي بتدقق النظر فيا وبعدين سألتني…
– انت مين يابني؟
– انا فهمي، اللي قابلتيني على الكورنيش من يومين.
– يوووه انا بقابل على الكورنيش ناس ياما كل يوم.. هفتكر مين ولا مين.. المهم انت عايز ايه؟
– عايز اعرف الحكاية اللي عندك.
– حكاية ايه؟
– انتِ يومها قولتيلي إن عمتي أسرار مخبية عني حكاية محاكتهليش وانك ممكن تحكهالي.
– انا قولتلك كده؟!
– ايوة قولتيلي كده.. وقولتيلي كمان إن في فيه دم هيبدأ من عند أسرار.
– امممم، دول كلمتين باكل بهم عيش يابني، ماتصدقش كل اللي يتقالك.
– لا انا مصدقك، انتِ ماكنتيش تعرفيني ولا تعرفي أسرار ولا اسم سارة، كل اللي قولتيه حقيقي، وحتى لما واجهت عمتي اتأكدت انها مخبية عني حاجة بس مش هتقولها زي ما انتِ برضه قولتي يومها، وعشان كده جيتلك اعرف الحكاية.
بصتلي لثواني وبعدين سابتني ودخلت جوة، دخلت وراها بسرعة وقفلت الباب، قعدت على كنبة بلدي في وش الباب، قربت منها وقولتلها…
– قوليلي بقى ايه الحكاية؟
– يابني انا مش فاكرة اني قابلتك اصلًا، عايزني افتكر حكايتك!
– سهلة اضربي الودع تاني وقوليلي ايه الحكاية؟
– انا تعبانة زي ما انت شايف وبتكلم بالعافية.
– هديكي اللي انتِ عايزاه بس ارجوكِ عايز اعرف الحقيقة.
بصتلي شوية وبعدين اتنهدت…
– ماشي انا هعرفك اللي عايز تعرفه.
قامت من مكانها ودخلت أوضة صغيرة جابت منها شوية حاجات وبعدين رجعت قعدت على الأرض، وطلبت مني اقعد قدامها، كان بيني وبينها ترابيزة صغيرة عليها رمل كتير، حطت الحاجات دي بترتيب معين وبعدها قالتلي…
– ماتتكلمش قبل ما اخلص.. فاهم.
– فاهم.
بصت في الرمل شوية وبعدين رفعت راسها بسرعة وسألتني…
– صادق.
– ابويا!.. ماله؟
هزت راسها وهي بتقول بتنهيدة…
– هييييح ابوك.
رحعت تاني تبص في الرمل وبدأت تسمي الحجارة اللي محطوطة قدامها كل واحدة باسم، اسرار، صادق، سارة، حتى أمي يسرية، بعدها رتبتهم بعيد عن بعض وسكتت، مافيش ثواني والحجارة بدأت تتحرك لوحدها، كنت مذهول من اللي بيحصل، اما هي فكانت قاعدة بتتفرج على الحجارة وكإنها بتشوف فيلم قدامها على الشاشة، وفجأة الحجارة اللي كانت باسم سارة بدأت تتحرك بعشوائية شديدة وتلخبط في الرمل، كانت بتتحرك كإنها بترسم حاجة، وبعد ما وقفت أم صبري شهقت شهقة عالية ورفعت راسها بسرعة وكإن حد ضربها بعدها وقعت على الأرض، بصيتلها بفزع عينيها كانت مقلوبة ولونها أبيض، بصيت على الرمل وساعتها شوفت قدامي نجمة داوود، حسيت بالرعب، قومت قربت من أم صبري وحاولت افوقها، كانت بتتنفض…
– أم صبري.. فوقي يا أم صبري.
– شيطانة.. شيطانة.
– هي مين يا أم صبري؟
– شيطانة.. شيطا…
سكتت قبل ما تكمل الكلمة، حطيت ايدي على رقبتها مالقتش نبض، بلعت ريقي بصعوبة وبعدين بصيت على باب الشقة وبسرعة قومت خرجت وقفلت الباب ورايا، أول ما خرجت من العطفة جريت على العربية ومشيت بسرعة، كنت حاسس إن قلبي هيوقف، تليفوني رن وقتها، بصيت على الشاشة لقيت أمي هي اللي بتتصل، ماردتش، بعد دقايق لقيت تليفوني بيرن تاني والمرة دي كانت سارة، حسيت بخوف أكتر وعشان كده ماردتش، بس كانت بترن بشكل متواصل، وقفت العربية على جنب وحاولت اخد نفسي قبل ما ارد، وبعدين فتحت الخط…
– ايوة يا سارة.
– ليه مابتردش على ماما!.. الأولاد الشُطار مابيعملوش كده.
الدم نشف في عروقي وحسيت الدنيا كلها بتلف بيا، سالتها بارتباك…
ضحكت ضحكة عالية وبعدها قفلت السكة، اتصلت بأمي بسرعة وانا بتحرك بالعربية ناحية البيت، ماكنتش بترد، اتصلت مرة واتنين وعشرة، بس برضه مابتردش، أول ما وصلت طلعت جري على الشقة، فتحت الباب ودخلت على أوضتها، لاقيتها نايمة في السرير، قربت منها…
– أمي.. أمي.
ماكنتش بترد عليا، هزيتها جامد بس للأسف كانت ماتت، في اللحظة دي سمعت صوت تليفونها بيرن، كان على الكومودينو جنبها، مسكت التليفون ولاحظت جنبه كوباية فاضيو وشريط دوا، بصيت على الشاشة وكان رقم غريب…
– ايوة.
– البقاء لله.. بس هي تستاهل.
– انا هقتلك، لو اخر يوم في عمري هقتلك.
– اهدا بس وماتستعجلش عشان عمتك ماتحصلش أمك.. تجيب بعضك وتيجي الشقة عندي دلوقتي وعشان لو شيطانك وزك تعمل حاجة كده ولا كده ابقى اتفرج على الفيديو اللي هبعتهولك دلوقتي.
قفلت السكة وبعد ثواني جالي فيديو على تليفوني، فتحته وساعتها شوفت نفسي وانا خارج من بيت أم صبري وبتلفت حواليا، ماكنتش قادر اتحرك، أمي ميتة قدامي على السرير وانا هلبس جريمة قتل، وعمتي هي كمان هتموت، ماكنتش عارف افكر في أي حاجة، كل اللي عملته اني نزلت عشان أروحلها زي ماقالت، وانا مش عارف هعمل معاها ايه، وصلت قدام الباب الشقة ورنيت الجرس، اتفاجئت بشاب طول بعرض وشكله بلطجي بيفتحلي الباب، بصيتله باستغراب قبل ما يقولي…
– ادخل يا حمادة انت لسه هتستغرب!
دخلت وراه، وجوة لقيت عمتي متربطة وعلى بوقها شريط لزق، وسارة واقفة جنبها، وقدامها شاب تاني قصير ونحيف، ابتسمت سارة في وشي وهي بتقول…
– ادخل اقعد.
جريت عليها زي المجنون بس في نفس اللحظة مسكني الشاب اللي فتحلي الباب ورفعني لفوق وهو بيقولي…
– اهدا عشان ماتحصلش الغالية.
حاولت اقاومه لكن كان أقوى مني بكتير، قرب من كرسي موجود قدام عمتي ورماني عليه ووقف قدامي، كان الشاب التاني جاب حبل وبدأ يربطني في الكرسي، بصيت لسارة وانا بقولها بغيظ…
– انتِ عايزة مننا ايه؟
بصت سارة لعمتي اللي كانت بتبصلي وهي بتعيط بصوت مكتوم، وبعدين قالتلها…
في اللحظة دي شالت اللزقة من على بوق عمتي اللي صرخت من الألم، وبعدها قالت سارة…
– احكي لفهمي ايه اللي حصل يومها.
سكتت عمتي وهي بتبصلها بخوف فهزت سارة دماغها فاشارة لها انها تتكلم، بصتلي عمتي وقالت…
– يوم ولادتك، كانت أمك بتولد في أوضة العمليات جوة وابوك واقف على اعصابه بره، حالة أمك كانت صعبة والدكتور قال احتمال ماتخرجش من أوضة العمليات، وبعد وقت طويل خرج الدكتور وقال إن الولادة تمت لكن حالة امك كانت صعبة وعشان كده اضطر يشيل الرحم ومش هتخلف تاني، ابوك ساعتها قاله مش مهم المهم انها بخير والولد بخير، الدكتور قاله هي الحمدلله بخير بس هي بنت مش ولد، الكلمة هزت ابوك وصرخ يعني ايه بنت مش ولد؟.. رد عليه الدكتور وقاله إن ده قضاء ربنا وسابه ومشي، بعدها قعد على الكرسي ساكت مابينطقش قربت منه وحاولت اطيب خاطره…
– وماله يا اخويا بنت بنت كل اللي يجيبه ربنا كويس.
– وماله يعني ايه يا اسرار؟!.. دي بنت وكمان هتبقى الحيلة، انتِ عارفة ده معناه ايه؟
– ولا اي حاجة وبعدين ياما البنات بيطلعوا أحسن من الصبيان.. سيبها لله.
– لا انا مش هينفع يكون عندي بنت، انا عايز واد، هتسند على مين في شدتي يا اسرار؟.. مين اللي هيشيل الشيلة من بعدي؟
– يا اخويا بعد الشر ماتقولش كده.. صدقني…
– لا يا أسرار مش هينفع.
– هتعمل ايه يعني!.. ما خلاص البنت جت، ولو عايز واد اتجوز تاني وهات الواد اللي نفسك فيه.
– لا مش هتجوز على يسرية، انا عارف هعمل ايه.
سابني بعدها ومشي حتى ماردش عليا وانا بنده عليه، وبعد ساعة لقيته راجع ودخل الاوضة اللي كانت فيها أمك، وسألني…
– هي عاملة ايه دلوقتي؟
– لسه مافاقتش.. انت كنت فين؟
– كنت بجيب الواد.
– واد مين؟
– ابني.
– ابنك ازاي يعني مش فاهمة؟
– لما يجي دلوقتي هتشوفيه.
– انت بتقول ايه يا صادق.. اشوف مين؟.. وبنتك فين؟
– انا ماعنديش بنات.. انا جيبت واد واسمه فهمي.
– ايه اللي انت بتقوله ده؟!
– اللي سمعتيه يا أسرار والموضوع ده لو اتفتح تاني هيبقى ليا تصرف مش هيعجبك.
ماكنتش قادرة استوعب اللي بيقوله، بس بعد شوية لقيت ممرضة جاية وعلى ايديها عيل صغير، خده منها ابوك وبصلها وهو بيضحك وقالها…
– موتشكرين يا ست الحكيمة، عقبال عندك إن شاء الله.
– تسلم ياعم صادق بس ما تبقاش تنسى تعدي عليا عشان عايزاك.
– عينيا حاضر.
خرجت الممرضة، وصادق شايلك وفرحان بك، بصيتله وسألته بزعيق…
– ابن مين ده يا صادق؟
– ابني.
– بسألك ابن مين ده يا صادق؟
نفخ في الهوا قبل ما يرفع عينه من عليك ويقولي…
– ابن واحدة ولدت من ساعتين.. خدت البت وفوقيها قرشين كمان.
– يانهارك اسود.. انت ازاي تعمل في بنتك كده؟
– هو انا رميتها في الشارع ماهي عند ناس كُمل وهيربوها كويس، وبعدين دي عندها أخين زي العسل.
– انت ايه يا جدع؟.. جيبت قسوة القلب دي منين؟
– من الزمن يا أسرار، الزمن اللي مش هقدر اقف في وشه لوحدي ويبقى على اكتافي حمل بت كمان، الزمن اللي مابيرحمش اللي بيوقف بطوله.. عشان كده فهمي لازم يكبر في حضني ويقف معايا كتفه في كتفي ويده في يدي قصاد الزمن.
– انا مش عارفة اقولك ايه؟
– ماتقوليش حاجة أحسن.
– طب والبنية اللي نايمة دي هتقولها ايه لما تسأل على بتها؟
– هقولها الحقيقة.. واللي هتفتح بوقها فيكوا عارفة هيحصلها ايه.
أمك فاقت بعدها وفعلًا سالت، ابوك قالها الحقيقة، اتصدمت زي ما انا اتصدمت بالظبط، بس قالها نفس الكلام، وماكنش في ايديها غير انها تبكي، بكت كتير، وقعدت ايام رافضة تقرب منك، وانا اللي كنت برضعك بدالها، لحد ما في الآخر قلبها رق وبدت تقرب منك، وواحدة واحدة بدت تحبك، لحد مابقت روحها فيك، ساعتها ابوك فكرني وقالي…
– شوفتي بقى اني كان عندي حق.
– لا ماشوفتش يا صادق.. وبكرة هيجي اليوم اللي الحقيقة تبان فيه.. ربك مابينساش يا اخويا.
– ربنا عالم اني عملت كده غصب عني.
اللي زود حبه فيك انك كنت وش السعد عليه، بدأ يكبر والفلوس تجري في ايديه، وافتكر إن السر اندفن مع الأيام، لحد ما قابل الحقيقة بنفسه.
******
كنت قاعد بسمع كلامها وانا مصدوم من اللي بتقوله، ولما سكتت زعقت فيها…
– كملي.. كملي يا عمتي.. قصدي يا أسرار.
بصتلي والدموع في عينيها، بس اللي اتكلمت كانت سارة…
– الحقيقة اللي قابلها كانت انا، قبل ما أمي تموت قالتلي كل حاجة، وانها باعتك لصادق قصاد شوية فلوس، كان تفكيرها ساعتها انها كده كده معاها عيلين سلامة وعبده.
شاورت سارة وقتها على الشابين اللي كانوا واقفين قصادي وبعدها كملت كلامها…
– لما عرفت الحقيقة كنت مصدومة زيك كده بالظبط، ماكنتش متخيلة إن في أب وأم ممكن يرموا عيالهم بالبساطة دي، وبعد ما ماتت أمي بشهور روحت لصادق، واجهته، ماكنتش عايزة منه أي حاجة غير إني أحس ولو لمرة إن ليا أب خصوصًا إني ماعيشتش الإحساس ده لإن أبوك الحقيقي مات قبل ما يبدلونا بشهور، وده كان سبب أساسي إن أمي توافق على البدل وتاخد الفلوس، روحتله وقولتله انا بنتك اللي رميتها زمان، بص لي باستغراب وقالي…
– انا عمري ما كان عندي بنات، اجري يا شاطرة شوفي حد غيري تضحكي عليه.
– انا مش جاية عايزة منك حاجة غير انك تبقى ابويا، مش عايزة فلوسك.. انا محتاجة سندك.
– قولتلك اجري شوفي حد تاني ترمي بلاكي عليه.
رديت عليه والدموع في عينيا…
– انت عارف اني بنتك، واني مش برمي بلاية عليك، بتعمل كده ليه؟.. انا جاية وانا مسمحاك على اللي عملته زمان وكل اللي بتمناه اني اترمي في حضنك واحس بحنيتك عليا.
لف وشه الناحية التانية وماردش عليا، سيبته وخرجت من عنده وانا حاسة بكسرة النفس ووجع يمكن ماحستش به لما عرفت الحقيقة اول مرة، ساعتها حسيت اني بنت شوارع.. وكرهته وحلفت ادفعه التمن هو وكل اللي عملوا فيا كده وانت معاهم.
قاطعت اسرار كلام سارة وقالت…
– يومها جالي بعد ماهي مشيت وكان وشه متغير وأول ما سألته مالك؟.. لقيته بيتنفض وهو بيحاول يمسك الدموع في عينيه وقالي…
– شوفتها النهاردة يا أسرار.
– هي مين دي؟
– بتي.
– بتك؟!
– كبرت وبقت عروسة زي القمر، كان نفسي أخدها في حضني بس ماقدرتش، ماقدرتش يا أسرار.
– ماقدرتش يعني ايه؟.. ربنا بعتلك الفرصة لغاية عندك عشان تعوض اللي عملته زمان تقوم تضيعها من يدك!
– لو رجعت الماضي هخسر الحاضر والمستقبل يا أسرار، لو البت رجِعت كل اللي عملته السنين اللي فاتت هيروح على الأرض، فهمي هيضيع مني ووراه أمه اللي بقت متعلقة به زي روحها.. عرفتي ليه ماقدرتش.
– عرفت وخايفة عليك.
– خايفة عليا من ايه ياختي؟
– من عقاب ربنا، انت ظالم يا صادق.. ظالم.
بصت بعدها لسارة وكملت كلامها وقالت…
– دور عليكِ كتير بعدها ولما مالقكيش مرض من الهم والخوف ومات بهمه.
ردت عليها سارة…
– كان أسعد يوم في حياتي لما عرفت إنه مات.. عارفة يومها عملت ايه زغردت وسجدت لربنا وانا بشكره انه جابلي حقي منه، بس بعدها قررت إن أهد كل اللي رماني عشانه زمان واستغليت إن ماحدش فيكوا يعرفني وقربت من فهمي وفي ايام كان وقع في حبي، وطبعًا ده بسبب اللي عملتهوله.
بصتلي ساعتها وقالت بسخرية…
– أصل انا كنت ناوية اجننك واخليك زي الخاتم في صباعي وبعدها اخد حقي من امك وعمتك بس أم صبري بوظت كل حاجة لما قابلتك يومها وخلتك تاخد بالك.. ولما لاقيتك رايحلها حاولت امنعها تعرفك الحقيقة، وحصل اللي شوفته عندها، بالمناسبة هي ماماتتش، هي بس اتخضت من اللي شافته.. بس بعدها الترتيبات اتغيرت وكان لازم كل حاجة تخلص بسرعة.
– لا مش أمي، الأم هي اللي ربت يافهمي، واللي ماتت ماربتنيش، دي رمتني عشان تربيك انت.. ودلوقتي مابقاش فاضل غيرك انت وأسرار جِه الدور عليكوا عشان تدفعوا تمن اللي عيشت فيه سنين بسببكوا.
اتكلمت اسرار وقتها…
– فهمي ماعملش حاجة، انا وصادق ويسرية السبب في كل اللي حصل.
– لا فهمي هو اساس كل حاجة.
اتكلمت انا ساعتها…
– انا مستعد اتنازلك عن كل حاجة بس سيبي عمتي وماتأذيهاش.
ضحكت ضحكة عالية قبل ماتقول…
– انت فاكر إني عملت كل ده عشان الفلوس؟!.. انا عملت ده عشان أوصل لهنا يا فهمي، كل واحد كان سبب إن عمري يضيع السنين اللي فاتت واني اعيش حياتي بالمنظر ده، لازم يدفع التمن من عمره زي مادفعته من عمري.
في اللحظة دي الباب خبط بعنف، بصت سارة لاخوتها الاتنين وقالت…
– في ايه؟.
ضحكت وانا بقولها…
– دول ضيوف جايين يطمنوا عليكوا.
الباب اتكسر ودخلت الشرطة واتقبض على سارة واخواتها الاتنين سلامة وعبده، اللي هم في الحقيقة إخواتي انا، وطبعًا بالإعتراف اللي سجلته لسارة، اتحكم عليها بالإعدام بتهمة قتل أمي اللي هي في الحقيقة أمها، وعلى إخواتها كل واحد فيهم ب15 سنة لإشتراكهم في الجريمة وكمان خطفي انا وأسرار، أسرار اللي رجعتلها كل ثروة صادق بعد ماتم إثبات إني مش ابنه، لكنها رفضت تاخد الفلوس واتبرعت بها كلها لدار أيتام.. اما انا فسيبت البيت ومشيت وبدأت حياة جديدة في مكان ماحدش يعرفني فيه مكان مافيهوش هم ولا مشاكل ولا حتى أم صبري عرافة النيل.
تمت.