
عماد المنجد نورا حسين جاب الله
تجارب مستمعين
حاسس ان فى حاجة مراقبانى منين ما أروح، بقيت كاره الورشة ومش طايق الشغل، مش عارف ايه سبب الخنقة اللى انا فيها دى، وياريتها تيجى على عدم الراحة وبس، لكن دة كل حاجة حواليا بقت غريبة، يمكن بهلوس ولا كبرت وخرفت، بس حتى لو العيب فيا والمفروض أروح لدكتور يساعدنى، ليه ابنى هو كمان يشوف؟
كدة فيه حاجة غلط، فيه حاجة بتحصل معايا بس ملهاش تفسير، او يمكن تفسيرها أكبر من ان يقبله العقل، مش عارف!
المهم ان من ساعة ما قبلت ان الشغل دة يدخل ورشتى، وانا مش مرتاح…
***********************
كنت قاعد على كرسى قدام الورشة بتاعتى، فى ايدى كوباية الشاى وقرصة بسمسم سُخنة، مكنتش لاقى حاجة اعملها، لإن بقالى اسبوع كامل مجاليش شغل جديد، الناس بقت تستسهل دلوقتى وبتروح تشترى الحاجة جاهزة، وقليل أوى لما تلاقى حد عاوز يجدد الفرش بتاعه، بعد شوية لقيت عربية نص نقل صغيرة وقفت قدامى، ونزل منها اتنين رجالة وهما بيتلفتوا حواليهم، وبعد ما واحد فيهم شافنى قاعد، قرب ناحيتى وقال:
_ السلام عليكم، انت الاسطى عماد؟
_ وعليكم السلام ورحمة الله، ايوة انا اؤمر!
_ معانا صالون عاوزينك تجددهولنا، بس عاوزينه نفس الألوان بالظبط، يعنى لو تقدر تلاقى نفس القماشة يبقى كتر خيرك.
سيبت اللى فى ايدى وقومت قربت من العربية، ومديت ايديا الاتنين اقلب فى الحاجة، ساعتها الراجل دة قالى:
_ هو قديم شويتين، بس خامته أصيلة، الحاجة مكنتش عاوزة تغيروا والله، أقنعناها بالعافية.
_ ماشى بس دة هياخد وقت كبير، لإن بص كدة، السوست كلها بايظة، يعنى محتاج شغل.
_ مفيش مشكلة يا اسطى، خد وقتك، ومعلش هو ريحته مغيرة شوية من الركنة بس.
_لا متقلقش انا واخد على كدة، دة شغلى، سيبلى بس رقم تليفون أقدر أوصلك فيه، وعاوز أسألك بالنسبة للتكلفة أتابع مع حضرتك ولا إيه النظام؟
_ لأ لأ، اعمل كل اللى يلزمك ومفيش مشكلة خالص.
_ تمام ياباشا اتفقنا.
بدأنا ننزل الصالون من على العربية، واللى لاحظته ان فعلا ريحته كانت وحشة أوى، وفى نفس الوقت كان تقيل، مش تقيل فى الوزن، لأ.. دة كان تقيل على القلب، عارف انت الحاجة اللى تشوفها فتتقفل منها من قبل حتى ما تبدأ تعملها، أهو دة كان احساسى بالظبط أول ما لمست كرسى من كراسى الصالون، وبعد شوية كنا نزلناه كله ودخلناه الورشة، واخدت من الراجل رقم تليفونه واسمه وعنوانه، واتفقت معاه انى بمجرد ما الشغل يخلص هتصل بيه أبلغه، وبعد ما خلصنا كلامنا ركبوا العربية اللى جم فيها ومشيوا، وفضلت أنا واقف قدام طقم الصالون وانا بفكر هبدأ منين!!
وقررت انى هبدأ بالكراسى الأول، وهخلى الكنبة للآخر عشان هتاخد شغل أكتر، وفعلا مسكت أول كرسى وشديته على جنب، وقعدت عالأرض قدامه ومعايا العدة بتاعتى عشان أفك الفرش، كل حاجة كانت ماشية كويس، بس بعد ما شيلت المسامير وبدأت أشيل القماش، لقيت النور قطع والورشة ضلمت، نفخت وانا متضايق، وقومت أخدت التليفون بتاعى وشغلت كشافه قريب منى عشان أعرف اشتغل، وعلى نور الكشاف شيلت القماشة خالص ورميتها بعيد، الريحة كانت فظيعة، كأنى فتحت قبر مش كرسى صالون، لفيت وشى وانا بكح جامد وبحاول آخد نفس بعيد عن الريحة دى، بس ساعتها سمعت صوت خروشة غريب موجود معايا فى الورشة، كتمت نفسى وسيبت اللى فى ايدى وانا بركز فى الصوت، قلقت ليكون فار دخل ودى تبقى مصيبة، لأنه لو فار أو عرسة هياكل كل حاجة موجودة وهيبوظ الدنيا، بس الصوت وقف فجأة ومقدرتش أعرف جاى منين، فكملت شغل تانى وانا بدعى ربنا يسترها معايا، بس بمجرد ما لمست الكرسى لقيت الصوت رجع تانى، فاضطريت أسيب اللى فى ايدى واقوم ألف فى المكان، فتشت فى كل حتة والصوت شغال، كان بيتنقل من حتة لحتة وانا مش عارف أوصله، ولما فاض بيا وتعبت، ولقيت كمان ان الساعة داخلة على خامسة، قولت أروح اتغدى الاول وبعد كدة أرجع اكمل، قفلت الورشة وخدت بعضى وروحت عالبيت، خبطت عالباب خبطتين وسمعت صوت مروان ابنى وهو جاى جرى عشان يفتحلى، وانا اول ما الباب اتفتح شيلته واخدته بالحضن ودخلت بيه جوة، ومع دخولى لقيت سميحة مراتى واقفة فى نص الصالة ووشها مخطوف، فسألتها وانا مستغرب:
_ ايه ياسميحة مالك واقفة كدة ليه؟
_ انت كنت فين؟
_ كنت فين ازاى يعنى؟ فى الورشة طبعا، ايه السؤال الغريب دة!
_ اومال مبتردش على تليفونك ليه؟ انا كلمتك كتير.
_ مبردش ايه؟ انا مسيبتش التليفون من ايدى، ومجانيش منك لا رنات ولا رسايل.
_ بقولك اتصلت يجى عشرين مرة، شوف تليفونك وانت تتأكد.
طلعت التليفون من جيبى وبصيت فيه، لقيت عالشاشة 20 رنة من مراتى، امتى وازاى دة حصل مكنتش عارف، ولما قلبت فى التليفون يمكن اكون عملته صامت وانا مش واخد بالى، اتفاجأت ان الصوت مفتوح عادى وكل حاجة سليمة، كانت حاجة غريبة بس انا لميت الموضوع واعتذرتلها، عشان محبتش احيرها معايا واشغلها بحاجة زى دى، وانا كمان مركزتش أوى وقعدت اتغديت معاهم، بس واحنا قاعدين بناكل فجأة حسيت ان فى حد ورايا، ونفس تقيل وسخن وصل لرقبتى، اتفزعت ورميت المعلقة من ايدى، ولفيت ابص ورايا بسرعة وانا مخضوض، ومع لفتى لقيت سميحة هى كمان اتخضت وقالتلى:
_ فى ايه؟ اتخضيت ليه كدة؟
_ مش عارف حسيت ان فى حد ورايا.
_ حد مين؟ هو احنا بيجيلنا حد! كل كويس بقى عشان تعرف تشتغل، وانت يا مروان كل كويس عشان تكبر وتبقى شاطر زى أبوك.
فضلت تهزر مع الولد، وانا مسكت معلقتى تانى عشان اكمل أكل، بس عينى جات على كوباية المياة اللى محطوطة قدامنا، ومش عارف ازاى لمحت انعكاسى فيها، الصورة مكنتش واضحة، لكن شوفت وشى عليها، وكانت ملامحه كلها مشووهة وكأنه اتحرق بالكامل، مكنش فيه أى حتة سليمة، فى اللحظة دى اتحركت برعب وانا برجع لورا بعيد عن الكوباية، قلبى كان بيدق بسرعة وحسيت انه هيقف، ومن كتر الخوف والقلق اللى كنت فيه، قومت جريت عالحمام وحطيت راسى تحت الحنفية، كنت عاوز أفوق من الكابوس دة، ايه اللى بيحصل؟ انا بخرف ولا ايه؟
لما خلصت اللى بعمله وخرجت برة الحمام، لقيت مروان واقف عالباب مستنينى، سألته وانا بحاول اتماسك قدامه ومبينش حاجة من اللى انا حاسس بيها:
_ مالك يامروان؟ واقف كدة ليه ياحبيبى؟
_ بابا انا كنت شايف حد واقف وراك.
_ حد مين؟ لا ياحبيبى متخافش مفيش حاجة، دة انا كنت بعمل مقلب فى ماما بس عشان أخوفها، بهزر معاها يعنى، بس تعرف، انا غلطان على فكرة دة هزار تقيل اوى ومينفعش ان حد يعمله فى حد تانى.
_ يابابا انا مش صغير عشان تخبى عليا، ثم انى والله شوفت حد واقف وراك فعلا.
_ حد مين بس يامروان؟
_ مش عارف، كان زى خيال كدة واقف وراك، وانا كنت لسه هقولك، لقيتك انت حسيت ولفيت تبص وراك، ساعتها الخيال دة اختفى.
سكت شوية وانا مش عارف أرد اقوله ايه، اللى بيحصل حقيقى والولد شاف حاجة فعلا؟ ولا عشان الكلمتين اللى اتقالوا قدامه ألف القصة دى؟ ما الاطفال خيالهم واسع وياما بيألفوا..
قصرت فى الكلام عشان مكبرهاش فى دماغه، وقولتله وانا بطبطب على كتفه:
_ طيب يامروان انا مش عاوزك تفكر فى أى حاجة من دى، يمكن الشباك اللى فى الصالة كان عامل خيال، يالا ادخل انت خلص الواجبات اللى وراك وانا اما ارجع من الورشة بالليل هبقى أقعد معاك ونتكلم.
_ حاضر يابابا.
مروان سابنى وراح يشوف مذاكرته، وانا أخدت بعضى ورجعت تانى عالورشة عشان أكمل شغل، بس اول ما وصلت هناك وقبل ما أفتح الباب، شميت ريحة بشعة طالعة من جوة، مكنتش ريحة الصالون اللى شميتها لما اشتغلت فيه، دى كانت اوحش منها بكتير، وقفت أبص حواليا يمكن حد رامى زبالة ولا مجارى ضربت فى الشارع، بس ملقيتش حاجة، الريحة كانت طالعة فعلا من جوة ورشتى، طلعت المفتاح وفتحت الباب بالراحة وانا كاتم نفسى، ومع أول خطوة ليا جوة اتصدمت من اللى شوفته، الورشة كانت مقلوبة على بعضها، زى ما يكون حد كان موجود فيها ومخلاش أى حاجة فى مكانها، حتى الكرسى اللى كنت بشتغل فيه كان مقلوب، رغم انى كنت سايبه فى ركن ومعدول، عقلى اتشل وانا بحاول أعرف كل دة حصل ازاى وانا قافل الورشة بالقفل، يعنى دة لو حرامى هيسرق ايه؟
ولو داخل يسرق حاجة هيطلع ويقفل الباب وراه بالقفل تانى؟
قطع أفكارى صوت الواد سيد اللى شغال فى القهوة اللى جنب الورشة، كان بيسقف بإيديه الاتنين عشان ينبهنى انه جاى وهو بيقول:
_ يا عم عماد.
_ تعالى ياسيد انا هنا.
_ هو انت لسه راجع دلوقتى؟
_ ايوة لسه فاتح حالا أهو، ليه فى حاجة؟
قرب منى وهو بيلف بعينه جوة الورشة بقلق وقال:
_ مفيش، بس وانا واقف أعمل الشاى للزباين سمعت صوت كركبة عندك هنا فى الورشة، وزى خروشة كدة فى الحيطة اللى بينك وبين القهوة.
_ انا برضو قبل ما امشى سمعت الاصوات دى وافتكرته فار، بس فتشت ملقتش حاجة.
_ مانا برضو فكرت فيران بقى مش فار واحد، أصل الصوت كان عالى اوى، وروحت جبت عصاية وجيت هنا قعدت اخبط عالباب، انا لولا القفل اصلا كنت فكرتك انت اللى جوة، المهم ان بعدها بقى سمعت صوت حاجة تقيلة بتقع عالأرض.
_ غريب اوى اللى بيحصل دة، اصلا شوف الدنيا عاملة ازاى، انا مكنتش سايبها مقلوبة كدة.
_ لأ مانا مش عاوز أقولك عالتقيلة بقى.
_ خير يا جلاب الخير فى ايه تانى؟
_ انا وعهد الله يا عم عماد سمعت صوت ضحك جاى من جوة.
اول ما قال كدة مقدرتش أمسك نفسى وقولتله وانا بضحك:
_ أه دى الافلام اللى بتشغلوها فى القهوة كلت دماغك بقى.
_ والله العظيم ياعم عماد أنا أااا…
_ بس يالا متحلفش بالله، اقولك، تعالى ياسيد شوف بنفسك ايه اللى جوة، يمكن يكون فى حاجة فعلا.
_لأ ياعم عماد انا ماليش فى الكلام دة، انا بس قولت اقولك عشان تاخد بالك.
قالى الكلمتين دول وسابنى ومشى، وانا فضلت مكانى واقف متحير فى اللى بيحصل، بس رجعت اقول دة شغل، مش لازم اشغل دماغى بأى حاجة تانية غير رزقى اللى انا فاتح بيه البيت، لازم أخلص الصالون دة فى أقرب وقت عشان آخد حسابه لغاية ما ربنا يكرم بحاجة جديدة،
ودخلت ظبطت الدنيا من تانى، ورجعت كل حاجة مكانها، ومسكت الكرسى اللى عليه الدور عشان أخلع من عليه الفرش القديم، بس بعد شوية لما كنت خلاص اندمجت فى الشغل ونسيت كل حاجة، لقيت السكينة الصغيرة اللى كانت فى ايدى بحرك بيها المسامير، غرست مرة واحدة فى خشب الكرسى، مع انى كنت مركز وواخد بالى كويس اوى، بس زى ما يكون فى حاجة خلت ايدى تفلت وبمنتهى السهولة السكينة دخلت فى الخشب ومن غير اى مجهود منى، حاولت اسحبها وانا مذهول من اللى بيحصل، بس مكنتش راضية تطلع أبدا، كانت مكلبشة فى الخشب بطريقة غريبة، فضلت أحاول مرة واتنين وتلاتة بكل قوتى، لكن برضو مفيش فايدة، السكينة دخلت وحلفت ماهى طالعة، قومت وقفت وانا بنفخ وكنت خلاص جبت آخرى من الشغلانة دى، الصالون دة قرفته وحشة ونحس، مش عارف ماله كدة مش ماشى بالساهل ليه، ومن خنقتى سيبت كل حاجة زى ما هى وطلعت قعدت على باب الورشة، الواد سيد اول ما لمحنى قاعد، ساب اللى فى ايده وجه قالى:
_ مالك ياعم عماد؟ شكلك مش مظبوط!
_ مش عارف فى ايه! الشغل دة مش مريحنى قرفته مش حلوة، تصور السكينة غرست فى الخشب وايدى مش مطوعانى اشدها.
_ مانا قولتلك ياعم عماد الورشة فيها حاجة غلط.
_ بطل هبل يالا، الورشة دى انا شغال فيها من قبل مانت تتولد، كنت باجى اقعد تحت رجل أبويا واتعلمت منه الشغل.
_ تمام مقولناش حاجة، بس برضو من وقت للتانى انت محتاج تبخر كدة وترش ملح عشان العكوسات.
_ تصدق معاك حق، اهى هى دى الكلمة اللى انا بدور عليها من الصبح، عكوسااات، انا اللى بيحصلى دة عكوسات.
_ يبقى لازم تبخر بقى زى ما قولتلك، تحب أناديلك الواد رزق اللى بيلف بالبخور؟
_ لأ مش النهاردة، اسمع انا هقفل دلوقتى وهروح مشوار كدة، وبكرة نبعت نجيب رزق.
_ ماشى كلامك يا عم عماد.
سيد رجع عالقهوة، وانا قومت قفلت الورشة وقررت اروح اشترى القماش الجديد للصالون، وطالما الشغل فيه واقف بالشكل دة، يبقى نمشيها بالعكس يمكن النحس يتفك، اجيب القماش الجديد الأول وبعد كدة ابقى اشيل القديم، وفعلا روحت عند تجار القماش، ومن وسط الالوانات كلها اخترت نفس القماشة اللى موجودة فى الصالون، وحاسبت علي القماش وخدته فى كيسة كبيرة ومشيت، لكن طول الطريق من محل القماش للبيت، كنت حاسس انى مش ماشى لوحدى، وقتها مكنتش عارف انا احساسى دة صح ولا انا من كتر الاحداث اللى عدت عليا بقى بيتيهألى، بس كل شوية كنت بتلفت حواليا اشوف يمكن حد متابعنى، ومكنتش بلاقى حد خالص، كل واحد ماشى فى حاله ومفيش أى حاجة غريبة، ولما وصلت البيت لقيت سميحة ومروان قاعدين بيتفرجوا عالتليفزيون، سميحة اول ماشافتنى داخل استغربت وقالتلى:
_ غريبة، ايه اللى رجعك بدرى كدة؟ انا قولت هتسهر النهاردة طالما جالك شغل.
_ لأ مانا أجلته للصبح بقى، بس روحت جيبت القماش اللى هشتغل بيه أهو.
_ ايه دة بجد، طب فرجنى كدة.
فتحت الكيسة وطلعت القماش عشان سميحة تشوفه، بس فجأة حسيت انى اتشليت فى مكانى، ودة لما لقيت ان القماش اللى فى الكيسة مش هو القماش اللى انا اختارته، بصيت لسميحة وانا مذهول ومش عارف انطق، وهى لما شافت حالتى قالتلى:
_ فى ايه ياعماد؟ انت ايه حكايتك النهاردة مش على بعضك ليه!
_ مش دة القماش اللى انا جبته ياسميحة، مش هو خالص.
_ مش هو ازاى يعنى؟ انت متأكد؟ ما يمكن انت اللى تاه عنك شكله، ولا يمكن الاضاءة فى المحل كانت أشد عشان كدة انت شايفه هنا افتح ولا اغمق من اللى شوفته هناك.
_ لأ انا متأكد، دة حاجة تانية مش اللى انا عاوزه واختارته، بس ازاى دة حصل؟
_ عادى ياراجل فيها ايه يعنى! تلاقى اللى لفلك القماش غِلط وادالك بتاع حد تانى.
_ حد تانى! معقول الكلام دة! دة مكنش فيه غيرى فى المحل ساعتها.
_ لا عادى بتحصل كتير، بكرة الصبح روح رجعه وخلاص، والله انا لو اعرف طلبك كنت روحت بدالك بس أخاف اجيب حاجة غلط.
_ لا لا خلاص، انا بكرة هروحلهم، يعنى يارب مش كفاية العطلة بتاعة طول النهار، لسة هعيد المشوار دة تانى!!
_ معلش با ابو مروان، نصيبك كدة، قوم يالا ارتاح شوية والنهار له عنين.
سمعت كلامها وقومت عشان أرتاح شوية، بس طول الليل مقدرتش أغمض عينى، مخى كان بيودى ويجيب، وفضلت أعيد فى كل اللى حصل من اول ما استلمت الصالون دة، كنت حاسس ان فى حاجة مش طبيعية بتحصل معايا، بس مش عارف ايه هى وليه كل دة، وفضلت على وضعى دة لغاية ما النهار طلع، وقتها قومت من السرير وانا الدنيا بتلف بيا من قلة النوم، بس جيت على نفسى وغيرت هدومى بسرعة عشان انزل الورشة، ومن جوايا كنت واخد قرار ومش ناوى أرجع فيه، وهو ان لو الشغل فى الصالون دة متيسرش ومشى على خير النهاردة، هكلم صاحبه يجى ياخده وبلاها الشغلانة دى خالص، مين عالم يمكن مليش فيها رزق، وقبل ما امشى من البيت خدت كيسة القماش معايا، بس عشان كان لسة بدرى اوى على ميعاد المحل بتاع القماش، قولت اروح الورشة الاول وبعد ساعتين كدة ابقى اروح المحل يكون فتح، ومشيت من البيت وانا حاسس بقبضة فى قلبى غريبة، مكنش ليا نفس أروح الورشة خالص، كنت ماشى بقدم رجل وبأخر رجل لغاية ما وصلت هناك، ولما فتحت الورشة، وقفت أبص للصالون وانا نفسى مسدودة عن الشغل فيه، وبرغم كدة دخلت وجهزت العدة وقررت أبدأ شغل، وعشان كنت اتقفلت من الشغل فى الكراسى سيبتهم مركونين على جنب، وروحت أبدأ شغل فى الكنبة، وواحدة واحدة بدأت أشيل فى البطانة بتاعتها، ولما وصلت لآخر طبقة موجودة فيها ظهرت قدامى حاجة غريبة، كانت قماشة سمرا ملفوفة فى حجم قبضة الايد، وحواليها مربوط خيط كتان لونه غريب كأنه مدهون بلون بنى اقرب للإسود، مديت ايدى ناحية القماشة دى وبدأت أشد فيها عشان أطلعها، واللى خلى جسمى كله يتنفض ان الحاجة دى كانت دافية، كأنى بطلعها من جسم بنى آدم مش من الكنبة، حاولت أفك الخيط اللى عليها بس لقيته معقود كذا عقدة ورا بعضها، فجبت المقص وقطعت الخيط عشان أخلص، واول ما فكيت القماشة، طلعت ريحة منها عاملة زى ريحة مياة المجارى بالظبط، كتمت نفسى وانا بفك اللى جوة القماش، واللى طلعته من جواها خلى شعرى يشيب، خصل شعر ملفوفة على بعضها وجواها دبوس، وحتت عضم مقدرتش أعرف هو عضم ايه بالظبط، وحاجة صغيرة وطرية فى حجم كبدة الفرخة، بس كانت متعفنة وطالع منها ريحة كنت هقطع النفس من بشاعتها، وورقة متطبقة على شكل حجاب، فكيت الورقة لقيتها كبيرة، كلها رموز وأرقام وطلاسم سحر يميزها أى حد، وفى وسط دة كله صورة بنت تقول للقمر قوم وانا أقعد مكانك، مفكرتش كتير، لميت كل اللى لقيته دة وحطيته فى كيسة، وبسرعة قفلت الورشة وطلعت على العنوان اللى سابهولى الراجل صاحب الصالون، مكنتش شايف قدامى غير الشابة اللى الله أعلم بحالها بعد العمل الاسود دة، وبعد شوية كنت وصلت عندهم البيت وطلبت انى أقابل الاستاذ جلال اللى جالى الورشة، ولما شوفته، حطيت الكيسة اللى معايا بين ايديه وانا بقوله:
_ من اول ما استلمت منك الصالون وانا بيحصلى عكوسات ملهاش تفسير، وكنت خلاص هسيبه واكلمك تيجى تاخده، بس دلوقتى شىء إلهى كدة خلانى أسيب كل حاجة واشتغل فى الكنبة، ومن جواها طلعت الحاجات دى.
الراجل فتح الكيسة وبص جواها، ساعتها حسيت ان رجله خانته وكان هيقع من الصدمة، لحقته بسرعة وسندته لغاية ما قعد على اقرب كرسى، فرفع راسه وبص فى وشى وقال:
_ انت عارف انت قدمتلنا ايه النهاردة؟ عارف اللى فى الصورة دى بقالها كام سنة بتشوف الموت كل يوم؟ دى اختى، تعبانة من سنين ولفينا بيها فى كل حتة، جربنا كل حاجة تخطر على بال اى حد، بس مكنتش بتتحسن، عمرى ما تخيلت ان ممكن حد يإذيها بالشكل دة.
_ المهم تعرفوا مين عمل كدة وتحموها منه.
الراجل مسح دمعة فرت من عينه وهو بيقول:
_ متقلقش، انا خلاص عرفت، هى مفيش غيرها، الحجة اللى كانت رافضة الصالون يتجدد زى بقية الفرش.
_ الحجة! والدتكم يعنى؟ تيجى ازاى دى؟
_ دى مش امى، دى مرات ابويا، انا امى ماتت من زمان والحجة هى اللى ربتنى انا واخواتى، ربتنا عالضرب والاهانة، ومع ذلك شيلنا ليها الجميل، وآدى أخرتها، انا مش عارف أشكرك ازاى!
_ شكر ايه يا أستاذ، انتو هتعملوا ايه دلوقت؟
_ هتصرف، انا هعرف احمى اختى منها، كتر خيرك انت لغاية كدة.
مشيت من عنده وانا مش قادر أستوعب اللى حصل، مش قادر افهم ازاى فى حد يإذى غيره بالشكل دة، يومها رجعت الورشة وبدأت اشتغل فى الصالون وانا واخدها تحدى انى انضفه واشده من اول وجديد، ويوم التسليم استاذ جلال استلم الصالون وادانى حسابى بزيادة، وكان ناقص يشيلنى من عالارض شيل، وانا اتطمنت منه على ست البنات وعرفت ان حالها اتصلح، بس مقاليش عمل ايه مع مرات أبوهم، لكن مش مهم، المهم ان ربنا فك كرب البنت وجعلنى انا سبب فى كدة.
تمت