قصص

عهد عطية

“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
“عطية” كان مجرد طفل صغير قليل الحيلة، شاء ربنا سبحانه إنه يفقد ابوه وأمه وهو مكملش ال9 سنين، لقى نفسه وحيد في الدنيا المرع.بة دي، وحيد تمامًا، مكنش ليه قرايب من قريب أو من بعيد في الإسماعيلية كلها، معرفش بقى هل عيلته اصلًا من محافظة تانية، المهم إن محدش منهم ظهر لا في اثناء حياة ابوه وأمه ولا بعد ما م.ات…
أقصى حاجة أهل المنطقة قدروا يعملوها معاه بعد وفاة أبوه هو إنهم مسابهوش اول كام يوم، كان في كمان عدد من الستات بايتين معاه في نفس البيت، بيطبخوله وينضفوا وبيحاولوا يخففوا عنه، ده غير أجوازهم ورجالة المنطقة اللي رايحين جايين على البيت والأطفال اللي في سنه وأكبر، لكن كل أول وله آخر، مكنش ينفع الوضع يستمر على ما هو عليه، كل حي وله حاله، وسكان المنطقة دي كلهم كان حالهم على قدهم، محدش يقدر يكفل “عطية” ويضمه لكوم اللحم اللي مسؤول عنه، مشيوا وسابوه، بس مش معنى كده إنهم أند.ال ونسيوه، يوم آه ويوم لأ مثلًا واحد أو أكتر من أهالي المنطقة كانوا بيشقروا عليه ويشوفوا طلباته ويقعدوا معاه شوية، لكن ده مكنش كفاية، الولد فعلًا كان صغير أوي، محتاج حد يتبناه، مش على الورق، معنويًا، حد يبقى ليه أم أو أب، عشان أبسط حاجة كان خا.يف طول الوقت وحاسس بضياع، أي صوت كان بيسمعه بليل بيترجمه لحاجة أضخم من حجمه، صوت صرصار الليل هو حشرة كبيرة، تقدر تسد باب بالكامل، صوت اتنين معديين من قصاد البيت بيتكلموا مع بعض هو في حقيقته صوت اتنين حرا.مية قت.الين قت.لة، بيتناقشوا في إزاي يقتحموا البيت، من الباب ولا الشباك، وأكيد جايين قاصدين البيت ده بالذات عشان عارفين إن “عطية” بقى لوحده، الليل كله كان بيعدي عليه مش بيدوق فيه النوم إلا ساعتين بالكتير ومتقطعين كمان…
“عطية” قرر إنه من أول ما يصحى لحد ما حد يزوره من المنطقة يخرج ويقعد بره بيته عشان ميبقاش لوحده، يخرج من سج.ن مخاوفه، أهو بيتونس بالناس اللي رايحة وجايه..
“عطية” كان صعبان بجد على الناس وأدركوا إن زياراتهم المتكررة ليه مكنتش كفاية بس برضه مش قادرين يعملوله حاجة لحد ما ظهر “عم سعداوي” على عتبة بيته، الراجل الوحيد اللي قرر يكفل “عطية”، يربيه في بيته وفي خيره، “عم سعداوي” مكنش بيخلف ومراته ما.تت من سنين فقال ليه لأ، ليه ميحطش “عطية” تحت جناحه وهو يبقى سند وضهر ليه ويردله الجميل لما يكبر..
المشكلة الوحيدة في الموضوع ده هو مهنة “عم سعداوي” والطريقة اللي كان ناوي يربي بيها “عطية”، “عم سعداوي” كان دج.ال! أيوه بيشتغل في مواضيع فك الأعمال والتحصين من الحسد وكلام من ده، كان عايش في بيت بسيط، بيت أصغر من بيت “عطية”، واللي يدخل بيته ويشوف العفش المهكع يصعب عليه حاله ويبقى عايز يكرمشله شوية فلوس ويحطها في إيده، بس الحقيقة إن “سعداوي” كان غني جدًا وفضل يكنز فلوسه على إنه يصرف منها على مظهره ولا على بيته، شغلته كانت بتكسبه ثروات، بيعيش على الوعود الكد.ابة اللي بيديها للناس، على وجع الفراق بتاع ده ومر.ارة الرغبة في عيل بتاعة دي، والعشق الملعبك بتاع ده وهكذا ، وهو الراجل ده دونًا عن أهل المنطقة كلهم اللي جه على عتبة بابا “عطية”، مد إيده وخبط عالباب..
الشمس كانت يدوبك غابت والعتمة بدأت تتسلل بعبايتها الكئيبة، “عطية” ارتجف من الخ.وف، اللي جه في باله طبعًا إن دي أمنا الغولة أو شي.طان اللي بيخبط على الباب، أصل مين يعني اللي هيخبط على بابه الساعة دي، الجيران بيزوروه الصبح، فضل ممدد مكانه على كنبة في الصالة، جسمه كله بيترعش..
“سعداوي” خبط خبطة تانية والرع.شة في جسم الولد زادت، الشي.طان مش ناوي يمشي ويسيبه، ده جي وناويله على نية سودة، وبعد الخبطة التانية كانت التالتة والرابعة، في النهاية “سعداوي” لف لحد ما لقى شباك وزعق منه على الولد…
-يا “عطية”، افتح أنا عمك “سعداوي”؟
الشيخ “سعداوي” بركة المنطقة؟؟ عايز منه إيه ده؟
خ.وف “عطية” اتحول لاستغراب وفضول، قام أخيرًا من مكانه وراح لحد الباب وفتحه..
معزمش على “سعداوي” إنه يدخل، فضل متسمر مكانه وهو لسه ماسك الباب، بيبص ليه من غير أي كلام…
-إيه يا “عطية” مش هتعزم عليا أدخل بيتك وتعمل معايا واجب الضيافة؟
=أنا…ااا…طبعًا يا “عم سعداوي”، اتفضل..
“سعداوي” دخل وقعد وطلب من “عطية” يعمل له كوباية شاي.. إحساس قوي قال ل”عطية” إن الزيارة دي مكنتش عادية، مش زي كل زيارات أهل المنطقة، من ساعة وفاة أبوه شاف “سعداوي” مرتين، مرة في الدف.نة ومرة جه زاره مع شوية ناس تانيين، بس دي أول مرة يجيله لوحده وبليل…
“عطية” عمل كوباية الشاي وقدمها ل”سعداوي”…
-إيه ده يا واد، إيه القذ.ارة دي؟ مش بتغسل الكوبايات؟ وليه التقل طافي على الوش وإيه البقاليل دي، ده ملحقش يغلي، أنت عامل كوباية الشاي دي من ورا قلبك ولا إيه؟
“عطية” بص في الأرض في انكسار ورد بصوت مبحوح:
=معلش يا “عم سعداوي” ما هو أنا مش متعود أعمل الحاجات دي ، زمان أمي كانت بتعملها وبعدين أبويا..
“سعداوي” شده وحاوطه بدراعه وقال بنبرة حنينة:
-يا قلب أبوك وأمك، معلش يا “عطية”، بس المنع وراه عطاء، تعرف يعني إيه الكلام ده؟
هز راسه يمين وشمال.. “سعداوي” كمل:
-يعني أوقات كده ربنا بياخد مننا حاجة وبدالها بيدينا حاجات، والحاجات مكنتش هتيجي طول ما الحاجة الواحدة موجودة، كإنها كانت طوبة سدة منجم دهب..من هنا ورايح هيبقى ليك أهل جداد، تعرف مين هم؟
=مين؟
-أنا، أنا هبقى أبوك وامك واخواتك اللي مجوش اصلًا للدنيا وعيلتك كلها، وكمان هبقى المدرس بتاعك.
=المدرس؟
-هعلمك صنعة أغلى من الياقوت والألماظ، هتاكل شهد لحد ما تزهق منه وتقول ياما نفسي في البصارة والفلافل.
كلام “سعداوي” كان كله ألغاز، “عطية” مكنش فاهم حاجة بس كان مبسوط، مبسوط أوي، حاسس إن مستنيه حاجات حلوة، إن حياته هيبقى ليها شكل تاني خالص، وإحساس “عطية” صدق..
أكتر حاجة طبعًا كانت مفرحاه وقتها هو إنه مش هيعيش لوحده تاني، مش هيضطر يفتح الأنوار وهو نايم، وينام بعين مفتحة وعين مغمضة، وباب البيت اللي اتربى فيه “عطية” اتقفل من غير أي نية للرجوع…
واتنقل “عطية” لبيت “عم سعداوي” الراجل البركة اللي معاه الحل لكل مشاكل أهل المنطقة والمناطق المجاورة..
مفيش كام يوم و”عطية” بدأ يشوف “سعداوي” بطريقة مختلفة، مكنش شيخ، مش شيخ أبدًا، لا هيئته ولا طريقة كلامه، والحق يتقال هو عمره ما ادعى إنه راجل متد.ين، مش بيتكلم في الدين ويقول مواعظ ولا بينهى عن منكر، إيه صحيح اللي خلى “عطية” يديله الهالة دي قبل كده؟ لما “عطية” ركز لقى إن “سعداوي” واضح من زمان، هو مجرد رجل عادي عنده بركات، وفي إيديه مفاتيح بيحل بيها عقد الناس، لا شيخ ولا ولي…
ده حتى مش بيصلي ولا مرة شاف في إيده مصحف، اللي شافه في إيده هي أزازيز الخمرة بليل متأخر في الوقت اللي كان فاكر فيه “عطية” نايم، هل ممكن واحد يبقى بعيد عن ربنا بالشكل ده وربنا يديله قوى خارقة يقدر بيها يساعد الناس؟ هل الموضوع ملوش علاقة بإيمان الواحد أو معصيته؟
الأسئلة دي فضلت تدور في بال “عطية” الولد البريء لحد ما الأجوبة جاتله على طبق من فضة…
-تعالى يا واد يا “عطية” أقعد معايا
“عطية” كان خاي.ف، مكنش عايز يقعد في الأوضة دي بالذات، أوضة الزيارات، الأوضة اللي بتتقفل على “سعداوي” والزاير اللي بيبقى عنده طلب وقاصد “سعداوي” عشان يلبيه، عادة الزاير سواء راجل أو ست بيبقى متلفح بإيشارب أو حته قماشة على وشه عشان محدش يعرفه، حد في السكة وهو رايح ولا وهو راجع…
الأوضة دي من ساعة ما “عطية” خطى البيت وهي بتسببله رع.ب رهيب، طبيعي، “سعداوي” نفسه بيتحول لما بيدخلها، صوته بيعلى وبيبقى غليظ، بصاته بتبقى حادة، نظراته زايغة وكلامه غريب، مش مفهوم، الأنوار بتتطفي وأعداد مهولة من الشمع بتولع، أو بدالها بتنور أضواء لمض خضرة وحمرة خافتة، الزاير بيطلع من عند”سعداوي” بيجري وبيتلفت حواليه، بيمد إيده وهي بتترعش وبيمسك الأوكرة بتاعة باب البيت ويتلخبط وبعدين ينجح ويفتح الباب.. هو ده المشهد اللي عادة بيتكرر..
-أنت من هنا ورايح إبني والمساعد بتاعي ودراعي اليمين، أديني سايبك اهو، بقالك ييجي شهر بتاكل وتنام وبس، جه الوقت عشان تبقى إبني بحق وحقيق، خليفتي، ودلوقتي هبوحلك بشوية حاجات عمري ما قلتها لمخلوق، مش كل حاجة طبعًا، شوية شوية هقولك واعلمك حاجات، لحد ما يبقى عندك سر المهنة كلها…
مكنش عايز يعرف! كل اللي عازه في اللحظة دي يجري كده ناحية الحيطة ويخترقها زي القط في أفلام الكرتون ويقول يا فكيك وميرجعش تاني، لكن حاجة ثبتته مكانه، غير طبعًا الأمر الواقع، مشاعر مختلطة، وارتياح للراجل اللي إسمه “سعداوي” برغم الجو اللبش اللي عامله…
-الست من دول تيجي عندنا تشتكي من قلة الخلفة، طبعًا عنيها هتطلع على واد من صلبها، نفسها تبقى أم، بس كمان اللي بيحركها ويخليها تيجي هو رعبها من إنها تتبدل وتترمي في الشارع، كإنها حيوان اليف صاحبه جابه عشان يلعب بيه وبعدين رماه لما اكتشف إنه مريض، أو جوزها يجيبلها ضرة ترازيها وتنكد عليها وتكيدها بالعيال اللي هتجبهم وتبقى الكل في الكل وهي مجرد خدامة ذليلة تحت رجليها، إحنا بقى نشفيها إزاي؟
=إزاي يا “عم سعداوي”، إيه القوى اللي بتستدعيها أو الأدعية اللي بتقولها أو الكائنات اللي بتندها عشان تساعدك؟
قرب منه لحد ما وشه بقى في وشه، برق وقال وهو بيشاور على جنب دماغه:
-ده، بنستدعي ده!
=مش فاهم..
-الواحد لما بيوصل الحضيض بيتعلق بأي قشاية، بيشوف أي وميض نور المخلص بتاعه، واحنا بنبقى القشاية، دلوقتي لما الست دي تيجي بنقول لها حاجة من اتنين يأما حد عامل لها عمل أو حد بيحق.د عليها وعينه صابتها، في الحالتين بنقول إنه شخص قريب منها، ليه قدرة على إنه يعرف أخبارها، وفي العادة بتبقى واحدة ست، عشان يعني مفيش راجل هيبقى مش عايزها تخلف إلا لو في تار مثلًا أو أذته أذية جامدة، الستات ما بينهم وبين بعض، زي برضه كده الرجالة ما بينهم وبين بعض بيبقى في تنافس، مشاعر عميقة وقوية متعلقة بالرغبة في التميز، الست لازم يبقى ليها الأفضلية وتبقى الأحسن والأجمل والأنثى الأفضل، والأمومة عنصر مهم من الأنوثة دي، عشان كده بنقول إنها ست، مش بعيدة عنها لكنها من ألد أعد.ائها، ونبدأ كده نقول أوصاف عامة زي إنها خمرية، شعرها بني غامق طويل، عنيها بنية مكحلة، بتاكل وتشرب معاها على نفس الطربيزة، أوصاف تليق على أغلب المصريين في الشكل وعلى أي واحدة ممكن تبقى قريبة منها!
-إيه ده يا عم “سعداوي” يعني مش بيبقى في عمل بجد ولا حد حاسد؟
=لأ، وبلاش البصة دي، ده أكل عيشنا يا واد، ده اللي بيجيب العيش على الطرابيزة واللبن الصابح اللي بتشربه كل يوم عالريق.
-طيب وإزاي بقى بنساعدها؟
=سهلة، بنقول لها تجيب بذر البطيخ تحطه في كركديه من إخميم، وتجيب ملح من جبل بورسعيد، ترشه حوالين عتبة بيتها وبيت سلفتها ولا الست القريبة الوحشة اللي حاقدة عليها، أو حاجات من دي، أي كلام يعني، وتغيب سنة كاملة وتيجي بعدها، لإن المقصود ممكن يتم في أي وقت خلال السنة دي، ولو محصلش بعد السنة تعرف إن العمل متكلف بيه ملك من ملوك الج.ن أو طاقة الحسد كبيرة، مرع.بة كبر طاقة الشمس، يعني أدينا بنعمل اللي علينا، النتايج مش مضمونة..
-أيوه بس كده الناس تقول علينا كدا.بين لو كذه واحدة جت ومحملتش.
=بيحملوا يا خويا.
-إيه؟ إزاي بقى؟
=عشان أغلبهم إن مكنش كلهم بيبقوا متنيلين على عينهم مستعجلين، الواحدة من دول بعد شهرين جواز تلطم وتصوت عشان محبلتش، وتقارن نفسها بالستات القريبين منها اللي اتجوزوا، قرايب على سلايف على نسايب على صحاب حملوا من أول الجواز فييجي في بالها إن فيها مشكلة وإنها لازم تحلها..
-كل ده عشان كام شهر بس؟
=أمال إيه، الجهل معشش في منطقتنا وفي كل المناطق كمان، تصدق حتى المتعلمين واللي المفروض واعيين هتلاقيهم برضه بيجيلهم هل.ع عشان تأخير في الخلفة أو الرزق أو خلافه وبيلجأوا لينا وبيطلبوا حاجات متتخيلهاش يا “عطية”، بس دي قصة تانية كبيرة هحكيهالك بعدين، المهم يا سيدي إن عادة الست اللي بتيجي بتحمل طبيعي في خلال كام شهر، وبتيجي بعد سنة تزغرط وتهلل وتديني نقطة فوق الأجر الكبير اللي طلبته منها قبل كده، يعني بقبض مرتين، شغلتي بس هي قراية العقول واللعب على الأوتار، عندك برضه حالة تاني، واحدة العشق متملك منها، مخليها يا عيني هفتانة، ملهاش نفس على الحياة كلها مش الأكل بس، مش عارفة تركز في حاجة، مقدمهاش غير صورة عشيقها اللي مش معبرها ومش بيبادلها المشاعر، تيجي بقى دي لحد عندي وأعمل لها في أحجبة وأخليها تردد أي كلام ملوش أي معنى وطبعًا عشان أعمل الحجاب تجيبلي حاجة من قطره، شعراية، هدمة، حاجة مسكها ورماها، أي حاجة، كإني محقق مسرح جريمة بروح خالتها، لكن أنا أعمل إيه بقى عشان أضمن نجاح العملية؟ أقعد معاها وأقولها إنها محتاجة تعمل شوية حاجات تانية كده، واسألها وأحقق معاها في طريقتها في التعامل معاه، وبعدين اقولها إعملي كده، متعمليش كده، اتكلمي معاه كتير وخليكي لزجة، بعدين اختفي مرة واحدة ولما ييجي يتكلم من باب الفضول متعبريهوش، البسي الألوان الفلانية وعدي من قدامه وإعملي كإنك مش واخده بالك منه، ولو عيي أو جراله حاجة إجري عليه وخليكي ملهوفة، وعوديه عليكي وبعدين هوبا إختفي، كإنك أرنب في برنيطة الساحر..
“عطية” ابتسامته وسعت شوية بشوية، هو تقريبًا من الكلمتين دول عرف سر الصنعة كلها، وتوقع اللي “سعداوي” هيقوله بعد كده ..
مال على “عطية”، حط إيده على كتفه وهزه وغمز وهو بيكمل كلام..
-طبعًا يا واد يا “عطية” الكام النصيحة الأخرانيين هم اللي بيجيبوا نتيجة، ما إحنا رجالة وعارفين إيه اللي يعجبنا وإزاي نقع في شباك الحريم، والبت تفتكر إني صاحب كرامات والحبشتكانات اللي عملتها هي اللي جابت الواد، خايبين، بناكل على قفاهم عيش.
وبس، اليوم اللي بعديه “عطية” قام من نومه إنسان مختلف، فجأة كبر، بقى شايف الدنيا كلها بشكل تاني، إتعلم بسرعة كل حاجة محتاجها وبقى ضل “سعداوي” ومرايته، بيفهمه من نظرة واحدة، وبيلبي طلباته من قبل ما يطلبها، ويوم بعد يوم علاقتهم بقت أقوى لدرجة إن “سعداوي” فعلًا نسي إن “عطية” مش إبنه، كان مستعد يضحي بروحه عشانه ومش بيتسحمل عليه الهوا الطاير، لو في يوم “عطية” عيي، “سعداوي” كان بيمنع أي زيارات، وبيفضل قاعد تحت رجليه، يديله في أدوية ويطببه ويجيبله دكاترة لحد البيت يشوفوه، و”عطية” برضه روحه كانت في “سعداوي” ومن غير مبالغة حبه أكتر ما حب أبوه الحقيقي الله يرحمه…
الأرباح زادت، وده عشان بدل العقل بقوا عقلين بيفكروا إزاي ينص.بوا على الناس بطرق الئم، وإزاي حاجة الناس ليهم تزيد، بقوا ولا خزينة في بنك كبير، والتلميذ تفوق على الأستاذ، “عطية” بقى مبدع وخلى “سعداوي” ينبهر بدماغه وإبداعه، ده اقترح في مرة على “سعداوي” يقنع ست موس.وسة، في الغالب عندها وس.واس قه.ري، إنها تقنع إخواتها اللي مش بيعرفوا يقروا ولا يكتبوا إنهم يبصموا على ورقة بيع لنصيبهم في بيت العيلة ليها وتكتب نصيبهم مع نصيبها ل”سعداوي” ليه بقى؟ عشان هم أشرار دافنين أعمال في أماكن مختلفة من البيت ليها، عايزين يأذوها لكن لما الملكية تتنقل بإسمه الأعمال مش هتأثر فيها، سح.رها هيبطل وده عشان طبعًا هو ليه سلطة واتصالات ومفيش ج.ن ولا إنس يتجرأ يأذ.ي حد غير بإذنه في الملك بتاعه..
وفضل الحال على ما هو عليه لحد ما “عطية” تم ال15، في ليلة “سعداوي” كان غايب فيها، سهران مع أصحابه، “عطية” كالعادة قرر يدخل أوضة الشغل وينضفها ويرتبها، ده كان مزاج عنده، يحب هو بالذات اللي يوضب الأوضة، دخل وبدأ يلم في الشمع الملون اللازق على الطربيزة والأرضية وبقايا البخور اللي اتح.رق، وفتح الشبابيك عشان يهوي ويغير جو الأوضة، بس بعد كده جاله خاطر غريب، حب يقعد في نفس المكان اللي “سعداوي” بيقعد فيه، ويلبس عمة من العمم بتوعه ويولع البخور والشمع…
قفل النور وعمل كده فعلًا، ولع شمع كتير والبخور أبو ريحة غريبة شبه ريحة الشياط، وقعد في مكان “سعداوي”، غمض عينه لثواني وبعدين فتحهم فجأة، جت في باله فكرة…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
قام واتوجه للمراية الكبيرة في الأوضة، وقف قدامها وبص فيها وبدأ يكلم نفسه، يقول إن عنده الأسرار وإن رجل من رجليه في عالم الإنس والتانية في عالم الج.ن وإنه حلقة وصل ما بين الاتنين، وإنه يقدر يشوف البني آدمين من فوق كإنه طائر ويقدر يشوفهم من جوف الأرض كإنه حشرة بعيون كتيرة، وبعدين بدأ يقول أسماء غريبة بصوت عالي كإنه بيناديهم، أسماء كان بيسمع “سعداوي” بيقولها في وجود الزباين، مكنش يعرف إن الأسماء دي أسماء ج.ن حقيقين، و”سعداوي” كان بيستخدم الأسماء عشان يسبك الدور قدام الزياين، لكن “سعداوي” منداش عليهم وهو مقفل الأنوار بليل ومولع الشموع وواقف قدام المراية بيعمل أداء وبيسرد قدرات ليه خارقة، قدرات متجيش غير بحاجة من اتنين، يأما ربنا يشاء يديهم لحد من عباده بسبب قرب العبد من ربه أو لحكمة تانية يعلمها هو وبس، والحاجة التانية هي إنه يخاوي أو يتعامل مع الج.ن، وهنا هبت ريح فجأة وخلت أنوار الشموع كلها ترقص…
“عطية” شهق، واتلفت للشموع، ضهره بقى للمراية، إيه اللي حصل؟ لازم يوصل لمفتاح النور وبسرعة، لكن ملحقش…
وده لإنه اتسمر في مكانه بعد ما لمح بطرف عينه حاجة واقفة وراه، شافها في انعكاس المراية، كيان ضخم، ودانه طويلة، جلده أصفر باهت وعنيه حمرة، رجله مشالتوش لحد مفتاح النور…
إيه بقى اللي حصل في باقي الليلة دي، العلم عند الله، هو ده اللي وصل لي، محدش يعرف إيه اللي حصل ل”عطية” بالظبط بعدها
لكن الباقي عرفته…
الأكيد إن “عطية” بقى إنسان تاني بعدها، أول واحد لاحظ التغيير كان أكيد “سعداوي” أبوه الروحي، الولد بقى كئ.يب، مش بيتكلم كتير، لما بيسمع أمر من “سعداوي” بينفذه من غير ما يرد، شعر وشه فجأة بقى كثيف، وسابه، مرضاش يحلقه، نظراته بقت فارغة، مفيش فيها حياة، وشوية شوية بقى فيها تحدي مش مفهوم، في أوقات “سعداوي” كان بيخ.اف منه فيها، مش قادر يفسر النظرات الحادة دي…
وفي نفس الوقت كان قلقان عليه، الولد ماله؟ عيان ولا عنده اكت.ئاب المراهقين ده عشان التغييرات الجسمانية والانتقال من مرحلة للتانية؟
الموضوع استمر شهر كامل من الليلة إياها اللي “سعداوي” ميعرفش أي حاجة عنها، خلال الشهر ده “عطية” مقالش كام جملة على بعض، لحد اليود ده…
“عطية” هو اللي بدأ بنفسه كلام مع “سعداوي”، سأله:
=أنت عرفت الأسماء اللي بتقول لها للزباين منين؟
-أسماء إيه يا بني؟
=أسماء الج.ن، اتعاملت معاهم قبل كده؟
-ج.ن إيه وكلام فارغ إيه، سلام قولًا من ربٍ رحيم، إن مكنتش عايش معايا يوم بيوم ومرسيك على اللعبة كلها.
=أمال عرفت أسمائهم منين؟
-كلام من حواديت وكتب وكلام الأجيال اللي قبلي، لقطت اسمين تلاتة، وبستخدمهم عشان أزيد الاثارة وأوهم الناس اكتر، أنا أصلًا بخ.اف من خيالي.
= المفروض تخاف!
ملامح وش “سعداوي” اتبدلت، اته.لع، مش بس من كلام “عطية” كمان نبرته وبصته وهو بيقول الجملة الأخيرة…
وبس… الليلة اللي بعدها “سعداوي” كان بيحضر عزا في خيمة منصوبة جنب الجامع، كان قاعد بيعزي في معارف المتوفي، وشوية يتكلم مع ده وشوية يتكلم مع ده، وفجأة سكت تمامًا، عنيه ثبتت على مكان معين قدامه، لكن في الحقيقة هو مكنش بيبص ليه، مكنش مركز في حاجة، كإنه نام وهو صاحي، مش واعي بأي حاجة بتجرى حواليه، وقف مكانه، فضل ثابت شوية، وبعدين اتحرك كإنه راجل آلي، محدش من اللي وجهله كلام لقى رد منه، مش شايف، مش سامع، رايح في اتجاه معين، ليه هدف محدش يعرفه، الناس انشغلت ب”سعداوي” وسرحوا عن العزا، فضلوا يراقبوه لحد ما اختفى تمامًا عن عيونهم، ماله “عم سعداوي”، حصل له إيه؟ ده كان حديث الناس باقي العزا، “عم سعداوي” مرجعش بيته ليلتها ولا حد شافه في مكان، لكنه ظهر الصبح…
جث.ته كانت طافية على ترعة الإسماعيلية، واحد من المراكبيه شافه واتعرف عليه علطول، ده “عم سعداوي” بركة المنطقة الفلانية وحلال المشاكل، الرعب مش بس في طريقة الم.وت الغريبة، إنه غ.رق بطريقة ما في الترعة وإن وقت الوف.اة كان بعد العزا بليل، والسبب اللي يخليه يروح هناك أصلًا في الميعاد ده، سواء كان لوحده أو هيقابل حد، لكن كمان وضع الج.ثة، دراع “سعداوي” كان ممدود على الآخر ومتخشب وصوابعه مفكوكة من بعض، كإنه كان بيشاور على حاجة!
وإزاي اصلًا الج.ثة تفصل على الوضع ده وهي مش متحنطة، تمثال مثلًا؟؟!
ويا ترى كان بيشاور على إيه؟؟
النداهة بريئة من م.وت “سعداوي”، لا ندهتله ولا جرته لقاع الترعة، حد تاني كان مسؤول…
الإجابة أهالي المنطقة والطب الشرعي والبوليس ملقوهاش في ساعتها، لكن مع الأيام بوصلة الشك اتوجهت لحد معين وده بسبب تصرفاته..
“عطية” محضرش العزا اللي اتعمل ل”سعداوي” ومردش على أي حد خبط عليه عشان يعزيه، مفتحش لجنس مخلوق، الناس ترجمت ده في البداية إن “عطية” مصدوم يا عيني لم.وت “سعداوي” ودخل في اكت.ئاب شديد، مش قادر يتقبل م.وته عشان كده محضرش العزا ومش راضي يقابل حد، مش عايز يسمع سيرة إنه ما.ت، اللي عمله شوية من الأهالي إنهم بقوا يلفوا حوالين البيت ويحاولوا يلقطوا “عطية” من أي شباك عشان يتأكدوا بس إنه لسه بيتنفس، لسه مم.اتش، واتأكدوا من ده، لمحوه بيمشي في الشقة، بس دايمًا كان مقفل الستاير، وكام شباك بس هم اللي بيعدوا نور الشمس عشان مش متعلق عليهم ستاير، والنتيجة إن البيت بقى ضلمة وكئ.يب، وفي رواية لواحد بيقول فيها إنه لمحه ماسك شمعة مولعها وبيمشي كإنه هيمان في الشقة، الولد يا عيني مخه اتلحس، فقد أبوه التاني…
وبعد أيام بس “عطية” ظهر، خرج من البيت وهو لابس جلابية وعمه من بتوع “سعداوي”، مكنش بيبص للعيون الفضولية اللي بتتابعه ولا بيرد على كلامهم، لكن قبل ما يتحرك عمل حركة، مد إيده بمفتاح البيت وتربسه، فضل ماشي لحد بيته القديم، بيت عيلته وفتحه ودخل!
اللي شافوه قالوا كام حاجة عنه، شكله، شكله اتغير، غير إنه فجأة كبر وزي ما يكون عنده ييجي 40 سنة مش 15 وشعر دقنه طول جدًا، غير الشعر اللي نبت في خدوده وشنبه وشعر راسه اللي طول وبقى منكوش، ملامحه نفسها اتغيرت، ودانه كبرت وطولت بشكل ملفت، وباقي الملامح بقت حادة اكتر…
والناس بدأ يجيلهم إحساس إن الموضوع يتعدى الزعل على “سعداوي”، في حاجة تانية بتحصل…
و”عطية” أكد الإحساس ده بشخصيته الجديدة، وده لإنه خرج من بيته القديم بعد كده بيوم واحد، قعد يتمشى في الشوارع بنفس الجلابية اللي كان لابسها اليوم اللي قبليه، المرة دي كان بيراقب في الناس، بيبص لكل واحد شوية، وبيرسم ابتسامات خب.يثة مش مفهومة، وبعدها راح للسوق، وقف قدام فكهاني معين، طلب طلبات كتير، فاكهة على خضار، البياع قال له على الحساب، “عطية” فضل راسم نفس الابتسامة المستفزة الخب.يثة وقال:
=مفيش فلوس، هخدهم وامشي!
البياع استغرب طريقة كلامه، لكن حاول يلاقيله مبررات ورد عليه بنبرة حنينة:
-قصدك عشان “سعداوي” لسه مي.ت وأنت يا حبيبي مش معاك فلوس؟ مفيش مشكلة خد اللي عايزه والحساب بعدين..
=حتى لو معايا فلوس، مش هديك وبرضه هاخد الحاجة..
البياع دمه فار وزعق:
-هو إيه أصله ده؟ بلطجة هي؟ مالك يا واد يا “عطية”؟ ولا أنت بتتمسح في كرامات الراجل اللي أواك، أهو الله يرحمه بقى وإنت مش من صلبه يعني مش واخد حاجة من كراماته..
=كرامات إيه، ده كان راجل نص.اب، أنا بقى اللي عندي قدرات حقيقية..
-الله، كمان بتغلط في الراجل اللي رباك وخدك في حضنه وصرف عليك وكان بيعاملك كإنك إبنه؟؟
بؤبؤ عين “عطية” اختفى وبداله اتجمعت مواد في عيونه، زي غيوم، ورد بنبرة تخينة عالية:
=وأنا بقولك ده كان راجل نص.اب ويستحق اللي صابه، وبكره تشوفوا، وأنت أولهم، أنت أولهم..
البياع بعد المنظر اللي شافه ساب “عطية” ياخد الأكياس بس للأسف ده مأنقذهوش، “عطية” قال إنت أولهم وفعلًا هو كان الأول..
معداش عليه صبح كمان، صويت مراته جاب لآخر الشارع وده لإنها شافت منظر مر.عب مق.زز، الراجل كان حرفيًا متثبت على الحيطة وبين.زف من أماكن كتير، راسه مدلدلة، مي.ت بقاله شوية…
المشكلة إن لما الناس اتلمت وجم يشيلوه من على الحيطة ملقوش أي حاجة كانت مثبتاه بالوضع ده، مفيش سبب منطقي، كإن كان في مسامير خفية متثبت بيها!
أكيد الاتهامات كانت موجهة ليه، الناس شافت “عطية” بيتخانق مع البياع قبل ما يتق.تل بكام ساعة، عشرات الشهود، لكن التحقيقات أثبتت إن “عطية” مش هو الج.اني ومكنش موجود مع الراجل اصلًا وقت الو.فاة، المفروض إن كده “عطية” بريء منها…
لكن الناس بقى كانت متأكدة إن “عطية” ليه يد وإنه وراه حاجة متطمنش، حاجة ليها علاقة بشغل “سعداوي” والقدرات اللي كانت عنده (على قد علمهم يعني) لكن هو بعكس “سعداوي” مكنش إنسان طيب، وكان عندهم إحساس قوي إنهم هيشوفوا المرار من “عطية”..
هم كان عندهم حق في النقطة دي، مش مرار بس، ده مرار طافح، صفحة سودة اتفتحت في تاريخ المنطقة…
ومع خوفهم وعلمهم إن الولد ده مش طيب برضه بدأوا يلجأوله، واحدة مثلًا راحتله وقالتله إنها شاكة إن في واحدة قريبتها معينة حاسداها ومركزة معاها وموقفة حالها، “عطية” مستفسرش منها عن سبب اعتقادها ده، مسألش كتير، كإنه ما صدق، ابتسم ابتسامة بينت أسنانه اللي بقت كلها سودة، وقالها متخافش وإنه هيتصرف..
قريبتها دي بقى من يومها بقت تشوف كيان بيزحف على الحيطة، بيجري على إيديه ورجليه كإنه حشرة مرنة، سواء كانت لوحدها أو معاها ناس، الكيان كل شوية كان يظهر وهي تصرخ وتحاول تهرب منه، الموضوع استمر على كده شهر لحد ما سحبت مقص كبير من المطبخ وطع.نت نفسها في بطنها وما.تت…
والمنطقة مشفتش تقريبًا يوم سلام، كل يوم كانت بتحصل مصيبة، لحد أو لأسرة كاملة، ده في بيت كامل اتق.تل في ليلة واحدة، لقوا رغوة غريبة خارجة من بوقهم زي ما يكونوا اتعرضوا لنوع ما من التس.مم، كتير لجأوا للش.يطان اللي إسمه “عطية” وأغلبهم طلباتهم كانت مؤ.ذية، عايزين يأذوا شخص أو أشخاص معينين وهو كان يم.وت في كده، ويقال إن المنطقة عانت كلها كام يوم من مشكلة في الميه، الميه من كل المصادر بتاعتها كانت نازلة سودة قطران، حتى المجاري الطبيعية زي الترعة وغيره وحتى البحر!
وفي يوم ومن غير أي تبرير السواد اختفى، وأهل المنطقة ربطوا ده بتجمع حصل على بيت “عطية” وده لإنهم كانوا مش راضيين عنه وعن سلوكه الواضح مع الناس وتجنيه على الخلق والسلوك التاني اللي كلهم عارفينه بس مش عارفين يمسكوا الدليل، وباقي المنطقة كانوا مباركين الهجوم على بيت “عطية”، وببساطة ده كان انتقام “عطية” لإنه كان قاري اللي جوه النفوس حتى اللي مواجهوش بشكل صريح…
اللي اترددوا على بيت “عطية” شافوا لوح متعلقة عليها قرآن، ده اللي يبان من بعيد لكن اللي يقربلها يلاقيها حروف مكتوبة بخطوط عربية، شبه بتاعة الحضارة الإسلامية، الكلمات فيما يبدو ملهاش معنى لكن واضح إنها طلا.سم…
لو كنتوا سألتوني عن رأيي في كل الأحداث دي كنت هرد وأقول إن كل ده كلام فارغ!
ولا حاجة من دي صح، مبدئيًا كده معلش إزاي الناس اللي نقلتلي القصة عرفوا كل التفاصيل دي، بالنظرة والسكتة والحوار؟
التفسير الوحيد هو إن “عطية” قعد مع حد أو اكتر وحكى معاه، اللي هو إزاي يعني؟ “عطية” نفسه اللي راع.ب أهالي المنطقة ووشه يقطع الخميرة من البيت وعامل فزا.عة للناس باستثناء اللي بيلجأوله وبرضه بيبقوا مرع.وبين منه؟ هيحكي لمين بقى الكلام ده؟
وبعدين إيه الس.حر اللي سيطر على “سعداوي” و قال إيه خلاه يبقى زي التمثال ويمشي من العزا كإنه مش سامع ولا شايف وهوب يلاقوا جث.ته متخشبة كإنها موميا وإيديه ممدودة وبتشاور على المجهول، لأ وفي ليلة “عطية” دخل أوضة “سعداوي” وولع شموع وبص للمراية وقال أي هبل وشوية أسماء إشي “فتوش”، “بشبوش” وهوب قلبنا على الشموع السوداء، والسحر انقلب على الساحر والنص.ب اتحول لجد والعف.اريت حضروا وفيلم رخيص ميزانيته 10 جنيه…
وراجل اتثبت عالحيطة بمسامير خفية واسرة كاملة تتق.تل من اللهو الخفي…
لو سألتوني كنت هقول لكم إنه طبيعي جدًا ودانه تطول وتطرطأ وده عشان خس وبقى لحم على عضم، بسبب الزفت الإد.مان وأكيد ق.تل “سعداوي” بإيديه، خنقه مثلًا ورماه في الترعة وق.تل الفكهاني بس مثبتوش على الحيطة، أكيد الناس اللي لقوه اختلقوا القصة دي أو ناس تانية، ماهي الإشاعات بتتولد وتتكاثر ذاتيًا وبتطور مع نفسها، ولا في ميه فيها قطران ولا زفت..
“عطية” ببساطة راجل عدى ال30 بلطجي ومد.من وقدر يسيطر على عقول أهالي المنطقة وهم للأسف سمحوله بكده، خضعوله وخلوه يستقوى عليهم وهو و”سعداوي” من قبليه نصا.بين…
أنا بقى إسمي “زكريا همام” زمان كنت عايش في الإسماعيلية، في نفس المنطقة اللي فيها “عطية” وكنت بلعب معاه كورة وغيره، الحقيقة كان من أطيب الأطفال، واضح إن فقدانه لأمه وأبوه غيره والظروف اللي مر بيها، كون إنه كمان إتربى على إيد دجال وأكيد أد.من وده يفسر تصرفاته وتغير شكله، أنا سافرت مع ابويا وأمي لأمريكا، مكنتش كملت الابتدائية هنا وكملت دراستي كلها هناك، عملت دكتوراة في الأدب الأمريكي واشتغلت كتير هناك وفي النهاية قررت أرجع تاني مصر، ومش معقول راجل متعلم زيي هيصدق الخرافات دي، ده أنا حتى لو كان معايا الابتدائية بس مكنتش هصدق، ودي كانت قناعاتي لحد الليلة دي…
الأهالي فاض بيهم من أذية “عطية” بلغوا الشرطة عن اختفاءات وم.وت عدد من السكان في ظروف غامضة، وقالوا إنهم متأكدين إن “عطية” هو السبب…
قوات من الشرطة وصلت قدام بيت “عطية”، حاولوا يدخلوا لكن معرفوش!
أيوه، قوات كاملة معرفتش تدخل، “عطية” فتح الباب عالآخر وبقى يرمي عليهم طوب، والطوب كان بيعورهم كإنه مسنون، ردوا عليه بالرص.اص بس مكنش بيصيبه، زي ما يكون مكنش شخص واحد، مش قوة شخص واحد، مفيش تفسير أبدًا للي كان بيحصل، إزاي كل دول اتصابوا من الشرطة ومش عارفين يصيبوا شخص واحد؟؟
الأهالي فاض بيهم، جابوا أزازير جاز وسبرتو وحطوا فيها قماش وولوعوا فيه وبقوا يحدفوا الأزايز على البيت وجواه من خلال الشبابيك المفتوحة، الليل كان زحف، واتقلب نهار من الشعلة اللي كبرت وفضلت تعلى وتعلى ، لحد ما بيته والأرض اللي عليها بقوا عبارة عن بؤرة نار كبيرة، أنا كنت من ضمن الناس اللي بتتفرج وشفت حاجة مع ناس كتير غيري…
في شخص ظهر ورا البيت، ضل إسود واقف، المشكلة إن طوله كان أمتار، أطول من البيت نفسه!
بعدها “عطية” خرج من وسط النار مفيش عليه أي حروق ولا جلده حتى متهبب!
كان بيتمشى وسط النار كإنه في جنينة، راسم على شفايفه ابتسامة مستفزة مرع.بة وعيونه بتتحدى الكل..
الشرطة جريوا عليه وحطوا في إيده الكلبشات وجروه على البوكس…
أما انا فغيرت رأيي، “عطية” كان معاه كيان أو أكتر وليه قدرات مظلمة وقدر يق.تل كل الناس اللي قت.لهم ويأذي كل الناس اللي أذاهم بالأسرار اللي معاه…
صورة الجن الضخم اللي شفناه ليلتها مفارقتش خيالي وكان لازم…لازم أجرب…
روحت لبيت “سعداوي”، كسرت الباب ودخلت، فتحت الأوض لحد ما لقتها…
أوضة الشغل بتاعة “سعداوي”، قفلت الشبابيك والستاير، ولعت شموع كتير، لبست عباية لقيتها في الدولاب ووقفت قدام المراية وبدأت أنده بالأسماء اللي سمعتها من الأهالي واللي منهم سمعوها من “عطية” و”سعداوي”، مش عارف كنت بفكر في إيه، في ريح هبت، أضواء الشموع رقصت والباب اتقفل، جريت عليه، حاولت افتحه، صرخت عشان حد ييجي يساعدني، محدش سمعني، رجعت كام خطوة، لمحت ضل في انعكاس المراية، كيان ضخم، ودانه طويلة، جلده أصفر باهت وعنيه حمرة…
-“سعداوي” مين و”عطية” مين، دول جماعة نصا.بين أنا اللي عندي قدرات حقيقية، أنا اللي أمسك التراب أحوله لدهب، وأحول الملك لعبد جبان ذليل، وأطفي جمال أحلى واحدة وأحولها لمسخ والمسخ أحوله لأوسم راجل في عيون اللي حواليه…
ده كان كلامي بعد ما خرجت من البيت لأول واحد شفته، ودي كانت بداية عهدي أنا….
“تمت”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى