لما التردد أيها الجبان أمازلت طفلا يخشى ظله أتريد الذهاب لوالدتك أيها الصغير
كانت تلك الكلمات هى الوقود الذي أشعل فتيل تهور فادي ودفعه لسبر أغوار ذاك المبنى المجهول وعلى واجهته يافطة خط عليها كلمات “مشفى نفسي”
مبنى مرعب متهدم مظلم به خيالات كثيرة وتحيط به الكثير من علامات الاستفهام
يمشي فادي روايد باتجاه المبنى عيناه زائغتان وقد بلغ خوفه الحلقوم ولكنه آبى التراجع خوفا من كلام صديقه الأرعن…
كان التحدي أن يدخل غرف المشفى وحده ويلوح له من نوافذه…
“أنا لا أخشى الخيالات ولا حتى الحشرات والافاعي التي اتخذت من ذاك المنبى مأوى لها كل ما أهابه هو الظلام… المجهول”
كان كل مايجول بخاطره هو مجابهة ما لا يراه فهو يخشى الظلام منذ نعومة أظافره وخصوصا بعدما أجبرته أمه أن يبيت ليلة كاملة في غرفة مظلمة محكمة الإغلاق كعقاب له على شقاوته مما خلق لديه عقدة نفسية من الظلام والوحدة ولكنه كشاب مراهق لا يجرؤ على البوح بما تضمره نفسه من مخاوف.
يتقدم وهو يتفقد مواضع قدمه حتى لا يتعثر؛ فالظلام كاحل وكأن نجوم الليل تخشى أن تظلل سماءه وتنير دربه حتى لا يُكشف المستور.
أكوام من الحجارة المتهدمة متناثرة وأطنان من المهملات، أبواب مترددة مهترئة صوت مفاصلها الصدئة يجعل الدماء تتجمد في العروق مشهد مهيب لنوافذه المظلمة والتي يخيل إليك أن هناك من يراقبك من خلالها
يبلع ريقه وهو يوجه الكشاف للداخل ثم يتقهقر فزعا حينما لمح ظلا يعدو مسرعا، حاول التراجع ولكن ضحك صديقه وكلماته المستفزة كانت دافعه للأستمرار…
بالداخل كاد الظلام أن يبتلعه لولا ضوء الكشاف الخافت.
جدران من السيراميك البارد حوائط وأرضية بهو واسع به بضع كراسي مبعثرة في الردهة محطمة
ظلام دامس يحاوطه، المكان شديد البرودة خيالات تتسابق لتظفر بوعيه.
“إن أرتعاشة يدي واهتزاز المصباح هو مايخلق تلك الأوهام أنا بالغ الآن لا أصدق بحكاوي الأطفال المزعومة” بتلك الكلمات حاول تهدئة دقات قلبه الوجلة والتي آبت أن تنصاع له لتصبح كدقات طبول حرب قبائلية بدأ يصعد السلم وهو يتنفس بأعتدال حتى ل
ا يفقد وعيه مالا يعلمه أن فقدان الوعي أفضل له مما هو مقدم عليه.
عيون حمراء تتابعه وأقدام تتبعه لا يراها ولكنه يشعر بها، وصل الدور الأول العلوي وهناك طرقة متفرعة يمينا ويسارا نظر من خلال ضوء الكشاف الخافت يمينا ويسارا يتفقد طريقه ويتمنى ألا يرى ما يجعل رأس الوليد يشيب طرقتان تصل بغرف نزلاء المصحة وغرف للكشف وغرفة تقع في أخر الممر الأيسر تحوي شرا مريرا فقد كانت تلك الغرفة للعلاج بالكهرباء وأيضا خاصة بالتجارب على المخيخ في رحلة البحث عن طرق جراحية لاستشفاء المرضى النفسيين.
ولأجل حظه العاثر أختار أن يبداء رحلته للغرف يسارا.
هناك بابا يفضي إلى الغرف باب تعلوه نافذة زجاجية مغبرة يحاول أن يرى من خلالها ولكن دون فائدة
فتح الباب بصعوبة وجد عدد كبير من الغرف مرصوص على جانب واحد بعض الغرف أبوابها مغلقة والبعض الأخر أبوابه مفتوحة.
يتفحص المكان بالكشاف؛ لتنطلق منه صرخة تشق سكون الليل فقد رأى كرسي متحرك قديم مهترئ يقف في منتصف الطرقة وقد خيل إليه أن هناك من يجلس عليه كاد قلبه أن يتوقف يتصبب عرقا بغزارة وأطرافه ترتعش يتنفس كما يكون في سباق محموم بعدما تمالك نفسه قليلا عاد ليتفحص المكان.
يجلس القرفصاء ومازال جسده ينتفض مابين خوف وشعور بالبرودة كادت أن تخونه أعصابه تماما سلط الكشاف إلى الأرض ليقف ببطء ومازال مسلطا في اتجاه تلك البقعة على الأرضية الممتدة لأخر الطرقة ماهذا الهراء؟!
نعم أنها دماء متجلطة لا مجال للشك؟ فالأجواء تختنق برائحة الدماء الصدأة والفزع.
“يا ألهي ماذا فعلت؟ وما أقحمت نفسي به؟ لابد أن أرحل عن ذاك المبني الشيطاني.
من ذا الذي سُحل على الأرضية وهو ينزف ليترك كل هذه الدماء أم أنه أكثر من شخص؟”
كان يتسأل بصوت خفيض خشية أن يسمعه أحد يتحدث كمن فقد عقله وتدور عيونه في مقلتيها بطريقة جنونية وتتساقط الدموع من عينيه وملامحه تشي بالفزع الشديد.
في تلك الأثناء
يتملل كريم في مكانه وهو ينظر للنوافذ تارة وساعته تارة أخرى وهو ينتظر ظهور صديقه من خلال أحداها في أي لحظة.
ولكن فادي كان قد أتخذ قراره بالهروب من ذاك المكان.
ولكن قد فات الآوان قد أوصد الباب خلفه بقوة؛ لينتزع أخر رمق من تماسك ليفقد صوابه ويصرخ بشدة وهو يحاول أن يفتح الباب ولكن هيهات لم يعد هناك مجال للتراجع
إن الأرواح المعذبة المقيدة في المكان لن تسمح له بالمغادرة.
يطرق الباب بيده في عصبية وسرعة مع إطلاق السباب تارة وطلب النجدة تارة أخرى.
ويتذكر صديقه فيحث قدمه على المضي قدما نحو أحد الغرف ليطلب منه المساعدة من خلال النافذة، واثناء مشيه الحسيس نحو أول الغرف كان ضوء يتقطع كأنه يحتضر كروح حامله وما بين أرتعاشه رأى فادي أن الكرسي المتحرك يتقدم منه ويقترب وكلما ومض الضوء وجده يقترب أكثر فركض نحو الغرفة واختطف نظرة قبل أن يدلف للغرفة وإذا بشخص بدين ذو وجه متقيح وبطن مبتورة تخرج أحشائها منه بطريقة مقززة وينزف بشدة ويحرك الكرسي تجاهه ليدلف مسرعا إلى الغرفة ويغلق الباب خلفه ويجري نحو النافذة وإذا بها موصودة بألواح خشبية.
ظلام دامس مرعب غرفة كئيبة مطلية باللون الرمادي وكأنها زنزانة وسرير حديدي مهترئ فرشه في ركن الغرفة وكتابات تملاء الجدران
“أن الحياة غير عادلة لذلك الموت هو الأمل”
عبارة كتبت حروفها بالدماء وعلى الحائط الأخر.
“أُبعث من كل صرخة وأكتمل بكل روح معذبة”
عبارات مرعبة لا أحد يعلم من كتبها وأركان الغرفة مقززة وهناك ظل انثي توليه ظهرها ووجهها للحائط وتخدش الحائط بأظافرها وتسيل الدماء خيوطا على الحائط تحتها.
يجري فادي غير عابئ بما ينتظره في الخارج يعدو منها كمن يهرب من الزحف.
يقف على باب الغرفة التالية ويوجه الكشاف ناحية النافذة يتفحصها ليجدها كمثيلتها في الغرفة السابقة موصدة ليتراجع وهو يتلفت حوله ليتجه لغيرها
لمح اضواءمن خلف باب الطرقة الموصد عليه فعاد إليه مسرعا وهو يطلب النجدة ظنا منه أن صديقه يبحث عنه ولكنه رأى أن سيدة ترتدي بلطو أبيض تحمل مصباحا وتتجول به أمام الباب وعندما اقترب الضوء من وجهها كان مشقوقا طوليا وينزف دما يكاد أن يقع مخها أرضا مما أثار تقززه وقد ثارت معدته وأجبرته على التقيؤ والعودة متقهقرا فزعا تدمى عيناه خوفا وندما وفجاءة سمع صوتا معدنيا يتحرك على الأرضية مُصدراً أزيزاً مزعجا يلتفت مرغما وإذا بتلك الممرضة ممزقة الوجه تدفع طاولة معدنية تحمل فوقها مريضا مقيدا يحاول أن يتحرر من قيده وينظر نحوه نظرة رجاء وقد خيط فمه كاد فادي أن يموت فزعا ولكن الرغبة في الحياة تمنحه القوة للاستمرار بحثا عن مخرج أو حتى طلب النجدة ذهب لغرفة أخرى كانت غرفة جراحة بها العديد من أدوات التشريح الملوثة بالدماء وطاولة معدنية تشبه مارآه منذ لحظات وقفازات مرمية على الأرض ملوثة كحال كل شئ وما أن أدار الكشاف تجاه النافذة حتى كاد أن يطير فرحا فهى مفتوحة لا ألواح خشبية مسمرة ظل يلوح وينادي على صاحبه وهو يراه أمامه متكئا على السيارة يتململ في وقفته ولكن لا يراه ولا يستجيب لندائته المتكررة يسكت فجاءة حينما أضيئت الغرفة نظر حوله فوجد كل شئ نظيف نسبيا ومرتب والاضاءة تعمل بشكل طبيعي وهناك ممرضة تقف في كامل أناقتها ويعلو فمها ابتسامة صفراء وأمامها طبيب يرتدي كشاف فوق رأسه وبيده مشرط جراحي وأمامه مريض مسجي على سرير معدني مقيد ولكن المريض يبدو أنه غير مخدر فكل أطرافه المقيدة تتحرك وتأن ألما يقترب ليرى ذاك الطبيب السادي وهو يخيط فم المريض وبعدها يشق رأسه ويسلخ فروته ويعبث بمخه النابض بالحياة لتختلف ردود أفعاله، تارة يهدأ كأنه توفى ومرة يدخل في حالة هياج حتى تمزق جزء من فمه لتهرب منه صرخة جعلت الدماء تتجمد في عروق فادي وكما أضيئت الغرفة فجاءة أظلمت فجاءة، ولكن الأشخاص لازالوا في أماكنهم حاول فادي مرارا أن يجعل الكشاف يعمل بضربه بيده لينير المكان ويرى الممرضة وقد عادت لهيئتها المفزعة والطبيب وقد بترت أطرافه ويزحف ورأسه تكاد أن تنفصل عن جسده
“ماهذا الكابوس المرعب أم مت وها أنا في الجحيم لا أستطيع الفرار”
كان يحدث نفسه بصوت عالي مختنق بالعبرات، وحاول أن يرمي نفسه من النافذة ولكنه وجد نفسه يسقط على أرضية الغرفة فهرب خارجا وهو يغلق الباب حتى يمنع خروج الممرضة والدكتور وهو يتعجب من سخافة فعله إن الأشباح لا تحتاج لبواب طالما فواهة الجحيم مفتوحة على مصرعيها هاهنا في مشفى المجانين ذلك.
يجلس القرفصاء ويدفن رأسه بين أقدامه وهو يمسك بها بكلتا يديه وينتحب ويزلزل صوته أركان روحه التي كادت أن تزهق وفجاءة نهض مسرعا يتلفت داخل الغرف المتبقية يبحث عن مخرج فقد أشعل أمله نداء بأسمه سمعه يأتي من الخارج ولو أن صاحب النداء صوته أجهش لا يقترب ولو قليلا من صوت صاحبه ولكن لن يشكل فارقا من صاحب النداء المهم أن يصل إليه في أقرب وقت،
لقد أصبح فادي يتمنى الموت ولكن أي ميته تلك التي سوف تنهي حياته بين براثن هذه الاشباح المتعطشة للدماء.
“كم هى قاسية الحياة وغير عادلة فغلطة بسيطة كدخولي ذلك المشفى اللعين تودي بحياتي دون أدنى فرصة للدفاع عن نفسي فهنا القتال غير متكافئ كيف أتقاتل مع من سبق له الموت ويظهر أنها كانت ميته بشعة كاللتي سأحظى بها”
أنهى كلامه وهو يبتلع غصة في حلقه وعلقم خوفه وجسده ينتفض رعبا فتح باب أخر غرفة ودلف إليها مسرعا وهو يغلق الباب من خلفه ليرى أجهزة كهربائية متعددة ولوائح وأسرة معدنية وليس بها أية نافذة وجوها خانق برائحة الموت التي أصبح من اليسير عليه تمييزها وهو يعيش داخلها.
تلفت يمينا ويسارا باحثا عن مصدر الصوت ولكن هيهات أنها لعبة شيطانية أخرى من ألاعيب سفراء الجحيم هؤلاء وبالفعل وجدهم أمامه جميعا من منهم مسجى على الطاولات المعدنية وأخرين يقفوا وبأيديهم مشارط ومناشير كهربائية يقطعون بعضهم لبعض وينظرون له بنظرة شيطانية ويتجهون ناحيته ليصرخ ويقع من يده الكشاف ويتحطم.
وبعد فترة طويلة من غياب فادي بداء الخوف يتسرب لصديقه كريم ليتصل بأباه وأبو فادي ليأتوا بالنجدة ويقف أمامهم مخزيا مطأطأ الرأس خوفا وندما على أقحامه في تلك المغامرة السخيفة لأجل المشاهدات على مواقع التواصل فقد جُن العالم وأصبح مريضا بالشهرة مما يودي به لحافة الانهيار
وبخاه وذهبا بقوة داخل المبني مقتحمين الباب الأمامي المغلق بسلسلة حديدة وقفل كبير يستحال معه دخول أحد وتعجبوا جميعهم من خلال تبادل النظرات المتسألة وبعدما دخلوا عنوة وجدوا فادي في وضع جنيني مغشيا عليه في منتصف ردهة المشفى لتحمله الإسعاف لأقرب مشفى لإسعافه ولكن قد فات الأوان فقد
فقد عقله وهو يهذي بكلام غير مرتب أو مفهوم.
تقرر المحافظة غلق المبنى ووضع علامات تحذيرية من الدخول ولكنه أصبح مقصد لراغبي الإثارة والغموض ومازال المبني يلتهم ضحاياه أما أنتحارا أو بسلب عقولهم للجحيم قبل أجسادهم.
وبعد فترة واثناء مرور كريم من أمام المبني لمح فادي صديقه خلف أحدى نوافذه وهو يبتسم ابتسامة شر.