الشغل بالليل حاجة مُش سهلة؛ خصوصًا لما بتكون ماسك نبطشية في مستشفى زي حالاتي، خفير كل شغلانته إنه يفضل صاحي وعينيه مفَنجِلة طول الليل؛ واخد باله من اللي رايح واللي جي، لأن الليل مشاكله كتير والواحد بيكون حاطط إيده على قلبه لحد ما النهار يشقشق؛ وده شُغلي اللي استلمته من أربع شهور.
والمستشفى اللي بخفَّر عليها مُش كبيرة زي ما أنتم فاهمين، يادوب أربع مباني حواليهم سور وجوز بوابات، لكن لما اشتغلت هنا لقيت المبنى الأخير برَّه الخدمة والبوابة اللي ناحيته مقفولة، وفهمت إن الحال ده هيستمر لحد ما المبنى يتجدد ويرجعوا يشغّلوه تاني، بس لسبب ما العبد لله ميعرفوش تجديد المبنى وقف، ومن وقت ما اشتغلت لحد دلوقت المبنى مقفول وضلمة ومفيش حد بيقرب منه، حتى أنا رجلي مش بتاخدني لهناك بالليل؛ وده لأني مستحيل أسيب البوابة لأي سبب، لحد ما في ليلة لقيت الدكتور فرغلي المدير بينده عليا من شباك مكتبه؛ قومت من مكاني وجريت أشوفه عايز إيه، ولما وصلت له قال لي:
_بقول لك إيه يا عم مطاوع؛ محتاج منك طلب صغيَّر.
_تحت أمرك يا دكتور؛ اطلُب.
_محتاج جوز كراسي في المكتب عندي؛ لأن الكراسي اللي عندي بقت مكسَّرة وممكن تاخد اللي قاعد عليها وتنزل في الأرض.
عصرت دماغي وأنا بحاول أفتكر ممكن أجيب كراسي منين، ولما لقيت إن الكراسي على القَد في كل مكتب لقيتني بقول:
_بس يا دكتور فرغلي كل المكاتب زي بعضها، مين اللي هيوافق آخد كراسي من مكتبه، وبعدين حضرتك دكتور والمدير ولك كلمة في المستشفى، تقدر تكلم حد من الدكاترة تاخد منه كُرسي ولا اتنين.
_وهو يعني يا عم مطاوع لو في كراسي مُتاحة هطلب منك تتصرف؟ ما أنت عارف اللي فيها.
_ولما أنت عارف إني عارف اللي فيها هتصرف منين بس يا دكتور؟
_ما تخطف رجلك لمبنى أربعة، شوف أوضة من أوض الكشف أو مكتب من المكاتب اللي هناك، اسحب منهم جوز كراسي وهاتهًم وتعالَ.
كنت بسمع كلامه وعيني رايحة ناحية البوابة الخلفية، أصل مبنى أربعة هناك، في الوقت ده ركِّزت في الضلمة اللي مالية المكان؛ ولقيتني ببحلق في باب المبنى المفتوح؛ اللي المكان كان ظاهر من وراه زي توب القماش الأسود لما حد يفردُه لآخره، ضلمة وسواد تحِس إن مالوش آخر، وساعتها كنت بَتَهتَه في الكلام وأنا بقول:
_مبنى أربعة إيه اللي أروح أجيب منُّه كراسي يا دكتور فرغلي؟
_يعني مش عارف المبنى يا عم مطاوع؟
_لا عارفه طبعًا وعارف إنه خارج الخدمة.
_بس الكراسي والمكاتب اللي فيها مش خارج الخدمة، وبعدين يلا يا عم مطاوع وأنا ماليش بركة إلا أنت.
_مش دي الحكاية يا دكتور؛ الموضوع وما فيه إن المبنى مفيهوش كهربا والضلمة هناك زي ما أنت شايف، وبعدين أنا من ساعة ما اشتغلت في المستشفى وأنا رجلي مدخلتش جواه.
_لو على الضلمة خُد معاك كشاف ولا حاجة، وبعدين اعمِل لَك هِمَّة شوية؛ النبطشية هتخلص وإحنا بنتكلم في جوز كراسي.
لقيت نفسي بقول أمري لله؛ أخدت بعضي ورجعت الأوضة اللي جنب البوابة، اللي هي تبعي يعني، أصل كنت محتفظ فيها بكشَّاف لوقت عوزة، ومكنتش أعرف إن وقت العوزة ده هيكون في مبنى أربعة.
بعد ما لقيت الكشاف أخدت بعضي وروحت على مبنى أربعة، ده طبعًا بعد ما طلبت من علي الفرَّاش إنه يقعد مكاني على البوابة لحد ما أرجع، وقولت له هشوف حاجة وراجع؛ الأمر ميسلَمش تحصل أي حاجة كده ولا كده لو مفيش حد على البوابة.
فتحت الكشاف قبل ما أوصل للمبنى، أصل مكنتش هعرف أكمل من غيره في الضلمة دي، وبرغم إني كنت عايز أخلص من المهمة دي بدري بدري؛ لكن لقيت خطواتي بقت بطيئة بمجرد ما بدأت أقرَّب من المبنى، حسيت بتُقل غريب في رجلي، كأن كل رِجل فيهم بتجُر بلوك خرسانة.
طول عمري وأنا بسمع إن الأماكن الضلمة لها رهبة، لكن أول مرة أعيش الرهبة دي، ومقدرش أرجع بدون ما أجيب طلب الدكتور فرغلي، يقول عليا إيه؛ مطاوع خاف يدخل المبنى لأن الدنيا ضلمة! ده حتى عيبة في حقّي، وساعتها شنبي ده مش هيكون على راجل.
وقفت على باب المبنى؛ وأول حاجة عملتها هي إني نوَّرت بالكشَّاف جوَّه، وساعتها شوفت الممر، كان مليان تُراب ولمحت عنكبوت نازل من السقف، دا غير إني شوفت كراسي قديمة ومكاتب مركونة، بس من أول نظرة كده عرفت إن مفيش فيهم حاجة نافعة، الكراسي كانت نايمة على جنبها؛ اللي طاير منه رِجل والله طاير منه رجلين واللي ضهره مكسور، وطبعًا مفيش حاجة منهم هتنفع، وده هيخليني مُضطَر أدخل المكاتب اللي جوَّه أدوَّر فيها.
رجلي كانت بترتعش وأنا بمدّها جوَّه المبنى، وارتعشت أكتر لما لقيت أن خطواتي على البلاط صوتها عالي؛ أصل المكان ساكِت ومفيهوش أي صوت، على شان كده صوت خطوتي كان له صدى.
مشيت وأنا ببُص يمين وشمال، وكل ما عيني تيجي على مكتب مفتوح كنت ببُص فيه، لكن بالنظر كده مكانش حاجة فيهم نافعة، وفي وسط الممر سمعت صوت خبطة، زي ما يكون في كُرسي وقع من حتة عالية وخبط في الأرض، قلبي وقف؛ بلعت ريقي فجأة ومن الخوف شرُقت وروحي كانت هتطلع، ولما رجعت آخد نفسي من تاني بدأت ألِف حوالين نفسي؛ وعلى نور الكشاف كنت بحاول أوصل لمصدر الصوت.
الممر كان فاضي، حتى المكان اللي الصوت طلع منه مكنش فيه حاجة واقعة، كان فاضي ومفيهوش غير تُراب وعنكبوت، استغربت اللي حصل، دا الصوت خرم وداني ورَن في كل مكان، وفجأة لقيت نفسي برفع رجلي الشمال من على الأرض وأنا بقول:
_بِسسسس
كانت قُطة سودة بتجري بعرض المَمَر، لمحتها قبل ما تخبط في رجلي، وده كان شيء طبيعي، المبنى خارح الخدمة ومفيش حد بيدخله، وطبيعي إن يكون فيه قُطط وفيران وكلام من ده، لكن اللي مش طبيعي أبدًا واللي خلى جسمي يتفصَّص من بعضه هو إني انتبهت لحاجة غريبة، وهي إني كنت واقف في مكان مفيش جنبه باب أوضة؛ لا على يميني ولا شمالي، وساعتها اكتشفت إن القطة لما كانت بتجري بعرض الممر كانت خارجة من الحيطة واختفت في الحيطة التانية.
وفي عز ما كنت واقف بلِف حوالين نفسي، سمعت صوت خطوات بتقرَّب، كان في حد جاي ناحيتي؛ بصيت ناحية الصوت ونوَّرت بالكشَّاف؛ وساعتها شوفت الدكتور فرغلي، كان جاي عليا ولما وصل عندي قال:
_إيه يا عم مطاوع، هتقعد سنة على ما تجيب جوز كراسي؟!
كان بيكلمني وأنا بلِف حوالين نفسي وببُص في الأرض، زي اللي خايف يلدغه تِعبان ولا عقرب، وساعتها لقيته بيكمل كلامه…
_مالَك مُش واقِف على بعضك ليه؟
_مفيش يا دكتور بس…
_بس إيه يا عم مطاوع انطَق.
_في قُطة سودة كانت هتخبط في رجلي وهي بتجري، معرفش ظهرت منين واختفت فين، زي ما تكون دخلت في الحيطة.
_قُطة إيه بس اللي هتدخل في الحيطة يا عم مطاوع؟ زمانك بس مشوفتش كويس في الضلمة، يلا شوف جوز كراسي خلينا نُخرج من هنا.
_كراسي إيه بس يا دكتور؛ مفيش حاجة هنا سليمة.
_هو أنت دوَّرت فين بالظبط.
_دوَّرت في الممر ده كله، وشوفت في المكاتب اللي على الجانبين وأنت جاي في طريقك كده.
_طبيعي إنك متلاقيش حاجة سليمة، لأن كل الكراسي دي اترمت هنا بعد ما اتكسرت واتسحب مكانها كراسي سليمة، أنت شوفت في قسم الحروق القديم ولا لسه؟
_يطلع فين قسم الحروق القديم ده؟
_في الدور التاني فوق.
_لأ أنا مطلعتش فوق، وشكلي كده مُش هطلع.
_وإيه اللي مُش هيخليك تطلع؟
_بعد القُطة اللي اتخايلت بها دي مش هطلع، وبعدين أنا أعرف إن المستشفيات بيبقى فيها حاجات مش كويسة خصوصًا بالليل، ما بالك بقى مبنى أربعة ده وحالته زي ما أنت شايف.
_بطل كلام فاضي يا عم مطاوع، أنت بتشتغل هنا من أربع شهور كان حصل معاك إيه؟
_إن جيت للحق يا دكتور مفيش حاجة حصلت معايا، بس مُش هستني لحد ما تحصل يعني.
_طيب يلا بطَّل غلبة وأنا هطلع معاك.
مشيت معاه وطلعت على فوق، السلم كان قديم ودرجاته مكسورة، وده خلاني أطلع واحدة واحدة، لكن لقيت دكتور فرغلي سابقني ولا كأنه بيجري على النجيلة في ملعب كورة، ولما شافني متأخر عنُّه درجتين قال لي:
_خِف نفسك شوية يا عم مطاوع.
_السلم مكسور يا دكتور.
وصلنا الدور اللي فوق، وساعتها دكتور فرغلي وقف في بداية الممر، ومن غير ما يتكلم فهمت إنه منتظر أدخل أي أوضة أسحب جوز كراسي وأرجع.
نوَّرت بالكشاف قدامي ومشيت، بس بعد أول خطوتين لقيت نور الكشاف بيتحوِّل للأحمر، وقفت وأنا مش فاهم إيه اللي حصل، بس لما ركِّزت شوية لقيت إن مصدر الضوء جاي من ورايا، من عند دكتور فرغلي؛ التفَتت ناحيته وأنا بقول:
_هو أنت معاك كشاف نوره أحمر يا دكـ…
حسيت إن صوتي بيرجع في زوري ورافض يخرج، لأن اللي كان واقف في بداية الممر مكانش دكتور فرغلي؛ دي كانت واحدة سِت ولابسة لِبس ممرضة.
كنت بشوفها لأول مرة، ومعرفش دكتور فرغلي مشي إمتى وهي جت مكانه، دا أنا يادوب مشيت خطوتين في ثانيتين تلاتة.
كانت بتبُص ناحيتي بصة غريبة، في اللحظة دي عيني كانت بتلِف في الممر اللي لونه اتحول للأحمر بدون ما يكون في مصدر للضوء الأحمر، ساعتها رجَّعت عيني ناحيتها وقولت لها وأنا بَتَهتِه:
_أنتِ مين يا سِت أنتي وإيه اللي جابِك هنا؛ والدكتور فرغلي راح فين؟
وقفت وانتظرتها ترُد على سؤالي، وبعد صمت طويل منها قالت:
_دكتور فرغلي مدخلش هنا من سنة كاملة.
إجابتها خلتني أتهَز من جوايا؛ لأنه كان معايا هنا من ثواني بس، دا حتى هو اللي شار عليا إني أطلع قسم الحروق القديم وهو اللي دلِّني على مكانه، وده اللي خلاني أقول:
_إيه اللي بتقوليه ده! ده لسه كان واقف هنا من ثواني.
_المبنى ده مفيش حد هيدخله يا مطاوع.
_ليه يعني؛ لما تيجي الأوامر إنه يتجدد هيشتغل ويبقى زي الفل.
_الأوامر دي عليكم أنتم، إنما في عالم تاني أوامركم مش بتمشي عليه، هو اللي بيمشّي أوامره على الكُل؛ وبيعرف يقطع الإيد اللي مفيش حد قادر يقطعها.
_أنا مُش فاهم أي حاجة من كلامك.
_أنت مُش فاهم لأنك متعرفش حاجة؛ وغيرك فاهِم وساكت وخايف، وفي اللي فاهم ومفيش بإيده شيء يعمله، بس هانِت يا مطاوع، هانت.
_هي إيه اللي هانت؟
_لازم كل واحد يدوق من الكاس اللي خلّى غيره يدوق منه.
_هو مين ده اللي يدوق من الكاس اللي بتقولي عليه؟
_الدكتور فرغلي.
_ماله دكتور فرغلي؟ أنا متعاملتش معاه كتير بس ده شخص طيب.
ضحكتها رنَّت في المبنى كله، صوتها كان بيهِز الحيطان، ومع صوتها حسيت إن في رياح شديدة خلَّت العنكبوت اللي في السقف يسقط فوقي، والتراب اللي في الأرض يطير في كل حتة، لحد ما حسيت إني واقف جوَّه عاصفة ترابية ومش قادر أجيب النفس.
مكنتش شايف قدامي من التراب، بس معرفش إزاي كنت شايفها بوضوح رغم كل اللي حوليا، كانت بتقرَّب مني، وساعتها قدرت أشوف وشَّها بشكل تاني، كان ملفوف حوالين منُّه شاش أبيض فيه بُقع دَم، والأجزاء اللي ظاهرة من وشها كان جلدها مش موجود، زي ما يكون النار وكلاها، دا غير دراعاتها اللي كان جلدها متشال زي الأماكن اللي ظاهرة من وشها بالظبط.
بدأت أرجع لورا وأنا مش مستوعب اللي شايفه، هي دي مين وليه لابسة لِبس ممرضة، وإيه اللي جابها هنا وليه ظهرت بالشكل ده؛ والأهم من كل ده هو الدكتور فرغلي راح فين.
_كويس إنك بتسأل بينك وبين نفسك الأسئلة دي يا مطاوع، اللي بيسأل مبيتوهش؛ وكده أنت هتوصل، بس عايزاك وأنت بتسأل نفسك تسأل عن نوال، اللي هو كان سبب في موتها جوه الأوضة اللي أنت واقف قدامها دي، وقول له إنه قريب جدًا هيزور الأوضة دي، وهتكون دي زيارته الأخيرة.
بصيت للأوضة اللي قدامي؛ ولقيت بابها شبه مكسور ومتوارب، ومكتوب عليه حجرة حروق رقم واحد، بلعت ريقي ورجعت أبُص ناحيتها، بس لقيت الممر فاضي، مكانش لها أي أثر، حتى النور الأحمر اختفى ومكانش في غير نور الكشاف اللي في إيدي، وفي اللحظة دي لمحت القطة السودة بتجري في أرضية الممر، وقبل ما تخبط في رجلي اتفزعت ورفعتها؛ على شان تعدِّي من تحتها وتدخل نفس الأوضة اللي قالت لي عليها.
المكان كان ساكت، لو رميت الإبرة على الأرض كان ممكن أسمع صوتها، بس لاحظت إن باب أوضة واحد كان بيتحرك حركة خفيفة، أخدت نفس عميق وجمدت قلبي، قربت منه وزقيته، وبعدها ضربت نور الكشاف في الأوضة، وشوفت القطة السودة؟ كان حجمها أكبر من القُطط اللي متعود عليها، وعينيها في نور الكشاف كانت بتُبرُق، وبتبُص لي بصة مقدرتش أفرق بينها وبين بصة الممرضة اللي شوفتها من شوية!
وقفت زي الصنم مش عارف أتصرف ازاي، بس لقيتها جريت من مكانها فجأة ودخلت ورا باب الأوضة، ولما نوَّرت بالكشَّاف وراه وبصيت عليها؛ ملقتش لها أثر.
في اللحظة دي قررت أخرج من المبنى، أخدت ديلي في سناني وجريت ناحية السلم، كنت حاسس بخطوات حواليا، مكانتش خطوات بني آدم، الصوت زي ما يكون خربشة قُطط على البلاط؛ ورغم كل ده مكنتش شايف حواليا أي حاجة، ويا روح ما بعدك روح، معرفش إزاي نزلت السلم، كل اللي أعرفه إني كنت هتكفى على وشي أكتر من مرة، ولما نزلت في الممر اللي تحت، كمّلت جري لحد بره المبنى، وساعتها بس صوت الخطوات انتهى بمجرد ما خرجت من الباب.
معرفش إزاي قطعت المسافة بين مبنى أربعة والبوابة، محستش بنفسي غير وأنا بترمي على الدكة جنب علي الفراش؛ اللي كان لسه قاعد منتظرني، ولما شافني مش قادر آخد نفسي قال:
_إيه اللي عمل فيك كده يا مطاوع؟
ساعتها بس بصيت لهدومي؛ التراب كان ماليها والعنكبوت نازل على وشي، في اللحظة دي كنت ببُص ناحية مكتب دكتور فرغلي؛ ولقيته ضلمة وشباكه مقفول، بس علي الفرَّاش رجع سألني نفس السؤال من تاني، ساعتها أخدت نفسي وجاوبته:
_كنت في مبنى أربعة.
بمجرد ما قولت كده لقيت علي وقف من مكانه زي اللي اتكهرب، وبعدها قال لي:
_إيه اللي خلاك تروح هناك؛ دا أنا كنت فاكرك رايح الحمام.
_كنت بشوف جوز كراسي.
_أنت اتجننت يا مطاوع؛ كراسي إيه اللي أنت رايح تشوفها هناك.
_أصل دكتور فرغلي هو اللي طلب مني؛ دا حتى حصَّلني على هناك وقال لي إني هلاقي كراسي في قسم الحروق القديم، بس…
_بس إيه يا مطاوع انطق.
_لما طلعت فوق حصلت حاجات غريبة، دكتور فرغلي اختفى ولقيت هناك ممرضة اسمها نوال، قالت لي كلام غريب مفهمتش منه حاجة، وحصل منها برضه حاجات غريبة، المبنى اللي هناك ده في حاجة مش مظبوطة يا علي.
_طيب اقفل بوقَك.
_ليه عاوزني أسكُت.
_لأن دكتور فرغلي أصلًا مجاش المستشفى النهاردة؛ عنده حاله خطيرة في المستشفى الخاصة بتاعته، وموجود هناك على شان يتابعها.
_إيه اللي أنت بتقوله ده يا علي؟
_بقول اللي حاصل يا مطاوع، واهو أنت شوفت بنفسك اللي حصل معاك هناك، المبنى ده اتقفل نهائي من سنة؛ لأن حصلت فيه حالات وفاة كتير في قسم الحروق، وبدأت تظهر فيه حاجة غريبة، زي إن مريض يموت بسبب الحروق وبعدها تشوفه ماشي في القسم بالليل، أو أوضة يموت فيها حد، وبرغم كده تسمع فيها صوت حد بيستغيث بالليل وهي أصلًا فاضية واللي كان فيها مات، حاجات كتير يا مطاوع خلَّت الأقسام كلها تنقل من المبنى، وبيتحججوا إن المبنى عاوز تجديد وإن الموافقة لسه موصلتش، وبقالنا سنة على الحال ده، مفيش حد بيقرب منه، ولا هيقرب منه؟ وبالنسبة لنوال كانت ممرضة في قسم الحروق، وبعد ما خلصت شغلها وروَّحت لقيناها واصلة المستشفى في الإسعاف، البوتاجاز هَب فيها وجت على قسم الحروق، وماتت في نفس الليلة اللي جت فيها.
استغربت من كلامه وقولت له:
_إيه كل الحالات اللي ماتت في قسم الحروق دي؛ أومال العلاج كان فين؟
_كل حاجة كانت بتطلع من بره بره على مستشفى الدكتور فرغلي الخاصة، بيتعمل فيها عمليات تجميل بعد الحروق وحاجات تانية، ومحدش عرف يثبت عليه حاجة لأنه كان بيظبط أوراقه كويس، ولو حس إن حد ممكن يفتح بوقه كان بيشيله من طريقه بأي طريقة، وهو إيده طايلة، واللي إيده طايلة مفيش إيد تطوله يا مطاوع، وأحسن حاجة إنك تحافظ على أكل عيشك، زي ما أنا بعمل بالظبط، لأن قبل ما تيجي في واحد اتكلم وقال على اللي بيحصل، لكن مكانش في إيده دليل ولا عرف يثبت حاجة، ونهايتها إيه؟ شال قضية تشهير واتحكم عليه، القادر خاف منُّه يا مطاوع، لحد ما ربنا يأذن من عنده.
وسابني ورجع على شغله، فضلت قاعد وعيني على مكتب دكتور فرغلي اللي مضلِّم، كنت بسأل نفسي هو إزاي ظهر لي وطلب مني الطلب الغريب ده، ولا اللي كلمني كان روح حد من اللي ماتوا، وغالبًا روح نوال لأن هي اللي ظهرت لي هناك، أنا كنت أسمع أمي الله يرحمها تقول إن أرواح اللي بيموتوا مقتولين أو محروقين بتظهر في شكل قُطط، وبتبقى ساكنة المكان اللي ماتت فيه، ومكنتش مصدق الكلام ده لحد ما شوفت بعيني، بس ياترى هي استدرجتني هناك ليه؟ وإيه اللي خلاها النهاردة بالتحديد تقول لي الكلام اللي قالته.
والنبطشية خلصت؛ بعدها أخدت بعضي ومشيت من المستشفى، ولما رجعت تاني على نبطشيتي؛ قعدت على الدكة وأنا بفكر في اللي حصل ليلة امبارح، معرفش ليه من بين كل ده كانت بترِن في ودني جملة واحدة، لما نوال أو روحها قالت إن دكتور فرغلي هييجي مبنى أربعة قريب، وبالتحديد أوضة واحد في قسم الحروق، وهتكون زيارته الأخيرة.
قطع تفكيري صوت علي الفرَّاش وهو بيقعد جنبي، وبيمد إيده ناحيتي بكوباية شاي، ساعتها شوفنا دكتور فرغلي داخل من البوابة ورايح على مكتبه، افتكرت بس إني امبارح فعلًا مشوفتوش وهو داخل زي ما بشوفه كل يوم، وساعتها علي قال لي بصوت واطي:
_الدكتور فرغلي وصل أهو، تشوف شكله تقول طيب وغلبان؛ بس يا ما تحت الساهي دواهي.
_الدنيا فيها كتير يا علي.
_بالك أنت؛ النهاردة الذكرى السنوية الأولى لنوال الممرضة؛ هي ماتت في قسم الحروق زي النهاردة من سنة بالظبط.
معرفش ليه قلبي اتقبض فجأة، بس معلَّقتش على اللي سمعته بأي كلمة، وخلصنا شُرب شاي، وفضلت قاعد في مكاني لحد ما علي سابني وقام يشوف اللي وراه، وبقينا نُص الليل، دخلت الأوضة على شان أقفل لمبتها اللي شغالة على الفاضي دي، ولما خرجت؛ لمحت حد ماشي ناحية مبنى أربعة، بعد ما ركِّزت عرفت من ضهره إنه دكتور فرغلي، ندهت عليه بعلو صوتي لكن رجليا مطاوعتنيش إني أروح وراه، وساعتها علي خرج يجري على صوتي، وبعدها خرج كام واحد يشوف إيه اللي بيحصل، وساعتها شاورت ناحية مبنى أربعة وأنا بقول:
_دكتور فرغلي المدير دخل مبنى أربعة.
وبعد ما أكتر من دكتور وممرض جابوا كشافات ودخلوا المبنى، فضلت واقف بره أنا وعلي؛ وبعد وقت طويل لقيناهم نازلين وفي اتنين منهم شايلين دكتور فرغلي قصاد بعض، كان فاقد الوعي وملامح وشه كانت غريبة، عينيه مفتوحة ولسانه طالع لبرَّه، وبعد ما أخدوه على أوضة من أوَض الكشف اكتشفوا إنه مات، والغريبة إن سبب الموت طلع في شهادة الوفاة انتحار، واتقال إنه خنق نفسه، والأغرب من كل ده؛ لما عرفنا إنهم لقوه ميِّت في قسم الحروق؛ وخصوصًا حجرة رقم واحد، بالظبط؛ زي ما نوال قالت إنه هيزور مبنى أربعة زيارة أخيرة، وفعلًا اللي قالت عليه حصل، زي ما يكون انتقمت لنفسها ولغيرها لأن مفيش حد بيعرف ياخد حقه من حد إيده طايلة، بس في قوانين كتير بترجَّع الحقوق لأصحابها، والقوانين دي ربنا اللي عملها، داين تُدان، ودي مبيفرقش معاها اللي إيده طايلة من اللي إيده مقطوعة، وفعلًا كل شيء مكتوب، لأن زي ما عرفت من علي الفرَّاش إن النهاردة الذكرى السنوية الأولى لوفاة نوال الممرضة، اليوم اللي زارت فيه مبنى أربعة قسم الحروق للمرة الأخيرة، وهو نفسه كان وقت زيارة دكتور فرغلي للمبنى؛ وبرضه الزيارة الأخيرة.
تمت…