قصص

قصة العائد من الموت

قصة العائد من الموت فضلت أجري بسرعة, قلبي كان بيدُق بخوف, حاسس به بيجري ورايا, صوت خطواته على الرمل واضحة وقريبة جدا .. صوت أنفاسي عالية, ودقات قلبي في تزايُد مستمر..
الدنيا ضلمة حواليا, الصحرا واسعة جدا, والصمت مغلف كل شبر فيها..
– هتروح مني فين هنا ؟ .. انت خلاص, ميت !
سمعت صوته من ورايا .. من خوفي اتكعبلت ووقعت على وشي .. بصيت ورايا وانا نايم ع الرمل, شوفته جاي عليا, القمر كان في ضهره, فمكنتش شايف وشه .. لكني كنت قادر احدد الشيء اللي بيلمع في ايده .. كانت سكينة كبيرة !..
رفعها لفوق, حسيت انه بيبتسم بشماتة رغم اني مش شايف وشه, وجري عليا بسرعة..
صرخت بأعلى صوتي:
– آآآآآآآآآآآآآآه
*********************
– .. آآآآآآآه
فتحت عيني, كنت قاعد في مكان غريب, جسمي أغلبه واجعني, وخصوصا صدري, حاسس اني مش قادر آخد نفسي بشكل طبيعي..
انتبهت اكتر للمكان حواليا, محتاجتش لكتير من الذكاء عشان أعرف انا فين .. قناع الاكسجين اللي محطوط ع وشي, وصوت جهاز ضربات القلب الرخيم, والحيطان البيضا الكئيبة..
شوفته واحدة جاية عليا بلهفة:
– أستاذ عبد النور انت سامعني ؟
مديت ايدي عشان أشيل القناع, لكنها منعتني:
– بلاش تشيله دلوقتي, رئة حضرتك لسة متعافتش بشكل كافي.
اتكلمت بصوت انا نفسي مسمعتوش:
– انا … انا مين ؟
تبدلت نظرتها للتعجب:
– حضرتك الأستاذ عبد النور, حضرتك مش فاكر حاجة ؟
وقبل ما أرد عليها, سمعت صوت من وراها بيتكلم:
– هو صحي ؟ .. حمدًا لله على السلامة, ياباشا انت أثبت لنا إن الشباب مش بالسن بقى.
الممرضة قربت منه وقالت له حاجة مكنتش قادر اتبينها من الدوشة اللي في دماغي .. لكني لقيته بيبص لي بتعجب زيها وبيقول:
– أستاذ عبد النور, حضرتك عارفني ؟
انا مش فاهم الناس دي مالها, انا مطلوب مني اعرف كل واحد أول مرة اشوفه ازاي .. ثم مين عبد النور ده أصلا ؟
حسيت بالغضب, فحاولت أقوم, فلقيتهم بيمنعوني, مسكته من دراعه ولسة هبعده عني .. لفت انتباهي حاجة مرعبة !..
ايدي .. ايدي مكرمشة, مليانة تجاعيد زي ما يكون عندي ألف سنة !..
بصيت لها بذهول .. قلبي كان بينبض بخوف, صوت جهاز نبضات القلب بقى أعلى, وحسيت بجسمي كله بقى بارد زي التلج..
بصيت في وشوشهم, وجيت أسألهم عن سبب اللي انا فيه, لساني تِقِل جدا, وعينيا ابتدت تقفل تدريجيا, وشوفت الدكتور بيشيل السرنجة من دراعي .. وآخر صوت سمعته بيقول:
– ارتاح دلوقتي ياعم عبد النور, لحد ما نبعت نجيب…
_______________
سمعت صوته من ورايا .. من خوفي اتكعبلت ووقعت على وشي .. بصيت ورايا وانا نايم ع الرمل, شوفته جاي عليا, القمر كان في ضهره, فمكنتش شايف وشه .. لكني كنت قادر احدد الشيء اللي بيلمع في ايده .. كانت سكينة كبيرة !..
رفعها لفوق, حسيت انه بيبتسم بشماتة رغم اني مش شايف وشه, وجري عليا بسرعة.. !
فضلت أزحف على الرمل .. طعني بالسكينة في رجلي .. صرخت بعنف, الألم كان بيقتلني .. سمعته بيضحك بصوت عالي:
– شكلي كدة هتسلى للصبح.
حاولت أقف على رجلي, لكني وقعت مكاني, والألم زاد أكتر .. لقيته بيقرب مني, قعد ع الأرض جنبي, مسك رجلي اللي بتنزف, حاولت ارفسه برجلي التانية, لكنه بعدها بمنتهى السهولة:
– شوفت احساس الألم جميل ازاي .. آآآه .. سلام نفسي كبييييييير.
وفجأة لقيته بيغرس نصل السكين في سمانة رجلي وبيشُقها بالطول !!..
صرخت .. صرخت كأني لم أصرخ من قبل .. صوتي تردد صداه في كل مكان .. ومن بين صراخي سمعته بيضحك بهيستريا !..
*****************
قمت مفزوع, حاسس بنصل السكين لسه بيخترق رجلي .. فتحت عيني وببص, لقيته .. كان ماسك رجلي .. بيكتفني في السرير .. ودني كانت سامعة صوت جهاز نبضات القلب, معنى ذلك اني في المستشفى .. ده ده, ده معناه انه عرف مكاني وجاي .. يقتلني !..
حاولت افلت منه .. فجأة ظهر اتنين تاني, اتنين شبه بالظبط, وشوشهم مضلمة مش باين منها اي ملامح, لكني كنت شايفهم بيضكحوا, الشماتة مالية عيونهم وهما بيبصوا لي..
لقيت نسخة منه بتمسكني من راسي:
– بابا .. بابا .. انت كويس, متخافش, انا معاك, اهدأ, اهدأ بعد اذنك.
وتدريجيا ملامح الظِل ده بدئت تبان, وظهر شكل لشاب في العشرينات من عمره, الخوف باين في عينيه, وعمال يدعك لي صدري ويبسمل !..
وبالتالي كل اللي في الأوضة ملامحهم بدئت تبان, وظهر الدكتور اللي شوفته من شوية والممرضة..
اتكلم الشاب:
– متخافش يابابا, اهدأ, انا جنبك .. ايه يا دكتور وائل, في ايه, بابا ماله, دي اول مرة تيجي له الحالة دي ؟
رد عليه اللي اسمه وائل:
– صدقني مش عارف, اول مرة تَرِد علينا حالة تدخل عندنا بسبب ضيق في التنفس, تفوق من النوم فاقدة الذاكرة, وكمان التشنجات الغريبة دي.
– والحل ؟ .. انا هعمل ايه دلوقتي ؟
وائل قرب مني, ميِّل عليا وقال:
انت عارف انا مين ؟
هزيت راسي بالنفي .. لقيت الشاب وقف قدامي وقال:
– طب .. فاكر انا مين ؟
ملامحه غريبة عليا, اول مرة اشوفه, لكن عينيه, عينيه فيها لمعة غريبة, نظرة الشخص الصادق الطيب.
هزيت راسي بالنفي .. لقيته بيبص لوائل وبيقول:
– مش فاكرني, هه .. مش فاكر ابنه !
ابني ! .. ابني ازاي ؟ انا مش متجوز أصلا .. وبعدين انا, انا معنديش مشاكل في التنفس, انـ..
وقتها افتكرت حاجة مهمة, رفعت ايدي قدام وشي .. لقيت التجاعيد لسه في مكانها, بصيت لهم باستغراب وقلت بصوت خافت:
– انا عندي كام سنة ؟
انتبهوا ليا, الشاب بص لي بصدمة, وكذلك الدكتور .. قال الأول:
انت مش فاكر عندك قد ايه ؟
– انا مش فاكر .. مش فاكر حاجة.
وائل اتكلم وقال:
– بص .. الحالة دي ملهاش غير تشخيص واحد, وهو الصدمة, البني آدم مننا لما بيدخل في صدمة شديدة بيبدأ عقله يهلوس ويفقد حاجة كتير, او ممكن يوصل للجنون .. وممكن بسبب ضيق التنفس وقلة الأكسجين, سبب له فقدان ذاكرة مؤقت؛ عامةً انا هعمل له أشعل مقطعية على المُخ وهتأكد لو في حاجة.
فقدان ذاكرة ايه اللي بيتكلم عليه, انا فاكر كل… كل آآآه.. لحظة واحدة .. انا مش فاكر حاجة .. انا مش فاكر انا مين أصلا .. لكن … لكن اللي واثق منه اني مش عجوز, واني مش مريض بالرئة !..
_____________
الشاب اللي عرفت فيما بعد ان اسمه (وسام) أخدني ورجعنا للبيت, بيتي !..
حالتي -على كلامهم- اتحسنت بقدر اني اقدر اروح, واتكتب لي على نور بخاخ جديد عشان لو حصل ضيق في التنفس تاني..
نزلت من التاكسي قدام العمارة, الناس في الشارع جُم سلموا عليا, الكل كان فرحان برجوعي, أصواتهم في ودني عمالة تختلط ببعض بين فرحان ومُشفِق وشخص بيهزر عشان يفق الجو..
تمنيت وقتها امنية واحدة, وهي انهم ميسألونيش عن أسماءهم !
طلعت العمارة, للدور الأول .. وسام قال لي:
– لما الدكتور قال لي انك هترجع معايا النهارده, فقلت أعمل لك مفاجأة صغيرة كدة.
سألته بفضول ممزوج بالقلق:
– هي امك اسمها ايه عشان لو شافتني أعرف أناديها أقول لها ايه ؟
بص لي بأسى لثواني وقال:
– ماما الله يرحمها يابابا, ماتت من عشر سنين.
وقتها حسيت بمية ساقعة بتندلق في قفايا:
– آآآ .. آسف, مكنتش أعرف.
ابتسم بحزن وهو بيفتح الباب:
انت عارف, بس تلاقيك ناسي .. انت اللي كنت واقف تدفنها بإيدك معاهم.
فتح الباب ودخلنا جوا, شميت ريحة زكية, ريحة حاجة حلوة جدا, حماسي خلِّى وسام ياخد باله, فقال لي بابتسامة فرح:
– عارفك بتموت في البشاميل والفراخ المشوية.
قعدني على ترابيزة السفرة وسابني ودخل المطبخ:
– ثواني والوليمة هتكون قدامك يا سيد الملوك.
قمت أبص على البيت, الصور المتعلقة على الحيطان, والأوض, الشقوق السطحية اللي في كل ركن, وريحة السجاير اللي معبقة المكان..
شوفت صورة لواحدة سِت التلاتينات من عمرها, وعلى الصورة شريط اسود .. ملامحها مكانتش غريبة عليا, حسيت بالأُلفة وانا ببص لها, وشها مُريح وابتسامتها مُطمئنة للنفس.
قلت بصوت عالي:
– صورة مين دي يا وسام ؟
ثوان ورَد عليا:
– دي ماما.
بصيت على الصورة اللي جنبها لقيت راجل كبير في السن, بشرته لونها بني ووشه مليان تجاعيد:
– ومين الراجل العجوز ده, جدك ؟
وقبل ما يرد عليا, عيني جت على المرايا, اتفزعت ورجعت لورا بخوف, لما شوفت الشخص اللي في الصورة قدامي في المرايا !..
الظاهر انه تفاجأ زيي, لانه خاف ورجع لورا..
– ده ؟ .. ده سيد الملوك .. ده انت يابابا. !
وقتها انتبهت, شوفت ملامح الصدمة بتعتريني, وانعكاسي في المرايا بيبص لي بذهول ورعب وهو مبحلق عينيه..
قربت من المرايا وبصيت لوشي بتمعن .. ده انا ؟ الراجل العجوز البشع ده .. انا ؟
– مولاي الملك العظيم بيتمعن في شكله البديع, يابخت المرايا.
فُقت من شرودي على صوته, بصيت ناحيـ.. ايه ده ؟ .. ده ده .. ده هو .. جه ورايا البيت ..
كان ماسك سكينة في ايد وفي الإيد التانية حبل غليظ .. وشه رجع للظُلمة اللي كان عليها, وابتسامة الشماتة ملت وشه..
– ابعد عني .. متقربليش … وسام … وسااااام.
لقيت بيقرب اكتر .. ابتديت ارجع لورا أكتر, مسكت فازة كانت جنبي .. :
– لو قربت لي هأذيك .. ابعد .. وساااااام.
ملامحه بدئت تتبدل .. الظلام بيختفي واحدة واحدة .. وظهر فجأة طوق النجاة .. وسام !
– في ايه يابابا, مالك, انا وسام, ماك في ايه ؟
وببص على ايده لقيته شايل معلقة كبيرة وفوطة.
– انا عايز انام.
لفيت وشي ومشيت:
– طب والأكل ؟
– مش عايز حاجة, انا عايز أنام.
– استنى طيب, اوضتك مش من هنا.
وصلني لأوضتي, مددت جسمي على السرير, عضمي كان واجعني, وأنفاسي عالية .. وده كان مسبب لي حنق, جسم ضعيف غبي, انا محبوس في الجسم ده..
وسام غطاني, وقفل النور عليا وطلع برا .. غمضت عيني, وفي ثواني كنت رحت في النوم..
********************
وفجأة لقيته بيغرس نصل السكين في سمانة رجلي وبيشُقها بالطول !!..
صرخت .. صرخت كأني لم أصرخ من قبل .. صوتي تردد صداه في كل مكان .. ومن بين صراخي سمعته بيضحك بهيستريا !..
فلت منه وكملت زحف, عافرت لحد ما قدرت اقف على رجلي, وفضلت ماشي على رجل واحدة, والتانية بتنزف وعاملة خط دم عريض ورايا !..
انت بتاعي, بتهرب لفين .. بتهرب لفين يا ياسر.
بصيت ورايا, ووقتها ضوء القمر أظهر لي حاجة .. عنده تلات صوابع في ايده الشمال مش موجودين !..
********************
– انا اسمي ياسر.
قلتها له بإصرار وعِند, فرَد عليا وسام بهدوء:
– ياسر مين يابابا, انت اسمك عبد النور .. مين ياسر ده ؟
شكل الكلام معاه بالوِد مش هيجيب نتيجة .. فصرخت فيه:
– انا اسمي الحقيقي ياسر, انا معرفش مين عبد النور ده, ده مش جسمي, ولا دي حياتي, وانت .. انا معرفكش اصلا, ولا اعرف الست الميتة اللي على الحيطة .. انا معرفش حد فيكوا, انتوا اخدتوني من جسمي وحبستوني في الجسم العاجز ده .. انا عايز ارجع لجسمي الحقيقي.
ملامح وشه تبدلت للحزن وهو بيقول:
– طب ممكن تهدأ ؟ انت شكلك تعبان.
– انا مش زفت تعبان .. بقول لك ده مش جسمي, انا مش ابوك ولا أعرفك, دي اول مرة أشوفك .. انا مـ.. آآ .. انـ..
فجأة حسيت بنفسي بيضيق, ومبقتش قادر أتنفس, ورئتي بتتقفل حتة بحتة..
اترميت على الأرض .. الدنيا كانت بتلف بيا, وحاسس بروحي بتتسحب مني .. مش عارف اتنفس .. مش قادر آخد نَفَس لجوا !..
عدت ثواني ولقيته بيجري ناحيتي, قعد جنبي على الأرض وحط شيء ما في بوقي .. ثواني وبدأت أفوق .. وقدرت آخد نفسي بشكل طبيعي إلى حد ما..
قعدت أكُح .. شالني وقعدني على الكرسي:
– إهدا, متخافش, انا جنبك. قادر تتنفس دلوقتي ؟
هزيت راسي بالإيجاب:
– الحمد لله .. هدي نفسك شوية, مش عايزين الأزمة ترجع تاني
وفجأة لقيت عينيه بتتملي دموع وبدأ صوته يتحشرج وهو بيقول:
– انا مقدرش أعيش من غيرك, ايه يا عم عبد النور, عايز تسيبني ؟ هتسيب وسام حبيبك لوحده ؟
محستش بنفسي غير وانا بمد دراعي ناحيته وباخده في حضني, كنت بعمل ده بغير إرادتي, زي ما يكون جسمي بيتحرك لوحده !..
_________________
الحلم اتكرر كتير, في كل مرة تزيد تفصيلة صغيرة, في كل مرة بقدر أشوف شكل الشخص اللي بيطاردني .. وفي كل مرة كنت بصحى فيها من النوم, كنت بحس اني فاكر حاجة جديدة..
لحد ما قدرت أجمع أفكاري وأفهم .. مش بعيد اللي انا فيه يكون تناسخ أرواح, رغم اني مش مآمن به, الا انه الحل الوحيد للي انا فيه..
روحي السابقة ماتت مقتولة, وجت في جسم الراجل ده اللي دخل في أزمة تنفس ومات بالفعل, واحتلت جسمه, ودلوقتي بتحاول تبعت للجسم رسايل عشان ياخد حقها من اللي قتلها .. ده التفسير الوحيد للي انا فيه..
وعشان أقطع الشك باليقين, كان لازم أدور على شخص اسمه ياسر مات مقتول في الصحرا..
دخلت الأوضة عندي ودورت في أخبار الحوادث في الجرنال, لحد ما وصلت له ..
(حادثة بشعة على طريق مصر اسكندرية الصحراوي, وجدت الشرطة جثة لرجل في الثلاثينات من عمره بجانب الطريق مدهوس بسيارة مُهشم الأعضاء بالكامل, ومن تحليل الأسنان اتضح أن اسمه الحقيقي هو “ياسر توحيد النيازي” ولم تعرف بعد الشرطة على الحادثة مدبرة أم لا, وتقيدت القضية ضد مجهول)
كتبت كل اللي قدرت استنتجه في ورقة, وقعدت ربطت الخيوط في بعض, دلوقتي جه دور اني اعرف مكان بيته, واعرف ايه قصته .. او بالأحرى قصة وفاتي !..
_________________
عملت كام اتصال بالجريدة عشان اعرف عنوان بيته, وببعض الرشاوي, قدرت آخد عنوان الحارة اللي كان ساكن فيها..
لما وصلت هناك, حسيت بشعور غريب, كأن المكان ده انا عارفه من سنين .. قلبي بدء يدق بسرعة, طلعت البخاخة من جيبي وأخدت مرة عشان ميجليش اختناق من فرط القلق..
اتمشيت لحد ما وصلت لقهوة, قعدت على الكرسي وبدأت اتطلع في وجوه الناس .. المفروض اني أحس بحاجة لو عيني جت على شخص بعينه, يمكن أطلع أعرفه, يمكن تراودني ذكرى معاه..
فضلت اتنقل بعيني بين الناس, لحد ما لفت نظري شخص ما .. كان قاعد مديني جنبه اليمين وبيشرب شيشة .. لقيتني ببص له بتركيز مش فاهم ليه .. وجوايا احساس غريب بالنفور من ناحيته..
فضلت باصص له لدرجة انه أخد باله, ولقيته بيبص لي بتعجب وقام رافع ايده الشمال:
– سلامه عليكوا ؟
وهنا الدم نشف في عروقي, لما شوفت في ايده الشمال تلات صوابع مش موجودين !!
قمت بسرعة من على القهوة بشكل مُلفت للنظر .. مشيت بسرعة بعيد عنه .. وقفت في مكان بعيد, وقفت واحد وقلت له:
– هو .. بيت ياسر الـ… يا.. ياسر نيازي, ياسر نيازي اه, بيته فين ؟
شوفت عليه ملامح القلق, فقلت له:
– انا قريبه من البلد, وجاي آخد العفش بتاعه زي ما كان موصيني.
بص لي من فوق لتحت وقال:
– العمارة اللي هناك دي, الدور التالت.
شكرته ومشيت, دخلت العمارة .. في ريحة غريبة جت في مناخيري, ريحة وحشة آه, لكنها محببة للنفس مش فاهم ليه !..
طلعت السلم لحد الدور التالت, وقفت قدام شقة معينة, حسيت ان هي دي, ملست بإيدي على الباب, حسيت اني أعرفه من سنين طويلة, جالي شعور بالحنين غريب تجاهه..
– بتدور على حاجة ياحاج ؟
انتبهت للصوت فبصيت .. بحلقت لما لقيته هو, نفس الراجل اللي .. اللي قتلني قبل كدة !..
وقفت ابص له بسكوت, جوايا كلام كتير عايز اقوله له, عايز اقول له اني عايش, عايز اقول له اني راجع أندِّمه على اللي عمله .. لكني اختارت انه مش دلوقتي:
– لا مفيش .. انا بس توهت.
بص لي بشك واضح .. فلفيت وشي ونزلت على السلم .. سمعته بيقول:
انت تعرفني ؟ اصل شايفك عمال تبص على واحنا قاعدين على القهوة.
بصيت له بسرعة وانا بقول:
– لا .. دي اول مرة أشوفك.
ومشيت..
________________
واليوم ده تأكدت اني صح, تأكدت ان الروح اللي في جسمي هي رسالة ولازم أكملها..
وفي اليوم ده برضه قدرت اشوفه, جالي في الحلم بشكله الكامل من غير الظلام اللي عليه, وتأكدت ان هو اللي قتلني, وشوفت الحادثة كاملة..
شوفته وهو بيدبحني بالسكينة اللي معاه, وبيرمي جسمي على الطريق الأسفلت و.. بيجري بالعربية عليا مرة واتنين وتلاتة .. الدم مغرق كل حتة, وأعضائي المفرومة موسخة كل شبر في الطريق !..
*********************
قعدت مع نفسي وبدأت أفكَّر, كتبت كل حاجة في ورقة وفضلت اخطط بعدها انا هعمل ايه..
ولما رحت الحارة كذا مرة بعدها, عرفت ان الراجل اللي قتلني كان بينه وبيني مشاكل كتير, أقربها انه اتهمني اني ببص لمراته, واتخانقنا خناقة كبيرة, والناس بعدها صالحونا على بعض .. كان عندي معلومات كفاية اني اكون متأكد قبل ما أزهق روح شخص بريء..
ولما جه الميعاد, قمت بالليل, دخلت المطبخ جبت سكينة كبيرة وخبيتها تحت هدومي, نزلت الشارع وركبت تاكسي .. فايدة الجسم ده, ان محدش هيشُك في راجل عجوز..
وصلت الحارة, طلعت العمارة بتاعتي, اللي هو كمان كان جاري فيها, طلعت للدور الرابع, خبطت على الباب, طلعت السكينة وخبيتها ورا ضهري..
فتح الباب وعلى وشه بواقي النوم .. اول ما شافني اتخض, وقبل ما ينطق بحرف, ضربته بالسكينة في عينه !..
بفضل بواقي النوم اللي مسيطرة عليه, فمقدرش يتفادى الضربة, واترمى على الأرض يصرخ..
دخلت وراه, لقيته قام وحاول يهرب .. ضربت السكينة تاني عشان تيجي في قلبه, لكنه وقَّف ايده قدامها, فالنصل اخترق كَف ايده وعدى من الناحية التانية !..
صرخ بوحشية .. سحبت السكينة من ايده وانا بقول له:
– شوفت احساس الألم جميل ازاي .. آآآه .. سلام نفسي كبييييييير.
وقتها لقيته بيبص لي وبيبرق .. فضحكت بصوت عالي:
– فاكرني مُت ؟ فاكر انك قتلتني ؟ تبقى غبي.
وشه كان غرقان دم وجسمه غرقانين دم, والأرض كمان .. :
انت مين .. عايز مني ايه .. انا مقتلتش حد.
اتقدمت ناحيته بهدوء .. دلوقتي جه وقت الحساب .. دلوقتي الروح هترتاح في مكانها..
رفعت السكينة لفوق:
– بابا .. بتعمل ايه ؟!!
بصيت ورايا, لقيته وسام.. وفي ثواني سمعت صوت سارينة البوليس, جريت على الكلب اللي قتلني قبل ما وسام يتحرك ويمنعني .. طعنته في عينه التانية, والضربة التالتة في قلبه بالظبط.
– سلم نفسك .. سيب السلاح .. سيب السلاح.
********************
دخلوني مصحة نفسية, بيقولوا اني بتوهم كل ده, وان اللي حصل لي بسبب قرايتي لخبر موت الشخص ده, ولما جت لي الأزمة بتاعت صدري, عقلي اتخذها حجة اني لما افوق من الأزمة اتوهم اني في جسم حد تاني … وكل ده بسبب قلة الأكسجين الواصلة للمُخ.
شوية أغبيا, فاكرين اني مجنون, او مُخي فوِّت, جايز أكون ابتديت افتكر حياتي الحقيقية, حياة عبد النور, بس في الحقيقة, انا اسمي الحقيقي يا… اسمي الحقيقي يـ… لحظة واحدة .. انا مين ؟ وايه الحلم الغريب اللي بيطاردني ده ؟ .. بحلم اني بنت صغيرة في أوائل العشرينات, بجري في حارة ضيقة ضلمة .. وصوت حد بيجري ورايا .. بيمسكني من دراعي وبيوقعني في الأرض .. بيجردني من هدومي وسط صرخات مكتومة مني .. وآخر حاجة بشوفها في كل مرة, هو ندبة طويلة واصلة لحد ودنه قاطعاها..
انا .. انا اسمي الحقيقي … إسراء !
.
..
*تمت*
.
.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى