قصص

قصة القتيلة

الحكاية بدأت بعد ما جوزي سافر بأسبوع، تحديدًا مساء يوم خميس، الساعة وقتها كانت داخلة على 12 صباحًا، كُنت رايحة في سابع نومة؛ لأني من ساعة ما جوزي سافر؛ وأنا بنام من بعد العِشا، لكن في الليلة دي؛ قلِقت من النوم، وكُنت بتقلِّب، الأوضة ضلمة، والدُنيا كانت بتمطَّر برَّه، لكن البطانية واللحاف، كانوا عاملين الواجب، كُنت دفيانة، يعني البرد مكانش سبب قَلقي من النوم ولا حاجة، السبب كان حاجة تانية، لما حسِّيت إن في حاجة لَزِجَة على المخدَّة تَحت راسي، وبدأت أشِم ريحة غريبة، ولأن النور كان مقفول، ماكنتش قادرة أتأكِّد من المادة اللزجة اللي على المخدَّة، عشان كده بدأت ألمِسها بإيدي، وبعدها قرَّبت صوابعي من مناخيري، عشان أشِم ريحة دَم!
اتفزعت من السرير، قومت ووقفت وأنا مُش قادرة أتلم على أعصابي، حتى أخدت وقت على ما افتكرت مكان مفاتيح الكهربا، الصدمة والخوف خلوني أنسى مكانها، وساعتها عافِرت لحد ما وصلت عندها، مدِّيت إيدي اللي كانت بترتعش وفتحت النور، عشان أشوف أبشع منظر في حياتي.
لما فتحت النور، لقيت إن في راس واحدة سِت جنبي على المخدة، كانت من غير جِسم، عينها مفتوحة ومبرَّقة، بوقها كمان كان مفتوح ولسانها طالع لبرَّه، والدَّم كان مغرَّق المخدَّة وشعرها، الخوف كتِّف لساني، مقدرتش أصرخ، كل اللي عملته هو إني كنت برجع لِوَرا، لحد ما ضهري لزق في الحيطة، وساعتها شوفت منظر أبشع، وهو جِسم السِّت، كان بيتحرَّك في الأوضة من غير الرَّاس، ولأنه كان مجرَّد جسد مفيش حاجة تحرَّكه، كان بيخبَّط في الدولاب والستاير، ونافورة دَم خارجة من رقبته، اللي الراس انفصلت عنها، لحد ما وقع في الأرض جنب السرير.
في اللحظة دي قدرت أصرخ، صرخة ورا التانية، ولقيتني بهرب من الأوضة، وفي الصالة، أدركت إني لابسة بيجامة النوم، والصدفة خدَمِتني؛ ولقيت عباية خروج على الأنتريه، لبستها وطلعت أجري من الشقة، كنت بصرخ وبقول:
-قتيلة.. قتيلة.
برغم إني ماليش علاقة قوية بالجيران، لكن لقيت نفسي باستنجِد بالشقة اللي جنبي، إيدي كانت على الجَرس، والإيد التانية بتخبَّط على الباب، مُش محتاجة أقولكم إن الذُّعر اللي كنت فيه؛ كان باين في خبطِتي ورنِّة الجرس بتاعتي، ويادوب ثواني؛ ولقيت خطوات جوَّه الشقة بتجري ناحية الباب، وبعدها الباب اتفتح، ولقيت جارتي وجوزها، طالعين ووشُّهم مخطوف من القلق والارتباك، وده شيء طبيعي؛ لأن رنِّة الجرس وخبط الباب في وقت زي دي يعملوا أكتر من كده، أوِّل ما شافوني قدَّامهم؛ لقيت جوزها أخد جَنب، وجارتي بدأت تكلِّمني وتقولي:
-مالِك يا “أميرة”؟ إيه اللي حصل؟
حاولت أسيطر على خوفي، وبدأت أجمَّع كلامي وأقولها:
-قتيلة، قتيلة في الأوضة عندي.
كلامي خلاها في حالة ذهول، فَتحت بوقها ووقفِت وهي متنَّحَة، وكانت بتبُص لجوزها، اللي كانت حالته ما تقلِّش عن حالتها من اللي سمعه، وبعد ما بدأت تستوعب اللي قولته، لقيتها بتقولّي:
-قتيلة ازاي يعني؟ مين دي ومين اللي قتلها؟
-مُش عارفة، أنا قلِقت من النوم، ولقيت راسها جنبي على المخدَّة، وجسمها مَرمي في الأرض جنب السرير.
الصمت كان سيِّد الموقف، مفيش حد فيهم نَطَق، ولا أنا كمان نَطَقت كلمة بعد اللي قولته، لكن لقيت جوز جارتي بيطلع من شقِّته، وبيدخل شقِّتي، وأنا وجارتي مشينا وراه، كنت واثقة إن رجلينا مكانِتش شيلانا، وساعتها وَقَف في الصالة وهو بيقولي:
-فين الأوضة بالظبط؟
رفعت إيدي وشاورت ناحية الأوضة، واللي كان نورها مفتوح زي ما سيبتها، وقفت أنا وجارتي متحرَّكناش، لكنه بدأ يتحرَّك ببطء في اتجاه الأوضة، ولما وصل لحد بابها، وَقَف وكأنه مُتردِّد يدخل، لكن لمحته وهو بياخد نَفَس عميق، وبعدها بيدخل الأوضة، عينه كانت بتجيب كل ركن فيها، ولقيته بياخد نَفَس عميق تاني، وكأنه كان شايل حِمل على اكتافه واتخلَّص منه، وبعدها بَص ناحيتنا وقال:
-هي فين القتيلة دي؟!
ماكنتش مستوعبة السؤال بتاعه، دا أنا شايفة بعيني راسها اللي على المخدَّة، وجسمها اللي اترمى في الأرض قدامي، فضِلت واقفة مكاني زي المُسمار، لكن جارتي سابتني ودخلت الأوضة، وساعتها بصَّتلي باستغراب، وسألتني نفس السؤال اللي جوزها سأله، وده اللي خلاني أتحرَّك بالعافية من مكاني، وأدخل الأوضة، عشان أشوفها على حالتها قبل ما أنام، مافيهاش أثر لأي حاجة شوفتها لما قِلِقت من النوم.
حسِّيت إن توازني بِيِختَل، لكن لقيت إيد جارتي بتسندني، اتسندت عليها ولقتها بتاخدني عشان أقعد على السرير، لكن حسِّيت إني خايفة منه، طلبت منها تطلَّعني الصالة، اتسندت عليها لحد ما طلعنا، وفي الصالة قعدت على كرسي الصالون، حسِّيت بهبوط شديد، ولقيت العَرَق بيطلع في جَبهتي، وساعتها لقيت جارتي بتجري على المطبخ، وبعد ثواني؛ لقيتها راجعة وفي إيدها كوباية مايه بسُكَّر، طلبِت مني أشربها، شِربتها وبدأت أحِس بتحَسُّن، وساعتها لقيت جوزها بيقولي:
-مُمكن تكون نفسيِّتِك تعبانة من الوِحدة، أكيد اللي شوفتيه تهيّؤات، الأوضة مفيهاش حاجة زي ما شوفتي بنفسك.
لحد ساعتها ماكنتش مستوعبة، عشان كده لقيتني ساكتة، لحد ما جارتي كمِّلت الكلام وقالتلي:
-مُمكن تكوني شوفتي كابوس، ولحظة صَحَيانِك كان لسَّه مأثر عليكي.
كُنت تايهة مُش عارفة راسي من رجلي، ولا عارفة إن كنت شوفت دَه في الحقيقة ولا في كابوس، لكن مُش هقدَر أكذِّب عيني، أنا شوفت الأوضة دلوقت مفيهاش أي حاجة، دا غير إن جيراني ماشافوش فيها حاجة برضو، وده بيأكِّد كلامهم، ماهو أكيد هُما الاتنين غلط وأنا صح.
قومت من مكاني، ورجلي أخدتني للأوضة من تاني، وقَفت على بابها وبصِّيت جواها، اتأكِّدت من إن مافيش حاجة من اللي شوفتها، رجعت قعدت مكاني، الوقت بدأ يفوت، ولقيت إني مِذَنِّبة جارتي وجوزها في الفاضي، حسِّيت إني مُحرَجة منهم؛ وده اللي خلاني أقولهم:
-أنا آسفة إن كُنت أزعجتكم، أنا دلوقت كويسة الحمد لله.
وساعتها جارتي ردَّت وقالت:
-ماتقوليش كده؛ الجيران لبعضها، لو احتاجتي أي حاجة خبَّطي علينا.
وسابوني وقاموا رجعوا على شقِّتهم، قفلت الباب وراهم ودخلت تاني، قعدت في الصالة، أوِّل حاجة فكَّرت فيها؛ هي إني أتِّصِل بـ “إسلام” جوزي، رنِّيت عليه، ولما رَد عليا؛ لقيت صوته كُله نوم، عرِفت إني صحِّيته، واتصالي خلَّاه يِقلَق، لأنه قالي:
-مالِك يا “أميرة”، غريبة إنِّك بترني في الوقت ده، في حاجة حصلت؟
محبِّتش أقوله على اللي شوفته، خصوصًا إني معُدتِش متأكِّدة إن كنت شوفت ده بجد ولا لأ، أنا شوفت الأوضة مرتين وملقِتش فيها حاجة، عشان كده أخدت الكلام في اتجاه تاني، وقولتله:
-لقيت نفسي قلقانة، وأنت عارف إن مافيش حد أتكلم معاه، عشان كده رنِّيت عليك.
بدأ ياخد ويدِّي معايا في الكلام، لحد ما ساعة كاملة فاتت، وبعدها مبقاش عندنا أي كلام نقوله، قفلنا المكالمة، ولقيت النوم بيغلِبني، الدُّنيا برد وماكنتش أقدر إني أنام في الصالة، عشان كده دخلت الأوضة مُجبَرة، مدِّدت على السرير، من غير ما أطفي النور، وشدِّيت فوقي البطانية واللحاف، مع الوقت، لقيت راسي بِتِتقَل وعيني بتقفل، والنوم أخدني، لحد ما صحيت تاني، لكن المرَّة دي على زلزال.
ماكنتش قادرة أتحكِّم في جسمي، اللي كان بيتشال ويترزع في المرتبة، ولا كنت مستوعبة إيه اللي بيحصل، لكن مع الوقت، اللي فات عليا وكأنه ساعات طويلة، بدأت أستوعب إن السرير بيتزلزل بيا، انتظرت الزلزال ده ينتهي؛ لكنه مانتهاش، ويمكن ده اللي خلاني أهرب من السرير، نزلت على الأرض؛ وساعتها اتفاجئت إن مفيش زلزال ولا حاجة، لكن لسه في صوت خبط، لكن اتفاجأت إن كل حاجة في الأوضة ثابتة، ما عدا السرير، كان بيتشال ويترزع في الأرض.
صَرَخت؛ لأن اللي بيحصل قدامي كان فظيع، أول حاجة خطرت في بالي؛ هي إني أخرج من الشقة وأستنجِد بجيراني، لكن اللي حصل من كام ساعة؛ خلاني أتراجع، كفاية إني كنت في نُص هدومي، وهما واقفين في الأوضة، ومكانش فيها حاجة من اللي قولت عليها، دلوقت هقولهم إيه، زلزال بيحرَّك السرير بس!
خرجت من الأوضة، وقبل ما أوصل للصالة؛ لقيت صوت الخبط اختفى، خطوتي وَقَفِت واتمسمرت في مكاني، لكن بعد شوية لقيتني بَرجع تاني على الأوضة، وقفت على بابها ومدِّيت راسي جوَّه، ساعتها الأوضة كانت هادية جدًا، دخلت وقرَّبت من السرير، اللي كان ثابت مابيتحرَّكش، لكن لقيته متزحزح من مكانه، وده دليل كفاية على إنه كان بيتشال ويترزع فعلًا.
في وسط دوامة التفكير اللي كنت فيها، سمعت باب الشقة بيخبَّط، قلبي اتقبض، لكن بعدها لقيت جَرس الشقة بيرن، خرجت من الأوضة وروحت أشوف مين اللي جايلي، ولما وصلت لباب الشقة، اتردِّدت إني أفتح، وعشان الأمان، بصِّيت الأول من العين السحرية، لقيتها جارتي، بَلعت ريقي وقلبي اطَّمن شوية، وفتحت الباب، عشان اتفاجئ إن المكان قدام الباب فاضي، ماقدرتش أتحكِّم في أنفاسي اللي ارتفعت فجأة، والعَرَق اللي كان بيجري في جسمي رغم البرد، وكنت بسأل نفسي:
-هي جارتي اختفت ازاي في جزء من الثانية؟
لقيت إيدي بتقفِل باب الشقة غصب عنها، يمكن رد فعل من الخوف، ولقيت عيني بتروح تاني ناحية العين السحرية، بصِّيت منها، عشان اتفاجئ بجارتي واقفة قدام الباب، وكأنها مكانتش مختفية من ثواني، بلعت ريقي تاني؛ لكن المرَّة دي من الخوف، لكني مافتحتش الباب، وقفت أراقبها، كانت بتبُص ومركِّزة في العين السحرية من برَّة، وبتبتسم ابتسامة غامضة، وبتمِد إيدها تخبَّط على الباب من تاني، ماكنتش عارفة أعمل إيه، لكن مع إلحاحها على الباب، لقيتني بفتح، لكن في المرَّة دي؛ مالقِتش قدام الباب فاضي، دا أنا لقيتها واقفة، بتبُصِّلي وهي مستغربة، وبتقولي:
-أنتي بتفتحي وبتقفلي في وشي؟
اتلجلجت في الكلام وأنا برُد عليها وبقولها:
-آسفة، مأخدتش بالي.
كان طبيعي إني أقول كده، لأني اتحطيت في موقف؛ وماكنتش قادرة أحدِّد بالظبط إن كان حقيقة ولا تهيؤات، قولت يمكن مرِّيت بنفس الحكاية وأنا بفتح الباب، بعِدت عن الباب عشان جارتي تدخل، وبعدها قفلت الباب ودخلت وراها، قعدنا نتكلِّم، كان كل اللي طالع على لسانها، وبتسأل عنه بأكتر من طريقة، هو إن في حاجة تانية حصلت ولا لأ، لكن عشان ماكنش عندي دليل على أي حاجة بقولها، قولتلها:
-لأ مافيش حاجة.
لكن حسِّيت إن كلامي اتقطع فجأة؛ لما افتكرت السرير اللي متزحزح من مكانه، وساعتها جارتي لاحظت إني مخبِّية حاجة، فقالتلي:
-إيه اللي خلاكي تسكُتي فجأة؟
حسيت إن الكلام واقِف في زوري، لكن قرَّرت أقولها على حكاية السرير، ولما قولتلها؛ وقفت تبُصِّلي وهي مستغربة، كأنها مكانِتش مصدَّقاني، وبقلب جامد؛ قولتلها:
-لو مش مصدقاني؛ تعالي معايا شوفي بعينك.
أخدتها ودخلت الأوضة، عشان أشوف السرير وهو في مكانه، مش متزحزح ولا حاجة، وساعتها جارتي وقفت تبُصِّلي، وحسيت إن نظرتها ممكن تتفسَّر بأكتر من طريقة، يعني ممكن تكون بتقول دي واحدة مجنونة، أو تكون شمتانة في اللي بيحصلي، من باب كيد النِّسا، لأن لاحظت نظرتها ناحيتي غريبة، ماكنتش قادرة أحدِّد بالظبط، لكن لقيتها بتقولي:
-أكيد أعصابك تعبانة بعد ما جوزك سافر، لو تقدري تقعدي يومين عند حد من قرايبك؛ هايكون أحسن، لحد ما أعصابك ترتاح.
-لكن أنا ماليش حد، لو كان في حد من قرايبي هنا كنت روحتله.
مُش أوِّل مرَّة ألاقيها بتبُصِّلي بصة غريبة، لكن عشان علاقتي بها مُش قوية، قولت يمكن تكون دي طبيعتها، خرجنا من الأوضة ورجعنا على الصالة، قعدنا نتكلم؛ لحد ما النهار بدأ يطلع، ساعتها سمعت صوت باب الشقة وهو بيخبَّط، في الوقت ده جارتي كانت بتبُصِّلي وبتقولي:
-هو أنتي منتظرة حد؟
هزِّيت راسي بالنَّفي وقولتلها:
-لأ، هو مين اللي بيجيلي أصلًا؟!
كانت لسه بتبُصِّلي بصِّتها الغريبة، وقالتلي:
-طيِّب شوفي مين.
سيبتها وقومت أفتح الباب، لكن لقيت نفسي واقفة مذهولة، أعصابي كانت هربانة ورجلي مُش قادرة تشيلني، كل ده حسِّيت به؛ لما فتحت الباب، ولقيت جارتي قدامي وبتقولي:
-صباح الخير، عاملة إيه دلوقت يا “أميرة”؟!
لو مِسكت سلك كهربا عريان، ماكنش جِسمي هايتنِفِض بالشكل ده؛ ماكنتش أتوقع إني أفتح باب الشقة؛ ألاقي جارتي في وشِّي، في حين إني أصلًا؛ سايباها قاعدة جوَّه، الغريبة إنها بنفس هدومها اللي كانت قاعدة بيها معايا من لحظات، حسِّيت إني تلِّجت من الخوف، أو من عدم الاستيعاب، لدرجة إني سيبتها واقفة على الباب؛ ودخلت أجري على جوَّه، بصِّيت في الصالة والأوَض، وملقتش لها أثر جوَّه، رجعت عند باب الشقة تاني، ولقيتها واقفة زي ما هي، منتظراني ومستغربة تصرفاتي، وساعتها قالتلي:
-هاتسبيني واقفة على الباب كده؟!
كنت عاوزة أقولها إنك خبَّطتي على الباب من كام ساعة، وإني فَتحتلك، ودخلتي وقعدتي معايا، وسيبتك لما الباب خبَّط تاني، عشان أشوف مين اللي جايلي، ولقيتك ظهرتيلي قدام الباب، واختفيتي من جوَّه، كل ده حصل ازاي؟ مكانش عندي تفسير، وبرغم إني بدأت أخاف من جارتي، إلا إني قولتلها وأنا بتلجلج:
-لا أبدًا، أكيد مُش هاتُقفي على الباب، اتفضلي.
لقيتها دخلت وهي بتبُص في كل حتة من الشقة، وكأنها بتدخل عندي لأول مرَّة، قعدنا في الصالون، ولقيتها بتقعد في نفس المكان، اللي كانت قاعدة فيه قبل ما تختفي، كان جوايا كلام كتير لكن الصمت كان سيد الموقف، أصل هاقول إيه؟! السُّكوت أفضل تصرُّف لما تكون مُش فاهم إيه اللي بيحصل، لكنها كسرت الصمت وقالتلي:
-بعد ما خرجت من هنا أنا وجوزي، كنت قلقانة عليكي، وشِّك امبارح كان مخطوف بطريقة صعبة، الدَّموية كانت هربانة منُّه، ما تشوفي حد من قرايبك يقعد معاكي، على الأقل ياخُد بحسِّك.
كانت بتعيد عليا الكلام للمرَّة التانية، حتى وإن كان بصيغة مختلفة، الغريبة إنها بتتعامل وكأنها بتقول الكلام ده للمرَّة الأولى، وده اضطرني أجاوب عليها نفس الإجابة اللي قولتها قبل كده:
-أنا ماليش حد.
-عمومًا؛ جوزي كتر خيره؛ قالي نطَّمن عليكي قبل ما ننزل نروح شغلنا.
واستأذنت مني عشان شغلها، قفلت الباب وراها، ورجعت على الصالة، وساعتها حسِّيت إني وقعت في أرض شوك، جسمي كله كان وَخز، لأني بعد ما قفلت الباب وراها، رجعت لقيتها قاعدة في مكانها، بتبُصِّلي بصَّة غامضة، قفلت عيني من الصدمة، وانتظرتها تتكلِّم أو تقولّي أي حاجة، ولما سكوتها طال، فتحت عيني، وملقتهاش في مكانها.
بقيت بجري في الشقة زي المجنونة، وملقِتش لجارتي أي أثر، قلبي بقى مقبوض من ناحيتها بطريقة غريبة، حتى بقيت بلوم نفسي إني استنجِدت بها، ماكنتش عارفة إن استنجادي بها، هايخلِّيها تتحوِّل لمحطة خوف، وَقفت فيها ومُش عارفة هاسيبها امتى.
سمعت صوت رنة تليفوني، ولقيتني نسياه على كرسي الصالون من ليلة امبارح، كان “إسلام” جوزي، فتحت المكالمة، ولقيته بيطَّمِن عليا، ولما حس إن صوتي متغيَّر استغرب، ولقيتني بقوله:
-أنا خايفة.
-خايفة من إيه؟
-من امبارح بالليل وأنا بشوف حاجات غريبة، حتى لما اتصلت بِك وقلقتَك من النوم، كُنت بعمل كده عشان خايفة.
-إيه الحاجة الغريبة اللي بتشوفيها؟
-صحيت من النوم على دَم تحت راسي، لقيت على المخدَّة راس واحدة مقطوعة، وجسمها مَرمي على الأرض جنب السرير، جريت أستنجِد بالجيران؛ ولما جارتنا وجوزها دخلوا الأوضة، مالقوش فيها حاجة، مابقِتش عارفة إن كنت بخرَّف ولا اتجننت ولا إيه، حتى هُما استغربوني، وبعد ما مشيوا، صحيت على السرير وهو بيتزلزل، واتفاجئت إن جارتنا بترن علينا الجرس، فتحتلها، وقعدت تتكلم معايا، لكنها اتحوِّلت هي كمان لحاجة مُخيفة.
-تُقصدي إيه؟
-جارتنا بعد ما قعدت معايا، لقيت الباب بيخبَّط، سيبتها وخرجت أفتح، واتفاجئت بها واقفة على الباب برَّه.
-إيه اللي بتقوليه ده؟
-زي ما بقولَّك كده يا “إسلام”، وبعد ما دخلت وقعدت للمرَّة التانية، سابتني وخرجت عشان شغلها، ولما قفلت الباب وراها ودخلت؛ لقيتها قاعدة في مكانها على كنبة الصالون تاني، بتبُصِّلي بصة غامضة وما بتتكلِّمش، وبعدين اختفت.
-أنا مُش قادر أفهم اللي بتقوليه يا “أميرة”، يعني شوفتي واحدة راسها مقطوعة في الأوضة، ولا جارتنا اللي فيها حاجة مش مظبوطة؟
-أنا مُش عارفة حاجة، كل اللي أعرفه إني خلاص، مش قادرة أتحمِّل، إذا كنت هاتجنِّن من كام ساعة حصلت فيها الحاجات الغريبة دي، أومال هعمل إيه الأيام الجاية.
-مين قالِّك إن في حاجة تانية هاتحصل، أنا كُنت عايش معاكي في الشَّقة، ومكانش فيها أي حاجة، يعني مقدرش أقولك إن الشقة مسكونة، بس كل اللي أقدر أقوله، إن ممكن أعصابك تكون تعبانة من الوحدة.
لقيت نفسي بتنرفِز وبقوله:
-أنت كمان هاتتعامل معايا على إني اتجننت؟ أنا أعصابي مُش تعبانة ولا حاجة.
وفجأة لقيته بيقولي:
-هو إيه الصوت ده؟!
أنا كمان كُنت سامعة الصوت، زي ما هو سمعه بالظبط، كان طالع من أوضتنا، صوت صرخات، زي ما تكون في واحدة بتحاول تستنجِد بأي حد، في اللحظة دي أدركت إني مُش مجنونة، لأن جوزي كان سامع الصوت معايا، طلبت منه ينتظرني؛ لحد ما أشوف الصوت جاي منين، دخلت الأوضة وفتحت النور، عشان أتفاجئ بإن السرير مليان دَم، والراس المقطوعة موجودة على المخدَّة، وجِسم السِّت مَرمي على الأرض من غير راس، صرخت من الخوف، وجريت على الصالة مسِكت التليفون، وقولت لجوزي بصوت كله خوف:
-الراس يا “إسلام”، وجِسم السِّت اللي مَرمي، الدَّم مغرَّق الدنيا، خلِّيك معايا هافتحلَك كاميرا عشان تتأكِّد.
أخدت التليفون ودخلت أجري على الأوضة، كُنت بفتح الكاميرا وأنا في الطريق، ولما دخلت الأوضة، كان “إسلام” معايا لايف، بدأت أصوَّر في الأوضة، اللي كانت مترتِّبة، ومافيهاش أي شيء من اللي قولته.
كُنت مصدومة، حتى ملامح جوزي في الكاميرا؛ كانت بتقول إنها مستغرباني، بَس لقيت نفسي بقوله:
-أنا مُش بخرَّف، أنت سمعت الصوت معايا، صح؟ أنت سمعت الصوت زي ما أنا سمعته بالظبط!
كل اللي كان على لسانه، هو إنه كان بيقولّي:
-اهدي، شوفي جارتنا لو تعرف شيخ ولا حاجة يقرأ في الشَّقة.
قفلت المكالمة وأنا خايفة أقعد لوحدي، وكمان كنت خايفة إني أروح لجارتنا، ماهي كمان غريبة وغامضة، ومُخيفة زيها زي اللي بشوفه في الأوضة، خرجت وقعدت في الصالة، وخلِّيت ودني مع أي صوت برَّة الشقة، عشان لما جيرانا يرجعوا من شغلهم، أعرف لما يفتحوا الباب، لكن ودني لقطت صوت تاني، كان جاي من الأوضة، الصوت بالظبط كأن في حد بيحرَّك عَفش البيت من مكانه، وبرغم إن رجلي مكانتش شيلاني، لكن لقيت نفسي بروح ناحية الأوضة، وبفتح النور، عشان أشوف السرير واقِف من مكانه!
مُش مجازًا، دا السرير كان واقِف فعلًا، وكان اتجاهه ناحية الباب، حتى الفورنتينه اللي في المقدمة بتاعته، حسِّيت وكأنها بتبُص ناحيتي، والأغرب من كده، هو إني لقيته بيقرَّب منّي، حسِّيت وكأن في عملاق ضَخم داخل عليا، جريت من الخوف، لدرجة إني اتكعبِلت في طرف السجادة، وقعت على وشي، بصِّيت ورايا، وكان السرير قافِل فتحة الباب، زي ما يكون بيحاول يخرج من الأوضة، لكن لاحظت إنه غرقان دَم، لدرجة إن الدَّم كان بيسيل منُّه، وبيقرَّب في خطوط من جسمي، بدأت أزحف في الممر وأنا مرمية في الأرض، لحد ما خرجت في الصالة، وساعتها سمعت صوت باب شقة جيرانا، قومت من مكاني بالعافية، وجريت على باب الشقة فتحته، ولقيت جارتي وجوزها، وساعتها مكانش على لساني غير حاجة واحدة:
-أنا عاوزة حد يقرأ قرآن في الشقة.
بعد ما قولت الكلمتين دول، لقيت جارتي بتطلب منّي أدخل عندهم، سمعت كلامها ودخلت أقعد معاهم، برغم إن كان جوايا خوف رهيب منها، حتى هي لاحظت ده من نظراتي وقالتلي:
-أنتي بتبُصِّيلي كده ليه؟!
مكانش قدامي غير إني أصارحها، عشان كده قولتلها:
-أنا شوفتك عندي في الشقة، أكتر من مرَّة.
استغربت كلامي وقالتلي:
-ازاي ده، أنا مدخلتش عندك غير لما خبَّطي علينا بالليل، وكنت أنا وجوزي، والمرَّة التانية؛ لما جوزي طلب منّي أطَّمن عليكي قبل ما نمشي نروح شغلنا.
-يعني أنتي ماجيتيش عندي غير في المرِّتين دول؟
-أكيد لأ.
قعدت ساكتة، لأني ماكنتش عارفة ازاي شوفتها عندي، كان جوزها بيبُصِّلي ومستغرب كلامي، لكنه قالي:
-أنا أعرف شيخ كويس، بيعمِل الموضوع ده لله تعالى، هاكلِّمه ييجي يقرأ عندك في الشقة، ويشوف إيه الحكاية.
لما جوزها كلِّم الشيخ، قاله إنه فاضي بعد ساعة، وساعتها جوزها سابنا وراح يجيب الشيخ، وفي خلال ساعة، كان جوزها والشيخ موجودين، وبعدها كُنا كلِّنا موجودين في شقتي، الشيخ كان قاعد على كنبة الصالون، وجوز جارتي كان جنبه، وأنا وجارتي كانت كل واحدة فينا على كرسي، وبعد ما حكيت للشيخ عن كل حاجة بالتفصيل، بدأ يقرأ وهو بيبُصِّلي، بعد ما عرف اسمي واسم أمي، وبعد ما خلَّص لقيته بيقولي:
-الشقة ريحها جميل، المُشكلة مُش فيها، ولا فيكي، ولا في جارتِك.
كلنا استغربنا كلامه، لكن كُنا ساكتين عشان كان باين عليه إنه هايقول حاجة تانية، وفعلًا قال:
-المُشكلة في الأوضة جوَّه.
وساعتها قولتله:
-هو إيه اللي في الأوضة بالظَّبط؟
ساعتها غمَّض عينيه، وبدأ يقرأ من تاني، في اللحظة دي، سمعت صوت عَفش بيتحرَّك في الأوضة، وحاجات بتخبط، كان باين على جارتي وجوزها إنهم مش سامعين حاجة، لكن مع الصوت، الشيخ بدأ يفتح عينيه، ويبُص ناحية الأوضة أكتر، عرفت ساعتها إنه سامع اللي أنا سامعاه، وبعد ما خلَّص اللي بيقرأه في سرُّه قال:
-الأوضة فيها روح متعلَّقة، عندها رغبة في الانتقام، لكن اللي المفروض تنتقم منه مُش موجود على وِش الدُّنيا، عشان كده هي بتزاول أي حد قُريِّب منها، ومُش لاقية في طريقها غيرك.
جارتي وجوزها كانوا مستغربين، أو بمعنى أدَق، خايفين، وأنا بلعت ريقي من الخوف وقولتله:
-إيه الروح دي؟
-قتيلة، واحدة اتقتلت على السرير، ومن وقتها، وروحها متعلَّقة فيه، واللي قتلها مات، لكن روح القتيل عمومًا، بتفضل في المكان اللي اتقتلت فيه ظُلم، ولما بتكون عاجزة عن الانتقام، بتبدأ تتسبب في قلق، والروح عمومًا بتنشط من وقت ما صاحبها بيتقتل، لحد يوم الأربعين، وهو ده اللي حصل معاكي بالظبط.
معرفتش أرُد على كلامه من الخوف، لكن اللي رد جوز جارتي وهو بيقوله:
-والحل يا مولانا؟
-مفيش حل غير إنها تتخلَّص من السرير ده، ويتحرق، وكل حاجة هاتنتهي.
بعد ما الشيخ مِشي، جارتي وجوزها ساعدوني إني أفِك السرير، ومُش السرير وبس، دا أنا طلبت منهم نفِك الأوضة كلَّها، قضينا الليل وإحنا بنرمي عَفش الأوضة قطعة قطعة، في حتَّة فاضية جنب العمارة اللي ساكنين فيها، وبعدها نفِّذنا كلام الشيخ، حطينا على خشب الأوضة والمرتبة شوية جاز، وبعد كام ساعة، الأوضة اتحوِّلت لشوية فحم.
الحكاية انتهت، وأنا عرِفت السَّبب، وهو إن ظروف جوزي قبل ما نتجوِّز كانت على القَد، اشترى الشقة دي، لكن تكلفة العفش الجديد كانت غالية، وافِقته إنه يروح لمعرض موبيليا مُستعمل، واشترى منُّه الأوضة، شكلها كان كويس، يادوب اتلمَّعِت، معرفش ليه الفضول أخدني وروحت المعرض، وكانت جارتي معايا، لأني حبِّيت أعرف السبب ورا إن السرير اتقتل عليه واحدة ست، يمكن حسِّيت إني طرف في الحكاية، عشان الأوضة طلعت من نصيبي، وفي المعرض، عرفنا إن اللي بيورَّد الموبيليا، واحد اسمه المعلم “عاطف”، تاجر موبيليا مستعملة في منطقة شعبية، الفضول أخدنا لحد هناك، ولما وصلنا للمخزن بتاعه، لقيناه موجود، عملنا نفسنا بندوَّر على أوضة نوم مستعملة، وبنسأل على الأسعار، حتى أنا بدأت أستدرِجه في الكلام وأقوله:
-أنت واثق إن الموبيليا دي مُش أي كلام يا معلِّم؟
كان بيرُد عليا بكُل ثقة وهو بيقولي:
-بُصي يا مدام، أنا مُش بختار أي مُستعمل، دايمًا بَقَع واقِف زي ما بيقولوا، واحدة اتجوزت واتطلقت بعد أسبوع وعفشها اتباع، واحدة جوزها قتلها بعد الدخلة بيومين تلاتة، حاجات زي دي، عشان كده دايمًا تلاقي الحاجة عندي نضيفة، استعمال طبيب زي ما بيقولوا.
بلعت ريقي كده وقولتله:
-هو أنت ممكن تاخد عفش حصل عليه جريمة قتل؟
ولقيته بيرُد عليا بكُل هدوء وبيقولي:
-ليه لأ، الناس بتخاف من العفاريت والكلام ده، ومافيش عفريت غير بني آدم يا مدام، عندك مثلًا من سنة “وقالي التاريخ بالتحديد”، واحد قتل مراته بعد 3 أيام من دخلتهم، كانوا متجوزين في الشتا، وجواز الشتا ده مش بيكون كويس لا مؤاخذة، حضرتك ست العارفين، المهم جوزها دبحها على السرير وفصل راسها عن جسمها، هي ماتت الله يرحمها، وهو الحكومة شَنقته، حتة الموبيليا بقى ذنبها إيه؟ اشتريتها وكانت جديدة، وبعدها اشتراها منّي معرض كبير بيشتغل في المستعمل، وزمانها راحت لاصحاب النصيب، والدُّنيا ماشية.
وقفنا مذهولين، محدش فينا قدر ينطق، لدرجة إن الراجل استغرب سكوتنا، وقالنا:
-ما قولتوليش يا هوانم، طلباتكم إيه؟
عشان نهرب منُّه، شكرناه وقولناله إننا راجعين تاني، خرجنا من المخزن، وتاريخ الجريمة اللي الراجل قاله، كان بيرن في ودني، دا نفس التاريخ اللي صحيت فيه على الدَّم اللي تحت دماغي من يومين، وبعدها بدأ يحصل اللي حصل، وبدأت أربط بين كلام تاجر الموبيليا وكلام الشيخ، اللي فسَّر اللي بيحصل معايا، وصدَّقت إن الرُّوح فعلًا نَشطت في تاريخ جريمة القتل.
كل ده اتحكى لـ “إسلام” في مكالمة تليفون، في نفس الليلة بعد ما روَّحت، وساعتها كان بيسمع التفاصيل دي وهو مذهول، وبعدها قالي:
-ولا يهمِّك، هابعتلك تشتري أوضة نوم جديدة.
من بعدها، واللي حصل معادش بيحصل، غيَّرت الأوضة وكل حاجة بقت تمام، ماكنتش أتخيَّل إن روح قتيلة اتقتلت بدون ذنب، تيجي في طريقي بدون ذنب برضو، لكن ربنا دايمًا لطيف، والتجربة دي كانت كابوس وانزاحت، والحمد لله إني ما عيشتش فيها كتير.
**
القتيلة
محمد_عبدالرحمن_شحاتة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى