قصص

قصة الكراكول

قصة الكراكول رغم بهجة الورد إلا إن شوكه قادر في ثانية يحولها لألم، كذلك معظم الأشياء اللي ظاهرها حلو وجذاب، للأسف مفهمتش ده غير وأنا فاضل دقائق على موتي.. أنا مريم، حياتي عادية مفيهاش حاجة مهمة تذكر، إلا اليوم اللي مالهوش ملامح ده، كنت مسافرة بالميكروباص عشان أخلص شوية مشاوير تبع الشغل، أول مرة أسافر لوحدي وكنت معجبة بالطريق جدا، الزرع اللي منتشر على جانبيه منظره كان ممتع، فضلت أتأمل الطريق لغاية ما غفيت، بس فوقت تاني لأن العربية عطلت فجأة، نزلت عشان أفك جسمي شوية من القاعدة، بصيت حواليا لقيت يافطة قديمة وبالية مكتوب عليها “عزبة الكراكول” بعيدا عن إن اسمها غريب بس منظرها رهيب؛ كلها أخضر في أخضر، الزرع ممتد وكأنه بلا نهاية، وفيه كام مبنى صغير في أماكن متفرقة، دخلت أتمشى فيها شوية، وقفت جنب شجرة استريح شوية من الشمس المتعامدة على نفوخي، لفت نظري أحد أفرع الشجرة اللي كان عليه حلزونات كتير في صف واحد، منظرهم ولون قواقعهم اللي عليها درجات من اللون البني في حلقات دائرية خطفني، مديت أيدي ألمس واحدة فيهم، بس بمجرد ما لمستها توازنها أختل بطريقة غريبة متحصلش من مجرد لمسة وبعدين وقعت على الأرض، بعدين في لمح البصر طلع منها جسم، بس مش جسمها، عمال ينمو بشكل غريب، أنا كنت خايفة ونفسي أهرب بس في نفس الوقت في شيء غريب مسمرني مكاني على الأرض، الجسم اللي كان طلع منها أطول مني بحاجات بسيطة، وضخم جدا، كان فيه حلقات دائرية كتير متدرجة في اللون البني زي الحلزونة بالظبط، هيئته زي البني آدمين بس مش بني آدم، ملهوش إيدين، طرفه الأخير لسه جوا القوقعة، وشه مفيهوش غير عين واحدة في النص وتحتيها بوقه، بصعوبة قدرت أتحرك، روحت استخبيت في أقرب مبنى لقيته، فتحت الباب ودخلت على طول من غير ما أخبط، قفلت الباب كويس وقلبي بيدق بسرعة من الكائن اللي برا ده. دخلت أشوف الناس اللي فيه فين، لقيت طرابيزات كتير ويبدو إنه مكتب أو ما شابه، مليان غبار وأتربه وفيه رائحة غريبة ومقززة جدا، لقيت يافطة كبيرة متعلقة على الحيطة، قربت منها ومسحتها شوية واكتشفت إن ده قسم شرطة، بس ليه فاضي كده؟ لقيت سلم وبعد ما طلعت عليه لقيت مكاتب كتير برضو، فتحت أول واحد فيهم وكان فاضي، فتحت التاني وبمجرد ما فتحته صرخت بقوة أعتقد هزت مصر كلها؛ المنظر اللي قدامي كان مرعب، ده غير الرائحة اللي هبت منه فجأة، المكتب كله عبارة عن جثث، جثث متكومة فوق بعض في نص الأوضة، متعفنين، الذباب ملموم حواليهم، وفيه بقع دم متجلطة على الأرض، حسيت بالغثيان من المنظر فقفلت الباب وطلعت أجري. نزلت تحت تاني وفضلت واقفه شوية، لو طلعت برا مش ضامنة الكائن الغريب ده ممكن يعملي أيه، والمكان هنا مرعب ومش معقولة هفضل هنا طول عمري، أخدت نفس عميق وفتحت الباب، بس فيه حاجة، أنا لما جيت هنا كنا الظهر، بس دلوقتي الدنيا ضلمت!! طلعت أجري ناحية المكان اللي جيت منه بعد ما أتأكدت إن الكائن مش موجود، وصلت بس لما حاولت أخرج حسيت إن فيه عازل بين المكان اللي أنا فيه والطريق الخارجي، لسه في نور برا بس المكان اللي أنا فيه كله مضلم، شايفه السواق واقف بيبص حواليه بحنق تقريبا بيدور عليا، فضلت أصرخ يمكن يسمعني بس مفيش فايدة؛ ركب العربية ومشي، قعدت مكاني على الأرض وأنا بحاول أقاوم البكاء، أيه اللي بيحصل فيا ده؟ أنا كنت داخله أتفرج على الزرع بس، فجأة لقيتني محبوسة في المكان اللي كنت شايفاه الأجمل على الإطلاق! وأنا قاعدة لمحت حد بيتحرك وماسك لمبة في إيده، جريت ناحيته وأنا بنادي عليه، وقف فجأة وبعدين بصلي بالعين الوحيدة اللي عنده، العين التانية في مكانها فراغ، كنت هطلع أجري بس مفيش حد غيره هنا ومضطره، بعدت عيني فجأة وسألته: تعرف أيه اللي بيحصل هنا؟ أنا من ساعة ما جيت وأنا بشوف حاجات غريبة، شوفت… قاطعني وهو بيقول: شوفتي جسم إنسان طالع من قوقعة والقسم مليان جثث؟
أيوه ومش عارفه أخرج من هنا. ابتسم وهو بيقول: هو أولا دخول الحمام مش زي خروجه، مش هتعرفي تخرجي من هنا أصلا. ثانيا خلي في دماغك إن كلمة كراكول ليها ترجمتين، من الإنجليزي حلزونة، ومن الفرنسي قسم شرطة. أما بالنسبة للحاجات الغريبة ديه فالموضوع من قريب، القرية ديه كانت شيء مفيش أجمل منه، سواء مناظر طبيعية أو من ناس طيبة وبتحب بعض وكأننا كلنا أسرة واحدة، لغاية ما العمدة مات، ابنه إسماعيل مسك مكانه، كان عكس أبوه في كل حاجة، مكنش بيعمل حاجة صح، بني آدم عايش عشان يمص ده الغلابة لأجل مصلحته بس، لغاية ما في يوم كان سايق بليل وهو عامل الدماغ الصح خبط واحد على الطريق ومات، كان رئيس المباحث في القسم “ماهر” بيمر زي عادته كل يوم في الوقت ده وشافه، ماهر كان شخص عادل جدا ومش بيرضى يجي على حد، فراح واجهه: ماهر قاله: هعدمك على اللي عملته ده وحق الراجل مش هيضيع. إسماعيل أنكر وقال بكل برود: أنا معملتش حاجة واللي عندك أعمله. فماهر قاله: طب والجثة اللي على الطريق ده؟ رد إسماعيل بكل بساطة: هبعت حد من رجالتي يتاويها في أي حتة. فماهر اتنرفز وقاله: وعيني اللي شافتك ديه؟ قعد إسماعيل بكل ثقة وحط رجل على رجل وهو بيقول: هخزقهالك! ماهر مشي من عنده وهو بيقول: لو على عيني سهلة، بس مش هتعرف تهرب من رجالتي! إسماعيل ضحك بسخرية وهو بيقول: هيحصلوا الراجل اللي مات ده إن شاء الله. ماهر تاني يوم مسكتش ورفع عليه قضية، وإسماعيل برضو مسكتش وفي نفس اليوم بليل وهو بيمر قطع عليه الطريق بعربيته، ونزل منها وحواليه خمسة من رجالته، شاورلهم راحوا ناحية ماهر وكتفوه جامد ونفذ تهديده بالفعل، دخل صوابعه في عين ماهر وطلعها من مكانها بكل القسوة وعدم الرحمة اللي في العالم، سابه بيتألم وأمر رجالته يبعدوا عنه وهو بيقول: ابقى ألعب على قدك بعد كده يا شاطر. مشى خطوتين وبعدين وقف تاني وقال وهو بيضحك بسخرية: ابقى سلم لي على رجالتك!
فضل ماهر قاعد على الأرض وهو ماسك عينه وكل الألم اللي في العالم أتجمع فيه، قام بصعوبة ناحية القسم، فدخل لقى الرجالة كلهم أموات فعلا في الأوضة اللي شوفتيهم فيها، كانوا بيتجمعوا كل يوم فيها بعد الشغل يسهروا شوية قبل ما يروحوا، ماهر قفل الأوضة وقفل القسم كله ومشى راح على المستشفى، ادعى إن هو وقع فدخل في حديدة عشان يخلص من السين والجيم. خليني أقولك شوية معلومات عن ماهر، هو كان رئيس مباحث جدي جدا وعنده ضمير وأخلاقه ملهاش مثيل وكل الناس تشهد له بده، بس قبل كده كان حد بيحب يقرأ روايات وقصص خاصة في أدب الرعب، كان شغوف جدا بالعالم ده، وعنده مكتبة ضخمة عبارة عن كتب رعب وسحر وتحضير والذي منه وبس، بعدين الشرطة لهيته شوية عن العالم ده. كان عايز ينتقم من إسماعيل بأي طريقة، نسى إنه ظابط ورجع تاني لحياته القديمة، جمع كل الكتب اللي ممكن يحتاجها ورجع القسم وقفل على نفسه وبدأ يرسم خطة محكمة عشان ينتقم من إسماعيل، هو سبب كل حاجة شوفيتها، هو سبب اللعنة اللي حلت على المكان ده، هو اللي حول الحلزونات بالشكل ده، قتلت كل الناس اللي كانوا في القرية ومنهم إسماعيل ورجالته، أو أكلتهم بمعنى أدق. سألته بخوف: أنت.. قاطعني وهو بيقول: ماهر. بعدين ضحك بسخرية: صاحب العالم ده كله. مشى وهو بيقولي: اتشهدي في الدقائق اللي متبقية ليكي. مشى وسابني لوحدي، فضلت واقفة مكاني مش عارفه أعمل أيه، حسيت بحركة حواليا، وفيه ظلال كبيرة، المكان حاساه بيضيق أكتر يبدو إن الكائنات موجودة وبتقرب مني! أخدت نفس عميق وطلعت أجري، دخلت أول بيت لقيته في طريقي، طلعت الموبايل بتاعي وولعت الكشاف أشوف أنهي مصيبة مستنياني دلوقتي، لقيت فيه جثتين على السرير، وطفلة صغيرة على الأرض وسط لعب كتير. في اللحظة ديه مكنش فيه حاجة في دماغي غير شيء واحد بس، أنا كده كده هموت سواء هنا في الأوضة ديه أو هتاكل برا من الكائنات الغريبة، بس مش هينفع حد غيري يموت، لو بتقرأ الكلام ده فأحذر من القرية ديه، متخليش مصيرك زي مصيري المجهول اللي ملهوش غير شيء من اتنين يا هموت من الجوع هنا يا هموت متاكله من الكائنات اللي مستنياني برا ديه..
وُجِدتْ هذه الرسالة بجوار جثة فتاة على الطريق الزراعي..
#يمنى_جاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى