قصص

قصة بائع الاموات

قصة بائع الاموات

-امي كان عندها حق يا بيه.. امي كان عندها حق، من سنين كانت تملي تقولي كل ما اتبطر على عيشتنا.. البطران سكته قطران، واديني اهو وقعت في القطران اللي كان هيجيب أجلي.
لما عم مرشدي قال كلامه ده وهو راقد على السرير في المستشفى، وايديه متكلبشين؛ بص له الظابط وهو بيضرب كف بكف وقال له..
-لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا عم انت ناوي تجنني، ايه علاقة ده بالتحقيق، ما تجاوب على أم اسئلتي وخلينا نخلص بقى.. ايه اللي جمعك انت وفودة التربي في عربية تكريم الموتى اللي انت بتشتغل عليها، وايه اللي طلعكوا على الطريق الصحراوي.. يا مرشدي السكة دي مش سكة الترب، وكمان الجثة اللي كانت موجودة معاكوا.. كنتوا رايحين بيها فين، وليه مادفنتوهاش في الترب.. ما تجاوب..
قصة بائع الاموات
-حاضر يا بيه هجاوب.. هجاوب واحكيلك كل حاجة، بس كان لازم قبل ما احكيلك، اقولك الكلمتين اللي امي قالتهملي دول.. اصل انا لو كنت سمعت كلامها من زمان، ماكنش ده هيبقى حالي.
-ماشي يا مرشدي، واديني سمعتهم.. احكي بقى.
هز مرشدي راسه وابتدى يحكي وأمين الشرطة بيكتب وراه..
-انا يا بيه اسمي مرشدي عبد الغني.. بس الحقيقة انا لا كنت غني ولا نيلة، انا فقير ابن فقرا.. اتولدت لقيت نفسي عايش مع عيلة فقيرة، كان ليا ٩ اخوات، ابويا مات من وانا صغير.. ماتعلمتش ولا كنت زي بقية العيال، انا خرجت من وانا عيل صغير من المدرسة؛ اشتغلت كل الشغلانات اللي ممكن تتخيلها عشان الاقي أكل انا وأهلي.. وتخيل لما عيل صغير يشتغل ميكانيكي ونجار وتباع.. وأيام بياع متجول وممكن نشال، طلع عيني في الدنيا من وانا لسه عيل، بس بالرغم من ده كله.. إلا إن امي كانت ست طيبة، شقيت عليا انا واخواتي من بعد موت ابويا، وكعادة الدنيا يا بيه.. فيها الصالح والطالح، فبرضه حالي انا واخواتي كان من حال الدنيا، في مننا اللي طلع صالح واشتغل واتعلم، وفي مننا اللي طلع صنايعي في مهنة من المهن، واللي اتجوزت وقعدت في بيتها، وفي برضه اللي ماكنش عاجبه حاله ولا عاجبه الدنيا بحالها، وللأسف.. اللي ماكنش عاجبه حاله ده، كان انا.. ماهو انا مع مرور السنين وكتر التعب والشقى والمرمطة، بقيت كاره للحياة وللبشر لأني شوفت اسوء ما فيهم.. تخيل لما عيل صغير يا بيه يشتغل مع عصابة عشان ينشل الناس، متوقع هيكون ايه يعني.. اكيد هيبقى زي حالاتي كده، مش عاجبه حد ولا راضي بأي حاجة، لكن مع كبر سني اكتر وكرهي للناس والمشي في سكة النشالين والحرامية، امي ماعجبهاش حالي، وفي مرة قعدت معايا وقالتلي..
قصة بائع الاموات
(شوف يا مرشدي.. انت مش اكبر ولا اصغر عيالي، انت وسطاني، لكنك قريب من قلبي اوي، بشوف في ملامحك ابوك الله يرحمه، بس لا.. انت مش زي ابوك، انت اه واخد شكله وملامحه وشوية من طريقة كلامه، بس اخلاقك وشخصيتك مش زيه، انت ناقم على حياتك وعلى الظروف اللي كلنا اتحطينا فيها من غير أرادتنا.. عايز تبقى غني بسرعة وبالعافية، ومش هامك بقى ال

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه سرداب الموت (كامله)

رواية الشادر الفصل الثامن

فلوس اللي هتيجي مصدرها ايه.. اوعى تكون فاكر يا واد إن انا مش عارفة إن فلوسك حرام، هو انا اه في الأول ماكنتش عارفة لأني كنت بصدقك لما كنت بتقولي إن الفلوس اللي بتجيبها دي من شغلتك كسواق على عربية نقل، لكن بعد ما سألت عليك في الموقف اللي قولتلي انك بتشتغل فيه، وكل السواقين قالوا لي انهم مايعرفوش عنك حاجة.. شكيت في شغلك، وكمان اللي خلاني اشك اكتر.. هي الفلوس الكتير اللي بدأت تمسكها، فعشان كده كلمت اخوك الصغير وقولتله يمشي وراك وانت خارج من البيت ويعرفلي بقى انت بتروح فين.. واخوك طبعًا لما مشي وراك عرف إنك بتروح لبيت الراجل الحرامي وشيخ المنصر اللي اسمه منتصر.. تقدر تقولي بتروح عنده تعمل ايه غير إنك بتكون واحد من رجالته وبتشتغل معاه في السرقة من جيوب الغلابة؟!)

لما امي قالتلي كلامها ده سكتت، حسيت ان لساني اتقتطع ومابقتش قادر ارد عليها، لكني قبل ما افكر حتى ان انا اتكلم، كملت هي كلامها وقالتلي وانا حاطط وشي في الأرض..
(شوف يا ابني، بيت النتاش مابيعلاش.. واللي بتعمله النهاردة هيتردلك بكرة، يعني زي ما بتسرق ملاليم من الغلبان، ربك هيبعتلك الابتلاء اللي هياخد منك قد الملاليم دي عشر مرات.. فمن الأخر كده يا ابني انا هجيبهالك على بلاطة.. امشي، خد بعضك وامشي من البيت، انا مارضاش ان يبقى عيل من عيالي حرامي، وكمان انا مش حمل بهدلة، البوليس لو جه ودور عليك وحصل لنا قلق في البيت بسببك والناس عرفوا انك حرامي، انا كست شريفة سمعتي هتبوظ، والله أعلم نظراتهم ليا هتبقى عاملة ازاي، وانا بقى مش هستحمل ان حد يتكلم عليا نص كلمة بعد العمر ده كله، ودلوقتي بقى قدامك حل من الاتنين.. يا تحلفلي على المصحف انك تسيب منتصر وتشتغل شغلانة نضيفة حتى لو هتاكل عيش حاف، يأما بقى تاخد بعضك وتخرج من باب البيت ده وماترجعلهوش تاني، اختار يا ابن بطني..)
سكتت وبقيت محتار، هل احلفلها على المصحف وارجع في حلفاني لأن كده كده خلاص.. انا كنت اتعودت على الحرام والمكسب السهل، ولا اخد بعضي وامشي واكمل في طريقي!
بس خليني اقولك ان سكوتي ده مادامش كتير، انا بعد دقايق قليلة من التفكير، دخلت لميت الهدمتين بتوعي وروحت ناحية امي وبوست ايديها وبعد كده خدت بعضي وروحت ناحية باب البيت.. باب البيت اللي اول ما فتحته وجيت اخرج منه، ندهت عليا امي فبصيت لها..
قصة بائع الاموات
(امشي.. امشي وانسى ان كان لك ام.. بس قبل ما تمشي هقولك الكلام اللي قولتهولك كتير زمان وانت ماسمعتهوش، انت بطران.. وطول ما انت بطران هتفضل ماشي في سكة القطران.. امشي يا مرشدي وانسى ان ليك ام واخوات)
لفيت وشي والدموع في عينيا ومشيت، خرجت من البيت ومارجعتلوش تاني، وفضلت كام سنة بشتغل مع منتصر لحد ما في يوم وانا قاعد في الاوضة اللي كنت أجرتها بعد ما سيبت البيت، لقيت الباب بيخبط، ولما قومت فتحت الباب لقيته اخويا الصغير، كان بيعيط بحرقة وهو بيقولي..
(أُمنا يا مرشدي.. امنا ماتت يا اخويا)
اول ما قال لي كده حسيت اني اتخبطت بشومة على نفوخي، ماحستش بنفسي إلا وانا واخد اخويا ورايحين جري على بيتنا، بيتنا اللي اول ما دخلته لقيت اخواتي وقرايبنا ملمومين حوالين أوضة النوم اللي جثمان امي كان فيها، الكل بيعيط وصوت القرأن كان عالي، الكل بيدخل يبص على امي بصة الوداع ويخرج بعدها وهو بيدعيلها بالرحمة لأنها كانت ست ب ١٠٠ راجل، دخلت وسط اللي واقفين وروحت للأوضة، قربت من امي اللي كانت مغمضة عينيها وكأنها نايمة، بوست راسها وايديها وفضلت اعيط زي العيال الصغيرة، وقتها كنت لأول مرة احس اني يتيم بجد، انا ابويا ماوعتش عليه اوي، فتلاقيني مش فاكرله اي ذكريات ولا حتى زعلت عليه لما مات.. لكن امي بقى لا، انا امي كانت بالنسبة لي كل حاجة، وانا اه مانكرش اني زعلتها لدرجة انها ماتت وهي غضبانة عليا، بس انا من بعد دفنتها وانا اتغيرت، قولت بيني وبين نفسي إن احسن حاجة ممكن ارضي بيها امي بعد موتها، إن انا اسيب الشغل مع منتصر وابعد عن اي سكة حرام، واشتغل شغلانة عدلة زي بقية الناس، وده فعلًا اللي حصل.. انا خدت بعضي وروحت على موقف العربيات النقل، وبما أني كنت سواق قبل كده ومعايا رخصة مابشتغلش بيها، فانا اشتغلت مع راجل عنده عربيتين نقل، اشتغلت انا على واحدة منها وفضلت شغال ومستحمل الملاليم اللي باخدهم لحد ما الراجل ده مات، ومع موته ولاده ورثوا العربيات وباعوهم وانا بقيت في الشارع، لا شغلة ولا مشغلة.. يعني لا مني عارف ارجع لمنتصر واشتغل معاه تاني لأن اللي بيسيبه مابينفعش يرجعله زي ما كان بيقول، ولا مني حتى قادر انزل في اي شغلانة تانية بسبب سمعتي من وقت ما كنت شغال نشال، وفي وسط العك والقرف اللي كان مالي حياتي ده كله، وفي يوم كنت قاعد فيه على القهوة وانا جاضض كعادتي يعني في الفترة دي، وقتها لقيت واحد صاحب اخويا بيسلم عليا، قرب مني لما شافني متضايق وجه سلم عليا وقعد معايا، وبعد السلامات عن سبب ضيقتي وخنقتي وقعادي على القهوة بالساعات، فبصراحة انا وقتها كنت عامل زي اللي بس مستني حد ينكشه عشان يحكيله همه، وفعلا حكيت لصاحب اخويا على اللي بمر بيه وعن كل اللي اتعرضتله من عك وتنطيط، بس بعد ما خلصت كلامي، ابتسملي وقال لي ببساطة غريبة..
قصة بائع الاموات
(يا عم سهلة.. لو على الشغل كسواق، فانا اقدر انزلك من بكرة الصبح كسواق على عربية تبع الجمعية اللي انا شغال فيها، بس انت ترضى بس..)
ضحكت بصراحة وحسيت ان الدنيا بتفتحلي دراعتها..
(حلو.. بس انا هشتغل سواق على ايه يعني، يعني انا هوصل ناس مثلًا ولا هنقل حاجات ولا..)
فقاطعني قبل ما اكمل سؤالي..
(لا هتنقل.. بس يارب انت توافق زي ما قولتلك)
استغربت بصراحة من طريقة كلامه ورديت عليه بسؤال..
(هو انا هنقل ايه.. وبعدين انت ليه كل شوية بتقولي يارب توافق يارب توافق.. هو انا هنقل مخدرات عدم اللامؤاخذة؟!)
(لا يا مرشدي مش هتنقل مخدرات ولا حاجة.. انت هتنقل ميتين)
لما سمعت منه كلمة ميتين دي اتاخدت، انا اه مابخافش وقلبي جامد وكل حاجة، بس برضه.. الموت له رهبة كده، وكلمة ان انا انقل اموات دي مش بالساهل برضك، بس ايه ده.. انا ماينفعش اقلق ولا يبان عليا القلق من اصله، ده انا مرشدي!
وعشان كده مسكت نفسي وقولتله بشجاعة مصطنعة..
(موافق.. انا موافق على اي شغلانة طبعًا طالما بالحلال، بس انا مش فاهم عدم الامؤاخذة برضه، هو انا هنقل الميتين دول.. منين لفين؟!)
فجاوبني الراجل وبدأ يفهمني كل حاجة..
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة بياع الأموات..)
محمد_شعبان
بياع الأموات
٢
(لا يا مرشدي مش هتنقل مخدرات ولا حاجة.. انت هتنقل ميتين)
لما سمعت منه كلمة ميتين دي اتاخدت، انا اه مابخافش وقلبي جامد وكل حاجة، بس برضه.. الموت له رهبة كده، وكلمة ان انا انقل اموات دي مش بالساهل برضك، بس ايه ده.. انا ماينفعش اقلق ولا يبان عليا القلق من اصله، ده انا مرشدي!
وعشان كده مسكت نفسي وقولتله بشجاعة مصطنعة..
(موافق.. انا موافق على اي شغلانة طبعًا طالما بالحلال، بس انا مش فاهم عدم الامؤاخذة برضه، هو انا هنقل الميتين دول.. منين لفين؟!)
فجاوبني الراجل وبدأ يفهمني كل حاجة..
(شوف يا مرشدي.. الجمعية اللي انا بشتغل فيها هي جمعية خيرية، يعني مسؤولة عن نقل التبرعات للناس وكمان مسؤولة عن تغسيل ونقل جثث الميتين المجهولين، من المشرحة اللي بيبقوا فيها، لمدافن الصدقة..)
سكتت شوية وبعد كده قولتله..
(طيب.. ما طالما انتوا بتنقلوا تبرعات، ما تخليني انا في شغل نقل التبرعات وبلاش موضوع الميتين ده الله يرضى عليك)
فضحك وهو بيقولي..
(انت هتخاف ولا ايه يا عم مرشدي، اومال ايه بقى مرشدي ابو قلب ميت ومرشدي السالك اللي بيفوت في الحديد!.. بس حتى يعني لو انت خايف وعاوز تشتغل في نقل التبرعات، فخليني اقولك انه ماينفعش.. احنا مش طالبين سواقين خالص في اي حتة غير على عربية نقل الأموات، وده ببساطة يا سيدي لأن عم خالد اللي كان بيشتغل على العربية مات من يومين، ومن وقتها واحنا بندور على سواق مكانه)
(ممم.. ممات.. مات ازاي عم خالد ده؟!)
ضحك اكتر لما قولتله كده وجاوبني..
(مات يا مرشدي عادي يعني.. كان راجل كبير في السن ومريض، جه أجله ومات.. يعني ماماتش من عفاريت ولا من الخزعبلات اللي بنسمع عنها، وبعدين ماتقلقش يا أخي.. عم خالد عمره ما اشتكى من حاجة غريبة وكان شغال وزي الفل يعني)
ولحد هنا يا بيه انا ماكنتش مقتنع اوي بالشغلانة، بس هعمل ايه يعني.. ما باليد حيلة، هو انا لاقي غيرها عشان ارفضها؟.. فماكنش قدامي حل غير اني اوافق حتى لو مش راضي او مش مقتنع، لكن عدم اقتناعي بالشغلانة ابتدى يقل شوية بشوية لما روحت واتعرفت على الناس في الجمعية واستلمت شغلي، وعدم اقتناعي بقى راح خالص واتبدل برضا، لما بدأت اشتغل واستلمت اول حالة من المشرحة وروحت وديتها لعم فودة التربي عشان يدفنها في مدافن الصدقة؛ يومها كنت اول مرة استلم جثة، روحت المشرحة ومعايا واحد من الجمعية، غسل الجثة وكفنها، وبعد كده حطيناها انا وهو في الخشبة وحطينا الخشبة في العربية، وهو سابني ومشي.. اما انا بقى، فانا مضيت على استلام الجثة وخدتها وروحت بيها لعم فودة اللي خدها مني ومضى انه استلمها عشان يدفنها وانا مشيت، ومن بعد الجثة دي وانا اتعودت بقى.. خدت على الشغل وعلى عمال المشارح وكمان على عم فودة التربي نفسه، بس وسط ده كله انا كان في حاجة مش مريحاني، والحاجة دي هي المرتب.. المرتب كان قليل اوي مقارنة بحجم الشغلانة، ومع ذلك برضه كنت راضي ومكمل لحد ما حصل اللي حصل..
انا في يوم وبعد ما استلمت جثة وروحت اديها لفودة عشان يدفنها، لاحظت انه مش مظبوط، كان قلقان كده ومتوتر وكل شوية موبايله يرن.. وقتها بصيتله وبصيت لتليفونه وقولتله..
(جرى ايه يا عم فودة.. شكلك كده في حاجة، هو التليفون اللي بيرن ده من مين.. حد من اهلك تعبان ولا حاجة؟!)
لما سألته زاد ارتباكه اكتر..
قصة بائع الاموات
(اه اه.. تلاقي حد من اهلي تعبان، طب بص.. نزل الخشبة انت من العربية وجهزلي الجثة عشان استلمها والورق عشان امضي عليه بالاستلام، وانا هروح ارد على التليفون وارجعلك هوا..)
سمعت كلامه ونزلت الخشبة وبدأت احضر في الاوراق، بس في الوقت ده انا ماكنتش مرتاحله، فودة كان واخد التليفون وواقف جوة اوضته اللي انا كنت واقف قصادها وكان بيتكلم بحذر اوي وهو موطي صوته، فالفضول يا بيه خلاني اتحركت من مكانه وروحت ناحية الأوضة وبدأت اسمعه وهو بيكلم واحد وبيقول له بالحرف كده..
(قولتلك مش هتأخر.. نصاية وتعالى لي، انا خلاص استلمت الجثة اهو.. يعني همضي بالاستلام وهمشي البئف اللي برة ده واجهز الدنيا، وانت بقى تعالى استلمها على طول.. اه.. وماتنساش الكاشات يا دوك.. سلام)
قفل المكالمة وخرج من الاوضة، وطبعًا وهو خارج شافني في وشه، اتفزع وكان عاوز يتكلم او يقول لي اي حاجة لكنه مالحقش.. مالحقش لأني قربت منه ومسكت في زومارة رقبته..
(اه يا حرامي يا بياع الأموات يا عديم الدين، قال وانا اللي كان بيتقال عليا حرامي ونشال.. يا راجل ده انا ابقى ملاك جنبك)
بلع ريقه وحاول يتكلم معايا او يشرحلي موقفه..
(بببياع.. بياع ايه.. انا ماببيعش حاجة، انا كنت..)
(انت كنت ايه.. انا سامعك بوداني دول وانت بتكلم دكتور وبتقوله تعالى استلم الجثة بعد ما امشي البئف اللي برة، انا بئف يا تربي الغبرة.. ده انا افهمها وهي طايرة، ده انا ياض اشتغلت مع اكبر نشال في بلدك، يعني ماحدش يعرف يشتغلني، تيجي انت وتقول عليا بئف، طب وديني لابلغ عنك)
زق إيدي ورد عليا بكل بجاحة..
(ايوة يا عم انا ببيع الاموات للدكاترة.. بس مش اي اموات، اموات الجمعية بتاعتكوا بس عشان مالهمش حد يسأل عليهم، بس خليني اقولك بقى إن انا مابعملش حاجة غلط، وان انا عمري ما اتمسكت ولا هتمسك، ولو عليك يعني.. فانا ممكن امسك فيك واضربك علقة موت لحد ما اجيب أجلك وادفنك جنب الاموات اللي جوة في الترب دول.. بس انا بقى مش هعمل كده، انا هجيبهالك على بلاطة يا مرشدي، انا بياع اموات وابن ستين في سبعين، قول لي بقى.. عايز كام وتخرس خالص وتعمل عبيط؟!)
قصة بائع الاموات
اول ما قال لي عاوز كام دي، الشيطان لعب في دماغي يا بيه، مابقتش عارف اقوله ايه.. انا راجل على قد حالي ويادوب مرتبي بيكفيني أكل وإيجار بالعافية، واهو… في سكة جديدة اتفتحلي، وانا بقى مش هفوت الفرصة ولا السكة دي، فجراءته وبجاحته خلوني بعدت عنه خطوتين وانا بقوله..
(النص.. هاخد منك النص على كل راس)
سحب من ايدي الورق وقال لي وهو بيمضي عليه..
(كتير.. هو التلت، عاجبك ولا مش عاجبك؟!)
قصة بائع الاموات
رديت عليه بكل تلقائية.. (عاجبني).. وفعلًا اشتغلت معاه، من يومها وانا بقيت عارف كل حاجة عن شغله، وزي ما مشيت في اليوم ده عشان اسمح للزباين انهم يجوا ياخدوا منه الجثة ويدوا له الفلوس اللي انا خدت تلتها بعد كده، واللي بالمناسبة يعني كان مبلغ كويس اوي، فانا بقيت في كل مرة بعمل نفس اللي بعمله.. وفضلت اللعبة دايرة ما بيني وما بين فودة لحد ما في مرة روحت استلمت جثة من المشرحة، الجثة كانت بتاعت راجل محروق.. الراجل ده كان مجذوب من مجاذيب الشوارع، عمال المشرحة قالوا انه ولع في نفسه من غير سبب، وفي عمال تانيين برضه من اللي بيشتغلوا في المشرحة، قالوا انه كان مخاوي او عليه جن وهو السبب في ان جسمه اتحرق او في انه ولع في نفسه، ولما سألتهم ايه دليلكوا على الكلام ده، قالوا لي انهم كانوا بيسمعوا ويشوفوا حاجات غريبة من ساعة ما الراجل ده وصل المشرحة، بس انا كل ده ماهمنيش.. انا زي كل مرة، بعد ما اتغسل واتكفن، حطيناه في الخشبة وطلعت بيه على فودة، فودة اللي اول ما شافني قال لي..
(اطلع بينا على الصحراوي)
فبصيتله وقتها باستغراب اوي..
(صحراوي!.. ليه؟!)
(الناس اللي هيشتروا الجتة دي اول مرة اتعامل معاهم، فمش مدينني الامان وخايفين يجوا الترب، مفكرين اني هسرقهم ولا حاجة، فطلبوا اننا نتقابل في مكان محايد بعيد الناس، فانا قولتلهم على عنوان مقطوع كده في الطريق الصحراوي، وبعدين ماتقلقش، لو الحكومة وقفتنا هقولهم ان انا معاك واننا رايحين ندفن المتوفي في مدافن الصدقة اللي في اي حتة برة القاهرة لأن العيون بتاعت المدافن عندي مليانة، او مثلا هقولهم ان انا اصلا مسؤول برضه عن الترب اللي قريبة من الصحراوي ورايح معاك وهندفنه ونرجع.. بص، ماتقلقش خالص اصلًا.. احنا كده كده مش هنقابل حكومة بأذن الله، ولو قابلناهم ولقوا معانا ميت.. مش هيحبكوها اوي، بس يلا بينا دلوقتي لأن الناس مستنيننا)
قصة بائع الاموات
سمعت كلامه وركب جنبي وابتديت اسوق وهو معايا، بس يا بيه وانا سايق وفودة جنبي، الوضع كان يخوف.. ولو هتقولي كنت خايف من ايه، فانا هقولك اننا ماقبلناش حكومة ولا اي حاجة من اللي في بالك، احنا يا بيه حصلتلنا حاجات ابشع من اللي كانت هتحصل لو كنا قابلنا حكومة.. احنا كنا طول الوقت بنسمع اصوات خبط جاية من ناحية الخشبة بتاعت الميت، ومعاها كنا بنسمع صوت خربشة او حد بيتكلم، لدرجة ان انا من كتر الاصوات وقفت العربية ونزلت عشان اتأكد انا وفودة من ان الراجل ميت، وفعلا لما كنا بننزل.. كنا بنتأكد من انه ميت لانه كان بيبقى راقد في مكانه، لكننا لما رجعنا للعربية وانا كملت سواقة، بدأت احس بقلق اكبر لما الأصوات ابتدت تزيد.. ومع زيادتها ابتدى فودة يتكلم معايا ويقولي بصوت مهزوز..
(وله يا مرشدي.. الاصوات.. الاصوات بتعلى، الجثة دي شكلها فيها مصيبة سودة ياض.. يا مرشدي)
كان بيكلمني وانا مش مركز معاه، انا كنت مركز مع اللي ظهر قدامي على الطريق، كان هو الميت.. واقف قصادي وبيضحكلي، ملامحه سودة ووشه متفحم، اول ما شوفته حسيت بتوهة غريبة وكأني مش في وعيي.. حاولت اتفاداه وابعد عنه، لكني غصب عني فجأة ماقدرتش اتحكم في التارة والعربية حودت مني، ومع حودتها اتقلبنا وانا فقدت الوعي، ولما فوقت لقيت نفسي في المستشفى هنا ومتكلبش.. انا بكده اعترفت يا بيه، اعترفت عشان ابرء زمتي.. ولو يعني هتحاكم، ماتحاكمش بذنب اكبر من اللي انا عملته، وكمان انا حكيت لأني حاسس اني غلطت وعكيت كتير اوي، ومع كل غلطة كنت بعملها وبتوب منها كنت برجع تاني مع اول فرصة تجيلي، لكن خلاص.. انا توبت توبة نصوحة ومتحمل نتيجة اللي انا عملته، انا مابقتش عايز حاجة من الدنيا غير ان ربنا يسامحني، واتمنى اعترافي ده يكون هو اول خطواتي في التوبة اللي بجد..
بعد ما خلص مرشدي كلامه مع الظابط، الظابط قال له إن الميت اندفن خلاص زي ما اندفن برضه فودة التربي اللي مات في الحادثة، اما هو بقى.. فلما خرج اتحول على السجن والقضية فضلت ماشية لحد ما اتحكم فيها، وفعلا القضية اتقفلت بحكم بالسجن على مرشدي، وكمان بموت فودة اللي كان بيبيع الاموات، وقبلهم بدفن الجثة اللي كانت السبب في إنها كشفتهم.. واللي لحد النهاردة ماتعرفش ايه سرها لأنها جثة مجهولة، بس اللي مش سر ومعروف لكل اللي هيسمع او هيقرا الحكاية، إن المكسب السريع والمشي البطال في اي سكة من سكك الغلط، نهايتهم بتبقى سودة، واكيد.. اكيد اللي بيمشي فيهم حياته بتتحول من حياة إنسان عادي، للعنة هتفضل تطارده طول عمره لحد ما يكفر عن ذنبه.. بالظبط زي مرشدي اللي كان مشارك فودة.. بياع الأموات!
تمت
محمد_شعبان
قصة بائع الاموات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى