قصص

قصة بير سومة

قصة بير سومة كان نِفسي أدخل البيت القديم، مَراحش عن بالي اللي كان بيحصل فيه وإحنا صغيّرين، لسّه فاكِر تحذيرات أبويا من إنّنا نِدخُل الحوش الخلفي ونقرّب من البير، ورغم كِده يومها مَسمعناش الكلام، واتسحَّبنَا بالليل ودخلنا، و كانت النتيجة إن أخويا سقط في البير.
ساعتها صَرَخت، أبويا و أمي صحيوا على صرختي، دوَّروا علينا لغاية ما وصلوا للبير، ساعِتها شاوِرت لأبويا على البير وأنا مرعوب، أبويا مَسَك كلوب النّور ومَد إيده في البير، وساعِتها شَاف أخويا نايم في القاع وماسِك رِجله اللي كانت انكسرت لمّا سَقَط.
-مُش أنا محذَّركم محدّش يقرَّب من البير؟!
سمعتها من أبويا وأنا بساعده يجيب السلِّم الخَشب، نزِّلناه في البير، ووَقَفت بالكلوب أنوَّر لأبويا وهوَّ نازِل، ساعتها شَال أخويا على كِتفه وطَلَع، كُنت فاكِر إنّه هيحطّه على الأرض؛ لكنّه مَشَى بُه لغاية ما دَخَل البيت، أمّي كانت بتخبَط على صِدرِها وهي بتبكي على أخويا لمّا شافِت الخُوف اللي على وِشّه، أبويا حَطّ أخويا على سريره، وبدأ هوّ و أمّي يفتّشوا في جِسمه يطّمنوا عليه، ساعِتها أمّي صَرَخِت وهي بتشوف رِجل أخويا اللي كان ماسِكها وبيصرُخ منها:
-يا نَهَار.. إيه دَه؟!
لمّا بَصّيت على رِجل أخويا جِسمي اتكَلبِش، رِجلُه كانت محروقة، والغريب إن الحَرق دَه ظاهِر على شَكل خَمس صوابِع، كأنّ إيد حرارتها عالية مسِكِت رِجلُه حَرَقِتها.
أبويا لمّا شَاف المَنظر، زَعَق فينا وقال:
-آخر مرَّة حد فيكم يقرَّب ناحية البير.
مع الوقت أخويا بدأ يِعجَز بِرِجلُه، ورغم إنّ فات وقت طويل والكَسر كان اتعالِج، بس كُنّا ملاحظين إن علامة الصّوابِع مَراحِتش، و مع الوقت لونها اتحوّل للأسود، في الفترة دِي أبويا كان بيفكّر إنّنا نسيب البيت و نِمشي، و في ليلة سِمعت أمّي بتتكلّم معاه وبتقول له إحنا مُمكن ما نسيبش البيت، بَس نِردِم البير، أو نِعمِل سور نِفصِل الحوش عَن البيت، ساعِتها سمعت حوارهم لما أبويا قال لها:
-ما إحنا جرَّبنا كتير نِردِم البير كانت إيه النتيجة، البير بيتحَفَر لِواحده!
-أنا من سنين عايشة هِنا، طول عُمرك بتحذَّرني من البير، رغم إنّك مفيش مرَّة قولت حكاية البير دَه إيه!
انتظَرت أبويا يِحكي، لكنّه مَتكَلّمش، كل اللي قاله هو إنّه خايف علينا ولازم نِمشي.
وفعلًا أبويا بدأ يِبني بيت تاني على الأرض بتاعتنا، اللي انتقلنا لُه بَعد ما بقى جاهز، وِمن ساعِتها والبيت القديم مقفول، وأبويا حتّى مَفكَّرش يِفتحه تاني أو يبيعه.
طول الفترة دي أنا مفكَّرتِش أتكلّم مع أخويا في حاجة، خصوصًا إن أبويا مانِعنا نتكلّم عن أي حاجة تخُص البير واللي حصل فيه، كُنت فاكِر إن أخويا هيتحسِّن بَعد ما نِنقل البيت الجديد؛ لكن العَكس هوَّ اللي كان بيِحصَل.
قرَّرت أخيرًا أتكلِّم مع أخويا، اللي كان تقريبًا رافض يتكلّم مع أي حدّ من ساعة اللي حَصَل لُه، وسألتُه:
-سيد.. مُش هَتِحكي عن اللي حَصَل في البير؟
رَدّ فِعلُه كان بايِن فيه الخوف، ساعِتها قُلت له:
-أنت خايف ليه؟ إحنا خلاص اتنقلنا بيت تاني، ليه خايف تتكلّم؟
ساعِتها بَس بدأ يِحكي:
-كُل اللي عَمَلتُه إنّي قَعدت على حافّة البير وِمَدِّيت رجلي فيه، كُنت مِستنّيك تقعد جنبي، بس بمُجرَّد ما عَملت كِدَه حسّيت بإيد مَسَكتني من رِجلي، كأنّها إيد من جهنّم، وقَبل ما أصرُخ شَدَّتني في البير، ولمّا بدأت أسترد وعيي لقيت نفسي تحت وكُنت بموت من الألم، وكُنت حاسِس كأن حد جنبي وبيتنفّس في وِشّي.
وبَصّ للسَّقف شويّة وكمّل:
-بَعدها حسّيت بإيد على وِشّي، كانِت إيد ناعمة؛ بَس تِحِسّ إنّها بتطلَّع حرارة، جِسمي بدأ يِرتِعش، كُنت متأكّد إنّي مُش لِواحدي في البير، في حدّ معايا أنا مُش شايفه، الخوف خلّاني أفقد الإحساس بالألم، كان خوفي أكبر من أي إحساس ممكن أحسه، لِغاية ما فَقَدت الوَعي من تاني، و مَحَسِّيتش غير وأنا على السرير وأبوك بيحذَّرنا إنّنا مَنقرَّبش من البير مرة تانية.
الفترة اللي قضّيناها في البيت هنا كانت طبيعية، كُل اللي كُنّا مستغربين منّه هوَّ إزّاي أخويا رِجلُه بِتعجَز وبيفقِد القُدرَة على المَشي عليها، و رغم كِدَه أبويا رفَض يودّيه لطبيب، كان كُل اللي على لسانه إن مَفيش طبيب هيقدَر يِعالجُه، وإنّ هوَّ نَصيبُه كده.
في اليوم دَه صَحيت بالليل على هوا بارِد، أخويا كان فاتِح شبَّاك الأوضة في نُصّ الليل و بيبُص على الأرض اللي قُدَّامنا، قُلت له:
-سيّد.. أنت مجنون؟ فاتِح الشِّبّاك في نُص الليل وأنا نايم والدُنيا تلج!
كُنت حاسس إنّه مُش سامِعني، شِيلت الغَطَا من عليّا وقُمت، وقفت جنبه وبصِّيت لُه، مكانش مُنتبه خالِص، حرَّكت إيدي قُدَّام عينه لغاية ما انتبه، لقيته شاور على الأرض وبَصّ ليّا وقال لي:
-معتصم.. أنت شايِف البير؟
لَقيتني فجأة بَشِدّ سيّد وبقفل الشّبّاك وأنا بقول له:
-مَافيش بير.. أنت بتهَلوِس.
ساعِتها سيّد أقسم لي إنّه شايِف البير اللي في البيت القديم موجود في أرضِنا، وإنّ في إيد لونها أحمر زي النّار بتتمَدّ منّه، طلبت منّه يبطّل الكلام ده وينام، وفعلًا سِمع كلامي بالعافية.
لمّا سيّد نام أنا نِمت، بَعدَها صحيت على صرخِتُه وهوَّ بيقول:
-خرَّجوني من البير.
هزِّيت سيّد بقوَّة على شان أصحّيه، كان العَرَق مغرَّقُه رغم إننا في شهر طوبة، لمّا قام من النوم مَسكني من رِقبتي وقال بخوف:
-البير يا مُعتَصم.. البير.
على الفِطار الصُّبح، أبويا حَسّ إن في حاجة غريبة، لَقيته بيبُص لأمي، بَعدَها بَصّ ناحية سيّد وقال له:
-في حاجة حَصَلِت يا سيّد؟
سيّد وهوَّ مِستَغرَب سؤال أبويا:
-أنا شوفت البير امبارح في الأرض هِنا.
اللي قالُه سيّد مُش هوَّ بَس اللي غَريب، دا ردّ فِعل أبويا كان أغرَب منّه لمّا سألُه:
-أنت حَكيت عن اللي حَصَل لَك في البير؟
ساعِتها سيّد رد وقال لُه:
-حَكيت لِمُعتَصِم.
أبويا سَاب الفِطار وقَام، وقامِت وراه أمّي، دخلوا أوضتهُم وقفلوا البَاب، الفضُول خلّاني أتصنَّت على كلامهم، حطّيت وِدني على الباب وبدأت أسمع أبويا وهوَّ بيقول لها:
-أنا قُلت ماحدّش يتكلّم عن البير، وابنك حَكَى عن اللي حَصَل معاه.
كان ردّ أمي عليه إنها سألتُه نَفس السؤال تاني:
-إيه حكاية البير دَه؟
-البير مَلعون.. وأي حَد بيقرَّب منّه بيتلَعَن، وابنك قرَّب من البير.. وحاوِل ينزّل رِجلُه فيه.. واتشَدّ وِسَقَط تحت.. وأوّل رِجل نِزِلِت البير بقى عاجِز أنّه يِمشي عليها.
أمّي قالِت له وهي مستغرَبَة:
-تُقصُد إيه بإنّه اتشَدّ؟
أبويا قال لها بصوت عالي:
-مُش وَقت أجاوبِك على كلامك دَه، لازم تِعرفي إن لعنة البير هتطارِد ابنِك لأنّه حَكَى عن اللي حَصَل معاه في البير، عَجز رِجلُه كان إنذار.. لَكن ابننا مُهَدَّد دِلوقت.. حياتُه في خَطر.
رجِعت لمكاني بسُرعة قبل ما باب الأوضة ينفَتَح، قعدت جنب سيّد، أبويا طلب منّي إنّي أفضل جنب أخويا ما أغفَلش عنّه لحظة، لغاية ما يشوف حَلّ في المُشكلة دي.
يومها بالليل مَنَعت سيّد إنه يبُصّ من الشّبَّاك، طلَبت منّه إنّه ينام، وأنا كمان نِمت، بعدَها قُمت من النّوم، أوّل حاجة عملتها إنّي بَصِّيت على سرير سَيّد، اللي كان فاضِي!
لَقيت باب الأوضة مفتوح، خَرَجت من الأوضة ولَقيت باب الشَّقَّة مفتوح، دوَّرت على سيّد لكن مالوش أثر، رجعت أوضتي، قُلت يمكن بيعمِل حاجة وهيرجع، لكن حاجة خلَّتني أفتح الشّبَّاك وأبُص منّه، ساعِتها كنت مذهول وأنا شايِف سيّد ماشي في الأرض، ناحية المكان اللي كان بيشاوِر عليه وبيقول إنه شايِف فيه البير، ناديت عليه بصوت عالي، لكنّه ماسمَعنيش، كأنّه مُغيَّب وماشي بدون إرادته.
ماكنتش مذهول من اللي بيحصَل وبَس، أنا ذُهِلت أكتر لمّا أنا كمان لقيت نَفسي شايِف البير، وشايف سيّد وهو بيقعد على حافة البير من تاني وبيمِدّ فيه رجله اللي تعباه، وشايِف الإيد اللي بتتمدّ من البير وبتمسكُه من نَفس الرِّجل وبتشدّه لتحت.
نَفس اللي حَصَل في البيت القديم، لكن دلوقت أنا شوفت كل حاجة بتفاصيلها، مَحَبّيتش أقول لأبويا عن اللي حَصَل، كُنت بقول إن سيّد بيهلوِس، لكن ممكن أكون أنا كمان بَهلوِس؟!
لغاية تاني يوم الصُّبح سيّد مَظَهَرش.. أبويا قَلَب عليه الدِّنيا.. وبما إنّه كان طالِب منّي أفضل جنبه اضطرّيت أقول له عن اللي حَصَل.. ولما حكيت أمّي قالِت لي:
-أنت كمان بتخرَّف؟!
لكن أبويا ردّ عليها بعصبيّة:
-مُعتَصِم ما بيخرَّفش.. اللعنة أخَدِت سيّد.
أمي صَرَخِت في أبويا وقالِت لُه:
-أنت لازم تفهّمني اللي بيحصَل.. لازم ابني يِرجَع.
كُنت شايِف الصَّدمَة على أبويا عَلى شَان سيّد، يمكِن دَه اللي خلَّاه يِحكي لأوّل مَرَّة:
-أبويا هوَّ السَّبب في اللعنة دي.. البيت القَديم مكانش بيتنا.. كان بيت أرملة غلبانة و كان لها ابن واحِد بَسّ.. أبويا كان طَمعَان في البيت.. حاوِل يشتريه لكن هي رفضِت وقالت لُه إنها مُش هتبيع البيت اللي هايحمي ابنها من الزَّمن.. لَكن هوّ أخدُه منها عافية.. زوَّر عقد بيع ووَصَل للختم بتاعها وخَتَم بُه العَقد.. واستخدِم العَقد ورفَع ضدَّها قضيّة وخلَّاها تِخلي البيت.. وِقَفَلُه فترة كبيرة.. بَعدَها أبويا قرَّر إننا نُسكُن في البيت.. كان هوّ وأمّي وأخواتي الأتنين و أنا.. لغاية في يوم ما لقيت أمّي بتقول لأبويا إنّها شايفة “سُومَة” الأرملة اللي أبويا أخد منها البيت قاعدة في الحوش عند البير.. أبويا استغرب ازّاي دَخَلِت.. وغالبًا دخلت من فوق سور البيت الخلفي، ساعتها راح لَها عَلى شَان يطرُدها.. حَصَلِت بينهم مُشكلة.. حاول أبويا يراضيها بمبلغ عَلى شَان ما تِرجَعش تاني.. لكنّها رفضت.. مكانِتش عايزة غير البيت.. وانتهت المُشكلة بإن “سُومَة” وَقَعِت في البير.. وعَلَى ما أبويا حاوِل ينقِذها كانت غِرِقِت.
أبويا أخَد نَفَس طويل وبعدَها كمّل الحكاية…
-من ساعِة الحادثة دي والحياة في البيت اتقلبِت.. أبويا رَدَم البير كتير.. بَس البير كان بيتحفَر لِواحده.. والغريبة إنّه معادش بيخرج منه مَايَّه.. وكُنّا بنشوف “سُومَة” كل يوم بالليل وهي بتخرج من البير وبتقعُد جنبه.. لِغاية ما أبويا كان عند البير في ليلة بيحاوِل يِغطّيه.. لكنّه سقط فيه.. أخواتي حاولوا يخرَّجوه لكنّه خَرَج فاقد النطق وعلى إيده حرق زي اللي على رِجل سيّد.. بَعدها أبويا تِعِب.. وفِضِل تَعبان ومات؛ مكانش في بالنا حاجة.. كان كُل تفكيرنا إنّ شبح “سُومَة” ساكِن في البير وخلاص.. ماكُنَّاش عارفين إنّها بتنتقِم لنفسها، أمّي هي كمان قرَّبت من البير وحاولِت تِردِمُه.. لكنّها اتشَدَّت وسقطت.. ولمّا خَرَجِت كانت فاقدة النطق وعلى دراعها حرق مكان الإيد اللي شدَّتها.. وبعدها بفترة ماتت. بَعد كِدَه البير أخد أخواتي واحد ورا التاني.. ومعادش فاضِل غيري.. أخدني عمّي وربّاني عنده.. ويمكن ده اللي نجّاني من البير.
ساعتها أمي سألت أبويا وكان واضح من صوتها إنها مصدومة:
-وإيه اللي خلّاك ترجعنا البيت تاني.. وأنت عارف بِـكُل دَه؟!
-كُنت فاكِر إنّ الموضوع انتهى.. لكن من بَعد ما رجعنا البيت وبدأت أشوف “سُومَة” تاني في البير.. عَلى شَان كِدَه كُنت بَحَذَّر دايمًا من إن حد يدخُل الحوش ويقرَّب منّه.. كُنت عارف إني لو رَدَمت البير هيتحفر تاني.. أنا سألت شيخ في اللي بيحصل.. قال لي إن الرّوح اللي ساكناه بتحفر البير عَلى شَان تثبت للّي عايشين في البيت إنّ الانتقام مَنتهاش.. وإن كل اللي حَضَر حادثتها من أهل البيت لازم حياتهم تنتهي بعد ما يسقطوا في البير.. زيّ ما حَصَل معاها بالظبط.. البير هيفضل يتحَفَر طول ما أنا عَايش.. لأن الشيخ قال إن اللعنة هتنتهي لما أسقط في البير.. زي أبويا وأمي وأخواتي.
الكلام كان صادِم لنا، معقول جدّي عمل كل ده؟! طيب ليه أبويا مَحاوِلش يحل الموضوع وهو عارف إن في ظُلم حَصَل!
كان كُل هدفنا إن سيّد يِرجَع.. عَلى شان كِدَه أبويا قال:
-أنا اللي اتبقّيت من اخواتي لغاية دلوقت.. أنا الوريث الوحيد اللي أخد كل حاجة.. أنا عارف ابن “سُومَة” عايش فين.. أنا هتنازل له عن البيت.
وفعلًا أبويا وصل لاسم ابن “سُومَة”، وكتب له البيت بيع وشراء، في اعتقاد منّه إن اللعنة خلاص هتنتهي، وإن “سُومَة” هتسيب سيّد بعد ما حق ابنها رِجِع.
أيام طويلة عدَّت وسيّد مظهرش، حال أمّي وأبويا كان يصعب على أي حد بيشوفهم، لغاية ليلة كُنت واقِف في الشّبَّاك، وفجأة البير ظَهَر قدّامي في الأرض، ولَمَحت سيّد بيحاول يخرج منّه، بس كانت في إيد منعاه.
ناديت بصوت عالي على أبويا، لمّا جِه حاوِلت أقول له إنّي شايف البير دلوقت وشايِف سيّد بيحاول يخرج منّه، لكن أبويا مكانش شايف حاجة، بس لقيته بيقول لي:
-تعال معايا بسرعة نروح البيت القديم.
روحت معاه، دخلنا الحوش من فوق السور، وعلى ضوء الكلوب شوفنا حوالين البير تُراب كتير، ولقيت أبويا بيقول لي:
-أكيد ابن “سُومَة” رَدَم البير قريّب والبير اتحفر لواحده كالعادة.
ساعِتها سمعنا صوت حد بيستغيث في البير، الصوت كان صوت سيّد، قرَّبنا من البير وبصِّينا فيه، المنظر كان بَشِع، لقينا شَبَح “سُومَة” مع سيّد في أرض البير، كأن كل حتة من جسمها بتطلّع نار، حتّى عينها كانت لونها أحمر، لكن بمجرد ما شافِت نور الكلوب وشافِتنا قدامها اختفت، حطِينا السلّم الخشب، وأبويا نزِل وطلَّع سيّد، وبعدها شالُه على كِتفه وخرجنا به من البيت، وروحنا بسُرعة على البيت الجديد.
بعدها أمي كانت قاعدة باستمرار جنب سيّد، كانت خايفة عليه، لكن الغريب إنه بدأ يتحسّن، وبدأ يقدر يمشي على رِجله، الأغرب من كده بقى إن أبويا هو اللي بدأ يتعب، كانت كُل حاجة في سيّد التعب بيروح منها كانت بتتعب عند أبويا، لغاية ما أبويا مكانش بيقدر يتحرَّك من السرير.
وفي ليلة أمي سألتني:
-أبوك فين .. أنا مُش لاقياه في سريره.
قلت لها وأنا مستغرب:
-أبويا مابيقدرش يمشي.. هيكون راح فين؟
كنت بجاوبها وواقف جنب الشباك المفتوح، ساعِتها لقيت أبويا ماشي في الأرض، في المكان اللي كان ماشي فيه سيّد ناحية المكان اللي ظهر فيه البير، ولما وصل للبير حصل معاه نفس اللي حصل مع سيد بالظَّبط، وقع فيه لمّا نفس الإيد اتمدّت وشَدَّتُه.
اتفاجأت بأمي جنبي، كانت بتصرخ وتبكي، عرفت إنها شافت اللي حصل زي ما أنا شوفته، لكن أنا موقفتش، على طول جريت على البيت القديم وأنا بحاول أدوس على أي خوف جوَّايا، دخلت الحوش من على السور، لكن المفاجأة إنّي لقيت البير مردوم، كأنّه مردوم من سنين طويلة، حاولت أحفر فيه، لكن حسّيت إن التراب اللي البير مردوم بُه عامل زي الخرسانة، وحسيت إنه من الصعب إني أقدر أحفره.
رِجلي خبطت في حاجة جنبي، مسكت الكلوب وبصّيت عليها، واتصدمت لما لقيت إن دي فردة من جزمة أبويا اللي شوفته ماشي بها ناحية البير؛ ساعِتها عرفت إن أبويا اندفن تحت التراب، وافتكرت كلامه لما قال إنه الوحيد اللي لسه عايش من إخواته، وإن اللعنة هتنتهي لما يموت في البير، ساعتها عرفت ليه البير اتردم، نفس الكلام اللي أبويا قالُه حَصَل.
مكنتش عارف إن كانت روح سومة استدرجت أبويا لحد البير على شان تكمل انتقامها، ولا أبويا اللي راح من نفسه على شان الحقوق لازم تترد، والقصاص لازم يتنفذ، وبرغم إن في أرواح كتير راحت في الانتقام ده، وآخرهم أبويا، لكن فكرت للحظة إن القصاص أحيانًا ممكن تكون له قوانين تانية غير اللي نعرفها، خصوصًا لما المظلوم يقتص لنفسه، ممكن وقتها القصاص يكون بقدر الألم اللي بيتعرض له.
مَكُنتش عارف أحزن على أبويا ولا أفرح إن اللعنة انتهت وسيّد رِجِع، قرَّرت أخرج من الحوش على شان أبلَّغ أمي باللي حصل، لكن وقفت لمّا سمعت صوت ضحكة عالية، بصّيت وشوفت سُومَة، كانت واقفة عند البير بعد ما اترَدَم؛ بتضحك، وماسكة في إيدها جلَّابية أبويا، ساعتها بس عرفت إن أبويا مراحش للبير بمزاجه، وإن تخميني الأول هو اللي صح.
……
تاني يوم قدرنا نخرَّج جثة أبويا وندفنها، بس عاوز أقول ملاحظة، محدش عرِف يحفر البير غير ابن سومة، اللي التراب استجاب معاه، وكأن التراب نفسه بيثبت إن صاحب الحق هو اللي من حقه يتصرف في كل حباية تراب جوَّه حقه.
***
تمت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى