قصة خطوة عزيزة مين فينا مش بيحب يحتفظ بذكرياته؟ سواء كانت الذكريات دي صورة في رحلة مدرسية، أو لعبة كنا بنلعب بِها وإحنا صغيرين، أو أي حاجة من دي، كلنا بنحتفظ بحاجات تخصنا؛ زي ما أنا عملت كده، احتفظت بذكريات طفولتي، وبألعابي ومن ضمنها عروستي.
إحنا ساكنين في بيت قديم، ده اللي اتولدت واتربِّيت فيه، بس أمي بتتعامل مع البيت باعتباره قَصر، بتهتَم به اهتمام مُبالغ فيه، لدرجة إنها مش بتحب الكراكيب، اللي فجأة لقيت إن ذكريات طفولتي وألعابي بتتصنَّف من ضمنها؛ شوية كراكيب قديمة لازم نتخلَّص منها.
لما لقيت أمي بتلمَّح بالكلام في الموضوع ده، قولت أخبِّي الحاجات اللي تهمّني وأولهم العروسة، بس سألت نفسي سؤال؛ هخبّي الحاجات دي فين؟ مفيش مكان في البيت بعيد عن إيد أمي.
بعد تفكير طول اليوم، افتكرت إن البيت تحته بدروم، أيون افتكرت ومش ببالغ في كلامي، لأن المفروض مفيش حد بينسى مكان موجود في بيته، بس البدروم بالنسبة لنا كان مكان معزول، مفيش حد فينا بينزل تحت، وبرغم إن عندي عشرين سنة؛ لكن عمري ما رجلي دخلته، مكنش في حد بينزل تحت غير بابا لما بييجي أجازة من السفر، ومُش كتير كمان، مرَّة أو اتنين، وأحيانًا الأجازة كانت بتخلص ومكنش بينزل البدروم.
كل تفكيري كان إزاي هنزل تحت، أول حاجة جت في بالي هي إني افتكرت مكان المفتاح، أصل الأجازة اللي فاتت سمعته بيطلب من ماما مفتاح البدروم، ولما سألته عن مكانه قال لها: إنه دايمًا بيسيبه في جيب الجاكيت الجلد اللي في دولابه، وانتظرت الفرصة المناسبة، بس الفرصة متأخرتش كتير، لقيت ماما بتقول لي:
_سارة.. أنا طالعة السطح فوق أغسل السجادة.
ساعتها رديت وقولت لها:
_أساعدك؟
_لأ.. روَّقي بَس أوضتك لحد ما أنزل.
سيبتها ورجعت أوضتي، ولما طلعت على السطح دخلت دوَّرت في جيب الجاكيت الجلد بتاع بابا، وفعلًا لقيت نسخة مفتاح قديمة، حطيتها في جيبي وخرجت بسرعة رجعت أوضتي، روَّقت الأوضة زي ما ماما طلبت، ولما خلَّصت وماما نزلت من فوق السطح، لقيتها بتقول لي:
_أنا هنام ساعة يا سارة لأني حاسة بصداع شديد.
الفرصة جات لحد عندي للمرة الثانية، لأنها لما دخلت نامت أخدت العروسة وشوية حاجات تانية ونزلت تحت، كنت خايفة المفتاح ميكونش هو مفتاح باب البدروم، لكن الحظ خدمني وطلع هو المفتاح والباب اتفتح.
دخلت البدروم وحاولت أدوَّر على مفتاح النور، لكني ملقيتوش، قولت مش مشكلة، إحنا لسه العصر والمكان مش ضلمة، بصيت في المكان حواليا ولقيت شوية كراكيب قديمة، عفش مكسَّر، شوية أجهزة كهربائية الزمن جار عليها، وفهمت إن الحاجات دي كانت تخُص جدي وجدتي الله يرحمهم، بس بابا عمره ما قال قدامي إن الحاجات دي في البدروم.
كنت عايزة أنجِز اللي نزلت على شانه بسرعة، ماما ممكن تصحى في أي وقت ومتكمّلش الساعة، ده اللي خلاني أروح في ركن فيه شوية موبيليا قديمة وأسيب حاجتي هناك، وبعدها قفلت الباب وطلعت ورجَّعت المفتاح في مكانه.
محدش يفكَّر إن أمي هتاخد بالها من اختفاء العروسة وشوية الحاجات التانية؛ بالعكس، أمي بتهتم بتفاصيل كل حاجة في البيت، إلا الحاجات القديمة والذكريات، بالنسبة لها اللي فات مات، والذكريات مبتنفعش ولا لها لازمة.
اليوم فات عادي وبالليل دخلت نمت كالعادة بعد ما ماما نامت، مجاليش نوم على طول، كنت بتقلِّب وقلقانة، يمكن لأن جزء من ذكرياتي بقى في مكان وأنا في مكان، لكن وأنا بتقلِّب؛ اتفاجأت إن العروسة جنبي!
اتفزعت لما شوفتها، اتكوِّمت جنب الحيطة وتقريبًا كده رجعت لوضعية الجنين من الخوف، كل ده حصل في ثانية تقريبًا وأنا ببحلق في العروسة، ولما لقيتها موجودة فعلًا وإني مش بهلوس بدأت أصرخ، ومن شدة الصرخات لقيت عيني بتغمض من نفسها.
فتحت عيني وبطَّلت صريخ لما حسيت بإيد بتشدِّني ناحيتها، وبعدها سمعت صوت ماما وهي بتقول:
_بسم الله الرحمن الرحيم؛ مالك يا سارة؟
بصيت حواليا وأنا مذهولة؛ العروسة مكانتش جنبي، ولأني مكنتش عايزة أمي تعرف إني نزلت البدروم داريت على الحكاية، ولما كرَّرت سؤالها تاني بلعت ريقي وقولت لها:
_حلِمت حِلم مُخيف.
ساعتها طبطبت عليا شوية وقالت لي:
_طيب استعيذي بالله واقرأي قرآن قبل ما تنامي، واتغطّي كويس وكل حاجة هتبقى تمام.
لما حسَّت إني بخير سابتني ورجعت أوضتها، وأنا شديت الغطا عليا لحد رقبتي؛ وسندت ضهري لشباك السرير، كنت ببُص حواليا في رُعب، معرفش إزاي شوفت العروسة، ولا أعرف هي اختفت فين بمجرد ما أمي دخلت الأوضة.
فتحت عيني على صوت حركة في الشقة، في الوقت ده أدركت إني نمت وأنا ساندة ضهري لشباك السرير، وإن الصوت اللي برَّه كان صوت حركة أمي، قومت وأنا جسمي مكسَّر، وبدأت أمارس يومي عادي، وساعتها لقيت أمي بتقول لي:
_سارة.. بعد ما تفطري طلَّعي من أوضتك الحاجة اللي معادش لها لازمة على شان هرميها.
عملت اللي طلبته من سُكات، برغم إني كنت حاسة بألم رهيب في كل حتة من جسمي، واليوم فات عادي، حاولت أكون كويسة قدامها، لحد ما طاقتي نفذت ودخلت نمت بدري، واللي حصل اتكرر معايا تاني، كنت بتقلِّب ولقيت العروسة قاعدة جنبي على السرير، جسمي اتلبِّش في بعضه، بس مكنش عندي القدرة إني أتحرك من مكاني، الألم اللي كنت حاسة به كان مانعني من الحركة.
كنت ببُص للعروسة اللي حسيت إن فيها الروح، كل حاجة فيها كانت بتتحرك، عينيها وأطرافها، لدرجة إنها مدَّت إيدها ناحيتي وبدأت تملِّس على جسمي، وفجأة لقيتها بتبتسم ابتسامة مخيفة ووشّها بيتشقق وبتقول:
_كده يا سارة ترميني في البدروم! بس أنا مش زعلانة، عارفة ليه؟ لأني مبسوطة تَحت.
مكنتش مستوعبة اللي بسمعه، بس ملقِتش عندي القدرة على النُطق، لكن العروسة كانت بتكمِّل كلامها…
_فاكرة وأنتِ صغيَّرة لما كنتِ بتلعبي بيا؟ دلوقت جِه دوري، من حقي بقى أنا اللي ألعَب بيكي، ولا أنتِ شايفة إيه؟
في الوقت ده اتفاجأت بأمي داخلة الأوضة تطَّمن عليا، ولاحظت إن العروسة فضلت موجودة في مكانها، بتبُص لي وبتبتسم بوشّها المشقق، الغريبة إن أمي ملاحظتش وجودها، وساعتها العروسة ضحكت بصوت عالي وقالت:
_هي مش هتشوفني، أنا حاجة تخُصك أنتِ، مفيش غيرك هيشوفني.
وبالفعل؛ أمي اتكلمت عادي وقالت:
_أنتِ لسه صاحية يا سارة؟
بعدها مدَّت التليفون ناحيتي وقالت:
_بابا على التليفون خدي كلِّميه.
مقدرتش أحرَّك إيدي ولا أنطق، ولقيت ماما بتقول لبابا في التليفون:
_سارة راحت في النوم.
مكنتش نايمة ولا حاجة، بس مكانش ينفع تقول غير كده، في الوقت ده لقيت العروسة بتنزل من السرير، وبتخرج من الأوضة بضهرها وعينها عليا وبتبتسم، لدرجة إنها فاتت من جنب أمي بدون ما تاخد بالها، لحد ما وصلت لباب الشقة وخرجت منه وهو مقفول وكأنها سراب!
غمضت عيني وكان في شيء غريب مانعني من الرد، ولما أمي يأسِت من إني أرُد عليها قفلت الباب عليا وخرجت، ساعتها حسيت بدماغي تقيلة والنوم كابِس عليا، استسلمت للنوم؛ بس لقيت نفسي بصحى فجأة على صوت ضحكة، ولما بصيت ناحية الصوت شوفتها؛ كان صوت العروسه، بس في الوقت ده مكنتش حاسة بأي تعب، وعندي طاقة رهيبة للحركة.
دخلت وراها بدون إرادتي برضه، الدنيا كانت ضلمة كُحل، مكنتش شايفة أي حاجة حواليا، بس لقيت البدروم نوَّر فجأة، ساعتها شوفت العروسة شايلة كلوب قديم ومنوَّر وبتقول لي:
_خطوة عزيزة يا سارة.
مقدرتش أتحمل اللي بيحصل، لقيت نفسي بقع من طولي في الأرض، والبدروم بيضلِّم تاني من حواليا.
مكنتش مستوعبة إزاي فتحت عيني لقيتني في سريري؛ ولقيت بابا جنبي، بس حابة أقول لكم إني فتحت عيني بعد أسبوع كامل، وساعتها بس عرفت إن سبع أيام فاتوا بدون ما أحِس.
بعد ما فوقت عرفت إن أمي قامت بالليل تطمن عليا، وساعتها لقت أوضتي فاضية وباب الشقة مفتوح، نزلت تجري على تحت واتفاجأت إن باب البدروم هو كمان مفتوح، ساعتها طلعت جابت كشاف ونزلت تاني ودخلت البدروم، في الوقت ده لقتني مرمية في الأرض، بس لاحظت حاجة غريبة، وهي إنها شافت العروسة بتجري من جنبي وبترجع الركن اللي حطيتها فيه بإيدي، وبمجرد ما شافت ده بعينها شدَّتني خرَّجتني من البدروم وقفلت الباب، ولما لقتني فاقدة الوعي شالتني طلعتني فوق، وبعدها كلِّمت بابا وقالت له عن اللي شافته، ولمَّا سمع الحكاية حجز على أول طيارة ورجع.
عرفت بعدها إن العروسة اتحرقت، وإن اللي حرقها شيخ بابا جابه يشوف إيه الحكاية، وقال إن البدروم كان مهجور ومسكون بالهوام، كنت أول مرة أسمع الكلمة دي، بس بابا قال لي إن الشيخ بيقول هوام الجِن، اللي بيسكنوا الأماكن المهجورة والمقفولة، واللي واحد منهم سكن جسم العروسة لما اترمت في البدروم تحت وهو مهجور، يعني اتهجرت هي كمان، وهُما مش بيفرَّقوا، أي حاجة مهجورة بيسكنوها، مكان بقى أو دُمية، المهم إن الشرط اللي عايزينه متوفر في الحاجة وهي إنها تتهجر، وإن اللي سكن جسم العروسة شاف إن في ذكريات وروابط بينها وبين شخص؛ اللي هو أنا، على شان كده قدر إنه يتواصل معايا ويحاول يستدرجني للبدروم المهجور تحت، على شان يسكن جسمي، وساعتها يلاقي براح يخليه يعمل أكتر من اللي هيعمله لو كان فضل في جسم العروسة.
دي كانت حكاية الهوام اللي واحد منهم سكن العروسة، وكان بيرحب بيا لما استدرجني وقال لي: خطوة عزيزة يا سارة؛ بعد ما حطيت له حلقة وصل بيني وبينه بدون ما أقصد، لمجرد إني حاولت أحتفظ بذكرياتي، لكن احتفظت بها في المكان الغلط، بدون ما يكون عندي علم بكل الكلام ده، على شان كده بقيت حريصة جدًا وأنا بحتفظ بأي حاجة تخصني، وبختار المكان المناسب.
بالمناسبة؛ قبل ما بابا يسافر تاني رمى كل اللي في البدروم، وبعدها جاب الشيخ قرأ فيه قرآن وطهَّره، وعمل فيه إضاءة ومبقاش زي الأول، على شان ميبقاش في البيت أي مكان ممكن حاجة خفية تستخبى فيه، وتنتظر الفرصة المناسبة على شان توصل لنا.
…
تمت…
خطوة_عزيزة_ياسارة
محمد_عبدالرحمن_شحاتة