قصص

قصة شجرة الجميزة

بقالي فترة نفسيتي مش أحسن حاجة، بمشي سرحان وتايه طول الوقت، جسمي خس النص من قلة الأكل، وتحت عيني أسود من كتر السهر، كنت لوحدي أغلب الوقت، دماغي مكنتش بتبطل تفكير في اللي جاي .. وفي يوم الوضع إزداد سوء، مسكت الموبايل وبعت مسچ لزياد ابن خالتي، قولت له إني محتاج أخرج شوية، قالي إنه هيلبس وهيكلم حاتم ابن عمي ونخرج إحنا التلاتة مع بعض زي ما كنا متعودين، سبت الموبايل من إيدي وقمت من على السرير غيرت هدومي، ولما خلصت نزلت استنيتهم قدام البيت، ومفيش دقايق ولقيتهم قدامي، أول لما شافوني، وشهم ظهر عليه علامات استفهام كتيرة، اتكلموا في نفس واحد وقالوا:
-في إيه يا بني مالك، إيه غيرك كده؟
-تعبان شوية، بس متقلقوش هبقى كويس.
رد حاتم وقال:
-طب نوديك لدكتور طيب؟
-لا الموضوع مش مستاهل، أنا حبيت أفك بس شوية لأني اتخنقت من قعدة البيت.
-طب إيه رأيك نتمشى ناحية مزرعتكم شوية؟ الدنيا هناك هدوء زي ما إنت عارف ومفيش حد هيزعجنا واهو نشوف هنعمل إيه.
-تمام، ماشي.
اتجهنا فعلًا ناحية الطريق الزراعي، ولسوء حظنا مكنش في غير عامود واحد منوّر، حتى اللمبة بتاعته كانت بترعش، وعشان كده شغلنا فلاش الموبايل وإحنا ماشيين. مكدبش عليكم المكان كان مقبض، طريق طويل العين متجبش آخره، متحاوط بأراضي من كل ناحية، وفي النص ترعة صغيرة جنبها شجرة أغصانها دبلانة ياما سمعنا عنها بلاوي من أجدادنا ومسمينها شجرة الجميزة. أول لما قربنا من الشجرة دي وقفنا كلنا، وكل واحد فينا كان مستني التاني ياخد خطوة لقدام عشان يعدّي، لكن الخوف كان متملك منهم وعشان كده خدت أنا أول خطوة ناحيتها، ومن بعدي حاتم وزياد، وقبل ما نكمل مشي سمعنا صوت خطوات جاي من وراها، قلبي اتقبض وجسمي تلّج، وفي لحظة ملقتش حاتم وزياد لأنهم خافوا وجريوا، وأنا بقيت واقف لوحدي قدامها، صوت الخطوات بيقرب ناحيتي، مكنتش قادر أشوف ولا أحدد مصدر الصوت إيه لأن الزرع كان مغطي المكان كله، لحد ما خرج من وسط الزرع طفلة، ملامحها جميلة، عيونها خضر، وشعرها طويل وناعم نازل على ضهرها، اتبرجلت، شعور بالخوف والراحة في نفس الوقت، قرّبت مني لحد ما بقت على بعد خطوة واحدة بس، مسكت إيدي ومشيت، وأنا مشيت وراها زي المسحور، مكنتش قادر أنطق، بُقي اتشل، لحد ما سمعت صوت جاي من بعيد.
“ارجع يا مجنون، إنت هتعمل إيه؟”
وقتها بس حسيت إني رجعت لوعيي، لقيت نفسي على بعد مترين من الترعة، ولما بصيت بطرف عيني عليها، لقيتها اتغيرت مليون درجة، شعرها كان هايش.. محروق، جلدها كان دايب، ووشها أزرق، وعيونها عليها غمامة بيضا، حتى بطنها كانت منفوخة بطريقة مش طبيعية، عيني جحظت، ضربات قلبي زادت، جسمي غرق في العرق رغم برودة الجو، مكنتش عارف أعمل إيه غير إني صرخت، ومع صرختي فلتت إيدي، واختفت ورا الشجرة، ومن الشد والجذب لقيت نفسي اترميت على الأرض، كنت مصدوم من اللي حصل، مش قادر أصدق إن كان اللي شُفته ده حقيقي ولا خيال، حلم ولا علم، لقيت زياد وحاتم جايين جري عليا، ومن غير ما حد فيهم ينطق شدوني من إيدي وجريوا، ولما حسوا إننا بعدنا، لقيت حاتم بيسألني:
-إنت اتجننت يا حمدي، كنت هترمي نفسك في الترعة؟
من كلامه أتأكدت إنهم مشافوش اللي انا شُفته، بس مكنتش قادر أرد عليه، لكن عيوني قالت كل حاجة، لما لقيت زياد بيرد مكاني:
-سيبه دلوقتي يا حاتم، إنت مش شايف شكله عامل إزاي؟ يلا إحنا لازم نمشي من هنا دلوقتي، هنشوف أي طريق تاني يوصلنا للبلد، ووقتها نشوف هنعمل إيه.
ومن بعدها عدّى اليوم، وفات أسبوع على اللي حصل، أسبوع وأنا حالتي النفسية بتزداد سوء، كنت عايش على المهدئات، حتى النوم طار من عيني، وجسمي بقى أشبه بالهيكل العظمي، شوية جلد على العضم، لساني كان مشلول، ومكنتش قادر أحكي لحد عن اللي شُفته، لحد ما ستي دخلت عليا الأوضة وطلبت من كل اللي واقفين يخرجوا، بعدها قرّبت منّي وفضلت ترقيني، حسيت إني جسمي بقى أهدى، عقدة لساني اتفكت وبدأت أتكلم معاها، وحكيت لها كل اللي شُفته، ابتسمت وقالت:
-ربنا كاتبلك عمر جديد، بس إياك تروح هناك تاني بالليل إنت والصيع دول، مين عالم إيه اللي ممكن يحصل المرّة الجاية.
-حاضر يا تيتا بس أنا مش فاهم.
-مش لازم تفهم، مش كل حاجة تحصل معانا لازم نفهمها، ساعات عدم العلم بالشيء أأمن لينا.
باست راسي وقامت من جنبي، وقبل ما تخرج، لفّت وشها ليا زي ما يكون نسيت تقول حاجة.
-وإياك تحكي لحد عن اللي شُفته.
هزيت راسي، بعدها ابتسمت وخرجت، كلامها خوفني مطمنيش، ولأني فضولي، قررت إن لما أقف على رجلي من تاني هروح، ومش هحكي لحاتم وزياد حاجة عشان ييجوا معايا، يمكن وقتها نعرف سر الطفلة دي. لكن محتاج منكم حجّة قوية أقولها لهم عشان يوافقوا، لأن بعد الليلة المشؤومة دي مش هيوافقوا بسهولة.
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى