قصة مندرة روايح
(تلك القصة، رغم رعبها وقسوتها، فهي مستوحاه من قضية تم القبض فيها على عصابة لا تتاجر بالمخدرات او السلاح.. بل تتاجر فيما هو أغلى واطهر)
قعدت في مكتبي انا ومحمود زميلي، كنا ساكتين وبنبص لبعض لحد ما بدأ هو الكلام وقال لي..
-ايه يا عم محي.. انت لسه القضية إياها واكلة دماغك؟!
مسكت علبة سجايري وولعت سيجارة وانا بقوله…
-اوي يا محمود، واكلة دماغي لدرجة اني مش عارف افكر غير فيها، ده انا حتى مراتي لاحظت عليا إن انا متغير.. ولما قعدت احلفلها انها مشكلة وقضية تبع القسم هنا، ماصدقتنيش.. افتكرتني بفكر في واحدة غيرها يا سيدي، قال يعني انا عندي وقت افكر فيها اصلًا، لما هفكر في غيرها!
ضحك محمود وهو بيبصلي، وبعد كده اتعدل وركز معايا اوي..
قصة مندرة روايح
-مراتك معاها حق.. انت ظابط، يعني ياما هتشوف من قواضي وبلاوي، وخصوصًا في المنطقة هنا، انت هنا في منطقة شعبية، مش زي قسم المعادي اللي اتنقلت منه.. وبعدين ما القضية خلاص، راحت للنيابة واحنا قومنا بدورنا على أكمل وجه.
لما قال لي كده، قومت وقفت وبصيت له بتركيز…
-بس القضية دي مش قضية عادية.. وانا هقولك ليه.
كملت كلامي وانا بلف حواليه…
قصة مندرة روايح
-هنفترض إنك انت مكان الحرامي، وبقالك فترة مراقب بيت الست الشحاتة دي، وهووب.. قررت اخيرًا إنك هتدخل تسرقه.. تفتكر بقى، ممكن تدخل تسرقه لوحدك؟!
قام وقف وبص لي باستغراب اوي..
-اه يا محي عادي.. الحرامي شاف إنها ست كبيرة وإن حوار سرقتها ده موضوع سهل، ومش محتاج شريك ولا حاجة، وحتى يا سيدي لو في شريك.. ده ايه علاقته بإنه مات وهو بيسرق، الراجل كده كده ميت بسكتة قلبية، يعني الموضوع مافيهوش اي شبهة جنائية.. هي ست عجوزة عايشة لوحدها في أوضة او مندرة من اوض كتير حواليها، ودخل حرامي يسرقها وهي مش موجودة، ومن حظه المهبب إنه مات او جت له سكتة قلبية وهو بيسرق، ولما الست رجعت وشافت جثته، خرجت تصرخ واحنا اتبلغنا بالقضية، وعرفنا إن الواد سوابق وانتهينا.. ايه بقى؟!
قعدت
قصاده وانا بسحب من السيجارة نفس عميق، خرجته وانا بنفخ فيه همي وتعب عقلي اللي مابيبطلش تفكير..
-مش عارف يا محمود.. انا النظرة اللي كانت على عيون الواد وهو ميت، بتقول إن السكتة القلبية اللي مات بيها دي، سببها حاجة خضته.
قصة مندرة روايح
ضحك محمود على كلامي..
-لا الف سلامة عليه من الخضة، المرة الجاية لما اي حرامي يجي يسرق، نبقى نجيب له طاسة الخضة عشان مايموتش.
-انت بتتريق عليا اكمنك اقدم مني هنا يعني؟!
-والله يا حبيب قلبي لا بتريق ولا حاجة، انت بس اللي مكبر الموضوع و…
قطع كلام محمود صوت الباب لما خبط..
-ادخل..
فتح العسكري الباب، وبعد ما أدى لي التحية العسكرية قال لي..
-في واحد بيعيط برة يا محي بيه، وبيقول إنه عاوز يبلغ عن حاجة خطيرة.
بصيت لمحمود باستغراب وبعد كده بصيت للعسكري..
-بيعيط!.. وده عاوز ايه عم اللي بيعيط ده كمان، دخله يا ابني.
وفعلًا دخل الشخص ده.. لكنه اول ما دخل، بصيناله انا ومحمود باستغراب.. كان شاب شكل ملامحه بتقول إنه في اوائل التلاتينات او في اواخر العشرينات، ورغم كده.. شعره معظمه كان ابيض وعينيه كانت حمرة زي الدم!
اول ما دخل وقف قصادنا لثواني، وبعد كده قرب مني واترجاني..
-ابوس ايدك يا باشا.. ابوس ايدك ارحمني، انا جاي اعترف بكل حاجة، بس ارحمني واحبسني.
بصيت لمحمود اللي قام وقف وقال للواد بزعيق..
-جرى ايه يالا.. انت ضارب ايه وجاي تطلعه علينا عالصبح؟
رد على محمود وهو بيعيط بحرقة..
-وربنا ما ضارب حاجة، انا بقالي تلات أيام مش عارف انام.. انا من يوم ما دخلت المندرة دي انا وعوني الله يرحمه، وانا.. وانا مش عارف انام.
قصة مندرة روايح
اول ما قال جملة “دخلت المندرة انا وعوني” دي.. قربت منه وقولت بصوت عالي..
-الله.. دخلت المندرة.. اهو يا عم محمود، في حرامي تاني وموت عوني وراه إنَ.
رد عليا الواد اللي شكله غريب ده بسرعة..
-اه يا باشا وراه إنَ.. والأنَ دي، هي اللي جابتني هنا دلوقتي عشان اسلم نفسي ليكوا.. اهو.. يمكن، يمكن لما ابلغ واتحبس، ارتاح واعرف اتخمد حتى لو على البورش.
بسرعة قعدته وخدت بياناته وكمان طلبتله قهوة عشان يصحصح كده ويركز.. وبعد ما بقى أهدى، قعدت قصاده انا ومحمود، وابتدا يحكيلنا كل حاجة وبالتفاصيل..
-انا رجب الصواف.. عندي ٢٨ سنة، صاحب عوني اللي عرفت إنكم لقتوه ميت في المندرة بتاعت الشيطانة اللي اسمها روايح.. انا وعوني يا بيه جمعتنا قعدة القمار على قهوة جوة زقاق متداري، كل يوم بالليل كنا بنلعب قمار لحد ما اتعودنا عالخسارة، بس العين تملي مابترضاش الا بالمكسب.. وعشان كده اضطرينا نسرق، كنا بنتهجم على الناس بالليل، او ننمر على شقة او اوضة ونسرقها، وبالفلوس، كنا بنروح نلعب قمار ونخسر برضه، لحد ما مع الوقت، اتعودنا على السرقة زيها زي الخسارة بالظبط.. وفضلنا كده لحد ما في يوم، كنا ماشيين في وسط البلد، يومها وقفني عوني وقال لي إن الست اللي خارجة من محل من محلات الدهب، تبقى روايح جارته، ماهو عوني كان عايش في اوضة او في مندرة لوحده.. والمندرة دي كانت في نفس المنطقة اللي فيها مندرة روايح، وقتها استغربت من كلام عوني، ولما سألته ايه اللي هيدخل ست شحاتة وشكلها مبهدل زي دي، عند جواهرجي، قال لي إنها أكيد عندها دهب وبتبعيه، ومن هنا جت لنا الفكرة.. فضلنا نراقب الست دي من بعيد لبعيد كده.. لحد ما عرفنا إنها بتخرج كل ليلة خميس وتتأخر.. وفي ليلة خميس، وبعد ما خرجت، كنت قاعد انا وعوني في المندره بتاعته، خرجنا ليلتها بعد ما هي خرجت بشوية، وروحنا كسرنا القفل اللي على باب المندرة الخشب بتاعتها ودخلنا بالراحة، الدنيا كانت ضلمة، وبصراحة عوني كان شكله خايف اوي لأنه قال لي إن هو والجيران، ساعات بيسمعوا اصوات عيال صغيرة طالعة من عند الست دي، فبصراحة انا وقتها طمنته وقولتله إن اللي بيقوله ده اي كلام.. الست عايشة لوحدها ومافيش معاها حد، ومن مراقبتنا ليها، لا شوفنا عيال خارجة ولا عيال داخلة.. بس وقت ما انا بكلم عوني وبطمنه، طلعت من جيبي الكشاف ونورته، واول ما وجهت نور الكشاف جوة المندرة، اتسمرته في مكاني انا وهو.. وقبل ما تسألنا احنا اتسمرنا ليه، فانا هقولك يا بيه، إحنا اول ما وجهنا نور الكشاف لجوة.. لقينا قصادنا عيال صغيرة، ماعرفش عددهم قد ايه.. انا وقتها مانشغلتش بعددهم، انا انشغلت بعيونهم اللي كانت بتنور في وشنا زي القطط.. وطبعًا مع اشكالهم دي.. انا طلعت اجري، إنما عوني بقى، فالراجل يا ولداه ماستحملش، وقع من طوله وطَب ساكت من الخضة، وعليها.. من الليلة المنيلة دي، ومن بعد اللي حصل، وانا مابعرفش انام.. انا كل ليلة بشوف العيال دول في منامي، بشوفهم وهم بيحوموا حواليا وبيخنقوني، وبسبب رؤيتهم في المنام، مابقتش بنام نص ساعة على بعضها، وحتى لما بصحى.. لما بصحى بشوفهم حواليا في الأوضة المعفنة اللي انا عايش فيها لوحدي، وعشان كده يا بيه انا بقالي تلات ايام، بقضي معظم الوقت في الشارع، انا لا بقيت عارف اعيش في الأوضة لا ليل ولا نهار، ولا حتى بقيت بعرف انام.. انا هتجنن.. واخر ما غلبت جيت على هنا، جيت عشان ابلغ وابري زمتي.. يمكن لما اعترف، يسيبوني في حالي وابقى كفرت عن ذنبي.
لما رجب وصل لحد هنا، قام محمود وخبط على المكتب وهو بيقوله..
-انت هتستعبط يا روح امك.. عيال مين دول يالا اللي شوفتهم في مندرة الست روايح، الست عايشة لوحدها!
قومت وقفت وهديت محمود، بعد كده قربت من رجب وقولتله بابتسامة..
لكن رجب رد عليا وعيونه مليانة دموع..
قصة مندرة روايح
-لا يا بيه.. مش تأنيب قصة ضمير، انا وعوني مش اول مرة ننيل اللي كنا هننيله ده، وبعدين احنا اصلًا سوابق، وعوني له اكتر من قضية، إنما المندرة دي، فيها حاجة مش مظبوطة، والعيال دول مش عيال.. دول شياطين او جن، انا تعبان يا بيه وهتجنن وانام.. ابوس ايدك احبسني، جايز لما ادخل الحجز، الكوابيس تخف شوية او اقولهم لما اشوفهم في الكوابيس، إن انا خلاص اعترفت وسلمت نفسي، جايز وقتها يحلوا عني.
بعد ما خلص رجب، ندهت على العسكري وخليته ياخده على الحجز بعد ما اتعمل محضر واتكتب فيه اقواله، وبعد ما رجب اتحجز عندنا في القسم، قعدت مع محمود وقولتله..
-بقولك ايه يا ابو حنفي، انا حاسس إن الحوار ده وراه حوار.
بص لي محمود بنظرة زهق على استغراب..
-تاني يا محي.. انت هتصدق اللي ابن العبيطة ده بيقوله؟!
-يا سيدي خليك ورا الكداب، وبعدين هو انا مش قولتلك إن انا شاكك إن في شريك لعوني، وطلعت صح!.. يبقى خلاص بقى، اسمع كلامي وخلينا نفكر بالراحة ونشوف هنعمل ايه.
نفخ محمود بخنقة وهو بيبص قصاده..
قصة مندرة روايح
-حاضر يا عم محي.. حاضر، هسمع كلامك وهمشي وراك، همشي وراك لحد ما نشوف العيال الصغيرين اللي بيطلعوا لرجب في المنام دول يبقوا ايه.. اما نشوف اخرتها مع العفاريت دول اللي عاوز تعرف هم مين.
خدت طبنجتي وحطيتها في جنبي ولبست الچاكيت بتاعي وانا بقول لمحمود..
-ومين قال بس إنهم عفاريت، انا شاكك في حاجة كده وعاوز اتأكد منها، ولو الحاجة دي طلعت صح، صدقني هنبقى كشفنا جريمة، اكبر من جريمة سرقة المندرة بكتير اوي، اسمع كلامي انت بس وتعالى معايا.
-اجي معاك على فين؟!
-عالمندرة.. هنروح نبص على مندرة عوني، عاوز اشوف فيها حاجة كده كنت لاحظتها واحنا بنفتشها المرة اللي فاتت بعد موته.
وفعلًا.. روحت انا ومحمود ومعانا امين شرطة واتنين عساكر، دخلنا الحارة اللي فيها الطرقة اللي فيها الأوض دي، وخليني اوصفهالك سريعًا كده.. هي طرقة ضيقة طينية او تقدر تقول إنها جزء من الحارة، على جنبين الطرقة دي، اوض واسعة من دور واحد.. والأوضة دي سكانها بيسموها المندرة، اتمشينا في وسط الطرقة لحد ما وصلنا لمندرة عوني، فتحناها ودخلنا.. وقفت انا ومحمود نبص حوالينا، لحد ما شاورتله على باب في اخر المندرة خالص.. كان باب خشبي محطوط عليه رَزة ماعليهاش قفل، روحنا انا وهو ناحية الباب ده وفتحناه.. كان جواه شوية بصل بايظ، على شوية هدوم متقطعة، على شوية كراكيب كده مالهاش لازمة.. بس اللي لفت نظري وسط كله ده، هي علامات في نهاية الأوضة الصغيرة المُلحقة بالمندرة.. العلامات دي كانت بتدل على إن مكانها كان موجود باب، وحد قفله بطوب ومحر عليه، وبعد كده دهنه بنفس لون الأوضة!
مافهمش محمود ايه اللي في دماغي، بس بعد ما خرجنا من عند عوني، وعدينا على اتنين تلاتة كده من سكان الأوض دي، وسألناهم على شكل الأوض بتاعتهم من جوة، كلهم أكدوا اللي في دماغي، بعدها خدت محمود والناس اللي معايا ولفيت ورا الأوض دي، بالتحديد يعني، عند مندرة روايح، بس من الناحية التانية، مش من الناحية الرئيسية اللي الناس بتدخل منها، والناحية اللي ورا دي، كانت عبارة عن مكب قمامة.. او زي ما بيقولوا كده.. خرابة، مليانة طوب مكسر وأثار مباني قديمة، اتمشينا وسطهم وفضلنا ماشيين لحد ما وصلنا عند نهاية المكان، ومع وصولنا للنهاية، بقينا واقفين عند اخر مندرة روايح.. او بالظبط يعني، عند باب صغير متداري كده ورا مبنى مهدوم، باب بيدخل للمندرة، بس من الناحية التانية!
وقتها بص لي محمود وسألني باستغراب..
قصة مندرة روايح
-انا مش فاهم.. تقصد ايه يعني، ايه علاقة الباب ده بالعيال الصغيرة؟!
بس انا ماردتش على محمود، انا بصيت على الناس اللي كانوا معايا وقولتلهم..
-النهاردة الخميس، واحنا دلوقتي بالنهار، عاوزكوا تراقبوا المكان ده بس من بعيد، وانا متأكد إنكوا على بالليل، هتلاقوا روايح جاية ومعاها عيال صغيرة بتدخلهم من الباب ده، ولو كلامي طلع صح.. هتكلموني تبلغوني واحنا في ثواني هنبقى عندكوا.
أدوا لي التحية العسكرية، وبعد كده خدت محمود وقولتله إننا هنروح مشوار تاني، بالتحديد يعني.. للقسم.
بعد ما وصلنا القسم، استدعيت رجب من الحجز، وعرفت منه عنوان محل المجوهرات، وبعد ما عرفته وقبل ما نروحله انا ومحمود، فهمته كل اللي انا بفكر فيه لما قولتله..
-ماشي يا سيدي، انا عارف اني تعبتك وقرفتك وانك تقريبًا لسه ماجمعتش، وعشان كده انا هفهمك.. الست اللي اسمها روايح دي شحاتة، ومن كلام الناس كده وقت حادثة السرقة، عرفنا إنها عايشة لوحدها، وإنها مالهاش حد، وان كل الناس بيعطفوا عليها، لكن انا فاكر كويس اوي إنها قالت لما سألنها، اذا كان في حاجة ناقصة ولا لأ، قالتلنا إن حاجتها الغالية والمهمة كلها سليمة.. وكمان كانت مطمنة كده ومرتاحة وكأنها واثقة إن ماحدش يقدر يسرقها، وبربط كلامها ده، عن وجود حاجات مهمة عندها، وعن راحتها وهدوئها، مع كلام رجب عن الجواهرجي اللي الشحاتة دي بتروحله، وكمان لما تربط ده كله مع الباب الوراني اللي في أوضة الخزين، واللي روايح مدارياه بستارة ورا بيت مهدود، على عكس عوني اللي مقفله خالص لأن واضح إنه مالوش لزمة بالنسبة لسكان الأوض، هنعرف إن الموضوع فيه إنَ.. وكمان هنعرف إن العيال دول مش عفاريت ولا حاجة، العيال دي روايح بتسرحهم وهم اللي بيجيبولها فلوس او دهب وبيخلوها تتعامل مع الصايغ، وانا اراهن بعمري.. إننا لما نروح للصايغ ده دلوقتي، هيقول لنا إنه يا بيبيع لها، يا بيشتري منها، واتراهن كمان.. إن الولية دي على بالليل كده، هتدخل العيال دول من الباب الوراني، وهتبيتهم في المندرة عندها زي ما حصل ليلة موت عوني.
محمود كان بيسمعني وهو مذهول، لكن لما روحنا للجواهرجي بتاع وسط البلد، كلامي طلع صح.. الست دي كانت بتتعامل معاه وكانت بتشتري منه دهب كل فترة، ولما سألته عنها، قال إنها من اهم الزباين عنده، لأنها بتشتري، ومابتبيعش.. بس الأهم من ده كله بقى، هو إننا بعد ما خلصنا دردشة معاه، جت لنا اخبارية من الرجالة اللي بيراقبوا المزبلة او الخرابة اللي ورا مندرة روايح من بعيد.. جت لنا اخبارية إن في أطفال داخلوا الخرابة واختفوا، وبمجرد ما جت لنا الأخبارية دي، اتحركنا بسرعة وروحنا خبطنا على روايح اللي حاولت تهرب العيال، بس ماعرفتش، رجالتنا كانوا مستنينها من الناحية التانية، وفعلًا اتقبض عليها وابتديت انا بنفسي اخد اقوالها ومعايا محمود بعد كل حاجة عرفناها عنها…
-اخيرًا.. انتي ماتعرفيش انا طلع عيني قد ايه عشان نوصل للنقطة دي، النقطة اللي من عندها، اقدر اقولك إنك هتروحي في داهية بأذن واحد أحد.
لما قولتلها كده، رَفعت حاجبها اليمين وبكل جبروت قالتلي..
-ربنا ما يجيب دواهي يا بيه، انا ماليش دعوة بالجتة اللي لقتوها عندي من ايام، دي كانت لحرامي جت له سكتة قلبية وهو بيسرقني في غيابي.
رديت عليها بسرعة وانا ببتسم بخبث..
قصة مندرة روايح
-طب والعيال الصغيرة اللي لقيناهم عندك، والدهب اللي كان مدفون تحت المخزن بتاع المندرة، ايه.. دول كمان مالكيش دعوة بيهم؟!
-اه.. العيال الصغيرة!.. دول غلابة، بعطف عليهم وببيتهم عندي، اما الدهب بقى، فده ملكي.. ولا الحكومة دلوقتي بتحاسب الواحد على اللي بيملكه؟!
ضحكت لما قالتلي كده ووقفت قدامها بثبات..
-لا حنينة، بس خليني اقولك بقى إن العيال دول مش غلابة ولا انتي بتعطفي عليهم ولا حاجة، العيال دول اتخطفوا من اهاليهم، منهم اللي اتخطف من سنين، ومنهم اللي اتخطف من قريب، ومنهم اللي مالوش اهل من اساسه، بس كل ده بقى مش مهم.. المهم هو كلامهم.. العيال اعترفوا إنك بتخليهم يسرحوا ويشحتوا من الناس، او بتخلي شوية منهم ينشلوا.. او حتى كمان بتبعتي شوية منهم لشيوخ بمقابل مادي عشان يفتحوا عليهم المندل.. يااه.. بقى كل ده يطلع من ست زيك، لا وايه.. لولا موت عوني ماكناش هنكتشف عنك اي حاجة، وكانت هتفضل المندرة بتاعتك دي والاصوات اللي بتخرج منها بالليل كل خميس لما بتجمعي العيال عندك عشان تديهم التعليمات، او عشان نلمي منهم الفلوس، كانت هتفضل لغز ماحدش لاقيله تفسير.. ودلوقتي.. اعترفي بهدوء كده عن اللي معاكي او عن اللي بيسرحوا العيال دول غيرك، ما انتي اكيد مش لوحدك ووراكي عصابة بتخطفلك العيال وبتساعدك، وصدقيني يا روايح.. انتِ كده كده هتتكلمي، وده ببساطة لأنك ست كبيرة ومش وش بهدلة.. ولا ايه؟!
لما وصلنا لحد هنا بلعت ريقها واتوترت.. وبعد دقايق من المراوغات، ابتدت تعترف بكل التهم اللي اتوجهت لها، واعترفت على كل المسجلين اللي بيساعدوها في الخفى.. من خطف اطفال، لسرقة، لدجل، لنصب.. وفي النهاية، رجب اتحبس، وبعده روايح وعصابتها، اما الاطفال بقى، فكلهم اتعرضوا على مصحات عشان يتعاد تأهيلهم نفسيًا، وبعد ما بدأوا يتحسنوا.. في شوية منهم اتسلموا لأهاليهم اللي كانوا مبلغين عن إنهم اختفوا، وطبعًا احنا بلغنا الأهالي إننا لقينا عيالهم، والشوية اللي اتبقوا.. فدول اتنقلوا لدار أيتام عشان ترعاهم ويعيشوا فيها، عيشة بالتأكيد هتكون انضف من اللي هم كانوا عايشينها سواء في الأماكن المجهولة اللي كانوا بيباتوا فيها يوميًا، وماكنوش بيعرفوا يرجعوا لأهاليهم، او حتى في مندرة روايح لما كانت بتجمعهم عندها كل ليلة خميس عشان تديهم اوامر او عشان تقسمهم على الشغل كل اسبوع.
تمت
محمد_شعبان
قصة مندرة روايح