عارف لما تكون في المكان الغلط في الوقت الغلط، طب عارف العبيط اللي كان واقف ببتفرج عالخناقه، ف اكل علقه بالغلط والناس بتضرب في بعض، اهو ده بالضبط اللي حصلي.
الحكايه ابتدت لما جالي عرض شغل في القاهره، انا من اسيوط بالمناسبه، وصلت القاهره والمفروض اني كنت استلم سكن تبع الشركه، بس علي ماخلصت ورقي واستلمت، اكتشفت ان مسئول السكن مش موجود، سافر، والكلام ده كان يوم الخميس، ف قالولي تعالي السبت استلم مكان سكنك، بس انا من الصعيد، ومعنديش حلول كتير، اما ابات في الشارع، اوارجع بيتنا في الصعيد واجي السبت، وده مستحيل لأن اليوم هيروح في السفر، او بقى اشوف مكان ابات فيه، والمصيبه اني غريب مش من البلد دي ولا اعرف اي حاجه، وزي ما بيقولوا، الغريب اعمي ولو كان بصير.
طلعت في الشارع وقعدت اتمشي كده لحد ما لقيت قهوه، الجو شتا والدنيا مطينة، مطر كتير اوي لإننا كنا في يناير، بالتحديد في بدايه يناير، ماكنتش عارف اروح فين، قربت من القهوة وقعدت عليها شوية، وبعد ما شربت حاجة سخنة ادفى بيها سالت القهوجي..
– بقولك ايه يااخينا، مفيش مكان قريب هنا وسعره حنين الواحد يبات فيه ؟
– والله ياابن عمي مش عارف، بس ممكن تسأل عم معروف صاحب الكشك اللي علي اول الشارع.
– تشكر ياذوق .
حاسبت القهوجي ومشيت لاول الشارع، لقيت كشك قاعد علي نصيته راجل عجوز كده، كان مشغل ام كلثوم وكأن الدنيا ولا بتمطر ولا حاجه!
– سلاموا عليكوا ياابويا .
– وعليكم السلام ياابني، خير؟
– انت عم معروف ؟
-لا اناا ابوه.. محسوبك خضر ، خير، عملك ايه معروف ؟
– لا لا لا معملش حاجه، انا بس سألت في القهوه اللي علي اول الشارع، وقالوا لي اني ممكن اسأله عن مكان ابات فيه يكون سعره حنين، اصل انا غريب، مش من هنا .
– لا عنينا للغريب، انت تأمر، اسم الكريم ايه ؟
– اسمي علي.
– عاشت الاسامي، تعالي معايا ياعلي وانا هوديك مكان سعره حنين وهتتبسط فيه اوي .
– يلا بينا .
خدني ومشينا كتير اوي لحد ما وصلنا حته كده زي ما تقول مدينه اشباح، مفيهاش صريخ ابن يومين، شارع فاضي اوي مافيهوش صوت، واغلب البيوت اللي فيه ضلمه، تحسها مهجوره، حوالينا مفيش غير صوت المطره وكلاب بتنبح بشكل غريب، انا حقيقي كنت خايف، والاغرب اني وانا بلف بضهري، بصيت لقيت واحد واقف من بعيد بيشاور لي، بصيت له بأستغراب، اللي هو كأنه بينادي عليا عشان اروح له، بس انا مكنتش سامع بيقول ايه، بس شايف كويس انه بيشاور .
– عم خضر .. ياعم خضر.
– ايوه ياعلي.. خير.
– احنا فين هنا ؟.. اصل المكان شكله يخوف اوي، ومين اللي بينادي علينا ده، استني اشوفه عايز ايه.
-سيبك منه، ده حد عيان في دماغه، هو علي طول كده، متروحلوش، يلا بينا، بس قولي قبلة ياعلي، انت خايف ؟
قالها وهو بيبص لي بصه غريبه اوي!
– يعني.. شويه.
– حلو ده .
– ايه الحلو في كده ؟
– الخوف من طبع البني ادمين، والبني ادم اللي مابيخافش ميبقاش بني ادم .
– وانت مش بتخاف ياعم خضر؟
بص لي وضحك..
– احنا وصلنا ياعلي.
بصيت قدامي لقيت مبني قديم اوي، زي مايكون قصر من غير سور، شكله غريب فعلا، عليه يافطه منوره مكتوب عليها بنسيون ام كلثوم، المكان من جوه قديم اوووي ، كل حاجه فيه قديمه، حتي النتيجه اللي عالحيطه، التاريخ اللي فيها قديم.. ٤ يناير 1973، ولحد هنا خليني اوصف لك المكان، مكتب استقبال كبير، الصاله سقفها عالي اوي، وفي السقف فيه حاجه زي شبابيك ازاز مدوره ومقفوله، بس غالبا الهدف منها تدخل نور الشمس من بره للصاله، حتي الصاله نفسها الشبابيك العاديه اللي فيها طويله اوي وكبيره، فيها كراسي وكنب من المدهب بتاع زمان، وفي نجفه كبيره في النص، وسلم بيطلع عالغرف اللي غالبا كانت عالجناب من فوق، وتحت السلم ده في باب عليه ستاره، غالبا بيوصل لبدروم او مطبخ لو توقعاتي صح، المكان قديم بس جميل اوي، تحس انك اتنقلت بالسنين لورا، وبعد ما دخلنا، الست صاحبه البنسيون (مدام انيسه) قالت لي..
– اسمك ايه بقى؟
– علي عبد القادر عبد الفتاح.
– هتقعد قد ايه عندنا ياعلي؟
– هي ليله ياست الكل .
– ماهي ليله فعلا ياعلي.
قالتها بطريقه غريبه اوي، بس انا مهتمتش، شويه ولقيتها بتنادي بصوت عالي على حد..
– يارضا.. انتي يازفته ياللي اسمك رضا.
جت بنت صغيره ونحيفه جدا، شكلها ميكملش العشرين سنه، واضح الشقا علي ملامح وشها، شعرها مقصوص بشكل غريب اوي، وشها حقيقي حلو بس بائس جدا ، لو قولت ان البؤس اتجسد في شكل انسان، هيكون رضا، ورغم البؤس المرسوم علي ملامحها، ماقدرش انكر انها جميله اوي، وهي جايه علينا خبطت في ترابيزه كان عليها كوبايه قهوه وقعت واتدلقت عالارض، ورضا من ارتباكها حاولت تمسح الارض بهدومها وهي بتبص برعب لمدام انيسه اللي زعقت وقالتلها..
– والله عمرك ما هتفلحي، علم في المتبلم يصبح ناسي، لولا اني قلبي طيب كنت رميتك في الشارع زي الكلاب، يلا، اجري، خدي البيه لاوضته، اوضه 27.
وبصت لي وكملت..
-صدقني، دي احسن اوضه عندنا.
وبمنتهي كسره النفس بصت رضا في الارض وانا بصيت لها، صعبت عليا اوي، كان نفسي وقتها اسكع انيسه دي بالقلم، بس هعمل ايه، انا ماليش اني اتكلم، وبسبب قلة حيلتي رديت بهدوء :
– لا ياست انيسه، انا مش عايز احسن اوضه ولا حاجة، انا عايز حاجه سعرها حنين .
– هههي.. كله هنا سعر واحد ياعلوة، وبعدين الايجار حنين واحنا مش هنختلف.
رد عم خضر وقالها..
-ست انيسه، ده غريب، مش من هنا .
-عنينا للغريب، اللي تدفعه ياعلي، عادي مش هاتفرق.
بعد ما قالت كده ابتسمتلها ولسه بمد ايدي في جيبي عشان اطلع الفلوس، لقيتها قالت لي:
– لا انا قاعد اسمع الحفله معاكوا، انتي عارفه ياست انيسه، الحفله ماتحلاش الا بيكوا .
بيني وبين نفسي قولت ايه المجانين دول، حفله ايه اللي هيعملوها ولا هيسمعهوا!.. سكتت وبصيت حواليا، مالقتش غير يادوب كام نفر قاعدين، راجل شكله عمده كده عنده يجي 60 سنه، ومعاه اتنين ستات شكلهم غريب اوي، وواحده ست عجوزه فوق ال70 بس حاطه كميه مكياج غريبه، وواحده لبسها استغفر الله العظيم، مبين اكتر ما مغطي، شكلها كده شمال، وراجل عجوز ماسك بايب وقاعد في ملكوت تاني، وفي ركن كان واقف شاب صغير بيغير لمبه وشكله شغال في المكان، والغريب بقى كانت بصته ليا وانا واقف جنب رضا، والاغرب نظرات المجموعه ليا، عم خضر لاحظ بصاتي للموجودين، وساعتها ميل علي ودني وقالي..
– مالك ياعلي، بتبص لهم كده ليه؟
– مش انا اللي ببص ياعم خضر… هم اللي بيبصوا لي.
– دول زباين البنسيون بقالهم كتير، العمده شرف ومرتاته الاتنين، وده بيجي كل اسبوع القاهرة ومن جمال المكان مبينزلش الا هنا، والست عزيزه دي ست غنيه اوي وعندها بدل البيت 2.. بس قاعده هنا، والشاب اللي بيغير اللمبه اسمه حسين وشغال هنا، واللي لابسه مفتوح دي اسمها رحاب، ودي بيقولوا انها استغفر الله العظيم ماشيه في البطال، اما الراجل ده، ف ده عم رفقي، من يوم ما مراته ماتت وهو سايب بيته ومأجره وقاعد هنا، خايف لا يموت لوحده ف بيتونس بالناس اللي هنا.
-طب انا مالي ومالهم ياعم خضر، انا كلها ليله وماشي .
بص لي بخبث وقالي :
– ياعالم ياابني، محدش عارف الدقيقه الجايه فيها ايه.
– قصدك ايه ؟
– اقصد يعني انك ممكن تحب قعدتنا وتكمل معانا .
بصيت له وسكتت، حسيت انه راجل رغاي وغاوي كلام في سيره الناس، وحقيقي محبتهوش، ابتسمتله ابتسامه صفرا وطلعت مع رضا اللي قالتلي..
– تحب تتعشي يابيه ؟.. اجيبلك الاكل ؟
-لا ياست رضا، انا جعان نوم.
وصلتني الاوضه وادتني المفتاح .
دخلت الاوضه ونمت كتير اوي زي القتيل، بس مرة واحدة صحيت علي صرخه رهيبه، بصيت في الساعه اللي عالحيطه لقيت الساعه 1 ونص، بعد نص الليل، هي شكلها كده ليله طويله ومش معدية انا عارف.
قومت ونزلت جري لتحت، ومع نزولي لقيت عم خضر وست انيسه وكلهم واقفين وملمومين عند باب المطبخ، والشاب اللي كان بيغير اللمبه بيصرخ بهستريا وشايل بين ايديه جسم غريب، لا لا مش غريب، دي رضا، فضلت واقف محتار، ايه اللي حصل، كنت ببص حواليا وانا مش فاهم حاجه، وقتها لقيت الشاب اللي كان بيصرخ ده ساب الجثه وحطها عالكنبه وبص لنا كلنا.
– مين فيكوا اللي قتلها ؟، اكيد حد منكوا، انتوا كلكوا كنتوا بتأذوها، بس عمري ماتخيلت إنها توصل للقتل، انا هتصل بالبوليس حالا.
رد عم خضر بسرعة..
-انا ولا اذيتها ولا عملت حاجه، انا ماشي.
رد عليه الشاب بعصبية..
-انت بالذات اكتر حد مؤذي في الدنيا، محدش اذاها قدك، و مفيش حد هيخرج من هنا لحد مايجي البوليس ويعرف مين اللي قتلها.
رد عليه عم خضر بتحدي:
– طب انا خارج، ووريني بقى مين هيمنعني.
وبمجرد ما راح ناحيه الباب، الشاب ده هجم عليه بكل قوه وبدأ يصرخ فيه ويشده، حاولنا نفكهم من بعض، الاجواء اتوترت اوي وفي عز الخناقه، النور اتقطع!
زي مايكون كل الاصوات سكتت بدون مقدمات، وفي لحظة سمعت وسط الضلمه صوت الست انيسه وهي بتقول إن في شمع في الدرج، وسمعت بعد كده صوت خطوات وزي عود كبريت بيتولع، وبعدها ظهر نور الشمع، بصيت حواليا لقيت الكل واقف وساكت في ثبات رهيب، وبرد فعل تلقائي مني بصيت علي مكان الجثه، مالقتهاش!، جثه رضا اختفت تماما!.. بصيت لكل اللي موجودين لقيت علي وشوشهم نفس البصه، كله ساكت وبيبص عالمكان اللي كان فيه الجثه اللي اختفت في اقل من 3 دقايق، ده تقريبا كان الوقت اللي ضلمت فيه الدنيا، محدش فينا بقى فاهم حاجه خالص.. ثواني والنور اتطفي تاني ومبقاش في صوت غير صوت الرعد ونور البرق اللي ظاهر من الشبابيك، وزي ما كل حاجة بتحصل في لحظة، اشتغلت اغنيه ام كلثوم من الراديو في عز الضلمه، وبرضه محدش فاهم هي اشتغلت ازاي.. كنت اول مره اخاف من صوت ام كلثوم، تخيل غنوه حب من الست ممكن تخوفك لدرجه انك تفضل تبص حواليك انت وكل اللي واقفين، وفجأة بدأ يطلع من الراديو صوت غريب، لو هقولك ان الغنوه اتحولت كأنها طالعه من الجحيم، مش هتصدق، اصوات كتير ملخبطه وكلها ترعب، كلنا كنا بنبص لبعض ومحدش فينا فاهم في ايه، الجو كان مرعب والاصوات بتزيد، والخوف كان مسيطر على الموقف، وبعد وقت قصير اوي الاصوات سكتت خالص، ومن بعدها سمعنا صوت صرخه رهيبة جايه من ست، وبعدها النور رجع ومالقيناش الست عزيزه!
الصرخه كانت جايه من المطبخ اللي كانت اضاءته مجرد لبمه بتطلع ضوء اصفر خفيف، دخلنا نجري كلنا لقينا الست عزيزه مرميه في المطبخ علي وشها، وبمجرد ماعدلناها علي ضهرها، كلنا بلا استثناء اتفزعنا، كان وشها وايديها ورجلها غرقانين دم، كانت بتتألم بشكل مرعب، ورغم ان الجو حقيقي كان برد، وصوت المطر والرعد بره واصلنا، بس الجو حوالينا كان سخن بشكل غريب!، في الوقت ده نطق عم رفقي وقال بصوت عالي:
– دي روح رضا جايه تاخد حقها اللي ماخدتهوش في الدنيا، وانتي دورك جاي… دورك جاي يااُس المصايب.
وشاور عالست انيسه!
يُتبع
ده الجزء الأول من قصة الحفلة الأخيرة للست،
الحفلة الأخيرة للست
٢
الصرخه كانت جايه من المطبخ اللي كانت اضاءته مجرد لبمه بتطلع ضوء اصفر خفيف، دخلنا نجري كلنا لقينا الست عزيزه مرميه في المطبخ علي وشها، وبمجرد ماعدلناها علي ضهرها، كلنا بلا استثناء اتفزعنا، كان وشها وايديها ورجلها غرقانين دم، كانت بتتألم بشكل مرعب، ورغم ان الجو حقيقي كان برد، وصوت المطر والرعد بره واصلنا، بس الجو حوالينا كان سخن بشكل غريب، وقتها نطق عم رفقي أخيرًا وقال بعلو صوته:
– دي روح رضا جايه تاخد حقها اللي ماخدتهوش في الدنيا، وانتي دورك جاي… دورك جاي ياأُس المصايب.
وشاور عالست انيسه!
– انتي عارفه كويس انتي عملتي فيها ايه، وكل واحد فيكوا عارف هو عمل فيها ايه، والبدايه اهي.. عزيزه .
– وهي عزيزه عملت فيها ايه يعني؟
– عملت ايه؟.. اييه.. نسيتي لما اتهمتها انها حراميه وضربتها قدامنا كلنا، انتي عارفه ومتأكده ان عزيزه كانت بتتبلي عليها، وعارفه كمان انها كانت بتكرهها وكانت بتعمل كده عشان عايزه تتجوز حسين وهو مارضيش، مارضيش لإنه بيحب رضا، وعارفه كمان انها بدات تتهم رضا بالسرقه لما حسين قال انه هايتجوزها، وكانت بس بتفش غلها منها بالحركة دي.
– انت راجل كداب يارفقي، رضا دي كانت حراميه، محدش كان بيفتري عليها.
كان العمده وحسين ساندين عزيزه اللي قالت بصوت ضعيف..
-عطشانه … اسقوني.
جابولها مايه، وبعد ماشربت وبصوت ضعيف اوي قالت..
– رضا مش هترحمكوا، هي قالت لي كده، اهربوا…….اهربوا.
– رضا ماتت ياست عزيزه.
لما قولت كده لقيت عزيزه بتكمل كلامها بمنتهي الضعف والوجع، زي ماتكون مش سامعاني..
– كنا كلنا واقفين بعد ما الشمعه انطفت، لكن انا حسيت إن الجو برد اوي، ومع نور البرق اللي داخل من شبابيك السقف لقيت نفسي لوحدي، بس.. بس كان في حد واقف بعيد عني، جسم متغطي بعبايه سوده، ماكنتش عارفه هو مين فيكوا، قربت منه اوي عشان اعرف هو مين، واول ماحطيت ايدي علي كتفه ولسه هقوله انت مين، لف لي، ومع لفته نور البرق وصوت الرعد ضربوا المكان ولقيت الوش وش رضا، بس مش هي رضا، كان وشها ازرق وعنيها بيضا خالص، ومرة واحدة صرخت فيا وشالتني ورمتني عالارض، ومع رميتي لقيت نفسي بتسحل وبتشد للمطبخ، كنت بحاول اصرخ، صوتي مش طالع، كل ده وهي بتبص لي بغل رهيب، ولما سحبتني بعيد لقيتها نطت علي جسمي وبدات تضرب فيا وتعورني وتخربشني، بقت تشيلني وترميني عالارض وعنيها كلها كره، لحد مافين وفين صوتي طلع وقدرت اصرخ وانتوا جيتوا، رضا هتاخد حقها مننا، احنا كلنا ظلمناها وده وقت الحساب، اهربوا.. بقولكوا اهربوا.
قالت كلامها وخدت نفس وماتت، كأنها كانت مستنيه تقول الكلمتين دول عشان تموت بعدهم!
وقفنا نبص لبعض والكل ساكت، 2 ماتو في اقل من ساعه وشكلنا محبوسين مع روح مش ناويه غير عالانتقام!
بلع عم خضر ريقه وقال بتوتر..
– انتوا لسه هاتبصوا لبعض!.. انا ماشي.
وطلع من المطبخ يجري، ومع خروجه سمعنا صوته جاي من بره:
– يانهار اسود ومنيل.. ايه ده!
طلعنا كلنا نجري بره لقينا عم خضر واقف وبيشاور ناحيه حاجه، لسه بنبص لقينا الباب مش موجود في مكانه اصلا، مكان الباب كان في حيطه مقفوله!
وقفنا كلنا نبص لبعض، جري الشاب اللي اسمه حسين عالتليفون عشان يتصل بالنجده، وبمجرد مارفع السماعه مالقاش حراره!
بصينا للشبابيك وكأن اللي بيلاعبنا عارف احنا فكرنا في ايه، وعشان كده من غير اي سبب كل شبابيك المكان اتقفلت تماما والنور بدأ يترعش ، وكالعاده النور قطع والراديو اشتغل علي غنوه ام كلثوم تاني، وبرضه عند نفس المقطع.. وكالعاده برضه سكتت المزيكا، وصوت المطر بره كان شديد اوي، والرعد والبرق ونور بسيط جاي من الشبابيك اللي في السقف خلانا نشوف خيالات لبعض، وصوت ام كلثوم تاني مرة يبقي مرعب، ومع نور البرق لمحت رضا واقفه عالسلم بتبص لنا، معرفش حد غيري شافها ولا لا، بس زي ماوصفتها عزيزه، وشها ازرق وعنيها بيضا تماما، شعرها منكوش بشكل يخوف، وفجأة اختفت، وبعد لحظه لقينا كلنا جسم الست انيسه بيطير لفوق كأن في حد بيرفعها، وحرفيا كانت اطرافها بتتمدد وكأنها مصلوبه، على وشها باين الرعب والوجع، حقيقي من الرعب محدش فينا كان قادر يقرب منها، جسمها زي ما يكون بيتقطع، في دم كتير نازل منه، حرفيًا كأن حد بيقطع من جسمها حتت، وشها باين عليه الوجع والفزع، وبعد وصلة تعذيب ونزيف دامت لحوالي 10 دقايق، عدت علينا 10 سنين، جسمها اترمى عالارض، واول ما بصينا كلنا لمحنا شبح رضا واقف جنبها، وساعتها النور رجع، ومع رجعته كان في جثه تالته في اقل من ساعه، حاجه خلتني اجري عالمطبخ عشان ابص علي جثه عزيزه، واللي حسبته لقيته، جثة عزيزة اختفت هي كمان، بس.. بس هي الجثث دي كلها بتروح فين؟؟
طلعت بره وانا بقولهم برعب..
– جثه عزيزه اختفت، مين فيكوا شالها من مكانها ووداها فين؟
محدش اتكلم، كلهم فضلوا يبصوا لبعض لحد ما رفقي قال..
– انا مش خايف منها، محدش كان بيعاملها حلو غيري، انيسه سرقت فلوس ابوها وانت ساعدتها ياخضر، رضا كانت صاحبه المكان ده كله واتعاملت معامله الخدامين.
-وماله خضر ياعم انت.. انا ماليش دعوه، ابوها هو اللي كتب كل الثروه لمراته عشان محدش من عمامها ياخد حاجه، انا كنت شاهد عالعقد زيي زيك، تقتلني ليه، انا مالي!بصيتله باستغراب..
-هي رضا تبقي صاحبه البنسيون ياعم خضر، طب ازاي ؟
رد رفقي..
-رضا بنت صاحب اللوكاندا، انيسه دي مرات ابوها ومجايب خضر، جابها تشتغل هنا، وبعد ما اتمسكنت اتمكنت ولفت علي صاحب البنسيون واتجوزته، في الاول كانت حبيبه رضا وزي امها، لحد ما الراجل تعب في يوم ومبقاش يطلع من اوضته، وبدات وقتها بقى تعامل رضا معامله مرات الاب بجد، واخرتها، هي وخضر اقنعوا الحاج عادل ابو رضا إنه يكتب كل حاجه بأسم انيسه، بحجه ان رضا صغيره وعمها ممكن يطالب بالوصايه ويعاملها وحش، والراجل وافق ومضى علي عقود بيع وشرا بأسم انيسه، وباع لها كل حاجه، وانا كنت شاهد انا وخضر على العقد، بس الراجل كمان عمل وديعه تتفك لما رضا توصل لسن 21، وعشان كده انيسه مارضيتش تسيبها تمشي، ولان رضا كانت جاهله وماتعرفش حاجه، اول ماتمت 21 سنة من كام يوم، بصموها علي ورق فك الوديعه من غير ما تعرف ده ورق ايه وخدوا الفلوس، انا سمعتها هي وخضر، وبعد كده كانت ناويه تجوزها لشرف، الراجل العجوز اللي بيجي هنا كل اسبوع عشان رضا، وانيسه كانت عارفه وكانت بتماطل لحد ماتسرق الفلوس، ومراتات شرف الاتنين كانوا عارفين، وحتي حسين، اكتر واحد حب رضا، كان عارف، انا عمري مااذيت رضا في حاجه، كلكوا اذيتوها، حتي انتوا.. (وشاور على مراتات شرف) انتوا كنتوا بتضربوها، وكنتوا بتدفعوا فلوس لانيسه عشان تأذيها وماترضاش تجوزهاله، وكانت هي بتستغل انها محتجاها لحد ما تتم ال 21 وكمان كانت بتقلبكوا، وانت ياشرف، ياما اتحرشت بيها، وياما كنت بتحاول تلمسها، ولما كانت بتشتكي، كانت انيسه بتضربها وتتهمها انها بتتبلي علي زباين المكان، لكن الوحيد اللي حبها بجد هو حسين، وحتي عزيزه، كانت عايزه تتجوز حسين، ولما عرفت انه بيحبها، بدات تتهمها بالسرقه، وتعذبها، انا كنت شايف كل ده بس عمري مازعلتها بكلمه.
وبصوت عالي كأنه بيكلم الهوا كمل كلامه وقال..
– سامعاني يارضا، انا عمري ماظلمتك، سيبيني امشي، خدي حقك منهم كلهم، انا معملتش حاجه يابنتي.
غصب عني رديت عليه..
– ماعملتش حاجة ازاي؟!.. ده انت اكتر حد اذاها.
– انا!
– اه انت، اذيتها بسكوتك عن حقها، انت كنت شيطان اخرس، عمرك ماكنت حقاني، كنت واخد دور المتفرج وشايفها بتتأذي وساكت .
وواحنا بنتكلم اتكرر نفس السيناريو بس بشكل مختلف، المرة دي النور ماقطعش، بس لمبات المكان كلها بدات تفرقع واحده ورا التانيه، وكأن السما بتمطر ازاز، الازاز كان بيطير في كل حتة، حتي النجفه بتاعه المكان بدات تتهز بقوة والازازا اللي فيها طار، كنا بنحاول نحمي نفسنا من الازازا بس جزء منه طار ورشق في رقبه رفقي اللي دمه غرق المكان، كانت على عينه نظره عمري ماهنساها، وبعد كده الازاز اللي طاير بقى زي مايكون قاصد رفقي، بدأ يرشق فيه بشكل ملفت، ده لو حد بينشن عليه مش هيبقى بالدقة دي، وبعد ثواني وقعت جثه رفقي جنب جثه انيسه، وكالعاده النور اتقطع، وكالعاده برضه اشتغلت نفس الغنوه.
وقتها بدأت افهم ان دي الاشاره، بس اشمعني الغنوه دي والمقطع ده بالذات!، فضلت واقف ساكت ومستني، ياترى الدور علي مين؟
خلاص، مبقاش فاضل غير حسين ورحاب اللي مانطقتش بكلمه طول الاحداث، والعمده ومراتاته الاتنين، وعم خضر وانا.
كلنا واقفين جنب بعض، كلنا خايفين نتحرك، محدش عارف الدور علي مين فينا، محدش عارف هيموت ازاي ورضا ناويه علي ايه.. وبمجرد ما الكوبليه بتاع الغنوه خلص، حبسنا كلنا نفسنا واستنينا نشوف الدور على مين.. صمت دام لفترة، او بالتحديد لحد ما قطعه صرخه صرخها شرف عشان نبص كلنا ناحيته وعالنور البسيط اللي جاي من شبابيك السقف، شوفناه واقف وهي واقفه وراه، واقفة في ابشع منظر ممكن حد يشوفه في حياته، وحواليه كان في كائنات سوده شفافه، حرفيا بتاكل في جسمه، شقت معدته من النص وطلعت جميع اعضائه الداخليه، وبدات تاكل فيها قدامنا وهو حي، كأن رضا كل ما بيعدي الوقت بتغضب وتقرر تنتقم بشكل ابشع، حتي اعضائه التناسليه قطعتها بالكامل وخرجتها بره جسمه، وكأنها قررت تنتقم منه بالاسلوب اللي هو كان بيضايقها بيه، كل ده وهو علي وشه اصعب مظاهر الالم اللي ممكن حد يتخيلها، وبعد ما ده حصل، كل حاجة اختفت والنور جه ووقعت جثته عالارض،
وطبعا وكالعاده، جثث رفقي وانيسه اختفوا، ومافضلش غير جثة شرف، كان مرمي عالارض ومراتاته الاتنين هاتك ياندب وصويت، ساعتها عم خضر طلع يجري وهو بيصرخ :
– لا لا لا.. انا مش هموت هنا … لا.. مش هسيبك تموتيني.
وطلع يجري عالدور اللي فوق، فهمت دماغه فيها ايه، خضر عايز ينط من شباك الدور اللي فوق، اهو يتكسر احسن مايموت.. بصيت حواليا وطلعت اجري وراه وانا بنادي عليه..
– ياغبي.. استنى هتموت.. ياغبي استنى.
كان بيحاول يفتح كل ابواب الغرف ومفيش باب اتفتح الا باب الحمام اللي شباكه كان مفتوح، دخل خضر يجري عشان ينط من الشباك وانا جيت ادخل وراه، شوفت انعكاسها في المرايه بيضحك، ومرة واحدة الباب اقفل في وشي، وساعتها حسين جه ورايا يجري..
– هو فين ؟
– في الحمام، ده اتحبس جوه.
فضلنا نخبط عالباب واحنا من بره سامعين دوشه جوه، وزي ما بيحصل كل مرة بتظهر فيها، النور جوه اتطفي، روحت جيبت كرسي كان محطوط في الجنب، وطلعت ابص عليه من شباك صغير في اخر الباب، ماكنتش شايف حاجه من شباك باب الحمام، بس وانا باصص لقيت وش خضر قصادي الناحيه التانيه، وشه كان ازرق وعينه جاحظه، وبعدها ماشوفتش اي حاجه وكل الاصوات هديت، والغريب اني لما نزلت من عالكرسي وحاولت افتح الباب، اتفتح، ومع فتحته لقيت خضر مرمي علي ارضيه الحمام، كان ميت وجسمه كله مبلول، وشه ازرق وشفايفه زرقا واطرافه دايبه، جسمه منفوخ زي مايكون كان غرقان في البحر بقاله كذا يوم، وشباك الحمام كان مقفول، بس انا متاكد انه كان مفتوح، وفي انعكاس المرايه شوفت رضا بتضحك وبتبص لي انا وحسين اللي حقيقي ماكنتش عارف هو شافها ولا لا، وبعدها وكالعاده برضه النور اتطفي، وسمعنا نفس صوت الغنوه جاي من تحت!!!
واضح ان رضا ناويه تخلص علينا كلنا الليله دي، وبعد ما حصل اللي بيحصل وبقى معتاد كل شوية، سمعت صرخه مرعبه جايه من تحت، وبرضه النور رجع، ولما بصيت مالقتش جثه خضر، ماستغربتش لاني توقعت، بس زاد صوت الصراخ اللي جاي من تحت، ف نزلت اجري انا وحسين، وساعتها لقيت مراتات العمده الاتنين منظرهم بشع، وشهم بدماغهم كلهم محروقين، والاغرب انهم لازقين في بعض، زي مايكون جلد راسهم حرفيا ساح ولحم في بعضه، المنظر كان شنيع، كل ده ورحاب واقفه في ركن بتصرخ وبتتنفض، وقفت جنبها وانا بحاول اهديها يمكن افهم ايه اللي حصل، لكنها ماهديتش وفضلت تصرخ وهي بتشاور علي حسين وبتقوله..
-انا كنت ساكته، كنت فاكره انها هتقتل اللي اذاها وبس.. لكن لا.. انا كده كده ميته، انا شوفتها، وبعد ما ظهرت النور اتطفى والنار معرفش طلعت منين، كانت حوالينا من كل ناحيه ، والغنوه كانت شغاله، ورضا واقفه بره دايره النار وبتبص لنا بغيظ، مرات العمده الكبيره زعقت لها وشتمتها وقالت لها.. (اييييه عايزه مننا ايه، واحده خطفت جوزنا، كنتي عايزانا نعمل معاها ايه، انتي مش خدتيه، خلاص بقى، سيبينا في حالنا، اهو راح لك، عايزه مننا احنا ايه).. فضلت رضا تلف حوالين دايره النار من بره لحد ما لقيت مرتات العمده الاتنين بيصرخوا وشعرهم بيتربط في شعر بعض، زي ماتكون رضا قررت تنتقم منهم وتقص شعرهم زي ماعملو فيها وهي عايشه، بس انتقامها كان ابشع بكتير، دي سحبتهم من شعرهم ناحيه النار، وسابت النار تمسك في شعرهم وتحرق وشهم، وبكل فزع وخوف وقفت اتفرج لحد ما النور جه وهي اختفت، انت السبب ياحسين، انا شوفتك، انت اللي قتلتها عشان كانت عايزة تهرب معايا، انا شوفتك ومارضيتش اتكلم عشان محدش يتهمني بحاجه، ولا حد يتكلم عني ولا يلبسني مصيبة انا ماعملتهاش، انا كنت بحميك وبحمي نفسي، بس خلاص ياحسين، انا وانت هنموت، وحتى الغريب اللي مالهوش في الحدوته ده، هيموت هو كمان.
يُتبع
ده الجزء التاني من قصة الحفلة الأخيرة للست
الحفلة الاخيرة للست
٣
قام حسين جري عليها ومسكها من رقبتها..
– انتي اللي كان لازم تموتي مش هي، كنتي عايزاها تبقي زيك وعشمتيها بالدنيا والفلوس، هي كانت بتحبني وكنا هنتجوز لحد ما انتي ياعقربه لعبتي في دماغها، انتي اللي كان لازم تموتي، ايه.. ما هي كانت موافقه وراضيه لحد ما اتغيرت عليا وقالت لي بسببِك انها مش هتخرج من فقر لفقر، زعقت فيا.. لأول مرة في حياتها كانت تزعق فيا لما قالتلي انا عايزه اعيش ومش هعيش معاك في فقر، كل شئ نصيب ياحسين، كنتي عايزاني اعمل ايه يعني.. انا مادريتش بنفسي غير وانا بخنقها بسببك، انتي السبب… انتي السبب ياحطب جهنم.
جريت عليه وحاولت اخلصها من ايده، بس الموقف كله حصل بسرعه وهو كان اقوي مني بكتير، وفي ثواني كان خنقها وماتت!.. لكن فجاه برضه النور اتطفى، واشتغلت نفس الغنوه، بس المره دي ظهرت رضا، كانت وافقه بتبص لحسين بثبات رهيب، وفجاه النار ظهرت من كل حته، واضح ان رضا قررت تنهي اللعبه وتحرقنا كلنا، فضلنا نجري انا وحسين في كل حته في الصاله، جريت عالشبابيك وحاولت افتح واحد منهم وحسين كان بيساعدني، وقتها من السقف بدات اخد بالي ان نور الشمس بيبان، ومع ظهوره مقاومه الشباك قلت واتفتح، واول ما اتفتح قررت انط منه انا وحسين ونهرب من النار، لكن وانا بحاول انط لقيت خبطه جت علي دماغي خلتني فقدت الوعي، واخر حاجه سمعتها كان صوت حسين وهو بيقول..
– انت عرفت كل حاجه، مينفعش تطلع من هنا حي، سامحني ياعلي .
وشوفته وهو بيهرب من الشباك وفي ايده شنطه، وكمان شوفت شبح رضا وهو واقف قصادي، وبعدها محستش بالدنيا حواليا!
غيبت عن الدنيا لوقت، ماعرفش قد ايه، بس لما فوقت، لقيت نفسي في مستشفي ولقيت وش طيب بيبص لي!
– حمد الله عالسلامه يابطل، انت كويس، انا عمك محمود تمرجي في قسم الطواري هنا، انت اسمك ايه ومنين ياابني وايه اللي وداك المكان المقطوع ده!
– عم محمود … الناس اللي هناك …. الجثث… حسين كان هايموتني وهرب…. رضا ماتت ياعم محمود.
– اهدي ياابني بس وفهمني في ايه ؟.. وحد الله واهدى كده.
– لا اله الا الله.. انا، انا شوفتهم وهم بيموتوا.
-طب احكي لي بالراحه وفهمني، ايه اللي حصل؟
بدأت احكي لعم محمود الحكايه بالتفصيل زي ماحصلت، وبعد ما خلصت كان رده عليا وهو بيضرب كف بكف..
– لا حول ولا قوه الا بالله ، شباب زي الورد بتضيعهم المخدرات.
– مخدرات ايه ياعم محمود، والله انا حتي السيجاره مش بشربها، واللي حكيته ده كله حصل.
– ياابني انت الناس لقتك مرمي في شارع مقطوع في خرابه، وبعدين المكان اللي انت بتحكي عنه ده مهجور من يجي 50 سنه، محدش بيقرب له، وكل ماحد يحاول يصلحه تحصله مصيبه، ويرجع زي ماكان، المكان كله اللهم احفظنا عفاريت، لا حول ولا قوه الا بالله.. لا حول ولا قوة الا بالله.
قومت مخضوض ومش فاهم ايه اللي حصل، نزلت في الشارع وفضلت ماشي زي العبيط، مش عارف اروح فين، بس وانا ماشي افتكرت القهوجي اللي دلني علي عم خضر، روحت له، واول ماشافني صرخ وقالي..
– انت فين يااستاذ، انا بقالي 3 ايام مستنيك، انت نسيت شنطك هنا عندي وسيبتني وقمت كده ومشيت في شارع معرفش ايه اللي دخلك فيه، وانا مكانش ينفع اسيب القهوه، ف وقفت انادي عليك يوميها من علي اول الشارع، بس انت بصيت لي ومشيت، زي مايكون كنت بتكلم حد، والحد ده انا ماكنتش شايفه!
– وماجيتش ورايا ليه ؟
– بص يابيه الكدب خيبة، الشارع ده ملبوس ومحدش بيخشه بالليل، اصل محدش دخله وخرج منه سليم.
– طب فين كشك عم خضر ؟
– مين عم خضر؟
– اللي انت قولت لي اروح له وهيلاقي لي مكان ابات فيه ؟
– ااه.. قصدك عم معروف، انا قولتلك عم معروف.. مكانه هناك كده.
شاور لي عالمكان، خدت بعضي وروحت للكشك، لقيت راجل كبير، يمكن اكبر في السن من عم خضر بس شبهه اوي، كان قاعد قصاد الكشك وبيسمع اغاني قديمه، دخلت عليه وسالته…
– سلاموا عليكوا.
– وعليكم السلام، أأمر ياابني.
– ممكن اقابل عم خضر ؟
– والله ياابني صعب.. لا صعب ايه، ده مستحيل.
– ليه؟
– عمك خضر مات من قبل حتي ماانت تتولد، عمك خضر مات من يجي 49 سنه.
برقت من الصدمه، ده لسه كان معايا امبارح، مكنتش فاهم ايه اللي بيحصل، انا لقيت نفسي عمال اعيط لدرجة اني صعبت عالراجل وقالي..
– فهمني ياابني فيك ايه ؟ خضر ده يبقي ابويا الله يرحمه، احكي لي ياابني مالك ؟
كنت عارف انه مش هيصدقني، بس لقيت نفسي بحكي وانا بعيط، وبعد ما حكيت طبطب عليا بهدوء وقالي..
– بص ياابني انا مصدقك، اصلك حكيت حاجات مكانش حد يعرفها غير امي الله يرحمها ، واللي بدورها حكيتهالي، حاجات غير مكان الفندق والشارع اللي الناس بتخاف تدخله بالنهار قبل الليل، اسمع ياابني.. سنه1973 وتحديدًا يوم 4 يناير، انا التاريخ ده مستحيل انساه، اصله تاريخ وفاه ابويا، يومها ابويا زي عوايده راح يقعد في البنسيون اللي في الشارع اللي ورانا، انا فاكر كويس، كانت اخر حفله لام كلثوم ومكانش عندنا راديو، ف كان ابويا متعود كل خميس يروح يسمع الحفلة هناك، إنما تعرف.. البنسيون ده كان ملعون، امي حكت لي ان انيسه دي كانت قريبه ابويا، جابها اشتغلت فيه وبعد شويه اتجوزت الحاج عادل صاحب البنسيون، وبعد كده ابويا وهي عملوا لعبه وخلوه كتب البنسيون بأسمها، وفضلت تعذب بنت جوزها اللي كان سنها يادوب من سني وقتها، وامي كانت دايما تقوله حرام عليك اللي عملته ده، لحد مايوم الحفله البت ولعت في البنسيون باللي فيه وسرقت فلوس ودهب النزلا وهربت، ماعاشش منهم بس غير واحد، لقوه مرمي جنب الفندق المحروق، ولما فاق حكي كل حاجه، وقال ان رضا ضربته علي دماغه وولعت في الفندق، ولما فكرته مات هربت، ماكانتش عارفه انه عايش مماتش، وحلاوه الروح خلته هرب من الشباك، وده ياابني كل اللي اعرفه.
– طب متعرفش اسم الشخص ده ايه ؟
– بص انا معرفهوش، بس معايا شهاده وفاه ابويا وورق القضية القديم، ومعايا كمان نسخه من المحاضر، امي شالت كل الورق وحتي قصاقيص الجرايد القديمه اللي فيها كل حاجه عن القضيه، استني ياابني هجيبهالك.
وراح فعلا جاب لي كل حاجه من كرتونة قديمة جوة الكشك، الورق كان مكتوب فيه ان الناجي الوحيد هو حسين، معرفش ليه فضلت ادور علي عنوانه لحد مالقيته، ولما فضلت اسأل عنه في مكانه، عرفت انه بقى تاجر كبير اوي، بس مع الاسف ولاده دخلوه مصحه، وبرضه مش عارف ليه.. المهم اني روحت له، ومع دخولي عنده شوفت راجل كبير قاعد علي كرسي بعجل، بيعيط وبس، قعدت قصاده وقولت له وانا ببص لملامحه..
– ازيك ياحسين؟
– انت تعرفني!
فكرت شويه كده، طب هو عارف اصلا انا مين ولا اللي حصل ده خيال؟
– انت فاكر رضا؟
– هو انا جابني هنا غير رضا؟
– انا عارف انك انت اللي قتلتها.
بص لي بلهفه وصرخ..
– ابوس ايدك قولهم، انا محدش مصدقني، انا اللي قتلتها ، قولهم جايز تسيبني في حالي ياابني، ابوس ايدك قولهم.
– انا عارف كل حاجه يا… ياعم حسين … عارف انك قتلتها عشان كنت بتحبها وعشان كانت هتهرب مع رحاب، وعارف كمان ان روحها حرقت المكان، وعارف انك قتلت رحاب وان رضا هي اللي قتلتهم كلهم.
– وسابتني اهرب، رضا اختارت تنتقم منهم كلهم وقتي، بس اجلت حسابي انا وفضلت تحاسب فيا شهور وايام، انا لما عرفت انهم خدوا الوديعه بتاعتها، سرقتها وسرقت دهب انيسه وزينب ومراتات شرف، وكنت ناوي اخدها ونهرب في اليوم ده قبل ماحد ياخد باله، وكان معايا اللي يعيشنا ملوك، بس هي ماسمعتنيش، يومها كانت اخر حفله لام كلثوم وكانت بتغني فيها غنوه اسمها ليله حب، فاكرها كويس، ولما صارحتها اني هاخدها واهرب وطبعًا ماقولتلهاش على السرقة اللي سرقتها، كانت ام كلثوم بتغني..
(تعالى تعالى.. تعالى تعالى.. شوق العمر كله، نخلصه حب الليلة دي
تعالى تعالى.. تعالى تعالى.. حب العمر كله، نخلصه حب الليلة دي
ما تخليش اشواقنا لبكرا
ما تخليش فرحتنا لبكرا)
ووقت ما الست كانت بتقول كده ردت عليا وقالتلي.. (هو انا مجنونه عشان اهرب من قرف واروح لقرف، انت مش لاقي تاكل ياحسين، انا مش هعيش عمري كله فقيره، انا هروح مع رحاب).. سمعتها وانا مذهول، وبنفس الذهول رديت عليها.. (بس رحاب دي بنت ليل وانتي عارفه!، وانا.. انا اقسملك بالله اني هعيشك ملكة شريفة).. ردت وقالتلي.. (وانا خدت ايه من الشرف، ما انا عيشت طول عمري شريفه واتمرمطت، عايزني اتجوز راجل قد ابويا زي العمدة، ولا اموت معاك معاك بالحيا!، لا.. معطلكش..) وسابتني وكانت ناوية تخرج، بس وهي بتخرج بره المطبخ اللي كنا واقفين فيه، محستش بنفسي وخبطتها علي دماغها ب ازازه لقيتها قصادي، وقعت عالارض ولقيت نفسي بخنقها بمنتهي الغل لحد ماروحها طلعت، فكرت اهرب، بس ساعتها كنت هلبس انا موتتها، ف عملت نفسي لقيت جثتها، وطبيعي كان استحاله حد يفكر ان انا القاتل، وبعدها حصل اللي حصل، وماتوا كلهم والفندق ولع بيا وبيها، بس لقيتها فجاه بتبتسم وبتفتح الشبابيك، هربت بالشنطه اللي فيها المسروقات ودفنتها وخبطت راسي بطوبه، عملت اني متعور، ولما اتسالت قولت انها هي اللي سرقت الفلوس، ومحدش لقي جثتها وسط الجثث، ومن وقتها كنت بدور ورا اخبار المكان، وكنت بسمع ان كل ماحد يحاول يصلحه او يبنيه، تاني يوم يرجع زي ماكان بعد ما يتحرق لوحده، لدرجه ان الناس هجرت الشارع ده كله، وبعد مااتجوزت وبقيت تاجر كبير وعيالي كبروا.. رجعت رضا، وبقالها سنين مش سايباني، كل يوم تاخدني هناك، وتعيشني اسوء كوابيس حياتي، انا بموت في اليوم الف مره، ولادي فكروني اتجننت، ولما قولت لهم سيبوني اعترف واريح ضميري، ماحدش رضي وحبسوني هنا، هي.. هي معايا مش سايباني، رضا عاقبت كل واحد فيهم عقاب، واختارت لي انا عقاب ابدي مش عارف هيخلص امتي ولا ازاي.
بعد ما خلص كلامه قعد يعيط، مبقتش عارف هو صعبان عليا ولا انا شايف انه خد اللي يستحقه، بس انا دوري ايه في الحكايه، وليه رضا قررت تدخلني فيها وتخليني اعيش الحدوته بتفاصيلها، يمكن عشان عايزه حد يقول للناس انها بريئه وضحيه، طب انا مين عشان الناس تصدقني!
وقتها ماكانش قدامي وانا خارج من اوضته، غير اني اخد قراري.. انا لازم اكتب الحكايه زي ماهي، يمكن حد يقراها في يوم ويقول للناس ان رضا بريئه وضحيه، وبمجرد ماجت في بالي الفكره لمحت من بعيد وفي اخر الطرقه، بنت واقفه بتبص لي وبتبتسم، كانت هي، رضا.. بصيتلها وماكانش مني غير اني ابتسمتلها وسكتت… ولما استلمت شغلي اللي كنت جاي عشانه بعد اعتذاراتي على غيابي، قعدت في السكن وطلعت ورقه وقلم وكتبت، بس ياريت اللي يقرا الورق ده يقول لغيره ان رضا كانت ضحيه وبريئه، ضحية انتقامها كان قوي… وانتقامها ده كان هو السبب في لعنة مكان كبير زي البنسيون اللي اتحرق في نفس الليلة التاريخية.. ليلة الحفلة الأخيرة للست.