“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
الراجل اللي قاعد جنب الطيار ص.رخ لما شاف حاجة على الأرض، الطيار في الأول مكنش قادر يسمعه بسبب صوت المروحة العالي لكن بعد تكرار الجملة بدأ يستوعب…
“انزل هنا، “عبد الله” هنا، “عبد الله” هنا”!
الطيار هبط بالهيلكوبتر في المكان اللي “مسعود” شاور عليه، وهو والتلاتة التانيين اللي كانوا على الطيارة نزلوا، ملقوش “عبد الله” بس لقوا حاجة تانية، كتابة على الأرض ضخمة بأحجار كتيرة، 3 حروف، “إس أو إس”، وهي العلامة العالمية اللي أي حد واقع في مشكلة بيستعملها بمعنى “النجدة”! عشان كده “مسعود” اتأكد إن “عبد الله” السعودي هنا، في المكان المهجور ده من سانت كاترين، أكيد كان عايز يوصل رسالة، كان عارف إن السلطات المصربة أو السعودية هتدور عليه وهتمشط المنطقة كلها…
ملقوش “عبد الله” في المنطقة نفسها لكنهم لاقوه على بعد كام كيلو، تلاقيه فضل يمشي بعد ما جمع الحجر وشكل الحروف بفترة، فقد الأمل إن حد ممكن يلاقيه فقرر يكمل طريقه، ده التفسير اللي كان في دماغهم…
“عبد الله” كان عبارة عن جلد على عضم، عضمه كان بارز من الخسسان، وزنه ميتعداش ال45 كيلو، كان مفقود بقاله أسبوعين كاملين، تقريبًا فضل من غير أكل ولا شرب، لما الأكل اللي في شنطته خلص، كان بيتغذى على الحشرات أو الطيور اللي قدر يصطادها!
بعد ما طلع مع الباقي على الهليكوبتر، واحد من الرجالة حط إيده على كتفه وابتسمله وقال:
-أنت بطل، احنا شفنا العلامة، لولاها مكناش وصلنالك.
-علامة؟
-النجدة.
هز راسه يمين وشمال ورد:
-مو أنا!
مش هو؟ أمال مين؟ مين اللي عمل العلامة؟
بعدها اتسأل إذا كان لوحده ولا كان معاه حد تاني، رد وقال إنه مكنش لوحده وطبيعي السؤال اللي بعده، مين كان معاك، رد:
-الصندوج…
“مسعود” كان فعلًا لقى صندوق بالقرب من “عبد الله”، الصندوق كان شكله مميز، أنتيكا، فأخده معاه، لكن “عبد الله” رده كان غريب، واضح إن السؤال كان المقصود بيه إذا كان معاه بني آدم، مش جماد! لكنه رد وقال الصندوق، بس “عبد الله” مكنش ينفع يتحاسب على كلامه وتصرفاته، أي حد مكانه أكيد مكنش هيبقى متزن، لفترة حلوة…
وعشان كده برضه ماخدوش على كلامه اللي قاله بعدها وهو إنه كان بيسمع أصوات من جوه الصندوق، والأصوات كانت بتتواصل معاه لحد ما لقوه…
القوات انتشرت بشكل مكثف تاني يوم في المنطقة اللي لقوا فيها إشارة الاستنجاد، كان في فضول رهيب عن هوية اللي كتب الإشارة، الشرطة لقوا 4 جث.ث في أماكن متفرقة، ولقوا كمان موبايل، كان عليه فيديو متصور قبلها بشهر، الفيديو كان مز.عج جدًا ومش مفهوم، مبدأيًا التصوير كان بليل فمفيش حاجة باينة، مجرد ظلام، وكان في صوت واحد بيص.رخ جامد، من كتر صري.خه كلامه مش متفسر، محدش من المختصين قدر يحلل كلامه، مفيش بس غير كلمتين اتسمعوا بالعافية “اللع.نة…كنا غلط”…
تم التعرف على هوية الأربعة والشرطة اتواصلوا مع أهاليهم، اللي طبعًا اتصدموا وحالتهم كانت صعبة، اتحقق مع أهاليهم وأصحابهم، محدش كان عارف حاجة عن أي نشاط مر.يب للأربعة قبل ما يختفوا، ولا أي اختلاف في تصرفاتهم ولا وجود معارف مشب.وهين، الأغرب بقى كان سبب الو.فاة، الأربعة ماتوا يا بسك.تة دماغية يا أز.مة قلبية!
إيه اللي حصل مع الأربعة وصاحب التسجيل كان يقصد إيه، كان يقصد إيه؟
…………………………..
كنت قاعد في المحل بتاعي ساند وشي بكفي، نظراتي جامدة، ببص في الفراغ، مرحلة ما بعد الإحباط والزعل والاكت.ئاب، مرحلة “الولا حاجة”، انعدام الإحساس، أهذا ما ركلت بطن أمي لأجله؟! حياتي دي باختياراتي المهببة، كان إيه لازمته كل ده، أمي وأبويا الاتنين مكنوش مرتاحين ليها، ولا أصحابي، ومع ذلك عاندت الدنيا كلها علشانها، أنا الوحيد اللي كنت شايفها جوهرة، أنا اعرف كنت شايفها من أنهي جهة؟! أهو أبويا وأمي اتكلوا على الله ورا بعض، ما بينهم كام سنة بس والاتنين كانوا قلقانين عليا، واللي صرفت عليها د.م قلبي ومكنتش ببخل عليها بحاجة حتى لما كانت بتطلب فوق قدراتي عايرتني بإني مش بخلف، طول الوقت كانت بتلسن عليا، كإنها ولي أمر وأنا عيل، وسابتني بعد عشر سنين، العدة لسه مخلصتش وارتبطت بغيري وأول ما ال3 شهور يخلصوا هتجري تتجوزه، يالا الله يسهلهم…
وفي عز سرحاني في اللا شيء لقيت اللي اترزع قدامي، كانت علبة كبيرة، خشب، شكلها عجيب، رفعت راسي للي واقف، اللي رزعها بالشكل ده، لقيت راجل رفيع، دقنه وشنبه نابتين، مش مربيهم على كيفه، كإنه مطنشهم، وده اللي يأكده باقي مظهره المبهدل، وشه كئي.ب، حواجبه معقودين في بعض والخطوط متجمعة على جبهته…
-ده صندوق جدتك!
=جدتي؟
-أيوه، جدة جدك ” إستر هارون”، أنا فضلت أدور لحد ما وصلت للمالك الأصلي، اللي هو جدتك وأنت اللي لقيته من نسلها، الصندوق ملكك، لازم يرجعلك.
=يعني، هو كتر خيرك وكل حاجة، بس أنا مبفهمش في الحاجات دي، ممكن غيري يقيمه أكتر، أنا شايف…
مد إيده وزق الصندوق أكتر ناحيتي وقال بنبرة واطية وإصرار في نفس الوقت:
-أنت أحق بيه…
جدة جدي “إستر” كانت من اليه.ود اللي عاشوا في مصر زمان، وقعت في قصة حب مع جدي الكبير واتجوزوا برغم اعتراض أهلها، لكن هي فضلت على ديانتها لحد ما ما.تت، غريبة أوي، أنا نفسي كنت نسيت القصة دي، نسيت جدتي اليه.ودية، ليه الراجل ده يعمل مجهود عشان يعرف أصل الصندوق ويرجعوا للأحفاد، يالا مش مهم! وأاادي الصندوق…
سبته في المحل وقفلت وروحت بيتي…
كل اللي كنت عايزه أتقوقع على نفسي، أخد وضعية الجنين وأفضل ممدد على السرير، من غير أي وش، لكن هيهات هيهات، الليلة دي كانت 7 أكتوبر، مولد السيد البدوي، وأنا عمارتي جنب مسجد السيد البدوي، شيء جميل! وبدل ما كنت عايز هدوء، بقيت متحاوط بالمهرجانات والاحتفالات، صر.يخ وزع.يق وضحك ولعب وجد وحب، طنطا أصلها بتشتهر بالمدلعة وعجيبة والتفنن في العكننة عليا!
بسبب الدوشة مقدرتش أنام غير بعد الفجر، وطبعًا مصحتش بدري عشان أروح المحل…
المحل كان مخصص لتصليح أي حاجة بايظة، هي دي كانت حرفتي، بداية من الساعات القديمة، ساعات الإيد وساعات الحيطة، لحد الأجهزة الحديثة، الموبايلات وأجهزة الكمبيوتر، أو لعب الأطفال، أي حاجة…
قمت بالعافية عشان أرد على موبايلي، كان إسماعيل المساعد بتاعي…
-أنت فين؟ في حد جايب لاب توب وعنده مشكلة في الشاشة و…
=أنت تقدر يا “إسماعيل”…
-أقدر على إيه؟
=أنا دربتك كتير وكنت حاضر معايا وأنا بصلح أجهزة قبل كده، أنت تقدر تصلحه…
-أنت مش هتيجي يعني ولا…
مسبتوش يكمل جملته وقفلت الخط وكملت نوم….
اللقطة التانية كانت قرب المغرب، برضه صحيت على هزة الموبايل، أخدته من جنبي وفضلت باصص ثواني في الشاشة عبال ما جمعت، كان “إسماعيل”، ومين غيره يعني هيعبرني، رديت:
=أيوه يا “إسماعيل”، أنا جي أهو…
-الحقني!
كان مذ.عور، سألته بقلق:
=مالك يا “إسماعيل” في إيه؟
-أنا في أوضة الخزين، في حد…في حد اقتحم المحل، يمكن أكتر من واحد، سامع حركة بره، والخطوات بتقرب، الحقني…
=أنا جي حالًا، خليك مكانك، إوعى تفتح…
اتنفضت، مغيرتش هدومي، يدوبك أخدت المفاتيح والموبايل ونزلت على ملى وشي…
المحل كانت وسط عمارات، مفيش حواليه محلات تانية، يدوبك بس كوافير على بعد كام متر، فمكنش في مصدر اضاءة قوي، الدنيا كانت شبه عتمة، ومفيش نور خارج من المحل!
فتحت فلاش الموبايل ودخلت المحل…
اللمبة كانت واقعة على الأرض، متفتتة، مش بس اللمبة اللي كانت على الأرض، أجهزة وشغل بتاع ناس سايبينه يتصلح وعدة تصليح، وكان في ريحة…ريحة بش.عة، ريحة ب.ول قطط…
ندهت:
=إسماااعيل.
بالعافية قدرت أسمع رده، صوته كان واطي أوي ومهزوز، جي من أوضة الخزين، جريت على الأوضة وفتحتها…
سألته عن اللي حصل، قال إنه كان قاعد مركز في موبايل بيصلحه لما سمع صوت اللمبة بتتكسر على الأرض وبعدها سمع حركة والحاجات ابتدت تتنتور وتقع على الأرض، حد كان معاه في المحل بيخ.رب، أكيد كان بلط.جي أو شلة بلط.جية جايين يسر.قوا المحل أو يسر.قوه هو شخصيًا، ده اللي اتوصل ليه، بعدها اتحرك بسرعة على أوضة الخزين، قفل على نفسه بالمفتاح، لكن البل.طجي مبطلش حركة، فضل يرزع ويوقع الأجهزة، وكمان…كان بيغني بصوت واطي لكن مز.عج بلحن ولغة غريبة…
=بلطجي وقع اللمبة من السقف وبعدين وقع الأجهزة وعدة التصليح على الأرض وفضل يكسر في المحل، ومزاجه كان عالي لدرجة إنه غنى بلغة ولحن مش معروفين، ده…الملخص تقريبًا مش كده؟
نظرات “إسماعيل” اتبدلت من الر.عب للضيق والغ.يظ مني، والنظرات بقت حادة أكتر لما كملت وقلت:
=إسماعيل، لو عملت كده قول لي وأنا مش هعمل حاجة، أنا مسامحك وكإن اللي حصل مكنش، وربنا يعوض عليا، ومش هنتكلم تاني في الموضوع.
-تصدق أنا ابن ستين*&^ اللي رضيت بالظروف بتاعتك وطباعك الز.فت وغرابة أطوارك والمرتب الكحيان اللي بتديهوني، مرتب إيه، ده يتقال عليه مهية، المرتب ده لما يبقى في مجلس إدارة وإتش آر وقبض بجد، مش شهر تدفع وشهر عالنوتة، وفطار فول وبتنجان كل أول شهر، يا كحيان…
=طب إهدى بس يا “إسماعيل”، صلي عالنبي، حقك عليا..
-بلا حق بلا بتاع، أنت تطلع مرتب الشهر ده واللي فات اللي مدفعتوش وأنا هتكل عالله، يأما هاخد حقي منك بإيدي.
معرفش إيه الغ.باء ده، ليه جه في بالي إنه ممكن يكون عمل كده، قال من المرار اللي شافه معايا والظروف الصعبة وقلة إمكانياتي، أنا عمري ما شفت منه حاجة زي دي في السنتين اللي اشتغلهم معايا، هييجي في الآخر ويكسر المحل؟؟…
أهو أنا خدت جزاءي و”إسماعيل” مشي، ومش بس كده ده في واحد بل.طجي دخل المحل وخر.به ومعرفش مين ده وعمل معايا كده ليه، ويا ترى هيسكت على كده ولا هيفضل يرازي فيا وليه تار عندي!
غريبة أوي ، معقولة “إسماعيل” اللي معرفش اسم أبوه إيه ولا كنت مهتم كان شاغل مساحة بالشكل ده؟ أصله أول ما ساب الشغل حسيت بفراغ رهيب أكتر مالفراغ اللي قبله، أنا حرفيًا مبقاش ليا حد، مليش غير شغلي الممل عشان أنا مفيش جهاز كان بيقف قدامي، التصليح إن شا الله لآلة سفر عبر الزمن بالنسبة لي ولا حاجة، دي كانت قدراتي اللي مش متقدرة طبعًا!
مبقاش في غيري و…الصندوق…
صندوق جدتي الكبيرة “إستر”، طب ما أخده معايا البيت وأحاول استكشفه أكتر، الصندوق كان بضرفتين بالطول، لونه بني فاتح مدي على برتقاني، شكله شيك ومش متكرر، المصمم كان فنان، قررت أبص في اللي جواه، مع إن في الغالب هلاقيه فاضي، لكن أهو، أي حاجة تسليني…
فضلت في المحل لأول مرة لوحدي لحد بليل متأخر، أخدت الصندوق ورجعت بيه البيت، ومعرفش إيه اللي حصل، أنا نمت بهدومي، اترميت على السرير، مفتحتش الصندوق زي ما كنت مخطط ولا أكلت حاجة حتى….
مش قادر أخد نفسي، مش قادر!
قمت وأنا مخنوق، هدومي وشعري عرقانين، السرير عليه ميه، عرق، إيه كل ده، ليه؟؟
بالعافية أخدت نفسي أخيرًا، فضلت أنهج، صوت نفسي عالي، ماسك رقبتي بإيدي، مش فاكر حاجة، لكن أكيد حلمت بكاب.وس بشع، كاب.وس خلاني أصحى 6 الصبح وأنا نايم قرب الفجر…
اترميت تاني عالسرير بعد ما شربت ميه، المرة دي كنت منهك أكتر ونمت بعمق…
قمت على أدان الضهر وقررت مفتحش المحل يومها، هاخد أجازة، عملت قهوة وقعدت قدام الصندوق…
مديت إيديا عشان أفتحه، متفتحش…
حاولت تاني، مفيش، فكرت بعدها أجرب حاجة مختلفة، زقيت الضرف بتاعة الصندوق زقة بسيطة، الضرفتين اتفتحوا على آخرهم…
كان في درجين صغيرين في الجزء التحتاني منه، أما فوق كان في ورقة بيضة ملزوقة ومكتوب عليها…بالعبري، أكيد ده عبري، مهو كان بتاع جدتي “إستر”!
حلو أوي، أجيب أنا منين حد يعرف عبري، الله يرحمك يا جدتي، وساعتها افتكرت…
في واحد أعرفه، صاحبي من أيام المدرسة ولحد ما كبرت، كان في آداب عبري، بس كان بقالي بتاع 3 سنين مكلمتوش، معقولة كنت أكلمه بعد المدة دي كلها عشان مصلحة؟؟ وأنا كان في إيدي إيه تاني أعمله، معرفش غيره ممكن يساعدني، بعتله على الواتس آب وقلتله على قصة الصندوق والكتابة العبرية.
طلب مني أصور الكتابة وابعتهاله وده اللي عملته…
فات دقيقتين بعد ما بعت الصورة ولقيته بيكلمني!
-أنت قولتلي الصندوق ده جبته منين؟
=وأنت عامل إيه يا “عمر”؟
-معلش يا “زين”، أخدتني الحماسة شوية.
=مكتوب إيه بقى؟
-“شالوم، زيلو أموليلهيوت بتواخ فيلوليهوت بفالوت أدام”
=شكرًا يا عمر معرفش من غيرك كنت هعمل إيه، ما تتكلم عربي يا بني.
-“السلام عليكم، مش مُقدر للصندوق إنه يتفتح، ولا إن بشر يملكه”
=يعني إيه، صندوق مستقل بذاته؟
-ملقتش أي حاجة تانية في الصندوق يا “زين”؟
=لأ ملقت..استنى كده معايا!
وقتها أخدت بالي من الأدراج الصغيرة اللي كنت ناسيها، فتحتها ولقيت جواها خصلات شقرة ملفوفة بتوكة وفي الدرج التاني خصلات بني ملفوفة بتوكة، قلت ل”عمر” عن اللي لقيته، واتفاجأت برد فعله، قال إنه هيجيلي من القاهرة يشوف الصندوق! سألته ييجي ليه، قال إن الصندوق أثار فضوله وعايز يشوفه بنفسه وفرصة كمان يشوفني…
يا ترى إيه قصة الصندوق ده، جدتي “إستر” تكون اللي كتبت الجملة دي فيه وحطت خصلة شعرها وشعر أختها ولا صاحبتها، هي فعلًا كانت شقرة، يجوز…
بعد ما فضلت سرحان في الصندوق شوية سبته وروحت الصالة وفتحت التليفزيون…
جبت القناة اللي بتجيب مسلسلات وأفلام قديمة واتفرجت على المسلسل إياه للمرة العاشرة، الأمور كانت ماشية طبيعي لحد مشهد ما…
مش عارف ليه المرة دي حسيت إن الممثلين شكلهم مختلف، وقفتهم، نظرتهم، زي ما يكونوا مش بيبصوا للشاشة، بيبصولي أنا…
بطلوا يتكلموا، وفضلوا ثابتين على وضعياتهم، مع تغييرات بسيطة، وشوشهم كانت بتميل، عيونهم بتوسع وبتتحرك، وزي ما يكون…بقى ليهم انعكاس، واقفين ورايا، اتلفت ملقتش حاجة، رجعت بصيت تاني للشاشة لقيت المشهد كمل عادي…
التليفزيون باظ ولا إيه؟ شكلها كده…
مصدقتش نفسي لما لقيت “عمر” وصل بليل في نفس اليوم، مكنش بيهزر يعني لما قال إنه جي…
عملتله أكل واتعشينا سوا، أول ما خلص وغسل إيديه جري عالصندوق، بصله بانبهار، هو بصراحة كان قطعة فنية ويبهر، فتحه وبص جواه وقرا الجملة تاني بصوت عالي، فتح الأدراج ومسك خصل الشعر وفضل سرحان فيهم وبعدين رجعهم تاني، سألني:
-أنت جبت الصندوق منين؟
=مجبتوش، رجعلي.
-رجعلك؟
=ما أنا قلتلك إنه بتاع جدتي اليه.ودية، جدة جدي.
-أيوه يعني إيه رجعلك؟
=أنا أصلًا مكنتش أعرف بوجوده، اتفاجأت براجل عدى عليا في المحل من كام يوم، رزع الصندوق حرفيًا قدامي، كإنه عايز يتخلص منه، وقال إنه بتاع جدتي، وأصر إني أخده ومشي.
-عايز يتخلص منه؟ ده إيه الراجل العجيب ده، حد يفرط في أنتيكا زي دي؟
=أهو بقى، لله في خلقه شؤون.
-وكان فين الصندوق قبل كده، إزاي خرج من ملككم ورجع ليك؟
=أنا أعرف!
تنى ركبه وحط إيديه فوق بعض، وهو باصص في الصندوق وقال:
-إياك تبيعه يا “زين”، أنا عارف إنه يسوى ثروة، لكنه أقيم من إنك تبيعه.
=ولا مهتم أساسًا، خليه مع الخردة اللي عندي..
بصلي باس.تهزاء، عايز يقول لي مستحقش الصندوق عشان قلت عليه خردة…
وضبت الأوضة التانية ليه وأنا روحت على أوضتي ونمت…
-إصحى يا “زين”، “زين”..
صحيت على الصوت الرقيق ده، بصيت حواليا لكن ملقتش مصدر الصوت، لقيت الباب بيتحرك، صوت الأزيز بتاعه واضح أوي، مصدر الصوت، هو اللي حرك الباب!
شلت اللحاف من عليا، وقمت…
خرجت من الأوضة ومشيت في الطرقة، سمعت الصوت تاني…
-زين…
يعني مكنش بيتهيألي…
لقيتها هناك، واقفة في آخر الطرقة، لفتلي وشفت ملامحها واضحة، كانت شابة جميلة، ملامحها رقيقة ومريحة، شكلها ملون، لونها أبيض وشعرها دهبي وعنيها زرقة، مدت إيديها وهي مدياني ضهرها ولفة راسها، روحتلها ومسكت إيديها واتمشيت معاها…
مش عارف، الست دي، برغم إني مشوفتهاش قبل كده، لكنها مألوفة أوي، حتى برغم إختلاف أشكالنا، لكن حاسس إني فيا منها، أنا اسمر وشكلي عربي، لكن الملامح نفسها، فيا منها، كمان إحساسي بيها، الراحة دي…
كإنها…كإنها جدتي “إستر”! ده اللي جه في بالي، إحساس قوي إن دي جدتي…
من وقت للتاني رفعت راسها وابتسمتلي، لحد ما أخيرًا قالتلي:
-مش خاي.ف؟
هزيت راسي بالنفي، بالعكس أنا متطمن أوي وأنا معاها…
عقدت حواجبها وفجأة الفراغ اللي ما بين الحواجب اتملى شعر، وعيونها وسعت بشكل غريب، تجاعيد كتير اتجمعت في وشها، وشعر راسها اتنعكش وقالت بنبرة غليظة:
-المفروض تخ.اف!
قمت وأنا مف.زوع من النوم، جسمي كله بيصب عرق والسرير مبلول، اللي شفته في الحلم، مكنش “إستر”، أنا شبه متأكد إن ده شكلها، الشكل المريح اللي ظهرلي في البداية لكن مكنتش هي، كان حاجة تانية اخدت شكلها، أكيد هو ده الكاب.وس اللي شفته قبل كده وصحيت مش فاكره….
استعذت بالله من الشي.طان، وتلقائيًا فتحت النور وقفلت الباب، أخدت وقعت عبال ما قدرت أرجع أنام تاني، كل شوية يتهيألي إني سمعت حاجة، حتى زنة الناموسة وهمتني، وكل شوية أبص على رجلي المتغطية باللحاف عشان اتأكد إن مفيش حاجة بتلمسها…
عملت الفطار ل”عمر” وقعدت أكل معاه وأنا ساكت ومبلم…
لقيته بيقول لي:
–قطتك دي حقنة بصراحة، النونوة بتاعتها مزع.جة، بسببها معرفتش أنام غير قرب الفجر وبالعافية.
=قطتي؟
-أيوه، البيضا أم عيون زرقا، كنت قاعد في الصالة وشفتها بتتحرك قدامي، وفضلت تلف وتجري كإنها العاب نارية، حطتلها أكل عشان تتهد، قلت ده اللي مخليها مفوقة كده، بس مكلتش، روحت أنام لقيتها جايه ورايا، وفضلت واقفالي على طرف السرير وتنونو بصوتها اللي عامل زي الوابور ده، مش عارف كانت عايزه إيه، تلاقيها عايزه تتجوز، جوزها يا عم دي راحت منها خالص…
=”عمر”..
-إيه؟
=أنا معنديش قطة!
بوقه اتفتح على آخره، متهيألي كان ممكن يعدي من الفتحة جيش دبان….
عيني وقعت على الرسغ بتاعه، لقيت كذا خط جنب بعض، شاورت على الخطوط، “عمر” كان مستغرب زيي لما عينه وقعت على الخطوط، مكنش واخد باله منها، شمر قميصه، الخطوط كانت ممتدة لحد دراعه، خرابيش…
بطرف عيني لمحت الصندوق، رفعت صباعي ناحيته وقلت:
=”عمر” أنت فتحت الصندوق تاني إمبارح؟…
حرك راسه بالنفي، من غير ما يقدر يتكلم، وبعدين اتلفت ببطء ناحية الصندوق، ورجع بصلي بهلع…
طبعًا خد بعضه وقال يا فكيك، وقبل ما يمشي حذرني من الصندوق، قال إن فيه حاجة مش مريحة أبدًا، وإنه ممكن يكون سبب الظواهر الغريبة…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
منكرش إني أتوغوشت من الصندوق، وإن في حاجات عجيبة عماله تحصل من كام يوم، لكن إني أربط الصندوق بيها، شيء مبالغ فيه، إيه، فانوس علاء الدين؟
لكن برضه، من وقت ما جه والظواهر بدأت تحصل، كمان…الراجل، الراجل اللي جاب الصندوق ورماه قدامي وأصر إني أخده، مين ده صحيح؟
مكنش في حاجة أعملها، مفيش غير إني حطيت الصندوق في الأوضة التانية اللي نام فيها عمر، تحت المُلل اللي في السرير، وقفلت الأوضة..
3 أيام فاتوا من وقت ما “عمر” مشي، خلالهم نفس الحلم كان بيتكرر، بشوف الست اللي بقيت متأكد 100% إنها “إستر” وبتتحول بعدها لوح.ش قب.يح، وجسمي، جسمي بقى مهمد طول الوقت، كإني مبنمش خالص…
فتحت التليفزيون وأنا باكل كالعادة، وفي مشهد ما الممثلين بصوا للشاشة وثبتوا على كده، عيونهم كانت بترمش و…بتوسع، مالوا براسهم كإنهم…بيبصولي أنا مش بيبصوا للكاميرا، وواحدة واحدة الوشوش كبرت والأجسام بقت صغيرة، ده مش عيب في التليفزيون زي ما كنت فاكر، قدرت أخرج من حالة الش.لل اللي كنت فيها وجريت قفلت التليفزيون، لكن الوشوش، شفت انعكاسها على شاشة التليفزيون المطفية..
لفيت ملقتش الوشوش لكن لقيت بدالها خط إسود على الحيطة، نمل، النمل مشكل خط ممتد من الحيطة للسقف، مشيت ورا النمل لقيت الخط بيمتد لحد…
الأوضة المقفولة…
فتحت الباب وفضلت أمشي ورا النمل، الخط كان نازل من السقف للسرير، شلت المرتبة ولقيت قعر السرير مليان، والصندوق متغطي بالكامل بالنمل…
شكل “عمر” كان عنده حق، يا دي النيلة، عمر كان عنده حق!
على قد ما كنت مرع.وب من الصندوق كنت برضه مرع.وب أعمل أي خطوة غلط، أنا معرفش المفروض كنت أتصرف إزاي معاه، أتخلص منه بأنهي طريقة، وإيه بالظبط اللي جواه؟
مفيش غير إني كنت أهرب على المحل، أقعد فيه ليل نهار، لو طلبت أبات هناك هبات لحد ما أشوف صرفة في الب.لوة بتاعة جدتي دي…
غيرت هدومي وروحت عالمحل…
المفروض إني سبت الصندوق ومشاكله معاه، مش كده؟
المفروض، ده المفروض…
الليل دخل عليا، والزباين خفوا، فاتت كام ساعة مشفتش فيهم وش، فردت إيدي على الطرابيزة وحطيت راسي عليها وغمضت عيني…
صحيت على صوت حاجة بتتكسر، لقيت الدنيا عتمة، اللمبة!
لمبة المحل وقعت واتفتتت عالأرض، وفي لحظتها شميت ريحة بشعة ملت المكان كله، بو.ل قطط..
وبعدها بدأت…
الخطوات!
خطوات تقيلة، كإن صاحبها حجمه كبير، ومعاها همهمة، صاحب الخطوات بيغني بلغة مش عربي ولحن غريب، أدركت وقتها اللغة، ده عبري…
الخطوات فضلت تقرب ومعاها صاحبها صوته بيعلى وبيخشن، لفيت من الستاند اللي كنت قاعد عليه وجريت على أوضة الخزين، طلعت مفاتيحي وبإيدي اللي بتترعش جربت مفتاح مفتاح لحد ما واحد فيهم دخل في الفتحة ولف، والباب اتفتح، دخلت وقفلت على نفسي، طلعت بعدها الموبايل، الصوت سكت للحظة وبعدين رجع تاني أقوى وأخشن ومعاه تك.سير رهيب، المحل كله بيتك.سر، طلعت مني صر.خة غصب عني…
الموبايل رن، رديت…
=الووو…الحقني..
كنت بتكلم بصوت مهزوز وواطي، معرفش مين اللي كان بيتصل، مش هتفرق، كنت في عرض أي حد، أيًا كان هو مين…
-“زين”، أنت كويس؟
=الحقني…
-إيه اللي بيحصل؟ “زين”؟
=كس.ر المحل و..جي عشاني.
-الصندوق؟
برغم حالتي، فقت، الصوت مكنش مألوف، مش “عمر”، مين تاني يعرف عن الصندوق؟..
-“زين” إسمعني، اقرا قرآن، متوقفش، كل الآيات اللي حافظها، ده هيخليه يختفي مؤقتًا..
=أنت مين؟
-أنا اللي جبت الصندوق، هجيلك بكره، مقدرتش أسيبك، آسف…
قلت وأنا بضحك بتوتر:
=صوت الخطوات وقف…
أدركت وقتها إن اللي كان معايا قفل السكة….ومن هنا انطلقت أصوات خرب.شة رهيبة على باب الأوضة من بره وبعدها اللي كان عالباب قال:
-شالوم…
فضلت أقرا قرآن، ورا بعض ورا بعض من غير ما أوقف، كنت طبعًا متلخبط، بقرا شوية صح وشوية غلط، لكن أهو فضلت مكمل، لحد ما اتأكدت إن الكيان اللي بره انسحب، مبقاش موجود…
فضلت في أوضة الخزين الضيقة لحد الصبح…
خرجت لقيت فوضى رهيبة، المحل كان على بعضه، كل حاجة متك.سرة، خسارة مكنتش عارف إزاي هقدر عليها، أجهزة الناس اتدمرت، غير أدواتي والضرر في الحيطان والأرضية…
مش فارقة البيت من المحل، أيًا كان اللي في الصندوق مبقاش بس مرتبط بيه، بقى مرتبط بيا أنا كمان…
فضلت قاعد وسط الفوضى مستني الراجل الغامض اللي بلانا بالب.لوة…
دخل عليا المحل بعد كام ساعة، فضل يلف حوالين نفسه، عنده ذهول من المنظر..
منطقتش، هو عرف عن نفسه وقال:
-أنا النقيب “نور الدين مصطفى”.
مردتش برضه، مكنش عندي صبر لأي مقدمات، عايزه أفهم، والأهم عايز حل للمصي.بة اللي كنت فيها.
-لحد من كام شهر كنت بخدم في سانت كاترين، ومن شهرين وشوية جالنا خبرية إن في واحد سعودي اختفى هناك، الدنيا طبعًا اتقلبت وفي الآخر لقوه، أنا مكنتش معاهم وقتها، مشفتش المكان اللي لاقوه فيه، لكن عرفت تفاصيل الواقعة، لقوا علامة كبيرة على الأرض بالحجر، استنجاد، ولقوه هو على بعد كام كيلو، افتكروا إنه هو اللي شكل العلامة بس هو أنكر وبعدين… لقوا أربع جث.ث تانيين ولقوا…صندوق أنتيكا..
وقتها بس انتبهت ليه، رفعت راسي وركزت معاه…
-وكان في موبايل متسجل عليه فيديو، الصورة مكنتش باينة لكن صوت صاحب الموبايل كان مفز.ع، سمعته بعدها في القسم، صر.يخه، مخرجش من دماغي من ساعة ما سمعته، كإنه بيتعرض لهج.وم في وقتها، وقت ما كان بيصور، مفيش غير كام كلمة قدرنا نفسرهم “اللعنة” و”كنا غلط”، مش ده بس اللي مر.يب، الراجل السعودي لما اتسأل إذا كان لوحده، قال إن كان معاه الصندوق…
جملة تبان عفوية، محدش هينتبه لكلامه، وأنا كمان عدتها لولا الأحداث اللي حصلت بعد كده وخلتني أربط كل حاجة ببعض…
السعودي مكنش يقصد الجماد، الصندوق في حد ذاته، كان قصده على حاجة تانية…اللي الصندوق شايله…
الصندوق كان مع الأربع شباب اللي ما.توا في المنطقة، ملك واحد فيهم، عرفنا من التحريات إنه جابه عن طريق مزاد، كان عايز بيهر بيه مراته…
أنا بقى من وقت ما عيني جت على الصندوق وأنا مهووس بيه، كنت شايفه تحفة فنية، أنا عارف إنه غلط وإن مكنش عندي د.م لكن مقدرتش، سألت مرات الراجل صاحب الصندوق إذا كان ممكن اشتريه، من غير تردد قالتلي :
-خده…
-وأدتهوني من غير فلوس..
-غب.ي، إزاي عدت عليا، دي ما صدقت… جت في بالي فكرة خ.طيرة، هقدم لأمي أغلى هدية ممكن تجيلها في عيد ميلادها، حاجة مكنتش أحلم أقدر أجيبها، أخدت الصندوق وغلفته بورق هدايا ووديته لماما، فرحت أوي بيه، انبهرت أكتر مني، قررت تحطه في الصالة جنب الفازا وتحت الجوبلان كزينة، أخدت قعدتي وسافرت تاني لموقعي في سانت كاترين، مفاتش 24 ساعة وجالي خبر إنها اتحجزت في المستشفى عشان جالها سك.تة دماغية، لما دخلتلها أوضة المستشفى، لقيتها بتعيط، دموعها عمالة تنزل من عينيها ورا بعض، مكنتش بتتكلم كويس بسبب حالتها، قالتلي “الهدية”…
فهمت في الأول إنها نسيت إني جبت هدية وصعبت عليها نفسها يعني، فكرتها، قولتلها : “يا ماما مقدرش أنساكي، طبعًا جبتلك هدية، الصندوق الأنتيكا، فاكراه؟”
نَفَسها علي والدموع زادت وقالت: “الصندوق، الهدية”
التفسير التاني هو إن الصندوق معجبهاش، الكبار كده بيبقوا حساسين شوية، بيصعب عليهم نفسهم لو ولادهم أو قرايبهم مفهموش طلباتهم أو اللي محتاجينه واللي بالعكس مش محتاجينه، كام ساعة و..ما.تت.
نفسيًا كنت متد.مر عشان كنت فاكر إنها ما.تت وهي متضايقة إني مقدرتهاش بهدية حلوة لعيد ميلادها، عشان كده أخدت الصندوق من بيتنا بما إنه يعني مكنش عاجبها، وديته معايا في السكن بتاع سانت كاترين، وبعد 3 أيام صحيت على إحساس بش.ع، جسمي كله بيهرشني، المنظر كان…ميتوصفش، جسمي كله، كله متغطي بالحبوب، مفيش حته فاضية، وده تزامن مع بداية الكوابيس… كنت بحلم بست بيضة، شعرها أشقر وعيونها زرقة…
قاطعته وقلت:
=وشها مريح، بتتمشى معاك مسافة وبعدين ملامحها بتتحول، الفراغ اللي ما بين الحواجب بيتملي شعر، وعيونها بتوسع بطريقة مف.زعة، تجاعيد كتير بتظهر وشعرها بيتنكش..
بصلي بانبهار وقال:
-بالظبط، بالظبط، كل ما الوقت يعدي كل ما يبقى عندي يقين إن في ج.ن حواليا، أو كيان ش.رير مسؤول عن اللي بيحصل لي وكمان…عن اللي حصل لماما، وهي شافت حاجة وكانت بتحاول تحذرني، مكنتش زعلانة مني عشان الهدية معجبتهاش زي ما كنت متخيل… كنت هم.وت من الر.عب، عايز أتخلص من الصندوق بأي شكل، عرضته على موقع للبيع، بس أنا مكدبتش، قلت إن في ظواهر غريبة بتحصل من وقت ما جبت الصندوق وحكيت واقعة الشاب السعودي والأربع ج.ثث اللي لقيناهم، وبرغم كده لقيت طلبات على الصندوق! جايز كانوا فاكرين إني بالعكس بحلي البضاعة، ودي طريقتي يعني في عرض الصندوق الأنتيكا، في ناس كده بتحب الغموض والقصص المخ.يفة… طالب في الجامعة هو اللي اشتراه..مكنش متخيل إني بقول الحقيقة…
في الوقت ده كنت في القاهرة بسبب حالة جلدي وطلبت نقل لهناك..
لقيت اللي بيخبط على بابي بعدها بإسبوع، الولد اللي اشترى الصندوق كان بيتنفض، مد إيده بالصندوق، رجعهولي، قال إنه في خلال الإسبوع ده مشافش راحة، كان طول الوقت حاسس إنه م.نهك كإنه منمش مهما نام وإن الموبايل بتاعه والساعات والكهربا في الشقة كلها كانت بتقطع في نفس الوقت لساعات، طب لو هنقول في تفسير للكهربا اللي بتتقطع، الموبايل يفصل ليه والساعات اللي ببطارية إزاي بتقف، غير إنه كان بيسمع خطوات وبليل بيسمع حد بيغني بلغة غريبة…حاولت تاني أتخلص من الصندوق، كل لما أديه لحد يرجعهولي ويحكيلي قصص مر.عبة عن اللي حصل له، جه في بالي أدور على تاريخه، عرفت إنه كان ملك “إستر هارون”، ست يهو.دية كانت عايشة في مصر من زمان وإن ليها نسل، ووصلتلك، مش عارف إيه اللي كان في بالي، قلت يمكن أنت متتأذيش عشان الصندوق بتاع جدتك وكده، يمكن الكيان أو القر.ين كان مرتبط بجدتك بطريقة ما ومش هيلمس نسلها…
فلتت مني ضحكة، كنت مدرك إنه مكنش مقتنع من جواه بالتبرير اللي أداه لنفسه عشان يديني الصندوق، أهي حجة يخلص بيها ضميره وهو متأكد إني أنا كمان كنت هتأ.ذي..
قلتله:
=أنا شاكرلك طبعًا إنك أكدتلي إني مش م.جنون وإن كل الناس اللي أخدوا الصندوق اتبهدلوا وإنه مل.عون، لكن أنت متدنيش الحل، هل أدي الصندوق لحد غيري ويتأذ.ي هو كمان ودايرة الأذ.ية تفضل مكملة ولا اتخلص منه بأي طريقة وده ممكن يخلي اللي جوه الصندوق يغض.ب ويبهدلني أكتر، مش بعيد يخلص عليا زي اللي ما.توا قبليا..
-أنا آسف..أ…
مخلتهوش يكمل، ابتسمت في وشه، كنت عايز أطمنه أني مقدر، لو في مكانه يمكن كنت عملت زيه، مفيش كتالوج للتعامل مع الحالات اللي زي دي!
لقيت “عمر” بيكلمني في نفس اليوم، قال إنه يعرف شيخ شاطر، بيتعامل مع حالات الج.ن والمس والحس.د وإن عنده قدرات خار.قة، شفاف وبيعالج المم.سوسين وإنه موجود في طنطا، قال كمان إنه هييجي بنفسه ويروح معايا للشيخ… أنا رفضت بشدة، قطعت راسي ورميتها، قلتله مبحبش شغل الدج.الين، ومش هلجأ لشيخ ولا حاخام ولا أيًا كان…
فتحت النور ونمت..
كنت فاكر إن بكده الدنيا تمام يعني…
المرة دي مكنتش بحلم، صحيت على حركة غريبة في أوضتي…
لمحت جسم لونه أصفر في مكان ما في الأوضة، ركبه كانت متنية في الاتجاه المعاكس، من ورا لقدام، كان عمال يتنطط في مكانه ويعمل صوت : “كركركركركر” من غير ما يقف ولو لحظة، وفضل مراقبني وهو مكمل، غمضت عيني تاني جامد وفضلت أقرا قرآن وبعدين فتحت ملقتهوش، هو ده، هو ده الكيان اللي ساكن الصندوق!
قبل ما النهار يطلع كلمت “عمر” زي الباشا وقلتله ييجي عشان نروح مع بعض للشيخ…
مرتحتش للشيخ من أول ما شفته، لكن أنا كنت يائس، جاب مية في طبق غويط، قطع عليه ورق، وقعد يقول شوية كلام عجيب، وبعدين قال لي أغمض عيني…
في اللحظة دي طرت من المكان، مستحملتش أعمل كده، مش كمان هغضب ربنا…
“عمر” جري ورايا، حاول يرجعني لكن أنا رفضت…
روح معايا البيت، فجأة حسيت إني مهدود، كإن حد ضر.بني عل.قة، استأذنته ودخلت أوضتي أنام…
فتحت عيني لقيتني لسه هناك، عند الشيخ!
قال لي:
-غمض عينك..
غمضت، المحيط حواليا اتبدل، كنت في بيت غريب معرفوش، سمعت بنتين بيضحكوا، ضحكاتهم بترج في الأركان، وبعد ما كان صوت بس من غير صورة، اتشكلوا قدامي، بنتين في سن المراهقة، الكبيرة فيهم عندها 15 سنة بالكتير، شقرة، والتانية شعرها بني…
الكبيرة قالت للصغيرة:
-متأكدة؟ قلبك جامد؟
-ا…أيوه…طبعًا، أنا مش صغيرة.
بعدها الكبيرة فردت ورقة، قربت أنا منها لقيت جواها حروف وأرقام، البنت طلعت من جيب الفستان اللي كانت لابساه عملة، تعريفة، وحطيتها على الورقة…
قالت لأختها الصغيرة بنبرة حماس…
-بصي يا ستي، هنمسك التعريفة، ونفضل مثبتينها كده، ونقول أي كلام زي “لو في روح هنا، إدينا إشارة”، ونشوف ممكن التعريقة تتحرك..
الصغيرة شالت إيد الكبيرة من على التعريفة وقالت:
-أنا اللي همسكها..
كان باين عليها جدًا الخ.وف، وإنها بس بتحاول تعمل شجاعة…الاتنين بدأوا يتكلموا بصوت عالي، قالوا “لو في حد هنا إدينا إشارة…احنا عايزين نتواصل معاك”..
الكبيرة زقت صباع أختها شوية وحطت صوباعها، وبكده الاتنين صوابعهم بقت متثبتة على التعريفة، الوضع فضل ساكن لأكتر من دقيقة وبعدين…
العملة اتحركت بطريقة ج.نونية على الورقة، الصغيرة جالها زي ن.وبة ربو وص.رخت في الكبيرة…
-بطلي يا “إستر”، بطلي…
“إستر” رفعت راسها وبصت لأختها وقالت في هلع:
-مش أنا، مش أنا اللي بحركها..
اللقطة خلصت واتنقلت لمشهد تاني، “ساره”، الأخت الصغيرة كانت قعدة على سريرها، سانده على الخشبة وبت.صرخ بصوت رهيب كإنها بتتعرض له.جوم، على طرف السرير كان في حاجة واقفة…
شي.طان لونه اصفر ركبه متنية بالعكس، بيطلع صوت بشع “كركركركركر”.
روحت لمشهد تاني، الأم كانت لوحدها في البيت، مشغولة في الطبيخ، سمعت صوت وراها، اتلفتت لقت حلة وقعت عالأرض، وطت تجيبها وقبل ما تطلع، السكاكين والشوك وقعوا من النملية، مع إنها المفروض كانت مقفولة وبعدين دي متثبتة على ارتفاع!
الأم قلقت، وطت تجيب الحاجة، وقتها الأطباق طارت من المطبقية ووقعت عالأرض، وبعدها الحاجة في البيت كلها بقت تقع وتتكسر، كإن في زل.زال…
فضلت تجري، حاولت توصل للباب وتفتحه وتهرب، لكن النجفة وقعت على دماغها وأغم عليها…
بعد الحاد.ثة دي، الأب جاب حا.خام، اللي هو رجل الدين بتاع الي.هود، البنات انه.اروا قدامه وحكوا على كل حاجة، أصلهم كانوا مخبيين على أبوهم وأمهم إنهم هم السبب في الظواهر الغريبة، هم اللي حضروا الش.يطان…
الحا.خام قال إن الكيان ده “دي.بوك”، وهو وفقًا للثقافة اليه.ودية كيان مظ.لم، طايف، ملوش شكل مادي ودايمًا بيسعى إن ده يتغير، يكون ليه جسم يسكنه عشان يقدر يتحكم ويبقى مسموع ومرئي، وإنهم بعد ما حضروه، بيحاول يسكن جسم حد منهم، حد من البيت، عشان كده لازم الكيان يتحبس، وأهو ياخد الشكل المادي اللي عايزه لكن ميبقاش إنسان…
لف براسه ولمح صندوق شكله مميز وقرر إنه هو ده اللي هيحبس فيه الديب.وك، قص خصل من شعر “إستر” وخصل من شعر “ساره” وكتب جملة على ورقة بيضة ولزقها جوه الصندوق وحط الخصل فيه، وقال لهم يسيبوه في أوضة مع الصندوق لوحده، اتصنتوا عليه طبعًا، صوته كان مر.عب، قال طلاسم وكلام مش مفهوم، ومع صوته تداخل صوت تاني، صوت الكيان الأصفر اللي “ساره” شافته، دوشة رهيبة، كإن في معركة جوه، أصواتهم مع صوت رياح جامدة، وفي الآخر الأصوات كلها سكتت، الباب اتفتح، والحا.خام طلع وهو شايل الصندوق، قال لهم:
-الصندوق ده تشيلوه في مكان محدش يوصل له، لازم تكونوا حريصين إن محدش يفتح أو حتى يحط إيده عليه، وللأسف عشان تضمنوا ده لازم برضه يكون تحت نظركم طول الوقت، يمعنى يا تشيلوه في مكان أنتوا عارفينه وتقدروا توصلوله، ومن وقت للتاني تتأكدوا إنه لسه موجود، يأما مكان ما تروحوا تاخدوه معاكم وتقفلوا بقى عليه خزنة أو أوضة أو تدف.نوه، من الآخر من هنا ورايح أنتوا أمين الصندوق، هيبقى مسؤوليتكم عشان محدش يتأ.ذي…
“إستر” ردت وهي بتنهج:
-لأ، أنا أمين الصندوق، أنا اللي حضرت العف.ريت وأنا اللي هصرفه، هيبقى مسؤوليتي لوحدي، “صندوق الدي.بوك” بتاعي أنا وبس…
كلهم حركوا راسهم من فوق لتحت، بمعنى موافقين…
“إستر” المراهقة وقتها رفعت راسها كإنها انتبهت لوجودي، قربت مني والمشهد من حواليها ثابت وقالت:
-سمعت؟ إدف.ن الصندوق يا “زين”، ادف.نه في مكان تقدر توصل له، أنت الأمين دلوقتي، أنت أمين الصندوق…
فتحت عيني على آخرها، طلعت من الأوضة وندهت على “عمر”… قلتله:
=هندف.ن الصندوق في مكان محدش يوصل له…
-مش بقولك شيخ مبروك.
=مبروك مين، هو ماله الشيخ، أنا شفت ده في حلم، ما أنا اصلي راحت عليا نومة.
-مهو اللي عمله هو اللي خلاك تحلم، حتى بعد ما اتقمصت ومشيت من عنده.
=ما علينا من الكلام اللي يح.رق الد.م ده، عايزين ند.فنه.
-إستنى، أنا عندي المكان، بيت مهجور بتاع واحد قريبي في محافظة تانية ربنا فتح عليه من زمان وبقى رجل أعمال وقافل البيت من سنين، هات الصندوق واطلع أنت من الموضوع.
وده اللي عملته، إديته الصندوق، وخلصت منه ومن ش.ره…
صحيح الأحلام فضلت مستمرة شوية وقت بعدها لكن في الآخر كل حاجة رجعت لطبيعتها…
وفاتت أربع سنين…
هي مرة واحدة اللي روحت فيها مرسى مطروح وأنا طفل عشان كده كنت متحمس جدًا للرحلة دي، طلعت مع واحد صاحبي، اللي أنا كنت عايزه هو إني أقضي وقت هادي، تبقى رحلة استرخاء، هو بقى كان ليه رأي تاني، عايز يعمل حاجة جديدة، مختلفة، ولقيته بيقول لي على متحف لسه فاتح، واحنا هنبقى من ضمن الدفعة الأولى اللي هتزوره، المتحف كان بيعرض حاجات بتحكي عن قصص حقيقية، قصص رع.ب، زي غرض من مسرح جري.مة، صالات فيها مفارش أو دواليب كانت موجودة في مكان مس.كون، كلام من ده، الصراحة أنا مكنتش مقتنع، كنت شايف إن ده نص.ب، أكيد الحاجات مكنتش حقيقية، يعني يجيبلك أي مراية ويقولك مسك.ونة و مش عارف اللي مين بصلها واتج.نن، أهو أي كلام،…
أول ما دخلنا الموظفين وقفونا، خلونا نمضي على إخلاء مكتوب فيه:
“المتحف مش مسؤول عن أي حاجة ممكن تحصل أثناء التواجد فيه، بداية من نوبات الف.زع والإصا.بات مهما بلغت وفقدان الوعي والوف.اة”
مش عارف ليه ارتجفت لما شفت الورقة واللي مكتوب فيها، مش بس عشان الكلام، حسيت بأجواء مش مريحة، كإني دخلت في منطقة محظو.رة، بعدها لمحت صورة على الحيطة، صورة لحاجة من ضمن معروضات المتحف…”صندوق الدي.بوك”! فجأة شريط الذكريات اشتغل، أنا غلطت! مسمعتش الكلام، منفذتش اللي إستر قالتلي عليه، المفروض انا بنفسي اللي كنت أدفن الصندوق وطول الوقت أبقى عارف مكانه عشان أضمن إنه ميطلعش، أكيد قريب “عمر” رجع البيت ولقى الصندوق و…هو، أكيد واحد من اللي انشأوا المتحف، راح لبيته وشاف الصندوق وقرر يحطه ما بين المعروضات ، أنا السبب، أنا السبب…
كان في صورة تانية للصندوق وهو مفتوح، باين فيها الورقة اللي مكتوب عليها “شالوم”..
بصيت للصورة وانا بضحك بسخرية وعارف إني داخل على مصي.بة وقلت:
“شالوم يا روح أمك!”
“تمت”