قصص

قصه الرحلة

واحنا جوه الدايرة مش بنشوف الحقيقة كاملة، سامي كان محتاج فرصة واحدة بس، فرصة واحدة كانت هتغير مجرى الأحداث دي كلها، ده على حسب كلام ناهد مراته، وبقول على حسب لأن ماينفعش أحكم على قصة سمعتها من طرف واحد، ده مبدأ أنا ماشية بيه.
**************
كان لازم أنزل الجريدة، عشان أسلم الشغل الجديد اللي معايا، وأقبض مرتبي، علي الأقل أدّي لماما الفلوس اللي أنا سالفاها منها وذلاني بيها، الناس اللي بتتابعني كلها عارفة إني باكون موجودة في الجريدة سبت وتلات وخميس، وبقية الأسبوع كالعادة يا إما في دار النشر أو باعمل تحقيق، فطرت وطلبت أوبر كالعادة ونزلت.
وصلت الشغل وسلمت التقارير بتاعتي الحمد لله واتوافق عليها، قبل ما أخرج من مكتب مدير التحرير، وأنا رايحة أقبض عم صلاح وقفني، قالي…
– أستاذة نور، فيه واحدة بقالها كام يوم بتيجي تسأل عليكي، وأنا قلتلها تجيلك النهاردة وأمنتني إني ماخليكيش تمشي إلا أما تيجي، استنيها ينوبك ثواب.
– ماقالتش عايزة إيه؟
ضحك عم صلاح، وقالي…
هتكون عايزاكي في إيه يا ست الأستاذة، هو أنتِ حد بيدوّر عليكي غير بتوع العفاريت.
قلتله بنفاذ صبر…
– هتبقى أنت وماما يا عم صلاح!
وشه اتخطف وفكر إني بتكلم بجد، بان عليه التوتر وصوته كان مهزوز، وهو بيقول…
– ماقصدش حاجة والله يا أستاذة، أنتِ عارفة إني بعزك، وإنك في مقام بنتي.
– بهزر معاك يا عم، ده إيه ده أنت مابتهزرش، أنا هادخل أقبض وأستنى الست دي لما نشوف حكايتها إيه..
************* *
فضلت ساعة ونص أتلكع، من مكتب للتاني، وأرخم على زمايلي وأرازي فيهم، وأنا خارجة من المكتب، لفت نظري الست اللي كانت واقفة مع عم صلاح، شكلها يدّي ٣٥ سنة تقريبًا، شيك أوي في نفسها، ووقفتها وأسلوبها معاه بيبين إنها شخصية مختلفة عن اللي بنشوفهم كل يوم، أول ما لمحني شاور لها عليا وقالها…. _أستاذة نور أهي..
بصت عليا وشالت النضارة من على عينيها فبان وشها، خدت كام خطوة لحد ما قربت مني وبقى فيه مسافة متر بينا تقريبًا، مدت إيدها وقالتلي…
– ازيك، أنا سمعت عنك كتير؟
– أهلًا بحضرتك، يا رب يكون سمع خير.
– أكيد خير، ممكن آخد من وقتك نص ساعة؟
– اتفضلي.
– مش هنا، ممكن نشرب قهوة في أي مكان بعيد عن شغلك؟
– أكيد، يلا بينا.
كنت بقول بيني وبين نفسي، هو أنا حد باصص لي في القبض عشان ينكتب عليا أخرج وأفرتكه كده من أولها..
*********
لما نزلنا من الجريدة، شاورت على عربية من نوع كيا سيراتو وقالت… دي عربيتي، تعالي نركب ونروح كافيه…. هو قريب من هنا، قلتلها تمام بس كنت مستغربة هي إزاي حافظة المنطقة، وخمنت إنها منها، وصلنا الكافيه وقعدنا وكل واحد طلب حاجة يشربها، قربت من الترابيزة وشبكت إيديها وقالت…
– شوفي، أنا مش هاكدب عليكي، عشان أكسب عطفك، أو أخليكي توافقي تيجي معايا، أنا من شهرين ماكنتش أعرف عنك حاجة، بس يمكن اللي حصل لجوزي، وكلام أختي عنك لما طلبت مني إني ألجأ ليكي شجعني إني أتابعك وأقرأ التحقيقات والمقالات اللي أنتِ بتكتبيها، ولما حسيت إن خلاص سامي بيضيع مني جيتلك وماترددتش؛ لأن اللي قريته عنك خلاني أبقى مطمنة وأنا جيالك.
– سامي ده جوزك؟
– آه، هحكيلك من البداية….
أنا وسامي اتجوزنا من ٧ سنين وكام شهر، كان وقتها عندي بتاع ٢٧ سنة، حاليًا أنا خلصت ٣٤ وماشية في ٣٥، كانت قصة حب أفلاطونية كده في نفسها، زي بتوع المسلسلات والأفلام كده، ربنا رزقنا بلوجين وقررنا نكتفي بيها، عشان نقدر نراعيها كويس وعشان ظروف شغل كل واحد فينا، أصل أنا شغّالة مضيفة جوية وسامي مرشد سياحي، أنا وهو جيران من ابتدائي أصلًا، كنت شايفاه دايمًا أمان وسند، عمري ما شكيت فيه ولا خوّنته، لكن من أول ما رجع من….. وهو حاله متشقلب، مش ده جوزي، ولا ده أسلوبه اللي اتعودت عليه، بقى عصبي جدًا، مش بيطيق يقعد معانا، بيعاملنا وحش، بيتلكك عشان يسيب البيت، بيتعارك معايا على أتفه سبب، ولما تجنبته وسبتله الأوضة، وقررت أنام مع لوجين، مافرقش معاه خالص..
مش جوازي بس اللي باظ، دي حياتي اتدمرت.
بصيت لها وأنا مستعجبة بصراحة، ولقيت نفسي بقولها..
– أنا إيه علاقتي بده كله؟ أنا بتاعة عفاريت مش مشاكل أسرية!
– اسمحيلي أكمل كلام؟
– اتفضلي.
سامي سافر بلدهم من شهر ونص وأخباره انقطعت عننا، مابيردش على مكالماتي ولا بيرضى يفتحلي لما أروح أزوره، بس قبل ما يمشي بأسبوع سمعت مكالمة تليفون ليه، كان بيكلم مراد صاحبه اللي كان معاه في نفس السفرية، وبعدها بدأت أركز معاه في اللي بيحصله…
اتكلم بخوف، صوته كان مبحوح، وباين عليه العياط قاله..
– مش راضية تسيبني يا محمد، في البداية كانت بتظهر لي في أحلامي وكان شكلها حلو أوي، كنت باصحى من النوم مبسوط ومرتاح لما بشوفها، حتى لما بدأت أشوفها في الشارع والنادي، كانت موجودة حواليا بشوفها زي ما باشوف لوجين وناهد، عشان كده حسيت بالذنب لما جت تتعرف عليا، وحاولت أصدها بس ماقدرتش عينيها سحر، مع الوقت حسيت إني باتحول لراجل وحش وخاين في عيون نفسي قبل عيون اللي حواليا.
قررت أبعد، بطلت أرد على مكالماتها، واتفاديت إني أخرج! لحد ما في يوم كانت ناهد مسافرة وأنا قاعد مع لوجين في البيت، جرس الباب رن، لوجين جريت تفتح وبعد ثواني رجعت وهي معاها شوكولاتة، وقالتلي: بابي، فيه واحدة طنط عايزاك بره، ساعتها استغربت مين دي اللي هتعوزني.
كنت لسه هاقوم من مكاني لقيتها داخلة الشقة وواقفة قدامي، بصيت للوجين اللي سابت الباب مفتوح وراها، واتعصبت عليها وقلتلها: على أوضتك، وهي قعدت بكل برود على الكنبة، وحطت رجل علي رجل وقالتلي: روح اقفل الباب يا سامي، وتعالى.
مشيت وأنا كاره اليوم اللي عرفتها فيه! وكنت مستغرب هي إزاي عرفت عنوان بيتي!
رجعت، كانت لسة قاعدة، بصتلي وقالتلي: مش هتعملي حاجة أشربها، قعدت قدامها وسألتها إيه اللي جايبها وإزاي تتجرأ وتجيلي البيت، وهي عارفة إني راجل متجوز!
بس اتفاجئت إنها عارفة إن مراتي مسافرة مش هنا، وإنها قدرت توصل لعنوان البيت من شغلي، ماكنتش طايق أشوف وشها، كنت حاسس إني باتخنق، حاولت بالذوق أفهمها إن احنا ماكنش بينا حاجة، وإن الموضوع كله كان انجذاب وانتهى.
بس الظاهر إن هي كانت واخدة الموضوع جد لدرجة إنها هددتني إنها هتقول لمراتي، ماعرفش أنا جبت الشجاعة اللي اتحديتها بيها منين، وقلتلها إنها مهما عملت مش هاسيب مراتي، ولا هاكون معاها! ضحكت ضحكة باردة، وقالتلي: هنشوف، ومشيت ورزعت الباب وراها.
رحلة ناهد اتأخرت ولوجين تعبت مني وأنا ماكنتش عارف اتصرف، لحد ما اتفاجئت بيها على الباب بتقولي إنها حاسة إني محتاجها، ماكنتش ناقص مناهدة ووجع دماغ، أنا بنتي بتموت!
سبتها علي الباب وواربته في وشها ودخلت لبنتي، بس بعد ثواني لقيتها واقفة ورايا، اتفزعت والشوربة السخنة وقعت عليا، استغربت إزاي دخلت وأنا قافل الباب، فقالت لي إنها صدته برجلها وماتقفلش.
حاولت أفهّمها إن مفيش أمل فيه حاجة بينا، عرضت عليا تساعدني إني آخد بالي من لوجين اليومين دول لحد ما تخف وبعدين نتكلم، لكني رفضت وفتحت الباب وطردتها، بس قبل ما أقفل الباب قالتلي، هتندم ماحدش يقفل في وشي بابه، أنا اخترتك ويا تبقي ليا يا هتموت، مافرقش معايا حاجة في حياتي ولا خفت في مرة قد ما خفت من ملامح وشها الجميلة وهي بتتحول، عينيها كانت بتوسع بطريقة غريبة، وشعرها كان بيطول، ضوافرها بقت كبيرة أوي شبه المخالب، ووشها بان عليه العجز والتجاعيد كانت مالياه، أما عينيها فكانت كلها لونها أسود! قفلت الباب وقعدت وراه، كانت بتخبّط عليه وهي بتقول هتروح مني فين، آديك شفت وشي الحقيقي، مش هاسيبك تتهني في يوم، كنت خايف وباترعش زي طفل صغير، ماكنتش عارف مين دي ولا هي إزاي بقت من واحدة جميلة للشكل ده، قلبي كان هيقف من كتر الخوف.
حاولت أتماسك لما صوت الخبط وقف، وقفلت الباب بالترباس، وجريت على أوضة لوجين، أخدتها في حضني وفضلت صاحي أعملها كمادات، كان فيه صوت خطوات في الصالة طول الليل مع إن ماحدش في الشقة غيري أنا ولوجين اللي نايمة قدامي بتخرّف.
ماعرفش الليلة دي عدت إزاي، بس الصبح فقت على إيد بتهزني، فقمت مفزوع ولوجين فاقت على خضتي، لقينا ناهد قدامنا ومعاها شنطتها، أول ما عرفت إن لوجين تعبانة بدلت مع صاحبتها ورجعت في أقرب رحلة، اترميت في حضن ناهد زي الطفل وقعدت أعيط، هي كانت فاكرة إني بعيط من خوفي على البنت بس أنا كنت باعيط من خوفي من التجربة اللي عشتها، كان فيه صوت جوايا بيقولي إنها مش هتسيبني واللي جاي هيبقى أسوأ.
كل ما أبص في وش ناهد، كنت باشوف وشها مش وش ناهد، وكنت باسمع صوتها مش صوت ناهد، اتجنبت ناهد وده أثّر في علاقتنا، هي كمان حسيت إن حبها ليا قل، مابقتش بتتحملني، سابت أوضتنا وراحت قعدت مع لوجين وبقت تنام معاها وسابتني لوحدي، أو بمعنى أصح سابتني ليها.
أول ما كنت بادخل السرير، كنت بالمح خيالات حواليا في الأوضة، وصوت نبش على الحيطان وخبط على باب الأوضة، كنت باسكت وأشد الغطا عليا وأحاول أنام، لحد ما أسمع صوت الخطوات اللي برة قدام الأوضة، دي مش خطوات بني آدم، لا ده صوت حوافر حيوان بيخبط في الأرض، كان ليلي كل يوم بينتهي بصوت ضحكها المخيف، تخيل بقى راجل زيي بينام كل يوم ودمعته على خده من القهر، أنا رحت لكذا شيخ بس كلهم حاولوا وفشلوا، ماحدش عرف يصرفها ولا يبعدها عني، راجل متعلم زيي كان بيمشي بأحجبة عشان يخلص من عذابه، وفي كل مرة كان صوت ضحكها بيخرم وداني، وكأنها بتأكد لي إنها لعنة مستمرة مش هتنتهي، بدأت أحس إنها ممكن تؤذي مراتي لما عملت حادثة وربنا نجاها، وبنتي اللي بتشتكي من القط الأسود اللي قاعد في مدخل العمارة، هي بتستعملهم كارت تضغط عليا بيه، وأنا واصل لمرحلة مش عارف أعمل فيها إيه، خايف ومرعوب عليهم وعلى نفسي، مش عايزهم يتأذوا بسببي وفي نفس الوقت مفيش قدامي حل تاني، أنا زي اللي في مركب مخرومة، عارف إنه هيغرق، مفيش مفر.
بس برده كنت مكمل، عشان مفيش بإيدي رفاهية إني أخرج من اللي أنا فيه بسلام، أنا مش عارف أعمل إيه يا صاحبي، حكيتلك عشان ماليش غيرك، حاول تساعدني..
******
قفل معاه المكالمة، كنت عايزة أدخل آخده في حضني وأطمنه إني جنبه ومش هاسيبه، بس خفت، آه خفت منها لو قربت منه تؤذيه وتؤذيني، يمكن ماكنش صدفة إني أسمع المكالمة دي، وهي السبب عشان أعرف بوجودها.
أسبوع كامل فضل سامي في أوضته مش بيخرج يقعد معانا، إلا مرات قليلة في وقت الغدا لما كانت لوجين تزنّ عليه، عينيه كانت بتبقى كلها حزن، قلق، توتر وخوف، كنت حاسة بالعجز، لأني مش قادرة أساعده.
بالليل كنت باسمعه رايح جاي في الأوضة وبيتكلم مع صاحبه، وكنت بامنع نفسي إني أدخل عنده عشان ماتعصبش، كنت باكتفي إني أدعيله إن ربنا يخرّجه من اللي هو فيه وأنا باصلي الفجر وباقول يا رب فك كربه، وابعد عنه أي شر.
قبل ما يسافر بيومين بالظبط، بنت خالتي قالتلي إن أكيد جوزي معمول ليه حاجة، وطلبت مني حاجة من هدومه وأخدتني ورحنا لواحد من اللي بيقيسوا الأتر، وهناك حكيتله كل اللي حصل، بنت خالتي ما كنتش تعرف كل حاجة بالتفصيل، بس في القعدة دي عرفت..
الراجل ده أخد تيشرت سامي ورماه في النار اللي كانت قدامه، وهو عمال يتطوح ويردد كلام غريب أول مرة أسمعه، ولما التيشرت اتحرق على الآخر طلب مني أقرّب من النار عشان أشوف اللي عاملة له العمل، كان فيه فعلًا ملامح بنت قدامي في النار، هي مش صورة بالألوان بس آه كانت ملامح بنت.
طلب مني مبلغ كبير تحت الحساب، وشوية طلبات كده غريبة كان كاتبهالي في ورقة: ” راس ضبع وجلد أفعى وشمع أسود وترياق البلا الأحمر”..
أنا ماعرفتش الحاجات دي بتتباع فين، ودخت عليها ماوصلتش لحاجة، بس بعد يومين بالظبط سامي أخد شنطته ومشي وساب البيت، ماعرفش هو عرف منها إني رحت للراجل اللي بيقيس الأتر ده ولا لا، بس مفيش سبب تاني يخليه يمشي من البيت كده، فضلت أدوّر عليه، ماسبتش حد قريبنا إلا لما كلمته وسألته عنه، لحد ما أخته كلمتني وقالتلي إنه راح بيتهم القديم في البلد، حد من الجيران بلغها إن فيه حد في البيت ولما راح خبّط سامي اللي فتحله، فكلمتني تبلغني بمكانه وتطمني.
لما أختي اللي بتدرس برة رجعت من السفر جت قعدت عندي أسبوعين، ولاحظت إن فيه حاجة غلط، سرحاني وتوهاني ونزولي الكتير، ورجوعي مرهقة.
حكيتلها اللي حصل وقلتلها إني بالف على طلبات الراجل ومش لاقياها، فضحكت كده عليا وقالتلي: يا بنتي بطلي هبل، ده دجال، هتمشي ورا دجال يا متعلمة، قلتلها بقلة حيلة: أنا تعبت وبيتي بيتهد..
فمسكت إيدي وقالتلي: عيب انتِ مؤمنة وبتصلي يا ناهد، خليكي واثقة في ربنا، اتفتحت في العياط، أخدتني في حضنها لحد ما نمت، والصبح لقيتها بتحكيلي عنك وبتوريني شغلك، كنت خايفة تطلبي مني طلبات زي الراجل إياه، فاترددت إني ألجأ ليكي، وأكلمك.
أخدت من أخت سامي عنوان بيتهم القديم، وماوافقتش آخده غير بعد تحقيق مفصل، مارضيتش أقلقها على أخوها، فقلتلها: إننا متخانقين على السفر والشغل وكده، فأنا هاروح أراضيه وأحاول أرجّعه معايا.
الغرقان بيتعلق في قشاية، عشان كده كلمت ناس صحابي واديتهم أسامي الطلبات اللي الراجل عاوزها، والله يسامحني بقى قلت إنها لواحدة قريبتي..
ماكنش قصدي أكدب، بس مش هاخلص من كلامهم لو عرفوا إن الطلبات دي ليا، هما هيعرفوا يجيبوها من بره.
أخدت أجازة مفتوحة من آخر رحلة لحد ما أشوف الدوامة اللي أنا فيها هترسى على إيه.
رحت يا نور البلد اللي فيها البيت، بلد أرياف بعيدة عننا ب ٢٠٠ كيلو تقريبًا، وصلت للبيت بأعجوبة، كانت بيت قديم أنتيكة في وسط البيوت اللي مبنية جديد حواليه، كنت واقفة قدام البيت، الدموع بتفِر من عينيا، معقول سامي العتال، اللي شركات السياحة كانت بتقطع نفسها عليه يقعد في بيت زي ده، ويبقي ده وضعه!
كان صعبان عليا أوي!
في وسط كل اللي بيمر بيه قرر كمان يبعد عننا، خبطت على الباب ماكنش فيه جرس، فضلت بتاع ٥ دقايق أخبط، لحد ما سمعت صوت خطوات جنب الباب فسكتّ وفجأة الباب اتفتح، ما كنتش مستوعبة مين ده؟!
سامي من امتى كان مبهدل كده، دقنه طويلة أوي أو يمكن عشان أنا ماتعودتش أشوفه كده مستغربة، وهدومه مبهدلة ومبقّعة وشعره كان طويل، معقولة أسبوع يغيّر بني آدم كده، ده مش تغيير ده اتبدل، أول ما شافني غمض عينيه وأخد نفس جامد وقفل الباب في وشي، وقالي من ورا الباب: امشي وماتجيش هنا تاني لو سمحتي، كنت باعيط بحرقة على اللي وصلنا ليه، قلتله:
_احنا مالناش غيرك يا سامي، ليه بتعمل كده؟ ارجع معايا وكل حاجة هتتظبط، صرخ عليا وقالي: امشي، كلها كام ساعة والليل هيدخل ومش هتعرفي تروحي، اترجيته كتير لكن هو كان مشي من ورا الباب وسابني.
أخدت نفسي ومشيت، روّحت البيت حبست نفسي في أوضتنا وعيّطت كتير، لحد أختي ولوحين ما رجعوا من برة، لوجين كانت فاكرة إني هاجيب باباها معايا، إزاي هاقولها إني خذلتها، قلتلها إنه عنده شغل ولما يخلّص هييجي، وهي صدقت والموضوع اتقفل مؤقتًا.
عدى أسبوع كمان، ورجعت لوجين تسأل على معاد رجوع سامي، وتلح عليا وتقولي: أنا حلمت ببابا يا ماما إنه تايه، ومش عارف يرجع البيت، أرجوكي خديني ليه، هاطمن عليه ومش هاعطله ونرجع..
كانت صعبانة عليا هي كمان، أصلها متعلقة بباباها أوي، فكرت آخدها وأروحله بس مش عارفة هيبقي إيه رد فعله لما يشوفها، هيرضى يدّخلنا ويتعامل عادي عشانها، ولا مش هيفتح لنا أصلًا، ولا هيطردني تاني ويزعل إني جبتها المكان ده، طيب يا ترى هي هتتقبل الوضع، هتعمل إيه لما تشوف شكله كده والمكان اللي قاعد فيه، أكيد أسئلتها هتكتر ومش هالاقي لها إجابة، ماكنتش عارفة آخد قرار، أصل حاجة زي دي كانت هتعكّ علينا كلنا، صليت استخارة قبل ما أنام، وأخدت لوجين في حضني ونمنا.
صحيت الصبح على تليفون من شغل سامي، طالبين منه يقطع الأجازة ويرجع بس مش عارفين يوصلوا له، فاتصلوا على تليفون البيت، حمدت ربنا وخدتها على إنها إشارة منه، وقررت أتوكل على الله وآخد لوجين ونروح.
كانت طول الطريق بتسأل: احنا فين؟ وليه باباها في المكان البعيد ده؟ ماكنتش عارفة هي هتعمل إيه أصلًا لما تشوفه..
وصلنا البلد ولوجين كانت متمسكة بإيدي، أول مرة أشوفها خايفة من الناس كده، يمكن عشان مانزلتش أرياف ولا شافت الطبقة دي من الناس قبل كده.
وصلنا البيت وشاورت لها عليه، كنا تقريبًا بعد العصر، طلبت منها تروح تخبّط هي على الباب، فضلت تخبّط كتير وتنده ماحدش رد، حسيت بصدمة، هو مش مقدّر بنته للدرجة دي ولا مش عاوز يخضّها بشكله، فتحت شنطتي وطلعت ورقة كتبتله فيها…
” لوجين مالهاش ذنب، هي محتاجة باباها جنبها، ارحمها دي طفلة، ارجع يا سامي احنا هنمشي، وهنستناك في البيت”.
وزقيتها من تحت عقب الباب واتأكدت إنها دخلت، أقنعت لوجين إننا لازم نمشي، وهنرجع تاني في أقرب فرصة عشان نشوفه.
اتحركنا والمغرب كانت قرّبت تأذّن، والدنيا بدأت تضلم، كان منظر كل حاجة في البلد هادي، الناس رجلها خفت من الشوارع، والبيوت اتقفلت، عرفت سامي قالي المرة اللي فاتت روحي له، هو كان خايف عليا، يبقى لسه بيحبني.
وصلنا البيت الساعة ١١ ونص من تعب الطريق، لوجين كانت نامت، دخّلتها سريرها وغطيتها وقعدت جنبها مش عارفة أعمل إيه؟
بس أنا أخدت قرار أسيبها لله وهو هيدبرها.
عدت الأيام وهو ماتكلمش ومارجعش، شهر ونص مانعرفش عنه حاجة، عارفة أنا جيت على كرامتي ورحت بعد كده كذا مرة، بس كنت باخبط لما قلبي يتقطع وإيديا توجعني من الخبط، وبعد كل ده مابيردش.
– طيب أنتِ مش خايفة يكون جراله حاجة جوة من غير ما حد يعرف؟
– فكرت في كده وسألت بتاع الدكان اللي جنب بيتهم، فقالي إنه بيشوفه لما بيخرج كل يوم، بس مايعرفش بيرجع امتى، قررت ألجأ لك عشان تعبت وماعادش عندي طاقة أكمل، ومش عارفة مفروض أعمل إيه، أنا عايزة أنقذه وجيّالك عشان تساعديني.
قلبي وجعني أوي من اللي حكيته، الموضوع كان باين ليا من البداية، إنه جنية عاشقاه ومش هتسيبه، بس هاقولها كده إزاي، أخدت نفس وقلتلها…..
– تقدري تيجي معايا امتى البلد اللي هو فيها دي؟
– بكرة لو تحبي.
– تمام هاتي رقمك، ونتقابل بكرة.
مدام ناهد طلعت ذوق أوي، رفضت إني أدفع الشيك وأصرت توصلني لحد البيت، مش بخل مني والله بس كوبايتين القهوة دول كانوا ب ٤٥٠ جنيه، ربع المرتب كان هيطير فيهم.
********
أول ما دخلت من باب البيت، اديت لماما فلوسها، ودخلت أوضتي أجهز لبكرة، شنطة كده على الضهر صغيرة، لميت فيها كل الحاجات اللي ممكن أحتاجها، وركنتها على جنب وحطيت موبايلي على الشاحن ودخلت المطبخ، كانت ماما غرفت الأكل، قعدنا ندردش واحنا بناكل وعرفتها إني مسافرة بكرة الفجر.
سابت المعلقة وكشرت وقالتلي بغضب: هو خلاص، كل حياتك بقت سفر وشغل، ماليش حق أقعد معاكي.
غمضت عينيا، أنا عارفة إن معاها حق أوقات كتير، الحاجات اللي بنحبها بتاخد وقت أكبر من وقتها، وده بييجي على الناس اللي في حياتنا، اعتذرت لها ووعدتها إني لما أرجع هاخدها ونخرج نتفسح ونسافر اسكندرية كام يوم نغيّر جو.
الليلة دي كانت طويلة أوي عليا، مش عارفة عقارب الساعة اللي بتجري دايمًا ليه المرة دي ماشية ببطء، حاولت أنام لكن ماعرفتش، فقررت أقوم أعمل قهوة، أخدتها وقعدت في البلكونة، وبدأت أفكر، هاساعد سامي وناهد إزاي؟
كل حاجة بتقول إن معاه جنية عاشقة، هو كان بيقاومها، يا ترى لسه ثابت ولا استسلم لها؟
أسئلة كتير كانت هتفرتك دماغي..
دخلت أوضتي واترميت على السرير، وفتحت اللاب على الموشح الأندلسي اللي بحبه ” سَلبَ النّومَ خَيالٌ مَر بي”..
حاولت أفصل وأصفي ذهني؛ عشان يبقي عندي طاقة للي جاي، الساعة كانت داخلة على واحدة ونص، مش عارفة بالظبط أنا نمت امتي، بس صحيت على رنة المنبه، كنت مبسوطة إني نمت حتى لو ساعة.
اتوضيت وصليت ولبست واطمنت على ماما وأخدت شنطتي ونزلت، كانت ناهد مستنياني تحت البيت بعربيتها، قالتلي أنا أول مرة أروح بيها عشان احنا بدري ومش هنلاقي مواصلات ف بلاش نتبهدل.
الطريق كان طويل وممل، هي
ماكدبتش لما قالت إنه مشوار مقرف، وتخيلوا بقى لما واحدة زيي واخدة على التنطيط والسفر تقول مقرف يبقي إيه.
وصلنا بعد كام ساعة وبدأنا ندخل في شوارع لحد ما وقفنا قدام بيت من دورين، كان باين قديم أوي، عارف بيوت العمد اللي بيتقال عليها دوار؟
كانت شبه كده، حاجة كده بعيدة في الشكل عن البيوت اللي جنبها…
طلبت منها تفضل في العربية وأنا هانزل أخبط، يمكن لو شافها معايا مايفتحلهاش، بس الحقيقة هو أصلًا ماعبّرنيش، خبطت كتير لدرجة إني كان هاين عليا أكسر الباب، أنا مش حد بارد بس بدأت أقلق فعلًا عليه.
عدّيت على الدكان اللي جنب البيت واشتريت منه شيبسي وكده، وفي وسط الكلام سألته على البيت وصحابه، ورميت له كلمتين إني عاوزة أشتري البيت ده وكده، فشد لي كرسي عشان أقعد ونتكلم، وطلب من اللي شغال معاه في الدكان يعمل شاي، قعد قدامي وقالي:
“بصي يا ست الكل، البيت ده بتاع ورثة، ماكنش حد بييجي عليه ولا بيبصله، بس من شهر ونص أو شهرين جه ابن صاحب البيت وقعد فيه، سألته إن كان لسه فيه ولا لا، فأكد ليا إنه موجود فيه بس بيخرج من العصر وبيرجع متأخر أوي في الليل، بس هو بعد ما خلص سكت، أنا عارفة النظرات دي، فيه حاجة هو عارفها ومتردد فيها، فقلتله هو إيه هيخلي واحد يعيش في بيت بالشكل ده!
بص في الأرض وقالي…
يمكن عشان من ريحة أهله، هو الراجل عزّل من بعد موت مراته، أخد عياله وساب البلد، على فكرة ابنه اللي في البيت ده متعلم وشغّال، مش عارف إيه اللي جابه هنا غير إنه مشتاق لأمه وحابب يكون جارها.
بصيتله باستغراب وسألته:
هي أمه ماتت إزاي عشان باباه ياخد قرار زي ده؟
فقالي: إنها انتحرت، الكلمة نزلت عليا صدمتني، ماكنتش مستوعبة، كمل كلامه وقال:
“أنا كنت في الدكانة دي، الساعة كانت ٥ والمغرب كانت قرّبت تأذّن، صوت الصريخ اشتغل في البيت والناس اتلمّت، كنت واقف مش فاهم حاجة وسط الناس لحد المركز ما جه وطلب الإسعاف، وجم أخدوها، كانت طالعة قدامنا على النقالة! بنتها كانت بتعيّط وتصرخ، أما ابنها كان واقف بيتفرج وساكت..
كلنا قلنا إنه بارد وقتها، إزاي أمه تموت ومايعيطش عليها، تاني يوم لقينا أبوهم واخدهم وماشي، وأكد علينا ناخد بالنا من البيت، وهمّل البلد كلها ومشي، ولما مات بنته وابنه نزلوا البلد هنا دفنوه ومشيوا.”
سألته: طيب أوصل لصاحب البيت ده إزاي؟
فقالي: بصي يا ست الكل، هما عيال البلد الصغار بيقولوا إنه بيطلع يقعد في الترب، جار تربة أبوه وأمه، روحي يمكن تلاقيه هناك، وصفلي طريق الترب، وشكرته ودخلت العربية، وطلبت من ناهد تتحرك من غير ما تتكلم.
وصلنا المقابر، سألتها لو تعرف مكان تربة أهل سامي فقالتلي لا، دورت على التربي وسألته فأخدني لحد التربة، فعلًا سامي كان قاعد هناك ومنهار، تقريبًا كان في حالة لا وعي فظيعة، شبه اللي بيتعاطوا، طلبت من التربي يساعدني أنقله العربية لأنه ماكنش قادر يصلب طوله، وفعلًا أول ما قرّبنا علي العربية ناهد اتفزعت ونزلت تجري علينا، شاورت لها تفتح الباب عشان ندخله، ولما بدأنا نتحرّك، طلب منها ترجعه بيت أهله، فشاورت لها تسمع كلامه، وصّلناه وفتح الباب ودخل وساب الباب مفتوح، بصينا لبعض، وقررنا ندخل وراه.
كان قاعد على كرسي والدنيا حواليه كلها تضرب تقلب، غبار وكركبة وعنكبوت!
شنطة هدومه مفتوحة في قلب الصالة والهدوم مرمية منها، لما ناهد قرّبت منه عشان تطمن عليه اتنفض وبعد عنها، وأخد بعضه ودخل أوضة من الأوض وقفل الباب وراه، بصتلي كده فقلتلها:
لا احنا هنا لحد ما نرجعه معانا، المكان ده مش آدمي!
بدأنا ننضف ونرتب في البيت وقررنا نبات هناك؛ عشان الوقت كان اتأخر أوي والطريق وحش بالنهار، فما بالكم بالليل هيبقى عامل إزاي، كان أوضة فيها سرير كبير ودولاب وسرّاحة، نفضنا الأوضة ونضفناها وحاولنا نفرش أي حاجة من الدولاب، كل ما فيه كان ماليه التراب، شدينا ملاية ونفضناها وفرشناها ومددت، الطريق كان صعب وطويل وكل حاجة في اليوم مقرفة ما عدا إن بقى فيه أمل يلين ويرجع معانا مادام سمح بوجودنا.
كنت فرحانة أوي عشان بنته، ماعرفش ناهد نامت امتى بس لما قلقت كانت نايمة على السرير جنبي، قمت وماعرفتش أنام تاني فقلت آخد لفة في البيت بقى، الدور اللي فوق كان فيه عفش كتير مكسور واللي تحت أوضتين، أوضة نايم فيها سامي وأوضة فيها أنا وناهد، الجو كان بدأ يبرّد فقلت أدوّر على حاجة نتدفى بيها، مديت إيدي في الدولاب عشان أسحب ملاية، وقعت قدامي كراسة غلافها أصفر كده من على الرف، مسكتها ومسحت التراب اللي عليها، كان مكتوب عليه تقرير عن حالة “ثنية صالح”، أخدته وقعدت على طرف السرير وقرأت، كان فيه تحاليل ورسم مخ، وحاجات غريبة أنا مش فاهماها فحطيته في شنطتي ونمت، صحينا الصبح على ريحة حاجة بتتحرق، فقت مفزوعة كان فيه فعلًا ريحة حاجة غريبة زي جلد محروق، صحيت ناهد وخرجنا لقينا سامي واقف في المطبخ ومولّع في نفسه، ووقع على الأرض والنار ماسكة فيه، ماكنتش قادرة أستوعب إيه اللي حصل!
جريت ناهد على الباب تطلب من الناس النجدة، وأنا جريت على الحمام، كنت باحول المية وأكبها عليه، على ما انطفت كان جسمه كله اتشوه، طلبنا الإسعاف، كان لسه فيه روح، واتنقل المستشفى وهناك مات.
وقفت ناهد تلطم على وشها وتصرخ وتقول أخدته مني لحد ما أغمى عليها، شفت إنها فرصة مناسبة، طلعت الملف وطلبت من دكتور من الدكاترة يفهمني فيه إيه، بصلي وقالي ده تقرير صحة نفسية عن حالة بتعاني من مرض نفسي اسمه اضطراب وهامي، فهمت منه إن والدة سامي ماماتتش منتحرة ولا حاجة دي كانت مريضة نفسية، لقيت نفسي باسأل الدكتور: هو الاضطراب ده ممكن يتنقل بالوراثة؟
صدمني وقالي إنه احتمال كبير يتنقل بالوراثة فعلًا، أخدت التقرير وشكرته وكل حاجة جهزت، ناهد فاقت وورق الدفن بتاع سامي طلع، واتصلت ناهد بأخته وحكتلها اللي حصل، وفي خلال ساعات كان سامي بيندفن.
مش عارفة هينفع أقول لناهد اللي شاكة فيه دلوقتي ولا أسكت، بس قررت أتأكد بطريقتي، لما وصّلت ناهد البيت، طلبت لوجين عشان أسألها على حاجة، حاولت أفكرها بالست اللي جت تزور باباها وهو زعقلها وقتها، بس البنت استغربت أوي وقالت إن ده ماحصلش، ناهد ماكنتش فاهمة حاجة، فطلبت من أختها تاخد البنت جوة، سألت ناهد إن كانت شافت حاجة من اللي سامي كان بيحكيه بعينها، فقالت لا وده أكد شكي، طلعت الملف ومديتلها إيدي بيه، مسكته وفتحته ماكنتش فاهمة حاجة منه، فقلتلها إن سامي كان مريض نفسي ماكنش بيشوف أشباح ولا فيه جنية عاشقة ولا أي حاجة من دي، كل ده كان وهم في دماغه وبس، هو لوحده اللي كان عايشه، لو كان حد اكتشف ده كان زمانه بيتعالج وبينكم، بس انتم مشيتوا ورا الدجل والشعوذة، وهو اعتزل كل حاجة وبعد.
سبتها ومشيت ماكنش عندي كلام يتقال! احنا بنحارب الجهل والدجل والشعوذة، وفيه ناس لسه ماشية وراه وهي متعلمة.
وصلت البيت، كان الفجر قرب يأذن، دخلت وغيّرت هدومي ودفنت نفسي في حضن ماما!
دي الحاجة الوحيدة اللي خايفة أخسرها، بكرة لما أصحى هاكتب حكاية سامي، يمكن الناس تتعظ.
تمت
“مستوحاة من أحداث حقيقية”
#الرحلة
#ليزا_زغلول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى