قصه الرسوم الغامضه “القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
الأحداث الصغيرة، الحاجات اللي بنتخيلها تافهة أو مش مؤثرة، هي اللي في الحقيقة ممكن تؤدي للمراحل الفارقة في حياتنا، زي حجرة صغيرة واحد رماها على سطح النيل، اصطدام الحجرة بالميه يشد طفل صغير مش فاهم خطورة المية ولا قوة
“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
الأحداث الصغيرة، الحاجات اللي بنتخيلها تافهة أو مش مؤثرة، هي اللي في الحقيقة ممكن تؤدي للمراحل الفارقة في حياتنا، زي حجرة صغيرة واحد رماها على سطح النيل، اصطدام الحجرة بالميه يشد طفل صغير مش فاهم خطورة المية ولا قوة السحب بتاعة النيل فيجري بعفوية وينط عشان يكمل ويفهم المشهد الساحري اللي شافه، في اللحظة دي أمه تلمحه فتنط بسرعة عشان تنقذه وفعلًا تقدر تسحبه وترميه على الشط لكن هي تتسحب، متقدرش تقاوم التيار ولا تُقل الميه العذبة وفي النهاية جسمها يتشد لقاع النيل وشعلة حياتها تتطفي . وزي كلمة حلوة اتقالت لواحد ، اتقاله “أنت شخصية مؤثرة، أكيد اللي حواليك ميقدروش يستغنوا عنك” فيرجع بيته بدل ما كان هينط من شباك الشغل من على ارتفاع عشان ينهي حياته وكلمات الشخص اللي ميعرفوش كويس تفضل تتردد في باله كل ما يحس بالإحباط أو إن مفيش فايده أو يفتكر أن المنجم الظلمة مسدود بحجارة ميقدرش يشيلها، ويلاقي نفسه بيقدر…
وزي برضه انتقالنا للبيت العتيق اللي مكناش نعرف بوجوده في منطقة القلعة بسبب الوعكة المادية اللي صابتنا…
الأحوال المادية كانت في حالة إنحدار من كام سنة بسبب طبعًا الوباء، وتسريح أبويا من شغله لإن الإدارة مبقتش قادرة تسد على مرتبات العمالة، فعدد كبير منهم ومن ضمنهم أبويا اللي كدا كدا كبر في السن وكام سنة وكان هيمشي وقع عليهم الإختيار، والأولوية للعاملين اللي هيفيدوا الشغل أكتر…
واللي زاد وغطى هي مصاريف الجامعة بتاعتي والدروس .. أبويا وأمي دخلوا في كذا جمعية واستلفوا مبالغ من القرايب والأغراب عشان يسدوا على مصاريفنا.. في النهاية لقينا نفسنا غرقانين في الديون وكمان مش لاقيين ناكل. صحيح كنت إتخرجت من الجامعة بس لسه قدامي موال عبال ما اتقبل في شغل مناسب ويبقى في دخل منتظم ومكنش قدامنا غير حل واحد، نبيع الشقة اللي كنا فيها…
كنا مدركين إن دي مصيبة لإننا منعرفش ممكن نروح فين بعد كدا، لكن هنعمل إيه، الديون كان لازم تتسدد.. أبويا بدأ يسأل ويلف طول النهار كل يوم عن شقق بسيطة في مناطق جديدة أو شعبية، على أساس نقدر نجيب شقة من دول بالفرق ما بين فلوس شقتنا القيمة نسبيًا وكمان نشيل جزء يعيشنا فترة ونسد بيه الديون عبال ما ألاقي شغل وأستقر وأقدر أصرف علينا إحنا التلاتة..
الوقت بيخلص وبابا لسه ملقاش شقة بالفلوس اللي عاملين حسابنا عليها وشقتنا بدأ كذا حد يطلب يشتريها…
لحد المرحلة دي مكناش قلنا لحد على قرار البيع، بسبب توقعنا لسيناريوهين، الاتنين بالنسبة
لنا مؤلمين، السيناريو الأولاني أن حد من عمامي أو من خلاني أو القرايب الأبعد يعرض علينا يحاولوا يجمعوا فلوس عشان يسدوا ديوننا ودا طبعًا كان هيزيد الطينة بلة، إحنا أصلًا عايزين نخلص من الفلوس اللي علينا.. أو حد فيهم يصر إننا نعيش معاه في البيت بعد ما نبيع الشقة، عشان نقدر نعيش بالفلوس اللي هتجيلنا ودا كان هيجرحنا جدًا وهيبقى عندنا يقين إنه فوق إحتمال الشخص اللي هياخدنا نعيش معاه.. أما السيناريو التاني فهو إنهم ميعلقوش أصلًا، يبقوا عاجزين عن مساعدتنا أو عرض حلول ودا برضه كان هيجرحنا، فاحنا حبينا نختصر عليهم وعلينا وجع القلب دا كله وكتمنا عالموضوع…
النتيجة أن في مشتري جه للشقة واتفقنا معاه وبقينا ماشيين في إجراءات البيع ومفيش بديل، مش لاقيين شقة نتنقل ليها وفي المرحلة دي أمي انهارت قدام خالي….
حكيتله عن وضعنا، كان مذهول، إزاي وصلنا للحال دا وإزاي مكانش عنده فكرة ولا باقي الإخوات والقرايب كانوا عارفين. لكن للأسف وزي ما توقعنا مكنش عنده حل. خالي برضه أحواله مكنتش تمام، موصلش للمرحلة بتاعتنا بس كان بيعاني هو كمان..التزم الصمت قدامها، كنت شايفاه بيتعذب، عينيه مغرغرة بالدموع بسبب العجز بتاعه وحالة أمي..
وفجأة اتنفض من مكانه كإن حشرة لدغته…
-لأ يا “فاطمة” إنتي ليكي مكان!
-مكان إيه يا “عبد العال”؟
-مكان أبونا سابهولك، مكان مكتوب بإسمك..
-إزاي يعني؟ مكان إيه دا اللي مكتوب باسمي؟؟
-إنتي عارفه بابا كان غاوي شرا عقارات وشقق والموضوع زمان مكنش صعب، كان كل ما يعمل مبلغ يروح يشتري شقة يا في البلد عندنا يا هنا في القاهرة مكان ما اتنقلنا وكنا عايشين. والتصرفات اللي تبان عشوائية دي هي اللي نجدتنا في أوقات كتير لما بابا طلع عالمعاش عشان كل ما يبقى فيه زنقة مادية كان بيبيع عقار من دول لحد ما اتبقت شقة واحدة بس.. الشقة من كتر ما هي بسيطة ومعليهاش إقبال نسيناها تمامًا وكمان لو كانت اتعرضت للبيع يأما محدش هيبقى مهتم يأما هتتباع برخص التراب… الشقة مقفولة من زمن الزمن، عاملة زي علبة الكبريت في مساحتها….
-الحقنا بيها الله يخليك، إحنا هنقبل بأي حاجة، معندناش إختيار أصلًا.
-تعرفي بقى أن الشقة دي مكتوبة باسمك يا “فاطمة”.. هو بابا كان مُدرِس، مكنش صاحب أملاك ولا عنده دماغ بيزنس مان يعني، لكن هو بإمكانياته البسيطة وذكاءه أمننا كلنا لفترة مش قليلة وأهو دلوقتي كمان هينجدنا…الله يرحمك يا حاج..
-الله يرحمه. عندك حق، بس قول لي الشقة فين؟
-في منطقة القلعة.
-حلو، وماله، القلعة حلوة، منطقة أصيلة..
-طبعًا، منظر القلعة يرد الروح بس للأسف يعني المنطقة بقت مهملة حبتين وكمان قريبة من….
خالي سكت، كإنه وقع في الكلام ، قال حاجة مكنش المفروض يقولها… أمي بقى ألحت في السؤال، كانت مُصرة تعرف إيه آخر جملته…. رد:
-قريبة أوي من المقابر
-يا شيخ خضتني، طب ما معروف أن في هناك مقابر، إيه الجديد يعني؟؟ مفيش مشكلة ، ماحنا كلنا أموات، ميت بيتولد من ميت، هم السابقون ونحن اللاحقون.
رد وهو بيهرب من عين ماما:
-ما..ماشي.
هي قالت بتحمس:
-إحنا مستعدين نتنقل من بكره.
-وهو كذلك.
كنت بتابع المشهد وأنا ساكتة تمامًا. معلقتش ولا وجهت كلمة لحد منهم. مكنتش عارفه أحدد لسه إحساسي، هل أنا مبسوطة عشان الأزمة بتتحل، يعني خلاص هنقبض فلوس كويسة وكمان مش هنتضطر نستقطع جزء منها عشان شقة جديدة، وكل الفلوس هتتصرف في تسديد الديون والمعيشة بشكل آدمي فترة كويسة عبال ما أشتغل وأدبر أموري وأهو مش هنتبهدل، دا غير إن أمي طلع ليها شقة بإسمها وهنتقل علطول ومش هنبقى تقال على حد، ولا هل أنا زعلانة ومحبطة بس لسه مش قادرة أواجه نفسي؟ بلاش أضحك على نفسي، إحنا من غير لف ودوران نازلين بتقلنا على العتبة اللي تحتنا، بننزل طبقة، وبدل ما كنا طول عمرنا بننتمي للطبقة المتوسطة المكافحة وإن كنا في آخر درجاتها بس في المرحلة الجديدة دي كنا بنقع، هنبقى من الطبقة المفحوتة، ولو الفلوس متصرفناش فيها بحكمة، لو غفلت بس مش هنلاقي ناكل ولا نتعالج لو حد حصل له حاجة لا سمح الله…..
قررت أبقى إيجابية، متوقعش الأوحش، أطرد كل الوساوس من دماغي، زي ما ربنا نصفنا في كل مراحل حياتنا بإذنه هينصفنا وينجدنا في اللي جي، ومين عارف يمكن بسرعة جدًا اتوظف في شركة كويسة ومنضطرش نسحب من الفلوس الراكدة بتاعة الشقة وكله يبقى زي الفل.
بالروح دي لميت هدومي وساعدت أمي في لم العفش والحاجات بتاعتنا من الشقة القديمة واتحركنا على شارع القلعة….
خالي كان معايا أنا وأمي وأبويا. وصلنا بعربيته على هناك وورانا كانت العربية النص نقل اللي بتنقل العفش..
مفهمتش النظرة بتاعة خالي لما شاف العفش وهو بيتحط في العربية غير لما وصلنا الشقة. الشقة زي ما قال، حرفيًا علبة كبريت، مساحتها قليلة جدًا، أوضتين النوم لازقين في بعض، ومساحة الواحدة منهم تخنق عدد فرد واحد فما بالك أبويا وأمي اللي هيشتركوا في أوضة! الله يكون في عونهم، الله يكون في عوني أنا كمان… متهيألي وأنا نازلة من سريري هخبط في الدولاب، لازم كنت أعمل حركات لولبية بهلوانية ,افضل محافظة على مرونتي ورشاقتي عشان متخبطش خبطة تسببلي عاهة مستديمة، يالا خير!
هي أكيد المنطقة كلها أصيلة جدًا، محيط القلعة كله بيشهد على تاريخ عظيم وأنا طول عمري بحبها، لكن الشقة دي والعمارة حاجة تانية، أنا أصلًا معرفش نقدر نقول عليها عمارة ولا بيت ولا إيه، المهم أن حالتهم صعبة أوي، ومفيش حد في العمارة المهجورة دي غيرنا إحنا وبس. كل الشقق واضح إنها مقفولة من زمن الزمن…..
أتاري خالي كان مذهول من العفش والحاجة اللي حطيناها في العربية، كان المفروض مثلًا نحط الربع أو أقل!
احنا التلانة نزل علينا سهم الله أول ما باب الشقة اتفتح، لأول وهلة كنا ساكتين تمامًا وبعدين فجأة أصواتنا عليت ما بين كلام متحمس وضحك قال يعني مبسطوين ووالله دي حاجة أوريجنال خالص، إنما الحقيقة إن إحنا التلاتة كنا بنمثل على بعض، وإحنا التلاتة عارفين إننا بنمثل على بعض..
في وسط زحمة العفش والأدوات اللي لسه ملفوفة في أكياس ومحاولات الفك والتركيب والتوضيب البائسة أخدت بالي من الريحة النفاذة اللي موجودة في كل ركن من البيت، ريحة كانت بشعة!
هي الريحة مميزة، مش زي أي ريحة تانية، مش ريحة زبالة متحللة أو كمكمة من قفل المكان، لأ، دي حاجة مختلفة….
اتحركت بعد ما أبويا قال لي أجيب بخور من أقرب عطار عشان نغير الريحة شوية… نزلت بسرعة وجبت كذا نوع بخور وفورًا ولعنا عدد من الأعواد وثبتناهم في كذا مكان. لكن الريحة فضلت زي ما هي، كل اللي اختلف إنها بقت ممزوج بريحة البخور!
على آخر اليوم افتكرت حاجة، في مسلسلات وأفلام ريا وسكينة وبناء على المقالات اللي قريتها عنهم ، ريا وسكينة كانوا بيولعوا بخور كتير في البيت بتاعهم عشان يغطوا على ريحة الجثث المدفونة تحت البيت.. يا حلاوة!
فهمت دلوقتي التعبير اللي كان على وش خالي وتردده في إنه يقولنا على موضوع المدافن، إحنا مش قريبين من المدافن، دا المدافن ناقص تاخدنا بالحضن! الريحة دي كانت ريحة الموت، الجثث المدفونة.. والمدافن على مسافة قريبة جدًا من البيت. الخبر الحلو إني عماله أفك الغاز تعبيرات وش خالي والحمد لله دماغي لسه شغاله، الخبر الوحش إن الريحة دي مش هتروح لأن المدافن مش هتتحرك من مكانها…
أظن كلنا واحد ورا التاني استوعب مصدر الريحة ومحدش علق..
بعترف، برغم الحزن البشع يوم النقل، عشان اتنقلت من البيت اللي عشت فيه ذكريات الطفولة والمراهقة لحد ما كبرت ، البيت اللي مشفتش غيره واللي بيمثل لي الترابط ما بيني وبين أويا وأمي إلا أن صبح تاني يوم لما صحيت، وبرغم إني اتخبطت في الدولاب زي ما توقعت عشان لسه مش متعودة، بس حالتي كانت مختلفة، كنت رايقة بشكل فاجأني أنا شخصيًا.. أدركت إني بقع في حب الشقة الضيقة والعمارة المهجورة اللي مفيهاش غيرنا زي مانا بحب الشارع ده ومنطقة القلعة كلها…
في ريحة نفاذة كانت جايه من المطبخ اللي ميسعش نفرين على بعض، لأ مش ريحة الجثث دي ريحة تانية، أجمل ريحة ممكن حد يشمها في حياته، بتنجان مقلي وأكيد الفاعل هي أمي…
وشها نور لما اتلفتت وبصتلي وشافت قد إيه كنت مبسوطة ومتفائلة… اتكلمنا كام كلمة. أخدت منها الأطباق ونقلتها على طربيزة الأكل في الصالة..
لما رجعت عشان اخد الباقي كملنا كلام وبعدين فجأة سكتنا، لكن ماما قالت حاجة، مميزتش كلامها فسألتها:
=نعم؟
-نعم الله عليكي يا حبيبتي، قوليلي عايزه إيه؟
=حضرتك كنتي بتقوليلي حاجة، بس مسمعتش كويس…
كانت لسه إبتسامتي واسعة وأنا بقولها الجملة الأخيرة، مستنيه ردها، لكن هي ردت:
-لأ، أنا مقولتش حاجة..
إزاي يعني، مقالتش حاجة إزاي؟! لما ركزت افتكرت أن الصوت كان واطي أوي، أشبه بالهمس ودا شيء غريب، ليه تهمسلي، يمكن مثلًا كانت بتكلم نفسها؟ بتحصل….وعشان كدا تلاقيها نسيت اللي قالته…
اليوم عدى في إستكمال الفك والتركيب وترتيب العفش المتاح اللي نقدر نحطه في الشقة والباقي بقى نزلناه في مدخل العمارة، تحت السلم، يمكن نحتاجه في المستقبل في بيت عَدلي ولا بيتنا الجديد لو ربنا أراد ونقلنا…
وجه وقت النوم….
هم ناموا قبلي.. أنا فضلت حبه أقرا في رواية واتفرج على كام فيديو وشوية أبص من البلكونة المحندقة على الشارع وأراقب الناس والمحلات وفي النهاية استسلمت للنوم اللي هل عليا من غير استئذان….
غمضت عيني وهيأت نفسي لنوم عميق بس للأسف النوم طار من عيني… سمعت نفس الصوت الواطي اللي أشبه بالهمس، بس المرة دي كان أكتر من صوت، كذا صوت، كذا شخص بيهمس. أنا متأكده من اللي سمعته ومتأكده أن صوت منهم هو نفسه اللي سمعته صبح اليوم ده وأنا واقف مع أمي في المطبخ….
لا حبيت أحلل ولا أفسر الموضوع، لا أكدب نفسي ولا انساق ورا الظاهرة الغريبة، ولا كإن… المسألة لو مجرد همسات، حتى لو سمعتها كل يوم مكنتش هتكلم ولا اشتكي، ولا حتى بيني وبين نفسي، الحياة فيها ظواهر كتير مش متفسرة ، ظواهر مش مادية ولا محسوسة ولا نقدر نمنطقها….
…………………
فات كذا يوم والوضع على ما هو عليه، من وقت للتاني بسمع صوت الهمس، مرة كإنه شخص واحد ومرة كذا شخص، وزي ما عاهدت نفسي متلفتش للأمر…
لما رجعت من مقابلة للتوظيف لقيت أمي قاعده على ركبها في المطبخ، ماسكة قماشة وعمالة تدعك في بلاطة معينة…
=إيه يا ماما في زيت وقع على الأرض؟
-لأ، هتجنن! مفيش زيت وقع ولا أي أكل، بس فجأة لقيت بقعة كدا كبيرة على البلاطة دي، معقول مخدتش بالي منها قبل كدا؟ إنتي أخدتي بالك منها؟
في الحقيقة أنا برضه مكنتش لاحظت، مكنش فيه بقع على بلاط المطبخ، كان في تراب كتير، بس بعد ما نضفنا مكنش باين حاجة، مفيش أي بقع.
عرضت عليها المساعدة لكن هي قالتلي إنها هتنضف بنفسها وخلتني أمشي من المطبخ…
البقعة متشالتش، مهما ماما حاولت مفيش فايدة…
لكن مش هي دي شكوتها اليوم التاني… هي قالت حاجة تانية غريبة شويتين…
قربت مني وهي حاطة إيد على إيد، كانت بتضغط بصوابعها على الإيد التانية، باين عليها متوترة… قالت:
-ال…البقعة.
=إيه يا ماما متشلتش، ولا يهمك نجيب جاز وندعك…
-لأ، مش هي دي المشكلة.
=أمال إيه المشكلة؟
-شكل البقعة… أقولك، تعالي شوفي بنفسك.
اتحركت وأنا كلي فضول أفهم سبب توترها وباقي جملتها..
وقفت قدامي، كانت سادة باب المطبخ وبعدين أخدت جنب وشاورتلي أدخل….
دخلت ، بصيت على البقعة… إيه دا؟ شكل البقعة إتغير! بقت محددة أكتر، مبقتش بقعة عشوائية، دي كانت عينين ومناخير وبق، وش إنسان!
يتبع
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
“الجزء الثاني والأخير”
الملامح كانت واضحة جدًا يعني متحتملش كذا تفسير، دا وش بني آدم….ماما مكنتش لسه قالت لبابا، فكرت إنها تاخد رأيي الأول يمكن تكون غلطانة ولا عقلها مفوت ولا حاجة، مش مستاهلة كانت تخضه على الفاضي… بس هي عقلها مكنش مفوت ومكنتش غلطانة، للأسف….
كل شوية كنت أدخل وأخرج من المطبخ، كل شوية أبص من جهة مختلفة، هتجنن…
دا مبقاش همس بس، بقى في صورة مجسمة لشخص مجهول… فكرت إيه الخطوة اللي بعد كدا، إيه اللي ممكن يتعمل…
أصحابي كانوا بيقولولي إني عندي موهبة، عندي صوت حلو وحضور، وبعرف أحكي قصص وأدير نقاشات، ليه لأ؟
ليه مستخدمش الموهبة في إني أستشير الناس، أشاركهم التجربة… عملت قناة على اليوتيوب ، صورت نفسي وأنا بقول:
=الحقيقة دي أول مرة أعمل فيديو فسامحوني لو الجودة مش قد كدا، أو إسلوبي مش قد كدا… اللي خلاني أعمل القناة والفيديو هي حاجة حصلت، ظاهرة مش قادرة أفسرها. أنا إسمي داليدا اتنقلت مؤخرًا لشقة في شارع القلعة… بعد ما اتنقلنا بيوم واحد بدأت أسمع همس، ناس بتتكلم بصوت واطي جدًا، ناس أنا مش شايفاهم، وبعدين في بقعة ظهرت في بلاطة المطبخ، مش بقعة أكل أو زيت، بقعة منعرفش مصدرها، بغض النظر عن إننا مقدرناش نشيلها مهما دعكنا في البلاطة لكن اللي لفت انتباهنا إن البقعة اتشكلت، بقى ليها نمط معين، مش هطول عليكم، هوريهالكم بنفسي….
مسكت الموبايل ومشيت بيه لحد المطبخ ووجهته على البلاطة حبه وبعدين حركت الموبايل لاتجاهي أنا وكملت:
=أنتوا قولولي شايفين إيه ولو اللي شفتوه هو اللي أنا شايفاه إيه تفسيركم؟ أنا متوقعة أن اتنين بالكتير يشوفوا الفيديو عشان أنا لسه هاوية ومش محترفة بس أنا في عرض أن الاتنين دول يقولوا رأيهم، مستنية كومنتاتكم,,,,
نسيت موضوع الفيديو خالص، واتلهيت في اللي إحنا فيه، اتكلمت كتير أنا وماما وحكيتلها عن الهمس اللي بسمعه..
بعد كذا ساعة فتحت الفيديو ولقيت سيل من الكومنتات وآلاف المشتركين وآلاف المشاركات! كانت حاجة فوق الوصف، متخيلتش 1 على مليون من الضجة دي، الكومنتات ما بين متعاطف ومحذر ونظريات كتير وناس بتكدبني وبتقول عليا نصابة بسعى للشهرة ومفبركة قصة الرسمة، المهم إني بقيت مشهورة!
لكن في الحقيقة مستفدناش حاجة، مفيش إجابات مقنعة، محدش بجد ساعدني في تفسير ظهور الرسمة والهمس…
في الآخر إضطرينا نقول لوالدي، كدا كدا كان هيشوف البلاطة، قلنا تيجي مننا عشان ميجيلوش ذعر ونحاول نشوف هنعمل إيه…
بابا جاب من الآخر، لا هنفسر بقى ولا هنقول ليه ومنين بيودي لفين. هو شاف إننا نشيل البلاطة ونرميها ويا دار ما دخلك شر ونجيب بلاطة تانية ونثبتها مكانها…
=أولًأ أنا بشكر إهتمام الناس، الحقيقة مكنتش أتخيل أبدًا رد الفعل دا، لكن على قد ما أنا فرحت زعلني رأي ناس كتير، اللي شافوا إني بختلق موضوع الرسمة وبسعى للشهرة بأي تمن، للعلم خلاص إحنا قررنا نقلع جذور المشكلة تمامًا ورمينا البلاطة وثبتنا واحدة تانية مكانها وآسفة على إزعاجكم.
دا كان نص الفيديو التاني ليا… وبسببه كسبت إحترام الناس وبقى ليا مصداقية واشتراكات القناة زادت أكتر بكتير، سبحان الله على تدابيره…
كانت تجربة غريبة، معرفناش تفسيرها ومش هنعرف والمفروض أكمل حياتي لولا….
لولا إني صحيت في اليوم التالت بعد تبديل البلاطة على صرخة من أبويا!
قمت مفزوعة وطبعًا إتخبطت خبطة محترمة في الدولاب.. كملت جري ولا كإن عشان ألحقه وأفهم بيحصل إيه.. لقيته ماسك سكينة. السكينة بتتهز في إيده عشان صوابعه بتترعش، وعينه ثابتة على البلاطة الجديدة.. بصيت عليها، نفس الوش، الرسمة إياها لنفس الملامح موجودة على البلاطة!
مسكت السكينة من إيده بالراحة، وحطتيها على جنب وبعدين خرجته من المطبخ وجبت موبايلي من غير ما أوجه له أي كلمة ولا لأمي اللي كانت واقفة متسمرة في الصالة…
=أنا بصور لايف ومن هنا ورايح كل الفيديوهات هتبقى لايف، عشان تتابعوا أول بأول وتصدقوا إني مش بكدب عليكم، أدي البلاطة الجديدة وأدي الرسمة، نفس الرسمة، ظهرت تاني، المشكلة مش بس الظهور العشوائي للرسمة والإصرار على تواجدها، المشكلة إنكم لو ركزتم زي مانا ركزت هتلاقوا إنها حية أوي، زي ما تكون مش مجرد رسمة، أقرب للصورة الفوتوغرافية، أو زي ما يكون إطار البلاطة جواه وش الراجل دا، زي ما يكون موجود بذاته! السبب ورا الفيديو دا هو إني بجد عايزه مساعدة، كل امرؤ لما يسر له وأنا بعترف إني مش قادرة أستوعب موضوع الرسمة ولا الأصوات، الموضوع برا نطاق خبرتي، فأرجوكم اللي فيكم عنده تفسير ويقدر يساعد ياريت، المساعدة مش بس هتبقى كومنتات، أنا بفكر جديًا أستعين باللي أقتنع إن عنده علم أو نظرية ممكن تفسر الظواهر بشكل شخصي، يعني أتواصل معاه وكمان أستقبله في الشقة بتاعتنا مع أبويا وأمي… إحنا معندناش مكان تاني نروح نقعد فيه، الشقة دي هي مكاننا الوحيد، ولازم نعرف نعيش فيها ونتعايش مع اللي بيحصل فيها أيًا كان….
على مدار اليوم وحتى لما النهار غاب كنت كل شوية بتابع الكومنتات ، بصحى قلقانة عشان أشوف الجديد، ولحد فجر تاني يوم مشوفتش أي كومنت من حد حاسه أنه عنده نية جدية في المساعدة، كلها نظريات فارغة أو مش عن دراسة، بتاعة هواه….
اللي شفته على أرضية المطبخ لما دخلته خلاني أصور الفيديو الجديد…
رسمة تانية على بلاطة مختلفة! المرة دي رسمة واحدة ست، المشترك ما بينها وبين الراجل هي الملامح الجدية الحزينة وكون الاتنين طبعًا ضيوف غامضين على بلاطنا!
صورت لايف، ركزت الموبايل على البلاطتين. الناس بدأت تترعب بجد، قبل كدا كانت مرحلة ودي مرحلة مختلفة، ولو المتابعين مرعوبين أنا بقى أعمل إيه! أنا ووالدي ووالدتي اللي عايشين في البيت ومضطرين نتعامل مع الظاهرة اللي معندناش علم عن ماهيتها وسببها واللي هيحصل بعدها!
ما بين آلاف الرسايل والتعليقات أخيرًا لقيت تلاتة ممكن يساعدونا، برغم إني مكنتش مقتنعة بآرائهم بس واضح إنهم دارسين وجديين في رغبتهم إنهم يساعدونا..
حددت مواعيد مختلفة معاهم، على أساس كل واحد ييجي لوحده ونبقى مركزين معاه…
والدي ووالدتي مكنوش مقتنعين في الأول، قالوا إزاي نجيب أغراب البيت، إزاي نبقى فُرجة للناس، لكن بعد ما واجهتهم وسألت إذا كان عندهم حل تاني استسلموا، خصوصًا أن التلاتة اللي عرضوا مساعدتهم مكنوش متطلعين لمقابل مادي، دول متطوعين….
“ممدوح سمير” الوافد الأول، ممدوح مكتوب على صفحته الشخصية أنه متخصص في الباراسيكولوجي أو علم ما وراء النفس وهو علم ببحث في العالم الأوسع برا حدود إدراكنا، الخوارق زي المس الشيطاني والظواهر غير المألوفة…
ومع زيارته الموضوع كان اتسع، مبقوش رسمتين بس، ظهرت معاهم رسمتين تانيين على بلاطتين تانيين والهمس بقيت أسمعه طول الليل بس مكنتش أقدر أفسر اللي بيتقال…..
ممدوح بعد ما اتعرف علينا وشاف الرسومات واندهش وفضل مبرق فيهم حبه وقال تعليقه إن دي أول مرة يشوف ظاهرة بالشكل دا وإنه متأكد أن الرسومات ليها سبب خارق للطبيعة ومفيش إنسان ليه يد فيها قال إنه قبل ما يقعد معنا إحنا التلاتة مجتمعين لازم يقعد مع كل واحد لوحده!
عجيب أمر ممدوح دا! عايز يعمل انترفيو مع كل واحد؟! هو أنا أبويا وأمي حمل انترفيوهات؟! مش كفاية أنا والبهدلة ما بين مقابلات الوظايف ودلوقتي دا؟!
اسئلته كانت من نوع “مفيش أي حاجة حصلت معاكي من طفولتك لحد دلوقتي حسيتي إتها غريبة؟ أي حاجة حتى لو الناس التانية هتشوفها تافهة؟ كنتي بتحلمي بكوابيس كتير؟ ولو حصل إيه هي الكوابيس دي وهل كان في كابوس بعينه بيتكرر؟ إتخبطتي أو وقعتي في الحمام؟ في حد بيكرهك لدرجة أنه ممكن يأذيكي؟”
الإجابات بتاعتي كانت كلها بالنفي، مفيش أي حاجة غريبة حصلتلي، أي حاجة خارقة للطبيعة أقصد، ولا بفتكر أحلامي ولا وقعت في الحمام ولا حد بيكرهني للدرجة….
بعد ما قعد معايا وقعد مع بابا وماما اتجمعنا كلنا… كنت متخيلة إنه يكون محبط وميوصلش لحاجة لإني متوقعة إجاباتهم تكون زي إجاباتي لكني اتفاجئت من اللي قاله…..
فضل باصص لنا بريبة حبه من غير ما يتكلم وبعدين بص لبابا وهو بيقول:
-أظنك يا أستاذ وفيق ممكن تكون السبب في كل اللي بيحصل في البيت! أنت في الغالب مسؤول عن ظهور الرسومات وعن الأصوات…
لا تعليق! مجرد أفواه مفتوحة عن آخرها وعينين متسعة ونبضات سريعة!
كمل:
-حضرتك حكيتلي أن كل شيء عادي في حياتك باستثناء أنك كتير كنت بتفكر في شخص ما وتلاقيه ظهر قدامك أو تواصل معاك ، حتى الأماكن اللي كنت بتفكر فيها بتتفاجيء أن الظروف أتاحت ليك بشكل سريع ومش متوقع إنك تروحها، زي الملاهي والسينما والمطاعم المفضلة عندك وأنت طفل ، كنت بتلاقي والدك بيوديك أنت وباقي الأسرة الأماكن دي برغم إنه ممكن قبلها يقول إنه مشغول أو ظروفه المادية متسمحش أو حتى هتروحوا لبيت عيلته، فجأة بتجيله الفكرة أو بيغير رأيه.. زائد المواقف المتكررة بتاعة الجرنال اللي تلاقيه ناقص في وسط الجرانين التانية اللي العامل كان بيحطها قدام شقتكم القديمة وبعدين تلاقي جارك خارج من الشقة وبيعرض عليك الجرنال دا بالذات عشان جاله مشاوير كتير ومش هيلحق يقرا! وكمان إن كتير اتأذوا بسبب ظلمهم ليك والإحساس بالقهر اللي حسيته….
كلامه كان صحّ!
فعلًا بابا دايمًا كانت بتحصل معاه حاجات من دي بس إحنا كنا بناخدها بضحك وبنقول عليه غريب الأطوار لكن ده إيه علاقته بموضوع الرسومات، إزاي يبقى مسؤول؟!
-حضرتك من الناس اللي ممكن نقول عليهم نجمهم خفيف، حساسين عن الباقي، بيقدروا يحسوا بحاجات محدش حاسسها وعندهم قوة جذب ، يعني الكائنات اللي إحنا منقدرش نشوفها والحاجات اللي مش بنلمسها بتتشد ليك… الرسومات دي مثلًا أظن إنك المحفز لظهورها وإنها مرتبطة بيك بشكل شخصي وتقييمي أن حضرتك حالتك النفسية مؤخرًا مش كويسة، من وقت ما اتنقلتوا وإنت مهموم مش كدا؟
بابا رد:
-فعلًا، لكن أنا مش مقتنع إني السبب، يعني برغم كل اللي حكيته لحضرتك أنا عمري ما شفت ولا سمعت حاجة خارقة ولا كيانات ولا عفاريت ولا كلام من دا، مفيش حاجة مادية زي كدا، إشمعنى بقى المرة دي؟
-أنا بقى حاسس بشكل كبير أن الرسومات مرتبطة بحالتك النفسية ، حضرتك طاقتك بتخرج برا جسمك وبتترجم وبتتجسد وبتحرك الأمور، زي كدا ما كنت بتنده للجرنان المفضل بتاعك فيجيلك!
معلقناش، مكنش في كلام تاني يتقال.. الخلاصة إن الرسومات لو فعلًا مرتبطة ببابا فده معناه أول ما نفسيته تستقر ويبطل قلق، الرسومات هتخف أو تختفي ولما يبقى متأزم أو متضايق هتبقى واضحة وف كل الأحوال مش هتأذينا والوضع مش هيتطور عن كدا…
“علا الصايغ” الوافد التاني…
علا المفروض متخصصة في الميتافيزيقيا أو علم ما وراء الطبيعة وهو العلم المهتم بالقضايا الوجودية، يعني أساس الفلسفة، والاسئلة اللي بيبحثها زي ما هو الواقع؟ وكيف نشأ الكون؟ ومن ضمن القضايا اللي بيهتم بيها الأرواح والجن والتخاطر والأشباح وغيرهم….
علا برضه وزي ممدوح كانت مذهولة وهي بتتفرج على الرسومات اللي بقوا 5 ما بين رجالة وستات وأطفال وكلهم شكلهم حزين….
وقبل ما تخرج حتى من المطبخ قالت:
-الموضوع مش محتاج دراسة ولا تعمق، دي أشباح!
بعدين خرجت وقعدت على كرسي في الصالة.. كملت كلامها:
-الرسومات دي مكانتش موجودة قبل ما تيجوا صح؟ مشوفتوهاش لما دخلتوا الشقة أول يوم؟
رديت عليها:
=لأ، تمامًا لا كان في رسومات ولا بقع ولا أي حاجة، مجرد شوية تراب كنسناهم ومسحنا…
-إشمعنى بقى الرسومات تظهر مع وجودكم، إيه العنصر اللي إختلف؟
هزينا كتافنا، معندناش إجابة… هي جاوبت نفسها بتحمس:
-اللي اختلف هو وجودكم في حد ذاته، الأشباح طول الوقت موجودة في البيت، وكانت بتعتبر البيت دا ملكها لحد ما جم زوار جداد، الآخرون، إنتم، ومن وقتها بقت تعبر عن وجودها، تاخد شكل مادي أكتر، بتقولكم أنا هنا ودا بيتي قبل ما يبقى بيتكم…
هو كلامها منطقي جدًا لكن برضه هي مقالتلناش الأشباح دي مسالمة ولا شقية، هتسيبنا ف حالنا أو تتعايش معانا ولا هتأذينا، مقالتش إيه الحل للوضع دا!
وخلصت المقابلة على كدا….
“شاهين عزب” الوافد التالت والأخير، مش متخصص في الأمور الخارقة ولا الميتافزيقيا ولا الباراسيكولوجي ولا حاجة، تخصصه نظم ومعلومات، لكن واضح من الأكونت بتاعه وكلامه في الرسالة اللي بعتهالي إنه إنسان مثقف جدًا ومتطلع عشان كدا إختارته من ضمن ال3 اللي يعرضوا وجهات نظرهم….
نفس الروتين… شاهين دخل وبص على الرسومات وطبعًا كان مدهوش، بس مكنش خفيف زي الاتنين التانيين، شبك إيده ولبس نضارته وبعدين نزل على ركبه ومرر صوابعه على الرسومات….
معلقش… خرج من المطبخ وقعد على كرسي بعد ما استأذن وقال:
-مينفعش الإجابات تسبق الأسئلة، إحنا مسألناش لسه عشان يبقى في إجابات…
مفهمتش بالظبط يقصد إيه بس إرتحت جدًا لكلامه، مكنش بيستعرض معلوماته ولا بيفتي في حاجة مش عارفها…
والدي سأله:
-إيه هي الأسئلة وإزاي نسأل؟
اتلفت ليا وقال:
-آنسة داليدا إنتي قلتي كذا مرة إنك بتسمعي همس وأنه زاد في الفترة الأخيرة.
=مظبوط!
-إحنا محتاجين نفسر الهمس دا، عايزين نسمع اللي بيتقال.
=طب ودي هنعملها إزاي؟ أنا لحد دلوقتي مش قادرة أفسر الأصوات.
-إنتي مش هتعملي حاجة، الأصوات هتتسجل… هنركب كامرتين، هنا وهنا….
شاور بإيده وهو بيتكلم على بقعتين في السقف….كمل وقال:
-الكاميرات مالنوع اللي بيسجل صوت وصورة ولما نفرغ التسجيلات هنسمع كلامهم، دا لو الهمس إتكرر…
وقد كان…..
استأذن وغاب كذا ساعة وبعدين رجع بكامرتين وكان معاه عمال ركبوها في الأماكن اللي وجه ليها. وراني طريقة تشغيل الكاميرات عشان طبعًا كنا بس هنشغلها وقت نومنا….
الأدرينالين كان عامل شغله معايا، أعصابي كانت خفبفة جدًا، إيدي متلجة من التوتر، لكن برضه في وسط دا كنت متحمسة جدًا! عندي فضول أن العقد تتفك وحدة وحدة ونفهم اللي بيحصل….
والدي ووالدتي دخلوا أوضتهم وأنا كمان، مكنش في حاجة تتعمل غير إننا نستنى ونشوف النتايج، والنهار ليه عنين ويمكن ليه إجابات….
حاولت أهدي نفسي عشان أعرف أنام… عملت الروتين المعتاد بتاع قبل النوم ، قراية ومتابعة للكومنتات وبعدين قفلت النور ومددت عالسرير….
هوا، هوا متركز على وشي زي هبو كدا، بس كان سخن وليه نمط معين، شهيق وزفير، نفس! في حد كان بيتفس في وشي! حد ممدد جنبي عالسرير…..
مفيش مجال أقوم وأفتح النور، كان لازم أشوف اللي جنبي فورًا… سحبت الموبايل بسرعة من تحت المخده وفتحت الشاشة… ضوء الشاشة الخفيف كان كافي يوضح اللي موجود جنبي….
واحد، جلد وشه وجسمه متآكل ، فاتح بوقه عالآخر كأنه بيصرخ بس الصرخة مش بتخرج، صرخة صامتة! في البداية صوتي أنا كمان اتحبس بس بعد بحظات ولما إستوعبت أن دا بيحصل بجد، مش بحلم صرخت بأعلى صوت، صرخات كتير ورا بعض….
عبال ما أمي وأبويا دخلوا عليا وهم مذعورين كان الشخص دا اختفى….
سألوني برعب عن اللي بيحصل… جاوبتهم من غير كلام، فضلت أهز براسي كإني بنفي أن في حاجة غلط… مرضتش أقول، أصلهم هيعملوا إيه؟ أنا اتذعرت وهم هيحصل معاهم إيه؟
كانوا عارفين إني بكدب لكن مرضوش يضغطوا عليا. أمي عرضت تفضل معايا في الأوضة وأنا رفضت وقلتلها إني هبقى كويسة….
………………………..
“شاهين” جه من الصبح بدري، كان طبعًا واخد باله من وشي المخطوف، سألني عن ليلة امبارح، رديت إني هجاوبه بس بعد ما نسمع التسجيل….
خرج موبايله وعلى الصوت عالآخر…..
لوقت كبير مكنش في أي صوت، لدرجة إني حسيت بملل، لكن بعد ما “شاهين” جرى التسجيل شوية، وكان المفروض فات ساعة على تشغيل الكاميرا ظهرت أصوات….
همس، كلام بهمس، قدرنا نسمعه عشان الصوت كان عالي:
-إحنا هنا عشان سوء المعاملة!
“شاهين” بتلقائية قال وهو بيبصلي:
-يعني إيه هنا؟ قصدهم إيه؟
-قصدنا إننا هنا، مش تعبير مجازي، أجسادنا موجودة هنا!
نط من مكانه ورمى الموبايل! الأصوات كانت بترد عليه كأنه بيكلمهم لايف مش تسجيل! إحنا الاتنين بصينا لبعض، ورجعنا بصينا للموبايل…
باقي الكلام كانت جمل متقطعة كل فترة زي:
-مكنش المفروض نتدفن، وقتنا مكنش لسه جه…… فِرة وضربت في كل الرؤوس…. الشوارع اتهجرت والبيوت….كان أسرع مننا، محدش كان عارف يهرب….
بعد ما التسجيل خلص “شاهين” فضل قاعد مربع إيده مش بيعلق…. بعد فترة سألته:
=دا معناه إيه؟ يعني إيه أجسادنا موجودة هنا؟
-ودا ليه كام معنى؟ أجسادهم موجودة يعني مدفونين هنا!
=هنا فين بالظبط؟؟
-في البيت، مش على بعد شارع، ولا ف مدافن معروفة، الناس دا مدفونة هنا….
=لأ، أنا مش مقتنعة.
-إنتي مش قلتي أن الريحة نفاذة في البيت ومش بترح وأنا كمان علطول بشمها من ساعة ما جيت أول مرة ودلوقتي…
=طبيعي يعني المدافن قريبة جدًا…
-كنت هبقى موافقك لو مفيش رابط وأدلة تانية تقول غير كدا…داليدا إنتي خايفة من إيه، يعني أنا آسف، أنتي كدا كدا غارزة في الوحل وإحنا بنحاول نخرجك فقلقانة بقى من مزيد من الوحل مثلًا؟!
=قلقانة أعرف الإحابات، قلقانة من اللي هنكتشفه من ظروف وأسباب موت أصحاب الهمس!
-وأنا كمان، بس مفيش مفر….
بليل كنت مسجلة الفيديو التالي.. حكيت للناس عن كل اللي حصل وبعدين قلت:
=الإجراء التالي هو نبش الأرضية اللي في مدخل العمارة، هنجيب عمال يحفروا على عمق كبير، يمكن نلاقي اللي الأصوات أشارت وأنتوا بنفسكوا سمعتوا الكلام اللي قالوه، يمكن نلاقي أجسادهم ونعرف أخيرًا اللي حصل لهم وسبب موتهم.. أنا بنوه أن الفيديو اللي جي هيبقى صادم، هصور عملية الحفر كلها ومعنديش علم بالمجريات بعد كدا، اللي ممكن نلاقيه فلو حد فيكم من أصحاب القلوب الضعيفة ياريت ميتفرجش، دا مش فيديو في قصة رعب أو مناقشة مثيرة للجدل، دا هيبقى فيديو حي لحاجات برا إستعابنا ونطاق معرفتنا…..
………………………..
7 الصبح “شاهين” والعمال جم وبدأت عملية الحفر….
كنت بصور لحظة بلحظة… الحفر دام حبه حلوين ومكنش في غير طبقات من التراب لحد ما فاس في إيد عامل خبط في حاجة صلبة.. الصمت سيطر على المكان، الكل حط لسانه ف بوقه، بقينا كلنا نبص لبعض، والعمال كإنهم مستنيين إشارتنا عشان يكملوا، أنا وشاهين هزينا راسنا ليهم بنديهم الإذن….
عظام بشرية وجماجم، عدد من الجثث مدفونة… أنا مش طبيبة شرعية ولا بفهم في الأمور الطبية بس شكلهم مكنش طبيعي، في حاجة غلط، أوضاع الإيدين والجماجم….
“شاهين” قدر بعلاقاته ينقل العظام لطبيب شرعي يعرفه والطبيب حلل العظام….
فعلًا العظام أدت أجوبة عن حالة أصحابهم، كلهم كانوا مرضى ، مصابين بداء الكوليرا… هو دا الاكتشاف الأولاني، أما الاكتشاف التاني أن عمر العظام 140 سنة تقريبًا…. الكوليرا اجتاجت مصر سنة 1883 بدأت في دمياط ومنها انتشرت لباقي مصر وزي ما الأصوات قالت ” فِرة وضربت في كل الرؤوس…. الشوارع اتهجرت والبيوت….كان أسرع منهم، محدش كان عارف يهرب….”…كان في صعوبة وقتها في رصد الوفيات بدقة بسبب دفن أعداد كبيرة من الجثث من غير كشوف طبية، المصريين سموها الشوطة أو الهوا الأصفر… للأسف كتير من الناس إستهونوا بالوباء وكانوا بيروحوا للعطارين عشان يديلهم علاج، استخبوا في بيوتهم مكانوش بيبلغوا عشان خايفين من الحجر الصحي… أما بقى الاكتشاف التالت والأبشع أن أصحاب العظام دي مدفنوش أموات! في حد أو أكتر دفنوهم وهم أحياء لسه والمرض بياكل في أجسامهم! ودا سبب أشكال الجماجم والإيدين المتشابكة والأفواه المفتوحة كإنها بتصرخ وبتستنجد… مكنش في مجال نعرف أكتر من كدا، نعرف مين المجرم اللي عمل كدا وإيه الدوافع بتاعته، لكن من كومنتات الناس كان في شوية توقعات زي أن الدافع هو الخوف من العدوى، يعني اللي عمل العملة السودة دي قال كفاية كدا وكان خايف أن العيلة دي تعدي حد تاني فشاف من الأسلم وعشان كدا كدا ميتين من وجهة نظره يدفنهم وهم بيصارعوا المرض، في كل الأحوال اللي حصل فيهم شيء بشع وقاسي…
الجثث شيلناها ودفناها في مدفن قريب من البيت، صلينا عليهم وقرينا قرآن ودعينا ليهم….
الرسومات شوية شوية بقت باهتة، ومع الأيام زالت من البلاط، ومبقاش في همس…
لحد اللحظة دي معرفش إيه كان المصدر، يعني أشباح مثلًا وهل فعلًا الميتين ممكن يتواصلوا مع الأحياء ويطلبوا منهم طلبات محددة وبالاستجابة بيرتاحوا؟ ولا دول كانوا القرين بتوع الأموات؟ ولا ذكرى المكان؟ أصل يقال إن الأماكن نفسها اللي بيحصل فيها حادثة بشعة أو حدث حين بتسجل الحدث زي شريط سينما وبتعرضه كل فترة، يعني أصحاب النظرية دي بيدعوا إن دي بتبقى ذاكرة المكان مش أكتر… الله أعلم بقى، المهم أن المشكلة إتحلت والرسومات إتشالت والجثث أخيرًا إتدفنت بالطقوس اللي ترضي ربنا وبما يليق بأي إنسان….
دي كانت آخر الفيديوهات اللي أنشرها من النوعية دي وكانت بداية إنطلاقة الكاريير بتاعي كيوتيوبر والحمد لله حققت نجاح رهيب واتنقلنا بفضل الله ثم الشغلانة دي لمستوى أفضل بكتير واتحلت مشاكلنا المادية… في كتير من الجمهور جالهم إحباط لأن مسيرتي مع الفيديوهات اللي بتناقش الخوارق خلطت من إنتهاء مشكلتي لكن كسبت جمهور كتير تاني والأكيد أن كل الناس، سواء اللي كانوا عايزنني أكمل في السكة دي أو غيرهم اتأكدوا إني مش كدابة ومش بحفر ورا الماورئيات ولا مهتمة بيها سعيًا للشهرة وللفت الأنظار….
تمت
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه
قصه الرسوم الغامضه