(تنويه.. تلك القصة للكبار فقط، نظرًا لما تحتويه من محتوى مرعب ودموي، ولذلك لا ينصح باستماعها او بقراءتها، لمن دون الواحد وعشرون عامًا.. اللهم بلغت)
“الميت بيخاف مرة واحدة بس.. اما الخايف، فبيموت في لحظة خوفه مليون مرة.”
في الليلة دي كان قاعد المحامي المعروف (وحيد نجيب) في مكتبه، الساعة كانت ١١ ونص تقريبًا، داس على زرار موجود على المكتب جنبه، فدخله عبد المقصود الساعي..
-اؤمرني ياسيادة المستشار.
لما عبد المقصود قال له كده، رد عليه وحيد بعجرفته وغروره اللي اتعرف بيهم من زمان..
-العيال اللي شغالين في المكتب مشيوا؟!
-ايوه جنابك.
-طب بص، انا لسه ماخلصتش ورق القضية اللي كنت شغال عليها، والمفروض ان القضية دي انا اللي اقراها بنفسي النهاردة، وعشان كده هضطر اسهر شوية.
-ماشي ياباشا.. اللي تشوفه، انا هسهر مع حضرتك.
-لا لا مامنوش لزمة، روح انت وتعالى بكرة بدري.
-أمر حضرتك.. سلامو عليكوا.
خرج عبد المقصود من مكتب وحيد ومنه على بيته، وفضل وحيد قاعد في مكتبه بيقرا في الورق اللي قصاده لحد الساعة ١٢ بالليل، ومع صوت دقة الساعة، ووقوف عقاربها عند ١٢ نص الليل، نور المكتب كله اتقطع!
-استغفر الله العظيم.. ده ايه القضية النحس دي، كل ما اجي اقراها تحصل حاجة تعطلني.
كان وحيد بيكلم نفسه وهو قاعد على كرسيه، لكنه فجأة قام وقف لما سمع صوت خطوات برة أوضة مكتبه..
-مين!.. مين اللي برة؟!
مسك موبايله ونور الكشاف بإيد، وبالإيد التانية مسك طبنجته المترخصة وراح ناحية باب الأوضة المقفول.. فتحه بهدوء وهو بيمشي على طراطيف صوابعه من الخوف…
-عبد المقصود.. انت رجعت؟!
ماحدش رد، فاضطر يخرج من أوضة المكتب ويبص في الأوضة اللي برة، الأوضة الكبيرة اللي عاملة زي صالون الاستقبال.. ومع خروجه كام خطوة لبرة، كان صوت الخطوات اختفى!
بلع ريقه بصعوبة وهو بيبص قصاده وبيوجه نور الكشاف شمال ويمين، وفي لحظة.. سمع من وراه صوت حركة، كإن حد بيتحرك بهدوء!.. لف بالراحة ووجه نور الكشاف بسرعة لمصدر الحركة، وبمجرد ما عمل كده اتفزع.. اتفزع لإنه شاف قصاده حد لابس روب المحاماه، الروب الاسود.. بس الحد ده ماكنش باين منه ملامح، كان لابس ماسك على وشه!.. وبسرعة رهيبة ومن غير أي مقدمات، وقبل ما وحيد حتى يعمل أي حركة او يضرب طلقة من طبنجته، كان الشخص اللي واقف قصاده ده، قرب منه بسرعة جدًا وغرس سرنجة في رقبته!
حس وحيد بدوخة وابتدا يطوح لحد ما وقع على الأرض، غمض عينيه واستسلم للمخدر اللي اتحقن بيه وغاب عن الوعي، وأول لما فاق، ماكنش شايف حاجة!
-في اييه.. ايه اللي بيحصل ده، هو انا مخطوف ولا ايه!
الدنيا فضلت ضلمة، هو اه وحيد فاق، بس مايعرفش هو فاق فين ولا ايه اللي جراله، هو كل اللي حاسس بيه إن إيديه ورجليه متكتفين ونايم على أرض باردة!.. فضل يصرخ وينازع زي تور في حلبة مصارعة تيران…
-انا فين.. ماحد يرد عليا.. انت مين وعامل فيا كده ليه؟!
لما سأل أسئلته التلقائية دي بصوت عالي، رد عليه صوت من مكان عالي في الأوضة، كان صوت غليظ.. تقدروا تقولوا كده إنه صوت شخص عادي بس متغير عن طريق برنامج لتغيير الأصوات، ولذلك.. فالصوت ظهر إنه غليظ، وظهر كمان إنه صوت مصطنع، يعني نبرته مش حقيقية.
-أهدا ياسيادة المستشار، ولا تحب اقولك يا عُقر زي ما البنات اللي بيشتغلوا، او بيتدربوا عندك ما بيقولوا؟!
اتعصب وحيد لما سمع الصوت ورد بغضب..
-لو دكر وراجل ياض اظهرلي، افتح النور واظهرلي كده وواجهني وش لوش.
ضحك صاحب الصوت ورد على وحيد بسخرية..
-لا حلوة.. المحامي الديوث اللي بيخرج القوادين والحريم الشمال من قضايا الدعارة، بيتكلم عن الرجولة!.. أما حاجة غريبة ياجدع، بس.. بس قولي ياعُقر.. هو ايه مفهومك عن الرجولة؟.. استنى استنى، ماتجاوبش، اصلك هتجاوب ازاي وانت عمرك ما شميت ريحتها.
اتعصب وحيد اكتر وزعق وهو بيحاول يفك نفسه..
-اه.. دي اجابتي على النص الأولاني للسؤال، اه.. انا خاطفك.. اما بقى النص التاني، فأجابتي عليه هتكون لأ.. هو انا يعني يوم ما اخطف اكبر محامي في البلد، هخطفه عشان فلوس؟.. بس تفتكر صحيح لو طلبت منك فلوس، اطلب كام.. او انت تساوي كام؟!
وهنا بقى ابتدا وحيد ينخ، ونبرته العالية بقت أوطى..
-اللي انت عايزه.. هديك اللي انت عايزه بس فكني ومشيني، اقولك.. فكني ومشيني وانا مش هجيب سيرة لحد باللي حصل.
-تاني؟!.. هتخليني اضحك على كلامك تاني؟.. جرى ايه ياعم، هو انا جايبك ملاهي عشان اكتفك شوية وبعد كده تديني شوية فلوس وامشيك؟.. ياوحيد افهم، انا مش عايز فلوس.. انا عايزك تنضف نفسك.
-انضف نفسي؟!!.. ازاي.. ازاي انضف نفسي يعني، وانضف نفسي من ايه اصلًا!
-من وساختك.
في اللحظة دي النور اتفتح عشان يظهر قصاد وحيد معالم المكان اللي هو فيه، أوضة صغيرة، حيطانها وأرضها من أسمنت، على المحارة زي مابيقولوا، اما هو.. فكان نايم على جنبه في الأرض ومربوط، إيديه الاتنين مربوطين في بعض بحبل قوي، والحبل ده واصل لرجليه وبرضه رابطهم في بعض، ومن بعد الربطة اللي في رجليه، الحبل كان ماشي وداخل في ثُقب.. والثُقب ده موجود في أوطى مكان في الحيطة اللي قصاده!
وحيد اول ما شاف منظر الأوضة والحبل، اترعب.. دقات قلبه زادت وابتدا يعرق بشكل ملحوظ، وقبل ما يقول أي حاجة، اترفعت الحيطة اللي طالع منها الحبل.. تقدروا تقولوا كده انها كانت حيطة ديكور، على عكس بقية حيطان الأوضة، وبعد ما اترفعت الحيطة خالص، ظهر من وراها لوح أزاز فيه نفس الثقب، وبرضه الحبل داخل منه للأوضة اللي قصاده، وعلى الناحية التانية، وحيد كان قادر يشوف من خلال الإزاز واحدة ست مربوطة زيه بالظبط، مربوطة بنفس الحبل اللي طالع منه!
بصلها وحيد وهو مش فاهم حاجة، وساعتها الصوت المصطنع اللي جه من سماعة موجودة في مكان ما في سقف الأوضة، فهمه كل حاجة.
-ايوه.. انا ملاحظ انك مركز مع كل حاجة قصادك، وقبل ما اقولك ايه اللي المطلوب منك ومنها، هقولك حاجتين.. الحاجة الأولى هي حدوتة صغيرة كده لازم تعرفها قبل ما نبدأ اللعب، والحاجة التانية هي شخصية الست اللي متخدرة قصادك على الناحية التانية دي.. بص ياسيدي، اول حاجة هي حدوتة ولد صغير ابوه جابله كمبيوتر وهو في تانية اعدادي، ولأن الدنيا كلها كانت مشغولة عنه وامه ميتة وابوه تملي في شغله، فمافيش حاجة كانت بتسليه في أجازته غير الأفلام الأجنبي اللي قدر يجيبها على فلاشة من السايبر اللي تحت بيته، ومن ضمن الأفلام اللي شافها كانت سلسلة افلام اجنبية.. سلسلة اسمها saw.. ولو ماشوفتهاش فانا هقولك على ملخص الحدوتة بتاعتها، الملخص كده إنها بتتكلم عن إن الشخص لازم يتعاقب بالذنب اللي عمله، لا وايه بقى، هو اللي يعاقب نفسه، ولو نجح وعاقب نفسه وكسب في اللعبة اللي بيتحط فيها، بيكسب حياته وبيعدي للعبة تانية، او بيخرج من اللعب خالص.. ومن هنا الولد حَب الفيلم، حب الرسالة اللي جاية من وراه، حبها حتى لو كانت رسالة بيتم تنفيذها بشكل غلط، بس اهو.. حبها وبقى مجنون باللعبة، لا وايه بقى.. ده كمان لما كبر قرر يدخلك فيها… ولحد هنا بتنتهي حكاية الولد، ومن بعدها نيجي بقى لشخصية الست اللي قدامك دي.. دي ياسيدي تبقى فريال هانم، فاكرها!
سرح وحيد شوية مع الست اللي كانت متخدرة ونايمة على الأرض.
-لا.. مش فاكرها.. مين دي؟!
ضحك الصوت وبعد كده رد على وحيد..
-اه صحيح.. هتفتكرها ازاي وانت كل يوم والتاني بتقابل وشوش زبالة شبهها.. عالعموم انا هقولك؛ فريال دي ياسيدي تبقى صاحبة جامعة خاصة، من سنين، ابنها الوحيد، وليد.. كان عيل بايظ ومقضيها كل يوم شرب وسهر، وفي ليلة، ووقت ما كان راجع من سهرة كلها ضرب، خبط شاب غلبان بعربيته وقتله، الواد اتعجن تحت العربية، ولما عرضت فريال دية على أهل الولد بعد ما ابنها اتقبض عليه عشان يتنازلوا عن القضية، أهل الولد رفضوا، وعشان كده راحتلك.. وانت بسم الله ماشاء الله، ممكن تعمل اي حاجة عشان فلوس، ف طبعًا قبلت انك تترافع عن ابنها ولبست ابو الواد قضية مخدرات وابتديت تساومه، ما بين التنازل عن قضية قتل ابنه، وما بين الحبس، واتنازل الراجل وطلعته من قضية المخدرات، والواد ابنها خد حكم مخفف خالص وقضى تقريبًا كام سنة وخرج.. ودلوقتي، ابنها بعد ما سفرته برة مصر، فتح مشروع وعاش حياته، اما ابو الواد اللي اتقتل، فمات هو ومراته من كتر الحزن على ابنهم، ابنهم يا وحيد اللي لا خدوا ديته ولا حتى اللي قتله اتعاقب.. تعلب ياعُقر.. تعلب.
بلع وحيد ريقه واتكلم ببطء..
-بس.. بس ده شغلي.. ودي كانت اول قضية في مكتبي المستقل، يعني كان لازم اقبلها.
-شغلك ايه بس ياراجل.. يعني شغلك بيقول انك تلبس ابو الواد مصيبة، وتطلع قاتل من قضية قتل!
اتعصب وحيد واتكلم بصوت عالي..
-وانا كنت هعمل ايه يعني، انا لو ماكنتش عملت كده، كانت هتجيب محامي غيري وبرضه كان هيتصرف، وكده كده ابنها كان هيطلع، ماكانتش هتغلب يعني.
-اه.. بس جابتك انت.. وانت اللي طلعت الواد، وعمومًا يعني ده مش موضوعنا، خليني اشرحلك اللي انت داخل عليه… في ساعة فوق لوح الأزاز.. شايفها؟!
بص وحيد لفوق، وساعتها شاف فوق الأزاز اللي قصاده ساعة عقاربها واقفة عند الساعة ١٢.. كمل الصوت كلامه مع نظرات وحيد للساعة وللست اللي لسه نايمة..
-الساعة دي عقاربها هتتحرك اول ما اقولك استعد.. ومن بعد حركة العقارب هيكون قدامك عشر دقايق بس، طب هتعمل ايه في العشر دقايق دول؟.. هقولك.. بص فوق، بعد المكان اللي انت فيه بشوية، هتلاقي حجر كبير في السقف.
بص وحيد فوقه عشان يلاقي حجر كبير بعيد عن المكان اللي هو نايم فيه بمسافة.. اقرب ل اللوح الأزاز!
-الحجر ده في زيه فوق مدام فريال، وكذلك الساعة برضه.. كل حاجة في الأوضة دي، في زيها في الأوضة اللي قصادها.. طب الحجر ده بيعمل ايه؟.. الحجر ده المفروض إنه بعد عشر دقايق هيقع، بس مش اللي فوقك ولا اللي فوقها مع بعض، لا.. هو حجر واحد بس اللي هيقع وهيجيب أجل اللي تحته، ودي اللعبة.. انت مطلوب منك تسحب نفسك وتسحب الحبل معاك لحد نهاية الأوضة، يعني لحد الحيطة اللي في ضهرك.. ولو جت عقارب الساعة عند ١٢ وعشرة وانت عند الحيطة، الحجر اللي ناحيتك مش هيقع… اما بقى الحجر اللي ناحية فريال، فللأسف هيقع.
سكت وحيد ثواني وهو بيفكر في كلام الصوت، وبعد سكوته رد بارتباك..
-بس.. بس انا هشدها هي كمان لأنها مربوطة بنفس الحبل اللي انا مربوط بيه، ولما اشدها هتبقى تحت الحجر وهيقع عليها، يعني بكده هبقى انا اللي موتتها.
-اه.. وبرضه هتبقى أنقذت نفسك.. وخليك فاكر.. لو فضلتوا انتوا الاتنين في النص، الحجرين هيقعوا ناحيتكوا.. يعني انتوا الاتنين هتموتوا.. لعبتي ياوحيد مافيهاش حياد.. يا قاتل، يامقتول.. يلا.. استعد.
اول ما الصوت قال استعد، ابتدت عقارب الساعة تتحرك، عدت دقيقة او اكتر وهو قاعد في مكانه مش عارف يعمل ايه، مصدوم، تايه، بيفكر هو ازاي ممكن يخرج من المصيبة اللي هو فيها دي، وبعد ما الصدمة راحت ابتدا يشد الحبل عشان فريال تقوم، وقامت فعلًا.. بصت حواليها، ماكانتش عارفة هي فين، كانت بتتكلم بس صوتها مش طالع!… الأزاز ده كاتم للصوت، والثقب اللي معمول فيه صغير اوي وعلى قد الحبل بالظبط.. يعني مافيش صوت ممكن يتنقل من خلال اللوح!
بصت فريال لفوق.. ناحية السماعة، كان الصوت بيقولها على قواعد لعبة، وبعد دقايق من نظرات وزعيق وحيد، رجعت فريال بضهرها وهي قاعدة وشدت الحبل من ناحية وحيد.. في اللحظة دي وحيد عرف إنها فهمت قواعد اللعبة وانها قررت تضحي بيه، وللسبب ده قرر وحيد انه يلعب.. رجع بضهره بكل قوة.. كان بيسحب الحبل وفريال هي كمان بتقاوم، يسحب وهي تقاوم.. يسحب وهي تقاوم، وفي الوقت المحدد.. وقفت عقارب الساعة عند ١٢ وعشرة.. ووقع الحجر اللي في الأوضة.. بس أوضة مين بقى.. أوضة فريال.
غمض وحيد عينيه لإنه ماقدرش يشوف منظر فريال والحجر بيحولها لمعجون بني أدمين، هو بس سمع صوت هبدة، وبعد ما فتح عينيه لقى الحجر واقع والإزاز اللي قصاده مليان دم!.. كان مصدوم، مرعوب، بياخد نفسه بالعافية وهو ساند ضهره على الحيطة اللي وراه.
-قلبك طيب يامتر.. ماقدرتش تشوفها وهي بتتعجن.. يااه.. فاتك مشهد عظيم.
لما الصوت اللي خارج من السماعة قال كده، رد وحيد وهو حرفيًا بيشيط من الغضب..
-ششش.. اخرس ياديوث.. وقبل ما تسأل نفسك انا ليه بندهك باللقب ده، عاوزك تركز في اللي هقوله عشان تفهم.. خد نَفسك بالراحة واملى صدرك بالهوا اللي جواه مخدر عشان تنام، ولما تصحى وتلاقي نفسك في المرحلة الجديدة.. هبقى اقولك انا ليه ندهتك بالأسم ده.
ابتدا وحيد يتنفس لحد ما غاب عن الوعي، واول ما فتح عينه لقى نفسه برضه متكتف والدنيا ضلمة من حواليه، لكن المرة دي ماكنش نايم على الأرض.. ده كان حاسس إنه قاعد على كرسي!
يتبع
الروب الاسود
٢
ابتدا وحيد يتنفس لحد ما غاب عن الوعي، واول ما فتح عينه لقى نفسه برضه متكتف والدنيا ضلمة من حواليه، لكن المرة دي ماكنش نايم على الأرض.. ده كان حاسس إنه قاعد على كرسي!
-وحوح.. وحييد.. صباح الفل يامتر.. تحب اجيبلك الفطار؟!
رد وحيد على نفس الصوت الغليظ بتعب..
-انت ايه.. جنس ملتك ايه؟!
-ياعم ماتشغلش نفسك بيا، خلينا فيك انت.. يلا استعد للمرحلة اللي جاية، بس قبل ما افتح النور واشرحلك المرحلة دي، هدردش معاك في كام حاجة كده لحد ما تفوق خالص من أثر المُخدر.. قولي يامتر.. تفتكر ليه المحامي بيلبس روب اسود؟.. استنى استنى ماتجاوبش، انا هقولك.. في فرنسا، سنة ١٨٩٧.. كان في قاضي قاعد في البلكونة وقت العصر كده، بيشرب فنجان قهوة.. القاضي ده وهو قاعد منسجم وسرحان، اتنفض من مكانه لما شاف جريمة قتل بتحصل قدامه.. ومش بس شاف جريمة القتل، ده كمان شاف ملامح القاتل كويس اوي، وشاف كل تفاصيل الجريمة.. ومع مرور الأيام وبعد ما القاتل ده اتقبض عليه بعد ما كان هربان واتجاب بعد كده، اتعرض قدام القاضي.. وطبعًا القاضي لأنه كان شاهد على اللي حصل، حَكم على المتهم بالإعدام، وماستكفاش بالحُكم وبس، ده كمان حضر الإعدام اللي تم عن طريق المقصلة، بس قبل الحُكم كان في حاجة غريبة في القضية، المتهم وقت المُحاكمة، قدر يجيب كذا شاهد أثبتوا إنه كان موجود في مكان تاني وقت وقوع الجريمة، بس للأسف القاضي ماهموش شهادة الشهود وقال الحُكم بُناءًا على اللي شافه.. وتمر الأيام والشهور ويجي قدام القاضي نفس المتهم تاني، نفس الشخص، نفس الملامح، والمرة دي متهم في قضية تانية!.. حاجة غريبة مش كده؟.. وقتها القاضي سأل المتهم وقال له، مش انا اديتك اعدام من شهور وحضرت التنفيذ بنفسي!.. ازاي واقف قدامي دلوقتي والمفروض احاكمك في قضية تانية؟.. وحتى لو هربت.. هتكون قدرت تهرب ازاي وانت ميت؟.. بص المتهم للقاضي وقال له كلام نزل عليه زي الصاعقة، المتهم قال للقاضي بكل برود إنه فعلًا ارتكب الجريمة الأولى، اللي هي جريمة القتل اللي شافها القاضي، وبعد ما ارتكبها هرب، واللي اتقبض عليه يبقى اخوه التؤام.. اخوه التؤام هو اللي اتعدم ظلم!
اتصدم القاضي وعاش فترة طويلة في حالة نفسية وحشة اوي، ولما رجع لشغله من تاني واشتغل على قضية جديدة، اتفاجئ بمحامي داخل عليه بروب اسود!.. استغرب من شكل الروب وسأل المحامي عن السبب اللي مخليه لابسه، وقتها المحامي قال له إن الروب ده بيُمثل شبح الشخص اللي اتعدم ظلم، وقال له كمان إنه لبسه مخصوص قصاده عشان يفكره بحاجة مهمة اوي.. والحاجة دي هي الحكم بالأدلة والبراهين وبالقانون.. فهمت حاجة؟!
-انت عاوز توصل لإيه؟!
-حاجتين ياوحيد.. عاوز اوصلك من الحكاية دي حاجتين، الشخص اللي بيتقتل ظلم مابيموتش.. شبحه بيفضل يطارد اللي ظلمه في الدنيا، ولو حقه مارجعش، بياخده أضعاف في الأخرة.. والحاجة التانية هي انت.. المحامي، انت اللي ممكن تلعب في ثغرات القوانين عشان تخلي القاضي يحكم بالحكم اللي يرضيك ويرضي موكلك حتى لو كان مجرم.. بس بقولك ايه.. أظن الحكاية دي فوقتك، ركز معايا بقى عشان هفتح النور.
سكت الصوت، ومع سكوته اتفتح النور عشان وحيد يشوف الأتي؛ كان في نفس الأوضة، قاعد على كرسي غريب، إيديه ورجليه متكتفين في الكرسي، اما على راسه، فكان في خوذة حديد غريبة مش عارف هو لابسها ليه!.. وقصاده بالظبط، كان موجود نفس اللوح الإزاز، لكن المرة دي كان ظاهر قصاده راجل في الستينات تقريبًا، ماكنش دريان بحاجة لإنه لسه متخدر ومافاقش، ركز معاه وحيد وساعتها اكتشف إنه قاعد على كرسي شبه الكرسي اللي هو قاعد عليه بالظبط!
ركز وحيد اكتر واكتر مع الراجل، كإنه بيبص لملامحه وبيتعرف عليه، وبعد تركيز دام لفترة قصيرة، قال وحيد بصوت عالي..
-الحاج عبد الناصر ال..
قاطعه الصوت قبل ما يكمل..
-القُرني.. عبد الناصر القُرني، ٦٧ سنة، صاحب سلسلة كافيهات مشهورة، والكافيهات دي بيشتغل فيها بنات، بس مش ويتارية ولا كاشير ولا أي وظيفة عادية، ده عبد الناصر بيخليهم يقعدوا وكأنهم زباين، والواحدة من دول تشاغل الزبون وتوقعه لحد ما يظبط معاها، وبعد ما يتفقوا على السعر وكل حاجة تبقى تمام، تاخده البنت وتروح على شقة صاحبها يبقى عبد الناصر، ويحصل اللي بيحصل بين أي واحد ديله نجس وبت شمال، واهو.. كان شغال ومدورها لحد ما في يوم قتل بنت من البنات اللي شغالين عنده، البت كانت عاوزة تهرب وتتوب وتتجوز.. بس هو رفض، ولما عاندته قتلها، وبعد ما قتلها جالك وقعد يعيطلك.. وسيادتك طبعًا دليته على اللي الفروض يعمله، قولتله يرميها في أي حتة صحراوية ويسيب جنبها رسالة مضمونها انها انتحرت، وجوز ام البت اللي بيربيها بعد ما امها ماتت، ومشغلها عند عبد الناصر من الأول، اشتريتوا سكاته بالفلوس، وعدت.. عدت الحكاية وجوز ام البت بعد فترة اتلحس في عقله من كتر الشرب وبقى متسول، ومات في الشارع، وبعد ما السنين مرت وعبد الناصر ريحته فاحت ووقع في إيد الحكومة، سيادتك اترافعت عنه وطلعته من كذا قضية دعارة، مرة بإن الشقة دي مش بتاعته وهو كان مأجرها لناس جيبتوهم وشيلتوهم الليلة، بعد ما قبضوا طبعًا، ومرة بإنك خليته كتب كافيه من كافيهاته لواحد من اللي شغالين معاه، وشيلتوه هو كمان الليلة التانية، وهكذا يامتر، لحد ما عبد الناصر خرج منها ابيض ورجع يكمل شغله من تاني، بس المرة دي في المتداري وفي أماكن مختلفة، اما انت بقى، فانت طلعت من ده كله بملايين.. وطبعًا انت عارف الملايين دي جاية منين، ما هو واحد زي عبد الناصر ده هيكون كسب ملايين منين يعني؟.. ورغم كده برضه خدت الفلوس وساعدته، خدتها وانت عارف انها جاية من شغل الدعارة.. تبقى قواد ولا مش قواد يا وحوح.. طب تبقى ديوث ولا مش ديوث؟.. عرفت بقى انا كنت بناديلك باللقب ده ليه؟
اتهز وحيد في مكانه ورد على الصوت بزعيق..
-انا هقتلك.. لما نخلص من الهبل اللي انا فيه ده، هقتلك، وكتاب الله المجيد هخلص عليك بعد ما اوريك النجوم في عز الضهر.
رد عليه الصوت بتريقة..
-كداب ياوحيد.. ولا هتعرف تعمل معايا حاجة، وبعدين انا عاوزك تبطل نفاق بقى، بطل بقى تحلف بكتاب الله وانت عمرك ما احترمت احكامه ولا نفذت اللي مكتوب فيه!.. اتكلم على قدك ياوحيد وركز معايا، المرحلة اللي جاية رخمة ومش سهلة، دلوقتي الكرسي اللي انت قاعد عليه ده اسمه كرسي الإعدام، او كرسي الكهربا.. وطبعًا انت عارفه لإنك أكيد درسته في كلية حقوق، ولو مادرستوش او لو ماكنتش بتحضر يعني، فانا هشرحلك.. الكرسي ده لما بيشتغل بكامل قوته، بيوصل كهربا لجسم اللي قاعد عليه قادرة إنها تحوله في دقايق لكتلة من النار.. طب وايه اللي المفروض تعمله عشان الكرسي مايشتغلش؟.. بص ياسيدي، هتلاقي تحت رجلك الشمال زرار، الزرار ده لما هتدوس عليه برجلك، الكرسي هيشتغل اه، لكن مش بكامل قوته، هو هيشتغل بنسبة ١%.. يعني هيوصل لجسمك كهربا ماتموتكش، كهربا هتعذبك عن طريق الخوذة اللي على دماغك لإنها بتوصل للمراكز العصبية على طول، وانت وشطارتك بقى.. الساعة لسه في مكانها، بص عليها كده.
بص وحيد على الساعة اللي فوق اللوح الإزاز، كانت في مكانها، والعقارب برضه واقفة على الساعة ١٢.. ضحك الصوت وقال له بهستريا..
-جدع ياوحيد.. نبيه، ايووه.. اللي بتفكر فيه مظبوط، اول ما عقارب الساعة تتحرك هيكون قدامك خمس دقايق بس، ولو العقارب وقفت عند ١٢ وخمسة وانت مابتتكهربش، الكرسي هيشتغل بكامل قوته، وكذلك هو كمان.. عبد الناصر.
اول ما الصوت قال اسم عبد الناصر، جسم عبد الناصر اتنفض وكأنه اتكهرب، فتح عينيه وابتدا يبص حواليه برعب وخوف.. بعد كده بص لفوق، للسماعة اللي طالع منها الصوت، اتشرحتله قواعد اللعبة ووحيد بيبصله وهو مش سامع اي حاجة، بص له عبد الناصر وهو بيعيط وحاول يتواصل معاه، بس ماعرفش.. كان منهار، وفي الناحية اللي قاعد فيها وحيد، اتكلم الصوت من السماعات..
-اجهز.. اول ما اقولك استعد، العقارب هتتحرك، ولو العقارب وقفت وانت مابتتكهربش، هتموت، وهو كمان نفس النظام، ولو انتوا الاتنين عدت عليكوا الخمس دقايق وانتوا بتتكهربوا الكهربا الخفيفة، هتعيشوا، إنما اللي هيضعف، هيموت… وقبل ما نبدأ في ملحوظة، كل ما حد فيكوا هيدوس على الكهربا الخفيفة، الوقت عند التاني هيعدي بسرعة والعقارب هتجري بضعف سرعتها.. يعني كل ما تكهرب نفسك بالكهربا البسيطة اكتر، هتبقى بتنقذ نفسك وبتوتر اللي قدامك وبتخليه يكهرب نفسه لحد ما ينهار.. ايوه هي دي اللعبة، اللي هيتحمل اكتر ومش هيشيل رجله من على الزرار في الدقيقتين ونص.. هيعيش، واللي مش هيتحمل وهيسحب رجله، هيتفحم.. يلا.. استعد.
وبعد ما الصوت قال كلمة استعد، ابتدت العقارب تتحرك، ومع حركة العقارب اتفاجئ وحيد إن الساعة عنده بتمشي بسرعة، وده معناه إن عبد الناصر بيكهرب نفسه عشان يخلي الوقت يعدي عند وحيد بسرعة، ويموت.. ساعتها وحيد استنى شوية، ووقت ما العقارب وقفت عند النص بالظبط وتعب عبد الناصر، داس وحيد على الزرار برجله وابتدا يتكهرب.. في الأول الكهربا كانت بسيطة، زي هزات خفيفة كده حاسس بيها جوة راسه، ومع استمراره في الضغط على الزرار، ابتدا عبد الناصر ينهار وابتدت العقارب تمشي عند وحيد ببطء.. وفي اللحظة دي وحيد ماوقفش، ده فضل دايس ومستحمل تأثير الكهربا البسيطة اللي ابتدت تخلي جسمه يتنفض، كان بيصرخ وبيقاوم، وفي نفس الوقت رجله كانت ميتة على الزرار، ووسط كل ده كان ملاحظ عينين عبد الناصر اللي بصت على العقارب وابتدت تدمع، خلاص.. عبد الناصر سلم ومابقاش قادر.. جسمه ساب واستسلم، وفي لحظة، ابتدا وحيد ينهار ووعيه ابتدا يقل، والرعشة اللي في جسمه بسبب الكهربا المستمرة، زادت، وقبل ما يغيب عن الوعي شاف اضاءة الأوضة اللي قصاده وهي بتطفي وبتنور بشكل هيستري، وكمان قدر يسمع صوت عبد الناصر وهو بيصرخ، وفي لحظة فتح عينه للمرة الأخيرة عشان يشوف جثة عبد الناصر وهي متفحمة على الكرسي بعد ما الكهربا الشديدة حرقتها، ومن بشاعة المنظر والألم اللي كان حاسس بيه وحيد.. غمض عينيه واستسلم.
-وحييد.. يا متر… انت يازفت الطين، فوق يلا خلينا نخلص.
فتح وحيد عينه بعد ما سمع نفس الصوت وهو بينادي عليه، كان في نفس الأوضة ونورها الأبيض شغال، وبسبب النور قدر يشوف كل حاجة حواليه؛ ايديه ورجليه ماكنوش مربوطين، كانوا بُعاد عن بعض، بس كان فيهم جنازير مش طويلة اوي داخلة جوة الحيطة اللي وراه، وقصاده كان نفس لوح الأزاز زي ما هو.. والأوضة التانية كانت فاضية، بص للسماعة بتعب وهو نايم على الأرض.
-هتعمل فيا ايه تاني؟!
بعد سؤاله ده، جاوبه الصوت اللي خرج من السماعة..
-هو انا عملت فيك اولاني عشان اعمل فيك تاني، ياعم ده انت عديت من المرحلتين اللي فاتوا زي السكينة في الحلاوة.. جرى ايه، ماتجمد كده ياسيادة المستشار، اجمد كده وركز معايا في اللي جاي.
-انا برضه اللي شيطان.. ده انت اللي عم الشياطين كلهم، طب اقولك على حاجة، انت شخصية تدرس، ومش بس تدرس والله.. ده انت يتعمل عنك أفلام، لكن تفتكر مين ممكن يعمل دورك في فيلم!.. ما اظنش ان في حد هيعرف يقلد وساختك، ده انت غلبت استاذ البا تشينو في فيلم محامي الشيطان.
-هزر هزر ياروح امك.. ااه.. ااه لو اعرف انت مين.
-هتعرف.. لو عديت من المرحلة دي هتعرف….
يتبع
الروب الاسود
٣
فتح وحيد عينه بعد ما سمع نفس الصوت وهو بينادي عليه، كان في نفس الأوضة ونورها الأبيض شغال، وبسبب النور قدر يشوف كل حاجة حواليه؛ ايديه ورجليه ماكنوش مربوطين، كانوا بُعاد عن بعض، بس كان فيهم جنازير مش طويلة اوي داخلة جوة الحيطة اللي وراه، وقصاده كان نفس لوح الأزاز زي ما هو.. والأوضة التانية كانت فاضية، بص للسماعة بتعب وهو نايم على الأرض.
-هتعمل فيا ايه تاني؟!
بعد سؤاله ده، جاوبه الصوت اللي خرج من السماعة..
-هو انا عملت فيك اولاني عشان اعمل فيك تاني، ياعم ده انت عديت من المرحلتين اللي فاتوا زي السكينة في الحلاوة.. جرى ايه، ماتجمد كده ياسيادة المستشار، اجمد كده وركز معايا في اللي جاي.
-انا برضه اللي شيطان.. ده انت اللي عم الشياطين كلهم، طب اقولك على حاجة، انت شخصية تدرس، ومش بس تدرس والله.. ده انت يتعمل عنك أفلام، لكن تفتكر مين ممكن يعمل دورك في فيلم!.. ما اظنش ان في حد هيعرف يقلد وساختك، ده انت غلبت استاذ البا تشينو في فيلم محامي الشيطان.
-هزر هزر ياروح امك.. ااه.. ااه لو اعرف انت مين.
-هتعرف.. لو عديت من المرحلة دي هتعرف.. فركز معايا بقى كده عشان نخلص.. لو بصيت على الساعة هتلاقيها واقفة عند ١٢ برضه، ولو بصيت تحت رجلك بالظبط هتلاقي سكينة.. طب هتعمل ايه بالسكينة دي يا وحيد.. هتعمل ايه بالسكينة دي ياوحيد.. اقولك انا.. انت هتمسك السكينة بإيدك الشمال، وزي الشاطر كده هتقطع سبابة كفك اليمين، طب هتقطع الصباع السبابة ليه برضه؟.. اسم الله عليك.. انت هتعمل كده عشان لو ماقطعتوش في خلال عشر دقايق، الفتحات اللي في الأوضة هيدخلك منها غاز مسمم، غاز اول تشمه هتموت.. يلا.. فاكر كلمة البداية في أي لعبة كانت ايه؟
رد وحيد وهو بيمسك السكينة..
-فاكر.. استعد، إنما قبل ما اللعبة تبدأ عاوز اقولك حاجة، انا موافق العب اللعبة الأخيرة عشان اعرف انت مين، واوعدك اني هكسب وهعرف انت مين، واوعدك كمان اني بعد ما اعرفك مش هسيبك.
-يووه.. بطل هري بقى ياعم.. يلا.. ١.. ٢.. ٣.. استعد ياعُقر.
بص وحيد ناحية عقارب الساعة، ابتدت تتحرك.. ومع حركتها قرب وحيد السكينة من كف إيده اليمين.. كان بيدمع وجسمه كله بيترعش، حركة عقارب الساعة بتزيد.. ووحيد بيقرب السكينة من صباعه، قربها اكتر واكتر.. جمد قلبه واتشجع وقاوم دموعه وخوفه من الألم، وابتدا يقطع صباعه.
صراخه ماكنش بيقف، نصل السكينة الحامي اخترق الجلد وابتدا يقطع في العروق واللحم.. عياط وحيد زاد وعقارب الساعة بتمشي، ونصل السكينة هو كمان بيمشي.. صوته جوة اللحم وشكل الدم وريحته، خلوا وحيد ينهار، اللعاب سال من بوقه واختلط بالدموع والدم.. صرخاته اتحولت لأنين.. وبعد حوالي ٨ دقايق، كان الصباع انفصل عن الكف وعقارب الساعة وقفت.
انهار وحيد وفرد جسمه على الأرض، بص على كف إيده وعلى مكان الصباع المقطوع وهو بيترعش.. وقبل ما يستجمع قوته كان ظهر قصاده في الأوضة التانية شخص.. نفس الشخص اللي لابس القناع والبالطو الاسود.. نفس الشخص اللي خطفه من مكتبه.
قرب من الأزاز اللي اتفتح لوحده، دخل للأوضة اللي فيها وحيد ووقف بعد مكان الأزاز بخطوتين، بص له وحيد وبتعب قال له..
-انا ماخوفتش ولعبت وكسبت، شيل اللي انت لابسه ده وواجهني.
رد عليه الشخص بصوت شاب..
-لا انت خوفت.. انت اصلًا لعبت وكسبت عشان خايف.. خايف من الموت ياوحيد، خايف تقابل ربنا وتقف بين إيديه.
-ايه.. بتتوه في الكلام ليه، انت خايف مني بجد وخايف تشيل القناع لا اعرفك ولا ايه؟
-اخاف منك!.. انا اخاف منك!.. ده المفروض انت اللي تخاف لما تعرفني.
شال الشاب القناع عشان تظهر من وراه ملامحه، ملامح شاب في نهاية العشرينات، بص له وحيد باستغراب وسأله..
-انا ماعرفكش.. انت مين؟!
-هحكيلك.. وماتحاولش تقوم ولا تهجم عليا لإن الجنازير قصيرة، هترقدك مكانك تاني.. فأحسنلك تقعد زي الشاطر كده وتسمع حكايتي، وبعد ما هخلص اوعدك اني هعمل معاك الصح.. بص ياسيدي.. من سنين كتير كنت انت شغال عند محامي كبير ومعروف، المحامي ده رفض قضية لدكتور عنده مجموعة مستشفيات خاصة، رفضها لإنه بيخاف على سمعته وكمان لإنها قضية تجارة أعضاء كان الدكتور المعروف متورط فيها، ماهو الدكتور الفاضل صاحب المستشفيات، المحترم، كان بيستغل العيانين.. بس مش الاغنيا اللي بيتعالحوا بفلوس، لا.. الغلابة اللي بيدخلوا عنده وهم طمعانين في علاج مجاني منه لحالتهم، بس هو بقى كان بيموتهم وبياخد أعضائهم، ولما واحد من أهل الغلابة دول شاف حاجة غريبة في جثة ابوه قبل ما يدفنه وراح بلغ باللي شافه.. الشرطة راحت المستشفى وحققت وقدروا يعرفوا إن دي مش أول جثة يتاخد منها أعضاء.. واتقبض على صاحب المستشفى واتقال عليه رئيس العصابة، واول ما قدر يخرج بكفالة، راح للمحامي الكبير وحاول يوكله في القضية، بس هو رفض، وساعتها ظهرت انت.. محامي شاب، شاطر، موهوب في اللعب بالقانون، خرجت جري ورا الدكتور واتواصلت معاه ولقيتله الحل.. حد يشيل الليلة مكانه، والحد ده لازم يكون له علاقة بالمشرحة والجثث، ووقع الاختيار على عم جبر.. عامل المشرحة الغلبان، قتلتوه وبينتوا إن موته كان انتحار، وحطيتوا جنبه ورقة فيها اعتراف منه، بإن ارواح الجثث اللي سرق اعضاءها بتطارده، وعشان كده انتحر.. انتحر لإنه رئيس العصابة الأساسي.. وبس ياسيدي، اتقفلت القضية وانت قبضت ملايين وبقيت محامي معروف، والدكتور خد حكم مخفف وخرج واشتغل، وفضل شغال لحد ما ربك عزوجل أراد إنه يتصاب بمرض نادر، ومرضه ده خلاه خسر كل حاجة وقفل مستشفياته واحدة ورا التانية، وفي الأخر مات.. إنما في الوقت اللي هو كان بيتعب فيه، كان في عيل صغير بيكبر، كريم جبر الغنام.. انا.. انا كريم ابن جبر عامل المشرحة، بعد ما قتلتوا ابويا مابقتش عارف اروح فين، ماكنتش اعرف حد من قرايبنا لإن اقربهم لينا كان بعيد اووي.. وامي ميتة، فانا وقتها ماكانليش حد غير عم عبد المقصود صاحب ابويا من ايام ثانوي، كنت بعتبره زي عمي بالظبط، روحتله وانا عيل في اعدادي، والراجل كبرني ورباني مع ابنه، وبعد ما عديت ثانوي وجامعة وكبرت، اشتغلت.. اشتغلت وحوشت وبدأت امشي ورا الخيط اللي باقي من القضية.. ماهو ابويا اللي اعرفه وعيشت معاه، لا عمره كان بيتاجر في أعضاء ولا كان ممكن ينتحر، ووصلت ياسيدي للخيط اللي باقي.. انت.. الشخص الوحيد اللي متبقي وشاهد على كل اللي حصل.. ايه مالك؟.. مبرق كده ليه؟.. اه عبد المقصود الساعي اللي بيشتغل عندك هو اللي رباني، الراجل الله يكرمه اشتغل عندك بالاتفاق معايا عشان يجيبلي كل اخبارك وكل القضايا الوسخة اللي انت شغال او اشتغلت عليها، واخرهم القضية اللي كنت قاعد بتقرا ورقها قبل ما اخطفك.. قضية القاتل اللي قتل ضحيته في وسط الشارع وانت قبلت تترافع عنه، ايه.. قبلت القضية ليه؟.. كنت هتدورله على مخرج عشان تطلعه مجنون، ولا كنت هتزيف الحقيقة اللي الناس كلها شافتها؟.. ولا.. ولا كنت ناوي تطعن في شرف الضحية وتبررله قتله العَمد قصاد القاضي؟.. لكن كل ده مايخصنيش.. انا اللي يخصني هو حقي، وانا بصراحة خدته بعد ما لعبنا لعبتي المُفضلة، ايوه صح نسيت اقولك.. الشاب، صاحب الحكاية اللي حكيتهالك في الأول، يبقى انا.. انا ابويا زمان، كان جايبلي كمبيوتر وكنت بشوف عليه سلسلة افلام saw.. وبصراحة كانت بتبهرني، وعشان كده بعد ما جمعت بلاويك اختارت ان انتقامي يكون في الأوضة دي، شايف الدماغ لما بتشتغل في الانتقام، مش زيك.. دماغك مابتشتغلش غير في اللعب بالقانون وبس.
-انت حيواان.. فكني.. لو راجل فكني وانا هفرجك هعمل فيك ايه.
-هتعمل ايه يعني بصباعك المقطوع ده!.. وبعدين انت بدل ما تحمد ربنا إنها جت على صباع واني ماموتكش، عايز تقوم وتموتني!.. ثم انت لو قومت يعني هتفرجني على ايه، ده انا اللي فرجتك على مشاهد خلتك تموت ألف مرة في الثانية الواحدة، وعلى فكرة بقى ده المطلوب.. انا ماكنتش عاوز اموتك، اصل انا مؤمن بكام مقولة؛ المقولة الأولى هي إن الدال على الخير كفاعله، والمقولة التانية هي إن اللي بيهرب حد من عقاب على ذنب هو عمله وقاصد، بيكون زيه زي فاعل الذنب بالظبط… والمفروض يتعاقب هو بدل اللي فَلت من العقاب، وكمان مؤمن بالمقولة اللي بتقول إن الميت بيخاف مرة، والمرة دي بتكون وقت الموت.. اما الخايف، ف بيموت ألف مرة وقت خوفه.. وانا بقى شوفتك وانت بتخاف وبتموت الف مرة، وكمان شوفتك وانت بتقطع في لحمك، واه.. قبل ما امشي في ملحوظتين عاوز اقولهملك، اولًا مافيش حد مات.. الحجر اللي كان فوقك انت وفريال، كان حجر فلين مدهون اسود.. ولما وقع على فريال اتفتحت فتحة في الأرضية ونزلت هي في مكان تاني تحت الأوضة دي، وبالنسبة للي شوفته عالأزاز فماكنش دم، ده كان كاتشب.. أما عبد الناصر بقى فبرضه ماماتش، الكرسي اتقلب لورا ووقع في نفس الفتحة اللي وقعت فيها فريال، واتبدل في لحظة بكرسي تاني عليه عروسة مولعة على شكل بني أدم شبهه.. يعني في المرحلتين ماكنتش هتموت، وحتى في المرحلة التالتة كمان لو ماكنتش قطعت صباعك كنت هتعيش، مافيش غاز سام ولا نيلة.. انت اللي جبان، وزي ما قولتلك، بتخاف من الموت.. او بتخاف من اللي هتشوفه بعد الموت.. ودلوقتي، خلاص.. انا كده خلصت، وبعد ما اخرج من هنا هتتخدر انت بغاز مخدر، ولما تصحى هتلاقي نفسك مرمي على الرصيف اللي قصاد فيلتك، وكمان هتلاقي مكان صباعك متعالج وجوة جيب بنطلونك هتلاقي صباعك اللي اتقطع.. ونصيحة من واحد اذكى منك.. ماتدورش على عبد المقصود ولا عليا، انا وهو وعيلته هنكون برة مصر قبل ما انت تفوق.. واخر حاجة خالص بقى عشان ابقى رضيت ضميري.. اتمنى لما ترجع لحياتك وتتأكد إن فريال وعبد الناصر عايشين واتربوا.. اتمنى إن انت كمان تتربى وتعلن انك مش هتترافع في القضية اللي كنت شغال عليها، وألا… وألا ممكن في يوم من الأيام تلاقي نور المكان اللي انت قاعد فيه اتقطع وفجأة تلاقيني ظهرت في وشك تاني.. سلام يا.. ياديوث، ولا تحب اقولك ياعُقر ولا ياتعلب ولا.. ولا يا اوسخ واحد لِبس الروب الاسود.. تحب اقولك ايه؟
لف كريم وادا ضهره لوحيد، وقف في نص الأوضة التانية وابتسم وهو بينزل من الفتحة اللي في نص الأوضة، الفتحة اللي نزلت فيها فريال ومن بعدها عبد الناصر، وبعد نزوله ابتدا المخدر يخرج من فتحات التهوية وغاب وحيد عن الدنيا، ولما فتح عينه المرة دي لقى نفسه زي ما كريم قال له بالظبط.. كان مرمي على رصيف قصاد فيلته ومكان الجرح كان متعالج كويس، والصباع المقطوع كان في جيبه… ولحد هنا بتخلص الحكاية برجوع وحيد نجيب لحياته، واختفاء عبد المقصود وعيلته ومعاهم كريم.. اما عبد الناصر وفريال، فدول من الصدمة حياتهم اتشقلبت، عبد الناصر تاب ومابقاش بيخرج من المسجد، وفريال فقدت النطق خالص ومابقتش بتتكلم مع أي حد.. وبعد ما فاتوا أيام، اتنشر خبر ومقال في الجرايد.. مقال قراه كريم لعم عبد المقصود بصوت عالي وهو قاعد جنبه في بيت أجروه في دولة ما سافروا ليها.
(لأسباب غير معروفة، اعتذر المحامي المعروف وحيد نجيب عن الدفاع في قضية القاتل الشهيرة.. وبسؤاله عن أسباب الأعتذار.. أجاب بأن الأسباب تخصه وحده… ثم نظر ليده اليمنى ولإصبعه المقطوع.. وبكى!)
تمت