قصص

قصه الساكت كاملة

بداية الحكاية من البلد اللي انا كنت فيها، اصل قبل العيد بحوالي اسبوع كده، جه الواد ابن عم الحاجة مراتي وعزمنا على فرحه، وفرحه ده كان في البلد اللي هو عايش فيها هو وابوه واجداده من قبله، بلد اه بعيدة وتعتبر في حضن الجبل زي ما بيقولوا، بس ناسها طيبين وغلابة، لكن ده دلوقتي بس، إنما زمان كان الوضع غير الوضع.. ولما بقولك زمان فانا ماقصدش زمان اوي، انا اقصد في الستينات كده، في الوقت ده البلد حصلت فيها حاجات غريبة، والحاجات الغريبة دي والحكاية كلها، هنقلها لك زي ما حكهالي محمود ابو ثابت، جد الوالا اللي انا حضرت فرحه.. وبداية الحكاية كانت من عند وقفة محمود في الشباك، ما هو وقتها محمود كان شاب وكان عايش في بيته هو واخوه محمد اللي اصغر منه بتلات سنين، كانوا عايشين لوحدهم بعد موت ابوهم وامهم، ويومها لما محمود كان واقف في الشباك ومولع سيجارة، سمع صوت الشيخ في الجامع وهو بيقول بحزن..
(البقاء والدوام لله.. توفى إلى رحمة الله زينة الشباب، حنفي الدندراوي ابن الحاج عاطف الدندراوي، والدفنة النهاردة بعد صلاة العصر)
رمى محمود السيجارة من الشباك وبص لمحمد اخوه وقال له بضيق..
-الله!.. هو في ايه بقى، ده رابع شاب من شباب البلد يموت في يومين، هي الدنيا جرالها ايه، ده احنا كده هنخلص!
قام محمد من مكانه وراح ناحية الباب وهو بيقول لمحمود..
-أجل أي كلام لحد ما نروح لبيت الدندراوي ونعرف ايه اللي حصل، احنا لازم نكون جنب صاحبنا خالد ابن الحاج عاطف، ده الله يكون في عونه، تلاقي حالته تصعب عالكافر، امبارح يموت اخوه الكبير رضا، والنهاردة عاطف الوسطاني.
-ماشي.. معاك حق برضك، هو دلوقتي مابقالوش غيرنا، يلا بينا.
وبعد ما خلصوا كلام، نزلوا من بيتهم وراحوا لبيت الدندراوي، وقبل ما يدخلوا البيت قابلوا براه الاتنين المتبقين من صُحبتهم، اصلهم كانوا خمسة اصحاب، محمد ومحمود، وخالد ابن عاطف الدندراوي، ورمضان ورجب ولاد اخو العمدة… ورمضان ورجب لما قابلوهم، سلموا عليهم ودخلوا هم الاربعة على خالد، وبعد دخولهم، سلموا عليه وقعدوا معاه، ويومها كانوا واقفين جنبه وشدوا عوده لحد ما دفن اخوه ورجع خد عزاه، وفضلوا معاه لحد ما العزا خلص، وبعد العزا قعدوا مع خالد في استراحة البيت، كانوا بيواسوه وبيحاولوا يخففوا عنه، بس خالد ماكنش سامع لأي كلام، كان باصص قصاده وهو سرحان وعينيه بتطق شرار، ولما محمد قرب منه وحاول يخرجه من الحالة اللي هو فيها، بص له خالد بضيق وقال له..
-كفاية طبطبة ونواح بقى، انا مؤمن بالله وعارف إن ده عمرهم وأجلهم، بس انا مش هسكت ولا هنام ولا هيهدالي بال غير لما اجيب بتارهم وبتار اللي ماتوا قبلهم، ولا انتوا ياولاد اخو العمدة هتنسوا تار ولاد عمكوا!
لما قال كده، بص له رمضان ومن بعده رجب، الاتنين كان عندهم نفس الهم والمصيبة بس في ولاد عمهم العمدة، ما هو ولاد العمدة الشابين اتقتلوا هم كمان.. اه.. بالظبط زي ما اتقتلوا اخوات خالد، وعشان كده هم كمان كانوا موافقين خالد في الرأي، وبكل غل وحزن بص له رجب وهو بيهز دماغه..
-لا مانسيناش تار ولاد عمنا ياابن الدندراوي، بس الأول لازم نعرف مين اللي قتلهم عشان نعرف نجيب تارنا منه.
محمود كان بيسمعهم وهو ساكت لحد ما رجب قال كده، لكن بسبب كلامه ده انتبه محمود وقال للي قاعدين..
-رجب معاه حق ياخالد، احنا لازم نعرف مين القاتل ياجدعان عشان نعرف نحاسبه، بس واحنا بندور عليه، لازم نعرف برضه هو بيقتل شباب البلد ليه وايه السبب اللي بيخليه يعمل كده.
اتكلم ساعتها رمضان ورد على محمود باندفاع..
-غِل يامحمود، غِل وكره ناحية زينة شباب البلد، مالهاش تفسير تاني.
سرحوا كلهم في كلام رمضان، وقبل ما يردوا او يقولوا أي كلمة زيادة، سمعوا صوت ام خالد بتصوت من أوضة الحاج عاطف..
(يالهووووي.. رد عليا ياعاطف.. رد عليا ياابو الصبيان)
طلع خالد جري على فوق، وبعد خمس دقايق نزل وهو منهار وموطي راسه وقال لاصحابه والدموع في عينيه..
-ابويا مات.. ابويا حصل اخواتي.
وبعد ما قال كده وقع من طوله، الواد جاله السكر ياولداه وهو في عز شبابه، ماهو برضه خبطتين في الراس بيوجعوا، فما بالك بتلاتة!
وبس ياسيدي.. من الوقت ده اقدر اقولك إن البلد اتقلبت، كده الموضوع كبر وبقى مصيبة، اربع شباب من ضمنهم اتنين ولاد العمدة، والاتنين لقوهم مدبوحين ومتعلقين على شجر ناشف عند اخر البلد، واتنين كمان، وهم ولاد عاطف الدندراوي، لقوهم مدبوحين برضه بس جتتهم مرمية في الترعة، وبعدهم كبير التجار عاطف اللي مات بسكتة قلبية بسبب حزنه على عياله، وبسبب اللي حصل ده وحالات الموت الكتير اللي حصلت في البلد، استنى محمود خالد لما فاق واطمنوا عليه، وبعد ما الحكيم كشف عليه وطمنهم وبعد دفنة الحاج عاطف الدندراوي، قعد محمود مع محمد اخوه ورمضان ورجب وخالد، كانوا كلهم ساكتين، ماعندهمش كلام يقولوه، لكن محمود هو اللي اتكلم وقال بعلو صوته..
-الوالا الساكت.. الساكت هو اللي هيحلهالنا.
بص له رجب باستغراب..
-ساكت مين اللي هيحلهالنا ياعم محمود بس، انت بتقول ايه، ده عيل عبيط ومابيقولش كلمتين على بعض.
رد عليه محمود بجدية وتركيز..
-لا.. الوالا الساكت ابن الشيخ عُمر مش عبيط، ده مكشوف عنه الحجاب بسبب مرضه واللطف اللي عنده، جرى ايه.. هو انتوا مش فاكرين، مش فاكرين لما حنفي اخو خالد تاه واحنا صغيرين، والساكت يومها هو اللي دلنا عليه لما مشي واحنا مشينا وراه، وطلع حنفي مستخبي من ابوه ورا الزريبة القبلية!.. فاكر ياخالد ولا نسيت، مش يومها واحنا ملموين نفس لمتنا دي، قرب علينا وشدنا معاه وكأنه عاوز يوصلنا لمكان، ولما مشينا وراه ودانا عند الزريبة اللي كان مستخبي وراها حنفي!
لما محمود قال كده، رد عليه خالد..
-فاكر طبعًا، بس احنا وقتها قولنا إنه أكيد شافه وهو بيستخبى قبل ما ياخدنا لمكانه، صدفة يعني.
-انت بتقول ايه؟.. انت مصدق نفسك؟.. طب وامه، مش قبل ما تموت بأسبوع كان قاعد بيعيط ليل ونهار وماكنش راضي يحط لقمة في بوقه؟.. ايه، صدفة دي كمان.
رد رجب على محمود وقال له..
-يعني انت عايزنا نعمل ايه دلوقتي ياعم محمود؟!
-ولا حاجة.. احنا هنعمل حاجة بسيطة، هنروح لبيت الشيخ عُمر وكأننا بنسأل عليه هو وابنه، ولما ندخل البيت، نقعد مع الساكت ونسأله عن اللي بيقتل في شباب البلد، واهو لو عرف، نبقى وفرنا على نفسنا وقت ووجع قلب وتدوير على أبرة في كوم قش، ولو ماعرفش، يبقى ندور احنا بمعرفتنا.
كلام محمود كان مقنع، وعشان كده كل اللي قاعدين سمعوا كلامه وراحوا هم الخمسة لبيت الشيخ عُمر، بس وهم ماشيين لاحظوا حاجة غريبة على بيت عاطف، الجدار بتاع البيت الوراني، كان مرسوم عليه من برة رسمة شبه شكل عاطف بالظبط، وكأنه صورته بسمرسومة بالفحم، وتحتها كان مكتوب بالدم كلمتين (الدبح، الحق).. بصوا لبعض باستغراب، ماحدش كان عنده تفسير للرسمة دي إلا رجب.. رجب اللي بعد ما بص للرسمة شوية وسرح، قالهم بعلو صوته..
-العمدة.. بيت العمدة، احنا لو لقينا رسمة شبه دي على بيته، يبقى اللي قتل اخوات خالد هو نفسه اللي قتل ولاد عمي.
واللي توقعه رجب لقاه هو واصحابه، الجدار الوراني لبيت العمدة كان مرسوم عليه رسمة بشكل العمدة، وتحتها كان مكتوب نفس الكلمتين (الدبح، الحق).. وقتها بص لهم محمود وقال لهم بلهفة..
-خلاص كده، بانت اوي، اللي قتل ولاد العمدة هو اللي قتل اخوات خالد.. والظاهر كده إنه لسه هيقتل تاني، ما هو واضح كده إنه بيقتل لسبب، وعشان نعرف احنا السبب ده، فاحنا لازم نروح على بيت الشيخ عُمر ونقعد مع الساكت، انا حاسس إنه ببصيرته هيدلنا على حاجة.
بعد ما محمود قالهم كده، طلعوا جري على البيت الشيخ عُمر الأمام التاني للجامع، وبعد السلامات والكلام المعتاد من الشباب للشيخ عُمر، دخلوا الخمسة وقعدوا مع الساكت بحجة إنهم جاين يسلموا عليه، كان على حاله من يوم ما اتولد والبلد عرفته، ساكت، من وهو عيل لحد ما بقى شاب وهو ساكت، ملامح وشه جامدة ومابيتكلمش بسبب لسانه اللي الحُكما قالوا إنه قصير، لكنه اول ما شاف الخمسة بص لهم وضحك بفرحة، كأنه شاف هلال العيد، قام حضنهم لأنه كان صاحبهم وقت ما كانوا صغيرين، بس لما كبروا الدنيا خدت كل واحد في سكتها وكلهم مابقوش يسألوا عليه.. وبعد ما استقبال الساكت للشباب انتهى، قعد محمود جنبه وحكاله عن اللي حصل، حكاله عن موت الشباب الاربعة وبعدهم الحاج عاطف، وبعد ما خلص كلامه، قرب من الساكت وطبطب عليه وقاله..
-احنا دلوقتي أملنا في ربنا ومن بعده فيك انت، انا حاسس ياساكت إنك هتدلنا ببصيرتك على الواد اللي بيعمل في شباب البلد كده.
بص لهم الساكت واترسمت على وشه ضحكة غريبة!.. بصوا لبعض باستغراب وهم مش فاهمين هو بيضحك على ايه، بس اللي زاد عليهم الحيرة اكتر، كان كلام الساكت لما قام وقف وشاور على نفسه وقالهم بصوت عالي..
-التاكت.. التاكت.. التاكت.
ماكنوش فاهمين هو يقصد ايه، ده بيشاور على نفسه وبيقول إسمه بالطريقة اللي بيتكلم بيها!.. يعني ايه؟.. يعني كده الساكت هو اللي قتل الشباب اللي ماتوا؟.. طب ازاي، ده مابيعرفش يدبح فرخة!
وقبل ما الحيرة تنهش الصبر المتبقي في الخمسة، دخل عليهم الشيخ عُمر وحاول يهدي الساكت وهو بيقولهم..
-معلش ياولاد.. هو بقاله فترة تعبان بزيادة، وكل اللي بيجي يكلمه بيفضل يقوله الساكت الساكت، ادعوا له ربنا يشفيه ويخفف عنه، وياريت تبقوا تسألوا عليه من وقت للتاني، انا عارف ظروفكوا وعارف اللي عندكوا، بس الزيارة لدقايق ماتضرش، ده اخوكوا برضك.
هز محمود راسه وهو بيطبطب على الشيخ عُمر وقال له..
-حاضر ياعمي الشيخ، حاضر.. نستأذن احنا بقى.
خرجوا الخمسة من بيت الشيخ عُمر وهم قفاهم يقمر عيش، زي ما دخلوا زي ما خرجوا، ويمكن حيرتهم زادت اكتر كمان عن ما دخلوا، وطبعًا رجب ورمضان وخالد ومحمد، فضلوا يلوموا على محمود عشان خلاهم يروحوا للساكت، بس وهم ماشيين في البلد وراجعين بيوتهم، لمحوا من بعيد حد بيجري، جريوا وراه هم الخمسة، الواد كان سريع اوي وكان بيجري ناحية الأرض الفاضية اللي في نهاية البلد، واللي في نهايتها شريط القَطر!
فضلوا يجروا وراه هم الخمسة لحد ما نفسهم اتقطع والواد قدر يفلت منهم وسط ضلمة الليل، واللي لمحه منهم عن قُرب كان رمضان.. رمضان اللي قالهم بعد ما قعدوا في رُكن عشان ياخدوا نَفسهم..
-انا شوفته، كان لابس اسود في اسود، من فوق كان لابس فانلة سودة محزقة على جتته، ومن تحت كان لابس منطلون اسود محزق برضك، ده غير إنه كان مداري وشه وراسه بطاقية صوف فيها فتحتين بيبص منهم.
كل المواصفات اللي قالها رمضان دي ماكانتش مفيدة، الواد ماكنش باين منه حاجة، وعشان كده وبسبب كل اللي مروا بيه الخمسة في الليلة دي، روحوا بيوتهم وناموا من كتر التعب والتفكير، ناموا على أمل إنهم هيتجمعوا تاني يوم ويدوروا في الموضوع مع الغفر ورجالة النقطة، بس المصيبة بقى إن اول واحد صحي منهم، كان محمد اخو محمود، لكن محمد ماصحيش كده وخلاص، ده صحي على كارثة.. ماهو وقتها شيخ الجامع، عبد الله، كان بيقول بصوت عالي وهو بيبكي..
(البقاء والدوام لله.. توفى إلى رحمة الله راجل الدين والحق، الشيخ عُمر عبد الدايم، والدفنة النهاردة بعد صلاة العصر)
لما محمد سمع صوت الشيخ برق واتنفض من مكانه، راح ناحية اخوه وصحاه بسرعة…
-والا يامحمود.. قوم يامحمود.. قوم في مصيبة.
قام محمود وهو بيزيح أثار النوم من على عينيه..
-ايه ياأخي.. حد يصحي حد كده، في ايه، مصيبة ايه تاني، هيجرى أيه اكتر من اللي جرى.
-لا هو من ناحية هيجرى، فالظاهر كده إن لسه هيجرى كتير، وكتير اوي كمان، بس دلوقتي خلينا في اللي جرى واللي قاله شيخ الجامع.
-شيخ الجامع!.. مين مات تاني؟
-عمك الشيخ عُمر عبد الدايم، ابو الوالا الساكت.
يتبع
الساكت
٢
-عمك الشيخ عُمر عبد الدايم، ابو الوالا الساكت.
اتنفض محمود من مكانه ولبس جلابيته ونزل جري هو ومحمد وراحوا على بيته، وقصاد البيت لقوا ظابط وتلات عساكر واقفين ومعاهم خالد ورمضان ورجب، وجنبهم كان واقف مدبولي شيخ الغفر، والشيخ عبد الله إمام الجامع، وجنبهم الحاج سعدون صاحب الأراضي والأطيان، وجنب سعدون كان واقف اخو العمدة وابو رمضان ورجب، الحاج شعبان… كلهم كان واقفين ساكتين وباصين في الأرض.
-جرى ايه يارمضان، احنا سمعنا إن الشيخ عُمر مات.
لما محمود سأل رمضان سؤاله ده، بص له رمضان وقال له بحزن..
-اللي سمعتوه صح، بس الراجل ماماتش موتة عادية، دول الناس وهم رايحين يزرعوا الصُبحية، لقوا جتته ورا البيت وكان مدبوح يا ولداه.
برق محمد لما سمع كلام رمضان..
-ياسنة سوخة يا ولاد!.. حتى الشيخ عُمر اتقتل!.. طب ده اتقتل ليه، ده طول عُمره في حاله، لا عمرنا سمعنا إنه عمل مشكلة مع حد ولا عمره زعل حد منه!
بلع خالد ريقه وجز على سنانه وهو بيبص لمحمد ومحمود ورمضان ورجب..
-مافيش غيره ابن الحرام اللي شوفناه امبارح، هو الواد المتلتم ده، هو اللي قتله.
بص له رجب وقال له بضيق..
-ايوه صح.. انت معاك حق ياخالد، بس في حاجة انا مش فاهمها، الناس لما لقوا الجتة لقوا فوقها على الجدار رسمة بوشه.. تمام زي الرسمة اللي شوفناها عند بيت عمي وعند بيت ابوك، وكمان مكتوب تحتها نفس الكلمتين برضك، ومش بس الكلمتين دول، ده كمان كان مكتوب جنبهم بالدم كلمة العفاريت.
رفع محمود حاجبه اول ما سمع كلام رجب..
-عفاريت!.. عفاريت ازاي يعني؟
في اللحظة دي اتكلم شيخ الغفر وقال للظابط اللي واقف..
-العفاريت دول ياحضرت إحنا لازمن نصرفهم، ايوه هم عفاريت زي ما كاتبين عالحيطان، ما اللي يدبحوا اربع شباب وشيخ، لا ممكن يكونوا بني أدمين أبدًا.
بص له الظابط بضيق وقال له..
-عفاريت ايه بس ياشيخ الغفر، من أمتى والعفاريت بتموت بني أدمين، دي عصابة، عصابة واحنا لازم نلاقيهم في أسرع وقت ممكن.
اتقدم محمود ناحيتهم وقال لهم بصوت مسموع..
-مظبوط.. حضرت الظابط كلامه موزون، اصل احنا امبارح بالليل واحنا راجعين من عند الشيخ عُمر، انا وخالد ورجب ورمضان ومحمد، شوفنا عيل متلتم طلع يجري ناحية الأرض المهجورة اللي عند اخر البلد، وأكيد طبعًا الوالا ده من العصابة.
بص الظابط لمحمود بتركيز وبعد كده بص لاصحابه الاربعة اللي واقفين وراه، وبهيبته اللي البلد كلها تعرفها قرب من محمود وقال له..
-وانتوا بقى ايه اللي كان موديكوا للشيخ عُمر امبارح؟
بلع محمود ريقه ورد على الظابط بارتباك..
-ما ما مافيش ياحضرت، احنا كنا بنزور ابنه، الساكت، صاحبنا.
-وانتوا متعودين تزوروا الساكت باستمرار؟
رد خالد بعصبية..
-انت تقصد ايه ياحضرت بطريقتك دي، تقصد يعني إن احنا اللي قتلناه؟
قرب الظابط من خالد وهو بيبص له من فوق لتحت، سكت شوية وبعد كده قال له..
-تقدر تقولي ياخالد انت كنت فين ليلة ما اخواتك اتقتلوا؟
-كنت قاعد عند الخوص بشرب معسل.
-وكان في حد معاك يشهد بالكلام ده؟
-لا.. كنت قاعد لحالي، وبعدين انت عمال تسألني وتستوجبني كده ليه، ده المفروض انا اللي اسألك مش انت اللي تسألني، انا اللي اخواتي ماتوا والمفروض اسألك عن اللي قتلهم، مش دي شغلتك برضك؟
الظابط ماردش عليه، ده قرب من رجب ورمضان وبص لهم هم كمان وقالهم..
-طب وانتوا.. كنتوا فين ليلة ما اتقتلوا ولاد عمكوا العمدة؟!
بصوا لبعض وجاوب رمضان بسرعة..
-كنا في أرض أبونا قاعدين بنتسامر.
-طب كان في حد تالت معاكوا؟!
هزوا راسهم هم الاتنين بالنفي، وفي اللحظة دي بص الظابط للعساكر وللغفر وقال لهم بصوت مليان حزم وجدية..
-اسحبوا لي العيال دول عالنقطة عشان استجوبهم… انا شاكك فيهم وحاسس إنهم ورا كل اللي بيحصل ده.
وفي لحظة ما الظابط قال كده والعساكر والغفر قبضوا على الخمسة، الدنيا اتقلبت، الحاج شعبان والحاج سعدون والشيخ عبد الله وشيخ الغفر، كل واحد فيهم اتدخل وحاول يمنع الظابط بطريقته، وكان اول واحد اتكلم فيهم هو الحاج شعبان.
-ازاي بس ياحضرت، انا مربي عيالي أحسن تربية، دول مش ممكن يعملوا كده أبدًا.
أما شيخ الغفر فقال للظابط بطريقته اللي كلها جهل..
-لا ياحضرت لا.. العيال دي ماتقتلش، اللي بيدبح في الناس هم، العفاريت، اللهم احفظنا منهم ومن شر الجن.
اما الشيخ عبد الله بقى فقال للظابط بطيبته اللي الناس اتعودوا عليها..
-لا حول ولا قوة إلا بالله، دول شباب زي الورد وحرام مستقبلهم يضيع عشان انت بس شاكك فيهم، سيبهم يروحوا ياابني، ده مافيش عليهم دليل واحد.
وختم الكلام الحاج سعدون اللي قال..
-انا شايف إنهم ماعملوش حاجة، وانت بنفسك هتتأكد لو حققت معاهم، بس انا بقولك اهو.. ماتضيعش وقتك، سيبهم ودور على القاتل الحقيقي.
وقتها الظابط بعد ما سمعهم، جمعهم كلهم وخدهم بعيد الناس وابتدا يتكلم معاهم بصوت واطي..
-ماتقلقوش، انا مش هظلم حد، ولا حتى هسمح إنهم يتحولوا للنيابة لو حققت معاهم واكتشفت إنهم ماعملوش حاجة.
وبعد ما قال لهم كده راح عالنقطة وابتدا ياخد اقوال الخمسة، وبعد ساعات من التحقيقات والحكايات، وقفهم هم الخمسة قدامه وقال لهم..
-انا حاسس إنكوا مالكوش دخل في اللي بيحصل، بس في نفس الوقت برضه انا ماعنديش دليل لا يثبت ولا ينفي إنكوا انتوا العفاريت، وعشان كده انا هبيتكوا معايا النهاردة، ولو حصلت حاجة وانتوا هنا، تبقوا براءة، ولو ماحدش مات يبقى كده الموضوع فيه إنَ.. ياشاويش.. ياشاويش، خدهم عالأوضة الفاضية مش عالتخشيبة.
وخدهم الشاويش على أوضة في النقطة وباتوا فيها ليلتها، بس برة النقطة بقى كانوا الناس مرعوبين، مدبولي، شيخ الغفر، شغل بخور في بيته لأنه كان فاكر إن اللي بيقتلوا الناس عفاريت بجد، وشعبان اخو العمدة كان بين نارين، نار اخوه العمدة رمضان اللي تعب وجت له جلطة بعد موت عياله، ونار عياله اللي بايتين في النقطة، وطبعًا قضى الليلة وهو قاعد جنب اخوه اللي كان بيطلع في أنفاسه الأخيرة، ومع طلوع النهار، صحيت البلد على خبرين أسوء من بعض، أولهم هو موت العمدة رمضان بسبب مرضه وزعله على عياله، وتانيهم هو موت مدبولي شيخ الغفر في بيته، بس شيخ الغفر ماماتش موتة عادية كده، لأ، ده اتدبح زي ما اتدبح من قبله الشيخ عّمر ومن قبلهم ولاد عاطف وولاد العمدة، وبعد موت العمدة ومَقتل شيخ الغفر اللي لقوا ورا بيته نفس الرسمة اللي بتبقى موجودة عند بيت كل واحد بيتقتل، وقف الظابط محتار مع كبارات البلد المتبقين، واللي هم لحد الوقت ده كانوا تلاتة، الشيخ عبد الله إمام الجامع الكبير، والحاج سعدون، واخو العمدة واللي بقى العمدة الجديد، الحاج شعبان.. كانوا واقفين هم التلاتة قصاد الظابط وبيبصوا له بغل وضيق، وقبل ما يتكلم او يقولهم أي كلمة يدافع بيها عن نفسه قدامهم، اتكلم شعبان بغضب وقال له..
-صدقتنا دلوقتي لما قولنالك إن العيال دي مالهاش ذنب، صدقتنا لما قولنا لك إن اللي بيقتل الناس حد غريب ومش من البلد؟!.. خرج ولادي ياحضرت، خرجهم وألا قسمًا عظمًا ما هيطلع على النقطة دي ليل إلا لما..
قطع كلامه الظابط لما قال له بصوت عالي..
-مش هيخرجوا.. العيال دول مش هيخرجوا، واقعدوا بقى عشان اعرفكوا انا عايز اعمل ايه.
مارضيوش يقعدوا وابتدوا يبصوا للظابط بنظرات كلها شر، لكن الظابط وطى صوته وقال لهم وبهدوء…
-العيال الخمسة دول ما قتلوش حد، انا اتأكدت، هم طول الليل كانوا هنا ومع ذلك شيخ الغفر اتقتل، وده مالوش غير معنى واحد، والمعنى ده مش إنهم بس ماقتلوش، دول كمان معاهم حق في اللي قالوه عن المتلتم اللي جري ناحية الأرض اللي عند نهاية البلد من الناحية الشرقية، وده ياخدنا لنقطة تانية، اللي بيقتل في الناس مش واحد، دي عصابة زي ما انا متوقع، والعصابة دي هتاخد بالها اوي لو حسوا إننا شاكين فيهم، وانا مش عايز كده، انا دلوقتي هخلي كل العساكر والغفر يقولوا لأهل البلد إن الخمسة اللي عندي هنا اعترفوا بجرايمهم، واعترفوا كمان إن معاهم شركا والشركا دول هربوا.. وبكده العصابة اللي مسمين نفسهم العفاريت، واللي أكيد منهم ناس عايشين في البلد، هيعرفوا إن احنا مش مستنيهم ولا مركزين معاهم، وهيضربوا ضربتهم الجاية، لكن وقت ما يكونوا لسه هيضربوا، هيلاقونا احنا بقى في استقبالهم، ايوه.. ما هو بالعقل كده، العصابة دي بتقتل في كبارات البلد وعيالهم لأسباب احنا مانعرفهاش، والكبارات دول متبقي منهم انتوا التلاتة والعيال اللي جوة دول، فانا ناوي اعمل ايه بقى زيادة عن الكلام اللي هخلي الغفر والعساكر ينشروه.. انا بالليل كمان هحط حراسة على بيوتكوا انتوا التلاتة، بيت العمدة، وبيت الشيخ عبد الله، وبيتك انت كمان ياحاج سعدون، وفي نفس الوقت هكون مأمن رجب ورمضان وخالد عندي، ومحمد محمود هيفضلوا معاهم عشان الموضوع يبقى محبوك ويدخل عالعصابة، فهمتوني؟
هديوا التلاتة وسكتوا شوية، فكروا في كلام الظابط وعقلوه، ولما لقوا إنه معاه حق، وافقوه على كلامه ونفذوا خطته بالحرف.
الشيخ عبد الله روح بيته وقعد مع مراته وعياله والساكت اللي جابه يقعد معاه بعد موت الشيخ عُمر صاحبه، والحاج سعدون روُح هو كمان وقعد في بيته مع مراته وعياله ومشى الغفر اللي كانوا بيحرسوا بيته والمخزن اللي جنبه، اما شعبان، ف راح على بيت العمدة وقعد فيه بعد ما مشى الغفر وقال لهم إنه عايز يبقى لوحده بسبب حزنه على اخوه وعلى عياله المحبوسين، لكن في نفس الوقت برضك كانوا العساكر والغفر دايرين وسط الناس وبيتكلموا عن الخمسة اللي قتلوا كبارات البلد وعيالهم بسبب غلهم منهم وحقدهم عليهم، ووقت ما الليل نزل بضلمته على البلد، استخبوا شوية من العساكر والغفر ورا بيت العمدة، وشوية تانيين استخبوا ورا بيت ومخزن سعدون، وشوية كمان استخبوا ورا بيت الشيخ عبد الله، اما الظابط بقى فكان قاعد في النقطة مستني أي إشارة من العساكر اللي برة عشان يهجم بالعساكر اللي معاه على أي حد يظهر من العصابة، واللي الظابط حسبه لقاه، قبل نص الليل بشوية ظهر واحد متلتم من عند الأرض الفاضية، كان بيتسحب وبيبص حواليه، ولما اتأكد إن مافيش حد شايفه لأن العساكر والغفر كانوا مستخبين كويس اوي، راح ناحية بيت سعدون وكان ناوي ينط من الشباك الوراني عشان يدخل يقتله، وفي اللحظة اللي كان بينط فيها، هجموا عليه العساكر والغفر اللي كانوا مدراين وسط القش الكبير ورا بيت سعدون، ومع هجومهم اتسمعت الصفارات في البلد، والصفارات دي كان مصدرها العساكر اللي كانوا متفقين مع الظابط إنهم بمجرد ما يصفروا، يخرج هو واللي معاه من النقطة، ووقت خروجه هيلاقي عسكري بيقوله على مكان العصابة، وفعلًا.. خرج الظابط ولقى في وشه عسكري قال له وهو بينهج..
-عند بيت سعدون ياحضرت، قفشنا واحد منهم.. كان ناوي ينط من الشباك الوراني ويدخل البيت.
يتبع
الساكت
٣
خرج الظابط ولقى في وشه عسكري قال له وهو بينهج..
-عند بيت سعدون ياحضرت، قفشنا واحد منهم.. كان ناوي ينط من الشباك الوراني ويدخل البيت.
راح الظابط جري ناحية بيت سعدون، وهناك، كانوا العساكر والغفر وكتير من أهل البلد واقفين حوالين المتلم، دخل الظابط وسطهم وقرب منه ووراه الخمس شباب اللي كانوا محبوسين بالكدب، وفي ثانية شال الطاقية الصوف اللي كان لابسها المتلتم على وشه، وبمجرد ما عمل كده بص له محمود وقال له وهو مبرق..
-ازاي؟!.. انت!.. انت ياساكت اللي بتقتل في الناس!!.. طب ازاي؟
بص الشيخ عبد الله اللي كان واقف وسط الناس ناحية الواد وهو مستغرب!
-لا.. يستحيل ياحضرت، الوالا الساكت نايم عندي في البيت حالًا، انا متأكد.
وراح جري ناحية البيت جاب الساكت ووقفه وسط الناس، ساعتها كل اللي واقفين بصوا له وبصوا للواد بذهول، ومع نظراتهم واستغرابهم بص المتلتم، او اللي كان متلتم بقى لسعدون وقال له وهو مغلول منه..
-اوعى تكون فاكر انك بكده فلتت مني ولا فلتت بعملتك اللي عملتها زمان، ورحمة أبويا وأمي هتموت برضه.
قرب خالد منه وكان هياكله بسنانه ووراه رمضان ورجب، بس الظابط منعهم عنه ومسك الواد من قفاه وسأله..
-انت مين ياض انت وازاي شبه الساكت ابن الشيخ عُمر؟!
بص الواد للي واقفين وابتسم ابتسامة مليانة غرور..
-ايه!.. بتبصوا لي كده ليه؟.. لا.. انا مش الساكت، وقبل ما تحتاروا وتسألوا نفسكوا انا هجاوبكوا.
انتبهوا كل اللي واقفين للواد اللي ابتدا يحكي حكاية اغرب من الخيال.
-من سنين ياما جالكوا واحد غريب عن البلد هو ومراته، الراجل ده كان إسمه عبد الباري، اشترى حتة أرض من الأرض الفاضية اللي ورا البلد من ناحية الشرق، واشترى بعدها حتة أرض تانية بنى عليها بيت عاش فيه هو ومراته والاتنين ولاده، والاتنين دول كانوا عبد الرحمن وعبد الرحيم، عبد الرحمن لما كبر شوية راح عاش مع خاله اللي في القاهرة بعد ما امه ماتت، وهناك اتعلم واشتغل في مكتب من مكاتب الصحة، وعبد الرحيم قعد في البلد جنب ابوه لحد ما مات، بس عبد الباري قبل ما يموت كتب لعبد الرحيم كل حاجة بيملكها، الأرض اللي عليها البيت بالبيت، والأرض التانية اللي كان ناوي يزرعها او يبني عليها، والحقيقة إن عبد الرحمن اعترض بس ماتحمقش اوي لأنه كان خلاص اشتغل واتجوز وبقى له حياة في القاهرة، ولحد هنا الأمور كانت تمام وعبد الرحيم اتجوز ومراته بقت حامل، إنما وقت حمل مراته، كان ظهر في البلد موضوع الحفر عن الأثارات والكشافين والدلالين، ومن ضمن الدلالين دول كان الشيخ عُمر.. الشيخ عُمر اللي قعد مع كبارات البلد في مرة وقال لهم إن الأرض الفاضية اللي عبد الرحيم ورثها عن ابوه، تحتها أثار.. ولما الكبارات راحوا لعبد الرحيم وعرضوا عليه إنهم يشتروا الأرض وياخدوا حُجتها منه، رفض وقال لهم إنه مش هيبيعها لأنها مستقبل لعياله الجايين، وطبعًا الكلام ده زعل الكبارات وخلاهم يفضلوا يزنوا عليه، وبرضه زنهم ماكنش بيجي بفايدة، وفضلت الأمور ما بينهم على الحال ده لحد يوم ولادة مرات عبد الرحيم، جه عبد الرحمن، جه بعد ما اخوه كان بعتله تليغراف وطلب فيه إنه يجيله هو وجماعته عشان تولد مراته، وحصل..
حصل وجه عبد الرحمن، ومراته ولدت مرات عبد الرحيم اللي جابت اتنين، تؤام، عيل بيعيط والتاني ساكت، مابيعيطش، بس وهم قاعدين حوالين الست التعبانة الوالدة في الأوضة الورانية اللي ولدت فيها، فجأة الباب خبط!.. قام عبد الرحيم وقفل باب الأوضة وراح فتح باب البيت وكان في إيده العيل الساكت، وبمجرد ما فتح الباب بص للي واقفين وقالهم عايزين ايه، ردوا عليه الكبارات اللي لقاهم قدامه وقالوا له إنهم جاين له عشان يخلصوا موضوع الأرض، بس وقتها عبد الرحيم حط ابنه على دكة من الدكك الخشب اللي في البيت، وحاول يمنعهم من إنهم يدخلوا، إنما هم طبعًا كانوا اقوى منه وقربوا منه وضربوه، وقبل ما يصرخ ويلم عليهم الناس خنقوه وموتوه، كل ده كان بيحصل وعبد الرحمن بيتفرج من فتحة في باب الأوضة، ولأنه شخص جبان وشاف اللي شافه ده، فبسرعة خد مراته والعيل المولود وخرج يجري من الباب الوراني اللي في الأوضة، وبعد خروجه جري ناحية الأرض الفاضية ووصل لشريط القَطر، وفضل ماشي معاه هو ومراته والعيل لحد ما وصلوا للمحطة، ومنها ركبوا قَطر ونزلوا القاهرة، اما في بيت عبد الرحيم بقى، فالكبارات بعد ما موتوه وقلبوا البيت وسرقوا الحُجة بتاعت الأرض والختم بتاعه، وبعد ما اكتشفوا إن مراته ماتت بعد ما ولدت من تعبها، خرجوا وسابوا البيت، بس قبل ما يخرجوا، الشيخ عُمر تقريبًا شاف الواد الساكت وصعب عليه، فخده رباه لأنه كان مابيخلفش، ومع الوقت ولما الكبارات خرجوا للناس، قالوا تاني يوم إن اللي قتل عبد الرحيم ومراته وسرق بيتهم وابنهم، هم المطاريد، ومن حظهم الاسود إنهم ماكنوش يعرفوا إن عبد الرحمن موجود وإن عبد الرحيم خلف عيلين مش عيل واحد.. وبس، اتقفل الموضوع على كده والكبارات حفروا في الأرض بعد ما قالوا إن عبد الرحيم باعهالهم قبل ما يموت هي والبيت وكان ناوي يسيب البلد، وده عن طريق عقد مزور عملوه بتاريخ قديم وختموا عليه بختم عبد الرحيم، ايه، مستغربين!.. انا عارف إنها حكاية ماتدخلش مخ عيل صغير، بس انتوا صدقتوها او عملوا نفسهم مصدقينها عشان بتخافوا من الكبار ومن بطشهم، وبعد ما مروا شهور جه عبد الرحمن وحاول يطالب بورثه من اخوه او حقه، لكن يومها الكبارات ضربوه علقة موت وقدر يفلت منهم ويرجع عالقاهرة بأعجوبة، وانتهت الحكاية والكبارات افتكروا إن خلاص كده كل حاجة خلصت، بس ماكنوش يعرفوا إن عبد الرحيم له إبن اتسجل بإسم اخوه في مكتب من مكاتب الصحة في القاهرة، والواد ده يبقى تؤام الساكت، انا.. عبد الحق الخطاط اللي بيرسم عالحيطان، ايوه ماتستغربوش اوي كده، انا ابن عبد الرحيم التاني وعمي حكالي كل حاجة لما كبرت، ووصاني كمان إني لازم اجيب تار ابويا، واللي وصاني بيه نفذته وكنت هكمله لولا إني اتمسكت.. انا اللي قتلت ولاد عاطف وولاد العمدة عشان احرق قلوبهم واموتهم بحسرتهم عليهم، وانا اللي قتلت الشيخ عُمر وشيخ الغفر وكنت ناوي اقتل اخر واحد من اللي جُم ليلتها، انت ياسعدون، بس ماتقلقش، هتموت يعني هتموت، وانتوا يااهل البلد ياللي افتكرتوني الساكت، انا مش الساكت، انا تؤامه، تؤامه اللي نزل البلد وكان بيمشي وسطكوا اوقات وهو عامل نفسه الساكت، انا اللي قابلت اخويا وكنت عاوز اتعرف عليه، بس ماعرفنيش لأنه عيان في دماغه وماحدش عالجه من وهو صغير، وبقى كل ما يشوفني لما كنت بدخل له البيت من ورا الشيخ عُمر، كان يقول عليا الساكت وكأنه بينادي على نفسه، بس لا.. انا مش اخويا ولا انا الساكت، ولا حتى هو يستاهل اسم الساكت ده عشان مابيتكلمش كتير، انتوا اللي ساكتين، انتوا اللي شياطين خرسا ماشية على الأرض عشان خليتوا دول الكبار وسطكوا، إنما انا.. انا حتى لو موتت فانا برضه مش هموت، انا فكرة، انا الشخبطة اللي على جُدران بيوت الظلمة، انا عبد الحق الخطاط صاحب الحق، انا اللي في لحظة هقلبها ضلمة عليكوا وهكمل تاري اللي باقي عن طريق اصحابي اللي بيساعدوني، اصحابي اللي قاعدين في الأوضة الخوص المهجورة اللي عند الأرض الفاضية، اهل بلدي اللي بجد، ولاد حتتي اللي اتربيت فيها في القاهرة، العفاريت اللي قلبوا نهاركوا ليلكوا وقلبوا ليلكوا جهنم.
ومع اخر كلمة قالها، انوار البلد انطفت، الكلوبات والمشاعل انطفت وابتدا الضرب، الضرب اللي في نصه قدر عبد الحق إنه يفلت ودبح سعدون، وفي نفس الوقت حاول يهرب هو واللي معاه او اصحابه اللي سموا نفسهم العفاريت، بس في وسط الضرب ووقت هروبهم، شافهم خالد وشاور عليهم، كانوا بيجروا ناحية الأرض الفاضية وخالد ورجب ورمضان ومحمد ومحمود كانوا بيجروا وراهم، وفي نفس الوقت كان معاهم الغفر والعساكر، وفي وسط ضرب النار اللي كان طالع من العساكر، جت طلقة في ضهر عبد الحق ومات، وبعده ماتوا اتنين كمان من زمايله، اما الباقين بقى فقدروا يجروا ويهربوا.. وبس، اتقفلت الحدوتة لحد هنا، الراجل الطيب اللي اسمه شعبان بقى العمدة مكان اخوه، والشيخ عبد الله بقى هو الشيخ اللي بجد وسط الناس وفضل يراعي الساكت لحد ما مات، ومحمد محمود ربنا كرمهم واشتروا حتة أرض وكبروا بيتهم واتجوزوا وبقى ليهم ذرية، اما خالد بقى فربنا كرمه وقدر يكبر تجارة ابوه واتجوز وخلف هو كمان، ومن ذريته كانت عروسة الوالا اللي كنت بحضر فرحه، حفيد من أحفاد محمود.
لما عم جاد وصل لهنا فوقت من سرحاني مع القصة وقولتله..
-ياه ياعم جاد.. وحشتني اوي حكاياتك، انا النهاردة هروح البيت وانا متسلطن، بس تفتكر ياعم جاد مين الظالم ومين المظلوم في الحكاية دي؟
-والله ياابني دنيتنا دي مافيهاش ظالم على طول الخط ولا مظلوم على طول الخط، عبد الرحيم ظلم اخوه لما استحل ورثه، والكبارات ظلموه باللي عملوه فيه، وعبد الحق ظلمهم لما قتل عيالهم بذنبهم، وهي كده الدنيا، كل ظالم في حكاية، مظلوم في حكاية تانية، والعكس.. بس الأهم إنك تعرف حاجة مهمة اوي، عيش مهما تعيش بس اوعى تيجي على حد وتاخد حق مش حقك، لأنك مهما نهبت او هبشت او ظلمت، هيجيلك يوم وتقابل حد ظالم يظلمك ويخلص منك الجديد والقديم، وده رأيي، اما رأي الناس بقى فلما تكتبلهم الحكاية ويقولوه، ابقى كلمني وقولهولي.
-حاضر ياعم جاد، اوعدك إني هقولك رأي الناس اما القصة تتكتب وتنزل، واوعدك كمان اني تملي هتصل بيك.
ولحد هنا خلص كلامي مع جاد وروحت البيت وكتبتلكوا الحكاية اللي حكهالي، الحكاية اللي سواء كانت حقيقية او لا، او جزء منها حقيقي والجزء التاني منها مجرد اسطورة، او حتى كانت كلها مجرد اسطورة، ف كل ده مايهمنيش، انا يهمني رأيكم انتم.. شايفين مين ظالم ومين مظلوم، وياترى، احنا دلوقتي في وسطنا كام ساكت وكام ظالم؟!
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى