الأصوات اللي كنت باسمعها بالليل ماكانتش بتخليني أعرف أغمض مش عارف ليه، كان لازم نرجع البيت القديم! بيقولوا إن قدر كل واحد بيناديه، أنا عمري ما حبيت البيت ده، فترة طفولتي فيه كانت أسوأ ما يكون، كل يوم كنت باصحى على كوابيس، نفسيتي ماتحسنتش إلا أما سبناه…
ياااااه، النهارده هنرجع تاني، على قد ما نفسي أشوف حصل فيه إيه مع مرور الوقت، على قد ما أنا خايف؛ آه شحط وخايف، بتحصل عادي جدًا…
– رامي، رامي فوق يلا، احنا وصلنا…
– إيه ده معقولة!
ده احنا كنا بناخد ساعات؛ عشان نوصل للبيت ده.
– يا ابني خلاص، الطريق اتسفلت، والنت دخل البلد، وكل حاجه اتغيرت؛ انت اللي مابتجيش من زمان، انزل عشان بابا على آخره منك.
بصراحة مش عارف إيه سبب حب “صفا” – أختي- وبابا. في البيت ده، كل اللي عارفه إني مش بارتاح فيه، والأيام الجاية مش هتكون لطيفة…
أنا اسمي رامي، وعندي ١٨ سنة، نزلت من العربية ودخلت الشنط، دة بيت العيلة أو البيت الكبير زي مابيقولوا، كان ٣ أدوار: الأول مندرة للزوار وسفرة كبيرة؛ عشان العيلة أما تتجمع، وأوضة كدة على جنب مقفولة ماحدش بييجي ناحيتها، كانوا دايمًا بيقولوا دي أوضة عزيز!
لما كنت باسألهم وأنا صغير: مين عزيز؟
ماكنش حد بيرد عليا، الدور التاني والتالت كانوا كلهم أوض نوم.
البيت كان كئيب؛ كل الأطفال اللي فيه كبروا، مفيش صوت ضحك زي زمان، تحس إن كل حاجة بقت باهتة حتى وشوش الناس اللي موجودة، بمناسبة الناس اللي في البيت، كانوا كلهم بيسرحوا الأرض، والستات بتقعد في البيت تطبخ لحد الرجالة ماترجع واليوم بيخلص على كدا، مفيش سهر ولا خروج، مفيش مكان تنزل فيه، كلها أراضي زراعية، والناس هنا بتنام من المغرب، وحتى لو سهروا يا بيقعدوا علي القهوة، يا إما كل واحد في بيته…
استقبلنا عمي عمران ورحب بينا، ووقف يتكلم مع والدي، بصيت لصفا وقربت منها، مِلْت عليها وسألتها:
– صفا، احنا هنروّح امتى؟
– هنروّح! هو احنا لسه قعدنا، عامة قدامك أسبوع؛ ٧ أيام يا برو، وبعد فرح أحمد ابن عمك هنرجع عشان شغل بابا..
– ماكنا جينا قبل الفرح بيوم وخلاص..
– اسكت بقى، لو حد سمعنا مش هنخلص.
دخلت علينا مراة عمي واحنا واقفين بنضحك، وقالت:
ماتضحكونا معاكم يا ولاد فتحي، بصيت لصفا ورجعت بصيتلها تاني، وقولتلها…..
– أمال فين محمد؟
– فوق في أوضته اطلع له، وانتِ يا صفا تعالي المطبخ ساعديني في تحضير الغدا….
مشيت، وأنا باغمز لصفا، وأطلعلها لساني.
أوضة محمد كانت فين؟ كانت فين؟
وقفت محتار، أنا حقيقي مش فاكر، واحنا ولاد صغيرين كنا بنجري نفتح كل البيبان عادي، لكن دلوقت الكل كبر! طب لو فتحت باب غلط، وطلعت أوضة بنت من بنات عمي، هيجرى إيه!
وفجأة وبدون مقدمات، إيد غمّت عينيا، وصوت جه هادي من جنب ودني….
– رايح فين؟ عدى كتير على غيابك!
حسيت برعشة غريبة في جسمي، الصوت ده أنا حافظه مش غريب، بس مش قادر أعرف مين صاحبه!
بعدت مرة واحدة، وبصيت على صاحبة الصوت، بنت جميلة أوي وشها أبيض حليب، عيونها عسلي وشعرها في سواد الفحم وطويل، كانت لابسة عباية سودة، وكف إيدها فيه جرح باين إنه جديد….
قولتلها: جرحك بينزف، انتِ أكيد من بنات عمي..
ضحكت وشاورتلي على الأوضة التالتة على الشمال، وعطتني ضهرها ومشت، اختفت في وسط الضلمة كأنها ماكنتش موجودة، سحرتني!
لا، أنا جامد مش بتاع الكلام ده.
هي شاورت على التالتة من الشمال، خبطت على الباب ماحدش رد، فتحته وواربته حاجة بسيطة، دخلت راسي منه، وندهت على محمد كذا مرة…
– محمد، محمد!
كان قاعد على السرير وعاطيني ضهره؛ لما اطمنت إنه موجود فتحت الباب وكنت هادخل، لكن راسه اللي لفّت على ضهره ثبتتني في مكاني، أنا مش قادر أتحرك، الدم حرفيًا اتجمد في عروقي، صرخ بصوت غريب في وشي، وقالى…..
– امششششششي.
رجعت لورا، وقبل ما اقفل الباب وألف عشان أجري خبطت في مرات عمي، وقفت وبصيت ورايا لقيت محمد نايم على السرير، بصيتلها تاني وبدأت أشرح وأنا باتهته، مش قادر أجمّع كلامي، أعصابي كلها سايبة..
– مالك يا ابن فتحي، شوفت شبح ولا إيه؟
– لا لا تمام… محمد نايم، فين بابا!
– أبوك راح مع عمك الأرض، وأختك مع الحريم في المطبخ، وسع أصحيلك محمد، أصل نومه تقيل.
– لا لا، فين الأوضة اللي هاقعد فيها؟
– اللي في آخر الطرقة دي.
– شكرًا.
مشيت وأنا باتلفت حواليا، كان أحسن حاجة إني مشيت في نفس الطريق اللي بنت عمي مشيت فيه…
أكلنا واتجمعنا في المندرة، سلمت على أحمد ومحمد؛ كان عادي جدًا مافيهوش أي حاجة، قلت لنفسي يمكن تعب سفر وتهيؤات، الكلام أخدهم وأنا قعدت أسمع من قصة لقصة، حسيت إني رجعت طفل صغير، سنين كتيرة أوي حسيت إنها واقفه وماعدّتش.
الساعة بقت ٩ ونص، أما النوم كبس عليا اتسحبت وسبتهم يكملوا، طلعت أوضتي وقبل ما أدخل لقيت صوت ناعم بيندهلى… رامي رامي..
بصيت حواليا، مش لاقي مصدر الصوت.
– أنا هنا اهو، تعالى آخر الطرقه نطلع الدور التالت، هاوريك منظر عمرك ماشفته.
– هي الطرقة دي مافيهاش نور؟
– محتاج النور في إيه!
– مش شايفك؛ ولا شايف آخر الطرقة.
– هههههه، بتخاف من الضلمة!
– مش أوي.
– تعالى، ماتخافش أنا هنا، يلا مد إيدك، وأنا هاوريك الطريق.
مسكت إيدي، بس إيدها كانت خشنة مش زي المرة اللي فاتت لما حطت إيدها على عينيا، لاحظت إني اتاخدت فمسكت إيدي أجمد، وقالت: ماتخافش، أنا هنا…
مشيت وراها زي المسحور، لسه هاحط رجلي على أول سلمة عشان أطلع الدور التالت وراها وقفني صوت مراة عمي وهي بتسألني رايح فين، بصيت حواليا، فجأة نور الطرقة نوّر، وبنت عمي سابت إيدي، وطلعت تجري على فوق، ماكنتش عارف أقولها إيه!
في كل موقف أتحط فيه قدامها لازم أبان أهبل كده، استجمعت قوتي وقولتلها…..
– طالع فوق السطح.
– مفيش عندنا سطح، والدور اللي فوق ده أحمد هيتجوز فيه، ماحدش يقرب منه…
– بس…
-مابسش، انت مش عيل صغير، اسمع الكلام الكل دخلوا أوضهم وناموا، عديت من قدامها وأنا عارف إن عينيها عليا لحد ما فتحت باب أوضتي، ودخلت وقفلته.
فيه حاجة غريبة، أنا مش عارف هي إيه!
فردت جسمي على السرير، وحطيت الهاند فري في ال mp3، وشغلت موسيقي هادية…..
كنت نايم في عالم تاني، عيني تقيلة، لكن في الحقيقة عقلي كان صاحي، ووداني شغالة، وسامع بيها كل حاجة….
أصوات كتير متداخلة، لغة مش مفهومة، موسيقى غير اللي كنت مشغلها، آهاااات، نهنهه، ضحك، صراخ، وصوت ضعيف بينده في وسط كل الدوشة، دي بيقول: يا عزيز….
حسيت المخدة من تحتي بتيجي علي جنب، وجسمي مرة واحدة اتزحلق من على السرير، ووقع على الأرض، جسمي اتخبط جامد، بس الغريب إنه ماوجعنيش، حاولت أسند على الأرض وأقوم، ماقدرتش زي ما أكون متثبت بغرا، فجأة سمعت صوت همس من تحت السرير بيقول: يا عزيز، بصيت تحت بالراحة كده، ويا ريتني ما بصيت، كان في راس مفصولة تحت السرير، ودم.. دم كتييييير!
فضلت أصرخ، وأصرخ بصوت عالي لحد والدي ما دخل الأوضة، وكلهم اتجمعوا حواليا، وأنا مرمي على الأرض جنب السرير، ساعدوني أقوم، ماكنتش قادر أتنفس ولا أتحرك، نقلوني على السرير، وعمي طلب دكتور من الوحدة الصحية….
– كوابيس!
– لا يا صفا مفيش حاجة، أنا بس مش قادر آخد نفسي.
ماكنش ينفع أحكي لحد ولا أتكلم، محمد كان واقف على الباب مارضاش يدخل، محمد مش طبيعي…
الدكتور قال: هبوط في الدورة الدموية، هنعلق له محلول، عمي بعت حد يجيب الدوا المطلوب، والدكتور استنى لحد ما ركبلي المحلول ومشي، كلهم سابوا الأوضة وخرجوا، صفا قالت هتفضل معايا، بس عمي عمران رفض، وقال: محمد هيفضل معاه، هو ولد زيه وفي نفس سنه، كان نفسي ساعتها أقوله محمد لا لا…
المحلول متعلّق بينقّط ببطء، ومحمد عينيه عليا مش بيرمش؛ حاولت أكسر جو الصمت ده، وقولتله….
– إيه يا أخو العريس، وراك حاجة الأيام اللي فاضلة دي؟
كان سؤال غبي مني، بس هو تقريبًا ماسمعهوش…
– باقولك يا محمد، فيه مكان هنا ممكن أفتح منه نت!
برده ماردش، هو قاعد على الكرسي ثابت مش بيتحرك وفجأة وقف، إيديه اتصلبت بشكل غريب، ورقبته جت على جنب وعينيه كانت بيضة خالص، وفتح بقه على الآخر وصرخ جامد، بلعت ريقي بصعوبة، وبصيت حواليا، ماحدش في الأوضة غيرنا، شلت الكانيولا من إيدي وأنا عيني متثبتة عليه، الدم بدأ يسيل من الوريد عشان شلتها غلط، كنت متوتر وخايف، وهو مكانه بيراقبني في صمت، بدأت أتحرك بالراحة ناحية الباب، وأنا بابص ورايا وأرجع أبصله، لحد ما فتحت الباب وهو كان لسه واقف في مكانه، ماهمنيش إيدي اللي بتنزف قد ما كنت عاوز أهرب منه..
خرجت وقفلت الباب ورايا، ولسه هاجري اتخبطت فيها، مش عارف إزاي بتطلعلي من وسط الضلمة، هي البنت دي مش بتخاف من الضلمة!
– مالك بتجري ليه؟ فيه حاجة مخوفاك!.
– محمد، أصله….
حطت إيدها على كتفي، وقالتلي…..
– إيه اللي موقفك في الضلمة يا ابن فتحي، وبتكلم مين؟ مش الدكتور قالك ارتاح!
كالعادة لسه هالف اقولها كنت باكلم بنتك، لقيتها اختفت في وسط الضلمة، فخدت نفس جامد وقلت لمراة عمي…..
– مش عارف أنام في الأوضة دي، هانزل أنام تحت.
– بس احنا ماعندناش أوض نوم تحت، ادخل أوضتك وارتاح.
فتحت الباب وكنت مرعوب من اللي مستنيني جوه، بس مقدرتش أحكيلها، محمد كان نايم ع الكرسي، دخلت وقفلت الباب، جسمي كله كان بيتنفض، قعدت في السرير واتغطيت، وفجأة محمد اتعدل، فضل باصص ليا وساكت، عيني ماغمضتش في الليلة دي، كنت مرعوب وهو بيراقبني، وعينيا مابتتشالش من عليه، الصبح صفا جت تطمن عليا أول ما صحت، مسكت إيدها وقولتلها:
أرجوكي خُديني معاكي تحت ماتسيبنيش هنا، ساعدتني ألبس وأنزل، محمد ساعتها كان في سابع نومة، صفا لاحظت إن جسمي بيترعش وإني مش على بعضي، طلعنا وقفنا في الفراندا بتاعة البيت، اللي رايح واللي جاي كان بيرمي علينا السلام…
– مالك يا رامي فيك إيه؟
– انتِ مش شايفة حاجة غريبة في محمد ابن عمك؟
– لا، أنا شايفاه نايم على الكرسي فوق، أكيد سهر طول الليل جنبك وتعب، فنام على روحه.
– محمد فيه حاجة غريبة..
– إزاي!
– هتقولي عليا مجنون زي زمان.
-ماتقلقنيش؟
-لما أتأكد هاقولك.. أنا رايح لبابا وعمي الأرض.
-هاتقدر؟
– ماهو أنا مش هاقدر أقعد مع محمد، هاخرج وأرجع معاهم.
– طيب خد بالك من نفسك.
-حاضر.
اتسحبت ومشيت، عشان مرات عمي ماتلزقليش محمد ابنها، هو أكبر مني بيومين، كان راسي وعاقل وبيفهمني، ماعرفش إيه جراله، شقلب حاله كده!
طلعت من البيت، وكسرت شمال وفضلت ماشي؛ ماشي لحد ما لقيت نفسي داخل على المقابر بتاعة البلد، لفيت حواليا، مش عارف إيه اللي جابني هنا، أنا شبه فاكر الطريق، بس ليه جيت هنا!
لقيت صوت جاي من ورايا، بيقولي…..
– بتعمل إيه في الترب يا عزيز؟
اتنفضت من مكاني، بصيت حواليا وقلت…
– انت بتكلمني أنا؟
– هو انت شايف حد تاني هنا!
– دي مقابر، يعني فيه أموات.
– وهو أنا أقدر أكلم الأموات، والعياذ بالله!
– ماهو ماحدش غيري هيرد هنا، وأنا اسمي مش عزيز.
– ومين قال إن عزيز اسم، مش يمكن تكون صفة؟
– صفة! تقصد إيه؟
– كله بأوانه يا عزيز، قولي إيه جابك هنا؟
– كنت رايح أرض عمي…
– أرض عمران مش هنا، هترجع من نفس الطريق وتنزل من أول منزَل تقابله.
– عرفت منين إن عمي عمران!
– ماأنا عارف إنك عزيز.
– اسمي مش عزيز اسمي رامي، انت راجل أهبل، والكلام معاك يجنن سلام.
– سلام يا ابن “رقية”، لو احتجتني هتلاقيني من العصر للمغرب هنا كل يوم.
مشيت وأنا عقلي في بركان، ده عارف إن عمي عمران وإن ماما الله يرحمها اسمها رقية، مين ده!!
أخدت الطريق اللي وصفه لحد ما وصلت لأرض عمي عمران، سرحت في الجو الهادي، ونسيت كل حاجة لحد ما عمي قال: يلا عشان نروّح، مش عاوزين نتأخر على الغدا….
أكلت وطلعت على أوضتي، ماعرفش إزاي نمت، بس لما صحيت كنت حاسس بصداع فظيع، كان فيه نبش على الباب زي ما يكون حيوان واقف برا بيحاول يفتح، بقيت قاعد على السرير مرعوب، مش عارف أنا لسه نايم وده كابوس، ولا خلاص صحيت وده واقع أسود، فجأة كل حاجة سكتت والنبش انتهي، مالحقتش آخد نفسي، لقيت خبط عادي المرة دي، قربت من الباب ووقفت وراه…..
– مين؟
– أنا عارف إنك بتشوفه جوايا، خايف منه يا رامي!
أنا كمان خايف صدقني، مش عايز قصدي أرعبك، هو بيظهر غصب عني.
– محمد صدقني، أنا مش عارف فيك إيه بس أنا باخاف، باخاف منك؛ روح أوضتك وأنا هحاول أساعدك.
– لازم تساعدني، مفيش وقت أرجوك.
أنا مش فاهم حاجة، فتحت باب الأوضة كان مشي، ماكنش قدامي غير اني أروح أشوفه في أوضته، فيه أسئلة لازم يجاوبني عليها…
خبطت ماردش، دخلت لقيته قاعد على الأرض، راسه بين إيديه وبيبكي، قفلت الباب وقرّبت منه وقعدت قدامه، أنا كنت خايف، بس هو لحد دلوقت ماتسببش في أذى ليا.
هزيته بالراحة، رفع راسه…..
– فيك إيه يا محمد؟
– مش عارف..
– طب ليه ماحكيتش لأبوك أو أمك!
– مش هيصدقوني؛ انت الوحيد اللي هتصدقني يا عزيز.
– مش انت بتشوفه جوايا، بيظهرلك وبيكلمك.
– آه.
– لأنك عزيز.
– مش فاهم يا محمد…
– أنا ماعرفش غير إنك عزيز؛ هما بيقولوا كده من أول ما اتولدت.
– قابلت واحد في المقابر قالي كلام شبيه بكده، كان عارف اسم أمي كمان، وعارفني من غير ماأقوله أنا مين!
مرة واحدة محمد مسك إيدي وزقّني على ضهري، قرب مني جامد وبدأ يخنقني، حسيت إني خلاص باموت ومش قادر أتنفس وفجأة كل حاجه ضلمت، لما صحيت كنت لوحدي في أوضة محمد، وفيه دم على هدومي، بس أنا ماكنتش متعوّر، معنى كده إن محمد هو اللي اتجرح، دوّرت عليه في البيت كله مالقتهوش، كأنه فص ملح وداب، سألتهم كلهم عليه، ماحدش كان يعرف عنه حاجة، طلعت أنام ودماغي بتودي وتجيب، أول ما حطيت دماغي على المخدة شفت الراجل اللي قابلته في المقابر قدامي، اتنفضت من مكاني ولفّيت بعينيا في الأوضة، عرفت إنه كان بيتهيألي، كل ما أغمض أشوفه قدامي، بس آخر مرة ظهر لي كان معاه محمد!
معقولة يكون عارف محمد اختفي فين؟
ليه لأ.. ماهو عرف اسم أمي، واسم عمي من أول مرة اتقابلنا، الليلة عدّت طويلة، كوابيس مالهاش آخر..
كنت ماشي في الطرقة، ماكنش فيه نور خالص، سامع أصوات جاية من جوة حيطان الطرقة، بتنادي باسم عزيز، الطرقة كانت طويلة مالهاش نهاية، جريت لما حسيت إن فيه حد بيجري ورايا، ومرة واحدة اتكعبلت ووقعت، بس ماكنش فيه أرض تحت رجلي، كنت باقع لتحت لحد ما اتخبطت ولقيت نفسي مرمي على السلم في إضاءة خفيفة، لقيت نفسي بانزل السلم وأمشي ورا الصوت الضعيف، أنا عارفة قرّبت خالص، كانت الإضاءة ضعيفة، أنا شايف محمد قدامي على حجر كبير وحواليه ظلال سودا، وقفت عاجز مش قادر أقرب ولا أساعده، وفجأة لقيت بنت عمي بتلفّني ليها وبتغمّي عنيا، سحبتني بعيد عن المكان، فضلنا طالعين السلم وكأنه مابيخلصش، المهم حسينا بصوت دوشة كتير ورانا، فقالتلي:
اجري، هما مش هيقدروا يأذوني، مافهمتهاش وماكنتش راضي أسيبها، بس هي زقتني على فوق.
لما طلعت لقيت نفسي في أوضة واسعة فاضية مبني فيها ضريح!
ده بجد طب إزاي! جريت على الباب وفتحته، لقيت سلم نازل لتحت، لقيت نفسي بانزل عليه إيه ده؟
ده الدور التاني يعني الضريح والأوضة الواسعة، ده الدور التالت!
طب والسرداب إيه، منين بيودي لفين، خفت حد يشوفني في الوقت ده، فجريت على أوضتي، دخلت وقفلت الباب، سندت ضهري عليه، ولسه هاخد نفسي دمي نشف، كان على السرير حد شبهي بالمللي بس نايم، قربت منه، ده أنا طب إزاي!
أنا برة جسمي، هو أنا مُت، بس لا، جسمي بيتنفس صحيح أنا مش قادر ألمس نفسي، بس شايف صدري بيطلع وينزل، قعدت على السرير وكنت سرحان في اللي بيحصل، باحاول أفتكر آخر حاجة عملتها قبل كل ده، فجأة حسيت جفون عينيا بتتقل ونمت، لما صحيت الصبح كنت حاسس إن جوايا اتنين!
أنا مش عارف إيه بيحصل، أول ما فتحت عينيا شفت صورته تاني قدامي!
لبست ومن غير أكل نزلت جري أدور على محمد، ماحدش كان فاضي يتأكد هو موجود أو فين!
فطرت وخرجت برة البيت، رحت الأرض شوية ومع آذان العصر اتحركت ناحية المقابر؛ أنا لازم أقابل الراجل، لفيت المقابر مالقيتهوش، لما جيت أمشي لقيت صوته بيندهلي…
– عزيز!
– كنت بادور عليك.
حكيتله كل اللي حصل، وطلبت منه يساعدني ألاقي محمد، حط وشه في الأرض، وقالي: “هتلاقيه بس بعد فوات الأوان”.
_أنا مش فاهم أي حاجة!
– الصبر وهتفهم.
-هاتجنن قبل ما أفهم!
– انت الوحيد العاقل في اللي حواليك.
– محمد فيه حاجة، أنا واثق.
– محمد اتأذى، والسبب كان أبوه.
– عمي؟
– آه، عمران طمع وكان بيخطط لحاجة كبيرة، ربنا ردها له فيه.
– مش فاهم.
– روّح، وفي الليلة السابعة هتفهم كل حاجة.
لمدة أربع ليالي كنت باسمع صوت عياط محمد جنب باب أوضتي، ولما أفتح ماكنتش بالاقيه.
في الليلة السابعة الكل كان بيجهز، ماحدش لاحظ غياب محمد إلا دلوقتي، أمه بدأت تسأل عليه، حكيتلها إنه غايب بقاله كذا يوم، وش أبوه اتقلب، وبدأ يدوّر عليه زي المجنون، بعت رجالة تقلب عليه البلد كلها مالقهوش برده، الجو بدأ يتوتر.
مراة عمي أخدته على جنب، وبعدين بصلي جامد وسابنا وراح الأوضة اللي مقفولة في الدور الأول، فتحها والريحة بدأت تطلع وتنتشر، فيه ريحة وحشة طلعت من الأوضة على الرغم من كده كلنا اتجمعنا، ودخلنا الأوضة لأول مرة، جسمي اتنفض وحسيت بكهربا جامدة وقفت شعر جسمي، بلعت ريقي لما عمي شد بإيده باب في الأرض، ونده على حد يجيبله كلوب، بصلي وقالي: تعالى معايا، نزلت وفضل فوق بابا وأحمد وصفا ومراة عمي اللي كانت قاعدة على الأرض بتعيّط…
نزلنا السلالم، بصيت لعمي، وسألته احنا فين ماردش، بس لاحظت إن فيه سلالم طالعة لفوق،، فجأة حسيت إن المكان مش غريب، أنا كنت هنا، قربنا واحدة واحدة لحد ما لقينا جسم محمد متمدد على الحجارة اللي شوفتها، جريت عشان أفوقه بس كان خلاص جثته بدأت تتعفن بالفعل، بصيت لعمي، عينيه كانت مليانه دموع، وبيبصلي بغضب وغل وغيظ، بدأ يقرّب مني، كان شكله يخوف! اتخبطت في الحيطة اللي ورايا، وهو مسكني من رقبتي وبدأ يخنقني….
فجأة عمي عمران سابني ووقع على الأرض، وظهر من وراه ابنه أحمد، شدني من إيدي وقالي ساعدني أطلعه بسرعة، سند أبوه من الجنب الشمال وبصلي، فساعدته أول ماطلعنا فوق أبويا أخدني في حضنه، ومراة عمي جريت على أحمد وسألته على محمد أخوه، حط وشه في الأرض وقالها: ادعيله هو بين إيدين ربنا.
بص لباباه وقالها: هو السبب، طمعه وصلنا لكده..
ماكانتش مصدقة، بدأت تهز في عمي لحد مافاق، كان باصص حواليه مش مدرك اللي بيحصل، بس هي ماادتهوش فرصة، قعدت تضرب فيه لحد ما وقع على الأرض، والبوليس دخل…..
وهناك عرفنا إن جدي كان عامل سرداب تحت البيت؛ عشان ينقب عن الآثار، واللي كان عليها كان طالب حد من دمه، مارضاش يضحي بعمي عمران ولا بابا وقفل الموضوع ده، لما عمي عرف الموضوع ده طلب منه يقتل أبويا ويضحي بيه، بس جدي رفض، فعمي قتله ودفنه في الدور اللي فوق عشان جثته تفضل تحت عينيه، سن أبويا في الوقت ده كان عدى الوقت اللي ممكن يتقدم فيه قربان، فقرر يضحي بيا انا بس كان لازم اوصل لسن معين عشان يتقبل دمي وتتفتح المقبرة، بس للاسف ابنه كان اكبر مني بيوم وكمل السن قبلي، وهما اختاروه عشان ضعيف مش هيقاوم، وهيقدروا يسحبوه.
محدش كان مصدّق اعترافات عمي عمران، هو متهم بقتل ابنه وتقديمه كقربان للجن عشان يفتح المقبرة!
رجعنا البيت، كانت مراة عمي في عالم تاني، والدي قرر نمشي بأسرع وقت بس ماكنش ينفع، طلبت من صفا توصي بنات عمي على أمهم….
– خليهم ياخدوا بالهم منها.
– هما مين؟
– بنات عمي؟
– بنات عمك اتنين، واحدة متجوزة في الأقصر، والتانية ماتت من سنه ونص.
– ماتت إيه بس يا صفا، ده أنا من أول ما جيت باشوفها وباكلمها.
دخول والدي قطع كلامنا، بصينا لبعض وسكتنا، قالنا: هنتحرك كمان ساعين، اجهزوا…
طلعت على المقابر جري زي الأهبل، لقيته واقف هناك زي مايكون مستنيني، قربت منه، قالي: تعالى يا ابن الغالية…
– انت مين؟
– أنا جدك يا عزيز.
– لو انت جدي، إزاي مش عارف اسمي؟
– قلت لك قبل كده مش لازم عزيز تكون اسم، ممكن صفة.
– مش فاهم؟
– أقصد إنك عزيز، مميز، مكشوف عنك الحجاب من صغرك؛ عشان كده كنت بتشوف حاجات ماحدش بيشوفها، زي ما شفت محمد معايا، وزي ما كنت شايف بنت عمك الميتة.
– تقصد انك….
– اه زي مافهمت، انت هنا في المقابر، كلنا اموات ولاد أموات، أنا جدك لأمك يا عزيز، امشي وماترجعش هنا، ولا تيجي البلد دي تاني…
رجعت لوالدي اللي كان مستني علي باب البيت بالعربية، وبدأت العربية تتحرك، كل حاجة اتغيرت حاجات كتير اتكشفت ووضحت قدام عنيا، للمرة الأولي كنت حزين، وأنا بابص على البيت ده، محمد مات من غير مايكون ليه ذنب.