قصص

قصه الصندوق

الصُّندوق
“لا تَفتح ما لا تعرف”

-يا أحمد .. أنا لَقيت حاجة.
-حاجة إي يا ياسر؟

الحكاية بدأت لمّا ياسر بلَّغني إنّه لَقى حاجة خَشب وإحنا بنُحفر البير، نِزِلت في الحُفرة عَشان أشوف إي اللي ياسر بيقول عليه، بدأنا نزيح التُّراب من فوق الخَشب لغاية ما ظَهَر صندوق، الصندوق كان عليه قِفل غريب، تقريبًا من زمان لأنّي ماشوفتِش زيّه قبل كِدَه.

خَرَجت من البير عَشان أجيب حَبل، رَميت الحَبل لياسر عَشان يُربُط الصندوق، بَعد ما رَبَطُه لقيته بيشِد الحَبل وبيقول لي:
-اسحب يا أحمد.
***

حرارة الجَو كانت فوق إنّ حد يتحمّلها، إحنا متعوّدين على حرارة الصحرا، لكن الحرارة اللي إحنا بِنحِسّ بِها دلوقت مُش طبيعية أبدًا.

إحنا فريق عمل بنشتغل في البترول، بنقضّي فترة طويلة جدًّا في الصحرا بحُكم شغلنا، متعوّدين على العيشة في الكامبات، لكن واجهتنا مُشكلة من فترة إن حِصّة المياه اللي بتيجي للكامب بَقِت بتتأخّر، النّاس مع الشُّغل وحرارة الصحرا مكانِتش بتقدر تتحمّل العَطَش، وحَصَل قبل كده إن عامل توفّى بسبب الموضوع ده، لغاية ما اقترحنا إننا نُحفر بير، يساعد في حالة إن حصل نقص في المياه.

بدأنا نحفر البير، اختارنا مجموعة من العُمّال كُنت بَشرِف عليهم أنا وياسر، كُنّا مستعجلين إننا نُحفر البير بأقصى سرعة عَشان نتفرَّغ لشغلنا الأساسي، دا اللي بسببه كُنت بساعد العُمّال أنا وياسر بإيدنا في الحَفر.

كُنّا قرَّبنا ننتهي من الحفر، كان ياسر هوَّ اللي تحت ساعتها بيحفُر، في اليوم دَه اتأخّرنا والليل دَخَل علينا، العُمّال أخدوا راحة وكمّلت أنا وياسر، اضطرينا نركّب إضاءة عَشان نِنجِز البير، معادش فاضل غير حاجة بسيطة ونوصّل للمياه، في الوقت دَه لَقينا الصندوق، اللي أمره كان غريب جدًّا، أكيد مَحَدِّش دَفَنُه هِنا، مُستحيل حد يِدفِن حاجة على العُمق دَه، واضح إنّه من زَمان جدًّا لأن عُمر الخَشب اللي الصندوق معمول منّه كبير جدًّا.

نَقلنا الصندوق لمخزن الكامب، حاولت أنا وياسر على قدّ ما نِقدر نخلّي الموضوع مينتشِرش بين العُمّال في الكامب، لغاية ما نحاول نِعرف قصّته إي.

كمّلنا الحفر عادي، وركّبنا أدوات البير وبقى جاهِز لو احتاجنا له في أي وقت، ومع انشغالنا نسينا موضوع الصندوق، لغاية ما لمحته بالصدفة في المخزن واحنا بنطلّع أدوات محتاجينها، قرَّبت من الصندوق، بصّيت لُه وِسَرَحت، لِغاية ما انتبَهت على صوت خَبط في الصندوق، قُلت: يِمكن بيتهيّأ لي لمّا سَرَحت، لكن لمّا ركّزت تاني في الصندوق لقيته بيتهزّ.

صوت العُمّال وهُمّا بيقرّبوا خلّاني أبعد عن الصندوق، خرجت من المخزن؛ لكن ليلتها بعد ما خلّصنا شغلنا قعدت مع ياسر وقُلت:
-هنعمل إي في الصندوق؟
-أي صندوق بتتكلّم عنّه؟
-الصندوق اللي لَقيته وأنت بتُحفر البير .. وحطّيناه في المخزن.
-تصدَّق نسيته .. إي اللي فكّرك بُه؟
-أخدت بالي منّه وأنا في المخزن النهاردة مع العُمّال .. لمّا وقفت قُدّامه حسّيت إن فيه حاجة .. زي ما يكون جوّاه صوت .. أو بيتهزّ.
-كلام إي اللي أنت بتقوله دَه؟ تعالَ بينا نروح المخزن.

ياسر كان أشجع منّي، فَتَح باب المخزن ودَخَل وأنا وراه، ضَرَب كشّاف النّور في الطريق اللي بيودّي للصندوق، إحنا كُنّا مخبّيينُه في آخر المخزن، لمّا وَصَل هناك قَبلي لقيته بيقول لي:
-الصندوق مُش موجود يا أحمد.
-إزّاي دَه؟! .. أنا آخر واحد خارج من المخزن .. والصندوق كان موجود .. ومفيش حدّ معاه مفتاح المخزن غيري.
-يعني هيكون راح فين؟ .. اختفى مثلًا؟!

ياسر كان لسّه مكمّلش كلامه وسِمعنا صوت خَبط، التَفتنا ناحية الصوت، ضَربنا كشّاف النور ناحيته، الصندوق موجود في الأرض، في الممر اللي كُنا ماشيين فيه لمّا دخلنا من المخزن!
-إحنا مُش كُنا معَدّيين دلوقت من الممر ومكانش في حاجة موجودة؟
سؤال ياسر خلّاني أخرج من ذهولي:
-ها .. حَصَل.

ابتدينا نقرَّب من الصندوق، ضَربنا عليه نور الكشّاف، أوّل مرّة آخد بالي إن هيئة الصندوق مُرعبة كِدَه، كَمان الكلام اللي مكتوب عليه، كان تحذير من إنّ حد يِفتَحه.

كان رأيي إن الصندوق يرجع مكانه في المخزن، طلبت من ياسر يشيل قُصادي، رفعنا الصندوق لكن اتفاجئنا إن وزنه زاد أضعاف، لقيتني بقول:
-الصندوق مكانش تِقيل كِدَه.
ساعِتها ياسر قال لي:
-أكيد حد حطّ فيه حاجة.
رد ياسر عليّا استفزّني، خلّاني قُلت:
-حد مين اللي حَطّ فيه حاجة .. أنت شايف بنفسك القِفل سَليم .. كُل حاجة في الصندوق سليمة .. لو اتفَتَح كان هَيبان عليه حاجة .. الصندوق ما اتفتَحش.

بعد شوية تفكير ياسر قال لي:
-لمّا جينا نشوف الصندوق لقيناه مُختفي من مكانه .. بعدها لقيناه في الأرض .. في الممر اللي إحنا دَخَلنا منّه .. ولمّا جينا نشيله لقيناه أتقل من الأول بكتير .. بدون ما يِتفَتَح .. دَه مُش سَبب كافي إننا نِفتَح الصندوق ونشوف فيه إي؟!

في الحقيقة كلامُه أقنعني، حاولت أشوف إي اللي مُمكن يِفتَح القِفل القديم دَه، كُنت حريص إننا مانكسروش، بعد محاولات طويلة قِدِرنا نِفتح القِفل، بعدها فَتَحنا باب الصندوق، اللي اتفاجئنا لقيناه فاضي!
***

-الصندوق دَه بيشتغلنا ولا إي؟!
لقيت السؤال دَه طالع منّي بعفويّة، حتّى ياسِر ضِحِك، الموضوع غريب فعلًا، كُل اللي في الصندوق قطعة قُماش قديمة جدًّا، حتى لونها مكانش واضح كان إي، لله العِلم كِدَه إن كان مَلفوف فيها حاجة، أصل غريبة يبقى الصندوق والقِفل والكلام اللي على الصندوق عَشان قُماشة يعني!
ضِحك ياسر تاني وقال لي:
-الصندوق دَه هَينَسّينا شُغلنا وهيعطّلنا .. تعالَ نِركِنُه في جنب ونروح نشوف ورانا إي.

قفلنا الصندوق بالقِفل زي ماكان، بعدها كل واحد مَسكُه من ناحية، رفعناه عَشان نتحرّك بُه ونِركِنُه، لكن اتفاجئنا تاني إنّه بَقى خَفيف جدًّا، يمكن أخفّ من الأول كمان، واتفاجأت إن احنا الاتنين بنقول في وقت واحد:
وبعدين بَقى في الصندوق دَه؟!
***

أنا اتفَزَعت من الصّريخ اللي حَصَل، بصّيت في ساعتي، الساعة 2 بعد نُص الليل، الدُّنيا دَوشَة بَرَّه وفي حالة فَزَع، كان لازم أقوم أشوف إي اللي بيحصل، خرجت من غرفتي في نفس اللحظة اللي ياسر برضو كان خارج فيها من غُرفِتُه، مشينا لغاية ما وَصَلنا حُوش الكامب، العُمّال متجمّعين في دايرة، لمّا دخلنا وسطهم لقينا مشهد مُرعب.

جُثّة! واحد من العُمّال مَرمي في الأرض قُريّب من البير، و راسُه مُش موجودة!
-تِفتِكِر مين يِعمل جريمة زي دي؟!

السؤال خَرَج مِنّي بدون ما أحسّ، طبعًا إحنا بلَّغنا الإدارة باللي حَصَل، واللي بدورها طلبت منّنا نِبدأ إجراءات أولها إن مفيش أي حد يدخل أو يخرج من الموقع، وطلبت ندوَّر على أي تفاصيل لأن أكيد الشرطة هتحتاج كل ده في تحقيقاتها.

أوّل حاجة عملناها إننا عطينا تعليمات للأمن على البوابة إن ممنوع دخول أو خروج أي شخص لغاية ما توصل الشرطة، بس أنا كانت عندي فِكرة، ساعِتها قلت لياسر:
-تعالَ نِعمل حَصر لعدد العُمّال اللي في الموقع، اللي هيكون مُش موجود أكيد هو مُرتَكِب الجريمة، مَحدّش هيعمل جريمة ويِفضل موجود، لازم هايِهرب.

المُفاجأة إنّ كُل العَدد كان كامل، طبعًا ما عدا العامل اللي اتقتل، هو مُمكن يكون القاتِل بالذّكاء دَه؟! يكون ارتكب جريمته وقال إن الهَرب هيبقى أول طريق إدانته!

على بداية النّهار كانت الشرطة والنيابة وصلوا، عاينوا مسرح الجريمة وحاولوا يوصلوا لأي دليل يدل على القاتل، لكن للأسف، تحقيقات يوم كامل موصّلتناش لأي نتيجة، معقول القاتِل كان بالذكاء اللي يخلّيه مايسيبش وراه أي دليل؟! أنا طول عُمري أعرف إن مفيش جريمة كاملة!

لكن يا ترى مين مصلحته يِقتل عامل غلبان؟ التحقيقات مقِدِرِتش تثبت أي حاجة على كل اللي في الموقع، ومستحيل يكون حد من بَرَّا لأن في أمن على البوابة، لُغز كبير!

هُمّا يادوب يومين، ونفس الجريمة اتكرَّرت تاني، في نفس المكان وبنفس التفاصيل، وزي المرّة اللي فاتت، التحقيقات مقدرِتش توصل لحاجة.

اضطرّينا نوقّف العمل في الموقع، رغم إن ده كان من سابع المستحيلات إنّه يحصل، لكن الأحداث الأخيرة كانت كفيلة بإنها تخلّي المستحيل يتنفّذ.

وبما إنّي أنا وياسر مسؤولين عن الموقع، اتكلّفنا نِفضل فيه، خلّينا معانا خمسة من العُمّال غير الأمن اللي على البوابة، الشرطة بتيجي تحقّق من وقت للتاني، ولغاية دلوقت مفيش حاجة مفهومة.

وفي مرّة كُنت قاعِد بشرب الشاي الصُّبح، في نفس الوقت اللي ياسر قام من النوم، شَدّ كُرسي وقعد جني لقيتني بسأله:
-مُش ملاحظ حاجة غريبة؟
-إي الحاجة الغريبة اللي تقصدها بالظبط؟
-الرّاس.
-راس؟! أي راس تُقصد؟!
-الاتنين اللي اتقتلوا.. راسهم اتقطعت.. واختفت.. ومحدّش قِدِر يوصلّ هما راحوا فين.
-أنا شاكك إن مرتكب الجريمتين واحد.
-دا أنا متأكّد من دَه.. بس هوّ مين الواحد ده؟!
-طيّب إحنا ممكن نوصل لُه ازّاي؟!
-كاميرات .. المكان اللي حصل فيه الجريمتين مُش متغطّي بكاميرات.

ازّاي فاتِتنا حاجة زي دي؟! أنا فاكر إن أوّل ما ركّبنا الكاميرات حطّناها في الأماكن المهمة؛ مكانش في أي ضرورة إننا ركّب كاميرات في حوش الكامب؛ ولحُسن حظّنا إن من الخمسة اللي معانا كان فيهم فنّي كاميرات، اللي خلّيناه بدأ علطول يركّب كاميرات في الحوش.

من بعدها بقينا نقضّي الليل قدّام شاشة المراقبة أنا وياسر، كان نفسنا نمسك طرف خيط في الموضوع، مع الوقت بدأنا نِزهق من السَّهر قُدّام الكاميرات، لغاية ما صرفنا نظر عن الفكرة دي، إحنا نرجع للكاميرات في حالة لو حصل حاجة بس.

تصدقوا، الجريمة اتكرَّرت للمرّة التالتة!

أوّل حاجة فكّرت فيها هي الكاميرات، جريت على المكتب اللي فيه شاشات المراقبة، ولقيت ياسر سابِقني على هناك، بدأنا ندوَّر في تسجيل الكاميرا من قبل وقوع الجريمة، كُل اللي شوفناه إن واحد من العُمّال كان ماشي في الحوش بالليل قُرب البير، وفجأة وَقَف كأنّه شايف حاجة قُدّامه، بَدأ يرجع ورا بالرّاحة، بعدها وَقع ع الأرض، وراسُه انفصلت عن جِسمُه، وبعدَها اختفت!

معقول اللي إحنا شايفينُه دَه؟!

حتى الشَّرطة كانت في صدمة وهي بتشوف تسجيل الكاميرات، اللي بيعمل كِدَه حاجة مُش قادرين نحدّد هويّتها، مُش عارفين هي إي أصلًا.

بَعد اللي حَصَل دَه، طِلِع أمر بإخلاء الموقع تمامًا من كل اللي فيه، بما فيهم أنا وياسر والأمن اللي على البوابة، والشُّرطة هي اللي بدأت تأمّن الموقع من بَرَّه بدون ما حد يتواجد جوّاه عَشان ماحدّش يتعرَّض للخَطر.
***
يُتبع

ج2
الصندوق
“لا تفتح ما لا تَعرف”
**
الموضوع كان شاغِل بالنا بدرجة كبيرة لدرجة إني محبّتش أرجع البيت، أنا قرَّرت أقعد كام يوم عند قبيلة بَدو عايشين في الجبل على بُعد حوالي عشرة كيلو من الموقع، لمّا بلَّغت ياسر باللي أنا ناوي أعمله لقيته هوّ كمان عايز يِفضل معايا.
حكينا قصّتنا لرئيس القبيله، اللي أَذّن لنا إننا نقعُد في خيمة بعيد شويّة عن الخِيَم بتاعتهم، خيمة الضيوف زي ما بيسمّوها، عَشان التقاليد بتاعتهم مبتسمحش للأغراب إنهم يعيشوا معاهم، بَعد ما عرِفنا طبعًا إنهم على علم بالجرايم اللي بتحصل في الموقع، دا حتّى عرفنا إن الشرطة استعانت بهم عشان لو يقدروا يوصلوهم للمجرم اللي بيرتكب الجرايم دي.
أربع أيام لا حِس ولا خَبر، لغاية ما كُنّا قاعدين قدّام خيمة الضيوف بتاعتنا، ساعِتها كان في أطفال بتلعب، وحد منهم لَمَحنا، لقيناه جاي يُقعُد جنبنا، الطفل كان لَبِق بدرجة أبهرتنا بصراحة، بيحكي عن تاريخ قبيلته، هُمّا هنا من زمان جدًّا، بدأ يِحكي عن أشباح شافها في الجبل، وعن عفاريت بتطلع بالليل، حاجات كتير من اللي بيخوّفوا بِها الأطفال، لغاية ما بدأ يِحكي عن حاجة لَفَتِت انتباهنا، لمّا قال هحكي لكم عن “أبو سيف”.
ضِحِكت وقُلت:
-مين “أبو سيف”؟
الطِفل بَصّ حواليه قبل ما يبدأ يِحكي:
-كان قاطع طريق زمان، ممكن من ييجي 200 سنة، كان هوّ اللي مسيطر على طريق الجَبل اللي الناس بتسافر منّه، محدّش كان بيقدر يعدّي غير لمّا يدفع من البضاعة اللي معاه أو فلوس، غير كِدَه بيتقَتَل، دا حتى مِن كُتر ما بيعيش في الجَبَل بقى صاحب الجِن والعفاريت اللي فيه، ماهو الجَبَل اللي ظاهر بعيد ده اسمه جَبَل العفاريت، وهو كان عايش في كَهف هناك، لمّا اتصاحب على العفاريت والجِن قوّته زادت، بقى بيدمّر أي حد بيعدّي من الطريق دَه بالليل، كان ممنوع أي حد يعدّي من هناك بعد المغرب لغاية تاني يوم لمّا الشمس تطلع، لغاية ما القبيلة زمان خطَّطوا إنّهم يتخلّصوا منّه، بمساعدة شيوخ وناس بتعرف تعمل سِحر طبعًا عشان يقدروا يسيطروا على العفاريت والجِن اللي معاه، عملوا له كمين، رصّوا الحجارة على الجبل من فوق، وأوّل ما شافوه معدّي زقّوا الحجارة نِزلت فوقه، لغاية ما اندفن تحتهم ومات، بعدها الناس شالِت الحجارة من فوق جثّته، وواحد من السَّحَرَة اللي موجودين قال لهم: لازم تفصلوا راسه عن جسمه، تحرقوا جسمه لغاية ما يتفحّم وتدفنوه في مكان بعيد، وراسه تتحطّ في صندوق ويندفن تحت الأرض، وحذاري حد يِفتح الصندوق، ساعِتها كلام السّاحر اتنفّذ، وطبعا الصندوق اتقفل بتعويذة من الساحر اللي قال إن مفعول التعويذة هينتهي لو حد فتح الصندوق، وساعِتها روح “أبو سيف” هتتحرَّر وتبدأ تنتقم من الناس بنفس الطريقة اللي مات بيها.
لقيتني بقول للطفل:
-مين قال لَك على القصة دي؟
لقيت الطفل ضِحِك وقال:
-عفريت.. ماهو أنتم ما تعرفوش إن العفاريت والجِن هنا أصحابي!
الطفل خلَّص كلامه وقام لمّا زمايله ندهوا عليه، بصّيت أنا وياسر لبعض، ولقيته بيقول لي:
-الصندوق.
قُلت له:
-كلام الطفل ده مُش هزار.. أنا كان قلبي حاسس إن الصندوق دَه فيه حاجة.. وأنت شوفت بعينك اللي حَصَل في المخزن.
-فعلًا.. إشمعنى الجرايم حصلت جنب البير؟ في المكان اللي لقينا فيه الصندوق.
إحنا قرَّرنا نلجأ لرئيس القبيلة، اللي بَعت جاب الطفل وسِمع منّه الحكاية بنفسه، واللي عرَّاف القبيلة أكّد على صحّتها، موضوع “أبو سيف” كان انتهى من قرنين تقريبًا ومحدّش كان متوقّع إن دَه يِحصل، هو بس حظّنا اللي جِه كِدَه.
كان رأي رئيس القبيلة إننا نحاول ندخل الموقع بأي طريقة، ونجيب الصندوق، بَعَت معانا اتنين من القبيلة، وعشان إحنا عارفين إن في باب سرّي في سور الموقع قِدِرنا ندخل بالليل من غير ما حد يحسّ بينا، أصلا مفيش حد جوّه الموقع، عشان كِده وصلنا بسهولة للمخزن اللي كان مفتاحه معايا، فتحنا وأخدنا الصندوق، وخرجنا بنفس الطريقة اللي دخلنا بيها.
مع طلوع النهار الصندوق كان في خيمة رئيس القبيلة، اللي بَعت جاب ساحِر من قبيلة تانية ووصّاه إن الموضوع يكون سر، السّاحر بدأ يناقِشني:
-أنتم فتحتوا الصندوق ليه؟
-فضول.
-مُش شايفين إن الصندوق عليه تحذير إن محدّش يفتَحه؟
-الصندوق كان غريب وفضولنا خلّانا نفتحه عشان نِعرف فيه إيه.
-الصندوق كان فيه راس “أبو سيف”، اللي لمّا اتفتح روحه اتحرَّرت وبدأت تنتقم.
-إحنا لمّا فتحنا الصندوق مكانش فيه غير قُماشة قديمة.
-“أبو سيف” كان مخاوي الجِن.. اللي مكانوش قادرين يوصلوا لراسه بسبب التعويذة اللي على الصندوق.. اللي انتهى مفعولها لمّا اتفتح.. عشان كِده الجِن أخد راسه.. واللي لازم تِرجع الصندوق ويتقفل بتعويذة من أوّل وجديد.
-وراسه دي هترجع ازّاي؟
-انتوا اللي فتحتوا الصندوق.. وانتوا اللي لازم ترجّعوا راسه.
أنا وياسر قُلنا في وقت واحد واحنا مذهولين:
-نرجّعها منين؟!
-من الكَهف اللي كان عايش فيه “أبو سيف” في جبل العفاريت.. الجبل محدّش بيقرّب منّه.. لازم تصلحّوا غلطكم وتدخلوا الكهف وتجيبوها.. وإلا أي حد هيتقتل هيبقى ذنبه في رقبتكم.
***
رئيس القبيلة ومعاه السّاحر كانوا معان؛ لكن محدّش منهم قرَّب من الجبل، لأن عرفنا بعد كِدَه إنّهم واخدين عهد على نفسهم محدّش من القبيلة يقرَّب من الجبل في مقابل إن الجن اللي ساكنين فيه يسيبوهم في حالهم.
الكهف كان فوق في آخر الجبل، والطريق كان صعب المشي فيه، صخور صغيّرة بتتحرَّك تحت رِجل الواحد وهوّ ماشي.
على ما وصلنا للكهف كان الليل بدأ يدخل، كنا عاملين حسابنا ومعانا كشّافات نور، اللي لقينا نورها بدأ يِضعف بمجرد ما قرَّبنا من الكهف وبدون سبب، برغم إنها جديدة وأوّل مرَّة تشتغل.
الكهف كان ضلمة جدًّا، يادوب نور الكشّافات كان مخلّينا نشوف قدّامنا بالعافية، مكُنّاش عارفين ندوَّر فين، الكهف كبير جدًّا، حاجة كده زي المغارة، لفّينا فيه كتير لغاية ما بدأنا نفقد الأمل إننا نلاقي حاجة، دا إحنا بدأنا نِشُكّ كمان إن كلام السّاحر مُش صحيح.
الجَو بدأ يبرَّد فجأة، كُنّا مستغربين لأننا في الصيف، أنا كُنت حاسس إن دي بداية حاجة هتحصل، لأن البرودة بدأنا نحس معاها بصوت رياح، والفراغ بتاع الكهف بدأ يخلي للرياح صوت مُرعب.
ومع الوقت حسّينا بصوت حد بيجري حوالينا، كل الحاجات دي مبدأتش تحصل تقريبًا غير لمّا وصلنا لآخر الكهف، ساعِتها ياسر قال لي:
-هو أنا بسّ اللي سامع وحاسس باللي بيحصل ولا أنت كمان زيي؟
-أنا زيّك بالظبط.
-المكان فعلًا زي ما الناس قالت عنّه، مسكون.
-الحكاية أكبر من كِدَه، أنا حاسس إننا قرَّبنا نوصل للمكان اللي فيه راس “أبو سيف”.
مع الوقت خطواتنا بدأت تِتقَل، حسّينا إن حركتنا في حاجة موقّفاها، حالة كِدَه زي الشَّلل بدأت تسيطر علينا، البرد بيزيد، رجلينا زي ما تكون بتلزق في الأرض.
حرفيًّا مكُنّاش قادرين نقف، فقدنا القُدرة إننا نكمّل وسقطنا في الأرض، والكشّافات وقعت من إيدنا، مع الوقت النّور انطَفى، لكن الرؤية عندنا ما انعَدَمِتش، إحنا كُنّا شايفين بس بصعوبة، والسبب في دَه إن كان في نهاية الكهف حاجة زي أوضة، كان خارج منها إضاءة من نار والعة.
مُش عارف إي اللي جاب صوت السّاحر في وداني وهو بيقرأ تعاويذ، حتى ياسر كان سامِع صوته، بعدها جسمنا بدأ يِفِك، وحالة الشَّلل اللي عندنا بدأت تختفي، قُمنا وكمّلنا، فعلًا في أوضة فيها شعلة نار والعة، أوّل ما قرَّبنا منها سِمعنا صوت سيف، زي ما يكون حد بيسحبه من الجِراب.
قلبِنا وقع في رجلينا زي ما بيقولوا، ياسر مِسكني من دراعي وقال:
-إحنا مُمكن يِحصل معانا دلوقت زي ما حصل مع العُمّال اللي اتقتلت.
علطول سِمعنا صوت السّاحر تاني وهوّ بيقول:
-دي حلاوة روح.. كمّلوا.. إنتم متحصّنين من أذى اللي ساكنين عندكم.
في الأوضة كان في فَرشة قديمة على الأرض، تقريبًا دي كانت سرير “أبو سيف”، مُش محتاج أقول لكم الزمن عامل فيها إي، التراب مغرّقها، حتى المخدّة الخيش كانت قرَّبت تدوب.
-لحظة يا ياسر.
لقيت نفسي بشدّ ياسر من دراعه وبقول له:
-بُص على المخدّة.. الجمجمة.
تخيّلوا، شكل الجمجمة وحجمها لواحده كفيل بإنّي أتخيل حجم راس الشخص دَه كانت عاملة ازّاي، وقد إيه ممكن يكون حجم جسمه، وقد إيه ممكن يكون عنده قُدرة على الفَتك باللي قُدّامه، خصوصًا إن كان مخاوي الجِن، وإن الجِن بيمدّه بالقوّة.
قبل ما نِطلع الكهف، السّاحر عطانا قُماشة قارئ عليها تعاويذ، ووصّانا إننا نِلِفّ فيها راس “أبو سيف” عشان نخفيها عن عين الجن اللي ساكنين في الكهف.
إحنا نفّذنا اللي السّاحر قال عليه، وبرغم كِدَه واحنا خارجين سِمعنا صوت حد ماشي ورانا، بدأنا نسرَّع خطواتنا، كُنت شايل الراس وياسر شايل شُعلة النّار اللي أخدناها من الأوضة، وكان صوت السّاحر معانا، كُنّا بنسمعه بيقول:
-كمّلوا .. هتخرجوا بسلامة.
خرجنا من الكهف، وبدون تفكير نزلنا الطريق اللي طلعنا منّه، لغاية ما وصلنا لرئيس القبيلة والسّاحر.
راس “أبو سيف” دلوقت جوّه الصندوق، اللي السّاحر قفله بتعويذة، واللي طلب منّنا إننا ندفن الصندوق بنفسنا، في نفس المكان اللي لقيناه فيه.
دخلنا الموقع بنفس الطريقة اللي عن طريقها خرّجنا الصندوق، رمينا الصندوق في البير ورَدَمناه، بعد ما خلّصنا لقيت ياسر بيقول:
-متفكّرش إننا نُحفر بير تاني يا صاحبي.
الدُّنيا رجعت زي ما كانت، الموقع اشتغل، العُمّال رِجعت، دلوقت فاتت سنة محصلش فيها أي حاجة، بس الموضوع عُمره ما راح من بالي، أنا كُنت كل يوم أروح عند مكان البير اللي اتردم عشان أتأكّد إن كل حاجة تمام، لأن اللي حصل مكانش سَهل إنّه يتنسى.
كُل ما أقعد مع ياسر كُنّا نجيب في سيرة الموضوع، مع الوقت الموضوع بدأ يِقلب معانا بهزار، دلوقت فات 3 سنين، الموضوع بقى بالنسبة لينا عادي جدًّا، حتى أنا مَبَقِتش اروح أتأكّد من مكان البير زي ما كنت متعوّد أعمل كل يوم.
لغاية يوم كُنّا قاعدين نشرب الشاي الصبح كالعادة، ساعِتها ياسر لَمَح واحد من العُمّال ماسِك قُماشة في إيده، وبيحطها في صندوق الزبالة، القُماشة لَفَتت نظره، دا اللي خلّاه يقول لي:
-بُص على القُماشة اللي في إيد العامل اللي هناك دَه.لمّا شوفتها حسّيت بصدمة، جريت على العامل وسألته:
-أنت جِبت القُماشة دي منين؟!
العامل وهو متوتّر قال لي:
-كانت مَرمية في الممر في المخزن.. شيلتها وأنا بنضّف.
جرينا على مكان البير، اللي كان زي ما هو مفيش حاجة متغيّره فيه، مرضناش نحفر أو نعمل حاجة، خوفنا من إن السيناريو اللي فات يتكرّر كان أكبر من فضولنا إننا نعرف إن الصندوق في مكانه ولا لا.
بعد أسبوع من اللي حصل اتكررت نفس الجريمة، برضو التحقيقات مقدرتش تثبت أي حاجة.
قررنا نحفر البير تاني ونشوف الصندوق مفتوح ولا لأ، عشان نِرجع بُه لرئيس القبيلة ونشوف السّاحر اللي قفل الصندوق بالتعويذة، لكن المفاجأة، إن الصندوق نفسه مكانش موجود من أصلًا!
***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى