انتوا فيكوا عيب خطير.. دايمًا بتحبوا تسمعوا الحكايات اة الحواديت المألوفة، الحواديت اللي بتتكلم عن الجن، العفاريت، النداهة.. لكن تسمعوا مأساه وتهتموا بيها زي اهتمامكم بباقي القصص المألوفة والخيالية، فدي حاجة صعبة ومابتحصلش كتير.. بس حكايتي انا غير، حكاية بتجمع ما بين الاتنين، المألوف والمرعب، وفي نفس الوقت هي حكاية مأساويه بدرجة كبيرة… درجة انا نفسي ماكنتش اتخيل إني ممكن اعيشها!
اليوم ده كان البداية؛ يومها كنت واقف برص حاجتنا في بيت عمي الله يرحمه، اللي ورثه من جدي الله يرحمه هو كمان.. وبسبب ظروف ابويا اللي اتلخبطت بسبب قلة الدخل، فاحنا اضطرينا نبيع شقتنا اللي كنا عايشين فيها في المقطم، وجينا عشان نعيش في البيت ده القديم ده.
البيت بيتكون من دور واحد، او عشان اكون دقيق في الوصف، هو بيتكون من دور واحد من ادوار زمان، فيه شقة واحدة، وتحتها بدروم.
لما وقفت وانا هلكان وعرقان من التعب بعد ما رصيت العفش اللي نقلناه من شقتنا للبيت هنا.. وقتها بص لي ابويا بنظرة فهمت منها إنه محرج، بعدها قرب مني وحط إيده على كتفي وهو بيقولي..
مسكت إيده وبوستها…
-ماتحملش نفسك فوق طاقتها ياابويا، من غير ما تتكلم ولا تبرر، انا حاسس بيك وعارف كل حاجة، عارف إنك سيبت الشغل وادينت عشان تكمل قسط الشقة وتدفعلي مصاريف جامعتي، وكمان عشان تدفع لاختي مصاريف مدرستها، وغير ده كله انا عارف إننا كان لازم نبيع الشقة عشان بجزء من فلوسها تسدد ديونك، وبالجزء الباقي نعرف نعيش.
خدني في حضنه وبعد كده باس راسي وقالي..
-كل ده انا عارف إنك عارفه، بس انا ماكنتش حابب إنكوا تيجوا تعيشوا هنا، في بيت مش بتاعنا.
بصت له باستغراب وقولتله..
-ومين قال إنه مش بتاعنا، هم مش بنات عمي الاتنين وهم عندنا، قالوا لك إن البيت بيتك ده ومابيجوش يقعدوا فيه، لأن كل واحدة فيهم عايشة في شقتها مع جوزها!.. دول حتى مابيزوروش البيت ده خالص!
-بس برضه.. البيت ورثهم وحقهم هم، جدك الله يرحمه كتبه لابوهم بعد ما انا انطردت منه من سنين.. ما انت عارف برضه الحكاية دي.
-حلو.. يبقى حقك انت كمان وليك فيه زي ما عمي الله يرحمه كان له فيه، بابا انت مش ذنبك انك حبيت وسيبتلهم البيت عشان تتجوز حبيبتك، مش ذنبك إنهم ماكنوش راضين عن الجوازة وعشان كده طردوك.
قعد ابويا على كرسي من الكراسي واتنهد تنهيدة طويلة وهو بيبص على حيطان البيت..
-حقي بقى ولا مش حقي، اهو ماضي واندفن مع اللي ماتوا واندفنوا.. أما دلوقتي، فبنات عمك الحقيقة ليهم كل الشكر.
-وانت كمان ليك كل الشكر لأنك حاربت عشان حبيبتك واتجوزتها.. وبعدين سيبك بقى من الدراما دي ياحاج واسمع مني، عندي ليك خبر عالمظبوط.
اتبدلت ملامح ابويا من التأثر للابتسامة..
-عالمظبوط!.. قول ياعم المظبوط، خير؟!
-في واحد زميلي، ابوه عنده مكتب محاماه كبير، زميلي ده كلم والده عشان انزل اتدرب معاه في الاجازة اللي احنا فيها دي وكمان ايام الدراسة، والحمد لله الراجل وافق وقالي إنه هيديني مبلغ بسيط كده عشان انا لسه بدرس، لا وايه كمان.. ده قالي إن بعد ما اتخرج، هيعينني عنده وبمرتب ثابت كل شهر، والمفاجأة الكبيرة بقى، اني هنزل الشغل من بعد ما نرتب حياتنا في البيت هنا، يعني ممكن بعد بكرة، او اليوم اللي بعده.
لما قولت لابويا كده، كان واضح عليه الزعل، بس في نفس الوقت برضه كنت شايف جوة عينه نظرة فخر، وقبل ما تسأل ايه التناقد الغريب ده، فانا هقولك إن ابويا رد وقالي بعد ما خلصت كلامي..
-وانت ازاي تروحله من غير ما تقولي؟!
-يابابا ما انا قولتلك اني شايف وعارف، انا مش هينفع اروح الجامعة الصبح، وارجع اذاكرلي ساعتين، وافضل طول اليوم نايم ولا قاعد زي البطة البلدي واحنا في عرض جنيه، بابا.. انا كبرت ولازم اتحمل معاك المسئولية، وبعدين هو انا هشتغل ايه يعني.. ده انا هشتغل في نفس المجال اللي ناوي اشتغل فيه بعد ما اخلص دراسة، مجال المحاماه.
قام ابويا وقف وقرب مني..
-عارف ياض ياصالح.. رغم زعلي منك عشان ماقولتليش، إلا إني برضه فخور بيك، حاسس كده إني خلفت وربيت راجل يعتمد عليه.
حسيت بالراحة لما ابويا وافق عالشغل، وابتديت بكل حماس اكمل رص في العفش لحد ما الشقة تقريبًا بقت تمام؛ الحاجات الأساسية اتحطت في مكانها المظبوط، والبيت بقى شِبه جاهز للمعيشة.. وبعد ساعات من الرص والتوضيب والتظبيط، اشترينا أكل وقعدت أكلت انا وامي وابويا واختي (إيمان) اللي بالمناسبة يعني، في تانية ثانوي عام.. كنا مبسوطين وسعدا رغم إن البيت قديم وفي منطقة شعبية، وفي نهاية اليوم، وبعد ما اتعشينا وقعدنا مع بعض شوية، دخل ابويا ومن بعده أمي لأوضتهم عشان يناموا، ووراهم على طول دخلت إيمان لأوضتها، وانا كمان دخلت الأوضة اللي المفروض بقت بتاعتي.
فردت جسمي على السرير وفضلت باصص للسقف، الدنيا من حواليا كانت ضلمة وباب الأوضة كان مقفول لأني بحب انام في هدوء.. ثواني وحسيت بتقل جفوني من تعب اليوم، وابتديت اروح في النوم، كان الصوت الوحيد اللي في ودني هو صوت المروحة الصغيرة اللي جنبي.. ومع دخولي في حلاوة وغيبوبة النوم على هوا المروحة، حسيت بلسعة غريبة في عنيا، ومعاها فوقت فجأة وفضلت افرك بإيديا الاتنين في عيني لحد ما سمعت صوت باب أوضتي بيتفتح!
(تعالى.. تعالى معايا)
كان صوت غريب، لا، مش اللي في بالك لا، ماكنش صوت غليظ ولا صوت يخوف، ده كان صوت ولد.. عارف انت الولد لما يبقى في السن مابين عشرة ل ١٤ سنة، مش بيبقى له نبرة صوت كده فيها براءة ونعومة بسيطة تشبه لصوت البنات!.. اهو ده بالظبط كان نفس وصف الصوت اللي انا سمعته.
قعدت على السرير وبصت ناحية مصدر الصوت، او بالتحديد، ناحية باب أوضتي المتوارب.. كان ظاهر قصادي خيال لولد صغير بنفس السن اللي استنتجته من خلال الصوت، الضل كان بيقول إنه ما بين ١٠ ل ١٤ سنة.. او اقل من ال ١٤ كمان.. بصيت ناحيته بتركيز عشان احدد ملامحه على ضوء النور اللي جاي من الصالة، بس مافيش.. لا الضل كان بيتحرك عشان اشوف منه أي حاجة، ولا انا نفسي كنت شايف ملامحه كويس..
-انت مين؟!
اول ما سألته السؤال ده، نور الأوضة اتفتح لوحده، ومن غير أي مقدمات لقيت باب الأوضة اترزع!
صمت تام.. هدوء دام لفترة قصيرة اوي مرت عليا سنين، كنت قاعد على السرير عمال ابص حواليا باستغراب، دقات قلبي من قوتها وسرعتها، كنت سامع صوتها بوضوح.. حاولت اتمالك أعصابي واجمد كده واقوم اشوف في ايه، او عالأقل يعني لو مالقتش حاجة وطلعت تهيؤات، اطفي النور واقرا قرأن وانام، لكني قبل ما اعمل كده، سمعت اللي خلى الرعب اتملك من كل حتة في جسمي.. صوت أنفاس جاية من ناحية المروحة، وقتها كنت باصص ناحية الباب المقفول وزرار النور اللي جنبه، لفيت وشي براحة ناحية المروحة الصغيرة اللي جنب سريري، عشان اشوف مين اللي بينهج ده لدرجة إن صوت انفاسه واصلي، ومع بصتي ناحية المروحة لقيته في وشي، نفس الولد.. بس المرة دي ماكنش ضل، ده كان بني أدم بشحمه ولحمه، بس برضه مش باين منه أي ملامح، وشه كان غرقان دم!
رجعت لورا وانا حاسس بإيديا بتترعش من الخوف، قرب مني الولد خطوات بسيطة، قرب ببطء شديد، وكل ما كان بيقرب خطوة، السرير اللي انا قاعد عليه كان بيتهز هزات بسيطة، وكأن كل خطوة بيخطيها ناحيتي، بتهز الأرض اللي تحت السرير وبتتسبب في إنه هو كمان يتهز!
وفضل يقرب والسرير يتهز، لحد ما بقى قريب من حرف السرير، وساعتها وقف.. بص لي بثبات وحرك راسه ناحية اليمين، وكل اللي قاله جُملة واحدة بس..
(ممكن تيجي معايا؟!)
هزت له راسي بالنفي من غير ما انطق ب-ولا كلمة!.. رجع تاني خطوتين لورا وصرخ بعلو صوته صرخة شديدة ومزعجة اوي، صرخة من بشاعتها خلتني حطيت إيدي على وداني وغمضت عيني وانا بزعق فيه..
-اسكت.. اسكت بقى.. اسكت.. دماغي هتنفجر.
وعند جُملة دماغي هتنفجر، سكت الصوت!.. شيلت إيدي من على وداني وفتحت عيني، وفي اللحظة دي اتصدمت، الأوضة من حواليا كان نورها مطفي والباب كان مقفول، لا واللي صدمني اكتر هو نور الشمس اللي كان ظاهر على خفيف كده من ورا ستارة الشباك اللي في أوضتي، وقبل ما احاول الاقي تفسير للي حصل، فجأة باب الأوضة اتفتح وسمعت صوت اختي إيمان وهي بتقول..
-صالح.. ياصالح.. بابا بيقولك اصحى، احنا داخلين عالعصر.
قومت بسرعة من مكاني وفتحت نور الأوضة وبصيت لاختي باستغراب..
-عصر!.. عصر ازاي يعني؟!
-هو ايه اللي عصر ازاي يعني!.. الساعة دلوقتي تلاتة الا ربع بعد الضهر.
سكتت، ماردتش عليها، كل اللي عملته اني خرجت وانا مسهم ومش فاهم حاجة!.. روحت غسلت وشي وبعد كده خرجت كلت وانا ساكت.. ماكنتش بتكلم بسبب اني ماكنتش عارف اقول ايه، ومع سكوتي الغريب ده، بص لي ابويا وسألني وهو قاعد في الصالة قصادي وانا باكل..
-ها!.. لا يابابا.. انا بس.. انا بس ماعرفتش انام كويس بسبب تغير مكان نومتي وكده، بص.. انا.. انا هاكل وهخش اريحلي ساعتين، وبأذن الله لما اصحى هبقى تمام.
رد عليا باستغراب..
-ماعرفتش تنام؟!.. ده انت نايم لقُرب العصر!
-ما هو انا كنت بقلق كل شوية، يعني اقصد اني ماعرفتش انام نوم مريح ومتواصل.. ماتقلقش ياحاج، انا تمام، ماتقلقش.
مد شفته التحتانية لبرة ورد عليا بكلمة “ماشي” وسكت، كملت أكل وبعد ما خلصت، روحت لإيمان وقولتلها ان انا عاوز انام في أوضتها، ولما سألتني ليه مانامش في أوضتي، قولتلها إن الجو جوة حر وإن أوضتها جوها أبرد من أوضتي.. حجة خايبة وعبيطة، ماعرفش انا قولتها ازاي، بس مش مهم.. المهم إن اختي رغم استغرابها من حجتي، إلا إنها قالتلي خش نام في الأوضة، وفعلًا دخلت انام فيها، ومن التعب واللي حصل معايا، حطيت راسي وماصحيتش الا الساعة ٩ بالليل، بصراحة نمت نوم هادي وعميق، وبعد ما صحيت، كلمت صابر صاحبي واتفقنا نتقابل في نفس الكافيه اللي بنتقابل فيه، وبعد ما قفلت معاه، استأذنت من ابويا ولبست ونزلتله، ومع وصولي للكافيه لقيته قاعد مستنيني، سلمت عليه وقعدنا.. وبعد ما قعدت، فضلت ساكت لفترة، كنت سرحان ومابتكلمش لفترة مش قصيرة، اما صابر، فكان بيتكلم وهو ملاحظ عليا ان انا مش معاه خالص..
-ايه ياعم صالح.. هو انا هفضل اكلم في نفسي كتير كده؟!
-ها!.. ما انا معاك اهو، كنت بتقول ايه بقى؟!
-معاك وكنت بتقول ايه!.. لا ده مش هنا خالص، اللي واخد عقلك.
-ومين هياخد عقلي يعني.. اخلص، كنت بتقول ايه؟
-كنت بقولك انت هتنزل المكتب عند ابويا من امتى؟!
-من بكرة ياصابر، ممكن انزل من بكرة.
-حلو.. اصله سألني عنك النهاردة وقولتله إنك كنت بتنقل وكده، ألا بالحق صحيح، ايه اخبار البيت الجديد؟
-قصدك البيت القديم بقى.. زي الزفت.
-اعوذبالله.. ليه كده ياعم؟!
-هتصدقني لو حكيتلك؟!
-وانا من امتى بكدبك يعني؟.. احكي.
حكيت لصابر كل حاجة، كان بيسمعني وهو ساكت، وبعد ما خلصت هرش في راسه وقالي..
-انا قريت عن الجن والعفاريت وكده، ما انت عارف اني بحب اقرا عن الحوارات دي، ومن خبرتي يعني ومن اللي انا قريته، احب اقولك إن دول سكان المكان وبيرحبوا بيك.
-والا.. سكان مين.. انت هتهرج!.. انا مش ناقص وجتتي متلبشة خلقة، بقولك الثواني اللي شوفت الواد ده فيهم، طلعوا ساعات، لا وايه.. اهلي قالوا لي إن انا نمتهم وماكنش طالع لي صوت، يعني كل اللي شوفته ده ماحدش حس بيه غيري.
-طب ما هو ده بيأكد كلامي، اللي انت شوفته مش بني أدم، ده جن وساكن المكان، بس هنا بقى في اسئلة مهمة لازم نعرف اجابتها، هو ظهر لك انت وبس ولا ظهر لحد تاني.. ولو ماظهرش لحد تاني في البيت، اشمعنى ظهرلك انت بالذات؟!
-اه فيها اشمعنى وليه كمان.
-وانا مش عايز اعرف لا اشمعنى ولا ليه، انا عاوز اتخمد في أوضتي زي البني أدمين.. دلني بقى، اعمل ايه عشان اعرف انام في الأوضة ياعم الخبرة؟!
-شغل قرأن.. سهلة.
كلام صابر كان مقنع، وعشان كده بعد ما خلصت القعدة معاه وروحت، حاولت اسأل اختي او امي او ابويا عن أي حاجة غريبة شافوها في البيت، هو ماكنش سؤال مباشر، كانت تلميحات كده، واللي فهمته من ردودهم عليا، إنه لا.. ماحدش شاف حاجة غريبة ولا حد اتعرض للي انا اتعرضتله… وهنا بقى جه دور الحل اللي قاله صابر، لما دخلت أوضتي عشان انام، شغلت قرأن على الموبايل وحطيته جنبي وروحت في النوم، والمرة دي بقى ماصحيتش على صوت الباب وهو بيتفتح زي الليلة اللي فاتت، انا صحيت على صوته هو..
يتبع
العجلة
٢
كلام صابر كان مقنع، وعشان كده بعد ما خلصت القعدة معاه وروحت، حاولت اسأل اختي او امي او ابويا عن أي حاجة غريبة شافوها في البيت، هو ماكنش سؤال مباشر، كانت تلميحات كده، واللي فهمته من ردودهم عليا، إنه لا.. ماحدش شاف حاجة غريبة ولا حد اتعرض للي انا اتعرضتله… وهنا بقى جه دور الحل اللي قاله صابر، لما دخلت أوضتي عشان انام، شغلت قرأن على الموبايل وحطيته جنبي وروحت في النوم، والمرة دي بقى ماصحيتش على صوت الباب وهو بيتفتح زي الليلة اللي فاتت، انا صحيت على صوته هو..
كان نفس صوت الولد اللي بسببه فتحت عيني، وساعتها شوفت أغرب حاجة كنت اتوقع اني هشوفها، انا لما عنيا فَتحت.. لقيت نفسي واقف على السلم اللي بينزل من عند شقتنا للحوش!.. وعلى بُعد درجتين، او بالظبط يعني، تحت الدرجة اللي انا واقف عليها، كان واقف نفس الولد بهيئته ووشه الغرقان دم، مد لي إيده، غصب عني لقيت نفسي انا كمان بمد له إيدي وخدني نزلنا، فضلت ماشي معاه لحد ما وقفنا قصاد باب البدروم، وساعتها شوفت الحاجة الغريبة التانية، باب البدروم كان مفتوح، زقه الولد ده بإيده ودخل وهو ساحبني وراه، دخلت معاه وفضلت واقف وانا مش فاهم حاجة.. وقصادي على الأرض، كان في كراكيب وسطهم حاجتين مميزين اوي، عجلة زي اللي كنت بأجرها من عند العجلاتي وانا صغير، بس كانت متكسرة ومرمية وسط كراكيب متكسرة، وجنبها على طول كان في كرتونة شاور عليها الولد ده وبعد كده شاور على العجلة..
-يعني ايه!… مالها العجلة وجواها ايه الكرتونة دي؟!
كنت متوقع أجابة على اسئلتي، لكن الولد مسك الكرتونة ورفعها لفوق، وقبل ما ابعد او اقوله اي حاجة، كانت حادفني بيها في وشي عشان اصحى من النوم مفزوع!
قعدت على السرير وخدت ثواني كده عقبال ما فوقت، ومع فوقاني أدركت إن القرأن كان مطفي لأن التليفون فصل، حطيته عالشاحن بسرعة وفتحته، لكني لما بصيت لشاشته برقت، التليفون بطاريته نسبتها ٩٥%.. اومال فصل ازاي؟!
ماخدتش واديت مع نفسي كتير، قومت بسرعة غيرت هدومي وخرجت فطرت ونزلت عالمكتب زي ما قولت لصابر، بس قبل ما انزل، ولما ابويا سألني عن احوالي المتغيرة وعن سكوتي الغير معتاد والغير مبرر.. قولتله إن انا لما ارجع هبقى احكيله.
وزي اي واحد بينزل شغل في مكان جديد، عدى عليا اليوم بين كلام مع الموظفين اللي بيفهموني طبيعة شغلي في المكتب، وما بين صابر اللي كان معايا وماسابنيش طول اليوم، وبعد ما خلصت ونزلت انا وصابر وروحنا قعدنا على نفس الكافيه، والمرة دي بقى قبل ما يتكلم او يسألني عن أي حاجة، كنت حكيتله انا لوحدي على كل اللي شوفته، وقتها بص لي وقالي..
-البدروم ياصالح.. لازم تنزل البدروم، اللي ظهرلك ده بيوصلك رسالة وعاوزك تنزل البدروم عشان يقولك حاجة.
-مين ده اللي هيقولي ياصابر؟!
-اللي طلعلك.
-ايوه اللي هو مين اصلًا؟!
رفع صابر كتافه وهو بيجاوبني..
-الله أعلم هو مين.. بس عشان تعرف هو مين وعاوز يقولك ايه، لازم تنزل البدروم زي ما خلاك تشوف في الحلم.
لما فكرت كلام صابر، اقتنعت بيه زي المرة اللي فاتت، وفي نفس الوقت انا برضه بعد اللي شوفته كنت عاوز انزل البدروم، وحتى من قبل ما اشوف الحلم كمان، انا البدروم كان بالنسبة لي مكان مُبهم، بابه مقفول بقفل ومانزلتهوش من وقت ما دخلنا البيت.. ولذلك، بعد ما سيبت صابر وروحت البيت وقابلت ابويا، قعدت معاه وسألته..
-بقولك يابابا.. كنت عاوز اسألك على حاجة كده في البيت.
-خير ياصالح؟.. الأوضة فيها حاجة؟… اصل اختك قالتلي إنك لما روحت تنام في أوضتها امبارح، قولتلها انك مش ماعرفتش تنام في الأوضة عشان حر!
-لا لا.. الأوضة تمام ياحاج، انا عاوز اسألك عن حاجة تانية.
-حاجة ايه؟!
-البدروم.
اتعدل ابويا في قعدته وبص لي بتركيز..
-ماله البدروم؟!
-يعني.. من ساعة ما جينا واحنا مانزلنهوش ولا مرة، هو جواه ايه؟!
سرح ابويا وانا بكلمه وسكت لثواني، بعد كده بص لي وهو بيحاول يجمع الكلام..
-ولا حاجة.. هيكون جواه ايه يعني، شوية كراكيب مليانين تراب، كَل عليهم الزمن وشرب.
-طب ما نوضبه.
-نوضب ايه وليه.. هو احنا هنعيش فيه؟!
-لا مش هنعيش فيه يعني.. بس انا شايف إننا لازم ننزله ونوضبه عشان ده جزء من البيت اللي احنا عايشين فيه، او اقولك.. هات المفتاح بتاعه اللي في سلسلة المفاتيح اللي خدتهم من بنات عمي، وانا هنزل افتحه واوضبه انا، ماتتعبش انت نفسك.
اتعصب ابويا عليا من غير أسباب وقام وقف وهو بيقولي بعصبية..
-مفتاح ايه.. لا مافيش مفتاح طبعًا ومافيش نزول، والبدروم ده ماتهوبش ناحيته خالص.. البيت اصلًا مش بيتنا وانا مش عايز بنات عمك يضايقكوا لو جُم يزورونا.
حاولت اهديه لما قولتله..
-بس يابابا بنات عمي هيضايقوا من ايه لو وضبنا ال..
قاطعني قبل ما اقبل..
-صالح.. خلصنا.. قولت مافيش نزول يعني مافيش نزول.
حطيت وشي في الأرض وانا بهز راسي..
-حاضر يابابا.. اللي تشوفه.
ده الكلام اللي قولته لابويا، لكن من جوايا، كنت بفكر في العكس.. انا لازم انزل البدروم، والليلة دي.. ولأني مش هينفع اقول لابويا على اللي بشوفه في الحلم لا يقول عليا اتجننت ولا بيتهيألي، ولأن برضه ماينفعش افاتحه في موضوع نزول البدروم تاني، فماكنش قدامي غير حل واحد.. ايوه، الحل هو اني أخد المفتاح من وراه واطلع عليه، او الأقرب.. إن بعد ما اخده، انزل وافتح القفل اللي عالباب من غير ما حد يحس وادخل البدروم.. وفعلا عملت كده.. استنيت كل اللي في البيت لما ناموا، وروحت ناحية النيش وفتحته بالراحة، كان فيه سلسلة المفاتيح اللي بالتأكيد فيها مفتاح البدروم، خدتها وقفلت النيش بالراحة واتمشيت بخطوات بطيئة ناحية باب الشقة.. فتحته ببطء عشان ماطلعش صوت، وبنفس البطء قفلته ورايا ونزلت السلالم على طراطيف صوابعي زي ما بيقولوا عشان ماحدش يسمع ولا يعرف باللي انا بعمله، وبعد دقايق قليلة، كنت واقف قصاد باب البدروم.. باب خشبي عليه رُزة وقفل كبير، جربت المفاتيح اللي في السلسلة على القفل لحد ما واحد منهم فتحه، وبعد ما فتحت الباب وبصيت جوة، طبعًا لقيت الدنيا ضلمة.. ف مديت ايدي في جيبي وخرجت موبايلي ونورت كشافه، وجهت الكشاف ناحية البدروم ودخلت بنفس رتم الخطوات اللي نزلت بيه.. خطوة.. والتانية، والتالتة، ومع الخطوة الرابعة، باب البدروم اترزع من ورايا!
الدم اتجمد في عروقي، فضلت ثواني واقف مكاني وانا بجيب عرق من كل خلية من خلايا جسمي، ومع نظرتي بعفوية للمكان المتوجه ناحيته الكشاف، او بالتحديد يعني في مكان على الأرض في الصالة، مليان كراكيب متربة، لمحتها!
عجلة متكسرة.. عجلة شبه اللي كنت بأجرها وانا صغير من عند العجلاتي.. نفس العجلة اللي شوفتها في الحلم، وجنبها على طول، كان في كرتونة شبه كراتين الحلويات، جواها ورق وكتب!.. ودي نفس الكرتونة اللي شوفتها برضه!
جمدت قلبي ونسيت رزعة الباب خالص ونسيت كل حاجة وقربت ناحية الصندوق او الكرتونة، حطيت التليفون في بوقي بحيث إن نوره يبقى منور قصادي بالظبط، وبإيديا الاتنين شيلت التراب عن الورق اللي جواها، واللي كان معظمه ورق فاضي بالمناسبة، بس في نص الورق ووقت ما كنت بقلب فيه وفي الكراريس اللي كان مكتوب فيها دروس ومسائل وحاجات كده من الواضح إنها بتاعت طالب في مدرسة، لمحت كراسة متجلدة بجلاد ورق لونه بني فاتح من بتاع زمان ده.. مسكت الكراسة وفتحتها، وفي الورقة الأولى قريت الأتي..
(اسم الطالب/ جمال رشدي ابو الفضل
السنة الدراسية/ الصف السادس الابتدائي
الفصل/ ساتة تاني)
بعد ما قريت الكلام المكتوب استغربت وسألت نفسي بصوت مسموع..
-جمال رشدي ابو الفضل!.. رشدي ابو الفضل ده يبقى عمي، والمفروض إن جمال ده يبقى ابنه!.. الله!.. ابنه ازاي، انا كل اللي اعرفه إن عمي ماكنش عنده ولاد، هو بس عنده بنتين كبار؟!.. اومال جمال ده جه منين… بس.. بس مش يمكن جمال ده هو اللي انا بشوفه في احلامي وهو اللي وصلني لحد هنا عشاننن.. عشان ايه.. جابني هنا عشان ايه وليه من أصله؟
سكتت فجأة وانا بكلم نفسي لما سمعت صوت خبطات جاي من ناحية العجلة المتكسرة، لفيت وشي ناحيتها، وعن طريق نور الكشاف شوفته.. نفس الولد اللي بشوفه في احلامي وبنفس هيئته، كان قاعد على ركبه وماسك بقايا العجلة بإيده وعمال يخبط الحديد المتكسر منها في بعضه!
الخوف والرعب والفزع وكل الاحاسيس اللي ممكن توقف القلب، خلتني اتسمرت في مكاني، لا اتكلمت ولا اتحركت ولا حتى طلع مني أي رد فعل.. لكن هو، الولد، قام وقف واتمشى خطوتين بالظبط لحد ما بقى قصادي، ومن غير ولا كلمة، مد إيده ناحيتي ومسك إيديا اليمين وحط كفي على بقايا العجلة.. بقايا العجلة اللي اول ما لمستها، حسيت بصداع رهيب، صداع من قوته حسيت إن الدنيا بتلف بيا وراسي بتتقل، وفي أقل من دقيقة، كل الأحاسيس كانت اختفت، مابقتش حاسس بحاجة، لا بصداع ولا بخوف ولا بأي حاجة.. بل بالعكس، انا كنت حاسس إن جسمي خفيف وإن مافيش ولا أي مصدر للألم في أي جزء من اجزاء جسمي!
قومت وقفت وانا ببص حواليا باستغراب، الموبايل بتاعي اختفى، ومش بس الموبايل، دي كل الكراكيب اللي كانت في البدروم هي كمان اختفت، والتراب اللي كان موجود، مابقاش له أي أثر!.. لا واللي خلاني استغربت اكتر واكتر بقى هو نور الشمس اللي لقيته داخل من شباك بدروم!
فضلت ابص حواليا وانا مبرق ومذهول، لحد ما حسيت بإيد بتلمس ضهري، وبسبب لمستها لفيت..
-عايز تعرف انا نزلتك البدروم ليه.. تعالى ورايا وانا هوريك ياصالح.
كان صوت نفس الولد، جمال، استنتجت إنه جمال ابن عمي بسبب اللي قريته في الكراسة، وكمان بسبب احساس قوي جوايا بيقول إن الواقف قصادي ده حد من دمي، بس المرة لما شوفته وقالي كده، ماكنش بهيئته اللي تخوف، ده كان شكله عادي.. ولد عادي يعني، لابس شورت وتي شيرت وجايب شعره على جنب، ملامحه بريئة وجميلة لأبعد الحدود، بلعت ريقي وسألته وانا ببصله بنظرات ترقب..
-انت مين.. انت ابن عمي؟.. هو انا عمي كان له ابن؟!
-مش مهم انا مين دلوقتي، هتعرف.. هتعرف كل حاجة لما تشوف بنفسك.. تعالى ورايا ياصالح.
مشي ناحية باب البدروم، واول ما قرب منه، اتفتح لوحده!.. خرج الولد وانا ماشي وراه زي المتخدر او اللي مسلوب إرادته، طلعنا السلم ووقفنا قصاد باب الشقة اللي كان مفتوح، وزي ما البدروم كان شكله متغير واجدد هو والسلم اللي طلعناه، كانت برضه الشقة من جوة متغيرة.. الشقة كان فيها عفش قديم، وماقصدش بكلمة عفش قديم إنه متكسر او متبهدل، بالعكس.. ده كان نضيف جدًا وسليم جدًا جدًا، لكن طرازه هو اللي كان قديم!
وفي لحظة، قبل ما اسأل أي سؤال، كان خرج لصالة الشقة اللي قصادنا نفس الولد، او نسخة تانية منه، نسخة اوقع وبلبس مختلف، وقف في نص الصالة وكان واضح إنه بيلعب بلعبة في إيده، ووقت ما كان سرحان مع اللعبة، سمعت صوت باب أوضة من الأوض بيتفتح وبعد كده شوفت حد ظهر.. الظاهر إنه خرج من الأوضة اللي بابها اتفتح، والغريب بقى واللي خلاني اركز مع اللي انا شايفه اكتر، هو إن الحد ده كان ابويا، بس واضح جدًا إنه عمره اصغر بكتير من دلوقتي، يعني كان في مرحلة الشباب.
قرب من الولد وحط إيده على شعره بحنية وهو بيقوله..
-بتعمل ايه يا جيمي.. لا لا.. بقولك ايه، سيبك من اللعبة دي خالص بقى وتعالى اقعد معايا، ابوك وامك واخواتك وجدك نزلوا من بدري، وانا وانت مش هينفع كل واحد مننا يقعد لوحده لحد ما يجوا.. فإيه رأيك لما نقعد ونلعب سوا؟!
هز جمال راسه وهو بيقول لابويا..
-ماشي ياعمو جمال.. بس هنلعب ايه؟!
سرح ابويا وبص حواليه بحذر، بعد كده قرب من جمال الصغير وقال له..
-هات العجلة الصغير اللي انا جايبهالك وتعالى نلعب بيها في أوضتي.
راح الولد جري ناحية ركن من اركان الصالة وجاب عجلة صغيرة، كانت نفس العجلة اللي شوفتها في البدروم وهي متكسرة، إنما هنا، وفي المشهد ده، كانت سليمة وشكلها جديد!
قرب من ابويا وهو بيقوله بفرحة وسعادة..
-العجلة اهي ياعمو.. يلا نخش نلعب بيها، انت ماتعرفش انا بحب العب بيها قد ايه، دي العجلة حبيبتي، انا من كتر ما بيحبها بقيت زي ما ماما بتقول… روحي فيها.
ضحك له ابويا بخبث وخده ودخله الأوضة، بعدها سمعت صوت عياط جمال، بس مش جمال اللي دخل الأوضة، انا اقصد جمال النسخة الأولى الواقفة جنبي!
لفيت راسي وقولتله وانا مستغرب بصراحة من اللي انا شايفه..
-انت بتعيط ليه دلوقتي؟!.. وبعدين انا مش فاهم، ايه اللي مخليك بتعيط، ده من الواضح كده إن انت وابويا كنتوا قريبين من بعض.
رفع جمال راسه وبص ناحيتي ومد إيده من تاني وخدني وفضلنا طالعين عالسلالم اللي بعد الشقة لحد ما وصلنا للسطوح، وبعد وصولنا للسطوح، لمحت نسخة كمان من جمال، نسخة تشبه كتير للنسخة اللي شوفتها في الشقة مع ابويا.. كان قاعد على حافة السطح اللي من غير سور وفي إيديه كان ماسك العجلة وبيعيط، ومن غير أي مقدمات او سابق إنذار، حضن العجلة بقوة ورمى نفسه من ع السطح!
يتبع
العجلة
٣
رفع جمال راسه وبص ناحيتي ومد إيده من تاني وخدني وفضلنا طالعين عالسلالم اللي بعد الشقة لحد ما وصلنا للسطوح، وبعد وصولنا للسطوح، لمحت نسخة كمان من جمال، نسخة تشبه كتير للنسخة اللي شوفتها في الشقة مع ابويا.. كان قاعد على حافة السطح اللي من غير سور وفي إيديه كان ماسك العجلة وبيعيط، ومن غير أي مقدمات او سابق إنذار، حضن العجلة بقوة ورمى نفسه من ع السطح!
مالحقتش افكر، انا حسيت بإيد نسخة جمال اللي ملازمني وهي بتتمد وبتمسك إيدي، ونزلنا انا وهو تاني للشقة.. لكن الشقة بعد نزولنا شكلها كان اختلف، بقى شكلها حزين كده، حسيت بقبضة غريبة لما بصيت جواها لأن بابها كان مفتوح..
-ايه ده!.. ده عزا؟!
هز لي جمال راسه وشاور ناحية ست لابسة اسود وقاعدة عمالة تعيط وسط الحريم اللي قاعدين ولابسين اسود هم كمان، وبصوت عالي سمعتها وهي بتقول..
-ياحبيبي يا ابني.. يا حتة من قلب امك، ازاي بس تعمل كده وتحرق قلوبنا عليك.
ومع كلمتها الأخيرة كان الباب بيتقفل، وفجأة اتفتح تاني على مشهد غريب اوي.. الست دي ومعاها راجل تاني، او اقدر اقول بقى إنه عمي رشدي.. كانوا واقفين وابويا كان واقف قصادهم بنسخته وهو شاب، قرب منه عمي وضربه بالقلم، خد ابويا القلم وحط وشه في الأرض، مانطقش بولا حرف، بعد كده قاله عمي بغضب وعينيه مليانة دموع..
-لما مراتي حكيتلي وورتني الكراسة بتاعت جمال الله يرحمه، ماصدقتش.. كنت بكدب نفسي وبكدبها وبكدب كتابة ابني اللي كتبها بخط إيده، بس بعد دموعك دي، خلتني اتأكدت من اللي كاتبه، بس انا كنت اعمل ايه.. كنت اقول لابني ماتخليش عمك يلمسك!.. ياريتني كنت قولتله كده ولا كنت خسرته.
مسك ابويا من هدومه وهو بيكمل كلامه..
-اقسم بالله انا جوايا نار تولع في الدنيا بحالها، ولولا انك اخويا الوحيد وانا اللي مربيك، كنت قتلتك بإيديا دول، بقى ابني.. ابني الوحيد اللي ربنا رزقني بيه بعد سنين من خلفتي للبنات، ومن حبي فيك سميته على اسمك.. ابني اللي يعتبر ابنك انت كمان، تعمل فيه كده وكمان تهدده إنه لو اتكلم هتضربه وتموته!.. بس خلاص.. اهو نط من فوق السطح ورقبته اتكسرت ومات عشان ترتاح، لكن تعرف.. انا مش هموتك يا جمال.. خسارة اخش في كلب مريض زيك السجن، وبعدين انا مش قاتل.. انا هسيبك لعقاب ربنا في الأخرة ويمكن في الدنيا كمان، ومن بعده لعذاب ضميرك، إنما عشان تعيش، لازم تعيش بعيد.. انا كده كده ابوك كتب لي البيت ده بيع وشرا وقالي إنه هيديك قرشين تشتري بيهم شقة برة لما تيجي تتجوز، وبما إنك وسخ ومريض، فانت مش هتتجوز، يعني مش هتاخد لا الشقة دي ولا حتى أي مليم من فلوس ابويا بعد عمرٍ طويل.. ودلوقتي، امشي اطلع برة.. اطلع برة وماتورنيش خلقتك تاني، واقسملك بالله ياجمال يا ابن امي وابويا، بحق رقدة ابوك في المستشفى من الزعل على حفيده الوحيد اللي مات، لو لمحتك في البيت هنا تاني، او حتى في الشارع صدفة، لا هكون جايب أجلك.. غور.. غور ربنا يولع فيك.
بعد ما خلص عمي كلامه ووانا واقف مبرق، شدني جمال اللي كان واقف جنبي وسحبني من إيدي ونزلنا سوا للبدروم اللي بابه كان مفتوح، وبعد ما دخلنا.. المشهد من حواليا اتغير، حسيت بهزة خفيفة بعدها البدروم رجع ضلمة تاني ورجع لشكله الأولاني.. العجلة والكراكيب والتراب، كل حاجة كانت في مكانها، وحتى جمال بشكله وهو وشه مليان دم، كان واقف قصادي، في اللحظة دي انا ماكنتش حاسس بحاجة، انا كنت زي المتخدر.. لا حاسس بخوف ولا بفزع ولا بألم، كل اللي كنت حاسس بيه هو خوف من سؤال دار جوة عقلي، سؤال سألته لجمال وانا عنيا بتدمع وبتمنى إن اللي في بالي يكون غلط..
-هو ابويا.. ابويا عمل فيك ايه عشان تنط من فوق السطح، وايه اللي انت كتبته ومرات عمته قريته وقالته لعمي؟!
شاورلي ناحية الكراسة اللي كانت على الأرض، خدتها.. وعلى ضوء كشاف الموبايل اللي كان لسه شغال، قريت الكلام المكتوب في الصفحة التالتة..
(عمو جمال قالي إنه هيلعب معايا لما بابا وماما وجدو واخواتي ماكنوش موجودين، ولعبنا لعبة وحشة اوي.. لعبة وجعتني، ولما صرخت ضربني وقالي ماقولش لحد وألا هيقول لماما ولبابا ولجدو وهيخليهم يضربوني، وقالي إنه هيموتني لو قولت لحد.. ولعب معايا اكتر من مرة، وكمان كان بيدخل عليا الأوضة بالليل ويلعب معايا وانا كنت بعيط.. انا سمعت في المدرسة إن ابو واحد معايا في الفصل، طلع فوق السطح ونط.. ولما سألته باباك عمل كده ليه، قالي إنه كان تعبان وقال لمامته بعد ما نط في ورقة سابهالها إنه هيرتاح، وانا بكتب اهو وبسيب ورقة زي ابو صاحبي.. انا هنط عشان ارتاح من الوجع اللي بحس بيه كل ما عمو جمال بيلعب معايا غصب عني.. وعشان اكون مرتاح، هاخد العجلة اللي بحبها وهنط بيها)
ولحد هنا الكلام خلص!
برقت لجمال وانا الدموع بتنزل من عنيا..
-هو ابويا كان..
قاطعني بصوت غليظ ومرعب المرة دي، على عكس صوته في كل مرة بيتكلم فيها..
-ايوه.. ابوك اعتدى على جمال وخلاه انتحر.. كل اللي انت قريته صح، واللي وريتهولك كله حصل.. اما انا.. فانا قرين جمال ابن عمك، ساكن جوة البيت ده من يوم موته، وبعد ما عمك ومراته ماتوا ورا بعض، ومن قبلهم جدك من الحزن على صاحبي، بقى البيت ده بيتي لأن بنات عمك اتجوزوا وقفلوه.. وحقيقي انا ماكنتش متخيل إن ابوك ممكن يرجع للمكان ده تاني برجليه، بس رجع.. رجع وانا مش هسيبه يتهنى لا هو ولا انت ولا اختك ولا امك بالبيت.. البيت ده بيتي، والانتقام منكوا واجب عليا.. انا وريتك كل اللي حصل عشان حسيت إن جواك حاجة تشبه صاحبي، جايز تكون الملامح او نبرة الصوت او.. او البراءة.. بس مش مهم الشبه، المهم انك ابنه ولازم قبل ما تتأذي تعرف انت هتتأذي ليه.. اطلع.. اطلع الشقة واستعد للي جاي.
وطيت على ركبي وانا بقوله..
-انا ماليش دعوة بحاجة وماينفعش انا وامي واختي نسيب البيت، احنا جينا هنا لما الدنيا اتقفلت في وشوشنا، وبعدين انا..
قاطعني لما شاور ناحية الباب اللي اتفتح فجأة، ومع فتحته قالي..
-اطلع.. اطلع وألا هحرقك انت واهلك الليلة دي.
خدت الكراسة في إيدي وطلعت من البدروم، خبطت على الباب، مافتحتش بالمفتاح، انا كنت قاصد اخبط عشان كل اللي في البيت يصحوا، بس من سوء حظي إن ابويا هو اللي فتح..
مسكت الكراسة ورفعتها قصاد عينه..
-انت ماسيبتش البيت ولا حد طردك منه عشان كانوا معترضين على جوازك من امي.. انت اتطردت عشان اعتديت على ابن اخوك اللي كان في ابتدائي وانتحر بسببك.. انا شوفت كل حاجة، مش مهم ازاي.. المهم اني شوفت، شوفت العجلة وشوفتك وانت بتاخدها لأوضتك في اول يوم اعتديت عليه فيه، وشوفته وهو بينتحر وشوفت عم رشدي وهو بيطردك وقت ما جدي كان تعبان في المستشفى.. ودلوقتي بقى خليني ابشرك، شبح او قرين ابن عمي.. مش هيخلينا نرتاح في البيت ده ولا ليلة واحدة، وادي الكراسة اهي.. حلها انت بقى.
مسك ابويا الكراسة وحطها على وشه وهو بيعيط..
-كان غصب عني، انا كنت مريض واتعالجت بعد ما رشدي طردني من البيت، ولما بقيت كويس واتجوزت وجيت ارجع لرشدي عشان اصالحه، كان مات.. مات وقبله ماتت مراته وقبلهم ابويا بعد ما صرفوا اللي وراهم واللي قدامهم على الأمراض اللي صابتهم بسبب انتحار جمال.. انا ماليش ذنب.
نزل الكراسة وقرب مني وحاول يلمسني..
-انا ماكنتش اقصد.. ماكنتش فاكر إن ممكن كل ده يحصل.
زقيت ايده وبعدته عني باشمئزاز..
-ابعد عني.. ماتلمسنيش.. انا مش طايق نفسي لأني ابنك ولا طايق لمستك، انا اصلًا مش هنام في مكان انت نايم فيه.
بعد ما قولتله كده سيبته ونزلت، ماعرفش ليه ولا ازاي عملت كده، انا غصب عني لقيت رجلي واخداني لحد البدروم، دخلت جواه وقعدت على الأرض ومسكت بقايا العجلة وحضنتها وانا ببكي..
-سامحني ياجمال.. سامحني ياابن عمي.. سامحني يا اخويا، اه.. ما انا ماليش اخوات كبار، طب تعرف.. انت لو كنت عايش لحد النهاردة، كنت هتبقى في مقام اخويا الكبير، سامحني.. سامحني وسامح امي واختي، هم مالهمش ذنب، ولو في حد ممكن يتعاقب او يتأذي، فياريت يكون انا وهم لا.. اختي غلبانة وامي ست طيبة، هم مايعرفوش اللي ابويا عمله معاك زمان، هم..
وفي وسط عياطي وكلامي، سمعت صوت هبدة قوية جاي من برة، خرجت برة البيت بسرعة، وساعتها شوفت جثة ابويا.. ايوه.. ابويا طعن نفسه بسكينة في قلبه ونط من فوق السطح.. ماعرفش ده حصل ازاي.. هل بسبب إن انا حررت قرين جمال اللي كان مرتبط بالعجلة وخرج وخلى ابويا ينتحر، ولا ابويا اللي انتحر من نفسه بعد ما عرف إن انا عرفت.. في الحقيقة مش عارف، هو كل اللي انا اعرفه إن بعد العزا والدفنة، ظهرلي قرين جمال في الحلم ليلتها وقالي بالنص كده..
(الانتقام تم.. والبيت بقى ملككوا.. وانا، مش هتشوفني تاني ياصالح.. انا ظهرت بس عشان احقق الانتقام، واهو تم)
وفعلًا ماشوفتوش تاني حتى بعد ما نضفت البدروم وحرقت الكراسة اللي كان فيها كلام جمال اللي كاتبه عن ابويا، اما امي واختي.. فامي تعبت شوية بعد اللي حصل بس بعد كده نسيت وعاشت عشاننا، واختي.. فربنا كرمها ودخلت كلية محترمة واتجوزت، وبالنسبة لي انا بقى
.. ف انا اهو.. عايش مع امي في البيت وبشتغل في مكتب المحاماه بتاع ابو صابر صاحبي.. صابر اللي مافيش غيره يعرف بحقيقة اللي حصل من اللي عايشين، يعني كده سبب انتحار ابويا، ماحدش يعرفه غيري انا وصابر وانت.. وهي.. العجلة المتكسرة اللي طلعتها من البدروم وحطتها في أوضتي.. عجلة جمال ابن عمي.
تمت