قصص

قصه العرافه ميمونة

*قصة مستوحاه عن احداث حقيقيه*.. الجزء الأول
-انا خايفه..
-لسه نفس الحلم بتشوفيه؟
ايوه.. بس المره دي، كان الألم أقوى واصعب بكتير.
-وضحيلي اكتر، يمكن نلاقي حل..أو يمكن لو اتكلمتي انتي بنفسك تعرفي توصلي لحل، وما تحتاجيش لمساعدة حد، حتي لو أنا كطبيب نفسي.. انتي مش برضه مدرسة علم نفس؟
-ايوه..
-طيب ابدأي وانا سامعك..
الأكيد انها لعبتها صح.. عرفت أزاي توصل لكل واحده فينا، مش عارفه ازاي؟!.. هو ممكن يا دكتور واحدة زي دي، يكون عندها علم كافي بتوارد خواطر او افكار؟
-الناس دي عبارة عن مجموعة اسرار ماشية على الارض.. كل عالم ليه تفسير مختلف عن التاني بخصوص المجموعة دي من البشر ، بس كلهم أجمعوا ان ليهم صلة بعالم الماورائيات، بس عاوز اسالك سؤال يا (سندس).. انتي حكيتي حاجات كتير، وسمعتك اكتر من جلسة، حللنا وحاولنا نوصل لتفسير، بس يا ترى انتي قولتي كل حاجة!.. كل حاجة حصلت حكتيها؟
كلام الدكتور زود توتري.. رجعني لذكري مآساة.. اقل شئ يذكر عنها، كام شهر عدوا، او يمكن كام سنة، مفيش نسيان.. مفيش غير خوف ورعب.. طريق طويل شبه المتاهه، متاهة عقل ومتاهة ضمير.. انا الوحيدة اللي عرفت كل حاجة، بس بعد فوات الأوان!.. فُقت من سرحاني على صوت الدكتور، كان بيبصلي بتركيز، كأنه بيحاول يستشف انا بفكر في ايه.. او يمكن عرف، ما هو ايه اللي يخليه يسأل سؤال زي ده!.. الا لو كان وصله اللي جوه عقلي…
-شرودك ده مش طبيعي.. بس هحاول أقنع نفسي ان الضغوط أثرت عليكي تأثير مباشر.. لتاني مرة هسألك، أنتي مخبية حاجه؟
حسيت في اللحظه دي، اني قاعدة مع وكيل نيابه، مش الطبيب النفسي المعالج.. فرديت بتلقائية وبسرعة البرق :
-لا.. وهخبي على حضرتك ايه!.. كل حاجه قولتها.. أسفه يا دكتور حاسة بشوية صداع، ممكن أستأذن نكمل كلامنا بإذن الله الجلسة الجاية.
حاولت مظهرش قصاد الدكتور القلق والخوف.. اللي خرجوا من جوايا، وهجموا علي ملامحي بشراسة.. مع اني واثقه ان محاولاتي فشلت.. مستنتش منه الرد، خدت شنطتي وخرجت من العياده.. ركبت اول تاكسي وقف قصادي، لو كنت استنيت لحظات أكيد الاسعاف هي اللي كانت هتوصلني..
بعد ما رجعت البيت.. سلمت على أمي، وسؤالها المعتاد اللي تقريبا بقالي دلوقتي شهرين ويمكن اكتر بسمعه.. “مالك يا بنتي، مبقتش عارفه اعمل ايه.. غلبت معاكي من وقت اللي جرا، وآخرتها ايه؟.”
من شدة الارهاق الجسدي والنفسي.. شايفه امي مجرد خيال.. سامعه صوتها عبارة عن صدى صوت.. مجرد كلمات من كتر ما حفظتهم، بقراهم من شفايفها وهي بتقولهم.. ورد اللي كل مرة بقوله :
-ولا أنا عارفه هعمل ايه؟
سبتها ودخلت أوضتي، قفلت على نفسي الباب.. ورميت نفسي على السرير، كل مرة باجي من جلسة العلاج.. النوم بيبقى من الحاجات العزيزة، اللي مش بتقرب مني.. باخد وقت طويل عشان اقدر اغمض عيني، بس النهاردة الوضع مختلف.. بمجرد ما غمضت عيني، روحت في النوم..
ضوء قوي غطا عيني.. من شدته حطيت ايدي على وشي، كنت واقفه على اول درجة من سلالم.. سلالم مش جايبه آخرها، كأنها واصله بين الارض والسما.. للحظة حسيت اني لو طلعت على السلالم يبقي انا على اول خطوات نهاية حياتي (الموت).. نفس الخوف اللي بيتملك كل جزء من جسمي، وقت ما بيتكرر معايا الحلم.. اللي بيأكد احساسي بقرب الموت مني رؤية نفس الشخص..
شيفاه واقف على درجة من درجات السلم.. بملامحه الشاحبة المرعبة.. الدم اللي نازل من بوقه، كل مرة بحاول اجري واهرب من قدامه، بس فيه حاجة منعاني.. حاجة بتسحب قلبي من مكانه، قبل ما تسحب رجلي عشان متحركش.. بيبتسم نفس الابتسامة، اللي بتقتلني من الخوف.. بتخليني أخد نفسي بصعوبة.. فجأة.. بيظهر جنبه تعبان كبير لونه أسود، لحظة ظهوره.. ضوء الشمس بيختفي!.. بيحل مكانه ظلام.. مش شايفه حاجة قصادي، غير عيون بتلمع وسط الضلمة.. وصوت.. صوت حاجة بتزحف وجاية ناحيتي، الثواني بتمر بطيئه، لحظات انتظار مصير.. مصير موتي، أو انه ييجي ينقذني!..
بس المصير اتحتم.. لحظة ما الصوت، بقي بيني وبينه اقل من درجة السلم اللي واقفه عليها، او يمكن هو قصادي بس انا مش شايفه من الضلمة، حسيت بصوت نفس قوي في وشي، مع صوت اشبه بصوت فحيح التعبان، احساس مرعب مخيف، احساس ان الموت قصادي كفيل انه يقتلني، حتي لو لسه الروح موجوده.. كل الاحاسيس دي اتقلبت، لاحساس بألم شديد في رقبتي، اللي كان قصادي (التعبان)، قرب مني ولدغني في رقبتي، لدغة الموت.. لحظة الوجع وطلوع روحي، صرخت بأعلي صوتي (بابا)..
في اللحظة دي.. قُمت من النوم مفزوعة، حطيت ايدي علي رقبتي من شدة الالم.. باخد نفسي بصعوبة شديده، لدرجة اني حسيت فعلا بموت وروحي بتخرج من بين ضلوعي..
حمدت ربنا اني قافله الباب، حتي لو فكرت امي تفتح الباب، هتلاقيه مقفول.. تعبت من الاسئلة اللي مش بتخلص، وتعبت اكتر من الكابوس اللي بشوف فيه أبويا، نفسي اترحم من اللي انا فيه.. من اليوم المشئوم ووقوفي ضدها وانا بموت.. وياريت لوحدي، العذاب طالهم هم كمان.. كل واحدة فينا، بقت الكوابيس عبارة عن جزأ من حياتنا (انجي، وياسمين)…
هجم على عقلي الافكار اللي مش بتسبني لحظه.. وذكرى اسوء ايام واخر ايام قضيناها سوا، رجعت لورا ركنت راسي علي السرير.. افتكرت صداقتنا اللي استمرت سنين، لحد ما دخلنا الجامعة في نفس الكلية ونفس التخصص، دراسة (علم النفس).. كنا بنحاول أوقات نسأل نفسنا، يا ترى ليه دخلنا القسم ده بالذات؟.. برغم ان كان قصادنا اكتر من اختيار، يمكن بسبب حاجات جوانا، يمكن حبينا نعرف ازاي نتحكم في أفكارنا وفي احاسيسنا.. بس جت اللي وقفتنا قدام مرايتنا وعرتنا قصاد نفسنا، وبكل قوة فضحتنا قصاد البشر وخرجت الاسرار المخفيه.
خلصنا دراستنا بتفوق كبير.. وده كان سبب كافي اننا نلاقي شغل بمجرد تخرجنا، والحمدلله كان شغلنا نفس التخصص اللي درسناها.. انا وانجي قررنا اننا نشيل فكرة الجواز من دماغنا نهائي، السبب ايه؟.. كل حاجة هتبان وسط الحكاية، اما ياسمين.. دي كانت مغرمة ب ( سراج) ابن خالها..
اللي برغم حبهم اللي استمر لسنين، واتكلل بالخطوبة.. الا انها فسخت الخطوبة وماكملتش معاه، ودي كانت مفاجأة للكل بشكل عام، ولينا احنا كأصدقاءها بشكل خاص، حاولنا نعرف الاسباب اللي خلتها تعمل كده، بس رفضت نهائي انها تحكي.. ولو فتحنا معاها السيرة بالصدفه، تنهار من العياط.. وماتتكلمش الا بجملة واحده :
-محدش يفتح السيرة دي، انا وسراج طريقنا اخره موت، خلاص مش عاوزه اتجوزه، او حتي اتجوز غيره..
لا انا ولا انجي.. كنا بنحب نضغط عليها، بسبب خوفنا عليها من الحالة اللي هي فيها.. والحالة دي خلتنا بين يوم ليلة اتصل عليهم واطلب مقابلتهم، فعلا ماعداش نص ساعة ولقيتهم داخلين عليا الاوضة، ما هو دايما مقابلاتنا كانت بتبقي عندي، لأن انا وامي عايشين وحدنا، بعد وفاة ابويا، مليش لا اخ ولا أخت.. مليش حد في الدنيا غير امي.. المهم بعد ماقعدنا وهزرنا مع ياسمين شويه،قولتلهم:
-بقلك ايه يا بت انت وهي!..جتلي فكرة عظيمه، وعشان كده بعتلكم.
بصتلي ياسمين بعيونها اللي مليانه حزن.. بس اللي ردت عليا انجي :
-والله بخاف من افكارك يا سندس.. قولي اللي عندك.
ضحكت وقولت :
-يا بنتي أفكاري دي، هي اللي بتهون عليكم أيامكم اللي مش راضيه تتحرك.
المرة دي ردت ياسمين بصوت مرهق وتعبان :
-تصدقي عندك حق.. فعلا مش راضيه تمشي، انطقي بقى وخليها تتزحزح.
اتكلمت وكنت متحمسة جدا..
-تتزحزح بسفرية بنت ناس.. ايه رأيكم؟
ردوا عليا في صوت واحد :
-رأينا في ايه.. انت بتقطرينا بالكلام وعوزانا نرد، ما تتنيلي وتحكي الكلام كله على بعضه.
ضحكت بصوت عالي :
-تصدقوا عندكم حق.. طيب، الافضل للحالة المزاجية الهباب اللي عندنا، وظروف ياسمين ومنظرها اللي يغم القلب الحزين، اننا نسافر!.. ننزل في الاوتيل اللي روحناه في (مطروح).. فاكرينه؟
اتنفست انجي بصوت عالي :
-ايوه يا ستي فاكرينه.. مش ده اللي نزلنا فيه وقت رحلة الكلية في أخر سنه.
-ايوه يا ناصحه هو ده.. قدرت اوصل لنمرة الاستقبال، وحجزت كمان لينا أوضه محترمه.
طبعا ياسمين كانت مجرد مستمعه، مستنيه قرارنا كالعاده.. وهي ورانا هتقول آمين..الفكرة عجبت انجي ورحبت بيها، وياسمين كمان عجبتها ووافقت على انها تروح معانا..
مكنش قصادنا اي عائق يمنعنا من السفر.. حتى أهالينا مدام مسافرين مع بعض مفيش مشاكل، فتبقي المعارضة بسيطة وسهل حلها .. وده اللي حصل..
خدنا موافقة اهلنا.. وطبعا موافقه أمي، خلال اسبوع، ركبنا اول اتوبيس رحلات مسافر مطروح.. وصلنا الاوتيل قرب المغرب، التعب كان واخد حقه معانا وزياده.. يعني أقصي حاجه عملناها وصلنا الاوضة، وكل واحده فينا اترمت على سرير، ماحسناش بنفسنا غير والشمس ماليه الاوضة..
قُمنا من غيبوبة النوم اللي حلت علينا من امبارح.. جهزنا نفسنا ونزلنا عشان نفطر، من بعد ما خلصنا الفطار، خرجنا نتمشي ورجلنا خدتنا ناحية شمسية علي البحر.. الوقت ده كانت الساعه تقريبا ١٠، الجو كان جميل ودرجة حرارة الشمس مريحة.. عشان نقدر نقعد براحتنا قصاد البحر ونستمتع بجماله، واضح ان مش احنا بس اللي عجبنا جمال المكان، كان في ناس كتير قاعدين قصاد البحر.. لمحت بالقرب من المكان اللي قاعدين في، واحده ست قاعده شبه الستات زمان، اللي كان بيتقال عليهم الطبقة الأرستقراطية.. وده كان واضح من طريقه لبسها، وطريقه قعدتها وكلامها مع مراقب الشط، وهو بيقولها.. “حاضر أوامرك يا ست هانم اللي انتي عوزاه يكون”.. ابتسمت واتكلمت مع نفسي.. “فعلا لايق عليكي بكيزة هانم”.. فوقتني من سرحاني انجي :
-انتي خلاص مخك راح لدرجة بتتكلمي مع نفسك!
خبطها على كتفها، وانا بشاور بعيني على الست الغريبه اللي قاعده، لاحظت ياسمين نظراتنا لبعض، فاتكلمت بهدوء :
-ملناش دعوة بحد، وخلينا في حالنا احسن عشان عرفاكم تموتوا في المشاكل، وخصوصا انتي يا (سندس).
قلبت كلامنا ضحك وهزار.. لحد ما سمعنا سكتنا خالص.. صوت حاد خشن، صوت لواحده ست وميناسبش ابدا انه يكون لست، بتقول :
-أبين زين.. أشوف الودع، أقرا الكف والفنجان.. أشوف الطالع واحكي واقول الاسرار.
احنا التلاته اتلفتنا ناحية الصوت.. كانت ست مش كبيرة في السن، او يمكن كبيرة بس الشكل اللي هي عليه، يدل انها ست قويه وقادرة..
لحظه سرحت في ملامح وشها المنحوت، الوشم اللي دايما بنشوفه علي وشوش الناس اللي شبهها في المسلسلات .. لبسها الغريب اللي كانت لبساه، والعقد.. اللي مش عارفه متحملاه ازاي على صدرها من حجمه..
لقيناها بتقرب ناحية “بكيزة هانم”.. بعد ما ندهت عليها وقالت لها :
-يا ست ميمونه.. يا ست ميمونه.
راحت ناحيتها الست.. وقفت قصادها وابتسمت ابتسامه غريبه، بينت اسنانها الصفرا :
-كيفك يا مدام “مي”..وكيف حالك!؟
بصيت لاصحابي وضحكت وقولت لهم :
-الولية ماطلعش اسمها “بكيزة هانم”.. دي طلعت” مي”..
استغربت ياسمين من كلامي :
-بتقولي ايه انتي؟.. بكيزة ايه؟.. اصبري وبطلي رغي.
رجعت بصيت للحوار الشيق اللي داير، بين اتنين مايجمعش بينهم اي تطابق في مستويات الحياة، بس من الواضح بيجمع بينهم مصلحة معينه، ده اتاكدت منه لما مسكت “مي هانم” شنطتها وخرجت منها مبلغ مش قليل.. ولو سألتوني عرفت ازاي!.. منطقيا يعني، واحدة زي دي مش هطلع ٥ جنيه زي حالاتنا، وتديها لواحد غلبان في الشارع.. والاهم شخصية الست “ميمونه” مش بتاعت جنيه ولا عشرة..
مدت ايدها بالفلوس، بس ميمونه برقت عينها وقالت :
-انا سألتك كيفك.. مش طالبه منك شي، بيكفي اللي خدته حقي وصل وراضية بيه وهم كمان راضيين.. طلبك واتنفذ كيف ما كنتي تريدي وزياده كمان..
-عندك حق يا ست ميمونه.. مش عارفة اشكرك ازاي!.. جالي راكع لحد عندي، ومش كده وبس.. ده بقي زي الخاتم في صباعي..
قربت ميمونه منها اكتر.. بصت في عيونها بطريقه مخيفة وقالتلها :
-بس انتبهي.. زي ما خدتي الكتير.. هييجي اليوم وترديه أضعاف، حاجة قصاد حاجة.. ويا عالم ايه اللي هتدفعيه.
الست اللي كانت نافشه ريشها من ثواني.. بقت شبه الفرخة المنتوف ريشها، خافت من كلام الست ميمونه، وانكمشت في الكرسي اللي قاعده عليه.. والله عندها حق، اللي خلاني انا خفت من كلامها، ونفسي اتقطع وانا بركز في اللي بتقوله، اتكلمت في عقلي “ايه ميمونه دي كمان.. ولا ست قرده”..
لقيت زي ضل غطا مكان ما كنت قاعده.. وبيتحرك ببطء، الضل ده كان (ميمونه)!… اللي وقفت وفردت طولها ولقيتها جاي ناحيتي، مبرقة عينها اللي كان الكحل مش بين بياض العين.. قالت لي وهي بتجز على اسنانها :
-انا ميمونه.. الست ميمونه مش قرده، تعرفي معني الاسم ولا اعرفهولك!
قربت مني لدرجة ان وشي بقي في وشها
– “اسمي المباركة، الطيبة، السعادة اللي بجلبها للي بيقصدني، او الخوف والموت والعذاب، للي بيعاديني ويتمسخر عليّ” وانتي عشان جاهلة بستك ميمونه مش هأذيكي.
مانكرش اني خفت من كلامها.. شكلها نبرة صوتها كفيله انها تسرع دقات القلب، رديت عليها بتهته في كلامي :
-انتي عرفتي منين اللي بقوله مع نفسي، سمعتيني ازاي؟!
ردت عليا بنفس الجموح وقوة القلب :
-انا العرافة ميمونه من سلالة الغجر.. والأحسن ليكي متسأليش اكتر من كده.
قويت قلبي ورديت عليها بعصبية :
-ايه اللي بتقوليه ده؟.. ازاي تقولي عليا جاهلة، انا دخلت كليات ومدارس، بمنظرك وهيئتك دول عمركم ما لمحتيهم بعيونك اللي ياكلهم الدود..
الست سمعت الكلام اللي بقوله..بصت جوه عيني، فضلت تقول كلام غريب، خلت جسمي كأن نار وقادت فيه، بعدها اتكلمت بصوت شبه أجش :
-الدود ده هياكلك انتي.. ياللي شوفتي بعينك ملاك الموت، وخبيتي وداريتي.. الخوف هيفضل مراقب في كوابيسك، واقف على اول طريقك عشان ينتقم منك.
عيني اتملت دموع.. خدت نفس طويل، في اللحظة اتدخلوا اصحابي بينا.. قالت انجي:
-وحدي الله يا سندس.. معلش يا ست ميمونه، احنا كمان مستغربين!.. انتي عرفتي منين باللي قالته، ده كان في سرها قاعدين اهو جنبها ومسمعناش حاجه..
بصت ميمونه لأنجي.. وقتها قدرت اخد نفسي، وقالت :
-انا اعرف كل حاجه.. اقرا كف ايدك، واشوف اسرارك من جو عينك، اعرف الطالع والودع والمستخبي..
سمعت الكلام اللي قالته ميمونه واسكت… ابدا.. اتسحبت من لساني، ومحرمتش من اللي حصلي من دقيقه:
-على فكرة بقى، كلامك ده يدل على حاجة واحده.. انك نصابة، من الستات اللي بيخطفوا الكحل من العين.
كان يوم مش فايت.. سابت صحبتي انجي، ورجعت بصتلي تاني وقالتلي بنبرة تحدي :
-انتبهي للي بيطلع على لسانك الطويل ده.. عشان مقصهوش، وعيشك باقي حياتك ماتنطقيش حرف.
ياسمين اللي كانت عامله فيها الخرسة، ومانطقتش بكلمه من بداية ما جت الست ناحيتنا، وقت ما نطقت جبتلنا كارثه، وجهت كلامها لميمونه :
-يعني انتي تقدري تفسري كل حاجة ، او تعرفي تعملي اي حاجه..
-اعرف اعمل اللي يريح بالك، وقلبك اللي بيتعذب يا ياسمين..
ياسمين وشها ملامحه اتغيرت، بان عليها القلق:
-اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. انتي عرفتي اسمي منين؟.
-مش مهم.. بس اللي انتي عوزاه، لا ده وقته ولا ميعاده..استنيني بالليل بعد العشا، هاجيلك وتكوني شاربه فنجان قهوه واركنيه علي جنب..
قاطعت كلامها انجي..
-وانا.. انا كمان هعمل زي ياسمين..وانتي كمان يا سندس.
رديت علي انجي :
-في ايه انجي.. هي ميمونه بتوزع بونبون، هو ايه اللي احنا كمان!.. انتوا اتجننتوا ولا ايه؟.. انا لايمكن انزل مستوي عقلي لواحده نصابة زي دي.
ميمونه بصتلي رعبتني، بس كنت مكمله كأنه تحدي وتم بيني وبين ميمونه، قاطعت لحظة الصمت انجي :
-لما نشوف الاول هيحصل ايه في الليل!.
مشيت ميمونه من قصادنا.. من غير متنطق، ولا حتي سألت على عنوان الاوتيل اللي قاعدين فيه.. حسيت بتعب وارهاق شديد.. فطلبت من البنات اني عاوزة ارجع الاوتيل، فعلا وافقوا لان شكلهم هم كمان تعبان.. رجعنا اوضتنا.. ماتكلمناش في اي حاجه حصلت، زي ما تكون ميمونه دي، عملت لنا مسح ذاكرة وهي ماشية.. راحت كل واحده على سريرها، ونمنا..
صحينا بعد المغرب، طلبنا اكل في الاوضة.. واتردت الذاكرة عند البنات، الحماس كان واخدهم في أنتظار ميمونه.. اللي مش عارفين اصلا هتجيلنا ازاي!.. بعد ما فتحوا الموضوع، استهزءت بكلامهم وانا بقول :
-والله عيب عليكم يا متعلمين.. معقولة تصدقوا في تخاريف العرافة.
ردت عليا انجي :
-اه مصدقه واطلعي منها، لتسخطك سحليه.. مش شايفه ازاي عرفت اسامينا يا فالحه.
-ما يمكن مجرد صدفه.. عادي ممكن يحصل.. خليكم كده قاعدين مستنيين النصابه لما تيجي.
فجأة.. الباب خبط!.. روحت ناحية الباب وفتحته، لقيت في وشي ميمونه!.. ماتكلمتش معايا مجرد نظرات غريبه اتوجهتلي، وراحت زقاني بأيدها لجوه ودخلت وقفلت الباب..
البنات وقفوا مذهولين من اللي بيحصل، قالت انجي:
-هو انتي جيتي ازاي؟!..
ردت عليها ميمونة :
-مش بحب الاسئلة الكتير.. شربتوا قهوتكم؟
هزوا البنات راسهم.. وشارولها علي مكان تقعد فيه، راحت ناحية الكرسي وقعدت، قعدنا حواليها.. وحطينا قدامها ترابيزة صغيرة، وعليها فنجانين قهوة.. طبعا اتنين بس، لاني كنت رافضة نهائي اني اشارك في الكلام الفارغ اللي هيحصل، وواضح من نظراتها ليا، انها كانت عارفه بالتصرف اللي هعمله..
قعدت قصادها.. وجنبها من اليمين والشمال البنات، مسكت بأيدها فنجان انجي.. فضلت تلفه وتركز جواه، وبعدين سابته مكانه.. وخدت فنجان ياسمين وكررت نفس اللي عملته، وبرضه سابته مكانه..
في الوقت ده.. احساس الفضول عندي كان هيقتلني، برغم اني مش موافقه على اللي بيحصل، بس دى طبيعة البشر وفطرتهم.. المجهول عندهم بيحرك الحواس ويشغل العقل.
شاورت ميمونه لياسمين، انها تشيل الصينية من مكانها.. عشان تفضي الترابيزه، شالت ياسمين الصينية.. لقيناها بتفتح الشنطة القماش اللي معاها، خرجت منها اوراق شكلها غريب جدا.. المتعارف على الشكل ده بينا ان اسمها “كوتشينه”.. لكن مش بالشكل اللي احنا عارفينه، دي كان عليها رسومات غريبه، وفي اوراق عليها نقوش مكتوبه بطريقه غريبه، لا درسناها في كليات، ولا مرت علينا في كتب.. اللي حصل بعد كده، عاوز تركيز وخيال واسع، عشان اقدر اوصل اصعب لحظات مرت عليا..
مسكت الورق.. كان عدده مش قليل، صوابع ايدها الرفيعه كانت بتلمس الورق، كأنها بتحسس عليه وخايفه تخدشه، وهي بتقلب فيه انا شايفه حركة شفايفها.. كانت بتقول كلام في سرها، على قد المسافه البسيطة اللي بينا، بس ماكناش سامعين اي حاجه.. لحظات صمت وترقب لعيون كل تركيزها على ايد ميمونه، اللي بتقلب في الورقة بطريقه سريعه جدا.. والافظع من الصمت، اصوات الرعب والخوف اللي بتتمثل في دقات قلوب، مش فاهمه ولا عارفه فضولهم هيوصل لفين..
خرجت ٤ أوراق.. من مجموعه الورق الكتير اللي في أيدها، فجأة قطع الصمت صوتها.. وهي لسه عيونها على الورق، وقالت :
الجزء الثاني والاخير.. *العرافة ميمونة*
خرجت العرافة ٤ أوراق من مجموعه الورق الكتير اللي في أيدها، فجأة قطع الصمت صوتها.. وهي لسه عيونها علي الورق، وقالت :
-سندس.. وجودك معانا، حكم عليكي هتكملي للأخر، مفيش هروب.. بس انتي اللي جواكي على قد ما هو تقيل، بس بيهزمه قوتك..
اما الحين.. أوراق السحر الاسود هتقول كلمتها، او هتسمع كلامكم الاول، واللي اتحكى جوه فنجانكم.. وشوفته بعيوني، وبعد كده اللي بدكم بيكون.. قصادكم ورقات (السر الاعظم).. السر موصول بيني وبينها وبينكم.. كل واحده قررت مصيرها من زمان.. وآن الاوان كل حاجه تبان.
رفعت وشها وبصت بنظرات مخيفة.. اتفحصت بتركيز وش كل واحده فينا.. وشوشنا اللي من القلق اتسحب منها الدم، اتكلمت بصوت حاد:
-مدي يدك يا ياسمين.. ولا أقولك يا عروسة الموت!
بصيت انا وانجي.. ناحية ياسمين، اللي كانت بتاخدها نفسها بالعافيه.. بمجرد ما قالت اللي قالته ميمونه، بلعت ياسمين ريقها بالعافيه.. اترددت في انها تسحب ورقه من ايد ميمونه، كانت ايدها بتترعش، خايفه وقلقانه.. صرخت فيها ميمونه :
-مدي يدك.
خدت ياسمين ورقه من الاوراق المقلوبه في ايد ميمونه، وقبل ما ياسمين تعدلها تشوف فيها ايه، سحبت منها ميمونه الورقة بقوة.. سابت باقي الأوراق من ايدها. وعدلت ورقة ياسمين.. بصت لها بتركيز، ورجعت بصت في عيون ياسمين اللى حرفيا كانت بتموت :
-الشيطان غواكي.. سحبك معاه لبحر الدم، بحر غويط ملوش شط.. غرفتي من البحر وغرقتي فستانك الابيض ولطختيه، غرقتي ومالقتيش حد ينجدك، حتى اللي عشقه قلبك.. خطيئتك متعلقه في رقبتك، والذنب شايله ناس كتير معاكي..
قلبك جواه وسواس بسبب الشيطان اللي ملكتيه حالك، ازاي لسه بتسألي نفسك هو شيطان ولا ملاك ؟.. ها كلامي مفسر حاله.. ولا أفسر كمان؟!..اقولك افسر كمان.
لحظة ما قالت ميمونه الكلام ده.. بصتلنا ياسمين بعيون زايغة.. عيون مكسورة مليون دموع، فيها انكسار غريب ماحدش فينا فاهمه.. رجعت بصت ناحية العرافه، اللي كانت ماسكة الورقة وبتتفحصها بتركيز شديد، كأن في ايدها جواب وبتقراه.. برقت عينها بطريقه نشفت الدم في عروقنا.. وكملت كلامها وقالت :
-بختك اختارتيه بيدك، شوفته في فنجانك، ناس كتير ماشيين، ساكتين والحزن كاسي وشوشهم.
وسط القوم.. نعش محمول علي الكتاف، خطوات تقيله في ضلمة الليل، بيداروا بيها فضيحه كبيرة.. شايفه عيون بتبكي وصرخات عاليه، ستات لابسين اسود في اسود، والتراب مغطيهم.. بينزل النعش من على الكتاف قدام القبر المفتوح، يتشال غطا النعش، ويظهر كفن العروس غرقان بالدم، والدم يجري بحور علي الكفوف، والحساب تقيل..
الحوار بين ميمونه وياسمين اتقلب شبه مصارعة كلامية.. كانت شبه الساحر اللي دخلت وغوطت في مشاعر ياسمين، لدرجة انها بكت بحرقة، صرخت وقالت :
-هو شيطان… ماتفسريش حاجة، بذرة خطيئة واتذرعت مش عارفه اخلص منها..
لحد امبارح.. كنت بتحايل علي النوم، اللي جفا عيوني من يوم اللي حصل، يادوب غمصت عيني.. شفت اللي بتحكيه يا ميمونه.
انا وانجي بصينا لياسمين في ذهول.. لحظة صمتها لمدة ثواني، عدا علينا ساعه.. مستنيين تكمل عشان نفهم، كملت ياسمين كلامها، ودموعها بتحكي قبل ما تنطق عن كارثة خبتها عننا :
طريق طويل مش واضح نهايته.. ضلمة ماشية في لوحدي، كل همي اني الاقي حد يدلني علي اول الطريق، ضوء خافت ظهر.. وظهر معاه خيال حد بيتحرك ناحيتي ببطء، قربت من الضوء اكتر، وفي نفس الوقت بيقرب مني الخيال اللي ناحيتي، حسست على الفستان اللي كنت لبساه، كان فستان فرح!.. بس كان غرقان دم.. خيال الشخص اللي جاي ناحيتي، بقي وشي في وشه، شيطان..صورة شيطان، شدني من ايدي وسحبني بكل قوته، لحد ما وصلنا عند اول الطريق، كان قصادنا ترعة اوبركة… بس مش ميه!.. كانت بركة دم، زقني جواها وسبني بغرق ومشي، فضلت اصرخ.. بس مفيش حد بينجدني.
ياسمين وهي بتتكلم، كانت زي المحمومة.. اللي بتهذي مش عارفه بتقول ايه، او لعنة رمتها عليها العرافة.. طلعت كل اللي جواها وماحدش فينا يعرفوا.. كملت كلامها وسط حالة من الذهول:
-هم السبب.. ياريتهم سمعوا كلام جدتي، انا قلبي اتحكم فيا، مادتش لعقلي مساحة يوريني طريق الصواب قبل ما اقع فى طريق بحر الخطيئة .. حبيت ابن خالي حب الجنون، اللي يخلي الحياة كلها تقف على كلمة منه.. من وقت ما اعلن حبنا للجميع، وجه خطبني من اهلي.. كنت دايما اسمع جدتي تقول لأمي وابويا :
-سراج مننا وعلينا ماقلناش حاجه، بس انكم ماتحطوش حدود لعلاقته مع ياسمين، خصوصا بعد الخطوبة.. ده غلط وغلط كبير
كان بيبقي رد امي عليها :
-سراج ابن اخويا زينة الشباب.. وبيخاف على ياسمين اكتر من نفسه.
-يا مرات ابني انا مقولتش حاجه في الكلام ده.. ولا اقدر اي حاجه علي اخلاقه، بس لا دين ولا اخلاق يقولوا انكم تروحوا اشغالكم، وهو ييجي يقعد معاها بالساعات لوحدهم.
-متقلقيش يا امي.. ما بيكون موجود في البيت اخوها (زين)
كانت جدتي تضحك وتقول :
-هو اللي مش زين كلامك يا مرات ابني.. اما زين ابنك اللي معداش ال ١٠ سنين، مايعدلش الحال المايل.
كان كلام جدتي مش بيعجبهم.. لانه شايفين كلام في خيالها لوحدها.. بس الحقيقة ان هي اللي كانت صح، وحصل اللي كانت خايفه منه.. ابن خالي جالنا زيارة كالعادة، سلم على امي اللي كانت بتستعد انها تخرج، وسابتني انا واخويا مع سراج.. قعدنا نتكلم اكتر من ساعه، لحد ما لقينا (زين) راح في النوم.. من بعد نومه بقي تالتنا الشيطان.. شيطان قلوبنا اللي قدر يتغلب على كلمة العقل.. وحصل ما بيني وبينه خطيئة وذنب العمر كله، اللي خجلت حتي احكيها ما بيني وبين نفسي.. والنتيجة خطيئة اكبر مش عارفه اتخلص منها ازاي.. أما هو اتحجج انه مش عارف يبص في عين امي وابويا، وقرر انه يسيبني، حاولت اني افهمه انه باللي بيعمله، هيصلح خطأ بخطأ اكبر، بس مكنش بيسمع مني كلمة.. مش ده البني أدم اللي اخترته، ده واحد تاني زي ما قولتي (شيطان).. اتحكمت فيه أنانيته خاف على شكله قصاد اهلي، وياريت على كده وبس، هددني لو اتكلمت هتفضح،من وقتها عايشه في رعب، مش عارفه اعمل ايه؟.. ولو اهلي عرفوا، قليل ما قتلوني
سكتت ياسمين.. ماكنتش مصدقة اللي بسمعه، حاولنا معاها كتير، من وقت ما اتغير حالها، نفهم ايه سبب التغير المفاجئ، وماكناش بنلاقي اي جواب.. وجت العرافة في لحظات فتحت بير الاسرار، ويا ترى ايه مستخبي تاني؟!.. قطع تفكيري صوت ميمونه، لما اتكلمت وقالت لياسمين :
-انتي اللي كانت احلامك تشق السما، لمستي نجومها بأيد ديب لئيم خبيث.. ماهر في التمثيل، والديب عمره ما يكون ضهر ولا سند.. ده حيطة من القش، مع شوية هوا تطير.. يروح معاها السند، والضهر يتعرى ويتكشف.. وده اخر الكلام!
ساد صمت طويل، مش عارفه عدا قد ايه من الوقت.. بعد ما مسكت العرافة الورق من اول وجديد، او بمعنى أدق باقي الورق بعد ما ركنت ورقة ياسمين، ياسمين اللي كانت قاعده معانا بجسمها بس، اما روحها ف اترمت في دوامه ومتاهه.. ياعالم هتخرج منها ازاي!؟
مدت العرافة ايدها ناحية انجي، شاورت لها تسحب ورقة، انجي بعد اللي حصل الرعب اللي عندها بقي أضعاف، بس ميمونه مادتهاش فرصه للتردد او التفكير، كفاية بس نظراتها اللي رعبتها.. مدت انجي ايدها وهي بتترعش خدت ورقة، وكررت ميمونه نفس اللي عملته مع ياسمين، اخدت من ايدها الورقة.. عدلتها على النقوش المرسومة وبصت لها بتركيز، رجعت بصت في عيون انجي وقالت :
-يا عيني عليكي يا مسكينة.. لوم الضمير بيقتلك في الثانية ١٠٠ مرة، الضحكة تملى الوش، بس القلب شايل ومليان احساس بذنب النصيب والقدر، ضميرك هو عفريتك، هو اللي بيطاردك، اللي راح واتدفن مقيدك لحظة موته، لحظة الدم اللي سال وحملتي نفسك ذنب موته، مفيش مفر ولا مهرب من القدر، ياعيني عليكي من العذاب ومن اللي جاي، اللي جرالك قصادي شيفاه اتعكس في فنجانك، واترسم على ورقتك بعقلك اللي هيفضل شايل الهم.. هتفضلي لحد امتى تلومي حالك؟
نظراتنا كانت متوجهه لانجي، بمجرد ما قالت ميمونه اخر كلامها اللي قفلته بسؤالها .. ردت عليها انجي بصوت مليان حزن :
-لحد ما اموت.. لحد ما ادفن جنبه، خياله الشاحب مش بيفارق أحلامي، لحظة ما بحط راسي على مخدتي، بسمع باب العمارة بيتفتح بقوة، صوت خطوات تقيله طالعة على السلم، اكيد هو.. رجله بيجرها لدرجة انها بتعمل صوت مرعب، واضح مع الصمت المخيف، كل درجة سلم بموت فيها من الرعب.
قاطعت كلامها ميمونه :
-بتبقي صاحيه مش نايمه.
-مش عارفه.. والله ما عارفه ان كنت صاحية ولا نايمة، بتمر لحظات بطيئة وانا سامعه الخطوات بتقرب، لحد ما بيتفتح باب الشقه، وبتكمل لحد ما بتوصل لباب اوضتي، بيتفتح الباب وبيظهر ضوء احمر.
بيدخل من الباب.. بنفس صوت الخطوات المصحوبه بنفس حد بينازع كأنه في لحظات عمره الاخيرة.. بيقف قدامي مش واضحة ملامحه بسبب الدم اللي مغرق وشه، بينزل الدم ويغرق هدومه، حتي لو مش واضحة ملامحه، بس احساسي بيقولي انه هو،.. جاي ينتقم مني..
اتكلمت العرافه :
-ينتقم منك!.. يعني الذنب ذنبك!
ردت عليها انجي وهي بتبكي وبتصرخ بأنفعال شديد:
-ايوه الذنب ذنبي انا.. (مصطفى) كان ملاك ماشي على الارض، من يوم ما اتولد بعدي ب ٥سنين، واحنا بنعتبره ابتسامة البيت وقت التعب، عمرنا ماشفناه انه من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالعكس.. كان بيفهمنا وقت ما نكون متضايقين، ويحاول يخفف علينا عشان يرجعلنا ضحكتنا.
وداه بابا لدكاترة كتير.. بس كلهم اتفقوا انه هيعيش بمستوي عقلي وذكاء اقل من اللي حواليه، والاعاقة الذهنية اللي اتولد بيها ، بتخليه مهما كبر في السن، بيفضل عقله عقل طفل صغير.. للسبب ده كنا كلنا بننتبه على كل خطواته، واي حاجه بيعملها، الدكتور اللي متابع حالته، اهم حاجه نبهنا عليها..اهتمامنا بحالته النفسيه، دخوله في نوبة انفعال شديد وغضب، هيعرضه لخطر شديد.
يوم بيجيب اللي بعده.. وارتباط مصطفي بينا بيزيد اكتر، خصوصا انه كان بيخاف من التعامل مع اي حد غريب.. وللسبب ده كان نادر لما ماما تخرج بره البيت من غيره.. لحد ما في يوم جه اتصال لأمي.. طلعت من اوضتي علي صراخها، كانت بترد بقلق وفزع.. فسألتها:
-خير يا ماما حصل ايه؟
-ابوكي يا انجي.. ابوكي عمل حادثة والاسعاف خدته المستشفى..انتبهي علي اخوكي.
دي اخر جملة قالتها، وخرجت بسرعة من الشقه.. انا بقيت واقفه مكاني مش عارفه اتصرف، اروح وراها اطمن علي بابا ولا استني عشان مصطفى.. في اللحظة، دي لمحت مصطفى واقف عند الباب، على ملامحه خوف ماشفتوش قبل كده، قال :
-فين ماما يا انجي؟
كرر سؤاله اكتر من مرة، مادتوش اي رد، فكان رد فعله غريب.. فضل يصرخ ويتشنج بطريقة غريبه، فقدت السيطرة علي انفعالاته.. مكنش قدامي حل غير اني اخرج اروح لماما المستشفى، عشان تيجي تلحقه واستني انا مع بابا.. وفعلا قفلت عليه بابا الشقه ونزلت، وصلت المستشفى.. شوفت امي بتصرخ وبتعيط، اتفزعت على بابا ليكون جراله حاجه، قربت منها فبصت لي وصرخت في وشي ;
-قولتلك اوعي تسبيه، قولتلك انتبهي علي اخوكي.
وقفت امي تاكسي.. ورجعنا الشقه، شوفنا ناس كتير واقفين تحت العمارة.. قلبي دقاته زادت بسرعة رهيبه، ماما جريت وبقت تزحزح في الناس، وقفت جنبها.. حد متغطي بجرايد كتير، بس ده مامنعش الدم اللي مغرق الارض، كشفت وش اللي واقع على الارض.. كان اخويا!
اخويا مصطفي.. لما ملقاش حد في البيت، تفكيره وصله ان بلكونة البيت، مكان ممكن يخرج منه ويجيلنا.. اهملت وصية امي وسبته.. فقتلته!.. ايوه انا اللي قتلته، وهفضل طول عمري اتعذب بذنبه.
ولولا رحمة ربنا.. بابا كان هيحصله من حزن عليه، ومن يوم موته بقيت مجرد ضيفه في البيت، ماما وبابا حالهم مابقاش زي الاول.. واهي عيشة والسلام.
سكتت انجي.. بس بديل سكاتها عن الكلام، دموعها اللي موقفتش.. اتكلمت ميمونه :
-مليش حيلة.. اللي عندك عقدة ذنب هتلازمك دايما ، عقلك وقلبك في قبضة ضميرك.. ماقدرش لا احميكي ولا اريحك.
رجع الصمت يحل في قعدة البؤس.. فجأة صرخت ميمونه وهي بتبصلي، حطت قصادي اخر ورقتين في ايدها، طلبت مني اسحب ورقه، عاندت قصادهابسبب عدم اقتناعي بكل اللي بتعمله، او ممكن حالة تمرد للحالة اللي وصلت فيها اصحابي، فسحبت ورقه وانا بقولها ;
-انتي مش اكتر من واحدة دجالة، الله اعلم عملتي ايه عشان تعرفي اللي عرفتيه؟
برقت عينها وقالت :
-لمحت الورقة اللي في ايدك.. هتعيشي باقي حياتك بسرك اللي هيفقدك عقلك.
قُمت من مكاني، روحت ناحيتها ومسكتها من دراعها :
-انا هجبلك الامن يرموكي بره يا نصابه.
مسكت التليفون واتصلت على استقبال الاوتيل، طلبت منهم يبعتولي الامن اوضتي، بسبب واحدة ضايقتنا وعاوزين نطردها، هي فضلت واقفة مكانها ماتحركتش.. مفيش اي رد فعل للي بعمله.. دقايق وجم الامن، اول ما شاف ميمونه قال :
-انا آسف يا ستنا، والله ما اعرف انها تقصدك، المدير ممكن يطردني لو قربت ناحيتك.
ضحكت ميمونه وبصت ناحيتي :
-دي ناس جاهله يا ابني.. اتوكل على الله انت وشوف حالك، اما انتي يا (سندس)، انا هستناكي لما ترجعيلي عشان تعتذري وتقولي أنا اسفه يا ست ميمونه.
خرجت العرافة من الاوضة.. حالتنا احنا التلاته مالهاش وصف، كل واحده مننا قعدت في مكان، اللي سرحانة، واللي بتعيط، وفضلنا علي الحال ده لحد ما النهار طلع..قُمت من على سريري، وبدون ما احكي في اي شئ قولت:
-جهزوا الشنط عشان هنسافر.
بنفس حالة الصمت اللي كنا فيها، جهزنا شنطنا وخدنا اول اتوبيس، من وقت ما رجعنا قدمنا احنا التلاته، اجازة مفتوحه من الشغل، وتقريبا علاقتنا شبه اتقطعت..
او يمكن عشان احوالنا اتغيرت، انا مثلا بقت حالتي كل يوم تسوء عن اللي قبلها، كأن العرافه سلطت عليا لعنه اسمها قلة النوم، وده بسبب الكوابيس اللي مش بتفارقني.. امي لاحظت عليا حالة التعب، فضلت اتكلم معاها في اي حاجه عشان ماتقلقش.. في وقت ما بكلمها، شُفت قطه ماشية على سور البلكونة، شدني شكلها الجميل والوانها، حسيت انها واقفه عاوزة تدخل، دخلت اجبلها اكل، بس على ما رجعت لقيتها اختفت، بصيت حواليا يمكن تكون دخلت الشقه، بس ماكنتش موجودة.
حسيت بالتعب اللي بقي ملازمني من وقت ما رجعت، دخلت اوضتي عشان انام، حاسة كأني بتخنق، حاولت اهرب من الاحساس ده بالنوم، بمجرد ما نمت.. شفت نفسي ماشيه في مكان شبه الغابات، شجر كتير اغصانه مشبكة في بعضها، خلت الضوء اللي واصلي بسيط جدا، يادوب كاشفة خطوتي بالعافية، وقع قدامي تعبان كبير.. من الخوف جريت بسرعة، بس حاسة انه بيجري ورايا، لحد ما وصلت لمكان عالي..فضل التعبان يقرب مني لحد ما وقعت من فوق.. قُمت من النوم مفزوعه.. حمدت ربنا انه مجرد حلم.. استعذت بالله وخرجت عند امي.. لقيتها بتجهز الفطار، ماكنتش قادرة اكل من تعب معدتي.. الفترة اللي فاتت مفيش اكل بيتعمل غير لما بلاقيه مليان دود..
في الوقت ده رن تليفوني.. كانت انجي بتصرخ وبتبكي :
-ياسمين ماتت يا سندس، راحوا يصحوها لقيوا سريرها غرقان دم وميته.. وانا بموت كل لحظة، بقيت بشوف اخويا في كل مكان في البيت، مش سايبني في نومي ولا وانا صاحية.. روحي للعرافة يا سندس، ارجعيلها احنا اتصابنا بلعنة… لعنة مش هتسيبنا غير واحنا في القبر.
فعلا روحتلها مكان ما هي موجوده.. لقيتها قاعدة قصاد البحر بنفس شكلها وهيئتها، وقفت قصادها ولقيت الكلام بيطلع مني بدون ما اتردد في حرف :
-انا آسفة يا ست ميمونه.. ارجوكي نفسي أكل وانام.
ردت عليا وهي بتضحك..
-الخوف اللي جواكي هو السبب، السر اللي مخبياه هو اللي معذبك مش انا، زيك زي اصحابك، اللي قاتلهم جواهم.. اسرار النفس بتعذب اكتر من كلام العرافين، ارجعي مكان ما جيتي، مالكيش معايا لا عتاب ولا قول..
افتكرت للحظات، لما شوفت امي وانا صغيرة، بتحط حاجة في طبق الاكل بتاع بابا، بعد ما خناقة كبيرة بينهم، قالها فيها انه اتجوز واحدة تانية، وبعد ما بابا خلص اكله بساعات مات، ما قدرتش اتكلم ولا اقول اللي شوفته، والا كنت هخسر امي زي ما خسرت ابويا، بس فضلت بعقدة ذنبه لدلوقتي..
ماردتش علي كلام العرافة وسبتها ورجعت، حجزت عند الدكتور النفسي، اللي لحد دلوقتي بتعالج عنده انا وصحبتي انجي، ولحد دلوقتي.. مش عارفه، ياتري اللي حصلي انا واصحابي لعنه العرافة فعلا؟.. اللي قدرت تدخل عقولنا، ولا بير الأسرار اللي مصدق حد قرب منه.. فجاب كل اللي جواه.
العرافة_ميمونة
لمياءالكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى