قصص

قصه الفيلا

_أي يا عبد التواب؛ ما تِستَرجِل يا أخي.
_مُش دَه القَصد يا بيه، كل الحكاية إني معدتش هعرف أحرس لواحدي بالليل.
..
من ٢٥ سنة وأنا بحرس فيلا الباشا، عمري ما طلبت منه إنه يجيب لي مساعد؛ لكن من خمس سنين اشترى الڤيلا دي، واستغربت لمّا نقلني هنا وجاب مكاني غفير تاني هناك، ولمّا قُلت له إني أولى أكون في مكاني اللي بخدم فيه قال لي:
_مفيش حد هينفع هناك غيرك يا عبد التواب.
أوّل أيامي في الڤيلا كانت هادية جدًا؛ كنت أرُصّ حجر المعسل قدام أوضتي اللي جنب البوابة وأسهر لِوش الصبح، مكانش في صرّيخ بن يومين بيعدّي، مُش عارف ليه البيه ملقاش غير الڤيلا اللي محدوفة في الجبل دي ويشتريها! لكن قلت إن أهم حاجة مرتبي شغّال، دا زوّد لي مرتبي كمان لمّا نقلني هنا، وقال إن ده تعويض عن إني سِبت المكان اللي طول عُمري شغّال فيه.
كل الدنيا كانت عادية لغاية ما عدّى شهر، كنت سهران أحرس الڤيلا، سمعت كلاكس سيارة قدام البوابة ونور بيقلّب، قمت جري أفتح للبيه، أنا عمري ما أتوه عن صوت الكلاكس بتاعه، ليلتها دخل ودخلت وراه عربية فيها أربع رجالة، كانوا لابسين كلهم نفس الطقم، ساعتها البيه فتح شباك العربية وقال لي:
_مُش عايزك تفتح لأي حد، ولا تدخل ورايا.
مكانش ينفع أكسر كلام البيه، مقرَّبتش من باب الڤيلا برغم اللي شوفته، إضاءة الڤيلا كانت بتنوّر وتنطفي بشكل مخيف، سمعت صوت حاجات بتتكسّر، صوتهم كان بيستغيث؛ لدرجة إنّي فكّرت أكسر كلام البيه، لكن قرَّرت أنتظر لآخر لحظة أشوف إيه الحكاية.
إضاءة الڤيلا رجعت لطبيعتها، الأصوات اختفت، انتظرت في مكاني أشوف إيه اللي هيحصل، باب الڤيلا اتفتح، لقيت البيه خرج وبيركب سيارته، مفيش حد في الأربعة خرج وراه، اتحرّك بالسيارة وقبل ما يخرج من بوابة الڤيلا سألني سؤال غريب:
_سيارة مين اللي واقفة هناك دي يا عبد التواب؟!
أخدت ثواني على ما استوعِبت سؤاله وقلت:
_دي السيارة اللي دخلت مع سعادتك يا بيه.
بص لي من فوق لِتَحت وقال:
_أنا كان في سيارة داخلة معايا! أنت خرَّفت يا عبد التواب؟!
بعدها مشي، وقفت مُش عارف أفهم اللي حصل؛ لدرجة إنّي نسيت أقفل وراه البوابة، إيه الحكاية بالظبط يا عبد التواب؟! قفلت البوابة ودخلت الڤيلا، فتّشتها من تحت لفوق، مفيش أثر لأي حد، فين الناس اللي كانت في السيارة؟!
في الليلة دي معرفتش أنام، كنت رايح جاي ما بين أوضتي والبوابة والجنينة، أكيد أنا مبخرَّفش، في حاجة غلط، لو بيتهيأ لي يبقى السيارة دي جت منين؟ طيب فين الناس اللي كانت فيها؟ حاجة تطيّر العقل!
بعد نُص الليل، إضاءة الڤيلا اشتغلت من نفسها، سمعت صرخات جوّه، قرّبت من باب الڤيلا ورِجلي مُش شيلاني، وقفت أحاول أفهم حاجة من الكلام اللي بيتقال وسط الصرخات، كان كل شوية أسمع كلمة “اقفلوا الدايرة”، فتحت الباب ودخلت لكن مالقيتش حاجة، الدنيا اُسكُت هُس، حتى إضاءة الڤيلا مطفيّة.
عُمر ما حصل حاجة زي دي في الڤيلا القديمة، بس إيه اللي يخلّي البيه يشتري ڤيلا في مكان مقطوع زي ده!
لمّا طلع النهار، خرجت عشان أوصل لعربية فول وفلافل على أول الطريق، قفلت البوابة بالقفل ومشيت، كنت أنا الوحيد اللي بيفطر عند العربية، عشان كِده صاحبها قعد يدردش معايا:
_أوّل مرة أشوفك هنا يا حاج.
_أنا غفير الڤيلا اللي في آخر الطريق، لسّه جاي فيها من أسبوع بس.
معرفش ليه صاحب العربية بَص لي ومتكلّمش، حتى لمّا جيت أحاسبه على الفطار مرضاش ياخد منّي الحساب، بعد ما مشيت شويّة التفتت لقيته بيبُص ناحيتي، لكنّي مهتمّيتش، كمّلت طريقي؛ لمّا وصلت الڤيلا ملقيتش السيارة موجودة، استغربت، قُلت يمكن البيه هو اللي شالها، لكن محدش معاه مفتاح البوابة غيري، حتى البيه مفيش معاه نسخة، كمان لو كان جِه الڤيلا وملقانيش كان اتصل بيّا.
بعد المغرب لقيت صاحب عربية الفول والفلافل بيبُص من بوابة الڤيلا، قُلت له:
_اتفضل.
حسّيت إنّه عاوز يدخل ويقعد، عشان كِده قمت فتحت البوابة، دخل وقعد وطلب يشرب شاي، حطّيت البرّاد على الراكية وأخدت منها حتتين فحم عشان نشرب حجرين، قعدنا نشيّش، وسألني بعد ما سحب نَفَس وطرد الدخان:
_هُمّا أصحاب الڤيلا دي اشتروها ليه؟
ضحكت وقُلت:
_وأنا أعرف منين! أنا العبد المأمور، سيب الڤيلا القديمة وتعالَ احرُس الڤيلا دي حاضر، ماينفعش أقول لا ولا أسأل البيه اشتراها ليه، بس سؤالك غريب، اشمعنى مهتم بالڤيلا دي؟!
_أصل مفيش حد اشتراها وعمّر فيها.
_تقصد إيه؟
_بيقولوا إنها مسكونة.
حسّيت إن شَعر رأسي وَقَف، عشان كِده سألته:
_أنت متأكد من اللي أنت بتقوله؟
_زي ما أنا متأكد إنّك قدّامي دلوقت.
_إيه اللي حصل في الڤيلا خلّاها تتسكن؟
_محدش يعرف تفاصيل بالظبط، بس اللي نعرفه إن أربعة أخوات اتقتلوا فيها من زمان لما اجتمعوا فيها مع بعض.
رجعت بالذاكرة علطول للسيارة اللي دخلت ورا البيه وكان فيها أربع أشخاص، اللي افتكرت إنهم جايين معاه، ودخلوا وراه الڤيلا وخرج من غيرهم، وبعدها اختفوا ولا كأنهم كانوا موجودين، بس سيارتهم كانت موجودة، البيه كمان شافها، لكنها اختفت الصبح.
ومن هنا بدأت الحكاية توضح…
في ليلة البيه جِه الڤيلا، وكان وراه سيارة فيها أربع أشخاص، لكن المرة دي نزلوا منها والبيه وقف يتكلّم معاهم، وبعدها دخلوا الڤيلا.
مفيش وقت كتير عدّا، وبدأت إضاءة الڤيلا ترتعش، حتى النجف كان بيتهزّ جامد، كل ده كنت شايفه من شبابيك الڤيلا، ياترى إيه علاقة البيه بكل اللي بيحصل ده؟!
بعد نُص الليل البيه خرج هو والأربعة اللي معاه، ركبوا سيارتهم ومشيوا، بعد ما البيه قال لهم بكره هنكمّل، وبعدها قال لي: اقفل ونام أنت يا عبد التواب.
صحيت من النوم على دوشة في الڤيلا، كان نقاش بصوت عالي بين الأربعة اللي دخلوا ورا البيه واختفوا في الڤيلا، وقفت أتصنّت عليهم من الشبّاك، عرفت ساعتها إن جدّهم كان صاحب الڤيلا دي، وإنه كان دافِن كنز في بدروم الڤيلا، لكن محدش قادر يوصل له بسبب إن جدّهم كان بيحمي الكِنز بالجن، اللي خلّى ساحر يكلّفه بحماية الكِنز ويخفيه عن أي حد، لكن الجديد في الموضوع، إن الجن ده مبينصرفش بتعاويذ أو بقرآن أو بالطرق اللي نعرفها، دا الجن كان مُكلّف إنه مايظهِرش الكنز غير بأمر مباشر من صاحب الڤيلا، اللي هو أصلا مات من زمان.
دا اللي فهمته من الحوار اللي سمعته بينهم، كمان سمعت منهم إن الكنز ده فيه قطع أثرية، وعشان محدش ياخد خبر بالموضوع قرروا إنهم يحضروا روح جدّهم بنفسهم عشان تأمر حارس الكنز إنه يظهر.
كانوا بيجتمعوا كل يوم بعد العِشا في الڤيلا، معاهم كتب طرق تحضير الأرواح، عملوا محاولات كتيرة عشان يحضّروا روح جدّهم، فجأة وهمّا بيتكلموا لقيتني بشوف جلسة تحضير لروح جدّهم، كانوا مشبّكين إيدهم في إيد بعض، الترابيزة اللي بينهم كانت مليانة شمع، النار بتاعته كانت بتزيد كل ما بيقرأوا من كتاب اختاروا إنهم يشتغلوا منّه، لغاية ما كل حاجة حواليهم اتكسّرت وطارت من مكانها، انتظرت أشوف روح جدّهم تظهر أو أسمع صوت، لكن فجأة لقيت حاجة بتسحب الأربعة على الأرض، كانوا بيستغيثوا لكن مفيش حاجة تنجدهم، واتسحبوا على الأرض واحد ورا التاني لباب البدروم.
الأغرب من كده إن الكتب والشمع كمان اتسحبوا ونزلوا وراهم البدروم، ورجعت الدنيا زي ما هيّ كأن مفيش حاجة حصلت.
رجعت قعدت عند البوابة، شكلي مُش هشوف النوم في الڤيلا الملعونة دي، كُنت قاعد بقارن بين الأربعة اللي اختفوا وهما بيحضروا روح جدّهم، وبين الأربعة اللي بييجوا مع البيه، الأيام عدّت وهما بييجوا كل ليلة، لغاية ما في ليلة البيه وصل ومعاه الأربعة، ومعاهم ناس تانيين معاهم أدوات حَفر، ليلتها عرفت إنهم ناويين يحفروا في البدروم، أنا فكّرت أبلّغ البوليس، حاجة زي دي ما يتسكِتش عليها، بس خُفت من رد فعل البيه.
لمّا طلع النهار والبيه واللي معاه مشيوا، دخلت الڤيلا، كان باب البدروم مفتوح، نزلت أشوف إيه اللي تحت، لقيت حفرة عمقها ممكن خمسة متر، معقول يكون الأربعة اللي البيه بيجيبهم قدروا يعرفوا مكان الكِنز؟ لو كِده يبقوا قدروا يحضروا روح صاحب الڤيلا القديم.
الليلة اللي بعدها، قرَّبت من شبّاك في البدروم عشان أشوف اللي بيحصل، سمعت البيه وهو بيتكلّم مع واحد من الأربعة والعُمّال شغّالين حفر:
-حَفَرنا كتير ولسّه مفيش حاجة.
-اصبر يا باشا .. ماتفكّرش الموضوع بسيط.
-أنا عايز أنجز الموضوع .. عايز آخد الحاجة وأخلص من الفيلا دي .. أنا خايف منها.
-روّق يا باشا .. قريّب هنوصل للبوابة .. وناخد المُراد .. بس ماتنساش النسبة اللي إحنا متفقين عليها.
لقيته بصّ ناحيته بصّة غريبة وقال له:
-مفهوم .. مفهوم.
يعني البيه اشترى الڤيلا دي من غير ما حد يعرف عشان الكِنز ده؟!
دلوقت عرفت ليه مرضاش يجيب بوّاب تاني للڤيلا، اختارني أنا عشان أنا قديم معاه وكاتم أسرار كتير، لكن مُش لدرجة إنّي أشوف دَه وأسكُت.
اتعوّدت أراقبهم كل ليلة من شبّاك البدروم، كان في طقوس لازم الأربعة يعملوها قبل ما العُمّال تبدأ تُحفُر، لكن الليلة دي لمحت البيه بيطلّع من إيده ورقه فيها رسمه زي خريطة، كِدَه عرفت إن روح صاحب الڤيلا القديم حضرت أو أمرت حارس الكِنز إنّه يظهره، ساعتها دار حوار تاني بينه وبين نفس الشخص اللي من الأربعة، البيه قال له:
-أخدنا وقت طويل .. ومفيش حاجة ظهرت.
-يا باشا .. ماتنساش إننا ماشيين على الخريطة اللي معاك .. اللي مُش عارفين إذا كانت صح ولا لأ .. إحنا عجزنا عن تحضير روح صاحب الڤيلا القديم .. لو كُنّا نجحنا في تحضير روحه كان حارس الكِنز أظهره .. كان زمان في علامة ظهرت في أرض البدروم واختصرت علينا كتير.
-يا بيه .. أنا عاوز أرجع الڤيلا القديمة.
لمّا طلبت كِده من البيه وهو خارج مع الناس اللي معاه انفعل عليّا، وقال لي بالحرف كِده:
-أنا مُش ناقصك يا عبد التوّاب.
دخلت قفلت إضاءة الڤيلا ورجعت مكاني، لكن كل ليلة كنت بطلب من البيه نفس الطلب، وكان بيرد عليّا بنفس الانفعال، عَشان كِده قُلت استنّى، أشوف الموضوع هيرسى على إيه.
في الليلة دي مكانش في قمر، الجو كان ضلمة جدًا، سِمعت صوت حد بيكُح في الڤيلا، صوت الكُحّة كان عالي جدًّا، أخدت النبّوت في إيدي وقرّبت من باب الڤيلا، بصّيت من إزاز الباب اللي كان مفتوح، لَقيت راجل كبير لابِس بَدلة، ضَهره محني، سانِد على عُكّاز وبيتحرّك في الڤيلا، مفيش حد دَخل أو خرج من الڤيلا، قلبي اتقبض لمّا فكّرت إن اللي شايفه ده ممكن تكون روح صاحب الڤيلا القديم، واللي خلّاني أتأكّد من دَه، إنه كان ماشي ناحية باب البدروم، لغاية ما وصل لُه، فَتحه ونزل سلّم البدروم وقفل الباب وراه.
الليلة اللي وراها البيه وصل ومعاه الناس وكان مُنفعل جدًّا، راقِبتهم كالعادة من شبّاك البدروم، العُمّال ما أخدتش وقت لغاية ما واحد منهم صرخ وقال:
-في باب ظَهَر.
البيه بسرعه حاول ينزل في الحَفر لكن واحد من الأربعة منعه، قال لُه:
-بالراحة يا باشا .. الموضوع مُش سَهل .. دا في موت .. لازم نأمّن تحت الأول .. ونُطرد الرَّصد اللي في المكان.
الأربعة نزلوا في الحفرة، سمعت صوتهم وهما بيقرأوا تعاويذ، وحاجات غريبة مفهمتهاش، في اللحظة دي لقيت خيالات بتطلع من الحُفرة، زي ما تكون أرواح ناس ماتت قبل كده، واللي خلّاني اتأكّد من اللي فكّرت فيه إنّي شوفت الأربعة اللي كانوا بيحاولوا يحضروا روح جدّهم كانوا آخر خيالات خرجت من الحُفرة.
-يا باشا .. انزل .. المكان أمان.
دا كان صوت واحد من اللي في الحُفرة تحت، البيه خلع جاكيتة البدلة ونزل، لكن بعدها المكان بدأ يتهز، حاجة كده زي الزلزال، ساعتها سمعت صوت البيه وهو بيقول:
-هو الباب راح فين؟!
اللي سمعته عرّفني إنهم بيحاولوا يخرجوا بسرعة من الحفرة، لكن في لحظة التراب انهار عليهم، والحُفرة فجأة اتساوت بالأرض، واندفنوا بالحيا تحت.
بعدها لمحت نفس الراجل الكبير اللي ضهره محني وساند على عكَاز، كان بيتمشى ف البدروم بالراحة، ووقف فوق الحُفرة وخبط بالعُكّاز فوق الحُفرة اللي اتردمت، وبعدها اختفى.
من الليلة دي معادش ليا بيات في الڤيلا، هاخد هدومي وأمشي، الفجر كان قرّب، روحت أوضتي أخدت الهِدمتين بتوعي وطلعت جَري من البوابة.
أكيد كان مصير كل واحد فكّر يوصل للكِنز ده إنه اندفن في الحُفرة، حتى أحفاد صاحب الڤيلا القديم، ومكنتش هستنى إنّي يكون مصيري زيّهم.
لمّا وصلت على أول الشارع، لقيت صاحب عربية الفول بينادي عليّا، وقفت وكان باين عليّا الخوف، سألني مالك، مالقِتش رد غير إنّي قُلت له إني نازل البلد يومين أجازة وراجع، طلب منّي أفطر الأول ولكنّي قُلت له إنّي مستعجل عشان عندي ظروف.
وأنا بلتفت عشان أكمّل طريقي لمحت ملامح صاحب عربية الفول وهي بتتقلب لملامح الراجل الكبير اللي كان سانِد على عُكّاز في الڤيلا، اللي هو صاحب الڤيلا القديم، وقفت وحسّيت إن جِسمي اتخشّب في بعضه، التفت تاني عشان اتأكد، مالقِتش صاحب عربية الفول، ولا لقيت عربية الفول من أساسه، بس لمحت في آخر الشارع عند بوابة الڤيلا نفس الراجل العجوز وهو ساند على عُكازه، وبيدخل الڤيلا من البوابة برغم إنها كانت مقفولة!
لغاية كِده قُلت همشي و مُش راجع تاني، الحكاية كِده اتضحت على الآخر، أنا كُنت غبي ومافهِمتش من الأول، هو مين هيقف بعربية فول في منطقة مقطوعة زي دي؟!
تمت…
***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى