قصص

قصه القناع الابيض

قصه القناع الابيض كل حاجة في الحياة مسئلة وقت.. ده حتى الحياة نفسها مسئلة وقت.. الظلم والعدل.. النور والضلمة.. وهنا عشان كنت أوصل للحقيقة، فأنا احتاجت وقت.. ووقت كبير كمان.. بس قبل ما أوصل للحقيقة.. كنت محتاج في البداية أشك إنها حقيقة وبعد كده استنى إثبات أكبر يحركني.. وبعده، يبقى عندي يقين بيها، وفي النهاية أكشفها، بس أغرب الحقايق بتيجي دايمًا من أكتر نقطة عتمة.. والعتمة تَملي معروف إن لونها إسود.. بس عتمتي هنا كانت على العكس تمامًا، عتمة ناصعة البياض.. مستخبية ورا قناع خفي ظهر لنا فجأة من العدم، وبقى طليق وسط الناس، ممكن يكون صاحبه صديق مقرب ليك، أو جارك، أخوك يمكن.. عامل السوبر ماركت اللي على أول الشارع عندك، اما الحكاية، فالحكاية كلها بدءت ببلاغ بسيطوانتهى نهاية غريبة.
يومها استقبلنا بلاغ عن واقعة تعدي حصلت الساعة 3 صباحًا مع شاب عنده 29 سنة هو ومراته اللي عندها 25 سنة، وده وقت ما كانوا مروحين بعد خروجة لطيفة، الإصابات كانت عادية زي ما اتذكر في التقرير الطبي للمستشفى.. وعادية هنا يعني كانت عبارة عن كدمات وجروح قطعية في الوش ما بين متوسطة وبسيطة، واقعة بتحصل كتير.. راجل ومراته في عربيتهم بيطلع عليهم حد بيثبتهم ويسرقهم بالإكراه.. إنما اللي ما كانش عادي بقى، تفاصيل الحادثة اللي ذكرها الضحيتين في أقوالهم في المحضر، وده وقت ما سمعنا منهم في المستشفي..
– حمد لله على سلامتكم..
– الله يسلمك..
– ممكن تقول لي إيه اللي حصل معاكم بالظبط؟
– انا كنت راجع أنا ومراتي في طريقنا للبيت بعد ما دخلنا مسرحية واتعشينا في مطعم، ولما دخلنا من شارع الساحل.. ومنه على شارع جانبي.. كان الشارع ده هادي وضيق شوية بس مش مكسر.. المهم بعد ما دخلته لمحت صندوق واقع في نص الطريق.. ف نزلت شيلته وبعدها حصل اللي حصل..
– وإيه اللي حصل بالظبط؟
وحكى لي (أيمن) إنه مجرد ما نزل يحرك الصندوق، لقى حد من وراه مثبت حاجة على دماغه من ورا.. وبعد كده عرف إن الحاجة دي مسدس مزود بكاتم للصوت.. ووقت ما الشخص ده زقه ناحية كبوت العربية، كان بيقول لمراته بصوت واطي:
– انزلي من غير ما تفتحي بؤك.. انزلي بدل ما اخلص عليكم انتوا الاتنين.
وفعلًا مراته نزلت والخوف مالي عينيها لدرجة إن رجليها ما كانتش شيلاها.. ووقت ما وصلت عندهم.. الجاني خلى (أيمن) يلف هو كمان وبقوا هم الاتنين وشهم في وشه.
– طب.. ممكن توصف لي شكله؟
– ما شوفناش وشه.
– أكيد المكان ما كانش ضلمة للدرجة دي.. إنت قولت لي إنك شوفت الصندوق في نص الطريق، أول ما دخلت الشارع.
– ما شوفتوش علشان كان لابس قناع.. ماسك أبيض جلد.. مش باين منه غير عينيه وبشكل بسيط جدًا..
كلمة قناع دي خلتني اقف لثواني وافكر.. بس رجعت له على طول وقولت له:
– ماشي.. كمل..
– طلب مننا نطّلع كل حاجة معانا.. فلوس.. موبايلات، خلى مراتي تقلع دهبها.. وبعد كده حطيناهم على كبوت العربية.. وبعدها.. بعدها
بعدها إيه؟!
– شد أجزاء المسدس وهو بيبص لنا وطلع من جيبه كيس وطلب مننا إننا نجمع الحاجات بتاعنا ونحطها في الكيس.. ولما عملنا كده.. مسك الكيس وهو بيبص لنا وطوّح الكيس بإيده بعيد، وفجأة ضربني بكعب المسدس كام خبطة وأغم عليا..
تفاصيل عجيبة.. واحد عاوز يسرق بالإكراه.. الضحايا معاه في حتة مقطوعة.. معاه وقته.. ما استنجدوش بحد.. جمّع المسروقات بتاعته والضحايا مش هيقاوموه.. ليه يرمي كل الحاجة فجأة كده؟؟!!.. ما لو كان عاوز يقتلهم كان قتلهم.. شكيت في جزء كبير من كلام الزوج، بس لما سمعت من مراته، لقيتها ذكرت نفس الكلام بالمللي، لا دي كمان ضافت عليه بحُكم إن جوزها هو اللي اغم عليه الأول لما اتضرب، وبعد كده الجاني ضربها بنفس الطريقة، بس هي كان عندها جديد.. الزوجة لمحت الجاني وهو بيمشي وكان بيكلم نفسه بصوت مسموع شوية، لكنها وقتها كانت بدأت تغيب عن الوعي وما قدرتش تلقط منه أي كلام.. واختفى..
لما طلبت منهم ع الأقل يوصفوا هيئته إيه.. طوله.. عرضه.. أي حاجة مميزة، قالوا إن طوله تقريبًا 180 سنتي، رفيع شوية وكان لابس تيشيرت بكم اسود وبنطلون اسود.. ما قدروش يوصفوا اكتر من كده.. وكان اللي هيحسم شكوكي هي حاجة واحدة بس.. معاينة مسرح الحادثة، ودي يا إما هتأكد كلام (أيمن).. يا إما هتزود شكوكي فيه وتنقله لخانة المتهم والمخطط الأول للحادثة.. وده بقصد سرقة دهب مراته.. وخصوصًا لما سمعت منه إنه عنده بيزنس خاص، والفترة الأخيرة كان محتاج فيها سيولة وكان لسه بيفكر هيتصرف ازاي، يعني.. لازم احط كل السيناريوهات في دماغي في الشغلانة بتاعتنا دي.. المهم، حصلت المعاينة وكل حاجة حطوها جواه الكيس كانت موجود فيه وفي المنطقة اللي حصل فيها الواقعة.. وبمراجعة كاميرات المراقبة في المنطقة حوالين المكان، ما كانش فيه غير كاميرا وحيدة موجودة في شارع صغير متفرع من الشارع اللي فيه الحادثة.. وللأسف ما قدرناش نتحقق من أي حاجة من اللي اتذكرت، لعدم وضوح زاوية الرؤية، غير اننا شوفنا من بعيد لحظة هروب الجاني من المكان للحظات واختفى بعدها.. الكاميرا كانت في زاوية المكان اللي اتحدف فيه الكيس، وما حدش دخل الشارع الصغير ده غيرنا واحنا بنبحث حسب وصف الضحايا لينا.. وبكده يبقى الزوج ضحية فعلًا.. وبدأنا نحقق في الواقعة.. بس ده مستحيل يكون سلوك سارق بالإكراه، انا ما شوفتش حالة زي دي قبل كده.. وبعد ما فات شهر من البحث والتحريات.. للأسف ما وصلناش لجديد، والمحضر اتحفظ.. بس فضلت الحادثة شاغلة بالي، لحد ما حصلت واقعة تانية كبيرة شغلت كل وقتنا وأخدت مننا تحريات ومجهود كبير.. بس المرة دي كانت جريمة قتل.
بلاغ من فرد أمن لواحد من الأبراج السكنية بالعثور على جثتين جنب بعض، مضروبين بطلق ناري في منتصف الجبهة.. شاب عنده 24 سنة وبنت عندها 23 سنة.. لما انتقلنا لمسرح الجريمة أول حاجة وقعت عيني عليها، كانت أكبر صدمة مرت عليا طول سنين شغلي في المباحث.. ما فيش صدفة.. رسالة صريحة.. على قد ما هي واضحة.. على قد ما هي غريبة ومحتاجة أكتر من تفسير، والرسالة كانت بتقول لي.. إني غالبًا وبنسبة 90% هواجه قاتل متسلسل.. وهفهمكم ليه غالبًا مش أكيد.. والعلامة دي كانت عبارة عن إني لقيت قناع أبيض من الجلد محطوط على صدر جثة الشاب.
طبعًا النيابة حضرت والإسعاف، وتم نقل الجثتين على المستشفى للتشريح ومعرفة سبب الوفاة اللي ما اختلفش عن اللي ظهر لنا، ومن التحريات عرفنا إن الضحيتين زمايل في شركة واحدة وعلى علاقة عاطفية ببعض، وإنهم كانوا في السينما وحضروا حفلة 9 وخرجوا الساعة 12 ونص تقريبًا منها، واللي مكانها في واحد من المولات المشهورة واللي بينها وبين مسرح الجريمة تقريبًا عشر دقايق مشي.. أما بالنسبة لموضوع الشك مش التأكيد بإني بواجه قاتل متسلسل، فكان السبب إن الحادثة الأولى تعدي مش قتل.. والقاتل المتسلسل ما بيسيبش وراه أثر لحد يشوفه من ضحاياه، حتى لو ما شافش ملامحه.. الهيئة.. الطول بالعرض.. اللبس، إلا لو هو عاوز يقول حاجة.. ودي بتحصل في حالات نادرة.. بس تفسير إن الجريمة الأولى كانت تعدي والتانية قتل، إن القاتل صاحب القناع الأبيض.. كان لسه بيبدأ أول جرايمه.. هو مش عاوز يسرق.. هو حاول في المرة الأولى بس حاجة وقفته.. حاجة جواه منعته إنه ينفذ.. بس في المرة التانية كان واخد القرار ومش هيرجع عنه.. بس جه في بالي احتمال تاني، هل وارد إن يكون الموضوع في الجريمة التانية شخصي مش اكتر، والقاتل يعني استغل قضية التعدي اللي حصلت من مدة واتنشرت في الجرايد والسوشيال ميديا، وإن الجاني كان لابس قناع أبيض.. فجاب الفكرة من هنا لتنفيذ جريمته؟؟.. القناع.. المسدس.. كاتم الصوت، كل شيء وارد.. بس للأسف أنا كنت ميال للفرضية الاولى.. وحتى الحادثتين باختلاف نهاياتهم، كانوا ضحاياهم واحد وواحدة، وده عزز فرص الفرضية دي جوايا أكتر.. واستدعيت (أيمن).. ضحية الحادثة الأولى، استدعيته عشان أعرف منه حاجة واحدة.. هل القناع اللي لقيناه في الجريمة التانية، هو هو نفس اللي شافه على الشخص اللي اتعدى عليه هو ومراته، ولا ده قناع أبيض تاني.. وجواب (أيمن) أكد فرضيتي.. أنا بواجه قاتل متسلسل.. القناع الأبيض في الجريمة التانية هو القناع الأبيض في الحادثة الأولى بالظبط.. بس في الجريمة التانية القاتل كان واقف مستني وسط جنينة صغيرة.. وأول ما ضحاياه قربوا من مكانه، من غير ما يشوفوه، خرج عليهم من غير كلام ومن مسافة قريبة ضرب طلقتين ما جلوش، وخرّج من شنطة صغيرة على كتفه قناع تاني غير اللي لابسه، وسابه فوق الجثة واتحرك بسرعة.. ده اللي ظهر في كاميرا مراقبة لواحد من المحلات في المكان.. ومن تصوري للي حصل، إن القاتل كان متواجد مع الضحايا في السينما أو بالقرب منها.. مراقب الناس بشكل عام.. مستني حد يقرب من نقطة ميتة.. شارع ضلمة مافيهوش حد.. ولقى الاتنين دول، فنفذ جريمته وهرب.
ولحد هنا خليني اقولك حاجة مهمة، انا اتعلمت من زمان على إيد واحد من الظباط اللي اشتغلت معاهم في بداياتي.. إن ما فيش حاجة اسمها ما فيش طرف خيط.. مهما كانت الجريمة متكاملة، لازم يكون فيه حاجة تمشي وراها.. عمر العروسة الماريونت ما هتتحرك لوحدها.. لازم خيط.. ممكن تكون مش شايفه.. الصح أصلًا إنك ما تكونش شايفه.. بس ده ما يمنعش وجوده.. بص كويس، ولما بصيت كويس لقيت الخيط الوحيد اللي ممكن أخليه في حسباني ولو مؤقتًا.. وهو القناع الأبيض نفسه..
تصميم القناع كان معمول مخصوص.. مش شبه أي ماسك الواحد شافه أو مستوحى من حاجة معينة، الخامة كويسة.. التقفيل محكم جدًا.. شغل بروفيشنال.. يعني حاجة كده نفس جو أقنعة لاعيبة المصارعة.. دي نقطة في الوقت الحالي تبدو ضعيفة.. بس قدام هتفيدني.. ولو ما فادتنيش، فمش هتتوهني.. وكملنا شغلنا.
قدر الإمكان شددنا مراقبات على أغلب الشوارع المشابهة للشارعين اللي تمت فيهم الحادثتين.. وخصوصًا في فترات الليل اللي حصل فيهم الواقعتين، وركزنا ع الشوارع اللي الرِجل عليها خفيفة.. اتنصبت كماين بالجملة.. وبرضه ما فيش حاجة واضحة.. تحريات أكتر كلها خدتنا للعدم.. ما فيش معانا أي حاجة تخلينا نتحرك بشكل قوي ومباشر.. الفكرة إني بتعامل مع شخص من طراز فريد.. تركيبة عجيبة.. ده مش شخص مجرم بطبعه.. بس واضح إنه ذكي جدًا.. وده بان في إنه ما سابش وراه في المرتين أي علامة أو أثر.. مش بس كده، ده بعد تلات أسابيع بس ضرب ضربته الجديدة.. بس شكل مختلف وأكتر احترافية وأصعب في التنفيذ.
بلاغ جديد بالعثور على شاب اسمه (كمال) بيبلغ من العمر 32 سنة، ومراته (سمر) اللي عندها 28 سنة بعد إطلاق النار عليهم، على واحد من الطرق السريعة وقت ما كانوا راكبين موتوسيكل، وعلى طول اتحركنا على موقع الجريمة..
لما وصلنا كانت الإسعاف هناك واتبلغنا إن (كمال) توفى في الحال، أما (سحر)، فلسه فيها الروح، لكن إصابتها كانت خطيرة.. الطلقة جات في الرقبة من الجنب الشمال، وعرفنا إنهم كانوا في زيارة عائلية عند أهل الزوجة وخلصوا سهرتهم واتحركوا في الطريق، وكانوا مروحين بيتهم ووقتها حصلت الجريمة، ولاحظت حاجتين أغرب من بعض.. أول حاجة، الزوج والزوجة كان مكان سقوطهم مختلف.. وفقًا لحركة الطريق اللي جايين منه ونقطة وصولهم.. يعني الزوجة اتضرب عليها نار الأول من وضع حركة من الجنب الشمال، والطلقة استقرت في الرقبة، وفي لحظتها وقعت من ع الموتوسيكل وده يفسر الكدمات والسحجات اللي في جسمها، بعدها توازن الزوج اختل بالموتوسيكل فكمل قدام شوية لحد ما اتقلب بيه ووقع، وده برضه يفسر الإصابات اللي كانت في الجثة من أثر السقوط.. وبما إن الطلقة القاتلة للزوج، كانت في منتصف الجبهة، وما فيش أثار كاوتش زيادة في نفس المكان اللي الموتوسيكل وقع فيه، فده معناه إن القاتل نزل على رجليه ووقف قدام الضحية وهو مرمى على الأرض وضربه من وضع مواجهة.. وبعدها أخد قناعه الأبيض وعلقه على فرامل الموتوسيكل ومشى، أما الحاجة التانية، فكانت أول طرف خيط جديد..
المكان اللي (كمال) وقع فيه بالموتوسيكل كان على جنب الطريق وفيه جزء تراب.. وهنا، غلط القاتل أول غلطة.. أثر الحذاء اللي كان لابسه علم في الأرض.. أه كان فيه أكتر من أثر أكيد، وده من الناس اللي بلغت.. بس انا عرفت أميز علامته، لأنه لما ضرب النار على (كمال) رجع يبص تاني على (سمر) اللي كانت واقعة على جنبها.. فعلشان يعدلها زقها، برجله عشان يقلبها على ضهرها، ولما بص لها، افتكر إنها ماتت ورجع بعدها حط القناع الأبيض على فرامل الموتوسيكل واتحرك.. وبكده أثار الحذاء اللي على الچاكت بتاع (سمر) بترجع للقاتل، وهنا كان كل أملي إن (سمر) تفوق أو حالتها تتحسن بعد العملية اللي قدروا يخرجوا فيها الرصاصة.. اصل أي تفصيلة هسمعها منها ممكن تساعدني وتقْلب كل حاجة.. بس للأسف كانت في غيبوبة والغيبوبة طولت، وطبعًا عَيننا عليها حراسة في المستشفى.. لكن الحالة فضلت زي ما هي يوم ورا التاني.. واسبوع.. وشهر.. وبعد كده كنا وصلنا لأكتر يوم مرعب كنت خايف منه وعاملين له مليون حساب..
يوم خميس، وكان موافق يوم الفلانتين.. ما خلاص.. الكل اتأكد إن السفاح ده حد بيستهدف المرتبطين، أي كابلز في مدينة السفاح، فهما في خطر.. كلنا كنا متوقعين ان فيه حاجة هتحصل في اليوم ده.. ده أكتر يوم هيكون فيه الشخص ده هيكون دموي.. فعملنا خطة تأمين ما تخرش الماية.. زرعنا في كل الأماكن الممكنة أشخاص تبعنا مع تنبيه صريح وأمر بالتعامل المباشر بالتعجيز الفوري، لو ظهر القاتل في أي مكان وحصل منه أي رد فعل هجومي.. كنا في حالة طوارىء.. حملات تفتيش مستمرة ودوريات في الشوارع كلها.. اما هو، فمواعيد جرايمه بتكون في أول ساعات منتصف الليل تقريبًا، والبلاغات بتيجي في حدود ساعتين تلاتة بالكتير بعد أي حادثة، الساعة 3 عدت علينا.. وعدى الفجر.. والنهار طلع وما استقبلناش أي بلاغ.. وكل الأمور هادية واليوم عدى بسلام، بصراحة كنت مستغرب جدًا.. بس قولت إنه كان قريب مننا أكيد.. ومن ذكاؤه قدر يقرأ المشهد ويعرف إن الكماين منصوبة له.. بس هو كان ذكي جدًا.. أذكى مما توقعت.. وأخطر من الشيطان نفسه.
اللي حصل في اليوم ده عمري ما هنساه.. لا أنا ولا غيري.. علشان الضربة اللي حصلت فيه برجلت كل الحسابات.. آسف.. الضربات اللي حصلت فيه.. 3 جرايم قتل راح ضحيتهم 6 أشخاص، وفي التلات مواقع الخاصين بالجرايم.. كان موجود.. القناع الأبيض.
يتبع
(ده الجزء الأول من قصة القناع الأبيض.. القصة مستوحاه من جريمة حقيقية وهي من كتابة مشتركة بين صديقي واخي، الكاتب تامر عمر والعبد لله..
قناع الأبيض
٢
الساعة 3 العصر تاني يوم الفلانتين.. استقبلنا بلاغ بيفيد بوجود جثتين لدكتور ومراته في شقتهم.. اتحركنا على العنوان.. عمارة 18 شارع زهراء الوادي.. طلعنا الشقة في الدور التاني.. الدور فيه شقة واحدة بس.. وهناك لقينا الزوج والزوجة بملابس البيت وواقعين ع الأرض في الصالة وغرقانين في دمهم.. طلق ناري في منتصف الجبهة.. والقناع الأبيض على تورتة صغيرة كانت على ترابيزة السفرة.
اللي بلغ كان حد من أهل الزوج، وهم بالمناسبة عرسان من شهور قريبة وفي نفس العمر.. 27 سنة، الضحيتين كانوا المفروض معزومين على الغدا عند أهل الزوج واللي بيسكنوا وراهم بشارعين بس، لكن لما الدكتور ما ظهرش في المسجد وقت صلاة الجمعة على غير عادته، وما حدش من أهله شافه.. وكمان لما حاولوا يتصلوا بيه بعدها علشان الغدا لا هو رد ولا مراته.. راحوا البيت وطلعوا وفضلوا يخبطوا على الشقة.. ولما ما حدش فتح، كسروا الباب ودخلوا وشافوا المنظر اللي احنا شوفناه..
ضحك علينا كلنا.. كل جرايمه اللي قبل كده كانت في الشارع، واكتر يوم فيه تواجد للفئة اللي بيستهدفها في الشوارع.. غَير تفكيره وراح نفذ اللي هو عاوزه، بس في شقة.. كارثة، وحصل الطبيعي.. نيابة ومعمل جنائي وتحويل الجثتين على مشرحة المستشفى، وبالمعاينة الأولية كده.. القاتل دخل من الباب بشكل طبيعي، بس أكيد ما كانش لابس ماسك.. يعني الضحيتين دول شافوه فعلًا، وواحنا واقفين في مسرح الجريمة، حصلت مصيبة اكبر من اللي فاتت..
بلاغ تاني بالعثور على جثتين لزوجين في شقتهم، وعلى مسافة 10 كيلو بس من المكان اللي كنا فيه، ولما روحنا، كان المشهد تقريبًا متطابق في كل حاجة، عريس وعروسة من 5 شهور.. بس اللي اكتشف الحادثة الجار اللي فوقيهم بعد ما نزلهم مرتين في توقيتين مختلفين طول اليوم، والراجل نزل يخبط عليهم وده بسبب إن حاجة من عنده، ابنه الصغير حدفها ووقعت في البلكونة بتاعتهم، ولما ما كانوش بيردوا، قال إنهم نايمين أو مش موجودين أو حاجة، لكن في المرة التالتة ولما لقى برضه ما فيش استجابة وهو عمال يخبط عليهم.. اتصل بجاره علشان يسمع التليفون بيرن جوه اكتر من مرة ولوقت طويل، وما حدش بيرد، ولما ركز اكتر سمع إن التليفزيون غالبًا شغال، وقتها طلع تاني لمراته اللي نزلت معاه واتصلت بجارتهم اللي هي الضحية.. وبرضه سمعوا الموبايل بيرن من جوه وما فيش أي استجابة.. خبطوا على حد تاني من الجيران وأخدوا قرار بكسر باب الشقة عشان يلاقوا الزوج والزوجة في أوضة نومهم ومضروبين بطلق ناري في منتصف الجبهة.. وعلى السرير كان القناع الأبيض موجود زي كل مرة قبل كده.. و.. وللأسف.. بلاغ تالت.. وكانت صدمة فوق الصدمتين اللي فاتوا..
– فيه بلاغ يا فندم في عمارة 18 شارع زهراء الوادي..
– أيوة احنا استقبلنا البلاغ ده من كام ساعة، الدكتور ومراته اللي اتقتلوا في شقتهم.
– يا فندم ده بلاغ جديد، في نفس العمارة.. بس الدور الرابع، مش التاني..
مش ممكن.. جاب منين القدرة إنه مش بس يفضل في مسرح الجريمة نفسه، لأ ده كمان طلع من عند ضحية في الدور التاني، وكمل في الدور الرابع أو العكس.. يعني سابنا في الشوارع اليوم اللي قبل اكتشاف الجرايم، وهو كان في بيوت الناس بيقتل فيهم، وفعلًا.. رجعنا تاني على شارع زهراء الوادي.. وكأني بتفرج على فيلم بيتكرر باختلاف الشخصيات اللي بيلعبوا أدوار الضحايا.. وكان أول رابط مشترك بين الـ 3 جرايم بتوع يوم الفلانتين، إن كلهم كانوا عرسان جداد ومافاتش على جوازهم غير شهور.. وأحدثهم كانوا أخر ضحيتين.. ما كملوش شهر جواز، وفي مسارح الجرايم التلاتة ما كانش فيه أي شيء القاتل سايبه اقدر اقول انه دليل.. حتى السكان ما سمعوش أي نداء استغاثة أو صرخة.. وده معناه حاجة من اتنين.. يا إما اللي بيفتح الباب الأول بيقتله، وبعد كده يدخل يقتل التاني، وده نفيه سهل لإن ما بيكونش فيه أثار دم عند الباب.. كل أثار الدم للضحايا في أماكنهم اللي لما روحنا لقيناهم فيها.. او يا إما بقى بيتكلم مع اللي بيفتح له ويهددوا الأول إنه عاوز يسرق، ودي الحيلة اللي عملها في الجريمة الأولى.. فبيدخل ورا اللي فتح له وهو مهدده بالسلاح، والشخص المهدَد ده واللي في الأغلب بيكون الزوج، بيدخل ع الزوجة والقاتل وراه.. وبيطلب منها ما تفتحش بؤها.. زي الجريمة الأولى.. ويخليهم جنب بعض ويتخلص منهم، وللأسف كنا كلنا واقفين ومستنيين بلاغ رابع ييجيلنا، بس عدى الوقت وما استقبلناش أي بلاغ.. ورجعت ارتب كل حاجة تاني وسط ما انا بعمل تحريات، وطبعًا كان اتشكل فريق مخصص للتحقيق في القضايا وكان مفتوح ملف اسمه.. (القاتل ذو القناع الأبيض).. القاتل اللي رتم جرايمه بالتأكيد هيبقى محترف أكتر واكتر.. بس وقتها كان شاغل بالي حاجة، هو ازاي عارف تفاصيل.. ازاي عارف إن الناس دي موجودة في الوقت ده في بيوتها، بيراقبهم؟؟!!.. وارد.. لا والأهم إنه عارف إن كلهم عرسان جداد.. كل قاتل متسلسل له رؤية وتصور لضحاياه.. وده راجل عنده عقدة من الارتباط، كل ضحاياه متجوزين، ما عدا الجريمة التانية، كانوا اتنين مرتبطين بس، ودي اللي هي جريمة القتل الأولى.. وده له تفسير منطقي.. إنه في البداية كان شغال بشكل عشوائي.. مجرد ما إيده عرفت تضرب الزناد، بقى بيفكر اكتر ويخطط اكتر.. ولو اتساب بالمنظر ده، ما حدش عارف المرة اللي بعدها هيقدر يعمل إيه..
لما حاولت أجيب ترابط مثلًا بين ضحايا جرايم يوم الفلانتين، لقيتهم على المستوى الشخصي ما تجمعهمش أي حاجة ببعض، نهائي.. أفراحهم ما كانتش في نفس القاعة.. التصوير.. محلات تأجير الفساتين.. محلات البدل الرجالي.. ما فيش أي ترابط، اه، اصل انا كنت ميال اكتر لحتت الملابس وتصميمها.. القناع الأبيض من أول مرة وهو زي أخر مرة.. ما فيهوش غلطة.. اللي بيصممه إيده تتلف في حرير، مستحيل يكون حد اللي بيفصلهوله.. وده سره الكبير ومش هيبوح بيه لحد، بس لا، انا كنت متأكد إن اللي عمله ليلة الفلانتين ده وراه حاجة وربطة معينة.. ولو وصلت لها هبقى وصلت لخيوط كتير، ووسط ما فريق البحث شغال، جالنا خبر مهم حيانا من جديد، (سمر).. الضحية في الجريمة التالتة بتاعت الموتوسيكل، فاقت من الغيبوبة.. ومش كده وبس، احنا وشوفنا إمتى نقدر نتكلم معاها ونسمع منها.. وروحت وانا كلي أمل إن البداية تكون عندها.
عدى عليا ناس كتيرة اتعرضوا لكل محاولات التدمير في حياتهم، بس بمجرد ما شوفت (سمر) عرفت إن البني أدمة اللي قدامي دي، محتاجة معجزة علشان ترجع للحياة، وما أقصدش من الناحية الصحية الجسدية، اقصد النفسية.. عروسة جديدة فقدت جوزها في حادثة بشعة قدام عينيها.. محاولة قتلها، لحظة رعب واحدة بتمر على إنسان.. قادرة تموته حتى ولو فضلت فيه الروح، وعينيها.. عينيها كانت بتقول كل ده.. المهم، قعدت قدامها وبدأت الكلام معاها:
– ألف حمد لله على سلامتك.
– الله يسلمك.
قالتها بصوت مشروخ وضعيف، كان كمان عندها مشكلة في الأحبال الصوتية بسبب الطلقة..
– سؤال واحد هبدأ بيه وبعده هتتحدد حاجات كتيرة.. تقدري توصفي أي حاجة من القاتل؟
ودت وشها بعيد عني وهي بتقفل عينيها والدموع بتسيل منها، الشريط بيتعرض قدامها من أول وجديد.. وانا مستني ردها اللي قادر يقلب كل الموازين أو يخليني واقف عند نقطة الصفر.. بعد كده بدأت تحرك شفايفها من غير ما تتكلم.. غصب عني قومت وقفت من مكاني بالراحة.. وجاوبتني بإجابة غريبة:
– شوفته.. شوفته قبل الحادثة..
– ممكن توضحي لي يعني إيه شوفتيه قبل الحادثة؟؟.. تقصدي انك تعرفيه من قبل كده؟
هزت راسها بلأ.. ورجعت بصت لي وقالت:
– شوفته قبل الحادثة في محطة بنزين ع الطريق.
رجعت قعدت مكاني وعيني عليها، ولأول مرة.. أحس إني بطلع خطوة لقدام.. انا سمعت من (سمر) على قد ما قدرت تحكي، وخليتها تكمل كتابة لما طلبِت ده.. اما كلامها، فبدأ بإنهم وقت ما كانوا راجعين من عند أهلها في زيارة عائلية عادية.. وقفوا في الطريق في أول بنزينة قابلتهم، وده علشان (كمال) جوزها الله يرحمه يزود الموتوسيكل بنزين، وهناك لفت نظرها شاب عنده حوالي 30 سنة واقف وساند بضهره على عربية سودة واقفة بره البنزينة، بس ف جنب شوية وفضل بيبص عليهم لفترة، هي ما حبتش تقول لجوزها علشان ما تحصلش مشكلة وخناقة.. وخصوصًا إنه ما ظهرش من الشخص وقتها أي حاجة غير إنه بيبص ناحيتهم مش اكتر، ولما سألتها عن ليه بتقول إن الشاب ده هو الشخص اللي ضرب عليهم النار، قالت إن وقت الحادثة لقت شخص بقناع أبيض، راكب نفس العربية اللي شافت الشاب كان ساند عليها، وضرب عليها الطلقة وهم ماشيين جنب بعض.. ولما نزل وراح ناحيتها علشان يتأكد إنها ماتت، ولا هي مثلت إنها ماتت.. شافت في رجليه كوتشي أحمر في اسود من ماركة رياضية مميزة، وكان ده نفس الكوتشي اللي لابسه الشخص اللي شافته عند البنزينة.
وبالنسبة لمواصفاته، فقالت إنها ما اتحققتش من شكله بصورة دقيقة أوي بسبب الإضاءة في المكان والمسافة، ده غير إنها ما طولتش النظر ناحيته أوي، ما قدرتش تحدد إلا حاجات عامة.. يعني طوله حوالي 180 سنتي، وجسمه رفيع.. ودي حاجات متطابقة مع الوصف اللي قاله الزوج والزوجة في الحادثة الأولى، وكمان قالت (سمر) إنه كان لابس چاكت اسود وبنطلون چينز اسود.. قمحي البشرة.. ما فيش شنب، ما فيش دقن.. أما بالنسبة لماركة العربية، فهي ما عرفتش تحددها لأنها ما شافتهاش كويس، ده غير إن خبرتها بالعربيات ضعيفة، ونمرة العربية ما قدرتش تشوفها أو تركز معاها..
ومن الأوصاف دي كلها قدرنا عن طريق الرسام الجنائي نطلع بشكل للقاتل.. ولما عرضناه على (سمر) بعد كده.. ما جاوبتش.. هزت راسها بالتأكيد وهي بتقول:
– تقريبًا.
وعيطِت وانهارت.
وزعنا صوره على كل الكماين وفي كل النقط الممكنة، وسعنا الدايرة والصورة اتنشرت في كل الوسائل، بس كان عندي تحفظ في حاجة واحدة.. الحاجة دي زادت بعد ما بدأ يجيلنا بلاغات من أشخاص بتقول على سين من الناس إنه القاتل ذو القناع الأبيض، او زي ما بقت الصحافة والميديا تسميه، وفي أسبوع واحدة بس جالنا 18 بلاغ من محافظات مختلفة.. وفعلًا كلهم كانوا قريبين في الملامح، بس فيه اختلافات في المواصفات الجسمانية.. الملامح اللي أخدناها من (سمر) قادرة انها يخرج منها أكتر من حد، ما فيش حاجة مميزة.. أما بالنسبة لتحفظي فكان لسبب مهم، هل الثواني اللي شافت فيها (سمر) الشخص اللي عند البنزينة ده، قدرت فعلًا توصفه بشكل صحيح لما طلبت منها، ولا الموضوع كانت فيه لَبس عندها؟؟!!
بس وسط الوضع اللي كنا فيه، كان لازم أمشي ورا المتاح.. وبقى أي حد ييجي عليه بلاغ اشتباه، يا نتحرى عنه ونستدعيه.. يا نتحري عنه ونلاقي منهم ناس فعلًا كانوا في أماكن معلومة في أوقات تنفيذ معظم الجرايم.. الخلاصة وعلشان ما أدوخكوش.. كل البلاغات اللي جت بمعرفة القاتل، طلعت كلها مش حقيقية.. وفات شهرين على جرايم يوم الفلانتين وما حصلش أي حادثة ولا استقلبنا بلاغات عن وجود حوادث مشابهة.. لكن ف يوم وانا في مكتبي، لقيت فرد الأمن او العسكري، بيخبط عليا، وبعد ما أذنت له بالدخول، فتح الباب وقال لي:
– حسن باشا.. في راجل بره عاوز يقابل معاليك ضروري.
لسه برفع راسي وهسأله عن أي تفاصيل، كان هو كمل كلامه وقال لي:
– بخصوص قضية سفاح القناع الابيض.
يتبع
(ده الجزء التاني من قصة القناع الأبيض.. القصة مستوحاه من جريمة حقيقية وهي من كتابة مشتركة بين صديقي واخي، الكاتب تامر عمر والعبد لله.. وباذن الله الجزء التالت والاخير
القناع الأبيض
٣
قومت وقفت واتحركت له وانا بمد إيدي عشان أخد منه بطاقة الشخص ده، ولما اخدته قولتله:
– خليه يدخل بسرعة.
فتح الباب وناداه وانا كنت ببص في بطاقته.. ممدوح عبد الله نصار مواليد 1965.. دكتور صيدلي، دخل عليا راجل وقور وانا بقول له:
– اتفضل يا دكتور ممدوح.
– سلامو عليكو..
قالها لي وهو بيمد إيده يسلم، سلمت عليه وخليته يقعد ورجعت قعدت وبقينا لوحدنا في المكتب.
– قالوا لي إن حضرتك عندك معلومات بخصوص قضية سفاح القناع الابيض.
هز راسه وبملامح كلها حزن وتوتر خلت وشه يبقى احمر زي الدم، اتكلم وقالي:
– مظبوط.
مد إيده وناولني نوتة في حجم الكراسة.. أخدتها منه وفتحتها وهو بيتكلم معايا وبيحكي لي إن النوتة دي لقاها في شقة ابن أخوه، ولما بصيت فيها.. لقيت متسجل تواريخ كل حواديث السفاح، من أول حادثِة التعدي الأولى، لحد التلات جرايم اللي حصلوا في يوم الفلانتين.. كنت بقلب كل صفحة والغريبة أنه كان راسم مشاهد لكل حادثة تقريبًا.. ورسم، مش شخبطة.. هو الرسم كروكي أه، بس لأ، ده حد رسام أو عنده الموهبة بشكل قوي.. وهنا ربطت ده بتصميم القناع.. وفي أخر ورقة في النوتة كان مكتوب ما يشبه الاعتراف بإنه سفاح القناع الأبيض.. وبيعمل كده انتقام من خطيبته اللي سابته فجأة علشان تتخطب لحد تاني.. ووقّع تحت باسمه.. (عماد محمود نصار)..
ولما سألت الدكتور (ممدوح) عن (عماد) ابن أخوه، رد وهو بيمسح دموعه وقالي:
– عماد انتحر من شهر، ودي لقيناها وسط حاجاته لما روحت شقته عشان نلم حاجاته منها.. هو ما كانش له حد غيري.
سكت لثواني وبعد كده سألت له:
– طب معاك صور له؟
مد إيده وناولني موبايله بعد ما فتحه وطلع صور وقلبت فيها.. وقتها افتكرت إن الجرايم واقفة بقالها مدة ودي حاجة ما حصلتش قبل كده، لكن في الصور كان الشكل.. الشكل قريب من وصف (سمر).. ولما شوفت صور وهو واقف جنب عمه.. كان الطول اقصر شوية من المذكور.. عربيته كحلي مش سودة.. وقبل ما اقرر أي قرار.. قولت للدكتور (ممدوح):
– استأذنك يا دكتور.. ممكن تيجي معايا مشوار.
– أه اتفضل.
وأخدته واتحركت على (سمر)، كانت خرجت من المستشفى وقاعدة عند أهلها.. روحت لها، وهناك وتحت البيت ركنت العربية وخليت الدكتور (ممدوح) يستناني فيها وطلعت لها.. اول ما طلعت وقعدت معاها، سألتها:
– معلش يا أستاذة سمر، ممكن تركزي في الصور اللي هتشوفيها دلوقتي..
وعرضت عليها صور (عماد) اللي كنت نقلتها على تليفوني.. فِضلِت تدقق فيها وتبص لي وانا مستني.. وفجأة هزت راسها وهي بتقول لي:
– لأ.. مش هو.
نزلت من عند (سمر) وانا مش فاهم حاجة، ليه طالما (عماد) مش هو القاتل، يكتب الإقرار ده ويرسم التفاصيل دي.. ولّا هو القاتل و(سمر) هي اللي كان عندها مشكلة في وصفها لملامح السفاح، أو وصفت حد تاني بالغلط!!
وعلى الفرضية الأولى، هو ليه ينتحل شخصية القاتل؟.. هنا كان الجواب إنه تقمص دور مش قادر يعمله، لكن دوافعه تتشابه كتير مع ظروف القضية بشكل عام، ووارد دي تكون الحقيقة، (عماد) كان شخص اتعرض لأزمة نفسية ما قدرش يتجاوزها، بقى عنده حقد وكره للدمار النفسي اللي حصله بعد ما خطيبته سابته من غير سبب، وبعد شهر كانت اتخطبت لحد ظروفه المادية كويسة جدًا، وله وضع مختلف، فشاف في القاتل أنه بينفذ اللي هو مش قادر يعمله.. بس التشابه في الظروف ولون العربية من كحلي لأسود في الضلمة، وارد.. وحاجات تانية كنت مستغربها.. ده غير رسمه للجرايم.. اه ما كانش مطابق ١٠٠٪، ولكنه كان شخص عنده حس فني عالي، فعمل دمج بين رؤيته واللي سمعه عن الموضوع، طب والفرضية التانية.. لو (سمر) شرحت مواصفات القاتل بطريقة غلط؟.. يبقى احنا مشينا مشوار كبير في طريق بعيد.. بس برضه، ما الجرايم وقفت بقالها مدة.. كنت بكلم نفسي.. بس أيام قليلة واتأكدت لي صحة واحدة من الفرضتين.
طبعاً تم التحفظ على النوتة واستلمها المعمل الجنائي، وبعد ما نتيجة الفحص طلعت، ظهرت مفاجأة غريبة، أولاً النوتة ما كانش عليها غير ٣ بصمات، أنا.. والدكتور (ممدوح) عم (عماد).. و(عماد)، ما فيش بصمة رابعة.. بس مش دي المفاجأة اللي اقصدها.. المفاجأة كانت أن اللي راسم الرسومات بتاعت الجرايم.. هم شخصين.. مش شخص واحد!!!
تقرير المعمل الجنائي قال إن اللي رسم الجريمة الأولى، واللي هي الاعتداء مش القتل.. والجريمة التانية اللي كانت قريبة من المول.. والجريمة التالتة لـ (سمر) وجوزها.. كان شخص واحد، أما التلات رسومات لحوادث الفلانتين والتوقيع بتاع الاعتراف، فاللي نفذهم شخص تاني.. اللي هو (عماد).. وده وضّح لي ليه تفاصيل رسم الجرايم التلاتة، الأولى متطابقة مع مشاهد موقع الجريمة بالكامل.. أما جرايم يوم الفلانتين، فكانوا قريبين بس مش بنفس درجة التشابه في اللي قبل كده.. وده معناه إن النوتة دي كانت تخص القاتل وهو اللي كان بيرسم في الأول، ولسبب ما ضاعت أو وقعت أو اتاخدت منه.. ووصلت لـ (عماد)، ومن متابعته لجرايم السفاح.. فهم من التواريخ إن دي جرايمه وكمل وراه بالرسم.. وشاف نفسه فيه، ولما قرر الانتحار كتب الاعتراف ده بسبب حالة التقمص اللي وصلها.. بس انا.. انا فكرت في حاجة تانية.. ازاي حد قادر ياخد كل الاحتياطات دي، في جرايمه وحتى في رسمه للجرايم، انه كان لابس أكيد جوانتي وقت ما كان يرسم ويمسك النوتة، وبدليل إن ما فيش بصمة مجهولة عليها.. وتيجي تضيع منه النوتة كده.. بس يمكن دي تكون الغلطة اللي ما عملش حسابها.. وعلشان كده وقف جرايمه، علشان ما يغلطش غلطة تقربنا منه، وحاولنا نوصل لربط.. وساعتها ما كانش قدامي غير حاجة واحدة بس..
الفترة اللي ما بين الجريمة التالتة بتاعت (سمر) وجوزها، وجرايم يوم الفلانتين، هي الفترة اللي ضاعت فيها النوتة من القاتل، ودي فترة زمنية كانت شهر تقريبًا، وبقى هو ده اللي هدور وراه، ولو أنه مش سهل بالمرة.. بس هو ايه يعني كان سهل.. طب انا هدور ازاي، انا بقدر المستطاع هركز على معرفة الاماكن اللي ممكن يكون زارها (عماد) خلال الشهر ده، واللي فيها لقى النوتة.. مع أنه ممكن يكون لقاها مرمية في الشارع.. بس ده أملي الوحيد وشعاع النور اللي خارج من كشاف اللغز اللي أنا فيه.. وبدأت البحث.
الدكتور النفسي المعالج لـ (عماد) قالنا إنه في فترة من الفترات، نصحه بإنه يغير جو ويروح مكان جديد ما راحوش قبل كده، ويكون وسط جروب مش لوحده، لأنه بطبعه كان شخص بيميل للعزلة، وبعد أزمته الأخيرة بقى الموضوع أسوأ.. (عماد) كان عمه هو اللي مربيه.. ما لوش صحاب مقربين.. ما بيخرجش.. ما بيروحش كافيهات أو قهاوي.. حتى مكتبه الهندسي، لأنه كان مهندس ديكور.. أهمله بعد واقعة انفصاله عن خطيبته.. واللي كانت بالمناسبة بتشتغل في مكتبه وحبها وشاف فيها إنها الحد اللي هيعوضه عن حياته الصعبة، ومن هنا قرر (عماد) إنه يسافر واحد من المنتجعات السياحية اللي رشحها له الدكتور بتاعه.. أهو يقضي كام يوم، والسفر ده تم في الفترة اللي أنا بدور عليها.. ما بين الجريمة التالتة واللي بعدها.. وهنا لقيت مفاجأة من العيار التقيل..
(علي يوسف مطاوع).. (نجلاء حسام)، الزوج والزوجة اللي اكتشفناهم في أخر جرايم يوم الفلانتين وكان بقالهم أقل من شهر متجوزين، كانوا موجودين في نفس المنتجع اللي زاره (عماد) وفي نفس الفترة، وبعد أسبوعين من رجوعهم، حصلت جريمة القتل بتاعتهم.. فده معناه إن القاتل اختارهم من هناك.. والنوتة اللي كان راسم فيها قبل كده، ضاعت منه هناك بشكل ما و(عماد) لقاها.. ولما الجرايم التلاتة الأخيرة اتنفذت، (عماد) رسمهم.. وهنا روحت دورت ورا حاجة مهمة.. كانت رهاني الكبير والأخير.. الكارت اللي هقش بيه كل حاجة.. يا إما هقف مكاني من جديد.
كشوفات النزلا اللي كانوا في المنتجع في الفترة اللي كان فيها (علي يوسف) ومراته (نجلاء) وكمان (عماد).. وكل العمال اللي في المكان ده بمنظمي الرحلات.. كل ده محتاج أطلع منه بأسم واحد بس، طب محتاجه ليه؟؟!!.. هتعرفوا دلوقتي..
كل الضحايا زي ما ذكرت قبل كده كانوا عرسان جداد، بخلاف الجريمة التانية، اللي بعدها القاتل تخطيطه أخد احترافية أكتر، كان عاوز يدور على طريقة محددة تساعده إنه يوصل لفريسته في كل مرة بطريقة طبيعية، من غير ما يكون بيعمل نشاط أو مجهود كبير أو ملحوظ، وأغلب العرسان كده كده هيطلعوا يقضوا كام يوم عسل قبل ما يرجعوا لمفرمة الحياة.. القاتل شخص بيحب السفر بشكل عام وبشكل شبه منتظم.. ودي نقطة تَلاقيه مع ضحاياه.. ومن هنا شوفت الأماكن اللي زاروها الضحايا العرسان الجداد كلهم بعد جوازهم.. ولقيت اسم واحد متكرر في كل مرة في الأماكن دي.. وكمان كان فيه التفصيلة اللي كنت مقتنع بيها من البداية بسبب القناع الأبيض وتصميمه.. ولقيته.. كان اسمه (وليد صالح).. مصمم ومنفذ أزياء..
(وليد صالح).. 32 سنة.. شخص غني.. لاعب رماية سابق.. بيسافر كل شهر في ويك اند يقضي كام يوم في مكان شكل.. بيمتلك عربية لونها اسود.. ولما استدعيت (سمر) وعرضت عليها صوره، واللي كان من ضمنها صورتين بالكوتشي اللي وصفته يوم الجريمة.. وقفت من مكانها من غير تفكير أو تردد وقالت لي:
– هو ده.. هو ده، قبضتوا عليه؟؟.. لقيتوه؟؟
– اعتبريه حصل.
وكنت مجهز خطة القبض عليه، خليت (سمر) في مكتبي مع مراقبة عليها.. وكان إذن النيابة جاهز.. وروحت الأتيليه بتاعه وانا عارف إنه هناك.. كنا مراقبين تحركاته بعد ما جمعنا كل التفاصيل.. أمِّننا المكان حواليه ودخلت وطلبت أقابله تحت مسمى إني مدير فندق افتتاحه قريب، ومحتاج تصميم باستايلات معينة للموظفين يوم الافتتاح.. ما كنتش عاوز أديله فرصة للهرب أو المقاومة أو أي رد فعل.
ابتسمت ودخلت مكتبه ورحب بيا.. لاحظت وجود عكاز جنبه، وحتى وقفته ما كانش ثابت فيها، وانا كنت عارف السبب طبعًا، بعد كده السكرتيرة خرجت وقعدنا دردشنا بشكل عام في شغله والتصميمات.. وقبلها كنت قولت له:
– ألف سلامة عليك..
– ميرسي الله يسلمك، حادثة بيتش باجي من كام شهر كده.
وطبعًا ده كان حصل بعد أخر جرايمه.. وده سبب إنه وقّف تنفيذ أي عملية جديدة.
كان على مكتبه وانا قدامه.. إديت له تليفوني وعليه صور بخصوص الفندق.. وصور لتصميمات أزياء عاجباني بشكل عام وحاجات عاوز قريب منها.. كان بيتفرج ع الصور.. ووهو بيتفرج قولت له:
– اللون الأزرق الفاتح اللي هتلاقيه عندك، والدرجة الأغمق منه، محتاجها تكون هي اللون الأساسي في التصميمات.
– فين ده.. ممكن توضح لي بعد اذنك..
قالها لي ولف الموبايل ناحيتي، فقومت من مكاني لفيت حوالين المكتب وبقيت جنبه.. حركت صابعي ع الاسكرينة وانا بقلب في الصور لحد ما ظهر اللي أنا عاوزه.
– ده.
بص وقال لي:
– تمام جدًا..
مشيت إيدي وحركت الصور وانا بقول له:
– وده كمان.
وقع الموبايل من إيده لما شاف صورة القناع الأبيض، وةهو لسه بيتحرك كنت ماسكه بإيدي الشمال من رقبته من ورا، ومع مسكتي له، ضربت راسه في المكتب وسحبت مسدسي باليمين وحطيته على دماغه.. وقبضنا عليه..
(وليد) كان بيعاني طفولة وتربية غير سوية من أم غير مسئولة ومشغولة بسهرات وحفلات.. وأب مدمن متعدد العلاقات، وفي النهاية انتهى الموضوع بالانفصال بينهم واختفاء الأم اللي سابته مع أبوه.. الأب اللي كان بيضربه بشكل عنيف بسبب ومن غير.. ولما كبر وفكر في الارتباط وخطب، اتعرض بعد ما كتب كتابه لصدمة هروب مراته بعد ما اكتشف سرقتها له، وده قبل الفرح بأسابيع.. ومن هنا اتولدت عنده فكرة الانتقام.. بقى ناقم على كل اتنين علاقتهم بتكمل وهو شايف فيها حياة سوية ما عاشهاش.. سحبه شيطانه لطريقه واقنعه إنه هيبقى بياخد حقه، ولكنه ما كانش عارف إنه بيدمر حياة ناس كتير وأهالي مش هيفوقوا من كارثة ضياع اولادهم وبناتهم باللي عمله ده.. وإنه قادر يحول المجتمع لغابة بسبب غلطة شخص أساء التقدير له.. وبسبب الشخص ده وبسببه هو، دّفعوا ناس تانية السبب!!
طب والنهاية؟!.. في النهاية اعترف (وليد) بجرايمه كلها واتحكم عليه بالإعدام مقابل كافة جرايمه.. وتم تنفيذ الحكم.. واتقفلت القضية بشكل نهائي… وبكده.. اختفى القاتل ذو القناع الأبيض.
تمت
#محمد_شعبان
#تامر_عُمر
#القناع_الأبيض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى