قصص

قصه تربه عزيز

كان في خيط رفيع من الدخان طالع لفوق، والبخور كانت ريحته غريبة وماليه المكان، حتى اضاءة المكان نفسها كانت ضعيفة والدنيا من حوالينا هادية أوي، حسيت برعشة في جسمي والجو قلب وبقى برد جدًا، فجأة بدأ يتكلم وقال…
عزيز سالم، ماكنش مجرد اسم تعبت سنين وأنا بنحته في المجال، ده كان النقطة اللي اتجمعت عندها كل الخيوط!
أي تريند في مصر كنت لازم أجيب صاحبه يقعد قدامي وياخد اللي في النصيب سواء بالايجاب والتكريم أو السلب والفضيحة، اسمي بقى معروف ومرتبط بأغلب التريندات على السوشيال ميديا.. عزيز سالم مذيع قدر يثبت إنه من أقوى ٣ مذيعين برامج حواريه بتتكلم بلسان الشارع المصري في ٢٠٢٢ وبتناقش قضايا مهمة جدًا.
الحكاية كلها بدأت لما بلغت ادارة البرنامج وفريق العمل بتاعي اني عاوز الساحر وده لقبه مش مهنته بس، قولتهم إني عايزه معايا كضيف في حلقة الجمعة الجاية، مغامرة، وانا بطبعي بحب أخوض المغامرات، شوفت فيديوهات كتير لناس بتشكره وبتحكي عن كراماته، مذيعين وفنانين وحتى نجوم الكورة، بيجروا وراه عشان ينولوا بركاته!
اتقلبت الدنيا عليا وماقعدتش لما قولت إني هستضيفه، هاجموني وقالولي.. إن مصر كلها بتتكلم عن الساحر وعن كراماته اللي ماحدش قدر يختلف عليها، ايه اللي هيخليه يوافق يطلع مع مذيع في برنامج زي ده، قالولي لو على الفلوس عمرها ماهتجيبه، ولو على الشهرة فهو برضو مش محتاجها، جمعت فريق البرنامج بتاعي وقعدنا نفكر هنجيب رِجل واحد زي ده لحد عندنا في البرنامج إزاي، والحقيقة كلهم كانوا متوقعين إنه هيرفض ياخد فلوس، لكن انا الوحيد اللي كنت متأكد إن اللي زيه مايهموش غير الفلوس وبس، حتى لما فريق الإعداد بلغني رفضه للمبلغ، طلبت منهم يعلوا أجره في الحلقة وهيوافق، وفعلًا قِبل العرض زي ما انا توقعت.
عينة الناس اللي زي الساحر ده مهما جمعت فلوس تكفيها طول عمرها هتفضل طماعة، النوعية دي مش بتكتفي ولا بتشبع، بتفضل تجري زي الوحوش في الغابة من غير راحة لمجرد وجود فريسه في المكان.
كل اللي راهنوا قصادي انه مش جاي خسروا الرهان، جمعت الفلوس منهم وانا شمتان فيهم، كنت مستني يوم التصوير بفارغ الصبر، أول ما شوفته داخل البلاتوه اتنهدت بارتياح، وبعدها عملت نفسي مشغول في تجهيز المايك وقراية ورق الإعداد، قرب ببطء من الكرسي اللي هيقعد عليه، وهو بيبص لي بنظرة مالهاش أي معنى، تجاهلت نظراته لحد ما قعد وساعتها ابتسمت في وشه ابتسامة خبيثة، بعدها سمعت صوت المخرج في الأير بيس بيعد 4،3،2،1 وبدأت الحلقة.
كلامه كان قليل أوي، كل كلمة كان بينطقها، كان بيحسب حسابها كويس أوي، وبيفكر ممكن تعمل ايه وتتفهم إزاي، بس على مين ده أنا عزيز، ده انا جايبة مخصوص عشان اكشفه وأعرف الناس اللي بتمشي وراه انه دجال ونصاب، قعدت قدامه وحطيت رجل على رجل وده مش من عادتي، أنا دايمًا بحترم ضيوفي جدًا، حتى لو مختلف معاهم!.. بس ده كان غير، بالنسبالي هو وجبة دسمة هفترسها بمجرد ما أربكه.
الكاميرا اشتغلت وبقيت انا وهو على الهوا، قصدت اني اسمي الله في البداية قبل ما أوجه ليه الكلام كنوع من الإستفزاز وبعدين قولتله….
– هطلب منك طلب واحد ممكن تنفذه؟
سِكت واستنيت اشوف رد فعله فشاور لي أكمل، ضحكت ضحكة صفرا وقولتله…
– احكيلي عن طفولتي مادام أنت واصل أوي كده وتقدر تعرف اللي حصل لأي حد في الماضي، قولي على حاجه مميزة حصلت لي!
بص لي جامد ووشه اتقلب وبدأ يتوتر فعلا ويعرق، طبيعي، أنا جايبه وحاسب السؤال وعارف هفضح نصبه ازاي، اديته وقت طويل تقريبًا سبع دقايق، كانوا كفاية اوي عشان يجاوب لكنه مجاوبش!.
بصيت للكاميرا واتعدلت في الكرسي وبدأت في كلمتي اللي كنت محضرها برضو عشان متأكد اني هكشفه.
عزيزي المشاهد مش كل واحد مخاوي ومعاه جن، حرك قدامك كوبايه او قالك حاجه حصلت لك او عرف اسم امك يبقي واصل وعارف، اوقات بيبقي اسمه نصب ودجل وانتوا اللي بتشجعوا العينة دي انها تظهر.
كانت عنيه بتطق شرار، مادتوش فرصة عشان يرد، شاورت لهم فقطعوا الهوا، وانا بصيت له من فوق لتحت وسيبته ومشيت، هو حقيقي كان ساكت، بس ماكنتش عارف سكوته ده ضعف بجد وهو مش قادر يرد عليا، ولا ده السكوت اللي بيسبق العاصفة أوالانفجار، في كل الحالات الحلقة عدت، وهو لو كان يقدر يأذيني كان اذاني علي الهوا، كان معاه 15 دقيقة كاملة ماعملش فيها حاجة، وده كان دليل كافي يثبت للناس انه دجال ونصاب.
خرجت من الاستديو وروحت على البيت!.. كنت محتاج أنام وافصل من كل الدوشة دي، أسبوع كامل بحضر لحلقة النهاردة!.. مش هنكر كنت حاطط احتمال ٥٪ إن الدنيا تبوظ ومتظبطش معايا بس أهو كل حاجه مشيت زي ما انا خططت، عاوز اختفي شوية واشوف بعدين صدى الحلقة علي الميديا.
أنا عزيز سالم، طفل وحيد، أهله ماتوا في حادثة عربية! خالتي هي اللي ربتني، لكن للأسف كنت في إنجلترا من سبع شهور لما جالي خبر وفاتها، انا عايش لوحدي، ومابخافش لا من انس ولا جن، بس بخاف من الضلمة، بحس انها بتاخد مني كل اللي بحبهم.
بمجرد ما دخلت البيت، حطيت موبايلي على الوضع الصامت وبعدها قلعت هدومي ودخلت أخدت شاور، طلعت فردت جسمي على السرير، وماحستش بالدنيا من حواليا…
كنت في مكان ضلمة بس سامع صوت دقات وخبطات منتظمة على الباب، وكان بيتردد كلام انا مش فاهمه لكنه ماكنش مريح.
وسمعت بعد الكلام ده صوت سكينة تقريبًا كانت بتدبح حاجة حيه جنبي لان فجأو حسيت بحاجة دافية غرقت هدومي.
صحيت وانا مخضوض ومش قادر اخد نفسي، كانت هدومي كلها غرقانة دم، اتنفضت من على السرير وجريت على الحمام، قلعت هدومي ووقفت تحت الدش، مش فاكر انه كان في جرح في جسمي قبل كده عشان يكون اتفتح، وقفت قدام المراية وفعلًا ماكنش في خدش واحد في جسمي، روحت اشوف السرير وبرضو ماكنش عليه أي دم، استغربت وقررت أشوف الهدوم اللي كنت لابسها، دخلت الحمام وقلبته علي هدومي اللي لسه قالعها بس مالقتهاش، كنت حاسس اني هتجنن، مش موجودة إزاي.. اومال راحت فين؟.. ساعتها قولت بيني وبين نفسي إن ده أكيد تأثير الأوهام اللي في دماغي واللي اترتبت على حلقة الساحر، وعشان كده قررت افضي دماغي ومافكرش في أي حاجة حصلت، صحيح اللي حصل غريب بس انا مستحيل اخلي الوهم يسيطر عليا.
فتحت التليفون وقولت اتابع أراء الناس عن الحلقة، الساعة كانت داخلة على واحدة بعد نص الليل، الحلقة كانت مكسرة الدنيا على السوشيال الميديا، وكان في رسايل كتير على التليفون من فريق إعداد البرنامج بيبلغوني فيها ان في رعاة كتير قدموا انهم يرعوا البرنامج بتاعي.
النجاح! هو الحاجة الوحيدة اللي بتحسسني اني عايش، قررت اخرج واحتفل، دخلت الاوضة عشان اغير هدومي واخرج، كان الترنج اللي قلعته ومتغرق دم موجود ومتطبق في الدولاب، مسكته وانا ايدي بتترعش، يعني هو يبقي مليان دم، ويختفي ويظهر، وفجأة الاقيه متطبق ونضيف عادي كده؟!.. حسيت بالخوف ساعتها وبصيت حواليا بقلق، بس ماكنش في حاجة، خرجت الترتج وفردته قدامي كان مغسول ونضيف، حاجه جوايا قالت لي شمه!.. قربته من مناخيري، وكانت ريحته غريبه فعلًا!.. دي مش ريحة هدومي.
ماديتش فرصه لعقلي الباطن يلعب بيا تاني، حطيت الترينج في كيس، ولبست واخدت الكيس في ايدي وانا نازل، اديته للبواب، وقولتله يخلي مراته تضيقه وتديه لمازن.
خرجت بعدها واتفسحت ونسيت الكابوس والترينج الغرقان دم، ونسيت حتى إن الوقت إتأخر.
رجعت البيت تقريبًا وكان الفجر قرب يأذن، هتسألني ازاي ماخوفتش من اللي حصلك في الشقة؟!.. هقولك إن العقل الباطن بيشتغل على مخاوفك وبيجسدها ليك، ولو استسلمت لعقلك الباطن هيخليك تشوف اشباح بترقص جنبك علي السرير، عشان كده حاولت ألهي نفسي، وبعدين ما انا قولت من البداية انا مابخفش!.
تاني يوم قدمت على طلب أجازة لمدة شهر، ماينفعش اتحدى الساحر واطلع بعدها باسبوع على الشاشه، لازم استغل الفرصة دي واحير الناس واخليهم يدوروا على اخباري، من الاخر كده قررت اخلي البلد كلها تتكلم عني وعن برنامجي، وأشوقهم للحلقات اللي جاية.
فضلت في البيت يومين مش بتحرك منه غير بالليل اوي، عشان اتفادى الزحمة وماحدش يشوفني، بخرج بالليل الف شويه بالعربية وبعدين ارجع تاني، بس وانا راجع تالت يوم، كان في عربية اسعاف قدام مدخل العمارة وفي كام واحد من السكان واقفين، اما في المدخل بقى فكانت مرات البواب وعياله قاعدين بيعيطوا ولما سألتها ايه اللي حصل قالت…
– احنا كنا قاعدين في أمان الله يا أستاذ عزيز، وفجأة سمعنا صوت فرقعة جامده جاية من الحمام، طلعنا نجري، حامد حاول يفتح الباب لكن ماعرفش، مازن كان بيتوضى جوه وقافل على نفسه، فضلنا نخبط ونرزع في الباب لحد ما اتكسر، وبعدها لقينا سخان الغاز مفرقع، الحيطة كان عليها هباب، والسراميك كان متكسر، ومازن.. مازن ابني كان واقع علي الأرض وحواليه دم كتير، جسمه كان متشوه وفي جلد واقع منه يا قلب أمه، فضلت اصرخ لحد الجيران ما اتلموا وكلموا الاسعاف واديهم جوة.
مسكت ايدي وكانت هتوطي تبوسها وكملت كلامها وهي بتترجاني بصوت ماليه الضعف…
– والنبي يا سي الاستاذ تكلم لنا حد يدخله مشتشفي نضيفه، عشان يلحقوه، ألا الواد حالته صعبة ومتبهدل يعيني على الأخر.
غمضت عيني وهزيت راسي وطمنتها، وطلعت كذا سلمة ووقفت قدام باب شقة البواب عشان اشوف الوضع ايه، طلعت الموبايل وكلمت مساعد وزير الصحة، ووعدني إنه هيخلص كل حاجه بمكالمة، وهيبعت لي اسم المستشفي اللي مفروض يتنقل عليها.
مازن ده ابن حامد الكبير، اللي اديته الترنج بتاعي من يومين، كنت لسه هدخل اشوف ايه اللي بيحصل جوة، لقيت حامد خارج من شقته ووراه اتنين مسعفين شايلين مازن علي النقالة، وشه كان محروق جامد، وجسمه متغطي بملايه بيضا، دراعه كان خارج من الملاية، وساعتها شوفت لحمه دايب وعضم ايده باين، والدم كان مغرق الملاية، مازن كان لابس نفس الترنج اللي اديتهوله، مشيت وراهم لحد عربية الاسعاف وقولت للمسعفين علي اسم المستشفي اللي مفروض يطلعوا بيه عليها بعد ما مساعد الوزير قالي عليها.
مسحت علي وشي ورجعت تاني للعربية، شغلتها ومشيت ورا الاسعاف، حامد ركب مع مازن في عربية الاسعاف، وصلنا المستشفي، دخلت معاهم وخلصنا كل حاجة، وطبعًا بعد المكالمات اهتموا بالحالة ودخلوه بسرعة على أوضة العمليات.
قعدنا قدام العمليات حوالي خمس ساعات تقريبًا، لحد ما أخيرًا العملية انتهت والدكتور المسؤول طلع، جرينا عليه انا وحامد، ولقيناه بيقول بأسف…
– احنا عملنا اللي علينا والباقي علي ربنا، لو عدى الكام يوم اللي جايين؛ يبقى ربنا كتبله عمر جديد.
سأله حامد والدموع في عينيه…
– ممكن اشوفه يا دكتور؟
– أنت والده صح؟
– اه، سايق عليك النبي خليني اشوفه ولو دقيقة واحدة.
– بص يا حج، ابنك دلوقتي متخدر يعني مش هيحس بيك وكده كده هيتنقل العناية عشان يبقي تحت الملاحظة، لما يتنقل أوضة عادية ممكن تبص عليه بس من غير ما تخليه يعمل مجهود، لان جسمه والرئه عنده شبه متدمره.
انهار حامد في العياط وساعتها بصيت أنا للدكتور وقولتله…
– مُتشكرين جدًا يا دكتور.
– علي ايه يا استاذ عزيز، ده أنا الود ودي اقول لحضرتك ان المستشفي منوره بس للاسف الظرف مايسمحش زي ما انت شايف، ده كفاية حلقة الساحر الأسبوع اللي فات، كانت حلقة جامدة.
– ولا يهمك المهم اننا نطمن علي مازن، ومبسوط إن الحلقة عجبتك.
مشى الدكتور، وبعدها قولت لحامد إنه لازم يروح البيت، قاعدته هنا مالهاش لازمة، رفض في الأول لكن قدرت بالعافية أقنعه،
الصبح كان قرب يطلع لما وصلنا قدام البيت، حامد نزل من العربية اما انا فمنزلتش، فضلت قاعد مكاني شوية، وبعدين قررت أقضي النهار بره، مش هرجع الشقه ومش هسلم نفسي لعقلي الباطن ولا هخليه يتحكم فيا، مشيت بالعربية ماكنتش عارف رايح فين!.. جوايا صراع رهيب، حاجة بتقولي انت السبب فاللي مازن فيه، وحاجه تانيه بتقول ده قدر، وحاجة تالتة بتقولي اللعنة ابتدت من عندك وخدت واحد غلبان مالوش أي ذنب غير إنه كان لابس لبسك.
فوقت من الصراع اللي جوايا عشان الاقيني واقف قدام باب المستشفي، استغربت جدًا بس لاقتني داخل جوة، وواقف قدام أوضة العناية، اللي كان بيفصل بيني وبين مازن لوح إزاز، كنت بتمني يقوم ويكلمني مع ان ماكنش في بنا كلام اصلا، كنت عاوز اي اشارة عشان ضميري يرتاح مش هقدر افضل متعذب كده.
حسيت بدوخه جامدة، خلاص لازم أروح البيت مش قادر عايز انام، خرجت من قدام أوضة العناية ودخلت يمين ناحية باب الخروج، كنت ماشي في الطرقة مش شايف قدامي، وفجأة خبطت في واحد ووقعت من ايده حاجة، وطيت جيبتها ومديت ايدي اناولهاله ولسه هعتذر له.. الكلام اتجمد على لساني، كان قدامي الساحر واقف وعلى وشه ابتسامة بارده وعينيه كلها سودة، اتخضيت ورجعت كذه خطوة لورا لحد ما خبطت في الحيطة اللي ورايا، الغريب انه لف وشه وكمل في الطرقة في اتجه العناية لحد ما وقف في اخرها، الطرقة كانت فاضية مع انها كانت زحمة جدًا وانا خارج، اول ما الساحر وصل لاخر الطرقة، لف وشه وبص لي، كانت عينيه لسه سودة، حسيت وقتها برعشة في جسمي، ميل راسه علي جنب وابتسم نفس الابتسامة الباردة من تاني ودخل شمال ناحية العناية وفجأة الطرقة اتملت بالناس!.. لدرجة اني حسيت اني بخرف عشان مانتمش بقالي كتير، لكن اللي كان بين ايديا أكدلي اني مش بخرف وان اللي حصل حقيقي، الترنج اللي مازن كان لابسه كان بين ايدي نضيف ومافيهوش نقطة دم، ماكنتش مستوعب اللي بيحصل، جريت على العناية وانا عقلي بيقولي اني هروح مش هلاقي مازن هناك، وان كل اللي حصل ده كابوس مش أكتر.
بس للاسف كان مازن نايم على السرير وكل الأجهزة حواليه بتصفر في وقت واحد، العنايه كلها اتقلبت، دكاتره داخلين وممرضين خارجين، من كتر ما جسمه كان مشوه ماكنوش قادرين يعملوله صدمات كهربا، فجأة كل حاجة هديت والدكاترة بصوا لبعض بأسف واللي كان ماسك حاجة رماها والممرضه غطت وش مازن بالملاية!.
مكانتش قادر أخد نفسي، رميت الترنج من ايدي وطلعت اجري، خرجت بره المستشفي، نزلت مش فاكر انا راكن عربيتي فين؟.. الصداع هيفرتك دماغي، أصوات كتير جوايا بتقولي انت اللي قتلت مازن.. انت قاتل، ابتسامة الساحر، نظرة التحدي اللي كانت في عينيه! كل الأحداث كانت بتدور في دماغي بشكل سريع، ركبت عربيتي ووصلت البيت، طلعت شقتي ودخلت الأوضة، رميت نفسي علي السرير وشديت الغطا عليا وحطيت المخدة فوق دماغي يمكن الخبط اللي فيها يهدى شوية.
وبعد محاولات كتيرة نمت وياريتني ما نمت…
مازن كان واقف قدامي بجسمه المشوه ووشه المحروق، كان بيبص لي بغضب، أول ما حرك بوقه عشان يتكلم، بان عضم وشه من تحت اللحم اللي كان مش موجود في حتت كتيرة من وشه، قرب مني وقال بصوت مرعب…
– أنت السبب، أنا حياتي انتهت عشان انت تعيش، لازم تموت انت كمان، انت مش عزيز علي الموت يا عزيز.
قرب مني ومد ايده لحد ما وصل لرقبتي، صوابعه كانت سخنه بتكوي جلدي، حاولت ازقه وابعده عني، كنت حاسس إني بتخنق ونفسي بيضيق، وتدريجيًا بدأت أفقد الوعي.
فتحت عينيا، المكان كان ضلمة، مديت ايدي ونورت الاباجورة، وبصيت ناحية الشباك، ايه ده!.. معقوله انا نمت كل ده لحد ما الدنيا ليلت، كنت باخد نفسي بصعوبة، أول مرة احس اني مهزوز للدرجة دي، قومت من السرير عشان اشغل النور، واول ما اشتغل لمحت ضل جنب الباب لكنه اختفي في ثواني، كنت حاسس بوجع في رقبتي، حطيت ايدي علي مكان الوجع ووقفت قدام المرايه، وساعتها شوفت صوابع معلمه في رقبتي، كان في حد بيخنقني بجد، ده ماكنش مجرد كابوس!.. قَلَبت الشقة مالقتش حد، سمعت صوت خروشه في الحمام، كنت خايف، آه المرة دي خوفت بجد، قربت من الحمام، كان نفس الضل واقف جوة، شديت باب الحمام وقفلته وقررت اني مافتحوش، آه انا هحبس الضل في الحمام لحد مشوف حل عشان ميأذنيش.
قعدت علي الكرسي وبدأت أفكر، هو قرين مازن بينتقم مني عشان هو مات بسببي، وكان المفروض اللي حصله ده يحصلي انا، بس انا اديته الترنج، هو اتأذي عشان كان لابسه.. مش عارف، أسئلة كتير مالهاش إجابة، خبطت علي دماغي وبدأت اكلم نفسي…
– فوق بقى، هو أنت هتصدق في الكلام ده!
– وماصدقش ليه؟
– عشان ده عبط؛ وانت مؤمن بربنا.
– اومال اللي بيحصل ده تسميه ايه!
– صدف، قدر، عُمره خلص.
– صدف، قدر، وعُمر!.. الكلام ده لو كان الواد مات موتة عادية، انما ده مات بعد ما لبس الترنج بتاعي وبعد الكابوس اللي انا شوفته لنفسي!
– ماتشيلش نفسك هم زياده، ركز في شغلك واقطع اجازتك وانت هتتلهي وتنسى، انت مش واخد على القاعدة في البيت وطول ما انت قاعد هتفضل تفكر التفكير السلبي ده.
سمعت صوت قرآن طالع من مكبر قريب، جريت فتحت الشباك، كان في صوان تحت البيت، صحيح.. ده مازن مات، ازاي نسيت حاجه زي دي!.. ده مات قدامي، انا رجعت البيت وحتى ماعدتش على حامد وبلغته الخبر، بس كويس ماهو انا هبلغه ازاي إن ابنه مات؟.. مش كفاية كنت السبب في موته، لبست ونزلت للراجل اعزيه واخد بخاطره.. الموت حقيقي بيكسر، ومازن كان اكبر عياله وأول فرحته، ماكنتش عارف ابص في وشه!.. كنت حاسس بالذنب ناحيته، نص ساعة، ده الوقت اللي قدرت اتماسك فيه بعدها بدأت أحس اني هانهار واقوم احكي لحامد على كل حاجة عشان كده استأذنت ومشيت، ركبت عربيتي وبدأت الف بها كالعادة.
لما رجعت البيت كانت الساعة تقريبًا داخله علي 12 الليل، كنت جعان اوي، بقالي كام يوم مأكلتش!.. وقفت في المطبخ مش عارف هعمل ايه؟.. وفجأة سمعت صوت جرس الباب، روحت ناحية الباب وفتحت.. بس الغريب انه ماكنش في حد بره، فضلت واقف مستغرب، ماهو انا ممكن يتهيألي ان الباب بيخبط ويطلع مابيخبطش؛ عادي بتحصل، لكن إن الجرس يرن وملاقيش حد!.. فده مش عادي، قفلت الباب ورجعت المطبخ تاني واول ما وصلت الجرس رن مرة تانية، المرة دي وقفت جنب الباب ومافتحتش استنيت دقيقه والجرس رن، فتحت الباب بسرعة، بس.. بس الجرس كان بيرن لوحده، ماكنش في حد واقف قدامه، حسيت بهوا سخن بيخبط في جسمي، ماهتميتش وقفلت الباب ورجعت المطبخ أكمل الأكل اللي كنت بعمله، وبعد عشر دقايق كنت خلصت، خدت الأطباق وخرجت من المطبخ وروحت ناحية الصالة، وساعتها لمحت زي خيال قاعد علي كرسي الانتريه، قربت من الأنتريه وولعت النور، عشان الاقي قدامي الساحر.. فركت عنيا وبصيت قدامي تاني واتأكدت إني مش بتخيل، هو الساحر، كان قاعد قدامي وعلى وشه نفس الإبتسامة السخيفة، كنت حاسس ان قلبي هيقف، مالحقتش اتحرك، وده لما شوفت ظلال سودا بتلف حواليا، وع لفتها حسيت اني بدوخ، كل حاجه قدامي كانت مشوشة، عينيا قفلت مره واحدة وفقدت الوعي.
فوقت بس أول ما حاولت اتحرك لاقيت ايديا مربوطة ورا ضهري، وكان في حاجة محشورة جوة بوقي كاتماه، ماكنتش قادر أصرخ أو أستنجد بحد.
مش عارف عدى وقت قد ايه عليا وأنا كده، بس كانت فترة طويلة أوي، المكان كله كان ضلمه مافيهوش أي نور، وماكنتش عارف أنا فين أو حواليا ايه!
فجأة في حاجة نورت في وسط الضلمة دي، كانت شاشة، بس مش فاهم اي اللي بيتعرض عليها ده، ده مدخل العمارة اللي انا ساكن فيها!
ايه اللي جاب الصحفيين دول كلهم هنا، معقوله يكونوا عرفوا ان مازن اتقتل بسببي ومتجمعين عشان يغطوا لحظة القبض عليا!.. طب انا فين؟.. أنا اخر حاجة فاكرها اني كنت في البيت والساحر! ايوة الساحر.. الساحر كان قاعد قدامي، يعني هو اللي …
وقبل ما اكمل كلامي صوت عربية الاسعاف قطع حبل أفكاري
عربية إسعاف قدام العمارة، وفي ناس من اللي شغالين معايا في الإعداد واقفين بيتعمل معاهم لقاءات تلفزيونية، ده مدير اللوكيشن وده المعد هو ايه اللي بيحصل بالظبط…
شوفت المراسلة ساعتها واقفة وبتسألهم…
– تفتكروا الساحرهو السبب في اللي حصل للزميل عزيز سالم؟
رد عليها هشام المعد بتاع البرنامج وقال:
– مش عايزين نسبق الأحداث؛ كلنا مستنين نعرف ايه اللي حصل!
– بس اشمعنا يجراله كده بعد حلقة الساحر بالذات؟
– صدقيني ماعرفش وماعنديش معلومات أزيد من اللي كل الناس عرفاها.
– طب وانت؟
رد عليها صبري مدير اللوكيشن وقال بنبرة حزن:
– أنا حاولت كذه مره اخليه يلغي فكرة استضافة الساحر دي، بس هو كان مصمم، تفتكري بعد ما عزيز فضحه كان هيسكتله! أكيد اللي حصله ده بسبب الحلقة.
– يعني انتوا كمان كفريق بيشتغل معاه ممكن تكونوا في خطر، لانكوا ساهمتوا في الحلقة دي!
فجأة المراسلة التزمت الصمت وكلهم بصوا علي المدخل، كان في ناس نازله منه! لابسين يونيفورم الاسعاف، وسمعت الناس اللي واقفة بتخبط كف على كف وبتقول لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، ماكنتش عارف بيحصل ايه ومش فاكر ان يوم ما نقلنا مازن كان في صحافه أوتصوير، فجأة الكاميرا جت ع النقالة وظهر وش الشخص اللي نايم عليها!
كان حد شبهي أوي بس ازاي!.. انا عايش اهو، اومال مين ده؟!.. شوفت ممدوح صاحب عمري بيبكي عليا اول ما دخلوا شبيهي ده جوة عربية الاسعاف ودخل لوحده جوة العربية ورفض حد تاني يركب معاه، وفضل يعيط ويقول مع السلامة يا عزيز…
كنت حاسس اني بتخنق، بس في اللحظة دي في ايد اتمدت من ورايا وشالت اللي علي بوقي وسمعت صوته، كان بيضحك…
انت في نظر الناس كلها ميت، بس بالنسبالي عايش، واللعبة لسه هتبتدي.
– أنت عايز ايه؟
– أنا مش عايز منك حاجه يا عزيز، أنت اللي كنت عايز مني! وأنا جبتك هنا عشان أرد علي سؤالك اللي سألته في الحلقة، فاكره ولا أفكرك بيه؟.. عارف أنا ماردتش ليه ساعتها؟.. عشان كنت مستني أشوف في عينيك نظرة الخوف دي في عينيك، أنت فاكر اني محتاج مجهود عشان أعرف ماضيك؟!.. تبقى غبي، أنا معايا في خدمتي أعتى مردة الجان مش مارد ولا اتنين دي قبيلة كاملة، كنت عارف اللي هيحصل في الحلقة وبرغم كده جيت عشان مافيش حاجة اخاف منها!.. انا مخاوي وكافر والناس كلها عارفه كده، وبتجري ورايا عشان تنول رضايا واحللهم مشاكلهم.
– مين اللي شبهي ده؟ انت ازاي عملت كده؟.
انت فاكر إن ممدوح صاحب عمرك بجد ولا ايه؟.. كنت بتقول عليا إني كلب فلوس، بس ماتعرفش اننا كلنا واحد سواء انا أو انت ولا حتى ممدوح، اللي أول ما رميتله كام ألف باعك في ثانية ووافق يشترك في التمثيلية الخايبة دي، ماهو أصل انتوا كلكوا كده، بتصدقوا الصورة وبتنسوا الأصل، وانا خليتهم يشوفوا الصورة اللي انا عايزهم يشوفوها، جثة لواحد تاني محطوط على وشه مسك يشبهك، بقيت عزيز الله يرحمه، وماحدش هيفكر يدور عليك تاني، اتأكدت دلوقتي إني ساحر؟
صرخت فيه وانا بحاول أفك نفسي من الربطة اللي ربطهالي…
– انا مش هسيبك، انا هوديك في داهية انت والكلب اللي اسمه ممدوح.
– مش ده لو خرجت من هنا عايش يا عزيز!.. انت فاكر اني خايف منك أو من الناس!.. ده انا كفرت باللي خلقني يا عزيز وماخوفتش من عقابه، هخاف من حد بايدي مصيره!
كل اللي كنت فاهمه انه ناوي ياخد حق اللي عملته فيه على الهوا، بس ازاي ماعرفش، قعد علي الارض وربع وحط ايده علي النار وبص لي وقال…
بحق اللي اتخلق منك احكي ماضيه، عينيه اتكست أسود زي يوم المستشفي، وشهق وبص للسقف قبل ما يقول بصوت تخين…
– عزيز ابن صباح، بعد موت أهلك سكنتك الأرواح، كنت بتدخل تعيط في الحمام وتكلم نفسك قدام المراية، خالتك خدتك وودتك لمعالج عملك ترميم في ذاكرتك بالقرآن، بس للاسف كنت بتشوف اللي كان بيحصلك زمان في كوابيسك، وده لأن قرينك ساعتها كان بيبقي نشط، والمعالج ماقدرش يسيطر علي قرينك، فخالتك خدتك وراحت الحرم وهناك دعتلك وسمعها شيخ! أخدك ورقاك وخلاك تتوضى بمايه زمزم ومن يومها البركة حلت عليك، وبقيت من نجاح لنجاح، لكن الدنيا غدرت بيك وخدت منك خالتك، بس انت حياتك ماوقفتش عليها وكملت عادي، لحد ما وصلت لليوم اللي اتجرأت وفكرت تتحداني فيه.
ماكنتش عارف أرد عليه أقوله ايه، كل كلامه صح، انا غلطت بس مسنحيل أطلب منه العفو أو السماح.
– اللي بتفكر فيه ده مش هينفع، أنا مابسامحش، انت كده كده ميت بس انا عندي لك مهمة صغيرة قبل ما تموت، يمكن تنقذك من حكمي ويمكن لا.
– ايه هي؟ هعمل أي حاجة بس سيبني أعيش!
– تكفر باللي خلقك.
– نعم؟!
– تكفر بربك وتآمن بيا أنا وبأتباعي!
– مستحيل.. مستحيل اعمل كده.
– يبقي انت اللي حكمت.
قرب مني وشدني من هدومي وسحبني على الأرض، لحد ما رماني في وسط دايرة كانت مرسومة وحواليها طلاسم كتير، رماني وسطها وبعدين مسك سكينة وقرب مني، كان معاه عضمه مكتوب عليها طلاسم وقال لي…
– معلش مضطر بقى أفتح بطنك وافضيها عشان أحط العضمة دي جوه وهخيط تاني ماتخافش مش هسيب بطنك مفتوحه.
كنت بزحف لورا عشان اهرب منه بس هو كان أسرع!.. قعد بركبته على صدري وبدأ يغرز الابرة ويخيط بوقي، كنت بصرخ من الألم! كان بيهمس في ودني ويقولي…
– اهدي كل حاجه هتخلص قريب.
خيط بوقي والمكان اتغرق بالدم، ومن كتر النزيف بدأت ادوخ، ساعتها شوفت ايده ماسكة السكينه ورايح بها ناحية بطني وبعدها شق هدومي، ومافيش ثواني وحسيت بالسكينة وهي ماشيه فوق جسمي، وبالتدريج بدأت الدنيا تضلم ونفسي بقى أبطأ، كان بيشد حاجات من بطني وبيقطع فيها، كنت عارف انها النهاية، غمضت عيني وانا بقول يارب.. يارب يمكن ماكونش أحسن حد بس انا عيشت ومُت وانا ومؤمن بيك وبحبك، واخترت الموت على إني أكفر بيك!.. انا كده خلصت قصتي وحكيتلك كل اللي حصل معايا في حياتي، فاضل بس اقولك انه بعد ما خلص، خد جثتي ودفنها في الصحرا في المكان اللي بدأت فيه حكيتك.
******
كنت قاعد بسمع وجسمي كله بيترعش، أنا ايه اللي جابني هنا يلعن أبو الفضول، الراجل شال ايده من علي دماغ الواد عشان يرجع بعدها لطبيعته، وهو ييكح وهدومه كان عليها رمل زي مايكون كان في الصحرا فعلًا، فوقت علي ايد الراجل وهو بيهزني ويقولي…
– اديك عرفت كل اللي انت كنت عايز تعرفه، محتاج تعرف حاجة تانية؟
قولتله بإرتباك…
– لا.. لا.. مش عايز أعرف أي حاجة، كفاية الي سمعته.
– طب ايدك بقى على المعلوم.
– خد.. خد اللي انت عايزه.
اديته فلوس أكتر من اللي اتفقنا عليها وخرجت أجرى من المكان وانا حاسس إن جسمي كله بيتفض، بس وانا بجري كنت حاسس زي مايكون في حد بيجري جنبي، لكن لما بصيت مالقتش حد، كل اللي سمعته صوت ضحكة عالية في وداني، وحد بيقولي…
انت اللي حفرت قبرك بايديك.. استعد للموت.
فضِلت فترة طويلة بعدها مش قادر استوعب اللي حصل يومها، كل ده كان بسبب فضولي، فضولي إلي بدأ يوم ماشوفت.. للأسف مش هقدر احكي دلوقتي بس أكيد هرجع تاني واحكيلك اللي شوفته واللي كان بداية اللعنة عليا.
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى