قصص

قصه تل حفيظ

القصة مستوحاة من قصص متداولة بين أهالي العراق
لسه لحد دلوقتي بتجيلي كواب.يس، هي مش كوابي.س بالظبط، ذكريات على مؤثرات زيادة مرع.بة من عقلي الباطن، مفيش حاجة محوقة، لا مهد.ئات ولا جلسات ولا استشارات مع دكاترة مخ وأعصاب…
فاكر ليلة معينة، الحلم فيها كان حي، حي قوي، كإني لسه كنت هناك، فضلت الف حوالين نفسي، الأربعة كانوا مي.تين، اللي منهم جسمه مقسوم نصين واللي راسهم ودراعاتهم مف.صولين عن أجسامهم، والد.م في كل حته، بحيرات صغيرة..
الد.م مش بس على الأرض، أنا كمان كنت ب.نزف، جنبي لزج من كتر الن.زيف، ألم رهيب…
عايز أصر.خ، مش عارف، مفيش مفر، هي مسألة وقت عبال ما يلاقيني، الأرض كلها مكشوفة ليه…
شفته بيقرب مني، لاقاني، وبعديها الصورة اتهزت وبداله بقت الكائنة المشعرة اللي بتتكلم ..قالت لي:
=هسيبك تعيش..الدنيا ممهدة ليه، الناس دماغها اتغسلت..بقوا ياكلوا في بعضهم، كل اللي الد.جال هيعمله هو زقة صغيرة…
“أنا هنا فعلًا!”
المفروض كنت روحت البيت، سافرت على السفينة اللي نجدتني من الجزيرة، الرحلة كانت طويلة أوي، عدت عليا كإنها سنين كاملة، مصدقتش لما شفت باب البيت، ساعتها بس انهرت، ولما دخلت مكنش في حد، مراتي لسبب ما مكنتش موجودة، دخلت على أوضة النوم علطول، ماكلتش، مكنش ليا نفس، كل اللي كنت عايزه هو إني امدد، مقومش…
عملت كده، مستحمتش، مغيرتش حتى هدومي الدايبة من د.م كل اللي كانوا معايا في الرحلة، عيني كانت مغمضة نص تغميضة لما شفته واقف على طرف السرير وبيقول:
-أنا هنا فعلًا، أنا خرجت، ابشر الد.جال خرج!
=لأااااااااااااااا.
قمت مف.زوع وأنا بص.رخ، شعري وهدومي كلها مبلولة من العرق، إديت ضهري لمراتي وبصيت في الفراغ قدامي وأنا بنهج…
-نفس الحلم؟
مقدرتش ارد علطول، نفسي انتظم وبعدين رديت:
=مع شوية تطورات، ده غير إنه بقى حي أكتر..
-انسى بقى يا “مجاهد”، فاتت 3 سنين، أنت سبت الجزيرة، اللي حصل حصل وخلص…
ما هو برضه مش كل يوم ممكن بني آدم يتعرض لتجربة زي اللي اتعرضتلها، مش حد داس على رجلي بالغلط، دي جزيرة مر.عبة، عليها غوريلا بتتكلم وراجل ليه قوى خارقة وبيقدر يسيطر على عقول البشر ويقت.لهم بأبشع الطرق ومن غير ما يلمسهم وبيخليهم يفقدوا إيمانهم…
أنا ممشيتش أقول للناس إن الخلاص قرب وإنه هيطلع من الجزيرة، خلاص إيه وبتاع إيه، ده ابتلاء، بس حكيت للناس القريبين مني، زي مراتي مثلًا وأصحاب القناة الوثائقية اللي بشتغل فيها، لكن محدش صدقني، حللوا الموضوع إن السفينة خبطت مثلًا في شعب مرجانية واتكسرت بالقرب من جزيرة مهجورة والنتيجة إن الناس غرقت أو ما.تت من الجوع والعطش وأنا فضلت لوحدي على الجزيرة فترة، خلالها جالي جفاف من قلة الأكل والميه وده سببلي هلاوس وخلاني اتخيل كل الأحداث اللي حكتها، معقول، معقول يكون ده صح؟ لأ، أنا متأكد من اللي شفته، زي ما بقى عندي يقين بالله وبتعاليمه وحكمته، عندي يقين إني مكنتش بخرف…
لكن الحياة لازم تستمر، ولو حتى فوق أكوام ج.ثث…
والحياة بالنسبة للقناة هي البرنامج بتاعنا، اللي متبقاش فيه غيري، وكان لازم يكمل حتى من غير فريق العمل القديم اللي بفضله بعد ربنا سبحانه المشاهدات بتاعة القناة بقت في السما، ومين اللي بقت مهمته يجمع فريق جديد ويبقى مسؤول عن البرنامج؟ العبد لله، وكان عندهم استعداد يستنوني لحد ما اتعافى تمامًا، بغض النظر عن المدة اللي هتعالج فيها، أنا؟ أجمع فريق؟ وابقى مسؤول عن البرنامج؟ أنا هكون مكان “غانم”؟ محدش يقدر يبقى زيه، وأكيد مش أنا اللي هبقى مكانه، “غانم” كان موسوعة ماشية على الأرض وعنده قدرة يشم الأماكن اللي فيها الغاز تاريخية والمواضيع اللي هتعمل ضجة، ده غير قدراته في الإدارة وخبرته في التعامل مع الناس ومهاراته في الإقناع، أعمل أنا ايه بقى في كل ده؟
مهمة تقيلة، تقيلة، كنت شاكك إني أقدر عليها، لكن سبحان الله قدرت…
لقيت نفسي وحدة وحدة بجمع فريق جديد من علماء التاريخ والآثار والمستكشفين، وكلهم كان بيجمعهم طبع واحد، حب المغامرة والقلب الم.يت، ومع الوقت مهاراتي اتطورت، صحيح الحل في حالات كتير بيبقى في الوقت، الوقت ولو مقدرش ينسي لكن بيخفف الألم والذكريات المزع.جة، وبيخلي الواحد يتقن حاجات كان فاكر إنه مستحيل يعملها، وانا كنت مضطر اخد عجلة القيادة وأبقى المسؤول، وغصب عني بقيت قد المسؤولية، وعملنا حلقات كتير، موسم واتنين وتلاتة وأربعة، وكل موسم حقق نجاح أكبر من اللي قبله، مواضيع مختلفة، أماكن في حتت متنوعة في العالم كله، كهوف ومعابد وحفريات وتوابيت، وحتى مدن مدفونة تحت الأرض وفي قاع البحر، والدور جه على منطقة معينة غامضة وكانت هتعمل الضجة اللي الناس متعودين عليها من البرنامج…
هو اقتراح من واحد من الفريق، لقيته في يوم داخل عليا في المقر بتاع القناة في القاهرة، وشه منور وبيقول بتحمس:
-عمرك روحت مكان مسكون يا “مجاهد”؟
=ليه يا حبيبي السيرة دي؟
-بتكلم بجد، عمرك روحت مكان مسكون؟
=لأ الحقيقة محصليش الشرف، بس في أماكن مرع.بة أكتر من الأماكن المسكونة.
-إيه رأيك بقى في منطقة كاملة مس.كونة؟
=رأيي في إيه؟
-نروح هناك ونعمل حلقة عنها.
=”كيرلس” أنت فاهم غلط، إحنا مش برنامج بتاع استكشاف الأماكن المسكونة والمع.فرتة، في برامج تانية ده تخصصهم، إحنا بتوع آثار وتاريخ.
-ما هو المكان ده بيجمع ما بين الاتنين، هو مكان قديم أوي، يقال إنه من آلاف السنين.
=بتقول منطقة كاملة، مش مأهولة يعني بالسكان؟
-في سكان في المناطق اللي حواليها، لكن الجزيرة لأ، محدش يتجرأ يسكن فيها..
= جزيرة؟ معلش هي فين دي بالظبط؟
-في العراق، شوية بيقولوا جزيرة، شوية بيقولوا تلة، هي اسمها “تل حفيظ” في محافظة “ميسان”..
للحظة كنت نفس الشخص المهزوز المرع.وب، اللي اتعرض لصدمة وكان زي الورقة الخفيفة الدبلانة اللي شوية رياح ممكن يطيروها من مكانها، كل ده عشان سمعت كلمة “جزيرة” وتخيلت إنه ممكن يكون قصده عليها..
=طيب، ماشي، في عنصر إثارة، لكن إحنا كصناع محتوى وثائقي، التل ده هيبقى مهم بالنسبة لنا في إيه؟ هيضيف إيه لينا وللجمهور؟
-مبدئيًا كده في كذا رواية عن تاريخ المنطقة، وفي…كنوز، يقال يعني.
=كنوز؟
-تخيل، سواء الكنوز دي بقى عملات أو آثار موجودة من آلاف السنين، واحنا اللي نكتشفها، إيه، التل ساعتها يضيف ولا ميضيفش؟
كنوز؟ يا ترى إيه هي الكنوز دي؟ أنا طبعًا أتمنى لو كانت مخطوطات أو آثار، ده حلم كل متخصص في التاريخ والوثائقيات، إنما بقى الياقوت والمرجان والدهب دي أحلام الناس العادية الطبيعية، الموضوع فعلًا مغري وأنا كنت شبه أخدت قرار خلاص، لكن في سؤال دار في بالي، إزاي محدش قدر يوصل للكنز ده قبل كده، مع إن المكان مش مجهول تمامًا، يعني في كلام عليه، وليه يا ترى التل ده مفيهوش سكان؟
بس، إيه السذاجة دي؟ ده تفكير سطحي، ما احنا ياما استكشفنا أماكن محدش استكشفها قبلينا، ده جزء من تخصصنا أصلًا، أنا هسيب الخ.وف يقيدني؟ عشان يعني سمعت كلمة “جزيرة” وحركت الفوبيا جوايا؟
“تل حفيظ”، هو ده مهمتنا الجايه، هروح أنا وفريقي على هناك ويأما نكتشف الكنز وبقايا المباني والآثار اللي هناك وده إحساس قوي كان عندي، يأما على الأقل نصور شوية في الجزيرة أو التل ومع الناس اللي ساكنين قريب ونسمع منهم القصص عن التل، كده كده الحلقة كانت هتبقى جامدة..
سألت كيرلس على تاريخ التل، ما هو مذاكر بقى وهو صاحب الفكرة، رفض يقول لي، قال إنه هيحكي في الوقت المناسب وفي الأجواء المناسبة، تمام كده، أخدنا التصريح من القناة وتوكلنا على الله…
أول ليلة بس استقلبنا حد من أهل ميسان عايش قريب من المنطقة اللي احنا رايحنها، على حد فهمنا واجتهادنا يعني! أصل الأقوال متضاربة، كلام كتير عن تل حفيظ وعن موقعه كمان، اللي يقولنا على بعد 10 كيلو واللي يقول لأ 20، في الشمال، لأ في الجنوب، تقييمي إن محدش فيهم شاف التل بجد ولا كنوزه وإنه مخفي وسط الصحرا المكشوفة، يعني هيبقى في مكان الناس من وقت للتاني بتعدي فيه بس معندهاش فكرة إنه هو ده التل، عشان مكتشفوش الكنوز..
مقدرناش ننام من التحمس في الليلة دي، احنا التسعة اتجمعنا في ساحة في البيت، كيرلس بدأ يتكلم:
-أظن دي اللحظة اللي كلكم مستنينها، خليني بقى أحكيلكم شوية عن تاريخ المنطقة اللي رايحنها، عن حكاية من الحكايات عن أصلها، اصل في كذه حكاية، الحكاية الأولى بتقول إن كان في 3 اخوات “عكر” و” أبو شذر” و”حفيظ”، كل واحد فيهم كان عنده مملكة عظيمة منفصلة عن التانية وقريبة منها والممالك كانت غنية وكعادة الممالك القديمة والحضارات العظيمة اللي سجلها التاريخ الحكام بيتغروا وبيبقوا فاكرين إن حكمهم دايم، قوي أكتر من الفولاذ
مفيش ضربة تأثر فيه ولا تهزه، وهنظلمهم ليه، يعني هم اللي كانوا بيتغروا وإحنا في العصر اللي احنا فيه ملايكة؟ أهي معادلات بتتكرر وطبايع البشر واحدة، خلينا في المهم، التلاتة اتغروا وبدأوا يفسدوا في الأرض، التفاصيل بقى عن فسادهم مش معروفة، بس في تقييمي كالعادة برضه في القصص دي إنهم زحفوا على أراضي مش بتاعتهم، حبوا يوسعوا مملكاتهم واتغاشموا حبتين، نهبوا ولا حرقوا الأراضي اللي هجموا عليها وعملوا كده برضه مثلًا مع شعوبهم أو فرضوا عليهم ضرايب جامدة أو استحلوا لنفسهم الستات اللي مش بتوعهم، يعني حاجات من دي، وبسبب طغيانهم اتعاقبوا بطوفان قضى على الممالك التلاتة كلها، ادينا أهو في منطقة “عكر” وكمان منطقة ” أبو شذر” موجودة فعلًا، أما بقى “تل حفيظ” فمحدش يعرف مكانها بالظبط، شوية يتقال إنها جزيرة وشوية إنها تلة، بس نيجي بقى عند التفصيلة المثيرة، يقال إن التلة محروسة، عليها عدد من الحراس اللي بيحموها من أي حد فضولي عايز يستكشفها أو ياخد فكرة عن كنوزها، مش جيش ولا حماية مدنية، الحراس مش بشر أصلًا، دول عدد من الج.ن، مهمتهم بس يحرسوا الكنز..
=يحرسوه إزاي بقى يا شهرزاد؟
سألته وأنا بضحك..
رد وقال:
-أظن دي حاجة هنعرفها بنفسنا لما نروح بكره!
=طب دي واحدة، إيه باقي القصص؟
-برضه هنعرف بكره، القصص هتبقى أحلى لما نندمج أكتر في الأجواء ونقرب من التل.
=ماشي يا ملك التشويق.
وبعدين الكلام خدنا في حته تانية، مواضيع كتير اتفتحت، الناس لعلعت لحد ما وصلنا إن الكل كان بيتكلم في نفس الوقت، فجأة حسيت إني نعسان، بدأت أفقر، فصلت وغمضت في مكاني وهم مكملين دوشتهم…
فوقت على إيدين بتهزني، “ترنيم” قالتلي بصوت هادي:
-يا مجاهد، قوم على أوضتك، أنت نمت، حرام تع.ذب نفسك بالنومة دي..
مكنتش قادر أرد، مجرد حركت راسي وقمت بالراحة، مشيت واحدة واحدة لحد الدور التاني ودخلت الأوضة واترميت على السرير، ملحقتش أغرق تاني في النوم، صحيت على خبط على الباب، 3 خبطات ورا بعض، مين اللي هيجي الساعة دي، حبكت يعني؟
أطنش ولا أفتح؟ أطنش..هطنش، مقدرتش، وبرضه قمت…
مشيت لحد الباب، وخلال المسافة دي كنت بسأل مين على الباب لكن الزاير مردش، فتحت وملقتش حد..
النوم طار من عيني، فقت، حاجة غريبة!
بصيت يمين وشمال في الطرقة الطويلة، مفيش أثر لحد، قفلت الباب، رجعت بضهري وأنا باصص عليه، اتلفت ناحية السرير ولقيتها قاعدة عليه…
جدتي “هدى”، وشها مكنش منور ولا حضورها مريح، مكنتش لابسة طرحة، شعرها كان أبيض، منتف ومنكوش، وجلد وشها مجعد بطريقة فظيعة كإن اللحم هيقع من على الوش ، بوقها اتفتح وخرج منه تعابين كتير صغيرة، كانت بتقول حاجة بس مش قادر أسمعها، صوتها واطي أوي، قربت منها وأنا جسمي كله بيترعش وأخيرًا سمعتها بتهمس:
-إيه اللي جابك هنا؟
صر.خت بأعلى صوت، فضلت اص.رخ واص.رخ، إيدين كتير اتمدت ليا، كانوا بيحاولوا يهدوني، طلع كابوس، وكنت لسه مع الفريق في الساحة، راحت عليا نومة ومتحركتش، “ترنيم” مصحتنيش ومطلعتش الأوضة، ده كله كان جزء من الحلم…
“فهد” جاب ميه ورشها على وشي، ساعتها بس بدأت أفوق وأدرك إني كنت بحلم وإني كويس ولسه قاعد وسطهم، كلهم كانوا مذع.ورين، سألوني، رديت:
=م…مفيش حاجة، متقلقوش، تلاقيه حلم وحش، أنا مش فاكره أصلًا، خير…خير…
إمتى بقى الجزيرة تخرج من جوايا والدج.ال يحل عن سمايا، مكنتش حابب أبدًا اتفضح قدام حد، بالذات اللي بيشتغلوا معايا ومسؤولين مني، بصوا على جزء من الانهيار، النفسية الهشة والفو.بيا اللي عندي، هو ده التشجيع المناسب لمغامرة جديدة؟
كل الأهالي اللي اتعاملنا معاهم رحبوا بينا وكانوا مضيافين جدًا، صاحب البيت اللي استضفنا نفس الحكاية، لكن كان مختلف شوية عن باقي الأهالي، كلهم كانوا بيحكوا قصص اسطورية عن الجزيرة والمغامرات اللي سمعوها من ناس راحت هناك، بس كانوا مستمتعين وبيضحكوا وهم بيحكوا، إلا صاحب البيت، أول ما استقبلنا قال بلهجته العراقية فيما معناه:
-اشمعنى تل حفيظ، ملقتوش غير المنطقة دي، ده العراق مليان أماكن أثرية، فيها حوالي 18 الف موقع اثري، والأماكن المكتشفة مكملتش الف..
رديت عليه ساعتها:
=واشمعنى أي موقع تاني، ما تل حفيظ زيه زي الأماكن التانية اللي لسه محدش اكتشفها؟
-لا، مش زي الأماكن التانية!
وبس، سكت على كده، محطتش في دماغي، لكنه كل شوية كان بيلمح ، يلف ويدور ويحاول يقنعنا نروح أماكن تانية، بصراحة اللي جه في بالي إن الراجل ده مش عايزنا نكتشف بقايا المعابد أو الآثار اللي هناك، قلقان على آثار بلده، عنده حق يقلق ودي حاجة تحترم، إحنا ممكن نلاقي هناك بقايا آثار من العصر البابلي مثلًا، مع إن أغلب السكان المحليين اللي قابلناهم قالوا إنها من العصر السومري، ايًا كان، حضارات كلها عظيمة، وممكن أصحاب الذمم اللي مش قد كده يطمعوا في الآثار أو الكنوز اللي يلاقوها، لكن مش إحنا، معلش، معذور، هو مكنش عارفنا ومش متابع البرنامج، ميعرفش إن البرنامج قايم على المصداقية والأمانة وإن الفريق يخاف على أي مكان أثري بيصور فيه أكتر من أهل المكان نفسهم…
قبل ما ننطلق الراجل قال لي:
-لسه في فرصة، فكر كويس، انت سمعت القصص من السكان، صحيح منقدرش نتأكد من قصة بعينها، لكن الكلام كتير عن تل حفيظ.
=مجرد كلام، مش كده؟ اصلًا مفيش حد اكتشف فعلًا المنطقة وإلا كان زمانها مزار سياحي..
-لأ، مش مجرد كلام، لو مش صريح كفاية معاك مش هسامح نفسي.
لأول مرة اتهز، بعترف إن كلامه ونبرته المرة دي أثروا فيا، لكن برضه دي مش أول مرة نروح منطقة مهجورة ونستكشف آثار وتوابيت أو مباني وأهل المناطق اللي حواليها يبقوا خاي.فين ويحكوا قصص عن حراس ولع.نة فراعنة وس.حر وغيره، ونفتح المقبرة أو المبنى ونصور ونرجع بيوتنا ونكمل حياتنا وميحصلش حاجة، دي حاجة طبيعية بنشوفها في مهمات كتير، الناس بمختلف جنسياتهم وبلادهم مخاوفهم واحدة، بيجمعهم الخوف من المجهول..
وصلنا بالعربيات قدام المستنقعات، العربيات وقفت، من ضمنهم عربية ضخمة كانت شايلة مركب، المركب نزل، والجماعة اللي معانا مشيوا بينا لحد آخر نقطة على البر ، ” كِرام” صاحب البيت حط إيده على كتفي وقال:
-انطلقوا أنتوا بالسلامة على المركب..
ابتسمتله وشكرته…كمل وقال:
-احنا هنستناكم هنا 3 أيام.
=3 أيام إيه يا عم ” كِرام”، إحنا مش هنغيب أكتر من يوم، يوم ونص بالكتير، سواء لقينا التل أو ملقناهوش، لو فرضنا ولقيناه هنصور ونرجع علطول، الحلقة مش هيبقى فيها معلومات كتير عشان معندناش علم عن الآثار والمنطقة هناك، ممكن نبقى نرجع تاني بعدين ونصور حلقات تانية، ده لو على فرض إننا عملنا الاكتشاف العظيم، في كل الأحوال أخرنا يوم ونص.
-وأنا بقولك هنقعد 3 أيام، يبقى عملنا اللي علينا، لو فاتوا هنلم حاجتنا ونمشي ومش هنرجع تاني!
كنت عايز اسأله، مليون سؤال ملح جم في بالي، بصتله جامد، حاولت أقرا ملامحه أكتر، أفهم يقصد إيه، الأكيد إن كلامه كان يخ.وف…
بلعت اسئلتي جوه بوقي ومشيت في اتجاه المركب..
كنت عارف إن الرحلة خلاص بدأت، مفيش مجال للرجوع، توكلنا على الله…
” كِرام” والرجالة كانوا واقفين على الشط، حافة البر، بيراقبونا كلهم في سكوت، المنظر كان ليه هيبة رهيبة، كل واحد فيهم واقف على مسافة من التاني، مش بيتحركوا أو يتكلموا مع بعض، أنظارهم ثابتة علينا واحنا بنبعد، زي الجمهور اللي بيحضر إعد.ام حد في الساحات العامة!
أحجامهم فضلت تصغر لحد ما اختفوا تمامًا…
الميه اللي المركب كانت ماشية فيها ضيقة ومحاوطها حشائش النهر الطويلة، بس كان واضح إنها عميقة أوي…
-دلوقتي اقولكم الجزء التاني من الحدوته…
انتبهنا كلنا ل”كيرلس” بعد ما قال جملته..
-يقال إن كان في تل في ميسان، التل كان متجمع فيه كنوز كتير، ثروة رهيبة، والكنوز كانت بتاعة راجل واحد، راجل عنده سلطة محدش قبله ولا بعده امتلكها، الملك سليمان النبي، وأي كنز لازمله حارس، وكنز زي ده عايز حارس من نوع خاص، حارس يقدر يصد أي محاولات للس.رقة بطرق محدش يتوقعها، واتعين الحارس، وكان اسمه “حفيظ”، و”حفيظ” مكنش إنسان، ده ج.ن، تخيلوا بقى معايا “حفيظ” ده شكله وصفاته إيه عشان هو اللي يتم اختياره لمهمة زي دي…
-اووه يا “كيرلس”، يعني إحنا رايحين نواجه مار.د يمكن سندباد البحري يكون واجهه قبلينا؟
“ترنيم” قالتله كده وهي بتتريق طبعًا.. أنا بقى اتعلمت درس مهم أوي فضل معايا لباقي حياتي، مفيش حاجة مستحيلة!
أي حدث مهما كان غريب ومش مقبول بالمنطق بتاعنا ممكن جدًا يكون حقيقي، إحنا بس اللي افقنا كبني آدمين ضيق حبتين، عقلنا صحيح في خرايط ومتاهات منتخيلهاش، بس في الآخر عقولنا ضيقة، وفي علم أكبر وعوالم لا يمكن نستوعبها، اتعلمت ده بالطريقة الصعبة، لكن في نفس الوقت اتعودت مسلمش دماغي لأي قصص بتتقال، الناس بتخاف وبتخترع خرافات حوالين أي حاجة مجهولة بالنسبة لها.
الساعة كانت لسه مجاتش 12 الضهر، صحيح كنا في أول شهر 12 والشتا هناك كان صعب لكن الدنيا كانت مشمسة، يومها واليوم اللي قبله، وده فجأة اتغير…
جت سحابة كبيرة غامقة وغطت الشمس والدنيا اتقلبت وبقت كئ.يبة أوي..
كلنا سكتنا في نفس الوقت وبصينا للسما، فضلنا على حالنا قرب الدقيقة، لكن في واحد فينا راسه اتحركت وبدل ما كان بيبص فوق بقى يبص تحت…
“شام” كان مركز أوي في الميه، وحتى بعد ما رجعنا نتكلم مع بعض والأمور رجعت طبيعية هو فضل باصص للميه، وفجأة سمعت صوت طرطشة…
=إيه اللي حصل؟ إيه الصوت ده؟
سألت وأنا مخضوض، محدش كان عنده إجابة، جه في بالي بسرعة خاطر، عديت الفريق بالمصور لقيتهم 7، في واحد ناقص، أنا حافظهم كلهم، كلهم مسؤولين مني كإني ولي أمرهم واللي مفقود هو “شام”!
من غير تردد قلعت البلوفر ونطيت في الميه في وسط صري.خ وتهليل من الفريق..
مكنش في وقت أسمعلهم أو أحاول أفهم عايزين إيه، في واحد وقع في أعماق المستنقع…
“يتبع”
#تل_حفيظ
#ياسمين_رحمي
“الجزء الثاني والأخير”
فضلت أغوص وأغوص، “شام” مكنش ليه أثر، الدنيا بقت كل مدى تضلم وراسي تتقل، أنا نفسي بقيت معرض للخطر وممكن أفقد وعيي في أي لحظة، لكن لأ، مش هخرج من غيره، مش هسيب حد من الفريق بتاعي ورايا..
وهناك في العمق لقيته…
كان ثابت في مكانه وعينه مفتحة على الآخر!
قدرت اشوف ده بالضوء الخفيف اللي موجود في الميه، عينه مكنتش بترمش وجسمه متخشب، حاوطته بدراعاتي من ورا واتحركت بيه لفوق…
خرجنا للسطح، الصريخ اشتغل لما شافونا، أصواتهم كانت عالية أوي، زي الديوك!
كنت بحاول أخد نفسي، غبت كتير تحت، نفسي اتقطع…
حطيت جسم “شام” على المركب وعملتله تنفس اصطناعي لحد ما خرج ميه من بوقه وكح، استعاد وعيه..
كان هاين عليا أخد الكاميرا وأكسرها على دماغه حتى لو كان اتزحلق ووقع، الخ.ضة لوحدها كانت هتقضي عليا.
حرك جسمه شوية شوية وقعد، كان بيلف بعينه حوالينا كلنا وبيستوعب هو فين ومع مين…
=إيه اللي حصل؟ وقعت إزاي؟
-كان بيلمع أو…ليها كلمة أقوى “بي…” بيتوهج..
=نعم ياخويا؟ هو إيه ده اللي بيتوهج؟
-نور أخضر ظهر من تحت الميه، كان جذاب أوي، مدرتش غير وأنا بنط جوه الميه عشان أروحله…
=أنت بتقول إيه يا “شام”؟ نور شكله عامل إزاي؟
-نور ساطع، زي ما بقولك، توهج، عارف زي النجوم وضوئها، مش بيبقى نور ثابت، شبه النبضات، في بقعة معينة كان بيخرج منها نور أخضر فسفوري زي كده…
=وصلتله؟
-أيوه.
=شفته تحت؟
حرك راسه بيأكد ده…
=لقيت إيه؟
-كهف.
=نعم؟
-كهف تحت الميه، شبه الكهوف العادية بس تحت…
=دخلت في الكهف؟
-اه.
=وبعدين؟
-مش فاكر!
=مش فاكر إزاي؟
-مش فاكر، اللقطة اللي بعدها كانت وأنا هنا على المركب بعد ما فقت…لكن، في حاجة تانية.
=إيه؟ قول…
-كان في يافطة في مدخل الكهف مكتوب عليها باللغة العربية “الأمر لا يستحق، لا تطرق هذا الكهف”..
=أنت متأكد من اللي شفته، مكنتش هلاوس يعني؟ انت فقدت الوعي و…
-لأ، أنا متأكد، اليافطة والكهف موجودين…
=يبقى توكلنا على الله.
أمرت المصور يلبس النضارة وأنبوبة الأكسجين وأنا كمان عملت كده، كان لازم ننزل بنفسنا نشوف، لو كلام “شام” صح يبقى دي بداية الاكتشافات لتل حفيظ، والكهف ده كان لازم يتوثق ولو من بره، مش لازم كنا ندخله…
كذه حد منهم حاول يقنعني ينزل معانا وأنا رفضت، مش ناقص تشتيت أنا، هركز في الاكتشاف الأثري ولا فيهم وأبقى قلقان بقى حد يغ.رق والتيار يسحبه…
ونزلنا أنا و “شعبان”…
حاولت أوصل لنفس المكان اللي جبت منه “شام”، الموضوع أخد شوية وقت لكن في الآخر وصلنا، هناك قدامنا بالظبط كانت اليافطة ” الأمر لا يستحق، لا تطرق هذا الكهف” والكهف من وراها، لكن فين النور الأخضر؟ أنا بقيت متأكد إن الكلام اللي قاله “شام” مظبوط، ده النور الأخضر هو كان الدليل بتاعه أصلًا ولولاه مكنش وصل للكهف، وده بقى معناه إيه؟ يظهرله النور ويتشد ليه وينزل من غير ما يحس بنفسه من غير عدة الأكسجين، كإن النور استدرجه للكهف…
الكهف…هل يا ترى ندخله ونصور ولا نسمع للتحذير المكتوب على اليافطة؟
لأ، الموضوع ميستحقش الواحد يجازف بسلامته عشانه، بلاها دخول للكهف، كون إننا صورنا اليافطة والكهف ده من بره لوحده سبق وإنجاز ويعمل فرقعة مع باقي اللي كنا هنصوره بعد كده…
اديت ل”شعبان” الإشارة عشان يقفل الكاميرا ونخرج، قفلها واستعدينا نطلع…
لكن في طريقي شفتها…
سمكة ضخمة شكلها بشع، وشها مكرمش، عنيها واضحة ومحددة كإنها عيون إنسان، فاتحة بوقها على الآخر وسنانها مدببة، اتحركت بعص.بية كإنها بت.صرخ، كانت جايه بسرعة عليا، مستهدفاني أنا، ولما قربت مني لقيت إن ملهاش جسم، وش ضخم بس!
مفيش فايدة من المحاولة، مكنتش هعرف أهرب من السمكة، فضلت واقف مكاني مستني مصيري، حسيت بحاجة بتنتشني وبدأت اتحرك بسرعة لفوق..
خرجنا من الميه وطلعنا على المركب
بعد ما شلنا اقنعة التنفس وأنابيب الأكسجين “شعبان” قال لي بعص.بية:
-إيه اللي حصلك؟ اتجمدت تحت ليه؟
=عشان السمكة، هو أنت يعني متجمدتش؟
-سمكة إيه؟
=السمكة أم عيون واسعة وسنان مدببة، وكانت وش بس ملهاش جسم…
سمعت نفسي وأنا بقول الجملة بصوت عالي، بطأت في الكلمات الأخيرة، الكلمات لما رنت في دماغي أدركت قد إيه الكلام غريب ومش منطقي وفهمت برضه من نظرته إنه مشافش السمكة! أنا بس اللي شفتها…
“فهد” سأل بخوف:
-هو إيه اللي تحت بالظبط يا “مجاهد”؟؟ بلاش ننزل الميه تاني، نكمل تصوير لما نوصل للبر…
بااااس، وصِلِت! فهمت، إحنا دخلنا منطقة مش عادية واللي شفته مع اللي “شام” شافه ظواهر برضه مش عادية، وواضح كده إن الكلام بتاع السكان المحليين مش مبالغ فيه، المنطقة…مس.كونة…
وإيه السحابة الضخمة دي، معقول مش بتخلص؟ الشمس كانت لسه محجوبة، وبقى عندي إحساس قوي إنها مش هتطلع تاني…
-إيه ده؟
دي كانت “سلمى”، كانت باصة على دراعها وهي بتسأل:
وده عشان حست بنقط ميه بتنزل على دراعها، نقطة في التانية والدنيا فجأة مطرت…
الملفت غير إن المطرة كانت نازلة سيول، هو إن نقط الميه كانت حادة أوي، لدرجة إننا بدأنا نتوجع منها..
“سلمى” قالت:
-دي مش ميه دي نقط تلج صغيرة، التلج الجامد، جليد.
“ترنيم” حواجبها اتعقدت، الخطوط على جبهتها زادت وقالت:
-لأ، مش جليد، ده الماس!
ضميت كفيني في بعض وجمعت حبات من المطرة، الماس، السما بتمطر الماس…
زعقت:
=الكل يغطي راسه، اقلعوا الجواكيت أو امسكوا أي حاجة اتغطوا بيها، يالا!
كلينا غطينا راسنا بسرعة، الدنيا فضلت تمطر دقايق وكل شوية حد فينا يصرخ، الماس كان بيلسع أجسامنا كإنه سكاك.ين صغيرة حادة، وأخيرًا المطر وقف…
“ناديم” كان في وشي، وشه كان في حاجة مش طبيعية، في خط نازل من على جنب وشه وبيجري على كتفه، د.م!
سألت مين معاه إبره وخيط، راسه اتفتحت وكان لازم تتخيط…
الحمد لله الجرح مكنش كبير وهو فضل ثابت لحد ما طهرت الجرح بكحول وخيطته…
في شط بدأ يبان من بعيد، هنخرج من الميه أخيرًا..
“فهد” سأل:
-هو إمتى السما بتمطر ماس؟
رديت عليه:
=لما الميثان والكربون والهدروجين يتخلطوا ببعض والبرق يخبط فيهم بالشحنات الكهربائية.
-وده يحصل إمتى؟
=لما تبقى على المشتري أو زحل، لإن ده المناخ بتاعهم، على كوكب الأرض مستحيل!
دقات قلبي بقت سريعة أوي، كل ما نقرب من البر كل ما أخ.اف أكتر، قلتلهم خلينا نرجع تاني بالمركب لحد الأرض اللي فيها ” كِرام”، كلهم رفضوا، بالعكس كانوا مر.عوبين يرجعوا تاني الميه…
المركب وقف ونزلنا…
الجو كان مكه.رب، في المرحلة دي أظن كلنا أدركنا إن المنطقة فيها حاجة مش مظبوطة، عشان كده قلت ل”كيرلس”:
=احكيلنا بقى القصة التالتة.
بص لي، اللي هو بجد؟ ده وقته؟
أيوه ده هو ده وقته، كنت عايز أشغل الفريق بحاجة غير الظواهر العجيبة اللي عمالة تحصل…
حكى واحنا بنمشي في الصحرا:
-القصة التالتة بتقول إن تل حفيظ كان عبارة عن سج.ن للج.ن، وحارس الزن.زانة كان من نفس جن.س المس.اجين، ودول كانوا المتمردين من الج.ن والشيا.طين والحارس ملك من ملوك الج.ن إسمه “حفيظ”..
-الله بجد، قصة تريح الأعصاب أوي!
“شام” قال التعليق ده بنبرة ساخرة…
فعلًا، أنا شبه ندمت بعد ما سمعت القصة عشان خفت أكتر…
“شعبان” لقى ريح هبت فجأة بتراب الصحرا وشاف قدامه شجرة ضخمة مفيهاش ورق، أغصانها مدببة، سمعني بقول:
=ارفع الكاميرا يا “شعبان”، صور ده..
أخد باله من حاجة وهو بيبص من خلال الكاميرا، الدنيا..بقت ليل!
امتى؟؟ صحيح هي كانت غيمت والشمس اختفت بس ده ليل، ليل واضح بقمر في السما وكده، المفروض الساعة مجتش 5 المغرب، امتى الليل حل؟
ايده مكنش ينفع تتهز ولا ينفع ينطق بحرف، ده تصوير، لكن…في حاجة تانية أخد باله منها، أنا مكنتش موجود ولا أي حد من الفريق، “شعبان”..كان لوحده تمامًا في الصحرا…
وبعدين…إيه اللي بيتحرك على الشجرة ده؟ الفروع مبقتش ثابتة، بتتحرك بالبطيء، بتنزل لتحت وبتزحف عليه، دي مكنتش أغصان، دي تعا.بين!
تعابين كتير متجهة لشعبان اللي لسه ماسك الكاميرا على كتفه، ومش قادر يتحرك من الصدمة، مش مستوعب أصلًا، التعابين مبقتش جايه من اتجاه واحد، دول بيزحفوا من كل الاتجاهات، عدد مهول، أخيرًا قدر يطلع صوت، صر.خات بتعلى بالتدريج، لحد ما طلع ص.رخة هزت الصحرا كلها، ساعتها بس…لقيناه…
“شعبان” كان مف.قود 3 ساعات كاملين، من الساعة 5 لحد الساعة 8، كان جنبنا أول ما طلعنا من الميه وبعدين فجأة اختفى، قعدنا ندور كتير، رجلينا ورمت واصواتنا اتنبحت، مكنش ليه أثر، زي ما تكون الأرض انشقت وبلعته…
جرينا على مصدر الصر.خة ولقيناه في حالة انهي.ار، مسكناه وزعقنا فيه، فين وفين عبال ما فاق، سألنا كنا فين، ردينا عليه وسألناه هو اللي كان فين، قال إنه أول ما خرج من الميه ويدوبك بعد شوية تمشية صغيرين سمعني بقول له يرفع الكاميرا ويصور، وكنت بشاورله على شجرة من غير ورق، فيها أغصان مدببة بس، أنا ولا قلتله يصور ولا حد فينا شاف الشجرة!
ولما حكى عن موضوع التع.ابين دمنا هرب مننا…
=يا جماعة أنا بقولكم نمشي من هنا، يالا بينا على المركب ونرجع، كل لما بنغوص في المكان المريب ده كل لما الوضع بيبقى خط.ر.
رد عليا “عبد الشافي”:
-يا سلام، يعني في العتمة دي الأهوار مش هتبقى مرع.بة، مش قلقان من اللي جوه الميه؟ لأ احنا نقعد هنا، نستقر، منمشيش ونفضل مع بعض لحد ما الصبح ييجي وبعدين نرجع..
الكل صدق على كلامه وشافوا إنها فكرة كويسة، إلا أنا، أنا اللي للأسف عندي خبرة في المواقف اللي شبه كده، عارف إن كل ما نهرب أسرع كل لما يبقى أحسن، الرع.ب اللي في الميه ميجيش حاجة جنب رع.ب الأرض وده عشان واضح إننا كنا بنقرب من موقع مينفعش نكون فيه…
=يالا يا جماعة نمشي من هنا دلوقتي أبوس إيديكوا.
-بلا أبوس إيديكوا، بلا رجليكوا، مش هنتعتع من هنا لحد الصبح وبعدين…
“عبد الشافي” مكملش جملته، رجله اتزحلقت، وجسمه بدأ يغوص في الرمل..
اتعكبل في إيه؟ اتكعبل ازاي؟؟
صرخت فيهم:
=يالا معايا كلكم، بسرعة..
جرينا عليه وكلنا فضلنا نشده، المفروض إنها كانت رمال متحركة، غرز فيها وفضلت تسحبه، مع كل حركة كان بيغوص أكتر..
=بس، بس، سيبوه…
“عبد الشافي” كان غرز جامد وفي المرحلة دي خطر إننا نشده، المفروض كان يبقى هادي…
لمحت شجرة صغير بالقرب منه، لو مد إيده كان هيعرف يمسكها، قلتله يعمل كده وبعدين جت في بالي فكرة تانية…
قلت:
=”عبد الشافي” أنت بتثق فيا؟
هز راسه بيأكد على ده، مكنش قادر ينطق… كملت:
=غمض عينك وأفضل ماسك في الشجرة واقرا قرآن، اقرا آية الكرسي
عمل بالظبط اللي قلته، وهو بيقرا كنت بقول له يهدا على قد ما يقدر عشان يركز وميتلخبطش في الآية…لقيناه بيقوم وبيتحرك في اتجاهنا…
“ترنيم” سألت:
-رمال متحركة؟
لمحت صخرة كبيرة، شلتها ورميتها على نفس الموقع، الصخرة متحركتش…
جاوبت بعدها:
=لأ، مش متحركة.
وقتها خلاص، مبقناش قادرين نقف على حيلنا، تقريبًا كلنا بقى عندنا يقين إننا مش هنرجع تاني، مرحبًا بنا في “تل حفيظ”…
بعديها وقعنا واحد ورا التاني، كل واحد في مكانه، وقعنا قاعدين! اتسمرنا مكاننا على الأرض، حراس التل مش هيخلونا نخرج، وأحسن سيناريو كان إننا هنفضل هناك في البقعة دي لحد ما نم.وت لوحدنا…
“شام” رفع راسه وسألني:
-تفتكر يا “مجاهد” في كنز فعلًا؟
=بجد؟ أنت لسه شايف إنه كنز أصلًا، ده لعنة!
-أنت فاهم قصدي، يعني في دهب ومجوهرات وكده؟
=أنا متأكد من ده، اللي بييحصل هنا من فعل حراس بيحموا حاجة غالية أوي، أيوه الكنز موجود..
فضلنا ساكتين ساعتين مثلًا بعدها، محدش اتجرأ يغمض عينه، مركزين في النار اللي مولعينها قدامنا…
إحنا مش لوحدنا!
الجملة دي اتقالت بتحمس من حد فينا، مركزتش كان مين، المهم الخبر نفسه، قمنا كلنا نشوف اللي يقصده صاحب الخبر…
فعلًا، كان في ناس، وده عرفناه من الدخان اللي شفناه في موقع معين، بس الغريبة إننا استنينا يظهر حد ومحدش ظهر، اللي ظهرت هي بقعة نار فضلت تعلى مع نفسها، وبعدها بقعة نار تانية جنبها بشوية وبقعة نار تالتة جنبهم بشوية، وكل كام ثانية تظهر بقعة نار جديدة، لحد ما اتحاوطنا بيهم!
بعد كدهسمعنا أصوات، كإن ناس بتتكلم، بس مع التركيز ده مكنش كلام، مش زي أي لغة بشرية، حروف كده ملخبطة واللي بينطقوا بيتكلموا بسرعة أوي وصوتهم مز.عج كإنهم مجموعة كبيرة من الغربان، نعيق مش كلام…
والنعيق بدأ ياخد نمط معين كإنه بيتلحن، ومعاه سمعنا أصوات طبول عالية من كل جهة، وبدأنا نشوف ضلال بتتمايل كإنها بترقص!
كل الفريق كان هيبدأ يتحرك، طبعًا كانوا هيجروا ، لولا إني مسكت اللي جنبي وشاورت بإيدي على بوقي وأنا ببص للكل وبنبههم ميتكلموش ولا يتحركوا، وإننا منبصش للحفلة ونديهم ضهرنا ونبص قدامنا، كل ده بالإشارة…
وده اللي عملوه، كلنا مسكنا في إيد بعض ورعشة الإيد كانت مُعدية، زي ما نكون موصولين بمصدر كه.ربا واحد..
بعد شوية النعيق قرب ومعاه خطوات، وقرب اكتر وقرب، كانوا في ضهرنا مباشرة، سخونة رهيبة، كإننا جوه فرن حرارته عالية جدًا، غمضنا عنينا من غير ما نتفق، حسيت بنفس سخن على ودني وضحكة خافتة، ضميت صوابعي في كفي ودموعي نزلت غصب عني وبعدين..كل حاجة اختفت!
الأصوات سكتت والنيران مبقتش موجودة، اتلفتنا ورانا، اللي متبقي كان دخان كثيف خارج من كل الرملة، كإن الأرض كلها كانت بتولع نار، والنار اتطفت…
=مش يالا بينا!
الكل في نفس واحد رد:
-يالا…
وبدأنا نمشي بسرعة في اتجاه الميه، كنا قطعنا مسافة كبيرة من الميه للصحرا، لكن مكناش هنقف، مش هنستريح، اتأكدنا إن الطريقة الوحيدة للنجاة هو إننا نبعد ونرجع مطرح ما جينا، هو ده كان هدفنا…لولا….
لمحت عواميد ضخمة مكسرة على بعد مسافة، بقايا مبنى متهالك!
=”شعبان”، إمسك الكاميرا وتعالى معايا..
-بتقول إيه يا “مجاهد”؟
=دي أهم حاجة، ده الغرض من الرحلة كلها، هنصور بسرعة ونمشي، مش هنقعد كتير..
“شعبان” كان في حالة ذهول وأنا كمان، مش عارف إزاي اتشديت للمبنى ده وكإن معنديش إرادة…
دخلنا المبنى، فضلت أمشي وهو ورايا، مكنتش عارف المفروض اقف امتى؟ ونصور إيه بالظبط؟ واضح إن المكان ده قدبم قوي، أنقاض قصر كبير من آلاف السنين، عيني وقعت على ممر ضيق، دخلت فيه وعديت الناحية التانية والناحية التانية كانت عبارة عن ساحة ضخمة جدًا، وهناك قدامي صناديق كبيرة مترصصة جنب وفوق بعض، في صندوق معين منهم شدني دونًا عن غيره…
=شعبان..
مردش عليا، ناديته تاني، برضه مردش، بصيت جنبي، مكنش موجود ولا أي واحد من الفريق، انا كنت لوحدي، شيلت طوبة كبيرة من الأرض وفضلت أخبط بيها على قفل الصندوق لحد ما اتكسر والصندوق اتفتح…
وجواه كان دهب ومجوهرات…
عيني وسعت، كانت بتعكس اللمعان بتاع الجواهر، بجد، في كنز بجد! إحنا لقينا كنز تل حفيظ، فينك يا مصور، انت بتهرج؟ كلكوا بتهرجوا؟ أمال احنا جايين ليه؟ ازاي الكلام ده ميتصورش؟!
وأنا غارق في حسرتي سمعته…
صوت تأوه، غض.ب مكتوم، المشكلة إنه كان صوت عالي أوي…
الصوت كان جي من ورايا، خطوات تقيلة بتقرب، مع كل خطوة الأرض بتتهز، كإن زلزال قام… الصوت أتكلم لما قرب مني وقال:
-تتصور شكلي عامل إزاي؟
حركت أكتافي، اللي هو الله أعلم، على الله حكايتك..
-طب عندك فكرة انا مين؟
متهيألي كده كونت فكرة، حضرته أكيد الحارس وانا الشقي اللي اتسلل للكنز…
حسيت فجأة بحركة قدامي، لكن لما بصيت في مستوى نظري ملقتش حاجة، عيني نزلت لتحت لقيت كائن قصير جدًا، أقل من مستوى ركبتي، شعره طويل سايح، مغطي جزء كبير من وشه، فضل يحرك راسه يمين وشمال كإن عنده تشنجات…
-أنا ممكن أبقى أي حاجة، ممكن ابقى أسوأ كوا.بيسك..
سمعت عضمه بيطقطق وبدأ يتفرد لحد ما بقى طويل وعريض، شعره طويل واصل لآخر ضهره ودقنه لامسة الأرض عين من عيونه مقفولة و في نصها خط مكرمش والعين التانية مفتوحة، جاحظة ومش بترمش، الد.جال!
قال:
-جرى إيه يا مجاهد، هي مش قالتلك تبشر الناس بخروجي، وبعدين عامل لي فيها مسؤول عن فرقة وبتروح بيهم لأماكن مجهولة، فاكر نفسك “غانم”؟ أنت مش زيه، ولا عمرك هتبقى زيه، ولا هتحقق نص اللي حققه، “غانم” عالِم حقيقي، عبقري ومستكشف ومغامر، مش زيك، نص.اب ومهزوز وفاضي من جوه…
جسمي كله كان بيتحرك جامد وأنا بتنفس، سرحت قدامي لحظات وبعدين رفعت راسي ليه وقلت:
=صح، أنا مش “غانم”، مش انا اللي أسيب فريقي ورايا، محدش هينقص منهم، مش هيحصل طول ما أنا اللي مسؤول، هرجع كل واحد فيهم، أنا مش “غانم” وأنت مش الد.جال…
ابتسم، والابتسامة فضلت توسع وتوسع لحد ما جلد وشه بدأ يتشقق، أديته ضهري وجريت، عديت الممر الضيق ومنه على الساحة الأولانية اللي كنت فيها وبعدين العواميد ولحد بره القصر…
لقيت حفلة بره، عياط وص.ريخ من كل الفريق وزعيق “هو إنت إيه اللي دخلك ومكنتش سامعنا وإحنا بنقولك متدخلش؟ ولما شديناك زقتنا ودخلت، وكلام كتير من ده”
=يالا بينا بسرعة، جي ورايا.
“شعبان” سأل:
-مين ده؟
=متهيألي “الطنطل”.
-الإيه؟؟؟
=هنحكي في فقرة المعلومات واحنا راجعين على المركب.
وجرينا بأقصى سرعة لحد ما وصلنا للمركب وركبناه، وجينا نحرك فيه… مبيتحركش! مبيتحركش ليه؟؟ كإنه غارز في طين مش على الميه…
أصواتنا دخلت في بعضها، كلنا في حالة صدمة عص.بية وده عشان في حاجة ظهرت على البر من بعيد وكانت بتقرب بسرعة، كائن جلده رمادي بيمشي وهو لازق في الأرض كإنه نوع من الزواحف وعينه بتنور وسط الضلمة…
=شششش…اهدوا، لازم نفكر….في…في حد هنا معاه حاجة المفروض متخرجش بره تل حفيظ، الكنز مبيخرجش بره التل، افتحوا شنطكم كلها وطلعوا جيوبكم من البناطيل…
الكل عمل كده، محدش معاه حاجة مش بتاعته، مفضلش غيري…
لما ركزت لقيت إن جيبي تقيل، مديت إيدي جواه وطلعت…جوهرة!
أنا اللي أخدتها من الصندوق اللي فتحته من غير ما أدري، كإنها ندهتني، أجبرتني اخدها…”الطنطل” كان على حافة البر،خطوات ويوصلنا وكان شكله بيستعد ينزل الميه…
رفعت إيدي ورميت الجوهرة بأقصى قوة والجوهرة …وصلت الأرض…
والمركب بدأت تتحرك…
الطنطل وقف، ثبت مكانه كإنه تمثال…
وبعد لحظات الأرض اختفت! محدش فينا بقى شايفها، مجرد مساحات ممتدة من الأهوار أو المستنقعات، ميه وحشائش وبس.
الوقت عدى ومتكلمناش ولا كلمة مع بعض تقريبًا لحد ما وصلنا البر التاني…
في واحد كان ممدد قرب مستنقع، معاه عدد من المعارف مستنيين المستحيل، المركب اللي مش هييجي، لكن فجأة صاحبنا قام من مكانه، قرب ببطء لحد حافة المستنقع واتأكد من اللي شافه، المركب وصل، المركب اللي إحنا عليه، ” كِرام” جتله هيستيرية ضحك من الفرحة، مكنش مصدق نفسه…
مد إيده وبقى يمسك في واحد واحد يعديه من المركب للبر…
لما جه الدور عليا قلت له:
=قلتلك يوم، يوم ونص بالكتير…
-شفتها؟
=شفت إيه؟
-حفيظ، الجزيرة، وصلتولها؟
=وهو حد قدر يوصلها، هو السراب بيتمسك؟
من باب الفضول شغلنا الفيلم اللي في الكاميرا لما رجعنا بيت ” كِرام”، اللقطات كلها تشويش، مفيش حاجة اتصورت! مش مهم، الكنز في الرحلة، أهو كلام بنصبر بيه نفسنا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى