قصه جريمة الدقي
“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
طول عمري بهرب، هو ده اللي أنا شاطرة فيه، بغمي عيني وبسد وداني وبقفل كل الأبواب…على الأقللحد قريب، عشان مهما قاومت، الريح اللي ورا الأبواب أكيد أقوى مني وقادرة تفتحها على آخرها….
الأبواب عبارة عن بوابات لعوالم تانية، عوالم أغلبنا مش بيشوفها ولا بيحس بيها، و يا بختهم اللي مش بيشوفوا!
أما اللي زيي فبيحضرها كلها في نفس الوقت! بيبقى موجود في كذه مكان وبيعيش كذه حالة،وعشان أنا قضيت حياتي بهرب ومش عايزه أواجه قدراتي مقدرش أشرح أو أدي تفسير دقيق للحالة بتاعتي، لأني كنت بنكر ومش بدور ، بالعكس كنت بعاند وبحاول أقنع نفسي أن في تفسير علمي ومنطقي للي بشوفه وبحس بيه، يعني مثلًا أني من الناس اللي بتفتكر أغلب أحلامها بتفاصيلها والأحلام دي هي نتاج عقل باطن وخيال واسع مش أكتر ولا أقل، وتجاهلت أي حاجة غريبة أو بمعنى أصح تجاهلت كل حاجة، لأن كل حاجة غريبة، زي مثلًا…..
ذكرى، كنت بحاول أدفنها أو أفسرها إنها كانت حلم ، وعشان كنت طفلة اتأثرت أوي بالحلم ده وافتكرته واقع…. الذكرى دي هي إني كنت قعدة لوحدي في الصالة، سني كان أربع أو خمس سنين بالكتير، مش فاكرة أهلي كانوا فين، في أوضهم مثلًا، مش قادرة أفتكر، المهم أن كان معايا عروسة
كنت بلعب بيها، رسمت سيناريو في دماغي وهو إني هعمل كأني أمها، وأمها دي هتنام شوية ولما هتصحى هتلاقي بنتها (العروسة) مقتولة، بطنها مفتوحة وأحشائها خارجة منها، وفعلًا…..
غمضت عيني لثواني وفتحت…….
شفت العروسة ممددة مطرح ما سبتها، القماش اللي في منطقة البطن متقطع والقطن اللي جواها خارج براه!
من الصدمة محيت الحادثة دي وقتها من دماغي بس رجعت افتكرتها لما كبرت وبرده قلت أكيد خيال أو حلم….
ذكرى تانية وأنا طفلة محيتها….. المرة دي فتحت الجزامة وأنا متحمسة عشان أخذ الجزمة المفضلة عندي
وألبسها، وبدل ما ألاقيها، لقيت منها نسخ كتير…..
نفس الجزمة متكررة……
ده غير بقى إن جاتلي فترة كنت بصحى في نفس المعاد كل ليلة، الساعة 12 ، بصحى على جري
الأطفال اللي ساكنين في الدور اللي فوقينا، كنت بفرح جدًا بلعبهم ، بتونس بيهم، عشان أعرف بعدها بسنين أن الدور اللي فوقينا مكنش مسكون ولا في أطفال بتجري وبتضحك زي ما كنت بسمع……..
أما الأحلام اللي كنت بشوفها فدي قصة تانية…..
الحلم كان بيبقى حي جدًا، في تفاصيل رهيبة، زي قريبتي اللي حلمت بيها، القريبة اللي عايشة فيالصعيد، شفتها لابسه إسود في إسود ماسكة في إيديها قماشة مربعة وبوقها بينزف وفي حاجة قالتلي في الحلم، همستلي إنها بتعمل أعمال، بتلجأ للسحر……
لما قمت من النوم، قلت ما اسأل أمي عنها، ولما سألتها وشها اتغير، فضلت ساكتة شوية وردتفي الآخر وقالت أن قريبتها فعلًا بتمارس السحر!
والحقيقة إني كل ما كنت أكبر الظواهر دي بتزيد وبتكبر معايا وبتبقى حادة أكتر، بقيت أشوف الناس قبل ما تموت، بحلم بيهم بيقولولي رسايل أو بشوف أموات بعد ما يموتوا برضه بيقولولي رسايل، أغلبها مكنتش بفهمها ، كمان بقيت أشوف ناس غريبة عني عمري ما شفتهم قبل كده، أشكال مختلفة، أزياء مختلفة، أزمنة مختلفة وجنسيات مختلفة…. ده غير الحاجات التانية، يعني مثلًا أشوف كائنات بحرية مشفتهاش قبل كده وبعدين أدور عليها وألاقيها بنفس الشكل واللون والحجم اللي شفته ، أشوف كوكب تاني وحد بيهمسلي يفهمني أن الكوكب ده هيكشتفوه قريب وهيسموه الكوكب الشبيه بالأرض عشان الخضرة والصحرا والأزرق اللي شايفاه وفعلًا أعرف إنهم اكتشفوا كوكب بنفس الوصف….
ومع ذلك وكل مرة، كل مرة، بنكر، بقول هلاوس أو صدف أو حوادث منفردة مش معناها حاجة، حتى لما بقيت أسمع صوت خفي جوايا بيعرفني أن في حد هيخبط دلوقتي عالباب وإن في حد هيعيا وأن الفلوس اللي في جيب الشخص اللي قاعده جنبه “تساوي كذه، فئة كذه، ورقة جديدة وأطرافها حادة” وألاقيه بيخرجها من جيبه بعد شوية بنفس المواصفات بالظبط. ده حتى البنت اللي كان بيخونني معاها “الشخص اللي كنت مرتبطة بيه زمان” حلمت بيها، بكل تفاصيلها من قبل ما اعرف بوجودها.
يعني لما أنام بحلم ولما أقوم بتوشوش أو بطريقة ما بعرف!
بعرف اللي بيتقال جوه البيوت المقفولة، بعرف اللي الناس ناوية عليه واللي مخبيينه، أسرار المفروض متطلعش عليها، مليش علاقة بيها، زحمة جوه دماغي، دوشة طول الوقت كأني قمر صناعي بيستقبل ذبذات من كل جهة!
وكل ده كوم والحاجات التانية كوم تاني…..
التهديدات اللي كانت بتجيلي من وقت للتاني، إني هتأذي!
أشوف وشي في المراية أحمر لون الدم وبليل أحس بحرارة رهيبة في وشي كأني بتحرق، أقوم وأنا بصرخ وأهلي يجروا عليا ويلاقوا وشي أحمر لون الدم، ملتهب! السبب مش معروف، ممكن رد فعل على كريم مثلًا حطيته على وشي أو أكله أو…….
سواء الحاجة اللي هددتني هي السبب المباشر أو على الأقل عرفتني باللي هيجرالي، في الحالتين مش عايزه! لا عايزه اتهدد وأتأذي من كيان خفي ولا عايز أعرف المستقبل ولا اللي الناس كلها متعرفوش، مش عايزه أكون
كده!
في اللي بيسعى للعلم، اللي بيدور على المستخبي، اللي شايف أن دي قوة، أنا بقى مش منهم، أنا اتولدت ومعايا العلم ومستعدة أتخلى عنه وأعيش حياة طبيعية، أصل اللي بيسعى للعلم ده معندوش فكرة، العلم مش بيبقى ف حاجة معينة وصاحبه مش بيبقى متحكم، دي أبواب ملناش أي سيطرة عليها لو اتفتحت، كل حاجة بتدخل من خلالها، الحاجات الكويسة والحاجات البشعة…..
على الأقل ده اللي فهمته عن حالتي شوية بشوية، عشان كده أكدت للقريبين مني أني مش ممسوسة ولا في جن مصاحبني وبيعرفني وبيقول لي كل الحاجات دي، الموضوع ببساطة ومش ببساطة إني من الناس اللي دماغها ليها سبيل للأبواب، الأبواب مفتوحة ليا، وده يفسر أني زي ما بشوف الحاجات المفزعة بشوف حاجات مريحة، زي إني بسمع آيات من القرآن ليها أدوار معينة لحالات الضيق أو الحسد أو الرزق، وده محدش علمهولي، أما بقى موضوع الأصوات والهمس اللي بسمعه، فمش هقدر أوصف اللغة أو الإسلوب، يعني هي لغة عمري ما سمعتها وطريقة كلام مختلفة، مش كلام واضح، زي ذبذبات في الهوا أو تخاطر، مش متأكده، بس مش أصوات زي أصوات البني آدمين أو حتى أي مخلوق عالأرض! بس أنا بفهم، الرسايل بتترجم في دماغي للغة بتاعتي، لصوت مادي….
مكنتش عارفه إيه ممكن يكون الهدف من اللي بعرفه، يعني أعمل إيه مثلًا لما أحلم بأسرة في أمريكا في العشرينات من القرن اللي فات قاعدين في فندق فخم وبيحتفلوا وبعديها يتفاجئوا بدوشة في الشارع، مظاهرات وتجمعات ويبدأوا يهربوا، ويتشتتوا، الأخ والأحت مع بعض، الأب في مكان والأم في مكان، الأخ والأخت يوصلوا لحارة صغيرة ويلاقوا في وشهم أعداد من السود، ماسكين بنادق قديمة، الغضب مالي عينيهم ويرفعوا الأسلحة ويوجهوها ناحية الإخوات ويفرغوا الرصاص…
والمشهد اللي بعد كده، الأب ماشي كأنه سكران من الألم والحزن، خطوات مش مستقيمة، بيترنح وبيعيط…
ماشي في حواري أمريكا الضيقة وبيخبط على الأبواب واللي يفتح يسأله عن ولاده:
-ولادي راحوا فين، راحوا فين؟؟
وبعديها يلف ويبصلي، أنا اللي ببقى في كل مكان في الحلم، مليش وجود مادي بس موجودة، حاضرة كل حاجة، كل الأحداث والمشاعر، أنا كل واحد فيهم وولا واحد فيهم …
المرة دي يوجهلي الكلام ويقول لي:
-أنا لسه لحد دلوقتي بدور عليهم!
لما صحيت فضلت أعيط بحرقة، الراجل مات من زمان ولسه مش مرتاح، لسه بيدور على ولاده! بعديها دورت على تاريخ أمريكا في الوقت ده وعرفت أن السود انتفضوا عشان الظلم اللي كانوا بيتعرضوا له، كونوا عصابات وبقوا يقتلوا المواطنين البيض! ملقتش العيلة اللي شفتها، بس أنا متأكده إنها موجودة، قصدي كانت موجودة…..
………………………قصه جريمة الدقي
بس الحلم ده….. ده كان مختلف عن اللي فاتوا وكل اللي عشته….
لقيت نفسي جوه مدخل عمارة، المرة دي أنا في مصر، متأكدة!
الوقت مش قديم، قريب، من كام سنة بالكتير، أنا على السلم، الدرجات بتاعته كبيرة، متعبة، بطلع براحة، سلمة وره سلمة، عرفت من لبس الناس أن الزمن قريب من السنة اللي إحنا فيها، نفس الموضة…. كام واحد عدوا من جنبي، مش شايفنني ولا حاسين بوجودي….
الأسانسير عتيق، مش شغال، عشان كده الكل بيطلع وينزل عالسلم…. إيدي حطاها على الدرابزين وأنا بطلع….
وصلت للدور التاني…. هي دي الشقة، هي دي اللي أنا عايزاها……
الأزيز بتاعه وهو بيتفتح كان عالي كأني في مكان مهجور….أنا مش عايزه أدخل وفي نفس الوقت عايزه أدخل!
إحساسي بالخوف مصدره إني عارفه إن في حاجة جوه الشقة مفزعة، المكان مش مريح، لكن أنا ولسبب ما مجهول ، عايزه أدخل وأشوف، عايزه إجابات….
في شنطة مرمية على الأرض في الصالة، شنطة رجالي! شنطة جلد من اللي معمولة للرجالة عشان المحافظ والموبايلات، ليه مرمية بالشكل ده؟….
المكان مش فاضي، في أنين! حد بيعيط، راجل! الصوت واطي وبعييد، بس أنا قدرت أحدد مصدره، أوضة النوم…..
كل لما أقرب من الأوضة الصوت بيعلى، ده مش صوت عياط عادي، ده صوت حد مصدوم، أنفاسه سريعة كأن بيمر بنوبة هلع…. ودلوقتي….. أنا جوه الأوضة….
مش شايفه حد، بس حاسه بوجود، اللي بيعيط هنا قريب مني، في الغالب قدام السرير……
في صورة بدأت تتكون، صورة على السرير، صورة لحد بس جواها فاضي، يعني الهيكل موجود، كأنها إطار لرسمة، وش وجسم من غير لحم أو جلد وشوية شوية الصورة بقت بارزة أكتر….
الهيكل بقى ملامح واضحة، أطراف وباقي أجزاء الجسم…. جثة!
جثة واحدة ست، شعرها منعكش وهدومها مبهدلة وبطنها…..
مشقوقة، خط في نص بطنها نازل منه دم كتير مغرق الفرش وأحشاء خارجة من البطن وبس!
محدش تاني ظهر في الأوضة مع أني متأكده إني حسيت بوجود، مش هي اللي كانت بتعيط ده كان راجل….
فتحت عيني وأنا بشهق ، سمعت صوت بيقول لي:
-إمشي من هنا، الأوضة دي بتعتي، اقعدي ف أي حته تانية!
عادي، دي مش أول مرة، الكيان أو الجن ده بيكرر ده معايا كتير، هو ده آخره، حتى لما بيهددني مش بينفذ تهديده، المشكلة بس أنه بيعرف إمتى يصطادني، في أضعف حالاتي، وأنا غرقانة في النوم أو بعد ما شوف كابوس، زي الحالة دي!
مش مهم دلوقتي الكيان اللي عايز يستحوذ على أوضتي وقعدتي معاه مدايقاه، أنا أعرف عاجباه الأوضة ف إيه، بلا نيلة….المهم، المهم الحلم، الحلم اللي مش عايزاه يبعد، مش عايزه الوقت يفوت فأنسى تفاصيل، لسبب ما، بطريقة ما عارفه إني لازم أفتكر كل التفاصيل!
قمت من السرير، جبت اللاب توب بسرعة وفتحته….
فتحت صفحة فاضية وبدأت أكتب، كل حاجة، كل حاجة مهما كانت تافهة….
مدخل العمارة، السلالم الكبيرة، الأساسنير العتيق، الشقة…. الشنطة اللي عالأرض، الأوضة، الجثة اللي كانت عالسرير، اللبس اللي كان عليها، ملامحها…. اللي سمعته وحسيته، الشخص المجهول اللي مش باين….
اليوم اللي بعده من الصبح ولحد بليل كل اللي عملته هو أني قعدت أقلب في قنوات التليفزيون، الtalk shows والأخبار، فتحت السوشيال ميديا، الfacebook وتويتر، عملت بحث على جوجل، مفيش…. مفيش كلام عن حادثة، حاولت أدور بأي معلومات عندي، بس أنا أصلًا تقريبًا معرفش حاجة، لا اسم المنطقة ولا اسم القتيلة ولا طريقة القتل، يعني ممكن تكون أي جريمة من ضمن آلاف الجرايم اللي تمت خلال مثلًا الخمس سنين اللي فاتت، نقطة ميه في محيط!….
بس كده؟!
قصه جريمة الدقي
الرحلة دي بدأت وانتهت هنا؟؟ من غير ما أعرف مين اللي اتقتلت واتقتلت ليه وإزاي؟ عادة لما كنت بشوف حلم زي ده كان بيبقى فيه تفاصيل أكتر ، مبشوفش الحادثة والجريمة بعد ما تخلص!
خلاص، خلصنا، انا أصلًا معرفش كنت فعلًا مستعدة أعرف تفاصيل الجريمة دي وهوية أطرافها ولا لأ، أغلب الأحداث اللي بعيشها بحس إني مش قدها، مش قادرة أستحمل أعرف بالظبط اللي حصل، ولا اللي أبطالها حسوه وعاشوه، أهو حلم تاني غريب وراح لحاله…..
………………………….قصه جريمة الدقي
الليلة اللي بعدها وقبل ما أنام كنت ماسكة كتاب وبقراه لحد ما جفوني وقعت، كنت تعبانة جدًا، قفلت الكتاب واستسلمت للنوم……
أنا فين؟!
تاني، أنا في نفس المدخل! بطلع عالسلم العالي، ببطء بتوجه للدور التاني، الناس بتعدي جنبي ومش شايفاني ، بزق بإيدي الباب، بيتفتح معايا…..بدخل الصالة، في شنطة إيد رجالي على الأرض، مين اللي رماها هنا وليه؟
صوت حد بيعيط، أنفاسه عالية وسريعة، عنده نوبة هلع، صوت راجل!
أنا رايحة في إتجاه الأوضة بس…. المرة دي بقف… بقف على العتبة، بلف وأمشي في اتجاه الشنطة، بخرج المحفظة، بفتحها…. البطاقة “وسيم….رحيم….كريم” إسم على نفس الوزن مش متأكده، أما إسم
العيلة فواضح “غفران”!
بمشي في اتجاه الأوضة وبدخلها……
جثة ست ممددة عالسرير، بطنها مشقوقة، أحشائها خارجة منها، دم كتير…. في حد تاني معايا في الأوضة، حد مش شايفاه، واقف على طرف السرير، بيراقب الجثة، بقرب أكتر، أكتر….
الوجود….حاسه بيه قريب أوي مني، أنا واقفة جنبه مباشرة، براقب زيه الجثة، برغم إني لسه مش شايفاه….
حاسه أني….أني بدخل جواه….أنا بقيت هو…..
متأكده أنه واقف مكاني بالظبط بيبصلها بنفس الطريقة، حاسة ب…. أي!
راسي! ألم رهيب في ضهر راسي، حاجة خبطت فيا، مش قادرة أستحمل، أاي، مش قادرة!
قمت وأنا بصرخ، وشي عرقان، الألم مش بيقف، حاسه إني بموت….
ماما جريت عليا في ذعر….
-في إيه؟ حصل لك إيه؟
=لا لا لا….لأ!
-لأ إيه؟!
=لأ، مفيش، مفيش حاجة!
كالعادة بنكر، عشان محدش هيفهم! ……برغم الوجع الفظيع حاولت أسيطر على نفسي ، كأني شفت كابوس عادي… وهي كالعادة عملت مصدقة، برغم أن جواها عارفة إني عمر ما اللي بمر بيه عادي…..
فضلت قعده شوية على طرف السرير، بتبصلي بالنظرة دي…. نظرة الشفقة وإنعدام الحيلة، أما أنا….
افتكرت لقطة…. كان في شباك جنب السرير اللي عليه الجثة…..
“ارجعي وره شوية….كام خطوة، قبل ما تقفي على طرف السرير، وأنتي داخلة الأوضة، إيه اللي وره الشباك؟ إيه اللي وره الشباك؟ كوبري، أيوه كوبري، كوبري مألوف، أناعارفاه، جيت هنا كتير أيام الجامعة، ده كوبري الدقي!”
ماما سألتني إذا كنت كويسة، كل ده مكنتش بتكلم، عنيا مركزة في الفضا وراها، بفتكر الحلم، كنت عايزه أهرب من أسئلتها، أقول لها إيه، أمري لله! أهو اللي هقوله أهون من موضوع الجريمة، مع إنها برده هتتخض…
=ماما!
-أيوه يا حبيبتي؟
=روحي أعملي العشا لخالو..
-خالو، هو فين خالو ده؟ وعشا إيه؟ إحنا الفجر!
=مهو هيخبط كمان شوية صغيرين، جي شايط من مراته، اتخانقوا خناقة كبيرة…
-إيه يا حبيبتي أنتي لسه نايمة؟ بتتكلمي وأنتي نايمة ولا حاجة، بتخرفي؟
=8….7…6….5…4…3…2…1
جرس الباب رن أول ما خلصت عد! ماما قامت مفزوعة، سألت بصوت عالي مبالغ فيه عن اللي بيخبط، كان خالي!
رجعت مخصوص عشان تبصلي البصة إياها، كأنها كل مرة بتتفاجأ من أول وجديد وبعدين سابتني وراحت تفتحله……
………………………….قصه جريمة الدقي
مصدقتش نفسي أول ما فتحت البروفايل بتاعي، الfacebook كله كلام عن الحادثة البشعة اللي في شقة الدقي! جثة الست اللي بطنها مشقوقة ودمها متصفي على سريره، سرير الشاب إياه، القاتل عديم الرحمة!
خلاص…. القصة دي أكيد خلصت، حلمت باللي حصل لها، حسيت بالفزع والقهرة والحزن كعادة قصص كتير بعيشها…. مش كده؟
وبرغم كده، برغم اللي حاولت أقنع نفسي بيه، كان في صوت بيلح عليا….. بيلح عليا أروح عمارة الدقي، العمارة اللي حصل فيها الحادثة، هما لسه النهارده مكتشفين الجثة، فريق التحقيق والشرطة والنيابة في الغالب لسه هناك بيعاينوا مسرح الجريمة وأنا لازم أروح دلوقتي…دلوقتي!
لبست بسرعة أي هدوم، مركزتش، مبصتش لنفسي في المرايه، في عشر دقايق كنت مستعدة…..
إستغليت إنشغال ماما مع خالي واتسحبت من غير ما يحسوا…..
أنا في مدخل العمارة، بطلع السلالم العالية وإيدي عالدرابزين، في زحمة في كل حته، بحشر نفسي وسط الناس عشان أعرف أطلع ….. الناس متجمعة في مدخل الشقة، بيمدوا راسهم، عايزين يشوفوا، فضول رهيب…
في كذه حد عمال يزعقلهم، بيقولولهم يبعدوا عشان يعرفوا يشوفوا شغلهم وعشان مسرح الجريمة ميتلوثش، مفيش فايده، كأنهم متجمعين يشوفوا القنبلة قبل ما مفعولها يبطل أو تفرقع في وشهم!
بس أهي دي فرصتي، أدوب وسط الزحام، أستخبى في الأعداد، كأني واحدة من المتفرجين الفضوليين….
الأصوات فجأة سكتت!
الناس مالها متخشبة كده ليه؟؟ ملامحهم واقفة، اللي فاتح بوقه وملحقش يكمل كلام، واللي ماسك في إيده أكل ومش بياكله واللي شفافيفها معووجة ومتجمدة على نفس الوضع، مفيش غير….
ست واقفة بضهرها على عتبة الباب مباشرة….
كتفها بيتحرك، صوابعها بتترعش، شعرها مبلول….
بتتلفت….ليا!
دي، القتيلة….. هي اللي حلمت بيها، اللي جسمها اتمدد عالسرير، بطنها مشقوقة وبتنزف….
بنبرة مهزوزة سألتها:
=واقفة مكانك ليه؟
-مينفعش أدخل!
=ليه مينفعش؟
-لازم دعوة، مينفعش أدخل من نفسي!
استجمعت شجاعتي واتقدمت… مشيت من خلالها ودخلت….
“يتبع”
قصه جريمة الدقي
#ياسمين_رحمي
“الجزء الثاني والأخير”
كنت مرتبكة، مش عارفه إذا كان اللي بعمله ده صح ولا لأ، عادي يعني مفيهاش حاجة، ده نسيم! هخاف من نسيم هو أكيد محتاجني وإلا مكنش استنجد بيا وطلب مني الطلب الغريب ده، إني أجيله الشقة!
إيه اللي بيحصل؟ دي مش أفكاري، أنا دلوقتي….هي!
متقمصاها، دي أفكارها هي، “نسيم” إسمه “نسيم”؟ مش وسيم ولا رحيم ولا كريم، نسيم طلب منها تجيله الشقة! عشان كده كانت محتاجة دعوة!
الأصوات والزحمة رجعت تاني، الوشوش اتحركت…..في حد بيزعقلي، لأ كذه حد، الشرطة واللي بيحققوا!
-بقولك يا أستاذة، اخرجي بره، في إيه بالظبط؟!
بصيت للي بيوجهلي الكلام بفزع….
=أنا؟
-أمال أنا؟ ده مسرح جريمة، هو أنتي إزاي اصلًا تدخلي بالشكل ده وإحنا عمالين نزعق ونقولك متدخليش،
كنتي في غيبوبة ولا إيه؟
هو ميعرفش، أنا فعلًا كنت في غيبوبة ومكنتش سامعة تحذيراتهم وتهديداتهم….
كنا في الصالة… راسي لفت لاتجاه معين، هناك على الأرض، المكان ده… بس فين الشنطة، الشنطة المفروض تكون هنا بالظبط….
-يا أستاااذة!
رفعت عيني ، المرة دي في حد كان واقف جنب اللي بيزعقلي، ظابط، كان لابس لبس مدني بس قدرت أميز أنه ظابط، بص لي بريبة، كان بيتنقل بعينه ما بيني وبين المكان اللي عالأرض، قفشني!
عرف حاجة، الشنطة كانت فعلًا هنا وأنا متنحة في المكان اللي كانت فيه، إيه اللي عملته ف نفسي ده؟! أكيد بقيت شبهة، وزمانه بيشك إني ليا علاقة بالجريمة….
هربت من عينه، جريت ناحية الباب ومنه للشارع…..
أنا مش قد الكلام ده، جريمة، جثث، وكمان أبقى متهمة….
هيسيبني ف حالي؟ مش هيدور عليا؟ هيعتبرها صدفة؟ زيي زي كل الناس المتجمعة، فضولي بس هو اللي جابني للشقة عشان أتفرج…. ولا هيبقى في سيناريو تاني؟
………………………….قصه جريمة الدقي
مفاتش كتير عشان أعرف الإجابة، لقيت الظابط واقف مستنيني قدام العمارة بتاعتي اليوم اللي بعديه!
أول ما نزلت لقيته ف وشي، الله أعلم كان واقف بقاله قد إيه مستني الفريسة، متهمة على طبق من فضة،
وقعت نفسها بغبائها….
-فاضية نتكلم شوية؟
وأنا عندي إختيار يعني؟!
هزيت راسي علامة على إني موافقة من غير ما أتكلم…..
كان قاعد قدامي، مش بيشيل عينه من عليا، كأنه صقر وأنا الفريسة…..
-متأكده، مش عايزه تشربي حاجة؟
=لأ، أنا تمام
-هاه، قوليلي!
=أقولك إيه؟!
-مهو أنتي لومتكلمتيش تلقائيًا هتتحطي في دايرة الشبهات…
=هو أنا متهمة؟
-لسه، بس ده ممكن يتغير بسرعة.
-أنا مليش علاقة بيهم.
=بمين؟
-باللي اتقتلت والقاتل، معرفهمش، جيت زي ناس كتير كان عندها فضول، القصة زي ما حضرتك عارف إنتشرت في السوشيال ميديا والتليفزيون وحتى الجرايد….
=وده بقى اللي خلاكي تدخلي الشقة وتبصي على البقعة إياها على الأرض؟
-البقعة؟!
=أنتي عارفه اللي كان موجود، عارفه أن الشنطة كانت مرمية هناك، يعني كنتي موجودة وقت الجريمة…
قمت بعصبية، مردتش، هربت…..
………………………….قصه جريمة الدقي
بقيت خايفة أنام، صحيح كل يوم بشوف حاجات غريبة من زمان بس اللي بيحصل المرة دي من أكتر الحاجات المرعبة اللي مريت بيها….
حاولت أقاوم بس في الآخر إستسلمت…..
ده مكان جديد، مجتش هنا قبل كده…..
الشقة تشبه شوية الشقة إياها، اللي كان فيها القتيلة…..
بلف حوالين نفسي لحد ما بلاقيها…..
القتيلة…. بس دلوقتي هي عايشة!
دي أوضتها….ودي الشقة اللي عايشة فيها…..
هي قاعدة ممددة على الليزي بوي ماسكة في إيدها الموبايل…..
بقرب منها ،بفرد جسمي جنبها بنفس الوضعية، ببص على شاشة الموبايل، فاتحة شات ما بينها وبين…..
“نسيم”…. متنحة في الموبايل، متفاجئة من اللي شافته، مش عارفه المفروض ترد تقول إيه….
“نسيم” باعت بيقول لها أنه محتاجها تيجي شقته وأن مامته لسه واصلة من البلد ملهاش ساعة وفجأة وقعت جسمها إنهار وهو مش عارف يلجأ لمين، هي الوحيدة اللي عارفها وقريبة منه…..
“طب ما طلبتش الإسعاف؟”
ده الكلام اللي ردت عليه بيه….
رد هو:
“أكيد…بس عبال ما ييجو، أنا عارف أن الوقت متأخر وعارف أنه طلب غريب، بس أرجوكي تعالي بسرعة، وبلاش تخضي أهلك، متصحيهمش، أنا بس محتاجك معايا عبال ما الإسعاف تيجي”
قامت بسرعة، مغيرتش هدومها، اتسحبت عشان محدش يحس بيها…..
عدت الشارع بس، عمارتها كانت قصاد عمارته…..
أنا دلوقتي في مدخل عمارته، بس فجأة الليل بقى نهار، بطلع السلالم العالية ببطء، إيدي على الدرابزين….
بمد إيدي، بفتح الباب….
أنا في أوضة نوم “نسيم” براقب الجثة، بقرب أكتر، بمد إيدي على الشق اللي في بطن القتيلة، إيدي بقت متغرقة دم…. صوت عياط، في راجل معانا في الأوضة، أنفاسه عالية وسريعة….”نسيم”!
أنا شايفاه، أخيرًا شايفاه، واقف على طرف السرير، بيعيط عياط متقطع، عينه مفتوحة على آخرها، مصدوم!
في حركة في الشقة، بره الأوضة…. بخرج للصالة، مصدر الصوت…. شايفه حد محني، قاعد على ركبه، بيبص على الشنطة، شايفاه من ضهره، قام، كأنه حس بيا…..
الظابط! قربلي وبصل لي وهو مستغرب…..
…………………….قصه جريمة الدقي
فتحت عيني، فضلت متنحة للسقف، وشي وشعري عرقانين….
أخويا دخل عليا، كان هيقول لي حاجة بس في حاجة وقفته….
قال بذعر:
-إيه ده؟! أنتي بتنزفي يا “هادية”…..
اتنفضت من مكاني، بصيت للجهة اللي كان باصص ليها، بقعة دم كبيرة على الأرضية جنب السرير….
فضلت بصة ليها وأنا ساكتة وبعدين بصتله…. كان هيكمل، صوته هيعلى…مديت كفي بسرعة وحطيته على بوقه وأنا بقول:
=ششششش، ده مش دمي، أنا كويسةّ!
كان بيسأل بعينه “أمال دم مين؟” بس أنا فضلت حاطة كفي على بوقه لحد ما وعدني إنه يهدى عشان محدش يسمعه…
=أنت عارف ، كلكم عارفين إني مختلفة، متعرفوش تفاصيل بس عارفين ده على الأقل، عايزاك تثق فيا وتطمن، ده مش دمي، أنا كويسة، مش بنزف، مفيش فيا حاجة، بص، بص…..
قعدت أحسس على جسمي، مكنش في مصدر للدم ، هو اقتنع بس ده مقللش من رعبه بالعكس!
يعني إيه يبقى في دم غريب جنب سريري، ويعني إيه أنا متفهمة ده كأنه أمر طبيعي….
قام من جنبي، مشي ببطء ناحية باب الأوضة، وقبل ما يخرج، اتلفت وبصل لي، نظراته كلها شفقة عليا، من
اللي بمر بيه، العالم السري بتاعي…..
…………………….قصه جريمة الدقي
لقيته تاني! ظابط المباحث برده كان مستنيني قدام العمارة… ولا سلام بقى ولا كلام، لا اهو أتكلم وأنا نطقت، مشيت معاه من سكات…
كان فيه حاجة مختلفة المرة دي، وشه أصفر، عينه زايغة، أول مرة أشوفه بالحالة دي….
أول ما قعدنا ومن غير مقدمات قال:
-أنا حلمت إمبارح، حلم غريب…. كنت في البيت اللي حصلت فيه جريمة القتل….لقيت نفسي في الصالة، ده كان أول مشهد في الحلم، على يميني….
قاطعته:
=الشنطة الرجالي، شنطة “نسيم”، مشيت ليها، انحنيت، بصيت على الشنطة وبعد كده حسيت بحركة، لفيت وقمت و لقتني….كنت معاك في الشقة، واقفة في الصالة، بصتلي وأنت مخضوض….
قام من مكانه ، لف حوالين نفسه بهستيرية كأنه بيحاول يستوعب، بعدين قعد وبصل لي جامد وقال:
-يعني إيه؟
=أنا وأنت كنا في نفس الحلم، أو نفس العالم أو البوابة…
قلت جملتي وأنا بهز كتفي كأني مش متأكده…
-برده مش عايزه تقوليلي إيه علاقتك بالمجني عليها أو الجاني، بتحاولي تحميه؟
هزيت كتفي ودلدلت شفايفي ورديت:
=أنت عارف أني مليش علاقة بيهم…
-أيوه يعني، إيه موضوع الحلم والعالم ده… إزاي أنا وأنتي نشوف نفس الحلم، نبقى مع بعض في الشقة في نفس الوقت؟
=أظن يا حضرة الظابط دي أول مرة تعيش تجربة زي دي…
-وأنتي؟ أول مرة؟
=متهيألي برده أنك دلوقتي جمعت وبقيت عارف الإجابة…
-يعني أنتي كل علاقتك أنك حلمتي؟ شفتي الجريمة وهي بتحصل.
هزيت راسي بنفي وقلت:
=كل مرة بشوف حتة زيادة ، بس ولا مرة شفتها وهي بتحصل.
-كل مرة؟أنتي حلمتي بمسرح الجريمة كذه مرة؟
=ايوه.
-طب حلو أوي ،يعني هتقدري تعرفي مكان “نسيم”..
=لأ!
-لأ إزاي؟
=عشان أنا مش متحكمة في اللي بشوفه، معنديش أي سيطرة عليه، ممكن فجأة الأحلام دي تتقطع وتبدأ سلسلة أحلام تانية، اللي عندي معايا من وأنا صغيرة وعمري ما اختارته، أنا مش بمارس الإسقاط النجمي،
لا في كتالوج ولا مواعيد ولا أي تحكم….
-عايزه تقوليلي أن الملكة اللي عندك، عمرك ما بتطويعها أوتتحكم أبدًا فيها؟
=مظبوط.
-طب لما بتحسي بضيق أو خوف مش بتشوفي أو تسمعي حاجة؟
=بشوف أذكار وآيات معينة.
-وده بقى صدفة؟؟!
=قصدك إيه؟
-أنتي بتهربي! صحيح اللي عندك ده بأمر الله لكن ممكن يكون عندك إرادة، ممكن لو دورتي ف حاجة تلاقيها، أنتي اللي مش عايزه!
عيني غرغرت، الدموع اتجمعت فيها، لمس وتر حساس وللأسف كلامه ممكن جدًا يكون صح…
كمل كلامه:
-أنا مقدرش أحكم عليكي ، معنديش فكرة باللي بتمري بيه، بس المرة دي ، في حد محتاجك، “لاما” محتاجة
رديت عليه:
=تعرف إني كنت متجوزة! اممم وكان عن حب كمان، كنت عايشة معاه زي ما أنا عايشة طول عمري، حياة مزدوجة، زوجة فرفوشة ملهاش أبدًا في النكد زي العادي بتاعي برده مع الناس، بحب الضحك والنكت، إيجابية لأقصى درجة، ولما أبقى لوحدي بدخل في العالم التاني، العالم المخفي، الوحوش بتنقض عليا من كل جهة، من زوايا الحيطان، جوه الدواليب، الأرضية اللي تحت السراير، شياطين الإنس قبل الجن، بعيش مليون حالة بمليون ألم كأن همومي أنا مش كفاية عشان أشيل هموم الناس دي كلها، كل ده وأنا رافضة، أمال لو تقبلت ووقفت بنفسي قدام كل الأبواب المفتوحة هيحصل لي إيه؟ أنا وجوزي سبنا بعض تعرف ليه؟
-سابك عشان عرف، أو شاف حاجة خوفته…
=لأ، أنا اللي سبته، هو شاف حاجات غريبة بالنسبة له، لكن مكنش عنده فكر باللي أنا بشوفه، كان بيقوم من النوم ميلاقينيش، يدور عليا ويلاقيني في البانيو، واخده وضعية الجنين وبعيط أو يلاقيني واقفة متنحة في الصالة ببص على حاجة مش باينة، غير الليالي اللي كنت بقوم فيها بصرخ من النوم عشان اللي شفته وأنا نايمه، مستنتش يسيبني، أو يعرف الحقيقة ويكرهني، سيبته وهو فاكر أني عندي مرض نفسي، سبته قبل ما أسمم حياته….
-“هادية”، “لاما” محتاجالك، بتجيلك عشان تعرفي مكان “نسيم”، هما كانوا عشاق وهو خانها، أكيد مكنتش تتوقع أنه هيقتلها….
ضيقت عيني، هزيت دماغي جامد وقلت:
=لأ، هما مكانوش عشاق!
-إزاي يعني؟ أكيد كانوا عشاق، أمال كانت بتعمل إيه في شقته وسريره؟ دول يعرفوا بعض من أيام الطفولة، كانوا مع بعض في نفس المدرسة وكمان بيشتغلوا ف نفس الشركة….
=مكانوش عشاق، مجرد معرفة، يمكن كان في شوية ثقة منهم بحكم العشرة وهو ده اللي خلاه….
مكملتش، سكت، افتكرت تفاصيل من الحلم الأخير….
-خلاه إيه؟
انتبهت ليه وقلت:
=خلاه يبعتلها على الواتساب ، يستنجد بيها عشان مامته كانت لسه واصلة من البلد ووقعت ، قال لها أنه محتاجها معاه عبال ما تيجي الإسعاف….
اتصدم من اللي قلته…سكت لحظات بعدين رد:
-مامته مجتش من البلد، مكنش في حد في الشقة وهي ماقلتش في التحقيقات حاجة زي دي…
=لو مفيش بينهم علاقة عاطفية، يبقى ليه قتلها؟
-أنتي ليه بتقولي مفيش ما بينهم علاقة.
=عشان هي اتفاجئت من رسالته وكانت متوترة جدًا، مدخلتش شقته قبل كده ومجاش ف بالها تروح لوحدها،
هي راحت عشان استنجد بيها وكمان….
-إيه؟
=نبه عليها متصحيش أهلها، متزعجهمش….
قلتله بعد كده على الضربة، إن “لاما” اتضربت على راسها قبل ما تموت، قال لي أن كله يبان من نتايج تشريح الجثة، وقلتله كمان على “نسيم”، أنه كان مصدوم لما شاف الجثة وكان بيعيط من الخضة… هو فسر الموضوع أن دي صدمة ما بعد الحادثة، يعني بعد ما قتلها دخل في حالة صدمة، أدرك بشاعة اللي عمله وده رد فعل طبيعي وبعد كده هرب ومش قادرين يحددوا موقعه لأنه بيتحرك باستمرار، رصدوا حركة على كروت الحساب والائتمان، قدروا يجيبوا عناوين ماكينات السحب ويفرغوا الكاميرات اللي جنبها، ودايمًا كان بيبقى لابس جاكيت بهودي ومغطي وشه بكوفيه، وكل لما يوصلوا موقع ويفتشوا كل المنطقة اللي حواليه ميلاقوش أثر ليه وبعدين يظهر في موقع تاني قدام ماكينة سحب تانية وهكذا….
…………………….
قبل ما أنام فتحت الأكونت بتاعي، لقيت تعليقات من أهل “نسيم”، كلهم بيأكدوا أنه بريء مقتلهاش، معرفش ليه، برغم أن كل الأدلة بتقول عكس ده، بس جوايا كنت ميالة أني أصدقهم…..
ولأول مرة في حياتي أركز…..
فضلت باصة قدامي، بركز على فكرة معينة، عايزه أشوف كل القصة! ععايزه أعرف بالظبط اللي حصل، أنا مستعدة، مستعدة أعيش التجربة كلها……
وغمضت…..
أنا دلوقتي جوه مدخل العمارة، طالعة عالسلم، الناس بتبصلي وبتسلم عليا وهي طالعة ونازلة، يعرفوني…..
طلعت مفتاح من جيبي وفتحت الباب ودخلت….
لما وصلت لنص الصالة، لمحت حاجة في الأوضة المفتوحة، عالسرير، جثة “لاما”!
بطرف عيني شفت في المرايه إنعكاسي، “نسيم”…..
بتحرك بهيسترية، بوقع الشنطة عالأرض وبجري عليها….
“إيه اللي جابك هنا يا “لاما”؟! مين اللي عمل فيكي كده؟”
وقفت على طرف السرير، أنفاسي عالية وسريعة ، بمر بنوبة هلع، بعيط…وبعديها….
ألم في راسي، حد ضربني في دماغي من وره، مش عارفه أتحكم في التوازن بتاعي، بحاول بس مش عارفه الدنيا بتلف حواليا وأخيرًا….. بقع آخر مشهد هو السقف فوقي وبعدين……
مفيش…أنا، مت! “نسيم” مات، “نسيم” إتقتل!….
…………………….
قمت على الموبايل وهو بيرن، رديت بسرعة، كان “شهاب” الظابط….
-نتايج التشريح ظهرت، هي مضربتش على راسها قبل ما تموت، السبب في موتها هو الشق اللي في بطنها، هي اُغتصبت وبعد كده بطنها اتشقت بآلة حادة….
=عارفة! مش هي اللي اتضربت على راسها، ده “نسيم”….
حكيتله اللي شفته بالتفصيل، بس هو مكنش مصدق، كلهم كانوا متأكدين أن “نسيم” هو الجاني، جهات البحث والنيابة وكمان الناس وكانوا بيلعنوه الف مرة في اليوم، مين ده اللي يعمل كده، إيه اللفة دي، مين اللي يقتل “لاما” ويقتل “نسيم” وبعديها ي…..
بعديها….. ياخد كروته…. ويسحب فلوسه من كذه ATM عشان موضوع الحد الأقصى للسحب في اليوم وعشان…. يثبت الجريمة على “نسيم”، يقدم جاني، قضية خلصانة، القتيل والقاتل معروفين ويطلع هو منها…
الهدف مكنش “لاما” من الأول، الهدف كان “نسيم”، بس القاتل قال يقدم جريمة كاملة ليها كل الحلول، الغرض الحقيقي كان سرقة نسيم وقتله وقال بالمرة يدبسه في جريمة قتل وهمية، الضحية فيها حية، بس بالنسبة له ملهاش اعتبار، مجرد ضرر جانبي….
السؤال اللي هيجنن “شهاب” وأنا برده أكيد، جثة “نسيم” فين؟؟ إزاي القاتل قدر يشيلها ويخرج بيها من العمارة من غير ما حد يشوفه؟؟
…………………….
“شهاب” راح المكان تاني…أول مرة ياخد باله من حاجة، الأساسنير المتعطل، كان واقف في الدور التاني، نفس دور شقة “نسيم”، سأل البواب إمتى العطل حصل، قال له من 4 أيام، نفس ليلة الجريمة! وقال إنه بيتعطل كتير، خصوصًا لو حد داس على زرار “الإيقاف” ، “شهاب” لاحظ كمان فجوة كبيرة ما بين أرضية الأسانسير والعتبة اللي قدام الأبواب الثابتة بتاعة الدور، البواب قال إن فعلًا دايمًا كان فيه مسافة كبيرة ما بين أبواب الأساسنير في الدور ده والأساسنير نفسه والناس بتضطر تمد رجليها جامد عشان تطلع أو تنزل….
-وإيه الريحة الزفت دي؟
البواب رد:
-يا سعادة البية، بسبب الحتة الكبيرة المكشوفة دي، وأن الأبواب الخارجية الناس ساعات بتكسل تقفلها، ياما قطط وكلاب وقعوا وماتوا في المكان تحت، وده بيحصل كل شوية ودي أكيد ريحة أكوام الحيوانات الميتة…..
“شهاب” بص كويس، المساحة كبيرة لدرجة أنها ممكن…تشيل حجم بني آدم، لو كان في وضع ممدد! أمر البواب يشوفله كذه حد، عشان يخلعوا الأبواب الثابنة بتاعة الدور، وخلعوها….
قرب من الفتحة ونور فلاش الموبايل، ركز…. من بعيد، لمح جسم ممدد، جثة”نسيم”!….
“لاما” و”نسيم” مخرجوش من العمارة، الاتنين اتقتلوا هنا….
قدروا في مرحلة بعد كده يوصلوا للقاتل الحقيقي، كان صديق ل”نسيم”، كان عارف أنه مرتاح ماديًا عشان الأراضي اللي أهله يملكوها، السبب أنه كان داخل على جواز والعروسة كانت من مستوى أعلى منه وكانت متطلبة جدًا وهو مش قادر يسد عليها ومرعوب تسيبه عشان دايمًا كانت بتهدده أنها هتروح للي يعرف قيمتها ويقدر يصرف عليها، والضغط ده خلاه يوصل للفكرة الشيطانية دي، الجريمة المتكاملة، مكنش عامل حسابه لعنصر هيبوظ خطته، أنا!
أما الطريقة فهي أنه كان سهران معاه ليلة القتل هو وشوية من صحابهم وبطريقة ما قدر ياخد موبايله من غير ما ياخد باله وبعت الرسالة ل” لاما” عشان تروح عالشقة…
استأذن قبل ما القعدة تخلص و”نسيم” كمل شوية بعده، راح الشقة ، فتحها بالنسخة اللي تحت المشاية قدام البيت، عشان طبعًا “نسيم” كان معرفه مكانها ، استنى “لاما” وقتلها ، مش بس كده، قال بما أن الجريمة كده كده “نسيم” هو اللي هيشيلها خلاها جريمتين ، اغتصبها وبعدين قتلها ….
إستنى “نسيم”…. كان مستخبي لما وصل….
“نسيم” لمح جسم “لاما” الغرقان في الدم من الصالة، جري عليها مذعور، ورمى شنطته في السكة….
وقف قدام سريره مش مصدق اللي شايفه، إيه اللي جابها، ومين عمل فيها كده، وقبل ما يجمع، القاتل ضربه على راسه جامد بإزازة، الضربة كانت كافية أنها تقتله….
لولا إني شفت “نسيم” ، واللي حصل له كان زمان المباحث لسه بتدور عليه على أساس أنه القاتل، قدراتي اللي طول عمري بهرب منها كانت السبب في إنها تغير سكة قطر كان ماشي غلط، مكنش هيوصل لأي جهة….
أما أنا، فبدأت أتعايش، لسه مش متقبلة للآخر، لسه من وقت للتاني بعاند، بس بحاول أقنع نفسي ، القدرة كده كده موجودة، الأحلام والأبواب هتفضل مفتوحة ويأما أتقبلها وأحاول أطوعها عشان أساعد حد ممكن أقدر أساعده، يأما هنكرها وده مش هيسد الأبواب…متهيألي الجني اللي متشعلق على السقف في زاوية من أوضتي رأيه من رأيي، الجني اللي عايز يستحوذ على الأوضة وبيحاول يطفشني، هو ميعرفش أني شايفاه بطرف عيني، بقيت أقدر أشوفه، مش مجرد أحس بيه وأسمع تهديداته، من وقت ما بدأت أتقبل قدراتي وأوسع مداركي وأشوف المستخبي……
“تمت”
#جريمة_الدقي
#ياسمين_رحمي