حاسس بحد بيجري ورايا، البيوت كلها باللون الأسود، الناس واقفه على أبواب البيوت مخضوضة، وأنا شامم ريحة كريهة، فضلت أجري بتلقائية، حاولت أهرب، لكن الشارع مابينتهيش، والناس حزنهم وخضتهم اتحولت.. اتحولت لأبتسامات وترحيب، وأنا دقات قلبي زادت، العرق كان زي النافورة في جسمي، في الأخر وقعت على الأرض، غمضت عيني من الخوف، كنت سامع صوت رقيق، شويه شويه بدأ يتحول لصوت أجش مُرعب.
-ما تقوم يا منير الزفت، أنت ايه هتفضل قاعدلي كده، قوم يا حبيبي التوك توك عليه اقساط، مش عارفه انا توكتوك ايه اللي ب 90 الف جنية ده.
الصوت ده كان صوت بهية، أمي.. طبعا قدرتوا تميزوا علاقتي بيها من كلامها دلوقتي، وهي علاقة مادية صريحه، زي ما ربيتني زمان، أنا لازم أخد بإيدها في سنها الكبير، بالرغم من معاش أبوها اللي مكفيها وزيادة، لكنها مستنية عوض السنين، وصبر الأيام، لكن صبرها طلع كداب.
خدت منها 20 ألف جنية تحويشة سنين عشان أدفع مقدم التوكتوك بتاعي، لكن لو فاكر انها عملت كده لله وللوطن، فتبقى غلبان، مضيتني على وصولات أمانة، وكل يوم الصبح بدري تصحيني عشان أنزل اشتغل، مش عشان خايفة عليا، لأ.. ده عشان فلوسها توصل بدري بدري.
قومت من النوم وأنا تعبان من ليلة إمبارح، أصلها كانت ليلة بعافية شويه، وده خلاني أصطبح على كوباية شاي، معاها السيجارة المتينة، وده عشان أفتكر كل اللي حصل في الليلة الصباحي دي، بس قطع ده كله صوت أمي وهي بتزعق فيا، وأنا الصراحه ماكنتش حملها، غسلت وشي ونزلت أكمل الأصطباحية تحت، أخدت التوكتوك من الجراج الأول، بعدها طلعت طلعتي البهية وأنا بدور على زبونة حلوه أوصلها، خلص الكلام على واحدة عشريناتي، عينها كانت حزينة، وأنا ماستنتش عشان أحتويها الحقيقة، ده لأني عزمت عليها تركب:
-توكتوك يا مدام؟
-أنسة حضرتك.
ضحكت وقولت:
-اللي تشوفي يا أنسة، توكتوك بقى؟
بصيتلي من فوق لتحت:
-حارة زينهم يسطا.
دماغي لفت مني، ده لأني معرفش حارة بالأسم ده، فقولت:
-وده يطلع فين عم زينهم ده يا أنسة؟
ركبت التوكتوك وقالت:
-أطلع وأنا هقولك.
طلعت بالتوكتوك والأنسة بتوديني يمين وشمال، كنت زي الأهبل ماشي، مش مدي خوانة للي هيحصل بعدين، وعلى قد ما المشوار كان مُجهد، على قد ما فكرت إن فلوسه هتبقى حلوه، ووصلت فعلا حارة مدارية وسط شوارع كتير، حارة متعلق على أولها يافطة واضحة وصريحه “حارة زينهم”.. دخلت بالتوكتوك الحارة، بعدها الأنسة نزلت.. أول حاجه طلعت من جيبها 100 جنية، فضلت تدلع يمين وشمال، وأنا عزمت عليها بإن التوصيلة ببلاش، وهي ماكدبتش خبر الحقيقة، وافقت، بس قالتلي أعدي عليها بكره الساعة 6 الصبح، أوديها للدكتور تاني، والمشوار هيبقى ب 200 جنية، ده لأنها مش بتلاقي مواصلات الصبح، وماحدش بيرضى يخش الحارة دي.. وافقت على كلامها، وسيبتها ومشيت، خدت رقمها بس عشان أعرف أتواصل معاها، ومن هنا ابتدت كل حاجه، ده لما لقيت كل اللي واقفين في البلكونة بيبصولي بشكل مش مريح، مرعب.. أكنهم منتظرين حاجه، أو شايفين حاجه مش على هواهم، لكن أنا كان قلبي ميت، أمي ولدتني ناقص حته، وماكنش هاممني، المهم السبوبة، وبعدم اللامؤخذة المُزة تبقى مبسوطة، كملت شغلي واسترزقت اليوم ده كويس، وكل حاجه كانت زي الفل، يمكن اليوم ده استرزقت وعوضت ال 100 جنية اللي فاتتني.
لما جات الساعة 11 روحت.. قولت لنفسي الحق أروح أنام، عشان أصحى تاني يوم للأنسة، أول ما عتبت عتبة الشقة لقيت أمي استلمتني، فصبحت عليها باللي فيه النصيب، بعدها دخلت أوضتي، منين ما حطيت راسي على المخدة روحت في النوم، حلمت وقتها بمشهد أتكرر قدامي الصبح، وهما أهل الحارة وهما باصيين ليا بنظرة مرعبة، بس المرة دي كان في سبب للنظرات، في اللي كان بيسقف، وفي اللي كان خايف، وفي جزء نزل يجري عليا، انما أنا فكنت بجري وخلاص، وأهل الحارة في منهم اللي بيزغرط، وفي منهم اللي بيسقف، مشاعر مختلطة في الحارة، يمكن من تضارب المشاعر الواحد مش قادر يحدد الناس دي عايزه ايه، أو ايه اللي بيحصل في الحارة بالضبط مخليهم بيعملوا كده في الحقيقة، أنا من الرعب اللي كنت فيه وقفت، بطلت أجري، بس الرعب ماكنش من اللي بيجروا ورايا.. شخص كان واقف قصادي، مبتسم، ملامحه مش باينه، مافيش غير عينه اللي باين عليها الغضب والسخط الشديد، وقفت قصاده، وصوت تسارع الأقدام اللي كان ورايا وقف، حتى صوت الزغاريط وقف، ده غير صوت التسقيف اللي اتحول لي صوت لطم، وناس بتصرخ، إنما في ناس تانية كانت بتصوت، أكني قابلت شيطان، وهو فعلا كان صوته زي الشيطان، صوت غليظ، بشع.. ده غير كلماته اللي كانت مريبة لما قال:
-الهروب كان صعب، عجبني.. بس إنك تطلع الزين من بيته، تبقى أبواب جهنم اتفتحت، وتشريفة أبليس بموت.
بعدها حسيت بحرارة شديدة من جسمي، وده خلاني أبتدي أفقد الوعي، أخر حاجه شوفتها ابليس.. بالرغم من انتصارة اللي ترجمته من اللي حصل، لكن كان حاسس بالغضب، منها رفع ايده للسماء بحزن، بعدها بص ليا بدموع الشياطين، لكن المسلسل ده كان انتهى بعد ما صحيت من النوم، جسمي كله كان عرقان، لدرجة إن السرير كان مبلول، ولو أمي صاحية، كانت هتفتكر إني حنيت لأيام الابتدائية، وإن الزمن رجعني عيل صغير، بصيت في الساعة لقيتها 5 الفجر، حمدت ربنا اني صحيت على معاد الأنسة ولبست في السريع، بعدها نزلت على الجراج اخدت التوكتوك وطلعت على الحارة.. حارة زينهم، قلبي كان مقبوض وقت ما دخلت الحارة، كنت مرعوب من شكل الناس، ده غير الحلم اللي بيتعرض قدامي دلوقتي، قطع كل ده الأنسة وهي واقفه على باب البيت مستنياني، ابتسامتها الرقيقة نسيتني كل الخوف اللي في قلبي، ورجعت جوايا منير الشقي، ده لما قولت:
-مش عيب بردو أبقى عارف الأنسة من امبارح، ولسه ماعرفش اسمها، ده احنا ناقص يبقى بنا عيش وملح.
ابتسمت وقالت:
-نور.. نور محمد.
ركبت التوكتوك وأنا بقول:
-خدامك منير، على فين إن شاء الله.
-أنت لحقت تنسى ولا إيه يا منير، على المستشفى اللي قولتلك عليها.
-معلش بقى يا أنسة نور، أصلي ماصطبحتش النهاردة، اعذريني بعدم اللامؤخذة.
-طب يلا يسطا، متأخرناش بقى.
-عنيا.
طلعت على المستشفى، الطريق أخد ساعة تقريبا بسبب الحواري الكتير اللي بطلع وبدخل منها، طول الطريق كنت باصص في عينها من المراية، ربنا ستر في حادثة والتانية، بس جات التالته وشالتنا من على الأرض شيل، التوكتوك اتقلب، وأنا ماكنتش داري بأي حاجه، عضمي كله اتكسر، ونور رقابتها اتلوحت، حاولت أقوم لكن ماقدرتش، زحفت على بطني أطمن على نور لقيت وشها اتغير، كان مرعب، اتشوه أثر الحادثة، لكن مش حادثة توكتوك اللي ممكن تعمل كده، ولو ده حصل، فصوتها اتغير ازاي، مش ده صوت نور اللي أنا كنت بسمعه، ده لما قالت بصوت مبحوح:
-فوق، فوق.. الطريق.
بعدها صرخت في وشي وقالت:
-هنعمل حااادثة.. الفرامل.
فوقت وانا في التوكتوك، دوست على الفرامل، عربية نص نقل كنا هنلبس فيها، كل اللي كنت بحلم بيه ده كان مُجرد كابوس، لكنه كابوس مُرعب، خلى دمي كله يهرب مني، ولما وصلنا المستشفى طلبت مني استناها لغاية ما تخلص، فعلا فضلت مستنيها حوالي ساعة، أو ساعة ونص، عقبال ما طلعتلي مرة تاني والحزن زايد على وشها، ركبت التوكتوك من غير ولا كلمة، أما أنا فاتحركت بهدوء، لكن فضول الأنسان كان ملازمني طول الطريق، وبتلقائية قولت:
-مالك يا أنسة نور، أنتي كويسه؟.. فيكي حاجه طيب؟.. احنا قريبنا من بعيد دكتور أسنان، لو يساعدك يعني في حاجه.
برغم الحزن اللي فيها ضحكت وقالت:
-أنت مختلف أوي يا منير، لا وكمان دمك خفيف، دكتور أسنان ايه ده اللي هيساعدني، أنا عندي كانسر.
-كانسر ازاي يعني؟
قالت بحزن:
-سرطان، سرطان يا منير، والدكاترة عايزين يبتدوا كيماوي على طول، فمش عارفه هقول لأهلي ازاي؟
الحقيقة أول ما عرفت إيه هو المرض اترعبت، عيون الملاك اللي كنت شايفها في المراية اتحولت لعيون جثة هيأكل فيها الكيماوي لحد ما تموت، أفكار ومعتقدات قديمة عيشت معاها سنين، بس دي حقيقة ولا بد إنها بتحصل، حسيت وقتها إنها كانت مستنية الرد بتاعي، فقولت وأنا ببصلها في المراية :
-وأهلك هيمانعوا بعلاجك ليه!.. هما مستغنين عنك؟!
-ممنوع علينا دخول المستشفيات، وده من زمن طويل أوي، من بداية الحدوتة يا منير.
-وتطلع ايه الحدوتة اللي تمنعك من دواء ربنا ده.
-ونعم بالله يا سيدي، بس الحدوتة كانت بدايتها غلط كبير، واللي يسامح مرة ميسامحش اتنين، وانا قدامي سنة على ما يبتدي الورم ياكل جسمي كله، هعيش فيها قبل ما نهاية الحدوته تخلص، والحدوته نهايتها موت.
كلامها ضايقني، و كل كلمة اتقالت اكنها اتقالت في حقي أنا، يعني ايه انسان يتحرم من العلاج تحت أي ظرف أو على الأقل دخول المستشفى، بان على وشي من المراية الزعل من كل كلمة اتقالت.. نور حاولت ساعتها تطفي النار اللي قادت جوايا، أكني عايش قصة حب افتعلتها أنا مع زبونة ماعرفش أهلها، ولما وصلنا الحارة، ولحد باب البيت اخدت حسابي اللي هو 200 جنية، وده لأني كنت محتاج الفلوس أوي، بعدها نور عزمت عليا اننا ناكل العيش والملح مع بعض واطلع اتغدى معاهم، في البداية رفضت، لكن بعدين وافقت الحقيقة، وطلعت الدور التاني.. الدور اللي نور ساكنة فيه، وقتها عيل صغير كان نازل على السلم، أول ما شافني فضل مبرق فيا، بعدها بص لنور، لكنها كسرت حاجز التوتر ده بابتسامة، الطفل نزل على السلم وهو باصص ليا نفس النظرة، أما نور فشدتني من ايدي ودخلتني من باب الشقة، بعدها ندهت على أمها وقالت:
-يا أم الزين، تعالي عندنا ضيوف.
أم الزين خرجت، كانت ست صعيدية، لابسه عباية سودة، أول ما شافتني فضلت مبرقة ليا نفس التبريقة، بصيت على نفسي وقولت:
-هو في ايه!!.. هو أنا فيا حاجه غلط!!.. كل ما حد يشوفني يبرقلي كده!!
اتكلمت أم الزين بحنجرة شديدة:
-بيعمل ايه ولد الأفاعي ده هنا يا بنت بطني؟
نور كحت من الكسوف، بصيتلي وهي محرجة، بعدها بصت لي أمها وقالت:
-جرا إيه يا أما، بقولك ضيوف، والراجل وصلني.
ردت عليها بطريقة شديدة وقالت:
-وصلك وأخد اللي فيه النصيب، ومن ميتا يا بنت بطني بنعزم الأسطوات عندينا، أنتي ناسية القصة واللي كان، ماتنسيش إن الزين ممكن يحي في أي وقت، إحنا ما صدقنا خلصنا.
حسيت وقتها إني في المكان الغلط، والوقت الغلط، فقولت:
-طب أنا ممكن استئذن يا ست الحجة مافيش مشكلة خالص، انتي شكلك مش فاضية، والست نور بخير، بس كان ليا طلب بس عندك، تودوها المستشفى تاخد علاجها، وهي هتبقى فل على خيرة الله.
التبريقة بتاعة أم الزين زادت.
تتبع
(الجزء التاني والأخير)
التبريقة بتاعة أم الزين زادت، قربت من نور وقالت:
-يقصد إيه ولد الأفاعي ده؟!
قولت بصوت واطي:
-افاعي بردو!
بعدها نور قالت بهدوء:
-سرطان يا أما وهينهش فيا، مافيش غير السكوت والرضا، ابن الزين مش هيهدى.
أم الزين أخدت نور في حضنها، والدموع كانت بتنزل من عينيها وهي بتقول:
-القصة واعرة يا بنتي، واللي حصل زمان ما يتنسيش واصل.
بعدها بصت ليا وقالت:
-وانت يا ولدي، تقعد تضايف وتمشي، احنا ضيفنا مايسيبيش مطرحنا بمعدة فاضية واصل، حتى لو كان مش مرغوب فيه.
لسه كنت هنطق أعترض.. أعرض عليهم اني همشي، لكن أم الزين قاطعتني وقالت:
-اقعد هنا وماتتتحركش واصل.
بعدها بصت لنور:
-وانتي يا بنيتي تعالي ورايا.
دخلوا الأوضة اللي جوه، وأنا كنت قاعد على الكنبة شامم ريحة أكل زي بتاع برا، مش الأكل الباير اللي أمي بتعمله ده.. في نفس الوقت كنت سامع صوت عياط حد، ومن الواضح إنه صوت أم الزين، وده بسبب الحزن على بنتها نور.. لكن صوت العياط كان انتهى، معاه الولد الصغير اللي شوفته على السلم فتح باب الشقة، أول ما شافني فضل مبرق لغاية ما دخل لنفس الأوضة اللي دخلت فيه أم الزين ونور، افتكرت وقتها الحلم، والزين، الزين اللي ظهر في الحلم، ده لأني كنت بشبه على الأسم ده من ساعة ما وصلت، وبمُجرد ما الأكل اتحط، أم الزين والطفل ده كانوا لسه بيبرقولي، ده غير إن أنا الوحيد اللي على السفرة اللي كنت باكل، لكني تشجعت وسألت السؤال اللي محيرك، وكان محيرني أنا شخصيا:
-ألا مين الزين ده يا حماتي، أصل الأسم مش غريب عليا وكنت بشبه عليه.
خبطت على الطرابيزة بقبضة ايديها الأتنين وقالت:
-طبقك فضي يا ولدي، عايز تاني، ولا هتشوف مصالحك؟
نور وقتها كانت هاديه، مش بتتكلم.. ده لأنها كانت خايفة ترد، أما أنا فحسيت إني بتطرد بالذوق، فخدت بعضي ومشيت، حتى السلام لما رميته، ماحدش رده:
-وعليكم السلام يا حلو.
ده كان صوت جارتهم في الدوي اللي تحتيهم، ست في الأربعينات من عمرها، لابسة عباية سودة، جسمها متناسق، حلم لأي شاب أعزب في سني:
-وتبقى مين ذات الرداء الأسود؟
ده كان ردي عليها، لكن ضحكتها اللي بعد الرد خليتني اتنفض من مكاني:
-العب يا رياسة.
شديتني من التي شيرت اللي كنت لابسة، أخدتني لجوه وقالت:
-وانت بقى سواق توكتوك بس، ولا ليك في الصيانة، أصلي محتاجة صيانة مستعجله.
-أحم، ونوع الصيانة ايه يا ست…
-ندى العو، وبينادوني يا زيكو.
-طب يلا على الأسطبل يا زيكو.
اخدتني لغاية الحمام، بعدها اديتني مفك وشويه حاجات وقالت:
-السخان ياخويا.. مش عارفه ماله معلق بقاله فترة، خلصهولي وهديك اللي فيه النصيب.
بصيت عليها من فوق لتحت وقولت:
-ويبقى ايه اللي فيه النصيب ده؟
قلبت وشها وقالت:
-فلوس يا عنيا.
-أه لا أنتي طلعتي فهماني غلط خالص، أنا سواق يا زيكو، بس انتي طلعتي عو.
زقت ايدي، قفلت الباب، بصت في عيني، انما عينيها فبدأت تتحول لعيون بيضة تماما، بس حواليها سواد مرعب، ريحتها بقت متفحمه، وجسمها بدأ يبقى نحيف، يمكن هيكلها العظمي بدأ يظهر،بعدها قالت بصوت عالي:
-الحدوتة قربت تخلص، والزين.. زين.
من الرعب زقيتها، فتحت الباب وجريت، خطوتين وكنت في الشارع، دورت التوكتوك وجريت، كل اللي في البالكونات اتحولوا، بقوا متفحمين، شكلهم مرعب، بصيت في الأرض ومشيت، فضلت أقول كل الأدعية اللي ممكن تخطر على بالك، لغاية ما وصلت لأول الحارة.
الغريب إن الدنيا كانت ليل، طلعت التليفون من جيبي لقيتها الساعة 9 مساء!!
ده غير مكالمات أمي الكتيرة، واللي طنشتها مارضتش أرد عليها، ده من رعبي أولا، لكن ثانيا كانت لأني عارف إيه اللي أمي عايزاه بالضبط، وايه سبب المكالمة.
كملت شغلي لغاية الفجر، جمعت شويه فلوس حلوين وقررت إني أريح حبتين كده بعد اليوم المُجهد ده.
أول ما روحت البيت، الدنيا كانت حر على غير العادة، إنما أمي فكانت نايمة، ده لأني مالقتهاش في الصالة، غريبة أنا عارف، بس طالما دماغي مرتاحة.. أنا مبسوط.
بمُجرد ما حطيت راسي على المُخدة، لقيتني روحت في النوم، ومن هنا بدأت الأحداث تكتمل، ده لأني حلمت بكل اللي حصل امبارح تاني، المره دي ملامح الزين بدأت تبان، راجل طول بعرض، وشه مشوه نتيجة حريق، جسمه مليان بالعضلات، أو يمكن دي تكون هرمونات عنده، لكن النتيحة كانت راجل مرعب، كنت تحت رجلية، بتوسلة إنه يعفوا عني، وإني ماعملتش حاجه ضايقته، ده كان مُجرد اقتراح صغير، بالرغم إني ماعرفش ايه الأقتراح ده، لكن الكلام كان طالع مني بكل تلقائية.
بإيد واحده الزين شالني من راسي، كان باصص للحارة وهو بيصرخ فيهم بصوته الغليظ والشديد في نفس اللحظة:
-شايفين يا حارة، شايفين الزين ممكن يعمل ايه حتى في أعز الناس لي.. أحرقوهم، أحرقوهم زي ما قرروا يخالفوا أوامري، أحرقوهم زي ما اتحرقت زمان.
بدأت أتوسل لي إنه يسيبني، لكن القرار كان اتاخد، والحريقة كانت قادت، والخوف كان اختفى من قلبي، ده لأني سلمت للأمر الواقع، وإن خلاص الموضوع انتهى، والموت هيبقى من نصيبي.
بمُجرد ما حسيت بالنار في جسمي، صحيت مخضوض، قلبي كان بيدق بشكل بشع، زي كل يوم لقيت نفسي عرقان بشكل بشع، والمرة دي الحلم كان حقيقة، هدومي كانت مُحترقة كلها، قومت مخضوض من مكاني وأنا بقول:
-أعوذ بالله، أعوذ بالله.. أعوذ بالله من الشيطان الرچيم، هدومي، هدومي اتحرقت ازاي يا بشر.
وقتها لقيت الموبايل بيرن، واللي رن ده كان المنبة، ببص عليه لقيتها الساعة 5 الصبح، وأنا أصلا نايم بعد أذان الفجر على طول، يعني كده أنا مانمتش غير عشر دقايق!!.. بصراحه مافكرتش في الموضوع كتير، كل اللي عملته إني لبست هدومي ونزلت الشارع، فطرت على عربية فول عم حمص، بعدها خدت التوكتوك من الجراج وطلعت أشوف رزقي، يمكن أنسى كل اللي بيحصل ده، ومع أول زبون قابلته طلب مني يروح حارة زينهم، كان شخص لابس كاب، طويل القامة، وشه مش باين أوي.
وقتها كنت بولع سيجارة، ومع أول نفس أخدته قولتله:
-يفتح الله، مش هخش الحارة دي تاني.
-100 جنية.. ايه رأيك؟
رميت السيجارة من ايدي وقولت:
-الدفع مقدما.
حط ايده في جيبة وطلع 100 جنية فعلا، بعدها مد ايده وعطاني الفلوس.. قولت وانا حاسس بالانتصار:
-أركب يا باشا.
بس اللي ماكنتش عامل حسابة هو اللي هيحصل بعدين، وده بعد ما وصلنا الحارة، الساعة وقتها كانت 7 الصبح تقريبا، الدنيا كانت مغيمة، القمر كان لسه واضح في السماء بالرغم من إن الشروق عدى، ومع لحظة نزول الراجل من التوكتوك، بصباع واحد خلى رجالة تبعه يمسكوني، ده غير صوت الصويت اللي كان في الحارة، بس أول ما قلع الكاب اللي لابسة، وبان وشة الشيطاني، المحترق، الحارة كلها سكتت، مش بس كده، ده كلهم كانوا مبرقين، لكن أنا كنت مصدوم، ده لأن كل اللي بيحصل في الحلم، حصل على أرض الوقع، يمكن أسوء كمان، لأني دلوقتي ضحية، ضحية لسبب أنا مش قادر احدده.
الزين رفع ايده وقال:
-الوش اللي قدامكوا ده يا حارة اتكوى في النار وهو عنده عشر سنين، بعد حريق فرنة الحارة عشان يأكلكوا العيش، بس الحارة دي تخصني، ووش الملاك اتكوى مع النار اللي حرقت فيه، ولو فاكرين إن الزين بيحابي لحد، انسي يا حارة، الزين واحد، وغلطة بداية الحدوته كنت عارف إني هدفع تمنها، بس ماكنتش أعرف إنه بالسرعة دي، جدي زينهم كبير الحارة وصاحبها الله يرحمه كان بيقول حاجه واحده، العار بنداويه بحريقه، وريحة الجتة المتفحمة هتبرد نارنا، وأنا أختي غلطت زمان، لما إبن ابليس جه واغتصبها، وده في غيابي، العار لزم اختي، بس أنتوا طلبتوا السماح، والعقاب كان سهل، ماتطلعيش برا الحارة، لكن العقاب اتكسر، وكسرة موت، والموت متحدد من زمن.
بص لواحد من رجالته وقال بزعيق:
-هات البنزين يابني.
الهدوء اللي كان في الحارة ماستمرش كتير، الستات كلها كانت بتلطم وقتها، ده مش بسبب البنزين ولا الحريق، ده بسبب رؤيتهم لنور وهي بتجري في الحارة زي المجنونة، لغاية ما وصلت للزين، نزلت تحب على رجله، فضلت تتوسل له وهي بتقول:
-ابن ابليس غدر بيا من زمن، وأنا رضيت بالمكتوب والعار لزمني، لكن دلوقتي أنا مريضة، والسرطان بياكل في جسمي، ومافيش حكيمة هنا في الحارة قدرت تداويني، لكن أنت ياخويا قلبك كبير وهتقدر، ماكنتش أقصد أكسر كلامك.
الدموع وقتها كانت باينة في عين الزين، من الواضح إنه بيعمل حاجه مش عايزها، بس ساعات الشيطان بيتملكنا بشكل بشع لدرجة إنك تنفذ حاجه بشعة زي كده، لكن سرعان ما الدموع جفت من عينه، بعدها شد نور من شعرها، قطعلها خصلات كتير من شعرها في الشدة دي، ومن شدة الألم دموعها نزلت منها، إنما الحارة كلها كانت بتلطم وتصوت، لكن ماحدش كان راضي يتدخل، لحد ما جه دوري، الزين قرب مني وقال:
-زي ما وصلتها مرتين من ورايا، زي ما هتشوف موتها، وبعدها هنقرر موتك انت هتبقى ايه، حارة زينهم ليها كبير، وماحدش يخشها من غير إذن، فاهم يا ابن امبارح؟
كنت هنطق لكني خدت ضربة على دماغي شلت حراكتي، انما ام الزين وابنها نزلوا جري ورا نور، بعد ما الزين أمر بحرقهم، أم الزين حاولت تعترضه، لكن قلبه كان مات، أمر بالحرق حتى لو أم الزين هتتحرق معاها، واللي ماكنش عامله حساب إن الحرق كان قريب من الفرن، وبمجرد ما ابتدت العملية وحرقوا نور جريت على الفرن، والفرن باللي فيه بدأوا يولعوا، وبانفجار كبير الحارة كلها ولعت، الناس كانت بتجري في الحارة زي المجانين، والزين قرب من اقرب حريقة جنبة وحدف نفسه فيها، أكنه مش مبالي باللي بيحصل، إنما أنا فمن الريحة أغمى عليا، وأخر حاجه شوفتها كان ذعر الناس.
صحيت مرة تاني وأنا مرمي على الأرض، هدومي كلها كانت محروقة، والحارة ريحتها مفحمة، بس مافيش ولا جثة على الأرض، دورت على جثة نور مالقتهاش، لكني لقيت نور نفسها واقفة سليمة في الفرن، قالتلي وهي بتبكي:
-اهرب يا منير، الحدوته خلصت، وانا حبيت أوريهالك، نسلك مات، وانت الأخير.
حاولت أقرب منها لكنها كانت بتبعد، وبتختفي شويه شويه في الشابورة اللي قدامي، خوفت من كل اللي بيحصل وطلعت بالتوكتوك برا الحارة، حظي إني أول ما طلعت من الحارة لقيت راجل كبير بيوقفني، مارضتش أقف، لكن كلامه وقفني لما قال:
-ايه اللي دخلك الجارة الملعونة دي يا ابني!.. الحارة دي محروقة بقالها عشرين سنة!
ماهتمتش بكلامه، جريت على بيتنا، اترميت في حضن أمي، وبالرغم من إني ماكنتش متوقع باللي هيحصل، لكنها زقتني وقالت :
-ابعد بريحتك المعفنة دي، فينك بقالك اسبوعين يا ابن ابليس!
اتصدمت من اللي اتقال، ومش اتصدمت بس، لأ انا اترعبت ، فقولت:
-اسبوعين ايه ياما، انا ماشي مبقاليش كام ساعة!
-لاااا، مانت هتدفع الكمبيالة يا ابن ابليس، مش هتعملهم عليا.
بدأت اجمع كل اللي بيحصل حواليا وقولت:
-هو انا ليه ابن ابليس؟
ضحكت وقالت:
-عشان بتشبه ابن ابليس، اسطا كده في موقف كان قريب ابوك، كان فاسد زيك، بيقولوا انه اغتصب واحده في حارة من اياها.
سيبت امي وقومت، بلعت ريقي وانا بضرب كف على كف: