لو أنت من حدايق القبة، فأنت أكيد تعرفني، وتعرف حكايتي بالكامل، شهاب الدين محمود، أيوه، بالظبط، اللي ساكن في شارع البيت المسكون، تحديدًا اللي ليه حكاية مرعبة مع البيت ده، ويمكن لسه لها أثر في حياتي لحد دلوقتي، بعد ما وصلت ٣٠ سنة..
اتولدنا لقينا البيت ده على حاله كده، لا نعرف مين بناه ولا هجره وساب ليه، ولا حتى اللي قبلنا – الجيل الأكبر – عنده معلومة مفيدة، اللي يقول أصل صاحبه كان عايش في الخليج، ورجع مصر بناه، وسافر فمات بره، وماكنش ليه ورثة تورثة، وحكايات من دي كتير، لكن الحكاية الأكثر شيوعًا، ألا وهي إن البيت مسكون بالجن والعفاريت والأشباح والشياطين، وكل ما هو مرعب، يندرج في قائمة سكان البيت .. ولو لاحظت، البيت فعلًا عجيب، طراز البناء مش قديم زي ما بيشاع عنه، بمعنى أنه مش من ٢٠٠ سنة مثلا، أو حتى ١٠٠، يا دوب تقدر تقول ١٠ سنين فاتوا بس، وأنا بشوفه على حالته دي من ٣٠ سنة، بالإضافة طبعًا أنه مبني من قبل وجودي في الحياة، دي نقطة، أما الكلام عنه إنه مسكون، فالكل أجمع على كده، وأنا منهم، بس خليني أقولك الأول، إن الناس كانت بتسمع أصوات خارجة من البيت، ومش أصوات صريخ وخبط وخلافه، لا، كانت أصوات عادية زي أي بيت في مصر، مثلا تسمع واحدة بتزعق لابنها لأنه ماعملش الواجب، أو حد مشغل أم كلثوم، أنوار الشقق بتتفتح، خيالات لناس قاعدين في البلكونات، أو اللي واقف في شباك، أو حتى واحد أو واحدة بينشروا الغسيل، لدرجة إن البيتين اللي على يمينه وشماله، سكانهم أكدوا، أنهم بيشموا من المناور روايح أكل! وده دفع فصول الناس لاستكشاف اللي بيحصل جوه البيت، الكل بيشوف من بره، بيت مهجور من سنين، لكن اللي بيسمعوه وبيشوفوه عكس كده، الباب مقفول ومصدي، وفي نفس الوقت، فيه حياة كاملة جوه!.
وبناءً عليه، حاول البعض يكسر بوابة البيت الحديدية المصدية ويدخلوا، لكن كل محاولتهم فشلت، لدرجة إن مرة واحد أجر بلدوزر عشان يدخل في البوابة يكسرها، والنتيجة كانت إن شوكة البلدوزر هي اللي اتكسرت! والراجل ده فضل فترة كبيرة بعدها عنده حمى، ومفيش أي علاج بيأثر فيه، لحد ما خف كده لوحده، لما الناس اتراجعوا عن أفكارهم في دخول البيت .. من هنا بدأ الكل يخاف فعلاً، واجتنبوا البيت وشغفهم قبله، وحذروا عيالهم من الوقوف عنده، أو اللعب قصاده، لحد ما بقيت أنا في ٣ إعدادي، تقريباً كان عندي ١٤ سنة، وكان ليا شلة من ٨ أصحاب كلهم من سني، اتولدنا في نفس السنة، في نفس الشارع، فبقينا صحاب في كل حاجة، جيران وزمايل مدرسة وأهل، مابنفترقش أبدًا، حتى لما قررنا نستكشف البيت اللي فيه العفاريت، القرار كان جماعي.
قبل اليوم اللي قررنا فيه ندخل البيت، بابا بعتني بعد صلاة العشاء أجيب له سجاير، لأنه رجع ونسي يجيب، وكنا وقت شتاء ومدارس، فالأجواء كانت هادية، وفي العادي، شارعنا هادي جداً أصلا، فالشتاء أضاف لمسته أكتر … روحت جيبت السجاير، ووأنا راجع، ولازم أعدي من قصاد البيت إياه، لمحت راجل واقف على الباب، تقريباً كان في سن بابا، حوالي ٤٥ سنة، لابس عباية زي اللي بيلبسها الإمام على المنبر في صلاة الجمعة على التليفزيون، وتحتها باين جلابية بيضا، بس ملوش ملامح واضحة، رغم إني مكنتش بعيد عنه لمسافة تخليني ما أقدرش أحدد ملامحه، وفي نفس الوقت، مش شايف له ملامح، هي هيئته بس اللي تدل على سِنه، قربت أكتر، فخوفت، نبض قلبي صوته بقى أعلى، وحسيت إن جسمي جمر.ة نا.ر، فوقفت عن الحركة ط، بصيت حواليا ماكنش فيه قطة حتى ماشية في الشارع، سكون رهيب، بس مادامش كتير، ك.سره صوت بيقولي:
_ قرب يا شهاب، ماتخافش، قرب من عمك المحرم.
بلعت ريقي من الخوف، لما لقيت الراجل هو اللي بتكلم، ووشه باصص لي، بس فعلا مفيش ملامح أقدر اوصفها، كأن على وشه علامة تشويش، زي اللي بتتعمل في بعض الفيديوهات دلوقتي، جسمي اترعش كأني اتكهربت، وعرقت، وحسيت إني انعزلت عن العالم اللي أعرفه، رجع قال تاني:
_ قرب يا شهاب، قرب عشان تعرفهم.
غصب عني اتحركت، مسلوب الإرادة، قوة أكبر مني دفعتني أتقدم خطوات، لحد ما المسافة بيني وبينه بقت قليلة جدًا، ولسه مالوش ملامح، قال:
_ مش مهم الإنسان يعرف كل حاجة، المعرفة ساعات تضره أكتر ما تفيده، ومن رأيي، مايهمكوش البيت ده اتبنى ليه ولا ازاي ولا مين صحابه ولا سكانه، سيبوا خلق الله في حالهم، واللي قبلك ماعرفوش يدخلوا البيت يا شهاب، أنت واصحابك هتعرفوا؟ طيب أسأل بابا كده لما عمك الكبير جاب البلدوزر وجه يكسر الباب إيه اللي حصل له، وهو بقى يحكي لك .. نصيحة مني ليك، توصلها للكل، ونصيحة تحتفظ بيها لنفسك، الأولى انكوا تنسوا البيت ده خالص، وتبنوا على بابه بوابة حديد وأسمنت وخشب، المهم تقفلوها نهائي، وتصدوا أي حد عن شغف الدخول، لأن ساعتها مش هضمن سلامته .. أما التانية، أعرف إن الدنيا دي، فيها كتير غير البشر، أجناس، وعوالم، بتاكل وتشرب، بتتجوز وتشتغل، مؤمنين وعاصيين، بيسبحوا وبينكروا، زيكوا تمام، مش برضو فيه بشر بينكروا وجود الله وفيه مؤمنين؟
هزيت دماغي إنه أيوه، فقال:
_ والعمارة دي فيها من كل دول، بس مش منكوا. بلغهم اللي بلغتك بيه.
فجأة صرخ، اتنفضت على صوت بابا بيزعق فيا:
_ أنت واقف هنا ليه؟ وكنت بتتكلم مع مين وبتهز له دماغك، انطق، أنت كويس، في إيه؟
بصيت للبوابة، ولقيت الراجل اختفى، بصيت لبابا تاني وقولت له بصوت مش طالع من الخوف:
_ واحد كان هنا، في سنك تقريباً، قالي ماحدش يقرب من البيت، وأبلغك تبني بوابة حديد وأسمنت على باب العمارة، بأمارة اللي حصل لعمي الكبير “راغب”.
بابا ساعتها برق من الخوف والاستغراب، وشدني من ايدي لحد ما طلعنا شقتنا، وفضل معايا بدون أي كلمة طول الليل لحد ما نمت، وتاني يوم طلب مني أحكي له كل اللي حصل، فلما حكيت له بقى في قمة الاستغراب والحيرة، ونزل الشارع، غاب حوالي ٤ ساعات، لحد ما سمعت صوته في الشارع مع دوشة، ولما بصيت من البلكونة، لقيته هو ورجالة الشارع جايبين حداد وبنا، بأدواتهم وعدتهم، عشان يبدأوا ينفذوا اللي بلغته بيه، وبعد ما خلصوا، قفلوا على كده بخشب، ومن يومها، والبيت زي ما أهو في الصور كده، متقفل عليه تقفيل قوي جداً، وبس سابوا فتحة صغيرة، ولو بصيت من الفتحة مش هتشوف حاجة، لأنها مليانة ورق مكتوب عليه قرآن لحفظ الأنفس واحتناب الشرور..