قصه حكاية لم تكتمل (القصة لطيفة، هتحب تقراها. وأوعدك مهما خمنت هتتفاجأ بالنهاية. جهز حاجة تشربها)
بقالي زيادة عن ساعة شارد
في شاشة الكومبيوتر اللي قدامي، حاسس بتبلد شديد في تدفق الأفكار، حتى أيدي كفت عن الحركة تمامًا واسترخت على زراير الكيبورد..
الحبسة دي بتكون ألعن شعور بيطرأ على الكاتب، وقتها بيحس بمشاعر مختلطة، مضطربة، من اليأس والإحباط وتديجيًا بيضيق عليه كل شيء من حواليه. الكارثة اللي ملازماني من أول ما قررت أكتب قصة جديدة أني مش متأكد من أي فكره، كل ما أكتب شيء أحس أنه فيه أفضل بس هو محتاج شوية تركيز عشان أوصل له، أو أحس أن الفكرة مش مناسبة، طفولية زيادة، غير ناضجة، الإثارة اللي فيها رخيصة، أحداثها مملة.، فكرتها مبتذلة أتهرست كتير، محتاج أجدد، محتاج نوع مختلف من الأفكار، محتاج أصنع معجزه تُثمر عن تجميع الكلمات.
قصه حكاية لم تكتمل
وحتى لو وصلت للفكرة، بعاني عشان أقدمها، ممكن أكتب كام سطر لكني لما أراجع اللي كتبته أحس أن فيه شئ ناقص.. تنسيق الجمل؟ مش عارف.. لغة السرد؟ معتقدش.. أيوه هي المقدمة اللعينة.. مقدمة غبيه فعلاً.. لكني لما أرجع أقراها تاني ألاقيها عادية و مقبولة.
أخيرًا بمل من كل شيء و بحذف كل اللي كتبته، وأرجع من جديد للحالة اللي أنا فيها دلوقتي، شارد في بحر الشاشة الأبيض، بدور على فكرة أو طريقة تكون وسيلة للغاية المنتظرة، المعجزة الإبداعية. لكني دايمًا بفشل وبسرح في تخيلات ملهاش أي معنى..
اسمي كارلوس ميرس، و زي ماهو واضح أنا كاتب روائي لكني مازلت في بداية الطريق، ممكن تقول هاوي أو خليها مبسطة أكتر وقول مبتدئ متقلقش مش هزعل لكني هلعنك في سري..
الطريقة للوصول للب الفكرة صعبة لكنها في نفس الوقت بسيطة. ممكن أركز بشدة وأسخَّر عقلي بقوة أكتر وأنا ببحث عن الفكرة لدرجة أن دماغي وقتها ممكن تولد كهربا تشغل منزل كامل، لكني برضو ماوصلش للفكرة وممكن مشغلش دماغي وأتعامل مع الوضع ببساطة أكتر وفجأة ألاقي الفكرة ومضت في دماغي.. زي اللي حصل دلوقتي، حا
فعلاً قدرت ألاقي الفكرة.. ليه لا؟ بسيطة جدًا و محكمة وتفاصيلها بتفيض منها لنفسها.. خليني ابدأ..
« له شعر خفيف أشقر، عينيه لها لون أخضر باهت بيميزه حوَّل بسيط في عينه اليمين، اسمه غاس نيري، سيكوباثي في حالة اعتلال متقدم، بدأ مشوار اختلاله النفسي في مرحلة طفولته، نظرًا لوفاة أمه أثناء ولادته أضطر والده أنه يتجوز واحدة تانية تقدر ترعاه و تعوضه عن حنان الأم المفقود.. لكن حصل العكس، للأسف زوجة أبوه كانت غير مستقرة. كانت بتعذب غاس لأتفه الأسباب وبالفعل جعلت طفولته جحيم حقيقي، أما دي كانت بذرة الخلل اللي أثمرت و تفرعت بعد كده. غاس بعد ما كبر أصبحت حياته بلا معنى. أصابه خلل في طبيعة مشاعره، كان متبلد بدرجة لا يصلح معها العلاج، وكانت النتيجة فقدان أي صلة عاطفية له تربطه بالتعامل الإنساني. غاس حاول كتير يندمج مع المجتمع في البداية لكنه دايمًا كان الفشل مصير. أول شخص قتله كان قاطع طريق أستوقف غاس في طريق مهجور. غاس ساعتها معرفش أزاي قدر يتمكن منه لكن اللذة اللي حسها و هو بينهي حياته جعلته سعيد،
شعر بالنشوة عن اللي عمله، وبعد مدة بسيطة بدأ الشعور ده يتبدد تدريجيًا، لغاية ما رجع لحالته الأولى من تاني، متبلد جاف عن أي إحساس. بعدها قدر يدرك حقيقة الموضوع.
كرر غاس اللي عمله تاني وتالت وفضل مستمر من غير ما يقف عند عدد معين. ابتدا بالمومسات وبعدها المشردين وبعدين بدأ يتطور أكتر ويختار ضحية أنضف وأحسن عشان يدرك تأثير النشوة بدرجة أكبر . بدأ يختار ضحيته بعناية، بيتجول في الأحياء وبيراقب أشخاص معينة. بعدها بيتحرى عنهم وقتها بيفكر في مقدرته أنه يتخلص منهم، و وبالفعل غاس كان بارع في ده، بارع تمامًا، ارتكب جنايات كتير في أحياء مختلفة. كان بيترصد الشخص الوحيد معدوم الأسرة وبيجعله ضحيته الجديدة لأن النوع ده أسهل وعرضة غاس معاه للخطر بتكون أقل بكتير. غاس بيدخل بيوت الضحايا متنكر بهويات مزيفة لمهن مختلفة، وبواسطتها صاحب البيت بيكون مطمن له. زي مثلاً عامل النظافة، محصل الكهربا، السباك، جامع النفايات. غاس و الحق يقال كان متنوع جدًا ومتمكن من اللي بيعمله.
كان بقاله حوالي يومين بيتابع ضحية جديدة، أتحرى عنه و عرف أنه وحيد تمامًا ومبيخرجش في الغالب، غاس كان بيفكر أنه الضحية الأنسب و خصوصًا ان آخر ضحية مر عليها أسبوع وأعراض التبلد بدأت تصيبه من تاني. قرر أنه خلاص مبقاش هيستنى أكتر من كده، الفرصة لو فاتته مش هتتعوض. اتنكر بلبس جامع نفايات. ووقت ما طرق بيت الضحية، وفتح له قال له غاس أن صندوق النفايات الخاص بالبيت مش موجود بره وده مش طبيعي، طبعًا صاحب البيت أستغرب. إزاي مش موجود؟ فأقترح عليه غاس أنه ممكن يكون في الجراج أو داخل البيت وأنه ممكن يكون نسي يخرجه أو نسيه تمامًا، أنكر صاحب البيت أن ده يحصل هو مش مغفل ولا ساذج عشان يعمل كده! لكنه قدام رغي جامع النفايات المزعج أضطر يخليه يدخل المطبخ و ياخد السلة الموجودة هناك عشان يخلص لغاية ما يفهم إيه اللي حصل، ومين اللص اللي ممكن يسرق صندوق نفايات!
بعد ما دخل عامل النظافة بلحظات ظل صاحب البيت واقف على الباب بيلتفت يمين و شمال، بيبحث عن سيارة نقل النفايات. في حاجه مش طبيعية بتحصل؟ دخل المطبخ يسأل العامل عنها لكنه لما وصل مالقاش غاس في المطبخ، بدأ يرتاب و يقلق. دور في كل أوضة لكنه مقدرش يلاقيه. وقتها شعر بالخطر، الخوف و التوتر غلبه خصوصًا لما اتجه عشان يخرج من البيت ويستنجد بالشرطة من أي تليفون عمومي، وفكر أنه لو تواجد أكتر من كده في البيت أكيد هيحصل حاجة خطيرة. لكنه لما وصل لباب البيت اللي كان سايبه مفتوح من دقايق لاقاه مقفول، حاول يفتحه لكن مرضيش يتفتح تأكد أنه أتقفل بالمفتاح. غاس حبسه جوا البيت، فجأة افتكر الراحل سلاحه ولحظتها أدرك أنه مفيش مفر من استخدامه. جري ناحية أوضة المكتب، فتح الباب بهدوء وقفله وراه. لكن في طريقه لمكتبه حس بحركه وراه، وقبل ما يلحق يلف، غاس كان معاه، وما أعطهوش الفرصة. ضربه بعتلة معدنية على راسه فأفقده الوعي. شوية وفصل غاس واقف شويه بيبحلق في جسد الضحية المرمي قدامه على الأرض، ومن دون مقدمات أعاد اللي عمله بالعتله المعدنية مرة تانية. ضرب راس الضحية، مرة واتنين وتلاتة. وكل مرة بدرجة عنف وجنون أكبر. وكل مرة كان بيشهق غاس بقوة، بيطلع بيها طاقته السلبية بمعدل قوة هيدروليكية بتضخ للدراعاته القدرة اللازمة لتكرار اللي بيعمله بدون كلل. دماغ الضحية تفجرت للخارج عن جمجته المتهتكة، واصبحت الراس بالكامل في شكل أقرب للهرس.
تحرر غاس أخيرًا من لعنة تبلد المشاعر وشعر باللذة المفتقدة، ولو حتى مؤقتًا، وبعدها اتجه ناحية باب البيت و فتحه بالمفتاح اللي خطفه من على الحمالة الموجودة في الممر الموصل للمطبخ في بداية دخوله، فتح الباب وخرج مُظفّر بإنتصاره الجديد..”
ده وقته؟.. وسط انِهماكي وتركيزي لازم دايمًا يحصل شيء غبي يفصلني، فيه شخص بقاله دقايق بيخبط على الباب. الازعاج ده شيء مالوش مبرر، أكتر شيء بيواسيني في وحدتي إن مفيش حد بيزعجني، فضّلت إني مادخلش في علاقات وأتجنب أكرر نفس الدايرة المعروفة اللي هتَؤول في النهاية إني أتجوز وبعدين أخلف أطفال يعيشوني في صخب وازعاج متواصل، وقتها مهما عملت مستحيل هعرف أشتغل نهائيًا! لذا موضوع الجواز والأسرة ده صعب أفكر فيه، مقدرش أقول إني مرتاح في وحدتي لكني مقتنع بيها..
قمت من مكاني، وروحت أشوف مين السخيف ده اللي كان مازال مُصر بمنتهى الإخلاص ميوقفش خبط على الباب.
قصه حكاية لم تكتمل
كان عامل النظافة، استأذني أنه ياخد صندوق النفايات الموجود في المطبخ عندي، أو ده خلاصة اللي هو قاله من كل رغيه اللي مقدرتش أستوعب أغلبه. أنا منهك حقيقي و الشرود غالبني، بفكر في أحداث جديدة، بفكر إيه الخطوة اللي لازم آخدها بغاس عشان يكمل طريقه.
عامل النظافة كان ده وجهه مألوف شوية، فيه حوَّل بسيط في واحدة من عينيه. لكني مركزتش كتير معاه ورجعت أفكر بشرود وسط أخيلة دماغي. سمحت له أنه يدخل. وفضلت واقف في مكاني للحظات قدام باب البيت بفكر في الطريقة اللي هستكمل بيها السرد. ليه وجه عامل النفايات مش راضي يخرج من ذهني؟.. في حاجة أنا حاسسها فيه.. أشقر.. لون عينيه خضرا.. حوَّل؟
فجأة حسيت كأن صعقة ضربت جسمي، بصيت على الطريق قدامي مكانش فيه وجود لسيارة جمع النفايات، دخلت المطبخ مرتبك في حالة تشتت وشرود، أنا خيالي واسع أكيد.. ليه هفكر في حاجة زي كده؟.. لما دخلت المطبخ مكانش هناك!
بصيت في الأوض اللي جنب المطبخ لكني مالقتوش، كأنه تبخر. هنا حسيت بتوتر و قلق، في حاجة مش مبررة بتحصل. لما رجعت لباب البيت على أمل إني ألاقيه واقف عنده أو خرج منه أو أي حاجة غير إني ألاقيه مقفول!
لكني بالفعل لما وصلتله لقيته مقفول. مشيت ناحية أوضة المكتب بخطوات مرتبكة، ووقفت قدام باب الأوضة. موضوع السلاح اللي كتبته في القصة وموجود في درج المكتب، في الحقيقة ده شيء استلهمته من نفسي، لأني بالفعل عندي مسدس في درج المكتب!
قصه حكاية لم تكتمل
مكانش عندي جرأة إني أدخل أوضة المكتب، لذا لفيت بهدوء وتحركت مرة تانية ناحية المطبخ. ولكن بسرعة مكنتش اتوقعها باب أوضة المكتب انفتح و قبل ما ألتفت عشان أشوفه شعرت بثقل صلب ضرب مؤخرة راسي فوقعت، لكني مفقدتش الوعي.. ليه مفقدتش الوعي؟!
فقدان الوعي رحمة، أفضل من اللي هشعر به من ألم، هتعذب لغاية ما أموت، أنا شايفه وهو واقف فوقي بيبصلي.. شايفه و هو بيبتسم.. رفع أيديه بالعتلة المعدنية وبعدين هبط بيها عليا.. لكنها ملمستنيش..
لكني لاحظت حاجة غريبة قدامي على الشاشة، تحت الجملة اللي كنت واقف عندها في كتابة القصة كان مكتوب بخط عريض في وسط الصفحة، جملة شعرت وأنا بقرأها كأن أيد من تلج قبضت بعنف على قلبي..
«متشوق أعرف النهاية!»
قصه حكاية لم تكتمل